رواية متعة السالكين الفصل الاول1والثانى2بقلم ليلي مظلوم


 رواية متعة السالكين الفصل الاول1والثانى2بقلم ليلي مظلوم

وقفت أمام النافذة التي طلتها الستائر وخلقت جدارا بيني وبين الخارج  وعزلتني حتى   عن أصوات المارة وصوت فرامل السيارات  ترى هل أملك الجرأة بأن أفتحها أم أن شبح جدتي النائمة في غرفتها يراقبني وسينهرني كعادته؟؟ ..أنا ابنة العشرين عاما والتي لم أخرج من المنزل إلا إلى المدرسة برفقة جدتي التي كانت تنتظرني بفارغ الصبر حتى ينتهي الدوام  لتجرني بيديها كمن يحتفظ بكنز ثمين وتعيدني إلى المنزل بحجة خوفها عليّ لدرجة أنها منعتني من تكوين الصداقات وعزلتني عن العالم الخارجي وكان نجاحي في الثانوية هو مسك الختام لتواصلي مع البشر ..ليس لدي إلا صديقة واحدة هي ابنة خالي وبالكاد ترضى جدتي بزيارتها بعد أن تغسل يديها وأعدها بأني سأترك مسافة بيننا حتى لا تنتقل لي العدوى ...أوووه عن أي عدوى تتحدث وأنا أتوق لرؤية الشمس ..ألم يقل أحدهم أن المنزل الذي تدخله الشمس لا يدخله الطبيب ..أكاد أختنق أريد أن أتنفس هواء عليلا أريد أن يتطاير شعري في الهواء الطلق ..


عددت حتى رقم ثلاثة لأملك الشجاعة وأزيح الستارة ..إلا أن أم أحمد جاءتني ملهوفة وصرخت :

:نورررر نوووور !!!!جدتك تئن من الألم.. لا أعلم ما الذي حصل لها !


فأجبت بلهفة ممزوجة بالخوف من أن تعرف أم أحمد نواياي وقلت لها :اتصلي بالطبيب كي يحضر إلى هنا حالا ...


وهذا ما فعلته مربيتي ومساعدة جدتي ..والتي ليس لها الحق بالخروج إلا إلى السوق كي تحضر الأغراض ..وحياتها التعيسة ناسبت جدتي ..فهي أرملة ولديها ولد وحيد مسافر ربما قد نسيها بعد زواجه بامرأة أجنبية ..وبالكاد تتحدث معه عبر الهاتف في المناسبات الضيقة ..


أما أنا فهرعت إلى غرفة جدتي التي كان سعالها حادا ..ولم أعرف كيف أساعدها ..فهي لم تساعد نفسها وتدخل إلى رئتيها هواء جديدا ..ولم ترض بزيارة المشفى مهما ساءت حالتها ..أما عن الطبيب الذي لم أره قبلا فيأتي لزيارتنا عند الضرورة ليعطيها المهدئات والدواء المناسب ..وكنت أسمع صوته وأنا في غرفتي عندما يتحدث إلى أم أحمد ..ولم أفكر يوما برؤيته أو التعرف إليه ..لا بد وأنه عجوز هرم ..قضى حياته في المشفى ..وطاقته سلبية إلى حد كبير ..وبالكاد تستطيع أن ترى أسنانه ..هذا ما خمنته في ذلك الوقت ..ولكن ظني قد خاب عندما أطل علينا بلباسه الأنيق وابتسامته الجذابة. وعمره الذي لا يتعدى الخامسة والثلاثين ..أو هكذا كان يبدو ..وماذا أقول عن رائحة عطره التي ملأت المكان ..وطلته الساحرة التي تجبرك على النظر إليه باحترام تام ..أما عيناه العسليتان فقد تخفيان في داخلهما الكثير من الحكايات الغامضة ..ألقى تحيته وهو ينظر إلي مستغربا وجودي … ورددت عليه التحية باقتضاب ..ثم التفت إلى جدتي وقال: آه منك يا خالة متى ستصالحين أشعة الشمس وتسمحين لها بالدخول إلى منزلك ؟؟

ولم تجبه جدتي متجاهلة حديثه وكأنه يعيده عليها آلاف المرات ولا حياة لمن تنادي ..وأخرج من محفظته التي يحملها الأطباء عادة آلة للفحص وبدأ عمله ..ثم طلب من المتمددة على السرير أمامه أن تفتح فمها ..وبعدها أعاد الآلة إلى مكانها ..ووجهه لا يفسر شيئا ..ثم أخرج ورقة وقلما وقال :سلامتك يا خالة ..الامر بسيط ...


وبعدها وقف مزهوا وهو ينظر إليّ ..ثم أخرج قلما وورقة ودوّن عليها اسم الدواء وقال لي :عليك بإحضار هذا الدواء لها وأخبري الصيدلاني ألا يعطيك بديلا عنه..


