قصة ثلاثية بيت باكوس الجزء الثالث والاخير


بيت باكوس
(٣)
"النهاية"
فجأة سكتت انا و سعد و وقفنا حفر لما لقينا قصادنا درجة سلم، كملنا حفر بسرعة تاني لحد ما اكتشفنا إن قصادنا سلم بيدخل لمكان ما تحت البيت....!
أول ما لقينا السلم فضلنا نحفر و نحفر لحد ما بقى جاهز إن احنا ننزل فيه، نزلنا انا و سعد عالسلم الطويل و احنا منورين الطريق قصادنا بكشافات الموبايلات بتاعتنا؛ كنا بنبص حوالينا عالجدران الترابية و تقريبًا كنا لاصقين في بعض لأن السلم كان ضيق اوي لحد ما وصلنا لأخره و وقتها ابتدى يوسع، في أخر السلم لقينا قصادنا أوضة بابها مصنوع من الحجارة!
الغريب بقى إن احنا لما زقينا الحجارة ابتدت تقع حجر ورا التاني لحد ما ظهر من ورا الباب أو الحيطة دي أوضة مظلمة ظلام موحش و طالع منها ريحة وحشة اوي، دخلنا الأوضة و احنا بننور بنور الكشافات و بنتحسس طريقنا، وقفنا في نص الأوضة و وجهنا الكشافات ناحية حوائط الأوضة اللي كان محفور عليها كلام بلغة غريبة أول مرة اشوفها!
كنت واقف ببص عالكتابات اللي عالحوائط و انا مبهور لحد ما فجأة سمعت سعد بيقول...
- الحق يا تيسير الحق... الحق ف ف ف في نور طل طل طلع من الحيطة!
بصيت ناحية سعد اللي لقيته مبرق لمكان ما في الأوضة؛ المكان ده كان جاي منه نور خلاني حطيت أيدي على عيني لأن الدنيا كانت ضلمة من حواليا بس بعد شوية و لما عيني اتعودت عالنور اللي ظهر ده فتحتها تاني و اكتشفت إن النور ده جاي من ورا واحدة ست جميلة اوي؛ ست كانت لابسة لبس الستات اللي بنشوفهم في الأفلام اللي بتتكلم عن الرومانين و الحضارة الرومانية، لما ركزت معاها أكتر اكتشفت انها بتقرب مني لحد ما بقت تقريبًا واقفة قصادي انا و سعد، أول ما بقت قصادنا بالظبط بصت لي و قالت...
- أنا أناتولي.
أول ما قالت كده سمعت صوت سعد وهو بيقع جنبي عالأرض مغمى عليه، ماهتمتش بسعد على قد ما اهتميت إن انا اقول للست دي...
- أناتولي مين؟!
قربت مني أكتر و مدت أيدها ناحية راسي و هي بتقول...
- سأريك كل شيء...
أول ما حطت أيدها على راسي حسيت بصداع رهيب خلاني غمضت عيني لثواني و لما فتحتها تاني لقيت المشهد مختلف من حواليا، أنا لقيت نفسي واقف في قصر كبير و قصادي على عرش كان قاعد رجل لابس لبس الرومان و حواليه كان في جنود كتير شكلهم بيدل إنهم الحرس بتوعه؛ و قصاده كان واقف رجالة كتير على هيئة صفين و وسطهم كان واقف واحد من الحراس بس شكله و شكل لبسه بيدلوا إنه مش مجرد حارس... ده شكله قائد الحرس أو قائد في جيش روماني مثلًا!!!
المهم الرجل اللي قاعد عالكرسي ده ابتدا يكلم القائد اللي واقف قصده بلغة انا مافهمتش منها حاجة بس الواضح انه كان بيزعق معاه أو بيهدده، رد عليه القائد بكلام مختصر جدًا بلغة برضه انا مش فاهمها بس كان واضح من ملامحه انه بيتحداه بكلامه، فجأة غضب الرجل اللي قاعد عالكرسي و شاور للحراس اللي واقفين وراه ف راحوا ناحية القائد ده كتفوه عشان يقوم الرجل من عالكرسي و يسحب سكينة و يطعن بيها القائد طعنات كتير لحد ما مات..... فجأة الصور اللي انا شايفها ثبتت و كأني بتفرج على فيلم و فجأة التلفزيون اتعطل، أول ما الصورة وقفت بدأت احس بصداع تاني خلاني حطيت أيدي على راسي و غمضت عيني بس لما فتحتها شوفت ست لابسة لبس الرومانيين راكبة مركب و المركب دي وقفت عند شط و كل اللي فيها نزلوا منها بما فيهم الست اللي كان وشها واضح اوي قصادي (كانت هي هي نفس الست اللي طلعتلي في الأوضة)
نزلت الست من المركب و فضلت تمشي في شوارع منطقة بيوتها شكلها غريب اوي، وصلت الست دي عند بيت فضلت تخبط على بابه لحد ما فتح لها رجل عجوز رحب بيها و دخلها...
