الجزء الأول .. والثاني
يا ولدي… ما اريده من هذه الحياة هو ان ارى اولادك واسمع صراخهم واستمتع بضجيجهم ولعبهم حولي ..انت ولدي الوحيد ..وعليك ان تتزوج حتى تنجب ولدا يحمل اسم اباك ..
هذا ما قالته والدة مراد لولدها ..بينما كانا يرتشفان الشاي سوية ..
فوضع الكوب على الطاولة وحدق بوالدته للحظات ثم قال لها :حسنا يا امي !!!غدا سارد لك الجواب ..
قالت امه باستغراب :ولكن لم ???اعطني جوابك الآن ..واثلج قلبي بموافقتك ..
فوقف محاولا الذهاب الى غرفته ..وقال وهو في طريقه :حسنا… انتظريني بضع دقائق ..
ثم نظر خلفه ..وقال متسائلا :ولكن هل اخترت لي العروس ??
فوقفت هي ايضا ..واومأت بيديها بحماس ثم قالت :علي ان اطرب اذني بموافقتك ..ولا تقلق بشأن العروس ..فالف فتاة تتمنى ان تتزوج بك ..ليس لأنك ولدي ..ولكنك شخص مميز ..ولو كان لدي فتاة لما زوجتها الا لرجل يشبهك في كل شيئ ..
فاحمر وجهه خجلا ..وداعبت تلك الكلمات مشاعره واراحت قلبه ..وبعدها اقترب من والدته .وامسك يدها ..وتحسس وجهه فيها ..ثم قال لها: حفظك الله يا غالية ..حسنا انا ذاهب لاستخير الله ..وبعدها اطلعك على النتيجة ..
فزمت شفتيها وبعدها قالت :لن تردع نفسك عن هذا الامر ..
ثم غيرت من نبرة صوتها متاملة واستتلت :ارجو ان تنصفني استخارتك التي لم اقتنع بها بهذه الطريقة يوما !!
فضحك مراد وقال :ما خاب من استخار يا ام مراد !!
فربتت على كتفيه وقالت :لا يهم… المهم عندي ان اراك عريسا ترتدي بذلتك الرسمية وتتمختر امامنا وانت تمسك يد صاحبة الحظ السعيد !!
فابتسم مراد ..وقال لوالدته :حسنا انا ذاهب… وساطلعك على النتيجة مباشرة ..
وبعدها اكملت ام مراد جلستها ..وهي تتامل ارجاء المنزل ..وتتخيل وجود احفادها الى جانبها.. والجدير بالذكر ان زوجها قد توفي وهي في ريعان شبابها.. ولم يسعفه الحظ كي يرى مراد ..الذي اسمته على اسم والده ..وابت ان تتزوج لتقوم بتربيته ..وبفضل الله كان
مقتدرا ماديا ..والا لكانت اضطرت الى العمل واراقة وجهها ..وها هو مراد قد كبر ..وسيستلم عمل والده المقاول ..بدلا عنها ..فهي لم تفعل شيئا جديدا سوى انها استطاعت الحفاظ على عمل زوجها دون اي زيادة تذكر في الارباح ..وسيقوم مراد بتطوير العمل ..وخاصة بعد ان يتزوج لانه سيصبح مسؤولا عن عائلة ..
وبينما كانت ام مراد غارقة في بحر تأملاتها ..رن هاتفها ..وكانت اختها ..حيث قالت لها: هات البشرى يا ام مراد !!
قالت ام مراد: عم تتحدثين ..??
قالت لها: كنت في حفل زفاف صديقتي ..ورايت عروسا لابنك ..تكاد تقول للقمر اذهب فانا استحق مكانك اكثر منك !!
فتنهدت ام مراد وقالت: اتمنى ان يعطيني موافقته في أمر الزفاف .وبعدها ابحث له عن عروس تليق به..
فغيرت اختها من نبرة صوتها وقالت بعتب :ولكن يا اختي تلك الفتاة كنز ثمين.. فلا تخسريها ..وصدقيني رايت من امها واختها العجب ..وبالطبع ستكون مثلهما ..انهما تتمتعان بكامل الرقي والاخلاق ..جمال وعلم وادب ..اقنعي ولدك بهذا ..ولن تندمي..
فقالت ام مراد :حسنا ساحاول معه ..انتظر جوابه الآن ..
فقالت اختها :على بركة الله ..احببت ان اطلعك على الامر وارجو ان تاخذي الامر بجدية ..وتسرعي لان مثل تلك الفتاة لا بد وان الجميع يحومون حولها .
قالت ام مراد :ولكن ماذا تعمل ??وما اسمها??
