رواية حطام فريده الفصل الاول1والثاني2 بقلم زيزي محمد


رواية حطام فريده 


 الفصل الاول والثاني 


بقلم زيزى محمد واية عبد العليم


تسللت أشعة الشمس ومازلت جالسة موضعها تتفحص موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تراقب الإيميل الخاص به تراقب جميع الصور المدونة له عليها كل من أبدى إعجابه بجماله وجمال عينيه البنية وغمازته الموجودة بالخد الأيسر وجع يعتصر قلبها كلما رأت فتاة تعلق له بعبارات الغزل والحب تريد الصعود له تسرق روحه وتنتهي الحكاية هنا وتنطفئ نار قلبها وتعيش بسلام وهدوء


استفاقت من تأملها بصوره على صوت جدتها الحاد : أنتي يا أبله فريدة بقالي ساعة بنادي 


هزت رأسها وقلبها يكد يقف من صوت جدتها وهي تقول :  

أيوة يا تيتا نعم


التوى فمها بسخرية وقالت : أيوة يا تيتا نعم!، ياترى قاعدة مبحلقة في تليفونك في صور الأستاذ خالد كالعادة


مدت شفتيها للأمام بغضب طفولي :

بحبه يا تيتا ابن بنتك ده ربنا يسامحه من كتر حلاوته البنات هتاكله وهو حلوف لا يبالي بحبي ليه


اقتربت منها وضربتها بخفه على رأسها وقالت بتوبيخ حاد : له يعمل كدل وأنتي مدلوقة عليه يا هبلة، اتقلي واسمعي كلامي هيجلك راكع، خدي بنصيحتي ده أنا جبت جدك الله يرحمه حافي كدة على رجله..

قالت جملتها الأخيرة بتفاخر كبير


ليتها لديها ثقة مثل جدتها كانت امتلكت قلبه من اليوم الأول لرؤيته لها لكن قلبها الخائب لا يمنحها فرصة لذلك فقالت : ومالك بتقوليها بفخر كدة ليه


تحركت جدتها بخطى واثقة نحو النافذة وبدأت بسرد قصتها وكالعادة نبرة الفخر لم تتخلَّ عنها، فتسللت إلى الخارج وصعدت إلى شقة خالتها حتى ترى معذب قلبها ومن يرهقها عشقًا، وعلى وجهها ابتسامة عريضة، دلفت إلى الشقة كعادة هذا المنزل لا يوجد باب مغلق، صاحت بصوت رقيق : خالتو، أنتي فين؟!.

خرجت خالتها من المطبخ وهي تقول : صباح الخير يا ست البنات..


ردت وعيناها تتفحص المنزل بأكمله لعلها تراه أو ترى طيف له يشبع قلبها المسكين : صباح النور


ابتسمت خالتها بمكر واتجهت إلى المطبخ قائلة : أنتي عرفتي إن خالد نزل إجازة ولا لأ


دق قلبها بعنف وهي تقول : لأ ، آه  بجد امتي فين ؟!


اتسعت ابتسامة خالتها وقالت بصوت خافت : ده على أساس إنك مشوفتهوش وهو طالع إمبارح الساعة ٢ بليل يا لئيمة


هتفت ببراءة : أنا أبدًا يا خالتو كنت في سابع نومة 

ثم تذكرت بالأمس ما حدث 

فلاش باك 

تجلس علي مكتبها تذاكر آخر محاضرات هذا الأسبوع وعقلها لا يسعفها فقط ما يشغلها الآن هو ،هو فقط  والله لا ولن يخذلها أرادها تنام وقلبها مطمئن ، وصل إلى مسامعها صوت سيارته تستقل أمام المنزل هرولت للشرفة لتراه يغادرها ببدلته السوداء المرصعة بنجوم ذهبية معبرة عن كونه فرد من أفراد الشرطة  هرعت لباب المنزل تفتحه وتناديه بلهفة : خالد ازيك حمد لله على السلامة


التفت إليها وتوقف عن صعود الدرج وقال بنبرة رخيمة : الحمد لله يا فريدة إيه مصحيكي؟!


