رواية❤️الارملة❤️
الجزء الخامس عشر ..
فابتسمت سارية وقالت له: اشكرك على حسن صنيعك.. اقسم انهم في هذا المشفى قد
اشعروني بالحنان ..واحاطوني باهتمام لم اذقه من اقاربي وارحامي ..ولكن ليس من اللائق ان اذهب معك الى هناك ..فهذا اليوم يخص ولدك وقد اتاخر ..لذا اشكرك مجددا ..
فهز راسه ..ثم رفع يده ..مشيرا اليها بالذهاب ..قائلا :كما تريدين ..
واكملت سارية طريقها ..وكلها فرح وامل وسرور ..وبمجرد وصولها الى مدينتها احضرت
الاغراض من السوق ..ثم ذهبت الى منزلها وهي تغني ..وبدات تطهو الطعام ..وصورة منال لا تفارف مخيلتها ..وكيف ستفرح عندما ترى بين يدي والدتها ..السبانغ والرز ..والباذنجان المقلي ..والبطاطا المقلية ..كان هذا طعامها المفضل ..اكملت عملها وكلها امل بان تعيد البسمة الى شفاه فلذة كبدها ..التي ارهقها المرض والمكوث في المشفى مطولا ..ولم تعرف
كيف عادت الى المشفى ..وهي تحمل الكنز بين يديها لتقدمه لابنتها ..وما لبثت ان فارقت البسمة شفاهها عندما وصلت الى هناك حيث وجدت ابنتها تتقيأ كل الذي اكلته
بالامس ..وذلك بسبب الجرعة الكيميائية التي اعطاها اياها الطبيب في الكتف ..يا لخيبة الامل والحزن الذي سيطر على ملامحها ..لا استطيع ان اصف لكم ذاك الشعور عندما يكون الانسان فرحا لدرجة لا توصف وتتلاشى فرحته بمجرد ان يرى الحالة التي يمر بها اعز الناس ..وصار تعبها وسعادتها في اعداد الطعام هباء منثورا ..والكل وقف متفرجا على ذاك المشهد
الذي ادمى قلوبهم ..تبا للمرض حين يفتك بالجسد فيحوله الى خشبة دون روح ..وبقيت على حالتها تلك لمدة ثمانية ايام ..لا تستطيع معدتها تقبل الطعام ..حتى ان صوتها قد ذهب وابى الا ان يغادر الجسد في تلك اللحظات ..وقامت الامراض بمختلف انواعها بالهجوم على ذلك الجسد الهزيل ..حيث ان مرض السكري ابى الا ان يشارك السرطان في عمله .و ارتفعت نسبته الى الستمائة والخمسين ..يا لسخرية القدر ..!!وقامت الكليتين بالتوقف عن العمل اعتصاما مع السرطان فالامراض تتحالف لتفتك بالجسد ..اضافة الى الالتهاب الرئوي
الذي يكون اشبه بالسل الذي يسل الروح ..حيث ان خروج الدم كان يترافق مع سعالها ..وسيطر التعب على ملامحها البريئة ..وقد طلبت من والدتها ان تاخذها الى غرفة الالعاب والتي
كان يوجد بها التلفاز علها تتسلى قليلا ..بمشاهدة البرامج التي تحبها ..فربما يكون بذلك الخروج نسيانا لالمها ..ولكن المفاجاة انها لم تستطع الضغط على ازرار آلة التحكم لتحصل على الاذاعة التي تحبها ..بسبب فقدانها لقوتها ..مما زاد من احباطها ..ولم تعرف سارية ماذا تفعل لها حتى تريحها وترفع من
معنوياتها ..واكتفت بالدعاء والبكاء واستشارة الاطباء الذين عجزوا عن تقديم المساعدة التي تبتغيها ..وكانت منال تطلب منها ان تاخذها الى غرفة الطبيبات حيث تشعر بالراحة اكثر هناك ..فتنام قليلا لتستيقظ مجددا وتذهب في رحلة جديدة مع الاوجاع والآلام ..وكان النوم يغادرها ليلا ..ليسيطر عليها ما هو اقوى منه ..
وحان الوقت للتعرض لجلسة كيميائية جديدة ..فنظرت سارية الى عينيها بالم وحزن ..لتراقب البراءة مع الرموش الطويلة ..فقالت لنفسها: يا رب لماذا يحدث كل هذا مع ابنتي ..!!وما هي النهاية ???
واحيانا كان الامل يتملكها في شفاء ابنتها ليحل محله اليأس والقنوط كلما رات صحتها تتدهور امام ناظريها ..ويعتريها حالة من البكاء ..وذات مرة لاحظت عليها منال ذلك وسالتها: لماذا تبكين يا امي ??
قالت سارية :لا شيئ يا ابنتي ولكني مشتاقة الى اخوانك ..
قالت منال :وانا ايضا مشتاقة اليهم ..لماذا لا يحضرون الى هنا ??
عندها فكرت سارية في الاتصال بعمهم عله يحضرهم الى المشفى او يؤمن لهم الحضور بما انه لا يستطيع ذلك ..فخرجت من الغرفة واجرت اتصالها ..فقال لها سلفها: اهلا سارية ..كيف احوالك واحوال منال??
قالت له مستنكرة الوضع الذي هي فيه :اننا بخير وفي احسن احوالنا ..ماذا اقول لك ..انا ومنال مشتاقتان جدا الى الاولاد ..فهل امنت حضورهم الى هنا ..?
قال لها رافضا تلك الفكرة :انا آسف يا سارية ..ولكن اخشى عليهم ان. يصابوا بالعدوى ..والظروف ليست مناسبة من جميع النواحي ..ولا احب لاولاد اخي ان يتعرضوا لاي سوء!!
فاجابته بغضب: وانا اخشى عليهم ايضا ..ولكن منال طلبتهم ..واريدها ان تراهم علها تسترجع رمقا من قوتها باحتضانهم ..
قال لها وقد علت نبرة صوته: لا تعيدي على مسامعي هذا الطلب ..لن اسمح لهم بالذهاب ..يكفيني ما حصل لمنال ..فهل انت مستعدة لتخسري ولدا آخر ..
ثم اقفل الهاتف .ولم يسمع رجاءها ومبرراتها ..فشعرت بالخيبة والحزن ..وقالت لنفسها: ربما معه حق ..ولكن انا معي حق ايضا ..تبا لهذا الزمن ..واخشى ان احضرتهم بالقوة ان يكف عن الاهتمام بهم ..مسكينة منال ..ماذا عساي اقول لها الآن ..?
وبينما كانت غارقة في حيرتها سمعت صوت هادي يقول لها: ما بك يا سارية ??ما. الذي يشغل بالك ..?
وهنا سعدت سارية لسؤاله عنها ..فهي بامس الحاجة لمن يسالها عن احوالها ..وكانت دموعها كفيلة باخباره عما يجول في خاطرها .
