روايةمن أنت
الفصل العاشر
وذهبت لمى إلى المطبخ ..وتركتني مع الفتاتين ..ولا أخبركم كيف أن علا بدأت تطلق تعليقاتها المازحة ..وتخبرني أمام عبير كم أنها فتاة استثنائية ..وكيف تصرفت عندما اعترف لها زميلهما بحبه ..لقد كادت تجن ..وكيف أنه قام برشها بالماء عندما رفضت التحدث إليه ..وهكذا ..حتى أخجلت المسكينة التي كانت تضرب علا بيدها طالبة منها السكوت ..أما أنا فكان جسدي معهما ..وأبتسم لانفعالاتهما ..إلا أن روحي في المطبخ ..ما بالك يا لمى ..هل تمضين كل هذا الوقت مع القهوة وتتركيني لأختي المجنونة وأختك الخجولة ..هيا تعالي. وأريحي ناظري ..
لم يمض وقت طويل في عالم الساعات ..لكنه وقتا طويلا في عالمي حتى ظهرت حبيبتي ..ما بالي بت الآن أناديها بهذا الإسم ..
ثم تقدمت منا بوجه شاحب متصنع الابتسامة وقدمت القهوة قائلة :تفضل ..
-شكرا ..
-أهلا ..
ثم جلست إلى الكنبة مقابلا لي ..وقالت بصوت رقيق :احم ...متى يحق لي أن أطلب. إجازتي ..فربما سأتغيب عن الدوام في الفترة القادمة ..
يا لذكائها لقد استغلت لطفي في هذا اليوم لتطلب طلبها وهي لا تعلم أنني سأشتاق لها ومجرد تغيبها عن المكتب سيجعله يتيما ..وكل زاوية منه تطلب عودتها ..
أجبتها بصوت جدي :طبعا يحق لك هذا .ولكن ليومين فقط ..فأنت تعرفين لا يمكنني الإستغناء عنك في المكتب لأنك من رتب الملفات وقد تبعثرها البديلة ..
-لا تقلق ..كل شيئ منظم بإتقان ..
وقاطعتنا عبير :لا داعي لتغيبك يا لمى ..فأنا سأتولى الأمور بدلا عنك في المنزل ..
وقالت علا ما كنت أود قوله :ماذا ..أي أمور ..إن احتجتما لمساعدة فأخبراني ..
وأجابتها عبير :الأمر متعلق بابن لمى ووالده ..
وصعقت عندما قالت والده ..أتراه قادم من السفر في الأيام المقبلة ..وسيقومان بترتيب غرفته مثلا ..وكيف يمكن لأختها أن تنوب عنها… لم افهم شيئا ..ولكن تعابير وجهي قد تغيرت ..وبت غير قادر على إكمال الجلسة ..فوقفت مباشرة وقلت لعلا: هيا تجهزي ..علينا أن نذهب الآن ..
************************************
غادر ضيفانا ..وجلست أنا واختي نتحدث بأمر
طلاقي ..فسألتني مباشرة :هل أنت متضايقة من أمر الطلاق ..ولم لم تخبريني قبلا ..لماذا أخفيت هذا الأمر ..
-كيف عساني أخبركم ..وهل أنتم في حالة تسمح لكم بالحزن ..أنا خائفة أن يقوم اللئيم بأخذ فلذة كبدي معه إلى السفر.
-وهل قال لك بأنه سيأخذه ؟؟
-لا ..قال أنه يود رؤيته ليعرفه إلى أخته ..
-ماذا ؟؟أخته ؟؟يبدو أنه تزوج منذ فترة بعيدة ..آه يا أختي كيف استطعت تحمل هذا وحدك..
-أخبرت عدنان بالأمر ..وهو من ساعدني على إيجاد العمل ..
-أوووه ..لماذا أراك متذمرة دائما من العمل ..ومديرك لطيف جدا ..ووسيم جدا ..