رددت والحُمرة تكسو وجنتيها : كنت بذاكر وسمعت صوت عربيتك طلعت اطمن عليك


هز رأسه ثم دقق النظر بها وتفحصها من رأسها إلى ساقيها ببطء وارتفع أحد حاجبيه بدهشة عندما رأي ما ترتديه، قميص قطني زهري اللون يبرز بشرتها البيضاء، وتفاصيل جسدها الأنثوي فقال  بخشونه وهو يشير عليها : أنتي إزاي تفتحي الباب كدة،

ثم أكمل حديثه وهو يهبط تلك الدرجات التي تفصلهم وقال : أنتي بتطلعي كدة لأي حد، انطقي .


تحدثت بنبرة مهزوزة : والله أبدًا عمرى ما طلعت كدة لحد


ارتفعت نبرة صوته قليلًا وقال : بردو ولا حتى ليا، منا حد يا هانم


تنهدت بحنق مردفة : أي أوامر تانية


أجابها ببرود وهو يعاود الصعود : لأ، ويالا مع السلامة.


دلفت لمنزلها مرة أخرى وهي تكاد تبكي منه ومن طريقته معه 

لتعود من ذكرياتها على صوت خالتها المرتفع : بت يا فريدة أنتي نمتي


قالت متلعثمة : ها، لأ ، احم خالتو هو خالد لسه نايم.

هزت رأسها وهي تقطع الخضروات بهمة : آه، روحي صحيه بقى عشان يفطر لغاية ما أجهز الفطار


ذهبت لغرفته ودخلت بخطوات هادئة حتى لا توقظه مفزوعًا  ورأت ما تراه كل مرة أعقاب سجائر تملئ الأرض ونائم هو علي بطنه والغطاء يكشف جذعه العارى وبجانبه هاتفه وسماعاته وتأكدت ككل مره أنه كان يتحدث مع فتاة يطلق عليها لقب صديقته


ذهبت نحوه بضيق تناديه بصوت مرتفع بعض الشيء : خالد يا خالد اصحي


فتح عينيه بتثاقل شديد، حاول التركيز عدة مرات حتى ظهرت أمامه منحنية بجذعها العلوي نحوه وملامح وجهها وجمة

تحدث بصوت يأثر عليه النعاس : أنتي بتعملى إيه في أوضتي!.


هكون بعمل إيه يعني بصحي جنابك

قالتها فريدة بحنق


جذبها من يديها بسرعة لتقع على فراشه شهقت بصدمة، ليقول هو بصوته الرجولي الذي يثير الشغف بقلبها بقوة : وفي واحدة تصحي واحد وهو قالع كدة


هتفت بارتباك : 

دي ، دي ، دي ،دي خالتي 

أيوة خالتي هي اللي بعتتني أصحيك إنما أنا مكنتش هاجي أصحيك بس اتكسفت أقولها لأ ينفع أقولها لأ بردو بذمتك ؟!


رمقها بنصف عين وقال بابتسامه جذابة لتظهر غمازته بخده الأيسر : لا ميرضنيش يا ديدي


همست بأنفاس مضطربة : خليني أخرج لخالتو المنظر كدة مش كويس يا خالد


تمسك بيدها أكثر وقال وهو يضغط عليها بقوة قائلًا بمكر : لما أنتي مش قدي حطاني في دماغك ليه، يا ديدي أنا لو كنت اتجوزت بدري كنت خلفت قدك يا حبيبتي.


صكت أسنانها بعنف وضيق من حديثه ومن السخرية الواضحة من حديثه فتمتمت : مش حطاك في دماغي حطاك في قلبي ، أنا بحبك يا خالد


اعتدل في جلسته وجذب سترته ليرتديها وهتف متعمد تجاهل حديثها : ماما أظن بتنادي عليكي يالا روحيلها.


