رواية سر الحياة
الفصل الثامن8
بقلم ليلي مظلوم
وخرجت جوليا بجسدها وقد سجنت دموعها بين مقلتيها ..ولم تحررها إلا عندما وصلت إلى مكان العاملة وقالت لها:
-السيد كمال ليس أعمى العيون ولكنه أعمى الحب لنفسه ..علي أن آتي إلى هنا كلما سنحت لي الفرصة ..وأرجوك ألا تقفي في طريقي ..هذا عونا للمريض إن كنت لا تعلمين ..
-أنا آسفة جدا يا آنسة ..لقد اعتذرت لك عدة مرات عن هذا الأمر ..علينا أن نحترم حرية الأشخاص الآخرين ولا نخترقها مهما كانت الحجة هكذا يقول المنطق أليس كذلك ؟
-وهل المنطق يقول أيضا ..أن نترك الشخص يغرق في البحر ويخسر حياته إن كنا نستطيع إنقاذه بحجة الحرية الشخصية… كمال سيخسر نفسه إن بقي على ما هو عليه ..؟!
وهنا تدخل هاني الذي كان واقفا من دون أن تلحظه المتحاورتان وقال :
-تعالي متى تشائين يا جوليا ..أظن أن كمال سيتغير كثيرا إن بقينا إلى جانبه ..حتى حديث اليوم له صداه أيضا ..وأوقن أنه سيراجع حساباته بعدما يجلس مع نفسه ويحاورها ..
-أرجو هذا يا سيد هاني ..وأظن أنه علينا أن نتحدث سوية أليس كذلك ؟
-حسنا ..إن كنت ترغبين بهذا فلا مانع لدي مع أن الأمور واضحة وضوح الشمس ..
أكمل كلامه مشيرا إلى العاملة إشارة الوداع وبدأ يتمشى إلى جانب جوليا إلى أن أصبحا خارج المشفى.. ثم قال :
-ماذا تريدين أن تعرفي؟
-من أين تعرفني ؟؟
-الأمر بسيط ..كمال !!
-أقصد ما الذي أخبرك به عني ؟؟
-مممممم أخبرني أنه يحبك ويشعر أنك تتميزين عن باقي الفتيات اللاتي تعرف إليهن في حياته ..يبدو أن الرجل يحبك يا جوليا..وبعد مشاحنتك الأخيرة معه قرر أن يتغير ليعود إليك بحلة جديدة ..وكان يراقبك من البعيد ..إلا أن الحادث حال دون ذلك ..
-مسكين ..لم يكن في وقته أبدا ..
-إياك أن تعتقدي أن أي شيئ يحصل معنا هو عبثي ..إنه مدبر لنا من الكون لنعيد هيكلية تفكيرنا ونرتقي ..
-ما هذا الكلام ألا يوجد هناك أناس كانوا أتقياء ثم ألحدوا ..ألا يوجد من يفعل الخير ثم يلقى الشر ؟؟
-هذا ما يبدو لك في الظاهر… أنت لا تعرفين ما يدور في خلج كل شخص ..أحيانا تصلنا الرسائل بطريقة رنة ..ومع تكرر الرنات وعدم فهمنا تتحول إلى انفجار ..الهدف هو أن نرتقي ونتصل بذواتنا لنتحد مع الكون بأكمله ..
-ما هذا الكلام يبدو غامضا بعض الشيئ ..
-الغموض يا صديقتي بحسب تجربتك ..فهل إن أخبرت من يملأ قلبه الكره عن الحب وحلاوته سيشعر ويفهم ما تقصدين ؟؟
-صحيح معك حق ..في الفترة الماضية مررت بتجارب قاسية ولكنها كانت كفيلة بإفهامي معنى الحب الحقيقي ..لدرجة أنني استطعت أن أكف عن
التفكير برجل كنت أظن يوما أنه كل حياتي ..وساعدته ليتصالح مع حبيبته ..علما أنه كان يظن أنه يحبني كزوجة ..وكان يمكنني استغلال ذلك ..وتقربت من نفسي أكثر ..وعرفت أن التعلق يختلف اختلافا كثيرا عن الحب ..
-وهذا ما كنت أحاول إيضاحه لكمال ..فكلما أحب نفسه كلما أحب غيره من حيث لا يدري ..هذا قانون الكون ..
-ألا يعد حب النفس أنانية ..
-الأنا تختلف عن النفس ..الأنا هي ما تحاول أن تتغذى على امتلاك الأشياء وإيهامك أنك لا تستطيعين العيش بدون سيارتك أو حبيبك أو أي شيئ تملكينه ..وهي تضعف بالحب ..يا صديقتي سر الحياة هو الحب والسعادة مهما كثر البغض والكره والشحناء ..وحب
كمال لك هو حب حقيقي ..اختبري مشاعرك وكوني صادقة معها ..فإن شعرت بالحب تجاهه لا تتخلي عنه وساعديه ليفهم ذاته ..إنه ليس سيئا ..كل ما في الأمر أن الأنا نشطة عنده بعض الشيئ ..
-لا أخفي عنك ..لقد اشتقت إليه في الفترة الماضية ولكن ظننت أنه يلاحق فتيات أخريات ..لم أفكر به على نحو إيجابي ..
-هذا أمر طبيعي ..فنحن أفكارنا وأفكارنا نحن ..ولهذا نجد أحيانا صعوبة في حسن الظن ..
-ألا ترى أن حسن الظن المبالغ فيه يعد غباء .؟؟
-لا لا يعد غباء ولا يعد ذكاء ..إنه لا شيئ سوى راحة نفسية يجهلها الكثير ..
-أشعر أنك تتكلم عن المدينة الفاضلة لأفلاطون إنها ليست موجودة إلا في الأحلام ..
-ونحن نمثل حلما ..الأمر ليس بهذه البساطة ..ولكنه ليس بهذا التعقيد ..هناك أمور نحس بها ونفرح بها ولا يمكننا إيصالها لأحد ..جربي أن تحضري
لعبة لطفل صغير والحرب قائمة في الخارج إنه بلا شك سيلتهي بلعبته ويعيش معها أحلامه متجاهلا كل الحروب..
-أشعر أننا نعيش بالمتناقضات ..أشعر أن بداخلي كل شيئ ..
-صحيح ..نحن أرض مزروع فيها كل أنواع المشاعر ..فما نسقيه سينبت وما سنتجاهله سيضعف وربما يموت ..ولكن يبقى رمزا لفهم مشاعر الآخرين ..
-شكرا لك على كل ما أنرتني به يا هاني ..
-لا داعي للشكر يا صديقتي ..لو أنك سترفضين هذا لما تفوهت به ..ولكني تحسست طاقتك ..وما تكلم ليس لساني ..والآن اذهبي إلى جامعتك ..فقد أراك غدا هنا. .