فجأة حسيت بنفس الصداع تاني و برضه غمضت عيني و أول ما فتحتها لقيت قصادي بيت فيه الرجل العجوز و الست دي واقفين بيتكلموا و فجأة الرجل ده مسكها من إيدها و دخل بيها أوضة من أوض البيت، وجوة الأوضة دي ضغط الرجل العجوز على حجر من الأحجار اللي مبنية منها الأوضة عشان فجأة يتفتح باب في الحيطة من وراه ظهر سلم بينزل لسرداب تحت البيت، خد الرجل الست و نزلوا السرداب ده و بعد شوية طلع لوحده من غير الست و ضغط تاني على نفس الحجر عشان الباب اللي اتفتح في الحيطة يتقفل زي ما كان مقفول و ترجع الحيطة زي ما كانت و كأن الباب ده باب سري بيودي لممر سري تحت الأرض!
خرج الرجل من الأوضة و أول ما خرج دخلوا عليه حراس شبه الحراس اللي كانوا واقفين ورا الرجل اللي قتل القائد، فضلوا يتكلموا و يزعقوا معاه بلغة مش مفهومة لحد ماهو زعق فيهم، وقتها طلع واحد من الحراس خنجر و قتله و بعد كده سابوه و مشيوا، سابوا الرجل و هو بيطلع في الروح و بيشاور ناحية الأوضة اللي تحتها السرداب اللي دخلت جواه الست، فجأة حسيت بنفس الصداع تاني بس المرة دي اما فتحت عيني لقيت نفسي واقف في الأوضة الضلمة و جنبي سعيد متكوم عالأرض زي ماهو و قصادي كانت واقفة الست الرومانية اللي قالت...
- ما رأيته هو ماحدث بالتفصيل، ففي قديم الزمان كان يحكم البلاد أمبراطور روماني يُدعى كاليجولا، ذلك الأمبراطور كان متجبرًا و ظالمًا إلى الحد الذي يوصف بالطغيان؛ أستباح جميع السيدات و أي أمرأة كانت تفتنه بجمالها كان يفعل ما بوسعه حتى يحصل عليه... و ذات يوم رأى كاليجولا زوجة أحد القادة في جيشه و عندما أعجبته و أراد الحصول عليها رفض زوجها، زوجها الذي عندما علم بأمر حب الأمبراطور لها أمرها بأن تهرب إلى الأسكندرية و تمكث عند صديق قديم له، هربت السيدة أناتولي إلى الأسكندرية و في تلك الأثناء قتل الملك زوجها عندما علم بأنه ساعدها على الهرب، وصلت أناتولي إلى الأسكندرية و مكثت عند ذلك العجوز صديق زوجها، و لكن حراس الأمبراطور عندما علموا بأن أناتولي هربت إلى الأسكندرية راحوا يبحثون عنها هنا و هناك، وعندما علم ذلك العجوز بالأمر أخفاها في غرفة سرية أسفل منزله ثم بعد ذلك خرج ليستقبل الحراس الذين توقعوا وجود السيدة أناتولي بمنزله؛ حاولوا أن يعرفوا منه أي شيء عنها و لكنه لم يتفوه بكلمة عن مكانها بل إنه نهرهم و حدثهم بأسلوب غير لائق حتى إنهم قاموا بقتله...
و منذ ذلك الحين و أناتولي حبيسة تلك الغرفة المظلمة دون طعام أو شراب حتى إنها عندما شعرت بالموت يقترب منها أمسكت بأحد ألأحجار في تلك الغرفة و ظلت تكتب به على الجدران ما حدث لها حتى تملكها الضعف و نال منها الموت..
