رواية من انت الفصل الاول1والثاني2 بقلم ليلي مظلوم


 
رواية  من أنت 

الفصل الاول

 كنت جالسا في المقهى أتناول فنجانا من القهوة ..وأتأمل الناس حولي ..أتأملهم بأذنيّ  وليس بعيوني ..فذلك الذي يعد خطيبته بزواج سعيد ..لأبتسم أنا وأقول لنفسي :ربما يكون صادقا الآن ..ولكنه سيتبدل بإرادته أو رغما عنه ..فالزواج السعيد يعد حالة نادرة جدا...فهو يصيب شخصا أو شخصان على الأغلب في كل مدينة هذا إن لم أكن أبالغ ..


وآخر يعد ولده بمستقبل مشرق وهو لا يكاد يجد ثمن الفنجان الذي يتناوله ..إنه يبيع الوهم ..!


وذاك الذي يتحدث عن الوطنية بفخر وإباء: كم هو أحمق !!!الوطن الحقيقي هو الذي يحملك ..وليس الذي تحمله بأشعارك ..أو لأكون أكثر إنصافا ذاك الذي تحمله فيحملك ..ولا يرميك للذئاب المفترسة ..تبا هذا أكثر ما يغيظني حقا !


وكم أضحكتني عبارة أطلقتها إحدى الصديقات أو الأمهات لست أدري وهي تقول لمن تجلس معها :ستكونين أجمل عروس في الدنيا !!يا لسخافتها !!أجمل عروس !!!ألا تبالغ قليلا ..وماذا إن أزلنا مساحيق التجميل هذا إن لم يكن هناك عمليات تجميلية يبرع بها الاطباء مستغلين ضعف النساء وسذاجتهن ..أيتها المجنونات لقد أصبحتن شكلا واحدا فتفردن يرحمكن الله ..


رشفت رشفة أخرى من الفنجان وأنا أنظر إلى ساعتي ..لقد تأخر الأشخاص الذين أنتظرهم ..أكاد أشعر بالملل ..هااااه وأخيرا قد ظهر صديقي عدنان ..وبرفقته تلك الفتاة التي وعدني بإحضارها محذرا إياي إنها ليست كباقي الفتيات فكن حذرا معها ..وكم أضحكني تحذيره ذاك في ذلك اليوم ..ألستن أنتن النساء نموذجا واحدا وإن تعددت صفاتكن ..تؤخذن بالغزل والمدح وربما بالمال   أو الموسيقى وأحيانا الشعر ..دروب الوصل إليكن واضحة ..فمنكن اللاتي يتظاهرن بالعفة ..ومنكن اللاتي يتجاهرن بمكنونكن السيئ بكل ذكاء.. منكن اللاتي يدبقن بالرجال ومنكن اللاتي تترفعن عن النظر إليهم ..ولا أفهم لماذا لا يفهمكم الرجال ويرثون حالتهم في جلساتهم ..أنتن نموذجا واحدا ..


ووصل عدنان برفقة الفتاة إلى الطاولة التي أجلس على إحدى مقاعدها ..وقال مبتسما: أنا آسف ..لقد تأخرنا بسبب زحمة السير ..كان هناك حادث مؤسف… 


فقاطعته: لابأس أنت في وطن لا يحترم المواعيد ..


فقال لي :أعرّفك إلى زميلتي السابقة في الدراسة لمى صدقي ..


نظرت إلى الفتاة بعمق ..كانت جذابة وجميلة ..مع أنها لا تضع مساحيق التجميل ..ألا يعد  هذا غريبا ..وتزين شعرها الأسود الطويل المنسدل على كتفيها محتضنا إياها بعمق ببكلة شعر بسيطة ..عيناها واسعتان بريئتان تمنعك من النظر إلى غيرها ..وخدها المنشرح ذو البشرة الصافية ...وخال من الندوب والبثور ..وفمها الصغير الذي يحتضن أسنانا مرتبة بشكل أنيق لاحظت ذلك عندما أفرجت عنهم شفتاها الرقيقتين ..وعندما مددت يدي لأصافحها ..ردت يدها إلى صدرها بخجل ..وقالت منقذة نفسها من الموقف المحرج :أعرف اسمك حامد بدران ..أهلا بك ..


