رواية يونس الجزء السادس6والاخير بقلم ياسر عوده


 روايه يونس ( الجزء السادس والاخير )


توقفنا فيما سبق حينما جاء حسين الى يونس ليخبره ان والده الحاج فاضل مريض بشده ويرغب فى رؤيته ، ذهب يونس بسرعه للقاء والده ولكنه قبل دخوله للمنزل سمع يونس صوت صراخ وبكاء فتوقع ان والده الحاج فاضل قد مات .


وكان الامر كما توقعه يونس ، مات الحاج فاضل ، فدخل يونس واخذ يبكى بحرقه على والده ، كان يقول له : ازاى تروح منى وانت غضبان عليا ، ازاى تسبنى يا حاج ، ازاى قلبك يطوعك تسيب يونس ، انت عارف انا بحبك قد ايه ، انت عارف انى من غيرك ولا حاجه واضيع ، قوم يا حاج ، قوم ورد عليا ، كانت حاله يونس صعبه جدا ، فرغم غضب ابوه الحاج فاضل عليه ، الا ان يونس كان مقتنعا دائما ان هذا الغضب ليس من قلب ابيه ، فهو كان مقتنعا ان ابيه كان يحبه بشده ، وامتناعه عن التحدث معه كان مجرد عقاب على ما فعله يونس ولكن فى النهايه لا يستطيع ان يحول حبه لابنه يونس الى كره ، كان يونس يبكى بشده ، لم يتجراء احد على قول كلمه ليونس ، لم يقوم احد بتهداءته وتذكيره انها سنه الحياه وكل بنى قادم مصيره الموت ، كانو يقفون ويشاهدون فقط ، حتى حضرت ساره ، الوحيده التى تقدمت الى يونس ووضعت يدها على كتفه وقالت له : قوم يا يونس ، قوم اقف واصلب طولك ، تفتكر الحاج فاضل رحمه الله عليه هيرضيه ان يشوف ابنه الكبير عامل فى نفسه كدا ، الحاج فاضل سايب وراه راجل تخلى عن مهنته كطبيب وقعد يشتغل خدام فى منزل ابوه علشان مايكسرش كلمه ابوه ، مش انت يا يونس اللى تعمل كدا ، مهما كانت الاسباب .


كانت كلمات ساره فى محلها ، فتذكر يونس من هو وانه كبير العائله مهما حدث يجب ان يقف ويصمد وان يتقبل الامر بشجاعه وصبر ، وقف يونس ومسح دموعه ونظر الى ساره وقال : انا متشكر ليكى يا ساره ، انتى عندك حق ، مش يونس فاضل العيسوى اللى يبكى بالشكل دا .


فى مساء ذلك اليوم حضر الناس لتقديم العذاء ، بالطبع كان يونس فى مقدمه الاشخاص الذين يستقبلون الوافدون للعذاء ، وبالطبع كان الخير الكثير الذى يفعله الحاج فاضل فحضر اعداد كبيره من الناس ، وظل ذلك العذاء ثلاثه ايام ، كان يتوافد الكثير من الناس فى كل يوم .


مر اسبوع على موت الحاج فاضل ، كان اهل قريه العيسوى يشعرون بالقلق والخوف ، فهم يعلمون ان يونس كان والده غاضب عليه ، وحازم كان يتطلع للذهاب الى القاهره واقامه مشاريع هناك ، فهو وزوجته زهره لا يحبون العيش فى الارياف ، بالطبع كان قلقهم ان ينقطع الخير الذى كان ياتيهم من تلك العائله ، فهناك عائلات كثيره بتلك القريه كان مصدر دخلها الوحيد هو مساعدات الحاج فاضل التى كان يرسلها اليهم فى الخفاء دون علم الاخرين ، كان كل واحد يظن انه الوحيد الذى يرسل اليه الحاج فاضل المساعده ، ولكن كانوا كثيرون جدا ، حتى انه كان يساعد من هم خارج قريته .


بالطبع كان حازم يتطلع الى ان يتحصل على ميراثه ويذهب الى القاهره مع زوجته ، ولقد ابلغهم الاستاذ المحامى بان لديه شيء مهم يريده ابلاغه لورثة الحاج فاضل ، فلقد كان الاستاذ محمود المحامى هو المحامى الخاص لعائله العيسوى وكان دائما محل ثقه الحاج فاضل واسرته .


كان الجميع متواجد ، يونس واخيه وزهره وكل من كان له صله قرابه بالحاج فاضل وايضا الاشخاص الكبيره بالسن بتلك القاريه ليكونو شهداء على ما يريد ان يخبره المحامى ، جلس المحامى وقال لهم : اولا البقاء لله يا جماعه ، انا كنت اعرف الحاج فاضل من اكثر من اربعين سنه ، كانت تربطنى بيه صداقه قبل الشغل ، ومن مده جالى الحاج فاضل وطلب منى اكتب وصيته ، وكمان معاه جواب مقفول متفتحش متوجه لشخص واحد وهو يونس ، ثم اعطى الجواب ليونس ، فتمسك يونس بالجواب فهو يشعر بانه اخر شيء من رائحه ، واستكمل المحامى قائلا : الوصيه كلها تتلخص فى ان الحاج فاضل رحمه الله عليه كتب كل املاكه وارصدته فى البنوك باسم ابنه يونس .


