رواية من أنت
الفصل الحادى والعشرون
اجبت عبير إلا أن تنغص علي فرحتي في ذلك اليوم ..لقد صدمتني كلماتها وجرحتني أيضا ..هل أنا حقا امرأة أنانية ..؟؟!!..لن أتكلم بالأمور المادية التي أقدمها لها ..ولكن بالمعنويات ..كيف أكون أنانية وأنا أسهر على راحتها وراحة فادي وسابقا أمي ..لا لا ..شريط الذكريات منذ طفولتي إلى هذا اليوم يأبى أن يمر أمامي من هول ما سمعت ..ما ذنبي إن غنى قلبي للرجل الذي غنى قلبه لي ..أأقوم بدور الأخت المضحية الآن ..وأنهي علاقتي التي لا زالت جنينا به ..علاقتي البريئة ..علاقتي التي تمنيتها طوال عمري ..لماذا ؟؟لماذا هذا الظلم يا رب ..كلما رأيت بصيص أمل تدمره لي ؟؟ألست أنا عبدتك التي تحبها ..
تظاهرت أنني لم أسمع شيئا مع أن قلبي يرتجف من الألم ..وأوصالي كلها تعتصر من الخذلان ..وأنقذ الموقف أو ربما عقّده هو وصول الحبيب لصاحبتَي هذا المنزل ...أطل علينا بلباسه الأنيق ..وقد سبقته رائحة عطره الذكية ..التي لاحظتها بالرغم من أن حواسي كلها قد تعطلت ..كانت تعلو وجهه ابتسامة الحب ..وتشع عيناه ببريق السعادة ..ألقى تحيته المليئة بكل طاقات الكون الإيجابية :مرحبا !!
أجبته بصوت مخنوق :أهلا !!
-ما بك ؟؟لماذا أنت شاحبة هكذا؟؟
-أشعر أنني متعبة ..ما رأيك أن تذهب أنت وعبير وفادي ..؟
انقبض وجهه بعد تلك الترانيم المزعجة ..ثم استدرك الموقف ..وكأنه عرف ماذا يجري خلف الكواليس :بكل الأحوال عبير سترافقنا ..
ثم نظر إلى عبير التي التزمت الصمت أثناء حديثنا السابق وقال: هيا هيا جهزي نفسك يا ابنتي ..فأختي علا بانتظارنا ..
ثم نظر إلي بريبة وحاجباه معقودان :وأنت لن أسمح لك أبدا بتنفيذ ما يدور في رأسك ..ولن أذهب بدونك ..
وابتسم ابتسامة خبيثة ونظر إلى فادي الذي كان مشغولا بترتيب حذائه الخاص لمدينة الألعاب وقال بصوت عال: حتى أن فادي لن يفرح بدونك يا لمى ..لمتنا الحلوة معاكي !!
ولم يكن أمامي سوى الموافقة ..وكذلك عبير ..سامحك الله يا أختي كيف حولت رقص قلبي المتيم الحيي ..إلى ترنيمة حزن تناشد الموتى.. ألا يكفيني لؤم راشد ..!!
وانطلقنا خمستنا إلى مدينة الملاهي متناسين لعبة الأيام بنا ..وأصرت علا على أن أجلس أنا في المقعد الأمامي والمشاعر تتضارب داخل تلك السيارة ..
*************************************
علا كانت على يقين من مشاعري تجاه لمى ..وبما أنها العاشقة الولهانة الموعودة بالوقوف إلى جانبها ..مع أن مسألة إقناع أهلي بذلك اللاعب أمر سهل ..لأن المستقبل أمامه وهو على باب الشهرة ..بالإضافة إلى أنه شاب ظريف ..ولكن لا أعلم لماذا خمنت أنهم سيرفضونه ؟؟!!ولابأس فهي بهذا تطلب الدعم ..هكذا هن النساء ..ولا أنكر أن حبيبتي غيرت نظرتي بهن ..فمن أنت يا لمى ..من أنت ..؟
أما حديثي عن علا ..فقد كان بمناسبة أنها أحرجت لمى لتجلس بالمقعد الأمامي ..وشكرا لها لأنها فعلت ذلك ..أو كيف أشكرها على شيئ يزيد نار 🔥 قلبي استعارا كلما تحسست أنفاسها الهادئة فمع كل شهيق وزفير تزيد من نبضات قلبي ..كم أحبك أيتها المرأة الغريبة القريبة البعيدة. .
