رواي من أنت
الفصل الثالث
ولكنه كعادته لم يجب ..فقلت لفادي :ربما يكون نائما الآن فالتوقيت في البلد الذي سافر إليه يختلف عن التوقيت في لبنان ..
فلوى فادي شفتيه وهم ليذهب إلى غرفته.. لكني ناديته بحماس :فادي !!هل تتذكر اللعبة التي أعجبتك في السوق يوم أمس ..
-طبعا!!
-أعدك أنها ستكون لك قريبا ..
فرقص فرحا هاييي هاااي ثم ذهب ليشارك جدته الفرحة ..وأنا توجهت إلى غرفتي لأعيد ترتيب أفكاري ..ذلك الرجل يعبد عمله !!حتى أنه يفصل بين العمل والعلاقات الخاصة ..لقد بدا متوترا وإن أخفى شعوره ..أنا أوقن تلك المشاعر جيدا ..ولا يمكن للتجاهل أو إظهار الابتسامة المصطنعة أن تخفي حقيقة كهذه ..أما أنا فقد ترفعت عن مصافحة الرجل بيديّ لكيلا يشعر بتوتري من قبضته ..ماذا إن لاحظ ذلك ...وما بالي أنا كلما تقدمت لوظيفة ما أتوتر بهذا الشكل ..إنه الخوف من النتيجة بلا شك ..ترى كيف سيكون يومي غدا ..؟
ثم فتحت خزانتي ..وحضرت ملابس أنيقة ولكنها محتشمة ..بنطالا واسعا ..وجاكيت تناسبها ..وحذاء وسطي الكعب.. ووضعتها على الطاولة أمامي. .آملة أن يكون أول يوم لي في الوظيفة بادرة خير لحياة جديدة ..وقررت أن أنام باكرا. .لذلك قمت بما يتوجب علي من أمور العشاء والعمل المنزلي وملاعبة فادي والسمر مع أمي وأختي ..ثم احتضنت سريري أو هو احتضنني واستسلمت لنوم عميق ..
وعندما استيقظت الشمس وأيقظت معها البشر ..لتدب الحركة من جديد في قلب المدينة ..ارتديت ملابسي ورتبت شعري ..ثم طالبت أمي بدعائها المستمر لي فهو يعطيني جرعة إيجابية وإن لم يتحقق ..فهل أجمل من أن يكون قلب الأم راض .إنها جنتي الحقيقية ..ثم استقليت إحدى الحافلات وذهبت إلى الشركة ..وكان عليّ مقابلة مديرها مجددا لأنني سكريتيرته الخاصة وعلي أن آخذ التعليمات بطريقة حذرة احتراما لنفسي ولعملي فأنا من النوع الذي يجن إن وجه إليه انتقادا ظالما ..والأجدر بي أن أتصالح مع نفسي لأتخلص من هذه العادة السيئة ..
وحدثت نفسي ببعض الكلمات: اهدئي ..أنت على ما يرام ..أنت بخير ..لا تقلقي ..لا تتوتري ..
ثم دخلت إلى الشركة بخطوات مترددة ..وبعدها رفعت رأسي لأنال بعض الثقة بالذات ..وتوجهت إلى مكتب المدير ..لأجد فتاة تقف وراء المكتب ..وكانت توضب الأوراق ..فألقيت عليها تحيتي ..
فأجابتني وهي لا تزال منهمكة بترتيب أغراضها بغضب :أهلا…
وتوقفت فجأة ثم نظرت إلي بتمعن وحدقت بي بطريقة غريبة ..وقالت بشفتين مرتجفتين :لا بد وأنك أنت من ستأخذين مكاني ..أليس كذلك ..ولكني أعدك أن تأتي أخرى لتتبادلان الأدوار كما يحصل الآن بالضبط !!
وشعرت بالذنب بعد تلك الكلمات ..وقلت لها: أنا آسفة لم أسعَ لهذا الأمر صدقيني .فلست أنا من اخترت هذا المنصب ..ولو كنت موظفة عادية لكان الأمر أفضل بالنسبة إلي ..