كانت تلك الكلمات صدمه للجميع ، فيونس لا يصدق الامر ، ولم يكن يهتم بتلك الاموال ولكن لماذا فعل هذا ابيه وهو كان غاضب منه ، اما زهره فانتفضت من مكانها وتركت المكان فهى غاضبه بشده بالطبع ، اما حازم فكان محطم فكل شيء حلم بتحقيقه شعر به يختفى امام عيناه ، واما باقى الحضور فلقد سادت حاله من الفرح ، فهم يعرفون ان يونس لن يترك تلك القريه وايضا سوف يستمر بفعل الخير كما كان حال والده ، بعد ان انصرف المحامى ، توجه يونس الى المكان الذى يرتاح فيه بمفرده ليقراء ما كتبه له ابوه الحاج فاضل .


جلس يونس وفتح الجواب وكان مكتوب به : بسم الله الرحمن الرحيم ، حبيبى وابنى وضهرى وسندى وكبير عائله العيسوى من بعدى يونس ، بالطبع بعد ان قراء يونس تلك الجمله بدون ان يشعر نزلت دموعه على وجهه ، واخذ يستكمل قراءه الجواب ووجد فيه : مدام انت يا يونس بتقراء الجواب دا يبقى انا اتنقلت الى رحمه ربى ، انا يا ابنى كنت عارف كل حاجه ، كنت عارف انت ليه مردتش تتجوز بنت عمك زهره ، فى اليوم اللى انت رفضت تتجوزها فيه وكتب اخوك كتابه عليها ، انا عقلى مقدرش يستوعب الامر ، لو الامر كان معكوس وان حازم هو اللى كان مفروض يتجوز زهره ويرفض كنت ممكن اصدق ، بس انت متعملش كدا ، انا عرفك يا يونس اكتر من نفسك ، يمكن الاول الصدمه خدتنى وسعتها ضربتك على وجهك ، بس لما قعدت سعتها وفكرت حسيت ان فى حاجه غلط ، وسعتها جمعت حازم وزهره ، وقلت لحازم : بص يا حازم انت خلاص كتبت كتابك على زهره ، بس انا حاسس ان فى حاجه غلط ، وانا مش هسيبك لا انت ولا زهره الا لما اعرف الحقيقه دلوقتى ، طبعا حازم حاول يخبى الحقيقه هو وزهره ، وسعتها هدتهم بانى هتبرع بكل اموالى واوزع كل ممتلكاتى على الناس واهم مش هيلاقوا اللى يصرفوه على نفسهم وانهم سعتها هيحسوا بالفقرا .


طبعا انت عارف يا يونس وانا عارف ان اخوك وزهره بيحبوا المظاهر اوى ، وبيحبوا انهم يحسوا بانهم فوق الناس وطبعا اترعبو من الفقر وخافو انفذ تهديدى ، وسعتها اعترفوا بكل حاجه وازاى انت اقترحت عليهم ترفض الجواز فى يوم كتب الكتاب علشان ابقى قدام الامر الواقع ، طبعا اضايقت منك يا يونس سعتها ، بس لما فكرت فيها حسيت ان انت اتصرفت صح ، ازاى تضمن انى اقبل احرمك من زهره وانا عارف انك بتحبها ، وبصراحه كبرت فى نظرى اوى يا يونس ، وحبيت احطك فى اختبار صعب اوى ، سعتها طلبت من حازم وزهره ان يتعاملوا زى ما انت كنت مخطط ، وانا فضلت متجاهلك ومشغلك فى البيت زى الخدم ، كنت حابب اعرف انت هتصبر على الوضع دا قد ايه ، بس انت فوقت توقعاتى يا يونس ، كنت مستنى اليوم اللى تيجى تعترفلى فيه بس دا محصلش ، وانا فضلت كاتم السر بقلبى وبشوف قد ايه ابنى يونس راجل قد ايه ومتحمل نتيجه تفكيره ويتحمل اخطاء اخوه وبنت عمه ، علشان كدا عيله العيسوى مينفعش يبقى ليها كبير من بعدى غيرك ، انا كتبت الكلام دا لانى خفت اموت قبل ما حد فينا يتصارح مع التانى ، وخفت تعيش بقيه حياتك ندمان على قرارك ، اخر وصيتى ليك يا يونس ، انا كتبتلك كل حاجه علشان خفت اخوك يبيع كل نصيبه ويسيب البلد ويضيع عيله العيسوى وتارخها ، بوصيك يا يونس باهل بلدك ومتقطعش حاجه كنت بساعد بيها بالعكس زودها ، كل الناس اللى كنت بساعدهم اسميهم مع الاستاذ محمود ، متمنعش خير يا يونس ، ومتفرطش فى الارض ، وخليك فاكر الارض فى معزه الضنا ، ومحدش بيفرط فى ضناه يا ابنى .


