رواية متعة السالكين الجزء الثالث3بقلم ليلي مظلوم


 رواية متعة السالكين 3..

الجزء الثالث


فتسمر مكانه للحظات ثم التفت إليّ بهدوء غاضب وقال 

بطريقة جدية :نعم آنسة نور !!


-لماذا تتحدث بهذه الطريقة ؟؟


-وكيف أتحدث معك وأنا رأيتك اليوم ..هل أنت صديقتي وأنا لا أدري ؟؟!


-أنا آسفة أعلم أنك غاضب مني… ولكن عليك أن تعذرني فأنت لم تعش حالتي لتحكم عليّ..


فاقترب مني بخطوات بطيئة ..وكأنه بين الخطوة والخطوة يفكر بما سيقوله لي ..ثم نظر إليّ بجدية أكبر وقال :

-آنسة نور ..واجبي كطبيب أن أعرف الأسباب التي أدت إلى تدهور حالة مريضي وأحذره منها ..ولم أشأ أبدا التدخل في خصوصياتك… ولماذا أفعل هذا ؟!


وحاولت أنا أستدراك الموقف وأردت الهروب من هذا الإحراج بسؤال مفاجئ خطر إلى بالي عندما رأيت أم أحمد ..فسألته :يتملكني فضول عارم لأعرف ما علاقة الأفعى بالطب ؟؟ولماذا يضعونها كشعار موحد  على الصيدليات ؟؟!


وشعرت بعد هذا السؤال أن سامي خبأ ضحكته كي يحافظ على جديته ..ثم داعب ذقنه مفكرا وأجابني: 

لقد لفتني سؤالك ..وسأجيبك ..هذا الرمز يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد وقد وضع نسبة إلى  الحكيم الإغريقي اليوناني أسكيلابيوس ..الذي كان يعالج المرضى إما بلمسة من يده أو لمسة من لسان الأفعى التي كانت ترافقه دائما..  وتقول الحكاية أنه ذات يوم كان 



مسافرا ..وبرز له ثعبان ييدو أنه ميتا  في الفلا ..فبدأ يراقبه إلى أن ظهر له ثعبان آخر يحمل في فمه نبتة ووضعها في فم الثعبان الآخر وما هي إلا لحظات حتى عادت إليه الحياة ..وعرف اسكليبيوس سر تلك النبتة وبدأ يستخدمها في علاجاته ..

ومعظم الصيدليات تضع صورة العصا و الثعبان ..أو صورة الثعبان الملتف حول الكأس ...بحيث يستعمل سم الحية للنقيضين فهو علاج وسم قاتل بنفس الوقت ..وهناك تحليل آخر يقول أن الحية التي تلتف حول الكأس دليل على أن الطب قادر على علاج السموم حتى لو  كان سم الحية.. 


أكمل سامي حديثه ..ثم نظر إلي بحذر ..وبعدها قال: أرجو أن أكون قد أفدتك يا آنسة نور ..


فرددت له نظرته بابتسامة صادقة وقلت له: نعم بالطبع ..ولكن ألا تعتقد أن كل ما قلته هو مجرد أساطير وتخمينات ..


-ربما ..وربما لا ..ليس المهم معنى هذا الشعار فعقولنا وقلوبنا هي الأهم ..


-لكني سمعت ذات مرة أن العقل اللاواعي يتفاعل مع الشعارات الصورية والكلامية ..وقد يترجمها على الواقع بطريقة أو بأخرى ..


-أها ..ألديك اطلاع على مثل هذه الامور ..


-أحيانا أشعر بالملل فأطالع بعض الكتب ..وأحيانا أخرى ألجأ إلى الرسم ..الكون بعيد عني وأتمنى رؤيته ..ولكني أحضرته إلى عالمي ..الكتاب صديقي ..وريشة الرسم حبيبتي ..ومع هذا أحتاج إلى روح حقيقية أتواصل معها ..