مرت سنوات ولا أحد يعلم شيء عن مكان أناتولي حتى أن الجميع قد نسى من تكون، مرت سنوات أخرى و انتهى بها المطاف كرفات في غرفة سرية أسفل أحدى منازل الأسكندرية العظيمة، أنا أناتولي و تلك هي الغرفة التي ظللت حبيسة بها حتى توفيت، حاولت منذ سنوات أن أظهر لسكان المنزل كي أخبرهم بمكان جثتي و لكن الجميع كان يهرب و يفزع من هيئتي، حتى أن السيدة العجوز التي كانت تسكن المنزل عندما ظهرت لها و حاولت أن اتحدث معها توفت بمجرد النظر لي... و ها أنا وجدت ضالتي و رويت لك ما حدث، أخبر الجميع بقصتي و اجعلهم يخرجوا رفاتي من ذلك الظلام الموحش، أجعل الجميع يعلم أن كاليجولا هو من تسبب بموتي عندما أردت أن أهرب من طغيانه... فالموت أهون لي ألاف المرات من أن يلمسني شخص أخر غير زوجي...
أول ما الست قالت كده فجأة حسيت أن انا دايخ و غصب عني بدأت افقد الوعي و اغمض عيني شوية بشوية لحد ما فجأة سمعت صوت سعد وهو بيقول...
- تيسير... تيسير... تيسير اصحى يا تيسير... يا تيسير اصحى احنا بقينا الصبح...
فتحت عيني لقيت نفسي نايم عالسرير و سعد قاعد جنبي و بيصحيني، أول ما فتحت عيني قومت مفزوع و قولتله...
- أنا فين و جيت هنا ازاي... أحنا طلعنا من الأوضة ازاي؟!
بص لي سعد باستغراب و قال...
- أوضة.. أوضة ايه؟!
رديت عليه و قولتله و انا في حالة غريبة من عدم التصديق...
- أحنا مش كنا في الأوضة و ظهرت أناتولي و انت أغمى عليك و...
رد عليا سعد..
- يا عم أوضة أيه و تناتولي مين، أنت امبارح نمت و انا نمت بعدك و لسه صاحيين دلوقتي، بس تصدق إن انا امبارح ماشوفتش حاجة غريبة لما انت نمت جنبي، شكلك شيخ ياض يا تيسير و...
قاطعته...
- يا عم انت بتقول أيه، مش احنا امبارح بالليل نزلنا للدور الأرضي و حفرنا و لقينا سلم و نزلناه و دخلنا الأوضة اللي ف أخره و...
قاطعني سعد..
- حيلك حيلك يا عم، أحنا من ساعة ما نمنا و احنا ماصحيناش الا دلوقتي، هي العفريتة عملت معاك الصح و جننتك ولا أيه؟!
كان سعد بيتكلم و انا مش سامعه، أنا كنت بفكر في اللي شوفته و في اللي حصل، اللي انا شوفته ده مش مجرد حلم لأ، دي رسالة من أناتولي ولازم اوصلها للناس كلها، بس ازاي هوصلها و انا... بس لقيتها، فجأة قاطعت سعد وهو بيتكلم و قولتله...
- وله... هو انت معاك رقم أستاذ هاني بتاع وزارة الأثار؟!
رد عليا وهو بيحاول يفتكر...
- هاني!!... هاني مين؟!
رديت عليه...
- هاني يا ابني اللي كان بيقعد في الكافيه اللي كنا بنشتغل فيه، مش ده كان حبيبك اوي و كنت واخد رقمه عشان تحجز له الكراسي وقت الماتشات المهمة؟!
خبط سعد على راسي وهو بيقول..
- اااه هاني ابو نضارة اللي بيشتغل في وزارة الأثار، أيوه أيوه معايا رقمه.
لما قال لي كده مسكت تليفوني و قولتله...
- أديني رقمه بسرعة.
طلع سعد رقم هاني من عنده و اداهولي، أول ما خدت الرقم اتصلت بيه و لما رد عليا عرفته بنفسي ف افتكرني، رحب بيا و سلم عليا و سألني عن سبب اتصالي ف قولتله إن انا عاوز اقابله، و فعلًا وافق إن انا اقابله ف أخدت سعد و رجعنا عالقاهرة و أول ما وصلنا روحت جري على المكان اللي اتفقت إن انا اقابل فيه أستاذ هاني، قابلته و حكيتله على كل اللي حصل و بعد ما خلصت كلامي قال لي...