هتفت بضيق : عارف أنا بحبك آه بس هيجي يوم وأموت من حبي ليك ده يا خالد


التفت إليها بعدما كاد يدلف إلى المرحاض ليقول بصوت قوي وحاد : بقولك ماما بتنادي يالا

ثم أشار برأسه على الباب

خرجت من غرفته وهي تغلق الباب خلفها بقوة، ثم اتجهت نحو باب الشقه دون أن تعير الانتباه لأي من خالتها أو زوج خالتها، وهبطت إلى شقة جدتها، لتدخل إلى غرفتها وتبدأ بانيهارها وبكاءها الحاد، فسمعتها جدتها كالعادة وهزت رأسها بيأس عليها وعلى ساذجة قلبها.. بقيت بالغرفة معظم اليوم حتى طرقت بابها جدتها وقالت : فريدة يالا يا حبيبتي علشان نتغدا مع خالتك.

فتحت لها فريدة وعيناها كجمرتين من النار وقالت : اطلعي أنتي، مش عاوزة آكل دلوقتي.

ربتت جدتها على كتفها وقالت بحنان : فريدة مهما اللي كان بينك وبين خالد ده ميجيش على عاداتنا أبدًا، يالا نطلع ونتغدا.

هتفت بضيق طفولي : مش عاوزة أشوفه.

قهقهت جدتها بقوة لتقول بعدها : ياسلام قال إيه البت مش عاوزة تشوفه، ولسه من شوية سابتني وطلعت زي الهبلة تشوفه، يالا غيري هدوك وتعالي معايا..

أومأت برأسها وهي تتجه إلى الداخل لترتدي ثياب مريحة تناسب جلوسها اليوم بالمنزل، وصعدت مع خالتها بملامح وجمة، دلفا إلى الداخل وجلست على الأريكة دون أن تتفوه بكلمة، فمال عليها زوج خالتها رأفت : هو البأف ده زعلك


مدت شفتيها بحزن وهي تتمتم : هو في حد غيره مزعلني يا عمو


لكزها رأفت بكتفها وقال بهمس : الواد ابني ده مبيجبش إلا بالضرب على دماغه، اسمعي كلامي

ردت تتساءل: أعمل إيه يعني يا عمو


دلف الجميع إلى غرفه الطعام فصمتا معًا وترقبا دخوله، فدخل هو بطوله الفارع وهيبته التي تجعلها أسيرة له بثوانٍ، جلس كالمعتاد أمامها وبدأ في تناول طعامه ببرود كعادته

حمحم رأفت وقال بمكر : إلا قوليلي يا فريدة مين الولد اللي كان واقف معاكي إمبارح ده


وقف الطعام بمنتصف حلقها من الصدمة وأدركت مسرعة لعبة زوج خالتها حتى يثير غضب نجله  فردت : ها ده شريف زميلي يا عمو


فمالت عليها جدتها وقالت بهمس : سيبك من عمك رأفت، هايوديكي في داهية، متسمعيش كلامه لما حب مرة يعمل فيها صايع اتمسك من جدك وهو ماشي ورا خالتك يعاكسها زمان


تشعر بالحيرة منها ومن رأفت لا تعرف لحديث من تنصت وتفعل ما يقوله لها حتى تحصل على قلب حبيبها


فقطع حيرتها هو بقوله : بجد أنتي خرجتي إمبارح أومال لما كلمت ماما قالتلي أنتي قاعدة إمبارح طول اليوم تعبانة ...

أنهى حديثه بغمزة خفيفة من عينيه لوالده ولها


هزت رأسها وتركت طعامها وهتفت : لا خرجت 

بعد إذنكم أنا شبعت


هتف بصرامة : اقعدي كملي أكلك، أنتي ماكلتيش حاجة.


ردت بضيق وهي تجلس مرة أخرى : خدامين سيادتك يا خالد بيه 

كاد أن يرد عليها لولا رنين جرس المنزل ذهب يرى من القادم وبعد دقائق عاد ومعه صديق طفولته أدهم مختار قبل رأس سميرة ويد نبيلة ورأفت ثم أمسك بخدين فريدة يقرصها منهما وهو يردد ببعض من السخافة : إيه كل الخدود دى يا فيرو


ضحكت بمرح وقالت : بقيت أكرة خدودي بسببك يا دومة


ضحك أدهم بقوة ليقول : حقيقي بعشقهم، نفسي بنتي تبقى بخدود زيك، هاكلهم والله.