فقالت :اسمها ربى ..ولا زالت تدرس في الجامعة ومن المتفوقات ايضا ..
وبينما كان تتحدث اليها ..جاء مراد وعلى وجهه ابتسامة مشرقة ..اقترب من والدته وقال :لقد حقق الله امنيتك ..وقررت ان اتزوج ..
فاقفلت الهاتف ..ثم نظرت اليه بعين الام التي تريد ان ترى ولدها بقمة سعادته وبعدها قالت :والعروس جاهزة !!!
فاتسعت حدقتا عينيه مستغربا ..ثم لوح اصبعه في الهواء ..وقال :انتظريني قليلا لارد لك الجواب ايضا…
فقطبت حاجبيها وقالت له :يا ولدي هكذا امور لا تحتاج الى الخيرة ..الفتاة تناسبك من جميع الجهات ..
فرفع من نبرة صوته ..مصرا على الاستخارة ..قائلا :اشعر بالراحة والتوكل على الله يا امي ..فدعيني لنفسي ..
فتنهدت وقالت له: حسنا حسنا ..افعل ما يحلو لك المهم في الامر انك وافقت على فكرة الزواج ..
وغاب ولدها عن ناظريها .وكانت هي كمن ينتظر نتيجة امتحان صعب ..وقامت بتنظيف المنزل حتى لا تشعر بالتوتر من الانتظار ..ولكن المفاجاة انه عاد اليها مسرعا ليقول :امي انسي امر تلك الفتاة ..فالآية حذرتني تحذيرا شديدا ..ولنبحث عن عروس اخرى ..
فاغمضت عينيها خائبة .ولم تشأ ان تعقد الامور ..ثم قالت باستسلام :حسنا كما تريد !!
وفي اليوم التالي قرر مراد ان يذهب الى المقهى قبل توجهه الى مكان عمله ..وعندما حاول ان يركن سيارته ..قفز امامه ولد صغير ..وبحمد الله لم يدهسه ..ولكنه سمع صراخ احدى الفتيات خائفة على الطفل ..
الجزء الثاني ..
فنظر الى مصدر الصوت ليجد فتاة سلبت الجمال من القمر ..وتبدو حنونة جدا لانها لم تتحمل فكرة ان يصاب ذاك الولد باذى..وبعد تامل عميق ..وانجذاب لا ارادي قال مراد :لا تقلقي الفتى بخير !!
اما الفتى فهرع الى حضن الفتاة التي عانقته بشدة وكانها تحافظ على شيئ ثمين بين يديها ..وهل هناك اغلى من الارواح ??كم من المواقف التي واجهتنا في حياتنا ..واشعرتنا ان مال العالم كله لا يساوي شيئا امام فقدنا لاحدهم او شعوره بالالم بسبب المرض او اي شيئ آخر وتصبح تلك الورقات… كانها ورقات عادية لا قيمة لها.. لتتحول دموع احبتنا الى لآلئ ..لآلئ سلبية تحزننا ولا تفرحنا ..ونتمنى التخلص منها.. وهنا اقترب مراد منهما ثم قال :هل اصابك مكروه ??
ولكن الفتى ظل محتضنا الفتاة بشدة ولم يجبه لان الخوف قد سيطر عليه واحتل كيانه ..اما الفتاة فقالت له: لا تقلق .لو اصابه مكروه لا سمح الله لكنت سمعت صراخه ..ولكنه خائف من الموقف الذي حصل .
فداعب مراد شعره وقال ;انا آسف حقا .ولكنه ظهر امامي فجاة و..
فقاطعته الفتاة قائلة :نعم معك حق.. اشهد بذلك لقد افلت يدي عنوة محاولا افهامي انه يستطيع الاعتماد على نفسه .
فقال لها متسائلا :لا بد وانك اخته ??هل هذا صحيح ..
فابتمست بخجل ثم قالت :انا اسمي ربى ..وهذا اخي طبعا ..تشرفت بلقائك ..ولا تخف كل شيئ على ما يرام ..علي ان اذهب الآن ..
فقال مراد :ربى يا له من اسم يخترق النفوس ..ولكن علي ان اذهب الى منزلهم لاطمئن على الصبي وآخذ معي هدية ..
فنظر اليها وهي تهم بالانصراف وقال :اسمي مراد ..واتمنى ان تعطيني عنوان منزلك ..
فأشارت الى احد الامكنة وقالت :انه هناك !!