يا لوقاحتها فعلا رفضت أن تصافحني وهي ترتدي لباسا نصف محتشم ..يا للإزدواجية ..لا وبد وأن برجها الجوزاء.. لم أشأ أن أعاتبها حتى لا أبدو سخيفا ..ولكن سأرد لها الإهانة على طريقتي ..سترين يا ست لمى ما أنا فاعل بك ..


تأملت يداها بينما كانت تجلس وكأنهما عدوتاي ..ووددت لو أقطعهما إربا في تلك اللحظة ..فليس حامد بدران من يهان بتلك الطريقة ..وكأن عدنان فهم شعوري في ذلك الوقت ..أو هكذا ظننت ..حيث قبض عليّ متلبسا وأنا أنظر إلى يديها ..أوووه وها هي ترتدي خاتم زواج ..ساعد الله قلب زوجها ..كيف يستطيع تحمل إنسانة مثلها معه طوال الوقت ..هيا يا حامد اعترف أن الفتاة أو  السيدة قد استفزتك ..صحوت من شرودي على صوت عدنان :ها هذا الملف يخص لمى فاطلع عليه ..وإن أردت أن تعرف شيئا آخر عنها ها هي أمامك اسألها ..


أخذت الملف بين يدي ..وبدأت ألتهمه بعيوني ..كنت أبحث عن شيئ يدعو للسخرية ..ولكن سيرتها الذاتية كانت نقية للغاية ..حيث تملك مؤهلات جذابة  للعمل في أهم الشركات ..فلماذا تقحم نفسها في شركتي ..مممم حسنا حسنا ..لن أعينها كأي موظفة عادية ..ولا بد من تغيير سكرتيرتي الآن ..وسأورطها بشروط صعبة ..هذا هو الحل ..لأريها قيمتها ..


ابتسمت بخبث ثم قلت: سيرتك الذاتية كاملة ..لذلك سأعيّنك سكرتيرتي الخاصة ..كرمى لعدنان و..


فقاطعني عدنان: لا تكرمني بها صدقني هي تستحق كل الخير ..إنها نشيطة للغاية ..ولكن لم يحالفها الحظ للعمل في الشركات العامة لأنها تحتاج إلى الواسطة ..


فضحكت وأنا لا زلت أطالع الملف بشكل سريع ثم قلت: وما الذي تفعله أنت الآن ؟؟


وهنا تدخلت لمى بأدب وقالت بصوت ناعم حازم: إن كنت تراني لا أستحق العمل في شركتك فلا توظفني عندك وهذا حقك ..


نظرت إليها لأرى الحدة في عينيها ..ولكني ما وجدت إلا بحرا  عميقا هادئا ..ولم يكن بوسعي  إلا أن أقول لها بابتسامة هادئة: فلنكتب الشروط ولنوقع على العقد (اللي أولو شرط آخرو نور )..


أجابتني بابتسامة هادئة :حسنا ..


وبدأت أملي شروطي على الورقة :

1عقد العمل لا تقل مدته عن السنة الواحدة ..

2:يمنع الغياب إلا لأسباب قاهرة ..

3الراتب أقله خم


سماية ألف ليرة لبنانية

.. وأقصاه مليون ليرة لبنانية ..

4العقاب والمكافئة المالية حسب العمل ..

5وجود ساعات إضافية حسب العمل ..

6مرافقة المدير في سهرات العمل إن تطلب الأمر ..

أكملت تدوين شروطي العادية ..ثم أعطيتها الورقة ..لتقرأها بتمعن ..منتظرا ردة فعلها ..


