رواية متعة السالكين 12 ..
الجزء الثانى عشر
بقلم ليلى مظلوم
تأففت بحسرة ..فأنا حقا لا أعلم شيئا عن أموال وممتلكات أم أحمد ..وقلت باستسلام: انتظرني هنا ريثما أسأل جدتي ..
ثم ذهبت إلى غرفة جدتي التي امتلأت عيناها بالدموع ..وهي تهز رأسها بألم وحسرة :لقد سمعت صراخه يا نور لا داعي لأن تشرحي لي شيئا ..أموال
أم أحمد معي أنا ..كانت قد أوصتني بالتبرع بمالها إلى الفقراء إن أتى ولدها يطالب بالمال فقط ولم يبدِ ندما ..يبدو أنها فهمت ابنها جيدا ..لا تتجادلي مع ولدها وأرسليه إلي كي أتحدث معه بنفسي ..وهناك رسالة أرسلتها إليه والدته لا بد من الاطلاع عليها ..
لقد مللت المسير بين غرفة جدتي والخارج وأعصابي لم تعد تتحمل المفاجآت أبدا ..
كانت نظرات أحمد إلي وهو يذهب لرؤية جدتي تنم عن تحد وشكوك عميقة واتهامات باطلة ..وشعر سامي بالإحراج :أنا آسف لم أكن أعرف أنه سيتصرف على هذا النحو وإلا لما أتيت به إلى هنا ..
-لابأس ..لا بد أن يتم الأمر بوجودك أو عدمه…
كنت أترقب نتائج ذلك اللقاء.. وأنتظر خروج العاق بفارغ الصبر ..كتفت يداي وحضنت نفسي وبدأت أتمشى في الحديقة ..وسامي ينظر إلي باستياء.. ثم تلقى اتصالا خاصا فجأة ..وذهب بعيدا عني ليتحدث كما يحلو له ..
ها هو أحمد يخرج من الباب وفي يده أوراق ممزقة ..ووجهه أحمر وعيونه دامعة وشعره منكوش كأنه بعثره كالمجانين ..لم أعرف حينها لماذا أردت أن أزيد من همه ..فقلت له: أرجو أن يكون أولادك مثلك يا سيد أحمد ..
فرمقني بحزن وقال: أنت لا تفهمين شيئا فاصمتي ..ليس لك والد كوالدي ..فلا يحق لك الكلام ..لقد حطمني وكسر قلبي ..أما انا فقد تنازلت عن متع الحياة كلها لأجل ولدي ّ..
-وما ذنب والدتك ؟؟
-ذنبها أنها تزوجت برجل لا يرحم ..ومع هذا فأنا حزين لفراقها ..وحسنا فعلت بالتبرع بأموالها ..هذا أفضل من أن تأخذوها أنتم ..صدقيني ..لست بحاجة لمالها ..
-هل تعلم أن سامي كان يعطيها المال متظاهرا أنك انت من أرسلته إليها؟؟
-نعم… أعلم ..وكانت لا ترضى به ..وتطلب من سامي أن يتبرع به للمرضى الفقراء.. أم غاب هذا عن ذهنك يا آنسة نور..
لم يخبرني سامي بقية التفاصيل فيما يخص أم أحمد ..ولكن لابأس ..وأحمد ايضا لا يعلم عن طفولتي شيئا ..والمعاملة التي كان يعاملني بها والدي
..أحيانا تكون القسوة أرحم من التجاهل بآلاف المرات لأنها دليل اهتمام ..أما أن يعتبرك أحدهم مجرما ونكرة هذا لا يطاق ..لقد قلبت مواجعي يا أحمد دون أن تدري ..ودموعه التي تجري على خديه دليل على إنسانيته ..ولا بد أن التصرف السيئ الذي قام به منذ قليل ما هو إلا ردة فعل على ما لاقاه في طفولته
..اوووه حقا ..جميعنا مرضى نفسانيين ..لو عشنا طفولتنا كما ينبغي لكان شبابنا كما ينبغي ولكانت نهايتنا كما ينبغي إلا ما ندر ..فما تحتفظ به الذاكرة في السنوات الخمسة عشر الأولى من الحياة ستكون مسؤولة عن تحريك العمر الباقي إلا إن اجتهد الإنسان بنفسه وأدرك تلك الحقيقة ..وأنقذ ما تبقى من عمره ..
