رواية متعة السالكين الفصل السادس عشر والاخير بقلم ليلي مظلوم


رواية متعة السالكين ..16 والأخير ..

بقلم ليلى مظلوم

لقد صدمت من تحليلاته ..وقلت باستغراب وحماس :لا ..لست مخطئا ..هل درست علم النفس الإنسانية ؟


-هذا كان اختصاصي في الجامعة .  


ومضت عدة أشهر ..وأنا أتحدث يوميا إلى ذلك الكاتب الغريب...لقد أدمنته حقا ..في كل محادثة كان هناك ما يروقني ويؤرقني ..تحدثنا عن    الموسيقى.  عن الطبيعة ..عن اللوحات ..عن التأمل ..عن الرياضات وعلى رأسها اليوغا والتايتشي...وصرحت له أنني أحب البحر بعمق ..لقد جعلني ألتفت إلى أشياء كثيرة حولي ..حتى أنني أدمنت الحقيقة ..وبدأت أهتم بها حتى عادت إليها الحياة. .لقد بدل ذلك الرجل حياتي رأسا على عقب ..بدأت    أحب الحياة ..وأقرأ في مجالات شتى ..في كل مرة يطلب مني أن اقرأ كتابا معينا ..وبعدها نتناقش في مضمونه ..لقد ألفت تطور العقل البشري ...وقوة هيمنته علينا إن لم نهيمن نحن عليه ..


وذات يوم طلب مني أن أقص عليه قصتي ..منذ ايام الطفولة . كان يريد أن يعرف أكبر التفاصيل وأصغرها… خفت بداية من هذا الأمر ..ولكنه طمأنني بأسلوبه الراقي ..وقال لي :إن كنت تخشين شيئا ما. .فأنا سأطلعك على قصتي أيضا.  وهكذا تهددينني إن هددتك ..


وبالفعل بدأت أسرد له قصتي حتى أني تذكرت أشياء غابت عن ذهني حقا ..وبينما كنت أحدثه عني .كانت تنتابني مشاعر مختلفة فكنت أضحك وأحزن في آن معا ..بقينا عدة أيام على تلك الحال ..أنا المتحدثة وهو المستمع بإنصات ...

لم يمض فترة طويلة حتى طلب مني أن أقرأ قصة بعنوان (النور والظلام). وقد أرسلها     إلي pdf ..والمفاجأة انها كانت قصتي أنا ..وقال لي: لن نتحدث حتى تنتهي من قراءة هذه القصة ..وهذا ما قد حدث… 


رأيت نفسي القاضي والجاني ..النور والظلام حقا ..ومع كل فصل من فصولها كنت أبكي حرقة أحيانا وفرحا أحيانا أخرى ..وكأني أحلل العقد التي ربطت بها نفسي ..لقد تعرفت إلى نور من جديد ..ووجدتني أسامح    أبي وأتمنى له الرحمة ..وأسامح سامي وسهى وأتمنى لهما التوفيق… بالمناسبة ..لقد تزوج سامي بسهى ..ولكنها تعاني معه كثيرا ..كنت أشعر بنشوة الإنتقام سابقا ..أما الآن فأنا أشعر بالشفقة عليهما فعلا ..


وقد أنهى ربيع القصة بجملة اختصرت كل شيئ :نحن فينا من كل شيئ.. فلنتقبل كل شيئ ..بسلبياته وإيجابياته ليصبح مسيرة حياتنا لا شيئ…


لن يفهم أحد تلك الجملة العميقة ما لم يعش التفاصيل التي عشتها والتي أدت إلى تطوري بعمق كبير ..وعندما نظرت إلى نفسي في المرآة.  كنت راضية عنها تماماااااا.. فقربت ذراعي إلى كتفي. .واحتضنت نور    بكل ما أوتيت ما قوة ..وبدأت أرقص على أنغام الطبيعة التي تعيش داخلي. .الكون كله داخلي الآن ..مبارك لك يا نور ..


ثم أرسلت رسالة إلى ربيع ..:هذه المرة لا أريد أن أناقش الرواية ..


فأرسل إلي متحمسا :هذا هو المطلوب ..