انتفضوا جميعًا على صوت ركلة للكرسي وهو يقول بشئ من العصبية : لو خلصت دلعك في الهانم تعالى ورايا.


هتف أدهم باستفزاز : لا لسه مخلصتش محدش يقدر يبطل يدلع فيرو روح أنت ولما نزهق هجيلك


التفت بجسده يرمق صديقه بغضب وقال بحدة : أدهم ورايا، يالا.


همس بضيق لفريدة : ابن خالتك هياكل صحابه يا فريدة هروحله وأرجعلك.


ثم وجه حديثه إلى والدته ليقول : لو سمحتي يا ماما اعملي اتنين شاي، وتجبيه لينا في الأوضة، تجيبه يا ماما،، ها، تجبيه.


هزت والدته رأسها بإيجاب، بينما ذهب أدهم خلف صديقه بمضض وما إن دخلا إلى الغرفه ليجد صديقه يغلق الباب بقوة ويلتفت إليه قائلًا بصوت حاد : هو أنا مش قولتلك ميت مرة بطل تدلع فريدة بالطريقة دي ، فريدة كبرت يا أدهم .


رد أدهم بابتسامة عريضة :  الله ما هى لسه صغيرة من وجهة نظرك يا خلود


عقد خالد ذراعيه أمامه وقال : يعني أنت قاصد تعمل كدة..

صمت لبرهة وقال : أنت عاوز إيه يا أدهم بالظبط


ردد أدهم بهدوء : عايزك تحس بيها يا خالد أنت بتحبها بس مش حاسس


زفر خالد بقوة وقال بحنق : أنت مالك يا أخي، أحس ولا محسش، أحب ولا محبش، أنا حر الله !.


هتف بسعادة  وهو يمسك هاتفه

: صح أنا أعبر أهلك ليه أخليني في نهال حبيبتي


أما في جانب آخر كان هناك صراع بين رأفت وسميرة...

جذب رأفت الصينية وقال : اسمعي بس مني يا حماتي، أنا أدرى واحد بابني، فريدة هتدخله الشاي.

زمت شفتيها بضيق وقالت وهي تجذبها منه : لأ فريدة مش هتدخلها يا رأفت، أنت مش شوفته وهو بينبه إن أمه هي اللي تدخلها.

قطب رأفت حاجبيه وحول بصره لنبيلة التي كانت تقف تتابع حديثهم وعيناها على أكواب الشاي وهي تنتقل من هنا إلى هناك بسرعة فيقع الشاي على الصينية، انتبهت إلى لكزات رأفت لها لتنتبه له وتقول : ها!..

جز على أسنانه وقال : ها إيه!، بقولك خلى أمك تديني الصينية.

وحاول جذبها مرة أخرى فتشبثت بها سميرة بعناد، زفرت نبيلة بحنق وقالت : بتشدوا في إيه، الشاي وقعتوه كله على الصنينة.

قالت سميرة بضيق : قولي لجوزك يبعد عن بنت بنتي بأفكاره المجنونة، هيوديها في داهية.

أخفض صوته وهو يقول بتذمر : شفتي أمك بتقول إيه، الله يسامحك يا حماتي، يعني أنا لما أطلب منها تدخل الصنينة كدة أبقى بهين كرامتها.

وضعت الصينية على الطاولة وقالت بضيق : ابنك قليل الأدب ولسانه زفر، وبيديها على دماغها وهي زي الهبلة بتاخد في جنابها وتسكت.

استغفر رأفت ربه في سره ثم قال بعدها : ما أنا عشان كدة عاوزاها تبدأ تديله على دماغه.

في هذه الأثناء أعدت نبيلة الشاي مرة أخرى ثم قالت : ماما على فكرة الساعة ٧ معاد جريمة في الصعيد جه.

حولت سميرة بصرها نحوها وقالت بحماس : بجد.

هزت الأخرى برأسها وقالت : آه روحي الحقيه ، ده كان البرنامج إمبارح عامل تشويق على جريمة قتل رهيبة، هودي الشاي  وآجي وراكي.

هزت رأسها بإيجاب وذهبت لتنصرف بخطواتها البطيئة وهي تقول : يالا بسرعة وهاتي البسكوت.

