رواية من أنت
الفصل السابع عشر
وما إن وقع نظري على حامد حتى وقف بسرعة وابتسم ابتسامة لم أفهمها ..أيعقل أن تكون ابتسامة الشوق ..ولكن سرعان ما بدلت شفتيه طريقها لأن سماهر لحقت بي كالمجنونة ..وهي تقول: لقد دخلت دون استئذان ..فعلا إنها امرأة وقحة ..
لم يكن في بالي أن أجيبها أصلا ...تركتها تحترق بغضبها وخبثها ..ورسمت على وجهي ابتسامة غير معروفة الأسباب ..وحامد هو من أجابها بدلا عني :شكرا لك سماهر لن أخصم لك من الأجرة ..
ووقفت متسمرة مكانها لثوان معدودة ولكنه أشار إليها بالذهاب… فذهبت وهي تجر أذيال الخيية وراءها..
وما إن أفلت سماهر حتى نظر إلي حامد بابتسامته الجميلة ..وكأن عيونه ستتحدث بدلا عن لسانه ثم قال: هيا استلمي عملك الآن !!
-أين ؟؟
-هناك ..
وأشار إلى مكتب صغير لم ألحظ وجوده قبلا ..ولا حتى سماهر على ما يبدو ..ثم أردف قائلا :هل ظننت أنك مع الأيام ستبتعدين عني ..بل ستكونين أقرب وأقرب...عملك هنا معي في هذه الغرفة ..فأنا لا يمكنني الإستغناء عن جهدك ونشاطك سيدة لمى ..
تملكتني فرحة عامرة ..فأنا حقا كل الذي أشعره الآن أنني لا أريد الإبتعاد عنه ..وإن كان قربه نارا ستحرقنا معا ..
وبدأت بتوضيب مكتبي ..وطبعا لم يكن هناك الكثير من الأعمال ..يبدو أن عملي الجديد ما هو إلا حيلة اخترعها إما ليقربني إليه وهذا احتمال بعيد ..وإما ليكسر قلب سماهر ..لأنه من النوع المعاند ..وبدا واضحا أن سماهر تتعامل معه كشخص تعرفه خارج العمل ..ويبدو أن هذا الأمر يزعجه كثيرا ..
انتهيت من العمل ..وجلست في مكاني المعهود ..ثم قلت بلهجة شبه معارضة :والآن ماذا عليّ أن أفعل ؟؟
-لا شيئ يكفي وجودك هنا ..
طبعا أخجلتني جملته تلك ..ثم تحول خجلي إلى توتر وخوف بعدما أخبرني أن فادي اتصل به البارحة ولم يبدُ عليه السعادة كولد وجد والده مؤخرا ..
************************************
يا لروعة خديها عندما تحمران كالوردة الفواحة من الخجل ..لقد بدأت أتقرب منها وأشعر أنه لدي الحق في التدخل بخصوصياتها على الأقل مثل عدنان الذي يحترمها ويساعدها كثيرا ..وآليت على نفسي أن أتحدث بالأمور التي تفتح مجالا أكبر للتحدث ..فقلت لها: هل تعلمين أن فادي اتصل بي البارحة ولم يكن سعيدا سعادة طفل وجد والده بعد انقطاع ..
فتحولت حمرة خديها إلى اللون الأسود وتملكها اليأس ثم تمتمت :لا يجدر بأي شخص أن ينجب الأولاد ما لم يكن واضعا في باله أن يؤمن له الحياة اللازمة ..إنها جريمة بحق الأطفال ..ولو كنت أعلم أن راشد سيكون بهذه العقلية لتطلقت قبل أن أجني على فلذة كبدي ..
بالكاد استطعت أن أفهم كلامها ..ولو أن العاشق لا يصب جام تركيزه على صوت 🔉 وحركات ونفس معشوقه.. لما فهمت شيئا من تمتماتها… وقلت لها بصوت شجاع: هل لي أن أسألك سؤالا خاصا ..؟
أجابت بصوت حزين: تفضل !!