-والآن حان دورك ..حدثني عنك ..


-أنا شاب ثلاثيني ..عشت طفولة قاسية ..فقد تطلق أبواي ..ثم تزوج أبي لأعاني من ظلم الخالة ..والتي تعيش معي الآن وتحبني حقا بعد معاناة     طويلة ..أمي فارقت الحياة بعد أن عانت الكثير من أهلها بسبب طلاقها..  بصراحة لم تفارقها رغما عنها بل بإرادتها لقد انتحرت بملء إرادتها .. وأبي توفي منذ سنتين بسكتة دماغية ..

تعرفت إلى أحد المعلمين عبر النت ..وبدأت أرسم خطة جديدة لحياتي ..احب الكتابة والرسم والموسيقى والفن بكل أنواعه ..وأبحث عن عروس    تفهمني… وتكمل معي مشوار حياتي… ويبدو أني وجدتها ..بالمناسبة حالتي المادية الآن متوسطة ..لست غنيا لأجوب كل العالم ..ولست فقيرا لأبقى مكاني ..


فسألته بعد أن شعرت بوخز في قلبي :ومن هي عروستك؟؟


-إنها تتحدث إلي الآن ..ولا تنكري حبك إياي فأنا أستطيع استخلاص ذلك جيدا ..وأنا ابادلك الإحساس ذاته وربما أكثر ..أنا متيم بك يا غاليتي ..


وبدأ قلبي يرقص فرحا ..أنا حقا أحببته أحببته من كل قلبي ..وطلب مني أن أتحدث إلى جدتي بشأننا ..فهو يريد زيارتنا… وهكذا فعلت ..فرحبت   الأخيرة بطلبي وهي تقول: أنا ألمح الحب الحقيقي في عيونك هذه المرة ..


وأتى ربيع لزيارتنا ..وأصر أن يكون اللقاء في غرفة جدتي ..ثم مد يده ليصافحها.. ونظرت إليهما باستغراب ..لكنه ابتسم قائلا :إن كنت شجاعة فالمسيني يا جدة نور ..


وبعد أقل من دقيقة مدت يدها ..وصافحته بشدة ..ثم هزت رأسها وهي تتمتم: لم يكن الأمر صعبا ..شكرا لك وأهلا بك ..


وبدأ الربيع يتردد إلى منزلنا ..بصفته خاطبا لي.. ولكن معظم مكوثه كان مع جدتي ..التي أحبته بالفعل ..وبدأت تتغير وتتحسن حالتها ..وذات   يوم فتح ربيع النوافذ ..وقال: أشعة الشمس تشتاقك يا خالة ..ولن أتزوج بحفيدتك حتى تكوني أول الحضور في الصالة ..


والمدهش أن جدتي لم تعارضه أبدا بل ساعدها لتقف أمام النافذة وانهمرت دموعها مستذكرة الماضي ..


وبعد فترة حانت الضربة القاضية بالنسبة إليها فقد أجبرها ربيع على الخروج من الحديقة ..وجعلها تمشي كطفل صغير وهو يقول مازحا: دادي شطة بطة… وقد استجابت له… 


عادت الحياة إلى جدتي ..ولم يكن الأمر صعبا صراحة ..ولعل أبسط الأشياء هي أعقدها ..لدرج


ة أنها ذهبت معنا للنتزه على شاطئ البحر ولم تفارق البسمة شفتاها ..وكانت تنظر بإعجاب إلى ذلك النبي الذي يحمل معجزة الإنسانية… 


ثم تزوجنا أنا وربيع ..وسكنّا مع جدتي وخالته في المنزل نفسه ..كانتا تتسليان سوية وتتحدثان عن أمجاد الماضي ..


أنشأت معرضا خاصا بلوحاتي ..وقد أثار إعجاب الكثيرين ..أما ربيع فقد انتشرت رواياته بعد ذلك كالنار في الهشيم وأصبح مشهورا جدا ..والرواية   التي تسببت بشهرته هي (النور والظلام)..فقد اجتمعت فيها طاقتنا سوية ..فهل أجمل وأرقى من طاقة الحب والسلام في العالم ..


                      النهاية

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>