روايةمن أنت 

الفصل الثانى 


تظاهرت أني لا آبه للأمر كثيرا ..وكلي منجذب لأعرف ماذا ستكون النتيجة ..وحتى أدعم تمثيلي أكثر ..نظرت إلى عدنان وبدأت أتحدث معه بمواضيع عامة ..متجاهلا النظر إليها ..مع أن كل دقات قلبي ونبضات عقلي منحازة إليها ..وقلت لعدنان: ها ..أخبرني ..كيف حالك أنت ؟


-بخير ..ما بالك تسألني الآن عن أحوالي وأنت أمضيت السهرة معي البارحة ..هل اشتقت إلي يا صديقي ؟


-لا ..ليس كثيرا ..لا أملك الوقت لأشتاق إليك. .ولكني قصدت فريقك المفضل في رياضة كرة القدم قد خسر البارحة. .فهل نمت جيدا ؟؟


-حامد؟؟منذ متى وأنت مهتم لأمور الرياضة ..


فأجبته وأنا أولع سيجارتي وأعيد ترتيب جلستي بحيث رفعت ظهري بإباء ..واختلست النظر إلى لمى وقلت :منذ الآن ..هل لديك مانع ؟


-لا أبدا ..


وعندما اختطفت تلك النظرة السريعة كانت لمى تلوك خصلة شعرها بإصبعها وهي تفكر ..يبدو أنها قرأت الشروط عدة مرات ..وعدت لأسأل عدنان مجددا: هل ولدك مولع مثلك بتلك اللعبة؟؟


-لعبة؟؟؟إنها رياضة راقية ..حبذا لو تجرب أن تمارسها يوما  ما ستبدل رأيك بصدق ..


ثم أشاح بنظره عني لينظر إلى لمى ..وقد حملت القلم بين يديها ..وطرقته طرقات  خفيفة على الطاولة ..فسألها عدنان: هل أقرأ الشروط معك؟ ..تبدين مترددة ..!


فأجابت بلهجة تهتز خوفا ربما: هذا الشرط الأخير قد لا أستطيع تنفيذه ..


فاسترق بعينيه تلك الحروف ..ثم نظر إلي بتمعن وقال: ما هذا يا حامد ؟؟الشرط الأخير محرج للفتاة ..هلا بدلته ؟


فقلت بحزم: ولكني قد أحتاج مرافقتها !!


-في سهرات العمل؟؟؟؟


-نعم ..وماذا يختلف الليل عن النهار ..إنه مجرد عمل ..!!هل سنسهر في الكازينوهات مثلا ؟؟سهرة عمل يا هذا ما بك ؟؟


وبينما كنا  نتحدث بهذا الشأن ..وكانت لمى ملتزمة الصمت رن هاتفها ..فاستأذنت منا ثم وقفت بقلق ..وأجابت بعيدا عنا… 


وهنا انفجر بي عدنان :حامد !!!لقد أخبرتك أنها ليست كباقي الفتيات ..وهي بحاجة إلى هذا العمل فلا تعقد الأمور ..


-ليس هناك مشاعر في العمل يا صديقي ..وإن لم يناسبها هذا فلترفض لم أجبرها على شيئ..أم أن زوجها المصون رجل معقد ولا يسمح لها بالخروج ليلا !!


وقبل أن يجيبني ..عادت إلينا لمى وهي تحبس الدموع في عينيها على ما يبدو ..ثم جلست بصمت ..وأمسكت القلم والورقة ثم وقعت على الشروط ..


ارتسمت على محياي ابتسامة النصر ..وقلت :عمل مبارك لكلينا ..منذ الغد يمكنك بدء الدوام ..


###########################

بعد التوقيع على العقد ..خرجت أنا وعدنان من المقهى ..وترجلت سيارته وجلست على المقعد مستاءة ثم قلت بصوت ناعم: شكرا لك يا عدنان ..لقد فعلت ما بوسعك لأحصل على العمل لا تعلم كم أنا محتاجة إليه ..