-لا تتظاهري بالبراءة .. حسنا!! بكل الأحوال سيأتي السيد حامد ليرشدك إلى عملك ..ولا تطلبي مني المساعدة فهذا ليس عملي ..
ثم أدارت ظهرها وأكملت عملها وهي تتمتم :تبا لحظي السيئ ..او تأتي فتاة تفتقر إلى الأنوثة والجمال لتأخذ مكاني بهذه السهولة ..
ووقفت أنا مذهولة مكاني ..لا أعرف ماذا أفعل ولم أتجرأ أن أسألها عن موعد قدوم السيد حامد ..ولم أجد نفسي إلا وأنا أقول: ما رأيك أن أطلب من المدير أن تبقي أنت في مكانك هنا و أن يوظفني في منصب آخر ..
فضحكت ساخرة وقالت :مجنونة !!!من تظنين نفسك ..؟
ولم تكمل كلامها حتى سمعنا صوتا ليس غرييا عنا يقول بغضب :سماااااهر !!
فجمدت مكانها ..ونظرت إلى السيد حامد بطريقة معاتبة وخائفة ..وقالت كتلميذ أخطأ في واجبه المدرسي أمام أستاذه :نعم…
************************************
وصلت إلى مكتبي الخاص لأجد الموظفة الجديدة ..تستمع إلى الشتائم بصبر ..وتحاول ترطيب الأجواء بماء الطيبة التي لم أعهدها قبلا ..وكان لا بد من إنقاذ الموقف. مع أنها لا تستحق فهي التي أهانتني البارحة ..وأنا من يحاول الدفاع عنها اليوم ..فصرخت بصوت حازم: سماااهر ..
أنا أدرك مشاعر سماهر تجاهي. فقد حاولت الإعتراف لي بمشاعرها مرارا ..ولكني كنت أتجاهل ذلك بالرغم من أنه يفرحني ..لا أنكر هذا ..أنا من النوع الذي يحب أن يجمع المعجبات حوله حتى إن لم أكن أبادلهن الشعور ذاته ..فأنا باختصار أحب حبهن لي ..وإن توقفن عن ذلك سأستاء لبعض الوقت.. وبعدها قد أنساها !!!!
وجمدت سماهر في مكانها ..إنها تخافني لكوني الرجل الذي يعرف أسرارها من جهة ..والمدير الذي يخشاه الموظفون من جهة أخرى ..وقالت بقلق: نعممم ..
-هل انتهيت من توضيب أغراضك ؟؟
-نعم..
-إذاً علمي السيدة لمى ما يتوجب عليها فعله ..وأتمنى لك عملا موفقا في مكتبك الجديد ..
وبعدها أكملت طريقي دون النظر إلى لمى حتى ..ودخلت إلى مكتبي ..منتظرا دخول لمى بعد دقائق ..لأني أوقن أن سماهر لن تعلّم ضرتها شيئا… ولم يخب ظني ..فبعد دقيقتين ..دخلت لمى بعد طرقات خفيفة ..وخطت خطوات متثاقلة ..وقالت بصوت حزين :ااااا هلا أرشدتني إلى طبيعة عملي ؟؟
ابتسمت بخفاء.. وبعدها قلت باستف
زاز: ليس من اللائق أن يكون لك أعداء في اليوم الأول من عملك ..ماذا فعلت للمسكينة؟؟
-لم أفعل لها شيئا !!ولم تفعل لي شيئا...تبدو مسكينة ..ولكن ليس لديها الوقت لتعليمي. .
فوقفت وأنا أزرع يداي على ظهر المكتب ..وأراقب وجهها الجميل وشعرها المنسدل ولباسها الذي ينم عن الإحتشام ..وعينيها اللتين تلمعان كبرق الشتاء وتزهران كفصل الربيع ..ثم قلت لها:هل نظرت إلى نفسك في المرآة ..هل هذا شكل موظفة تريد الحفاظ على عملها..
