رواية من انت الفصل الثالث والعشرون23 بقلم ليلي مظلوم


رواية من أنت .


الفصل الثالث والعشرون


عدت إلى المنزل كالغريبة ..لا أريد أن أرى عبير حتى لا أرى نظرة الخذلان في عينيها ..وتوجهت إلى غرفة فادي مباشرة دون أن أنادي أختي كعادتي ..ووجدته يلعب بألعابه التي اشتراها البارحة من مدينة الملاهي وقد سرقت منه الوقت ..وعندما رآني هرع إلي باكيا ..تاركا عالمه الخاص ..وبدأ يصرخ قائلا :لا تتركيني يا أمي ..لا تتركيني ..


لقد تفاجأت من ردة فعله الغريبة وقلت له: ومن قال أنني سأتركك .


-خالتي أخبرتني أنك ستتزوجين وتبتعدين عني ..وستنجبين أطفالا آخرين كما فعل والدي.. وأنني سأسافر معه إلى أرض بعيدة ..


تلك اللعينة لقد تلاعبت بعواطف فادي دون رحمة ..وتنعتني بالأنانية ..ولم أشعر بنفسي إلا وأنا واقفة أمامها ..وأهددها بأعلا صوتي ألا تزرع في رأس صغيري تلك الأفكار السامة ..فأجابتي بصراحة ..لا بل بوقاحة :أليس هذا الذي سيحصل ؟


أجبتها غاضبة :لاااا ليس هذا الذي سيحصل ..لقد انتهت علاقتنا قبل أن تبصر النور ..فهل أنت مرتاحة الآن ..أصبح الطريق أمامك خاليا ..


ثم احتضنت فادي الذي تمسّك بي بيديه الإثنتين وكأنه يقول لي لا تتركيني ..


أمضيت ليلة قاسية فعلا ..كنت أفكر هنا وهناك ..لا أستطيع النظر إلى عيني راشد ..فكيف سنعيش تحت سقف واحد ..ومن ناحية أخرى فإن   حامد ليس محبا حقيقيا ..تسلى بعواطفي حتى يثبت لنفسه أنه محبوب من النساء.. والعمل !!لقد تركت العمل ولا بد أن أبحث في مكان آخر ولن أرمي كاهلي الآن على عاتق عدنان ..هذا يكفي لقد أتعبته كثيرا ..


ولم يغمض لي جفن إلا فجرا ..واستيقظت باكرا كالمجنونة ..ثم تذكرت أنني لن أذهب إلى عملي كالمعتاد ولكنني سأبحث عن عمل ..وذهبت إلى المطبخ وحضرت لفادي الطعام الذي يحب ..وأغدقت عليه من    عطفي وحناني ..لقد أهملته في الفترة الأخيرة ..أما عبير فلم تخرج من غرفتها ..لقد تغيرت معاملتها معي كثيرا وكأنني ضرة لها ..ولكني في هذه المرة لن أسترضيها ..علها تشعر بالذنب تجاهي وتدرك خطأها ولكن هل ستفعل ذلك ..

*************************************

ذهبت إلى عملي صباحا ..ولم تكن لمى موجودة في المكتب هذا يعني أنها قررت أن تترك العمل فعلا وعلي أن أختار موظفة جديدة حتى تحل مكانها ..هذا ليس وقته.. بحثت بين الأسماء ..واخترت بشكل عشوائي ..وحضرت إلى مكتبي موظفة في العشرينات من عمرها ..أعطيتها التعليمات بشكل مقتضب ..ولا أنكر أنني كنت حاد الطباع معها ..ومع هذا تحملتني ..تبا للمال الذي    يجعل العمال يتحملون مزاج المدراء من أجل بضعة دراهم ..إنه ذل الحياة ..لم لا يكون الإحترام بين العمال قائم بين أدنى مرتبة وأعلاها ..أليس كله عمل ..وكله متطلب من البشر ..من عامل النظافة إلى رئيس الجمهورية ..ولكن إخوان الحيوانات البشر أبوا إلا أن يحددوا الطبقية ..فهذا غني وهذا محترم وذاك فقير وذاك مسكين ..وذاك صوته مسموع وآخر صوته مبحوح ..تبا لكل الشرائع الإجتماعية التي ساهمت في خلق تلك الفجوات ..