- هو انا اسمع عن حاجة زي دي حصلت و إن فعلًا كاليجولا ده أمبراطور ظالم، بس يعني هو انا هبلغ الوزارة و اقولهم إن دليلي على وجود أوضة أثرية تحت البيت بتاعك اللي ف باكوس هو مجرد حلم شوفت فيه عفريتة ولا روح ولا قرين واحدة ميتة؟!
لما قال لي كلامه المحبط ده قولتله...
- يا أستاذ هاني انا متأكد من كلامي، و بعدين يعني كل الناس اللي شافتها دي كانت بتكدب؟!
أبو جدي و جدي و الست الخياطة و كل الناس اللي بيتكلموا في باكوس عن البيت، أكيد كل ده مش صدفة، و بعدين انا مستعد لأي مسألة قانونية لو مالقتوش الأوضة دي تحت البيت.
رد عليا و قال لي...
- ماهو يا تيسير أكتر واحد هيتأذي هو انت، الوزارة هتحفر و هتبعت خبرا مصريين و أجانب و من وقتها البيت مش هيبقى بتاعك، البيت هيبقى ملك للوزارة و...
قاطعته...
- اللي تشوفوه، المهم اخلص من اللعنة دي و اوصل الأمانة اللي حملتهالي أناتولي، و كمان الأهم من ده كله إن انا اخلص من شبح الولية الخياطة اللي بقى ملازمني في كل أحلامي ده.
فعلًا اقتنع هاني بكلامي بصعوبة و بلغ الوزارة اللي لما راحت و حفرت في البيت أكتشفت أوضة سرية تحته، و لقوا فيها رفات سيدة رومانية و على الحوائط لقوا كلام بالروماني حفرته هي بحجر قبل تموت، كلام بيوضح معاناتها و بيوضح ظلم و جبروت الأمبراطور كاليجولا اللي بالمناسبة عرفت بعد كده إنه كان أمبراطور للأمبراطورية الرومانية من سنة ٣٧ لحد سنة ٤١ ميلاديًا، الكلام اللي كان مكتوب ماكنش واضح و كمان ماكنش متناسق بس الحكاية كملت عندي بالحلم اللي شوفته، الحلم اللي خلاني أكون سبب في اكتشاف أثري عظيم زي ده، الاكتشاف اللي بالمناسبة حل لي أزمة البيت بعد ما الدولة خدته و ادوني بداله مبلغ مالي محترم بدأت بيه حياتي من أول جديد أنا و سعد؛ فتحنا كافيه و قعدنا في بيت الدرب الاحمر و كمان بطلنا حشيش و كل شيء انتهى بالنسبة لبيت باكوس، بس الغريب بقى إن انا لحد النهاردة بصحى انا و سعد على صوت مكنة خياطة و معاه صوت أغنية لام كلثوم!
في الحقيقة مابقيناش نشوف حاجة تاني بس انا متأكد إن عفريت الست الخياطة هو اللي بيعمل فينا كده، الست الخياطة اللي بالمناسبة ظهرتلي مرة واحدة بس في الحلم و قالت لي إنها مبسوطة لأن انا كشفت السر اللي هي ماتت قبل ما تكشفه و قالت لي كمان إن روحها مرتبطة بالبيت و كمان بالأغنية اللي كانت متعودة تقعد تسمعها و هي بتشتغل على مكنة الخياطة... أغنية أم كلثوم اللي انا بقيت بكرهها و بكره لحنها قد كرهي لأشباح بيت باكوس و قد كره أناتولي لكاليجولا، بس المشكلة بقى و بالرغم من ده كله ف انا لسه لحد النهاردة بزور باكوس و بروح اقعد مع ناسها اللي حبيتهم و كأنهم أهلي بالظبط و كمان سعد حبهم و قرر يتجوز بنت المعلم صاحب القهوة، أما انا ف انا لحد النهاردة بدور على واحدة شبه أناتولي بس يارب اما الاقيها مايطلعليش واحد مفتري زي كاليجولا و يحاول ياخدها مني...
تمت
stories
stories
تعليقات



<>