غادرت سميرة، التفتت نبيلة إلى زوجها وهي تقدم له الصنينة وتقول : امسكها لغاية ما أنادي على البت فريدة في الخباثة.

ابتسم لها وأرسل لها قبلة في الهواء وهي تغادر : حبيبتي يا بلبلة، يافهماني أنتي، ناديها بسرعة بقى...

أطلقت ضحكات مرتفعة، وذهبت دقيقة ثم عادت وهي تجذب يد فريدة خلفها بقوة : ادخلي لعمك رأفت عاوزك...

دلفت إلى الداخل وقالت : في إيه ياعمو رأفت.

أنهت حديثها وهي تنتقل بعينيها بينه وبين الصينيه الممسك بها. 

قدم لها رأفت الصنينة وقال بابتسامة عريضة : خدي يا حبيبتي دخلي الشاي لأدهم وخالد.


ردت بذعر : أنت بتسلمني تسليم  أهالي يا عمو رأفت


ابتسم بمكر وقال : أنا بردو!، أنا أقدر يا ديدي،يالا دخليها أصل خالتك رجليها بتوجعها...

فتصنعت نبيلة الألم وقالت وهي تجلس على أحد الكراسي: آه ياني، دخليها يا ديدى بالله عليكي!!.


هزت رأسها بخوف وهي تأخذ الصينية من يده وتدخل إلى مكتبه وقلبها يرتجف ما إن رآها وهتف بغضب : أنا مش قولت ماما هى اللي تجيب الشاي 

ردت بخوف : خالتو رجليها وجعاها 

أخذ من يديها الصينية ووضعها على مكتبة بغيظ وجذبها من يدها اليمنى تحت نظرات أدهم الخبيثة وذهب بها لبلكون منزله وهو ينظر لها بحقد وغضب مرددًا بصوتٍ عالٍ : أنتي مفيش عندك كرامة ؟!


رواية حطام فريده



 الفصل الثاني 


بقلم زيزى محمد واية عبد العليم


صباح جديد وجالسة هي على فراشها وأغاني الشهير عمرو دياب تصدح بأرجاء الغرفة قطع ذلك صوت جدتها وهي تناديها تردد : بت يا فريدة أنتي يا مقصوفة الرقبة قومى اعمليلي شاي 

نظرت لجدتها بحنق متمتمة : حاضر يا مرات أبويا أنتي مش جدتي لأ  

توجهت للمطبخ وعلى شفتيها ابتسامة عريضة تتذكر كل ما مرت به أمس 

فلاش باك  

ينظر لها بحقد وغضب مرددًا بصوتٍ عالٍ : أنتي مفيش عندك كرامة


وقع الحديث علي مسمعها كجمرة من النار لتردد بصوت متقطع : أنت بتقول إيه كرامة إيه ؟!


هز رأسه بغضب وقال : لما أقول ماما هي اللى تدخله وأنتي تتحججي عشان تدخليها يبقى إيه، يبقى معندكيش كرامة .


أخفضت رأسها تغمغم بضعف وبكاء : خالتو قالتلي رجليها وجعاها وأدخله أنا


أشار لها وقال بحدة : طب لو سمحتي انزلي تحت، ولما تلاقي هنا أي حد من صاحبي متجيش عشان متغباش عليكي


سقطت دمعة وراء الأخرى وهى تغادر  قائلة بعتاب  : ماشي


زفر بقوة ثم جذبها من مرفقها وقال : بصي متزعليش، أنا مش عارف ببقى معاكى قفل وجعفر ليه...

صمت لبرهة ثم قال : ما أنتي بردو بتعصبي أهلي بأفعالك دي..

ثم دفعها للخارج وقال : امشي يابت، لأ أنا مش هاعتذرلك


عقدت ذراعيها بحركة طفولية قائلة بعناد : مش ماشية ، اعتذر  لو سمحت


رفع أحد حاجبيه وقال بعبث واضح في نبرته : اعتذراي مش هيعجبك، بلاش


ردت بعناد أكبر : لا معلش اعتذر أنت وملكش دعوة


ردد بنفس نبرته وقال : متأكدة .

