قصة مذكرات طالب ثانوي



ممكن أكون بالنسبة لكم زي أي طالب داخل الثانوية جديد، لكن الموضوع بالنسبة لي كان عبارة عن مَفرمة.
أنا والدي شغال نقاش، وفي الواقع هو كبر في السن ومحتاج اللي يساعده، والمفروض يصرف عليا أنا وأخواتي الصغيرين التلاتة، أنا أكبر اخواتي واللي أصغر مني على طول كان عنده ٦ سنين.
والدي كان بيخليني أنزل معاه الشغل، كنت عارف انه محتاجني بعد ربنا، ويمكن ده السبب الرئيسي اللي مكنش بيخليني أبين له إني مضايق.

دخولي الثانوية مش معناه اني أسيب الشغل مع والدي واتفرغ لدراستي، وده كان أكتر شىء مخوفني.
والدي كان بيديني ٢٠ جنيه في اليوم، المبلغ ده كان بيشتمل على أكلي وشُربي وكل اللي ممكن أحتاجه طوال اليوم، ولو مشتغلتش مبخدش حاجة، فكان لازم إجباري عليا ادخل مَفرمة الثانوية مع الشغل.
بدأت الثانوية، وبدأت المذاكرة، كنت مصمم لنفسي جدول ليومي عشان انظم وقتي بحيث يبقي عندي وقت كافٍ للمذاكرة.
بدأت اتعامل مع الموضوع ده بس للأسف الحلو مبيدومش، الشغل مكنش ليه معاد، كنت اروح الشغل طول اليوم وارجع تعبان، ادخل أنام، ولما اصحي انزل الشغل تاني.
الموضوع بدأ يأثر على المذاكرة، كان يدوب الوقت الفاضي كنت في الدروس، وبعدين ارجع الشغل تاني، وساعات كان فيه دروس مبحضرهاش، بدأت مش عارف ألم الدنيا، الموضوع خرج عن سيطرتي.

قولت في نفسي:
- مش لازم أيأس لازم أعافر مع نفسي شوية لحد أخر نفس.
وبدأت أخد كتبي الشغل وأستغل أي وقت فاضي في الشغل واذاكر فيه، زي وقت الغداء مثلًا.
كل ده مكنش فارق معايا قد ما كان بيأثر فيا صحابي وهم بيقعدوا على القهوة، وأحيانًا كانوا بيخرجوا يتفسحوا، حتي المتفوقين منهم كانوا بيخصصوا وقت في الأسبوع يهدوا نفسهم شوية من ضغط المذاكرة.
كنت بشتاق اقضي شوية وقت زيهم، بعيد عن أي ضغط، ولكن رغم الضغط اللي كنت فيه، مكنتش مدي للمذاكرة حقها، وكان احيانًا بتعدي عليا أيام من غير مفتح كتاب.
استمر الوضع على كدة لحد ما بقى فاضل على الامتحانات أسبوع واحد، في الوقت ده أنا كنت قاعد بحل امتحانات، مش فاكر أي حاجة ولا كنت عارف اجاوب على سؤال واحد.
كنت في حالة انهيار، اتجننت، قعت اعيط جامد جدًا، محتاس حوسة جامدة، كل اللي كان نازل عليا ساعتها العياط، مش عارف أعمل حاجة غير إني أعيط.

جت ليلة امتحان أول مادة اللي هي العربي، في فجر اليوم ده، وأنا بصلي الفجر كنت بعيط جامد وأنا ساجد وبدعي:
- يارب سهل لي يارب، يارب أنت عالم بحالي، أنت عارف أنا عايز ايه، يارب أنا طمعان في كرمك، عارف إن مستوايا ميخلنيش أجيب درجة النجاح، يارب وفقني يارب، يارب انصرني.. ياااارب.
دخلت اللجنة، قاعد متوتر، عمال اقول أدعية، وأول ما دخل المراقب بورق الامتحان، دقات قلبي بدأت تزيد، ايدي بتترعش من كتر التوتر، الامتحان اتحط قدامي، غمض عيني، وقرأت سورة الفاتحة، وبعدها سورة الشرح، ونطقت البسملة، وبدأت اجاوب..
امتحان ورا التاني، في كل مادة ببقى بنفس الحالة دي تقريبًا، بعد كل امتحان اقول الحمد لله عدى على خير، لحد مخلصت أخر امتحان.
في انتظار النتيجة، الصراحة كنت مطمن، مكنتش في اضطراب ولا توتر ولا حاجة ساعتها، كنت واثق في ربنا جدًا أنه هرزقني بمجموع كويس، لأني وأنا بجاوب في الامتحانات؛ كانت بالنسبة لي سهلة، مع ذلك كنت متأكد ان في حاجات مجاوبها غلط.
مجموعة من صحابي عرضوا عليا نروح نتفرج على فيلم في سينما، كنت متحمس جدًا للفكرة دي، خصوصًا كان معايا قرشين كويس، وده شجعني على الفكرة.

روحت البيت لقيت والدي بيقولي:
- يلا عشان هتسافر إسكندرية في شغل، هتروح قرية سياحية في الساحل، طالبين نقاشين، عشان تشطيب شقة، وأنت فاهم الشغل كويس، وهتقدر تقوم بيه لوحدك، وأنت عارف صحتي مش زي الأول ومش هقدر اسافر.
- بس ي حج اا
- من غير بس هنطلع منهم مبلغ كويس هيفرق معانا بعدين، أنا استنيت لما تخلص امتحاناتك عشان تسافر ومش هينفع تنأخر عن كدة، هيشوفوا غيرنا.
سفرت وجوايا يقين اني أيأس واحد ممكن يتخلق، ده اللي كنت فاكره لحد بعد ما سفرت بيومين، الصراحة انبسط جدًا، الموضوع مكنش مجرد شغل وخلاص، ده كان مصيف بالنسبة لي، كنت بشتغل والوقت اللي ببقى فاضي فيه كنت بقضيه مع البحر.
معتقدش كنت هبقي مبسوط كدة لو مكنتش سفرت، بعد ما الشغل خلص، جهزت نفسي علشان امشي وكان صعبان عليا امشي واسيب الجمال اللي أنا فيه ده.

رجعت البيت، عيون والدي كانت بتدمع، قولت وأنا مخضوض:
- مالك ي حج؟!
أخدني في حضنه وقالي مبرووك يا حبيبي انت نجحت وجيبت ٩٢٪.
كان هاين عليا أطير من الفرحة، كنت حاسس أنه مفيش حد قدي، كنت حاسس اني مالك الدنيا وما فيها، سجدت شكر لله لأنه مضيعش تعبي وهمي وحرماني.
اللي حصلي في السنة دي كان من أكبر الدروس والمواقف اللي اتعلمتها في حياتي، فعلًا ربنا كبير ومبيضيعش تعب حد، وعلى فكرة أنا مش أبأس واحد ممكن يتخلق، أنا أكتر واحد ربنا بيحبه.
الحمدلله الذي تتم بنعمته الصالحات..
تمت.
stories
stories
تعليقات



<>