-على الرحب والسعة يا لمى ..أنت تعرفين مكانتك بالنسبة إليّ..ولكن ماذا عن الشرط الأخير أنت لست مضطرة للقبول ..كان بوسعنا أن نجد عملا آخر ..


-لقد فات الأوان يا عدنان ..فقد وقّعت بيدي هاتين لأني مضطرة إلى ذلك ..


-ساعد الله قلبك ..وهدّأ سرك يا لمى بكل الأحوال حامد ليس سيئا.. وستكونين بخير معه ..


لم أشعر أني سأكون بخير ..قلبي منقبض ..وقد عوّدت نفسي أن تبتعد عن الأمور التي لا يرتاح لها قلبي ..ولكن من أين سأحضر الدواء إلى أمي ..وماذا سأقول لولدي فادي إن طلب مني لعبة ما…فبعد سفر طليقي المصون ..تركنا نعاني في غيابه ..


وبلحظة صمت قال لي عدنان :لمى لماذا لا زلت تضعين خاتم الزواج وأنت ...


ثم صمت قليلا وأكمل :أنا آسف ..تبدو تلك الكلمة قاسية عليك أليس كذلك ؟؟


-لا أحد يعرف بأمر طلاقي ولا حتى أمي ..أرجو أن يبقى هذا سرا بيننا ..ربما يتوب زوجي ..أقصد طليقي ويعود إلي نادما ..


-ألا زلت تفكرين به ..لقد تخلى عنك في أحلك ظروفك ..حتى أنه لم يخبر أهله بأمر طلاقك.. هل يعد هذا إشارة لرجوعه في يوم من الأيام ..أعلني الخبر وابدئي بتدوين صفحة جديدة من حياتك ..فربما تجدين إنسانا آخر يعرف قيمتك !!


قال عدنان كلماته وهو لايدرك حجم الألم الذي أعاني منه ..كيف أعلن الخبر وأمي قد تموت بسببه ..إنها مريضة !!مريضة بالقلب !!وإن عرف فادي سيحزن كثيرا بالرغم من صغر سنه ..إنه يسألني يوميا عن والده وينتظره بفارغ الصبر ..وكلما سألني متى سيعود يحرق  قلبي الذي تحول إلى رماد ..ولحد الآن لا أعرف الذنب الذي ارتكبته ليطلقني ..وليخفي الخبر عن أهله ..ما أغباني ..وهل يراسل أهله ليعرفوا بجرم ولدهم ..إنهم أناس طيبون ودائما يقدمون له الأعذار لغيابه ويأملون برجوعه وهو محمل بحقيبة من المال ..يظنون أنه كادح في عمله ..


وصلت إلى المنزل ..وكان وجهي مرتب بترتيب القلق ..وكان ذلك واضحا ..خاصة لأختي الوحيدة ..التي لاقتني بوجه قلق هي أيضا وسألتني: ها !!!هل حصلت على العمل ؟؟


-نعم ..


فقفزت فرحة وبدأت ترقص كطفل صغير ..ثم قالت: هذا يعني أنني سأشتري البنطال الذي أعجبني ..أريد أن أتباهى به أمام أصدقائي في الثانوية ..


ثم احتضنتني كمن وجد كنزا ..وبدأت تراقصني ..وبعدها انتبهت لنفسها :ولكن لماذا أنت حزينة هكذا ؟؟


-لا شيئ يا عبير ..


لا شيئ ..يكفيني أن أرى الفرح في وجوهكم ..


هاهو فادي قد ركض إلي مسرعا هو أيضا ..ثم قال لي بعينين ترجوان مني تنفيذ طلبه: أمي ..اتصلي بأبي الآن ..أريد التحدث إليه ..لقد اشتقت لسماع صوته ..

باستسلام حملت هاتفي واتصلت بوالده ..

              الجزء الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>