جلست مع نفسي أفكر فيما يجب  علي أن أفعله ..وكنت أشعر بالذنب تجاه الموظفة الجديدة التي كانت ترجف كورقة يابسة في فصل الخريف أمامي ..ثم شغلتُ الكاميرا ونظرت إليها بإنسانية بحتة ..كانت تحاول إرضائي حتى وهي بعيدة عني ..كم أنا رجل أحمق ..ناديتها بصوت هادئ ..فحضرت إلى مكتبي مسرعة لتلبي   طلبات الأمير الحاد الطباع ..ولكنها تفاجأت من نبرتي الجديدة ..حيث قلت لها بهدوء واتزان :أهلا بك يا ريما في مكتبك الجديد ..وأرجو أن يكون عملا سهلا وجميلا بالنسبة إليك…


فابتسمت بلطف وشكرتني بصوت خجول وغادرت أمامي بثقة تامة ..بضع كلمات حنونة عدلت مزاجها ..وارتاح ضميري ..مع أني لم أعتذر منها بشكل  رسمي ..فعلا علينا أن نفصل مشاعرنا بين حياتنا الخاصة وحياتنا العملية ..فما ذنب الموظفين حتى يتحملوا طباعنا الحادة وهم ليس لهم أي علاقة بذلك ..


وخطرت إلى بالي لمى ..ترى ما الذي تفكر به الآن ؟؟وهل ستختار راشد ؟؟ياإلهي إنها فكرة مرعبة بالنسبة إلي ..فعلا أنا أحبها من أعماق قلبي ..ليتها تدرك ذلك ..من أنت يا لمى حتى تحدثي داخلي كل هذا الضجيج ؟؟


مضى هذا اليوم ببطء تام ولم أسمع خبرا عن حبيبتي ..وعدت إلى منزلي يائسا خائبا ..لكن علا لاقتني بابتسامتها ..وهي تقول لي :شكرا لك يا أخي   الحبيب ..لقد وافق أهلي على الإرتباط بذلك اللاعب البطل ..وهذا كله بفضل حديثك ليلة البارحة معهم ..وسيأتي اليوم ليخطبني بشكل رسمي.. عقبى لك يا حبيب قلبي ..


احتضنتها ببرود وباركت لها ..وطبعا كان الجميع في انتظاري لتناول الغداء كعادتنا ..جسدي المتعب لم يكن يرغب في الطعام ..فتناولت قضمتين حتى لا أتعرض للتساؤل ..ومع ذلك كانت الأنظار متوجهة إلي ..فسألتني أمي :ما بك يا حامد ..أنت لم تأكل كعادتك ..!


وقفت بملل وقلت لها: أنا متعب يا أمي وأشعر بالنعاس ..سأذهب لأنام ..


أنا أعرف قلب الأمهات جيدا فقلبها لن يطمئن لمثل هذه الكلمات ..ولكنها تركتني لتصطادني عندما تسنح لها الفرصة ..ويبدو أن علا سبقتها ..فلم يمضِ عشر دقائق إلا ولحقت بي إلى غرفتي.. وطرقت


الباب طرقات خفيفة ..فأذنت لها بالدخول ..وجلست إلى جانبي على السرير ثم قالت :لقد طرد الحب النعاس من عينيك أليس كذلك ؟؟


فتنهدت ثم أمسكت خصلة من شعرها وداعبتها بيدي بحنان وهمست لها: لا تشغلي بالك في حبي ..حبك ينتظرك الليلة فكوني بأحسن حالاتك ..


-أدرك جيدا أن الأمر صعب بالنسبة لأهلي ..أقصد أمر زواجك ..ولكن مع هذا جرب حظك ..


-لماذا تطلبين مني المحاولة في أمر مستحيل ..

          الفصل الرابع والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>