وما إن وصلنا إلى مدينة الملاهي حتى بدأ فادي يرقص فرحا وهو يقول: سأجرب هذه الآلة ..ثم هذه الآلة ..وبعدها تلك ..وهكذا ..شكرا لك أيها الصغير فأنت بذلك تيسر لي الأمور لأكون إلى جانب والدتك مدة أطول ..
أما علا الخبيثة الشطورة ..فقد طلبت من عبير أن يلاعبا فادي ..ليتسنى لي الوقت حتى أجلس مع لمى ..نظرت إليها بحب واستغراب ..ولاحظت أنها شاردة الذهن وتتهرب مني بنظراتها ..فقلت لها: لقد خرجت من المكتب اليوم كحورية البحر ..تنعمين بالأمل والحياة ..ما الذي حصل في المنزل وعكر صفوك ؟
فتنهدت ثم تهربت من الإجابة وقالت :أتعلم أن الخوف هو السبب الأساسي لمعاناتنا في هذه الحياة ؟
-أعلم أنك تتهربين من سؤالي ومع ذلك لن ألح عليك بهذا ..ولكن ماذا تقصدين بالخوف ..؟
-الخوف من فقدان من نحب ..الخوف من غضب من نحب ..الخوف من حزن من نحب ..الخوف من أن نخسر من نحب ..وأن نخسر أنفسنا ..
-أتعلمين ما هو الحل ؟
-ما هو؟
-أن نحب أنفسنا فيتلاشى العتب والخوف من قلوبنا ..
-كيف ذلك .؟
-عندما نعامل أنفسنا كما نعامل من نحبهم ..فللنفس حق علينا ..
-الكلام سهل ولكن تنفيذه صعب !!
-صحيح ..وأن يخطو الطفل خطواته الأولى أمر صعب بالنسبة إليه ..ولكن مع الأيام يصبح أمرا عاديا ..إنما العلم بالتعلم ..والحلم بالتحلم ..والنصر للمستمرين ..
أطرقت رأسها أرضا مفكرة بكلامي ..ثم قالت: سأعتبر تلك الكلمات دعما لي لعدم رجوعي إلى راشد ..فأنا لا أحب لأختي مثلا أن تتزوج به ..هل هذه هي القاعدة ؟
-هذه القاعدة تناسبني أنا أشجعك عليها .!!
فاحمر وجهها خجلا لأنه غزل مبطن ..ولكن سرعان ما توجم وجهها حزنا ..وعرفت السبب فقلت لها: أعلم أن علا هي التي تزعجك وليس راشد ..
-ماذا تقصد ؟
-أنت تعلمين جيدا ماذا أقصد .
-إنها أختي ولكن كيف عرفت ذلك ..
-قد يخفي الإنسان أشياء كثيرة ..ولكن مشاعره تفضحه في معظم الأحيان ..ولكن إياك أن تضعي
هذا عائقا في علاقتنا ..لأنه لا أمل من حبي لها ..فنخسر كلنا ..هل فهمتني ؟؟!!
لم ترد لي جوابا ..بل اكتفت بالتحديق بفادي ..وراقبت ضحكاته الطفولية البريئة ..وهو يلعب مع علا وعبير ..وبدت عبير بنتا عادية الملامح ..وكأنها المنتصر على مشاعر أختها فهي تدرك جيدا أنها زرعت داخل قلبها مشاعر الذنب ..مع أن المعادلة عكسيه ..وأبشع ما يكون في هذا الكون هو استغلال المشاعر. ..