-ما هو سبب انفصالك عن زوجك ..؟
فابتسمت ساخرة وقالت: هل تصدقني لو قلت لك لا أعلم ..!
-نعم أصدق ..فأحيانا نحب أشخاصا لا نعلم سبب حبنا لهم ..وكذلك لا نعلم سبب فراقنا عنهم ..
-لا ..الموضوع مختلف هنا ..الحب يزورنا عنوة ..ويدخل قلوبنا دون استئذان ..أما الفراق فلا بد لأحد الطرفين أن يملك الحقيقة ..ربما للملل دوره أيضا ..ولكن الذي لا أفهمه في عقول الرجال ..لماذا بعد الطلاق يصرون على زوجاتهم بالعودة إلى عالمهم مستخدمين أعز ما تملك المرأة ..فلذة كبدها ..
شعرت بالتوتر بعد كلماتها السامة التي شوشت تفكيري ..هذا يعني أن راشد مصر على إحياء تلك العلاقة مجددا والتي ستقتلني إن فعل ..ولكن ما رأيها هي ..هل ستعود إليه بعد الذي لا أعلم ما فعله لها ..فسألتها:
-هل تودين إصلاح ما فسد بينكما ؟؟
وقبل أن تجيبني دخلت سماهر ..وعندما انتبهت لوجود لمى جالسة على كرسي المكتب ..نظرت إلي بكيد وقالت :ماذا؟؟ألن تزاول الست لمى عملها؟
-بلى إنها في عملها !!
-ماذا تقصد ؟؟
-كما ترين إنها سكرتيرتي الخاصة جدا إن صح التعبير ..
-ولكنك لا تحتاج إلى سكرتيرة خاصة جدا ..
-ما رأيك أن تجلسي مكاني وتزاولي مهنتي!! ؟؟
فعلا ما أسوء المقارنة… إنها مدخل الحسد والحقد !!أليست هي من جعلت إخوة يوسف يغارون منه ويحاولون إبعاده عن طريقهم حتى لو أدى ذلك إلى موته ..وهذا ما يحصل مع سماهر الآن ..لو تسنى لها لافترست لمى بأنيابها الحادة ..ولكن الأخيرة ذكية جدا ...حيث أنها تلتزم الصمت طالما وجدت من يدافع عنها.. كم أحب احتيالها هذا !!فأحيانا الصمت يكون ابلغ من كل كلمات الكون بمختلف لغاتها وأحرفها ..
وخرجت سماهر يائسة غاضبة ..وأنا بالرغم من كل ما أعرفه عنها من مكائد وحقد وحسد ..حتى أنها أحيانا كانت تحاول تشويه صورة علا أمامي لتثبت لي أنها بعلاقتها معي هي امرأة شريفة ..إلا انني أشفق عليها!!
وبدون أن أنتبه لنفسي ..شردت في وجه الملاك القابع أمامي ..ملاك حزين أحزنته الدنيا ..ويأبى الدعاء لخالقه ..ولكنه يتأمل خيرا ..وفي نفس الوقت يخاف من النتائج ..كانت مطئطئة رأسها ربما تراقب الزركشات الموجودة على المكتب ..وفجأة ر
فعت رأسها ..ونظرت إلي لتتلاقى عيوننا ..وتفضحني عيوني ..وهل أبلغ من لغة العيون !!يا إلهي ..وعيناها تخبرني بمشاعر خاصة تجاهي ..لم ننطق حرفا واحدا ..ليت الزمن يقف هنا ..ليتها تقترب مني ..ليتها تلمس يدي ..ليتها تحتضني بقوة ..وتخبئني بقلبها ..ولكنها لم تفعل ..بل شعرت بالخجل ..ثم داعبت خصلة من شعرها ..وأنهت اللغة المشتركة بيننا متظاهرة بالعمل ..ولكن ليس هناك عمل ..بل رن هاتفها ..وعندما قرأت الرقم بعينيها المنكسرتين...بدأت ترجف كشخص لسعه البرد في كانون ..وترددت في الإجابة ..تراه من يكون ..؟؟ولماذا لا تريد الإجابة على هاتفها. .