هزت رأسها بقوة وهي ترفعها بكبرياء، فجذبها بسرعة لزواية في البلكون تنخفض بها الإضاءة ولثم خدَّها بقبلة رقيقة، ثم همس بأذنها : يالا يا حلوة على تحت .


تعجبت من فعلته المجنونة وظهرت الصدمة على ملامحها وهى تقول بتعلثم : عارف ، عارف أنت قليل الأدب تدري ليش لأني ما ربيتك ما ربيتك 

قالت جملتها الأخيرة وهربت لمنزل جدتها تحتمي به ووقف هو يراقبها وهى تختفي عن أنظاره


صدعت ضحكاته عاليًا وقال : وأقسم بالله هبلة.


باك 

فاقت من ذكرياتها على يد جدتها تدفعها بقوة وهى تقول : عوض عليا عوض الصابرين يارب ربنا رحمها نوسة ومختار منك ومن هبلك يا بنت بنتي


نظرت لها بوجع متمتمة : الله يرحمهم يا تيتا 

تركتها وذهبت لغرفتها وألم قوي في قلبها بكت بصوت مكتوم عند ذكر سيرة والدها ووالدتها الراحلين وهى ترى صورتهما المعلقة أعلى الحائط وهى بينهم طفلة لم تتعدً الخمس سنوات  ، يئن قلبها كلما تذكرت يوم تشيع جنازتهم سويًا بعد تعرضهم لحادث سيارة قضت على حياتهم ، التقطت إحدى فساتينها بعدما دخلت جدتها لغرفتها وخرجت من المنزل وقادتها قدميها لمكان ما


تقلبت  الجدة يمنيًا ويسارًا مرارًا ، لتنهض وهي تقول : أنا زعلتها ولا إيه، باين عليا زعلتها بكلامي مكنش لازم أجيب سيرتهم وأنا عارفة إنها حساسة من ناحيتهم..

زفرت ثم قالت : وأنا أقعد أفكر ليه، أنا أقوم أروحلها وأراضيها..

نهضت واتكأت على عصاها ببطء متجهة صوب غرفتها، طرقت الباب بهدوء وقالت : بت يا فريدة افتحي عاوزكي في موضوع.

انتظرت ثوانٍ تسمع ردها ولكن لم يأتها صوت، فقررت فتح الباب وعيناها تجوب الغرفة بأكملها لم تجدها،قطبت جبينها وقالت : راحت فين دي...

خرجت من الغرفة وهي تصيح بصوتها وتبحث في أرجاء المنزل : بت يا فريدة، أنتي فين!!

لم تجدها وقفت تفكر ثوانٍ ثم قالت : تلاقيها طلعت تشتكيني لنبيلة، أما أطلع أراضيها فوق.

صعدت درجات السلم وهي تأن بتعب وتمسك ركبيتها،وصلت عند باب الشقة فدفعته بعصاها ثم دلفت تبحث عنها بلهفة، فوجدت نبيله ورأفت يجلسان يتابعان فيلمًا باهتمام، أما خالد فكان يتابع شئ ما في هاتفه بتركيز، حولت بصرها نحو باقي الشقة ببطء ليقطع صمتها صوت خالد : أنتي واقفة ليه كدة يا تيتة، ما تيجي تقعدي.

مازالت تبحث بعينيها وهي تتحرك ببطء قائله بنبرة مهزوزة : فريدة فين؟، طلعت هنا!.

التفتت إليها نبيلة وقالت : لا يا ماما فريدة مطلعتش، في حاجة.

لاحظ رأفت شحوب وجهها وارتجافة جسدها، اندفع نحوها وهو يجلسها على أقرب كرسي لها وقال : في إيه بس مالك، اهدي كدة.

رفعت بصرها له ومقلتيها مليئة بالدموع : فريدة راحت فين يا رأفت، أنا زعلتها ومشيت، مشيت زعلانة مني، والله ما كنت أقصد.

تحرك خالد نحوها بطوله الفارع وجثى على ركبتيه ثم ربت على يديها قائلًا بهدوء : تلاقيها راحت عند نهال صاحبتها، هانزل أجبهالك وأهزقها عشان تبقى تخضك تاني كدة.