-صدقيني ..إن تواصلت مع الأرواح الحقيقية كما تعتقدين ..فإنك ستغيرين رأيك وتعودين إلى الكتب والرسم ..


ولم أعلق على كلامه ..بل اكتفيت بابتسامة الإصغاء.. تلاقت عيوننا للحظات ثم خطا خطوتين محاولا الذهاب ..وبعدها عاد أدراجه ليقول لي :بالعموم ..صحيح أنني اليوم تشرفت بمعرفتك ..ولكن أتمنى أن نتواصل دوما ..وليس هناك سبيل إلا وسائل التواصل الإجتماعي واختاري التطبيق الذي يعجبك ..


ثم أخرج بطاقة صغيرة من جيبه ورفع حاحبيه واثقا :هنا ستجدين حساباتي كلها ..وأنا بانتظار اتصالك…


في تلك اللحظة احتلتني رعشة غريبة ..لست معتادة على مثل تلك المواقف ..بماذا أجيبه ..وأنا لا أريد أن أبدو بلهاء أمامه ..؟؟فأخذت البطاقة واحتضنتها بين يدي ..وأجبته وصورة سهى ابنة خالي أمام عيني فهي خبيرة بأمور الحسابات أكثر مني.. فهي ستكون منقذتي :حسنا.. 


وبعدها أفل أمام عيني ..وأنا أراقبه منتظرة أن أرى أشعة الشمس وهو يفتح الباب للخروج ..وحدثت نفسي أن أكسر القاعدة وأقترب من الباب طالما أن جدتي لن تعرف بهذا ..إلا أن شجاعتي خانتني مجددا ..وكأن


 الجراثيم التي تخاف منها جدتي تميز بين الخارج والداخل ...بالرغم من كثرة التعقيمات التي تتولى أمرها أم أحمد ..إلا أنني أحيانا لا أنتبه لرائحتها لأن عقلي حفظها عن ظهر قلب.. يبدو أنني سأسلك طريقا آخر في الأيام القادمة وأكسر الروتين ..


ما أعرفه أن المياه الراكدة ستأسن في يوم من الأيام ولا بد من تحريكها لتعود إليها الحياة ..فالروتين يقتل الإنسان ويقتل الطبيعة ..وأنا أفضل أن أعيش


 في بلد تجتاحه الفصول الأربعة على بلد تبقى فيه الشمس ساطعة لمدة ستة أشهر ..مجرد تخيل الأمر شيئ صعب ..ولكن مع هذا ستغيب الشمس بعد نهاية المدة لتتجدد الحياة هناك ..فمتى متى متى سأتجدد ؟؟!


ذهبت إلى مخدعي ..وأنا مشتتة المشاعر ..هل ظهور هذا الشخص في حياتي سيؤذيني أم سيقويني هل أتجاهل حساباته وأمزق الورقة وكأن شيئا لم يكن ..ويكون مستقبلي كحاضري كماضيّ ..أم أجازف


 بهذه المغامرة  ؟؟سامحك الله يا جدتي حرمتني من التجارب وزرعت الخوف في قلبي ..وفي تلك اللحظات تذكرت قول ذلك الفيسلوف (إن هبت شيئا فقع فيه)واتخذت قراري ..وحتى لا أتراجع عنه اتصلت مباشرة بسهى ..فأجابتني :أهلا أهلا نور ..ماذا هناك ؟


-ماذا هناك!!!  أهكذا تجيبينني ؟؟

-ليس من عادتك الاتصال


بي ..استغربت الأمر ليس إلا .

.

-تعالي إلي حالا فأنا أحتاجك حقا !


-وجدتك ؟؟هل تسمح بهذا ؟؟أم أنها ستطربني بسيمفونية الجراثيم كعادتها ..


-لا عليك منها ..سأخبرها بمجيئك ..وستدخلين إلى غرفتي دون أن تريها حتى..


                الجزء الرابع من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>