لا أعلم لماذا اختارني لأحضر الدواء.. يبدو أنه يجهل أنني محظورة من الخروج ..واحمر وجهي خجلا  وإحراجا من هذا الموقف ولذت بالصمت وأنا أتناول الورقة من بين يديه ..إلا أن سعال جدتي قد اشتد وأنقذ الموقف وهي تقول: اح أح ..أعط الورقة لأم أحمد ..فهي المسؤولة عن إحضار ما نحتاجه ..فنور ليست معتادة على الخروج من المنزل ولا تعرف الأماكن ..


فحدق بي الطبيب للحظات وكأنه يرأف لحالي ثم قال :حسنا يا أم أحمد اذهبي الآن لتحضري الدواء.. 


وقالت جدتي: شكرا لك أيها الطبيب ..الله وحده يعلم كم أثق بك وبعملك ..حماك الله ..


-شكرا يا خالة ..


أما أنا فخرجت من الغرفة وأنا ألعن حظي آلاف المرات لأني ولدت في سجن منافق ..يدعي أنه فيلا فخمة فيها مربية طيبة.. فلا تعب ولا نقاهة ..وما إن هممت لأدخل باب غرفتي المجاورة ..حتى سمعت الطبيب يناديني وعلى ما يبدو أنه لحق بي مباشرة ..:آنسة نور ..!!


أوووه لم أسمع أحدهم يناديني باسمي منذ زمن طويل ..كم هو جميل !!لم ألحظ ذلك إلا عندما عزفه ذلك الطبيب بسيمفونية مناداته ..ولذا تسارعت نبضات قلبي عندما سمعته ..أرجو ألا تصل إلى أذنيه وتفضحني. ..


وبعد ثوان معدودة من التسمر التفتُّ ورائي لأشاهد الابتسامة المبدعة ..والعينين العسليتين الناعستين اللتين تغيرت ملامحهما مع الابتسامة وشكلتا برفقة الانف لوحة فنية من الإيجابية والتواصل وبعدها قلت بصوت خجول :نعم!! 


-صحيح أن هذا المنزل لم تدخله الشمس يوما ..ولكن لم أكن أعلم أن القمر لا يفارقه !!


تلعثمت في الكلام ..لم أعرف بماذا أجيبه وتمنيت لو يحدث زلزال خفيف وتبتلعني الأرض ..فأنا لست معتا


دة على هذا الكلام ..ولماذا يقوله لي بكل وقاحة ..لا لا بل بكل ظرافة… إنه ظريف !!أتراه يقول هذا لكل فتاة يراها ؟؟!!


رواية  متعة السالكين 2

الجزء الثانى

بقلم ليلى مظلوم

أجبته بعد أن ابتلعت ريقي :شكرا لك هذا من لطفك ..


-أنا لا أجاملك ..وحرام عليك أن تحرمي الدنيا من رؤيتك ..لا أعلم السبب وراء انعزالكم عن العالم ..ولكني أرى النتيجة واضحة أمام مرآي ..


ماذا أقول له وماذا أخبره؟!! ..أن هذا قرار جدتي منذ الطفولة ..ولا يمكن الخروج أو فتح النوافذ لأنها مصابة بهيستيريا الموت ..وأن موت أهلي هو السبب ..آه من هذا الرجل الواقف أمامي يحرجني بكلماته ويفتح لي جروح الماضي ..لقد تذكرت في ذلك اليوم عندما كنت في الرابعة من عمري ..واقتربت من أبي لأحضنه بعد صراع طويل مع نفسي بعدما رأيت ابنة خالي تحضن أباها وتلاعبه ويلاعبها وقد أحضر لها لعبة جميلة ..أردت تكرار هذا المشهد مع والدي الذي طالما شككت أنه والدي الحقيقي.. كان يتجاهلني كثيرا ..ولا يمسد لي على شعري إلا عندما تتواسط جدتي بذلك لساعات طويلة ..وعندما يقترب مني وكأنه لمس شريطا كهربائيا فينفر مني ويذهب إلى غرفته وبعدها أسمع صوت أنينه ..وكانت تكرر جدتي على مسامعه دائما :إنها طفلة لا ذنب لها ..ما حصل هو قضاء الله وقدره ..


ولم أفهم ما كانت تعنيه جدتي إلا عندما كبرت… وعرفت أن أمي ماتت عند ولادتي ..وكانت عملية تبادل أرواح بين عالمنا والعالم الآخر ..هي رحلت لأولد أنا وليتني لم أولد !!! وأصبحت مجرمة في نظر والدي فقد قتلت زوجته الحبيية وحرمت نفسي وحرمته من متعة لقائها ..


وقبل أن أكمل شريط ذكرياتي ..قاطعني الرجل قائلا: بالمناسبة أنا إسمي سامي ..يبدو أنك لا تعلمين هذا… ممممم لم أرك قبلا !!!هل كنت في مكان آخر ..أم أنك اعتكفت في غرفتك كما تفعل جدتك ؟؟وهل تحرمين على نفسك متعة الشمس  مثلها… ؟؟


ما بال هذا الرجل ..ولماذا هو مهتم ليعرف عني تلك التفاصيل؟؟

فأجبته بصوت خافت :يبدو أن الأطباء لا يملكون دواء للفضول ..ألا تعلم أن بعض الأسئلة تؤذي أصحابها وتجرحهم أحيانا ..فهل سألت يوما عانسا لماذا لم تتزوج ..أو سألت عقيما لماذا لم تنجب الأولاد ؟؟!


