رواية هيلينا
حيث اقترب منها ..وأزاح خصلة من شعرها ..ثم قال بصوت خافت :هل هذا بتركي ؟؟
-الأمر ليس كذلك.. ولكني تعبت فعلا ..
-وهل تظنين أني لست متعبا ؟؟!
-أنت السبب ..
-لا بل أنت ..
-هل يمكنك أن تتفضل عليّ وتخبرني ماذا فعلت ..؟
-ألا يكفي تهديدك بتركي ..أتظنين أن طفلنا سيسامحك إن فعلت ؟؟!
-ولكني لم أفعل ..
فثار بوجهها :
-لا بل فعلتِ لتوّك ..أتظنين أني لا أفهم قصدك ..
-حسنا إن بقيت على ما أنت عليه سأفعل ..
وبعد كلمتها تحول الأسد المزمجر إلى قط مكسور ..وجلس في أحد الزوايا ..وشرد في شيئ ما ..وكأنه يتذكر أياما سوداء في تاريخه القديم ..فهل سيعاد معه هذا التاريخ ثانية ..؟؟؟واستغربت هيلينا ردة فعله ..ما هذه الشخصية المتناقضة ..وحل الصمت للحظات ..وقد كسر حاجزه وصول الضيوف ...ففتحت هيلينا الباب ..لتجد أمامها ستة شباب في عمر زوجها ..وكلهم يحملون قارورة من الخمر في أيديهم ما عدا شخص واحد ..فألقوا تحيتهم ..ووقف هادي لاستقبالهم ..أما هيلينا فتوجهت إلى المطبخ ..وحضرت ما يجب تحضيره من أمور الضيافة ..أنهت واجباتها ..ودخلت إلى غرفتها علها تستطيع النوم وولدها ..ولكن ضحكهم وهزءهم وجنونهم حال دون ذلك.. وصدر صوت غريب واحد من بين كل تلك الأصوات يقول ما يدور في ذهنها :خففوا أصواتكم قبل أن تستسلموا لسكركم هناك أشخاص تريد النوم في هذا المنزل !!!
وتساءلت هيلينا تراه من يكون صاحب هذا الصوت سأتحجج أنني أريد شرب الماء علي أميّزه من صوته ..
وبالفعل خرجت من غرفتها لتمر أمامهم ولكنهم لم يشعروا بوجودها فكلهم منشغلون بالحديث لتسمع الصوت نفسه يقول :هيا لنذهب الآن هذا يكفي !!
فالتفتت إليهم لتميزه ..وسمعت أحدهم يرد عليه :الوقت مبكر يا سامي !!
آه اسمه سامي !!فعلا قد يأتي التميّز من موقف واحد ..وتابعت الخطى ..لتعود أدراجها بعد لحظات وتتلاقى عيونها بعيون زوجها فيقول لها أمام الملأ :ألم تنهي واجباتك أيتها المرأة النكدة؟؟ ..هيا اذهبي من هنا !!
فشعرت بالإحراج ودخلت مباشرة إلى غرفتها غاضبة وهي تشعر بالإهانة.. وحدثت نفسها :أيعقل أن تكون الأيام القادمة كلها سوداء؟؟!ما هذا يا الله.. لماذا خلقتني لأكون في هذا المنزل ..!
وهنا يجدر الإشارة أن معظم الناس يضعون اللوم على الله أو على الشيطان ..وكأنهم مجبرين على فعل أشياء كتبت لهم في عالم الغيب ..ولكن ما مدى صحة هذا الإعتقاد ؟؟هل الله الذي كان يرمز له قديما (إله الخير)والشيطان يرمز له قديما( إله الشر)هما المسؤولان الحقيقيان عما يجري معنا في أحداثنا اليومية ..وبهذا السؤال سندخل في دهاليز أخرى تضغط على باب العدالة والجبرية والألوهية والعبودية ولكل له رأيه واعتقاده ..في نهاية 🔚 المطاف نحن المسؤولون عن اختياراتنا ..ولابأس إن لمنا أنفسنا وتصالحنا معها وحاولنا الإصلاح بدل الغرق في وحل اليأس وتمثيل دور الضحية !!