-ما علاقة هذا بذاك ..انسي الأمر وتأدبي يافتاة…
-هل علم بطلاقك ؟؟
-ولماذا أقحمه بحياتي الخاصة ..ومن ناحية أخرى هو غير مهتم ليعرف عني شيئا ..
-مممم حسنا ..هيا اذهبي للنوم.. أتمنى لك ليلة هانئة سعيدة ..
وذهبت إلى غرفتي مستاءة ..خائفة من خسارة ابني ..قد يفعلها ذلك اللعين ..و تراءى إلى نظري وجه حامد.. لقد كان لطيفا آخر هذا اليوم ..ثم نظرت إلى يدي التي لمسها بكفه ..وشعرت بحرارة يده مجددا ..ما الذي دهاه ..ولماذا فعل ذلك ..ولماذا قلبي بدأ ينبض بسرعة حينها ..إنه الخجل ..كم أنا محتاجة لشخص يقف إلى جانبي.. أخبره بكل عذاباتي بأريحية تامة ..ثم يصيبه مرض النسيان ..وننسى معا كل شيئ.. ولن يكون هذا الشخص هو حامد أبدا ...سأتصل بعدنان ..وأخبره بما حصل معي مؤخرا ..فربما يجد حلا لذلك ..
استيقظت في اليوم التالي ..وجهزت نفسي للذهاب إلى العمل ..ثم قبلت أمي ذات الوجه الشاحب ..هذا ما كنت أخشاه.. أن أراها بذلك الوجه بسببي ..ولكن ما باليد حيلة ..
ذهبت إلى عملي وأنا لا أعرف كيف سيكون لقائي بحامد بعد ليلة البارحة ..هل هي بداية لمعاملة جديدة أم أن حامد في المكتب غير حامد خارجه ..
وصلت إلى المكان ..جهزت الأوراق منتظرة مجيئ المدير ولكن المفاجأة أنه وصل قبلي هذه المرة وناداني عبر الهاتف لأحضر له إحدى الملفات ..فاحتضنت الملف بكفي الصغيرتين ..وطرقت الباب بخفة ثم دخلت بخطوات خجولة ووجه بشوش ..وقلت: صباح الخير ..
-صباح النور ..
تلاقت نظراتنا ..وابتسمت كطفلة تائهة في الزحام ..ووجدت أمامها شخصا تعرفه ..واحتضنته بحرقة.. ورد ابتسامتي بابتسامة مماثلة ..ثم أخذ مني الملف ..وقال لي لأول مرة منذ بدأت العمل معه :اجلسي سيدة لمى ..
تسمرت مكاني ..ليعيد أمره مجددا: سيدة لمى اجلسي !!
فجلست وأنا في ذهول تام ..يبدو أن هذا الرجل مليئ بالمفاجآت ..البارحة واليوم… ماذا يجري ..وما بالي أنا تتحرك داخلي أحاسيس جديدة ..ألهذه الدرجة أصبح اللطف يؤثر على مشاعري ..
وضع الرجل الملف جانبا ..وشبك أصابعه ببعضها البعض ..ورفع إحدى حاجبيه تاركا الآخر مكانه وحيدا ..ثم ارتسمت على وجهه تعابير الحزم وبعدها قال لي :سيدة لمى ..أنا آسف إن كنت فظا معك في السابق ..ولكني لست من هذا النوع من الأشخاص… ولدي
أسبابي التي جعلتني أتصرف على ذلك النحو ..
فقاطعته بهمس وأنا لا أصدق ما تسمع أذناي: ولكن لماذا؟؟
-لا شيئ مهم ..وقد انتهى الأمر الآن..
ثم قطب حاجبيه ليلتقيا مجددا ..وأكمل كلامه :يمكنك أخذ إجازتك منذ اليوم لمدة خمسة أيام ..وعليك توضيب الأغراض لأن سماهر ستعود إلى هنا ..وأنت ستعملين بمكان يناسبك أكثر من كونك سكرتيرتي الخاصة ..لا إزعاج ولا استفزاز ولا توبيخ..