-لا بل سألت سجينة لماذا لا تتمتعين بالحرية؟؟أنا آسف لتطفلي بكل الأحوال ..ظننت أن سؤالي قد يساعدك ..


قال سامي جملته ..ثم توجه نحو الباب تاركا إياي مع الشعور بالذنب ..لم أشأ أن أحرجه وأضعه في هذا الموقف السخيف ..ولكنه لا يعلم حجم المرارة التي تحتل قلبي ..لذلك لا بد للسائل دوما أن يضع في حسبانه غربلة الأجوبة التي يتلقاها بغربال الحالة النفسية التي يعيشها المسؤول ..وغالبا ما يتعامل الناس مع الآخرين حسب حالتهم النفسية هم وليس حسب حالة الآخرين فهل من اللائق ان ترتدي المرأة ثوب الزفاف لتعزي بأحدهم ؟؟!!


عدت أدراجي إلى غرفتي ..إلا أن جدتي نادتني فهرعت إليها… :نعم يا جدتي !!


-هل ذهب الطبيب؟؟!!


-نعم!! 


-أوووه ولكنه لم يتلق الأجرة ..


-وماذا ستفعلين ؟؟


-سأنتظر حتى تأتي أم أحمد لتتصل به وتخبره بالمجيئ مجددا إلى هنا ..إنه رجل طيب وإنساني ..ودائما يتهرب من أخذ المال ..ولكن هذا حقه ..


فقلت لها بتردد: هل لديك رقم هاتفه؟؟ ..سأتصل به أنا!! 


-لا ليس معي ..لم أدونه إلا على هاتف أم أحمد ..

فهو قريبها !!وغالبا ما تسأله عن ولدها الذي تجاهل وجودها في هذه الحياة ..إنه يتواصل معه دوما ..بسبب العمل !!


-العمل؟؟!


-نعم فأحمد أصبح طبيبا مشهورا في الخارج ..ألا تعلمين هذا ؟


-ومن أين لي أن اعلم ..ولكن لماذا لا يرسل وراء والدته إلى الخارج ؟؟


-هذا من حسن حظي وسوء حظها ..فزوجته تخجل بها ..وهو دلوعها.. ساعد الله قلب الأمهات ..قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر ..إنها لا تعرف أحفادها إلا عبر الصور ..تخيلي لو أنك بعيدة عني يا إلهي الأمر مؤلم أح أح…


ها هي أم أحمد قد قدمت وهي تحمل كيسا صغيرا بين يديها وعليه شعار الصيدلية ..وتساءلت في تلك اللحظة ما علاقة الأفعى بذلك الشعار ..ألا ترمز إلى السم ..؟؟لماذا هو شعار موحد في كل البلدان ..هل هو شعار الترياق أم شعار الموت أم شعار الحياة ..ويبدو أنه سيكون سؤالي الأول إن رأيت سامي مجددا ..آه سامي ..لا بد وأنه غضب مني بعدما أغلقت عليه باب الفضول فكيف أسأله برحابة صدر ؟؟؟!


وبعد أن تناولت جدتي أقراص الدواء.. سألت أم أحمد عن الغداء.. ويبدو أنها نسيت أنه يجب عليها أن تدفع الأجرة إلى الطبيب… لم يكن همي أن يأخذ حقه بقدر ما كنت متلهفة لرؤيته مرة أخرى ..ولا أعلم ما الذي شدني إليه ..أهو عذاب الضمير أم أن هناك شيئا آخر ..ولماذا أهتم به وأنا لم أره إلا منذ لحظات ..أم حالتي النفسية هي السبب بحيث أتعلق بالضيوف لندرة وجودها في منزلنا..وإن بقيت على هذه الحالة فسأنسى كيف يتكلمون ..ولطالما نصحتني سهى ابنة خالي بتنزيل تطبيقات الفيسبوك والواتس أب على هاتفي وتطبيقات أخرى أيضا… إلا أنني رفضت الفكرة لأني أخشى مواجهة العالم.. وبعد لحظات قلت لجدتي وقد رافق كلامي احمرار الخدود ولعثمة الحروف وكأني مقبلة على مصيبة كبيرة :ألا تريدين أن تدفعي الأجرة للطبيب ..؟؟


فأجابت جدتي بعد أن تنهدت :بلى ..لو سمحت يا أم أحمد اتصلي بالطبيب مجددا ..لقد


نسيت أن أدفع له الأجرة ..ولا تقولي له عن السبب ..فليأتِ إلى هنا لأمر طارئ ..


وهذا ما قد حصل فبعد ربع ساعة تقريبا عاد الطبيب إلى منزلنا ..ولكن بحلة جديدة ..أو هذا ما تخيلته ..فقد كان مقطب الحاجبين ..وأخذ أجرته دون تردد ..وبعدها هم ليرحل ..إلا أنني لحقت به و ناديته  :دكتور سامي !!..


              الجزء الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا 



تعليقات



<>