كان كل ذلك مكتوب فى جواب الحاج فاضل لابنه يونس ، كان يونس يبكى ولكنه سعيد ، فلقد عرف ان اباه لم يموت وهو غاضب عليه ، وبينما هو جاس وجد ساره تجلس بجواره وقالت له : البلد كلها بتتكلم على موضوع الوصيه وان الحاج فاضل كتبلك كل حاجه ، الغريبه انهم فرحنين ومش فاهمه ليه ، وبردو مش فاهمه الحاج فاضل رحمه الله عليه كتبلك كل حاجه ليه ، متزعلش منى يا يونس انا الفضول هيموتنى .


يونس تبسم من كلام ساره ونظر اليها واعطاها جواب ابيه لها وقال : اقرائى دا وهتفهمى .


ساره لم تكن تصدق ان يونس يسمح لها بقراءه شيء خاص به ، بالطبع مسكت الجواب واخذت تقراء فيه ، وحينها فهمت كل شيء ، وعرفت لماذا رفض يونس الزواج من زهره ، وايضا عرفت لماذا كتب الحاج فاضل كل املاكه باسم يونس ، وحينها سئلته : انت ناوى على ايه .


يونس : لسه معرفش هفكر وهقوليك .


مرت بضعه ايام ، انتهى عمل ساره بتلك القريه ، جهزت هى وفريق عملها امتعتهم واستعدوا للرحيل ، كانت ساره تنتظر رؤيه يونس لتودعه ولكنه لم يكن حاضر ، واخيرا اتحركت بسيارتها وذهبت وهى حزينه لانها لم تستطيع توديع يونس .


هناك على مشارف القريه وجدت ساره يونس واقف فى منتصف الطريق ، كان بانتظار ساره ليودعها ، نزلت ساره من سيارتها مسرعه وسعيده ، تقدمت ساره ناحيه يونس وقالت له : عارف كنت هزعل اوى لو مشفتكش .


يونس : هو انا اقدر ، انتى عارفه ان النهارده هيتعمل عيد قومى للقريه ؟


ساره : عيد ايه مش فاهمه .


يونس : اصل النهارده اخير القاريه هتخلص من وحده مزعجه وفضوليه اسمها ساره .


ساره ضحكت بصوت مرتفع وقالت له : يعنى بزمتك مش هوحشك ؟


ضحك يونس وقال : هتوحشينى ، بس عرفه فى واحد قالبها محزنه فى البلد وحاولت اجيبه علشان يودعك بس قالى انه ممكن يبكى وانتى ماشيه ، اعمل ايه شكليك بقى ليكى معجبين ببلدنا .


ساره ضحكت وقالت : اكيد حسين صح ، مش مصدقه ان فى حد غلبان وطيب زى حسين ، سلملى عليه ، وانت مجوبتش على سؤالى اللى سئلتهولك قبل كدا ، ناوى تعمل ايه ؟


يونس : ناويت اخير حازم ، اما ياخد نصيبه من الارض بشرط ميخرجش من البلد ، او اشتريها منه وياخد نصيبه فلوس ، هى الارض فعلا فى غلاوه الضنا بس مش اغله منه ، وانا مش هخسر اخويا علشان الارض ، وكمان نويت اتجوز واخلف واحضر حد من اولادى يبقى كبير بعدى ويكمل مسرتى ومسيرة ابويا من قبلى .


ساره : هتكلمنى صح .


يونس : اكيد ومش هنساكى ، عرفه لولا ان حسين ممكن ينتحر كنت اتجوزتك ، ثم ضحك يونس ، فضحكت ساره وقالت : انا بردو لولا انى مقدرش ابعد عن القاهره مكنتش سبتك تفلت من ايدى .


مدت ساره يداها لتسلم على يونس وهى تقول : اشوف وشك بخير يا يونس .


فمد يونس يداه وسلم عليها وقال لها : اشوفيك على خير يا ارزل واجدع بنت انا قبلتها فى حياتى .


اخيرا ذهبت ساره ولكنها تركت ذكرا لها بتلك القاريه ، لم ينسا يونس ساره ابدا ، فظل يتذكر تلك الفتاه الفضوليه التى رغم فضولها ، كانت الوحيده التى وقفت بجانبه عند موت والده وذكرته من هو وكيف يتصرف ، وهناك بالقاهره ظلت ساره تتذكر ان هناك رجل يدعى يونس ، رجل يحمل كل صفات الرجوله ، كبير عائله العيسوى ، فرغم قسوه الحياه له الا انه ظل صامد وواقف على قدميه دائما .

                              النهاية

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>