هتفت سريعًا ببكاء يتخلله رجاء: لا يا خالد، جيبها ومتكلمهاش خالص أنا جيت عليها أوي.

جعد جبينه وسألها باهتمام : جيتي عليها إزاي؟!..

قال رأفت بقلق : مش وقته يا خالد، روحلها عند نهال كدة بسرعة، وأبقى طمنا...

هز رأسه بإيجاب وأخذ متعلقاته ثم ذهب صوب منزل نهال، فبحث بعينيه في الحديقة المجاورة لمنزل نهال، لعله يجدها هناك، فهي مجلسها الدائم هي وصديقتها لمح بطرف عينيه أدهم ونهال يجلسون على أحد المقاعد، هبط من سيارته سريعًا وذهب باتجاهم ليقول بصوته القوي من خلفهم : فريدة فين يا نهال .

التفت أدهم وقال : يخربيتك يا خالد إيه الدخلة بتاعت بوليس الأداب دي، خضتني يا جدع.

فوضعت نهال يديها على قلبها تهدأ من ضرباته العنيفة وقالت : خضتنا يا خالد.

زفر خالد بقوة وقال : سيبكوا من خضتكوا وقوليلي فين فريدة؟!.

هزت كتفيها وقالت : معرفش أنا مشوفتهاش طول اليوم، أنا مع أدهم من الصبح.

قال أدهم والفضول يكتسح ملامحه : في إيه، مالها فريدة!.

تحرك خالد سريعًا نحو سيارته وقال بصوته المرتفع : معرفش، لو كلمتك يا نهال قوليلي..

استقل سيارته والتقط هاتفه وأجرى اتصالًا بوالده، فآتاه صوته بعد ثوانٍ قائلا بلهفة : ها يابني لقيتها عند نهال.

حاول أن يكون نبرة صوته هادئة حتى لا يثير القلق في نفس والده وقال بلهجة حاسمة : أنا عاوز أعرف تيتة قالتلها إيه بالظبط زعلها!.

وصل إلى مسامعه صوت والده الخافت : جابت سيرة أمها وأبوها بالهزار فالظاهر هي زعلت ومشيت.

زم خالد شفتيه بضيق  وقال : طيب اقفل يابابا، أنا خلاص عرفت هي فين!..

وقبل أن يسأله والده بفضول أين هى، أغلق الاتصال واتجه صوب مقابر العائلة عازمًا كل العزم على تكسير رأسها إلى نصفين بسبب تصرفها ذلك،ليقول لنفسه : الهانم رايحة المقابر المغرب، والله لأكسر راسها الكلبة دي.

 وصل إلى المقابر بعد عشرون دقيقة ثم دلف إلى الداخل بملامح وجه غاضبة ليجدها تعطيه ظهرها وتقف أمام قبر والديها


كاد أن يقترب منها حتى تحدثت بصوت البكاء يغلبه وقلبًا يئن من الألم وضيق يحتل صدرها : بابا ، ماما وحشتوني أوى وحشني أنام فى حضنك زي زمان يا ماما وحضنك يا بابا أنا محدش هيحبني ويحس بيا قدكم تيتا شايفة إن موتكم رحمة ليكم مني  كل ده ليه علشان بحب خالد والله غصب عنى يا ماما طلعت لقيت نفسي بحبه وهو هو مبيحبنيش يا أمى الكل بيسهتين بمشاعري ومخلييني لعبة في إيديهم أعمل ده ومعملش ده عشان خالد يحس وياريته بيحس ، قلبي واجعني أوي يا ماما أنا عايزة أجيلكم أنتوا أحن منهم خدوني عندكم عشان خاطرى


أغمض عينيه بحزن على حديثها، لقد شقت قلبه تلك الصغيرة بحزنها وبكائها، ولكن لا ولن يضيع الفرصة دون توبيخها على ما فعلته، لقد جف حلقه من شدة خوفه وقلقه، فاقترب منها وصفعها على مؤخره رأسها بخفة قائلًا : بقى أنتي هنا بتشتكي لأمك وأبوكي مني، وأنا بلف عليكي ياعديمة الإحساس


