روايةمن أنت..
الفصل الخامس والعشرون والاخير
فأجبته وأنا أنظر لعبير التي كانت تشاجرني البارحة من أجل حامد ..وقلت :الرأي رأي عروستنا ..وفقما الله.
وبعد أن رحل العريس ..اقتربت مني عبير واحتضنتني وقالت لي :أحبك يا أختي وأنا آسفة عما بدر مني ..
-أنت أختي يا عبير ..وسعادتك تهمني ..المهم أن تكوني بخير يا حبيبة قلبي .
ثم مسدت لها على شعرها ..وطبعت قبلة على خدها ..واحتضنتها بقوة ..لا أعلم لماذا نزلت دموعي في تلك اللحظة ..منذ أيام أمطرت عيناي كثيرا على فراق أمي ..وها هي تمطر الآن فرحا لأختي ..يا ليت امي حية لترى قلب بنتيها العاشقتين… ولكن هذا حكم القدر كما يقولون ..
في اليوم التالي توجهت إلى مكتب حامد ..وفوجئت بوجود السكرتيرة الجديدة ..لقد ذكرتني بعبير ...قلت لها :أريد رؤية السيد حامد ..
ولم أكمل كلامي حتى ظهر حامد وقال لي :تفضلي لمى ..
كان لا يريد أن يحصل صداما بيني وبين سكرتيرته الجديدة ..لقد لمحت ذلك في عيونه جيدا ..وما إن دخلت إلى المكتب حتى قال لي مازحا :لقد فقدت موظفتين بأقل من أسبوع أرجو أن تصمد السكرتيرة الجديدة ..
فتجاهلت كلامه وقلت له :أنكمل حديث البارحة ..؟
-أي حديث ؟؟
- لا شيئ ..
فتظاهرت أنني سأرحل وهممت بالوقوف فقال لي :ما بالك أنا أمزح معك .أليس غريبا أن يجلس قلبي أمامي وأنا لا زلت على قيد الحياة ..وبعد شهر سيكون زفافنا ..فجهزي نفسك ..لا أحب الخطبة الطويلة ..
-هل تحدثت مع أهلك في الأمر ؟
-أنا أعرف النتيجة مسبقا ..ومع هذا سأطرح الأمر أمامهم الليلة ..فادعي لي ..
لقد رقص قلبي فرحا بما أنا مقدمة عليه من الزواج ممن اختاره قلبي.. ولكني أشعر بالخوف من فقدان ولدي ومن ردة فعل أهله ..فتلك الأمور ستعكر صفونا بلا شك..
حدق حامد بي مطولا وأشعرني بالخجل وقال بعدها :أنت محظوظة لأنني سأتزوجك أليس كذلك ..واسألي عدنان ..
وما إن ذكر اسم عدنان حتى أطل علينا الأخير مهنئا ..
*****************************-*******
لقد كانت فرحتي عامرة عندما وافقت لمى على الارتباط بي… والارتباط الحقيقي ليس بتلك الورقة التي يدونها رجل الدين ولا بذلك الخاتم الذي أحضره عدنان معه قائلا :أنا أعرف مقاس إصبع عروستنا… وأوصاني حامد بإحضاره ..بعدما عرفت منه كل شيئ..
إنما بوجود لمى الدائم في قلبي وعقلي وكل كياني ..ارتباطا وثيقا لا تبدله الأيام ..
عدت إلى المنزل ..وقلبي يرتجف من النتيجة ..حالي حال التلميذ الكسول الذي يعرف النتيجة مسبقا ..ومع ذلك يجري امتحانه ..وكما كنت أتوقع فقد رسبت في امتحاني ..ورفض أهلي رفضا قاطعا ذلك الزواج بتهمة أن حبيبتي مطلقة ..
ما ذنب المطلقات أليس من حقهن أن يجربن حظوظهن مرة ثانية وثالثة… حالهن حال الرجال ..أم ما يسمح للرجال به يمنع عن النساء..