ها هم الضيوف قد رحلوا ..وتركوا المنزل في فوضى عارمة ..وأفكار أصحابه في فوضى أكبر ..ودخل هادي إلى الغرفة ..ولم يكن لديه القوة ليجادل كعادته فقد استنزفها في شرب الخمر ولعب الورق بأداة القمار ..فهل يعد هنا قمارا حقا إن لم يكن الربح ليس الهدف ؟؟..هذا سؤال برسم المختصين في هذا المجال فهم الأقدر على حل هذه المعضلة !!!
ونام هادي ..وبدأت هيلينا تراقبه من ناحية ..وتراقب ولدها من ناحية أخرى وتيقنت أنها لا تستطيع أبدا أن تخبر أهلها بما يحدث معها ..أما عن هادي ..فلا بد أنه سيتغير في يوم من الأيام ويعود ذلك الفارس الذي ينجي حبيبته من الحياة القاسية عند أهلها ..فكيف إن كانت حياتها مليئة بالحب أليس الأجدر أن يغدقها حبا ..؟!متى سيأتي اليوم الذي تفهم فيه الفتيات أن عصر الفروسية قد انتهى ..والفروسية التي بمخيلتاهن لم تبدأ أصلا حتى تنتهي ..!!ونعود مجددا لنلقي اللوم على الأفلام والقصص ..من المسؤول الحقيقي وراء هذا المفهوم ..أتكون المرأة نفسها؟؟!!لا أعتقد هذا !!
وحل الصباح ..وكان لا بد من ذهاب هيلينا إلى الدكان لإحضار بعض الحاجيات.. وأخبرت زوجها الكسول بذلك ..فأجابها: بما أنني قد ربحت البارحة وبرهنت عن ذكائي أمام أصدقائي فسأعطيك المال ..وسأبقى إلى جانب طفلنا أيضا ..
-لقد فضلت عليّ يا سيد هادي شكرا لك .وأدعو الله أن يربحك دوما لأرتاح من الدوامة التي أعيش فيها ..
-أي دوامة؟؟أتفكرين في الطلاق مجددا؟
-لا أفكر بشيئ سوى في بطني أنا جائعة وأريد أن آكل وداعا ..
ثم ذهبت أمامه لتتركه ينظر إلى طفله بشفقة ويقول :قد تتركنا والدتك يا صغيري !!!فانظر ما نحن فاعلان بدونها ..ليتني لم أتزوجها إنها غلطة عمري والغلطة الأكبر أنني أنجبتك ...
وعلى ما يبدو أن صديقنا هاني يعاني من عقدة الهجران ...ولكل عقدة سببا !!
وبينما كانت هيلينا تشتري من البائع ..وتختار الأغراض ..اقترب منها أحدهم وحدق بيديها ثم ابتعد عنها ..فقالت لنفسها ينقصني المجانين !
وهذا الشخص يبدو غريبا عن المكان ..وتغير إحساس الغرابة حينما سمعت أحدهم يلقي التحية
على البائع :مرحبا !!
يا لهذا الصوت لقد حفظته جيدا… يبدو أنه صوت سامي !!!فالتفتت وراءها لتجده يضع يده بيد البائع ويشد عليها ..أما هي فقد أنهت عملها وتقدمت أيضا من البائع وأعطته النقود.. ثم رمقت سامي بنظرة خاطفة وابتسم لها بأدب.. ورحلت أمامه بأمان ليقول الشخص الغريب :
-من تكون تلك الفتاة ؟
فأجاب البائع :
-لماذا ؟؟
-لأنها أعجبتني ونظرت إلى يدها ولم أجد خاتم الزواج وأنا أبحث عن عروس فهلا ساعدتني ؟؟