فحفظ المنزل بذاكرته جيدا ..وبالطبع حفظ ملامح ربى ..فطيفها لم يفارق خياله كل ذاك اليوم ..وعندما عاد الى المنزل ..وجد خالته ووالدته بانتظاره وهما مصرتان على الفتاة التي قالت عنها خالته ..ومراد يرفض ذلك رفضا قاطعا ..مخبرا اياهم انه ربما قد وجد عروسه المناسبة ..وما تبقى الا الاستخارة… وبعد ذلك استأذن منهما ..وذهب الى غرفته ليعود اليهما والبشر في وجهه قائلا :لقد استخرت الله يا ام مراد ..وكانت امرا بالزواج .من تلك الفتاة التي رايتها اليوم ..
فتغيرت ملامح خالته ثم قالت بعتب: اعلم انك خسرت ملاكا بفعلتك !!
فقال لها بعد ان اسند ظهره الى الاريكة ونظر اليها بحنان :يا خالتي ..يا حبيبة قلبي ..ليس من الضرورة ان ما يعجبك قد يعجبني ..وانا استخرت البارحة بامر العروس التي تتحدثين عنها ..وكان هناك تحذيرا صارما… لذا لن اجازف.. واليوم رايت فتاة سلبت قلبي وعقلي لمجرد رؤيتها ..واقسم انك ستعجبين بها ..
ثم حدق في الساعة بيده ..وقال :علي ان اذهب الى منزلهم الآن ..كدت ان ادهس اخاها ..
كل هذا وامه تستمع اليه ..ولم تحاول اقناعه باي شيئ ..لانها تعرف طبع ولدها جيدا ..فهو عنيد جدا وخاصة بعد الاستخارة ولا يمكن ان يخالفها مهما حدث..
وبعدها نظرت اليه بامعان وقالت :ومتى سنذهب لرؤيتها??
فابتسم متأملا وقال :الآن ??وسآخذ معي خالتي ايضا ..لاجعلها تغير رايها في امر العروس التي قالت لي عنها ..وستغير رايها حتما مقارنة بالعروس التي اخترتها ..
قالت خالته: ان كان الأمر كذلك ..حسنا… وساريك الفرق…
فنظر اليها نظرة تحدٍ..مستندا بثقته الى الخيرة التي استخارها قبل قليل.. حيث ارسلت البشرى والتفاؤل الى قلبه..
ثم استتلى :حسنا ..انتظراني حتى اجهز نفسي.. لان الفتاة لا تعلم اني اريد الارتباط بها.. ارجو ان توافق على ذلك ..
فقالت والدته باسمة :هيا هيا وجهز نفسك ..لا اظن ان هناك فتاة في الكون تستطيع رفضك ..وخاصة ان لديك اما مثلي ..
فضحك الجميع على ثقة الام بولدها وبنفسها ايضا ..وبعدها ذهب مراد ليجهز نفسه وخالته تتحسر وتتأفف على العروس التي خسرها مراد ..الذي عاد اليهما بعد دقائق ..وعيناه تلمعان من الفرح ..وهو لا يعلم ما ينتظره في ذلك المنزل ..حتى انه لم يأخذ رقم ربى ليتصل بها ويخبرها بامر مجيئه ..ولكن شيئا ما بداخله جعله يشعر بالقلق.. لانه لم ينتبه الى امر مهم جدا ..الا وهو احتمال ان تكون الفتاة مرتبطة ..وسيدخل الى منزلهم بداية بحجة انه يريد الاعتذار لانه كاد ان يدهس الولد ...وبعدها انطلق الثلاثة الى ذلك المنزل ..الذي حفظ عنوانه جيدا ..وفي الطريق لاحظت خالته انه يشبه طريق منزل العروس التي قالت له عنها.. وتاكدت شكوكها حين ركن مراد سيارته بجانب المنزل ..ولكنها لم تفصح عن ذلك الامر ..ليطمئن قلبها ..وطرق مراد الباب ..لتفتح له ربى ..وقالت بتفاجؤ :اهذا انت… شكرا لمجيئك !!
فاعطاها الهدية التي كان قد اشتراها عربون اعتذار منه عن الموقف الذي حصل ..وعندما رات خالته قالت لها: اهلا بكم جميعا ..اهلا بك يا خالة ..اذكرك جيدا ..
ثم نظر مراد الى خالته باستغراب وقال :هل تعرفينها ..??
فقالت بتردد ;نعم ..اعرفها ..هيا بنا لندخل ..
وعندما هم الجميع بالدخول همست خالة مراد لاختها :انها نفسها ربى التي حدثتك عنها ..
فردت ام مراد يدها الى فمها ولم
تنتبه لنفسها ..ونظر اليها الجميع باستغراب ..
ترى هل سيعرف مراد ان العروس هي نفسها ..وهل سيطلبها للزواج ام انه سيواجه العراقيل هذا ما سنراه في الاجزاء القادمة