لا أنكر أن جو المنزل تغير إلى جو بليد بارد.. فقد تغيرت معاملة أهلي لي وفقدت اهتمامهم ..إلا علا التي كانت تخفي فرحتها أمامهم ..ولكنها العاشقة التي تعرف إحساسي جيدا ..مضت الأيام ..وكانت علاقتي بأهلي متوترة… حافظت على أدب البنوة ..وحددت موعد زفافي ..ودعوتهم على أية حال مع أني أوقن أنهم لن يحضروا حفل زفاف ابنهم العاق..ومنعوا إخوتي أيضا ..وتفهمت وضعهم ولم أغضب منهم ..ولكن من ناحية أخرى كنت أعلم تعلقهم بي وبأنهم لن يبقوا على موقفهم مدى العمر ..
تزينت عروستي في تلك الليلة بلباسها الأبيض ..وبدت عروسا جميلة تسلب القلوب والعيون ..لقد دهشت حقا ..أهذه هي لمى التي أعرفها ..لقد تغيرت كثيرا ..ربما لأنها كانت لا تضع مساحيق التجميل ..ولكن شيئا ما كان ينغص عليها فرحتها ..إنه فادي ..وقدمها عدنان إلي ..وكان شاهدا على عقد القران ..
كان حفلا متواضعا لأن حبيبتي هي من طلبت مني ذلك .و ودعت لمى أختها التي تحدد زفافها بعد فترة قصيرة ..وأوصتني بأختها ..وأجبتها بأني سأضربها صباحا ومساء.. وسأعاملها أسوأ معاملة ..فضحكت لمى لأنها تثق بي كثيرا ..وقالت :لقد قال راشد لأمي رحمها الله في يوم زفافي بأنني سأكون في عيونه ..ففقأ لي عيناي.. أما حامد توعد بالمعاملة السيئة ولكنه سيعيد إلي عيناي ..لا بل أعاد إلي الحياة ..
أمسكت يد لمى بإحكام وانطلقت بها إلى منزلنا الجديد ..وأطربتها بكلمات الغزل والحنان ..وكنت صادقا في ذلك ..إلا أن دمعة نزلت من عينيها لأنها تشتاق إلى فادي الذي أخذه والده منها عنوة ..وسافر به بعيدا ليحرق قلبها عقابا لها لأنها أبت الرجوع إليه ..كم هي قاسية هذه الحياة ..وأخذت عهدا على نفسي بأني سأعيده إلينا مهما كلف الثمن ..وقلت للمى :لا تبكي وتفسدي مساحيق التجميل التي دفعت ثمنها فأنا لم أجد مالي مرميا على الطريق ..
وابتسمت الأميرة ..وابتسمت معها ..ثم احتضنتها بإحكام وقلت لها :هل يعقل أنك معي الآن وسنعيش تحت سقق واحد ..كم أنا رجل محظوظ!!
مضى شهر على زواجنا وكان بالفعل شهر العسل كما يقولون بالرغم من بعدي عن أهلي وبعدها عن فادي ..وذات يوم عدت إلى المنزل ..واستقبلتني زوجتي الحبيبة بابتسامتها المعهودة .فقلت لها :لقد أحضرت إ
ليك هدية ثمينة ..
فتوسعت حدقتا عينيها وقالت لي بحماس :حقا !!ما هي ؟
فقلت :أظهر وبان عليك الأمان ..
ثم ظهر فادي وأترك لكم أن تتخيلوا الأحضان والأشواق ..والدموع ..وسألتني بلهفة: ولكن كيف ذلك ..؟
فأجبتها: المال يحل أكبر المعضلات ..لقد باع راشد ولده وأنا اشتريته بثمن بخس مع أنه يستحق أكثر من كنوز الدنيا ..
مضت سنة ونصف على زواجنا ..وأصبح لفادي أختا جميلة. أحبها بصدق ولهفة ..وذات يوم عدت إلى منزلي متشوقا لأحصل على الهدية التي وعدتني بها لمى ...وفوجئت بوجود أهلي في المنزل ..وأيضا أترك لكم تخيل مشهد القبلات والعناق والأشواق ..وقلت لهم: لكن كيف ذلك ؟؟
فأجابتني لمى :الحب يصنع المعحزات..وأبى أهلك أن يعيشوا بعيدا عن حفيدتهم ..أعدت إلي حبيبي فأعدت إليك أحبائك وكل على طريقته ..وأنا الآن أنعم بأطيب زوجة وولدين ..وأغلا أهل في الكون ..
النهاية