ها هو سامي يعود من زاويته وهو محمر الوجه كمن ارتكب ذنبا ما ..ثم تأسف لي عما حصل...واستأذن الرحيل برفقة صديقه...الذي انتهت قصته بطريقة مأساوية ..خسر والدته ومالها.وخسر وطنه ..وربما سيخسر نفسه من يدري !!!فمن يعتنق ذلك التفكير يكون الإنتحار حليفه إن تحلى بالشجاعة اللازمة فقط...
لم يمضِ ساعات قليلة حتى حضرت سهى لزيارتي ..وطلبت مني مرافقتها إلى السوق بحجة أنني جديدة على هذا الأمر ..ولا بد من التعرف إلى المحلات وخاصة أنني ساشتري ثيابي بنفسي . لقد أعجبتني فكرتها ..لا أنكر هذا … فأنا حقا يافعة على هذا الأمر وكانت أم أحمد هي من تتولى الامر بدلا عني ..لقد راقبت اليافطات
وكأنني أراها للمرة الأولى في حياتي ..وانتبهت إلى أشياء جديدة لم تكن سهى ملتفتة إليها لأنها ألفت الأمر ..اخترت فساتين متنوعة الألوان ..وأحذية تناسب الفساتين ..وفولارات قد أحتاجها ..ثم توجهت إلى مساحيق التجميل ..واخترت بعضا
منها بإتقان ..وبعض العطور ذات الماركات المميزة ..وساعدتني سهى في ذلك ..ونصحتني بشراء الجزادين الصغيرة لأنها تناسب الموضة على حد تعبيرها ..ثم اختارت لي ساعة ذهبية وأخرى فضية حتى تتناسبان مع كل الثياب ..كانت تضحك تارة ..وتعبس تارة أخرى وقد ذهبت بتفكيرها بعيدا. .ولا تستيقظ
من شرودها إلا عندما أناديها باسمها أو أضع يدي فوق رأسها ..لم أفهم ما الذي يحصل مع تلك الفتاة ..تبدو متوترة وسعيدة وخائفة في آن معا.. وسألتني عن علاقتي بسامي إن كانت جيدة ..فأجبتها: لو لم تكن على خير ما يرام لما رأيتني معك أتجول في السوق ..
ثم تحدثنا عن أحمد وأمه وكيف تصرف بطريقة غريبة ..وقوة الأنثى إن أرادت أن تستحوذ على الرجل فها هي زوجته بقوتها قد أخذته من عائلته ومن وطنه ومن نفسه ..فقلت لها مازحة :لا بد وأنها استخدمت السحر لتنفيذ مآربها ..
فأجابتني بجدية :سحر الأنثى يسطو حتى على الجن ..
وأنا بطبيعة الحال لا أؤمن بوجود ذلك المخلوق الغريب لذا وافقتها بسرعة.. ولو كان له وجود لرأينا أثره بكل بساطة ..وإن
كان موجودا ولا تدخل له في حياة البشر ما الضرر في ذلك ..فوجوده وعدمه سيان بالنسبة إلي ..
وأخيرا انتهيت من شراء الاغراض التي أحتاجها ..ولا بد من العودة الآن إلى المنزل فبلا شك أن جدتي تنتظرني على أحر من الجمر ..وبينما كنت أهم لدخول سيارة سهى رن هاتفها وبدون انتباه نظرت إلى الشاشة وكان مدون اسم سامي ..