مسحت دموعها بأكمام سترتها وهى تلتفت له بصدمة من تواجده قائلة : أنت هنا من امتى ، وعرفت مكاني منين ، ثم إنى مليش غيرهم أشتكي ليهم يا خالد


صفعها  بخفه للمرة الثانية على رأسها وقال : هنا من وقت ما كنتي قالبة نكد وبتعيطي عليا، وعرفت مكانك منين أنا عارفك أكتر من نفسك عشان كدة بقولك الحب اللي في قلبك ده، ده وهم، اممم معجبه بيا وبشخصيتي وبوظيفتي مش أكتر.


مسحت على وجهها عدة مرات وقالت : أنت أناني يا خالد أناني ومؤذي مش شايف غير إني معجبة بيك وبشخصيتك ووظيفتك ما تغور وظيفتك هعمل بها إيه أنا ، أنت حابب الدور اللي أنت عايش فيه ده إن بنت خالتك بتحبك وأنت مدوخها وراك عندك حق ما أنا اللى رامية نفسي عليك مش أنت


اقترب منها عدة خطوات وقال بتحذير شديد اللهجة : لسانك ميطولش، وميتعداش حدوده معايا ماشي، وحسابي معاكي بعدين، ويالا عشان عم الحج اللي وراكي ده اتخنق مننا


لفت رأسها ترى من خلفها ، لم ترَ أحدًا فقالت : عم الحج مين مفيش حد


أشار خلفها وقال بتعجب زائف : أهو إزاي مش شايفة !، حتى واقف بيضحك.


استغفرت أكثر من مرة وقلبها ينتفض من الرعب قائلة : خالد متهزرش مفيش حد والله متخوفنيش


اتسعت عيناه  وهتف بنبرة متلعثمة : احييه ده جاي وراكي


بحركة سريعة كانت بين ذراعيه  ترتجف من الرعب والخوف وهى تردد بصوت متقطع : يا نهار أسود يلا نمشي من هنا انصرف انصرف يلا نمشي يختاي


صدعت ضحكاته عاليًا وقال وهو يحتضنها : امشي يا عبيطة، ده مثال بسيط عشان أثبتلك إنك مازالتي هبلة وصغيرة ومكبرتيش..

لم يعجبه تمردها عليه أو لهجتها الحادة معه،  فعل بها ذلك حتى يشعر باحتياجها له وضعفها وقوته هو ورجولته تطغي أكثر ويتزلزل كيانها بوجوده


وصلا إلى منزلهما، صعدا درجات السلم وكل منهم يلتزم الصمت، فتفاجئا بأدهم ونهال في وجوههم : بخ..

انتفض خالد وفريدة معًا، فقال خالد موبخا : أنت مجنون يا أدهم، يخربيتك.

غمز أدهم لنهال بطرف عينيه وقال بفخر : شوفتي أهو خليته يقطع الخلف..

اتسعت ابتسامتها لتقول بحماس طفولي : أحسن ، عملتها تجنن.

هدر خالد بعنف وقال : أنتوا ياجوز المجانين أنتوا، امشوا برة لو سمحتوا عشان مش ناقص فقعه مرارة.

تجاهلت نهال حديثه وكأنها معتادة على طريقته الفظة معهما ووجهت حديثها لفريدة وقالت وهي تقرصها من وجنيتها : كنتي فين يابطة خضتني  عليكي.

قال أدهم : شوفتي يا فريدة مش أنا بس اللي بحبهم، البت نهال بتعشقهم بردو..

زمجر خالد بغضب قائلًا : لا كدة كتير، امشي ياض قدامي.. امشي.

جذبه خالد بقوة خلفه فالتفت أدهم وراؤه: نهال خلصي بسرعة عشان بتوحشيني..

كان قاصدًا حديثه حتى يثير غضب صديقه أكثر فتلك متعته بالحياة...بينما ابتسمت فريدة بحزن فجذبتها نهال وجلسا معًا على الدرج وقالت بفضول : ها بقى إيه مزعلك كدة، احكيلي كل حاجة بالتفصيل ..


                    الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>