روايه ( شهد الحياة ).
البارت الثالث . والرابع
بقلم زيزى محمد
في الصباح الباكر .
وقفت ليلى خارج سور المشفى ، تأملت المشفى قليلا من الخارج ، ثم اخرجت هاتفها الجوال وارسلت رساله نصية
( لو حضرتك فاضي ، انا مستنية في الكافيه اللي جنب المستشفى ) ،وضعته مرة اخرى في حقيبتها وتنهدت ذهبت في طريقها للمقهى، عازمة في قرارة نفسها على تنفيذ ما تريده .
****************************
عزمت حقيبة ملابسها ، واحكمت حجابها، منعت نفسها من البكاء، لا احد يساوي دمعة واحدة من دموعها، امها تركتها من اجل زوجها وابنتها، تركتها تمشي وحيدة، لا مأوى لها، ماذا ان رفضت خالتها استقبالها، حتى الامل الوحيد التي قضت الليل كله عليه تبخر بعلمها ترك ليلى للشقة وذهابها الى مكان لا يعلمه احد، اذن خالتها صفاء هي الحل، حتى تؤمن لنفسها مكان للمبيت وعملا تنفق منه على حاجتها، فتحت باب غرفتها، نظرت باعينها الواسعة وجدت امها جالسة منكبة على نفسها وتبكي، واختها تنظر لها بحزن شديد، اما ( سبع البورمبة ) حسني ينظر لها بتشفي وابتسامات ساخرة، تجاهلت نظراته وتجاهلت بكاء امها وحزن اختها وذهبت مباشرة في اتجاه باب الشقة، وقفت عندما سمعت امها تردف ببكاء : يا شهد ابوس ايدك سامحيني .
استدرات ونظرت لها بقوة : اللي بيسامح ربنا، ابقي اطلبي منه السماح علي موافقتك طردك لبنتك ورميها في الشارع عن اذنك .
خرجت من الشقة قبل سماع رد امها خرجت من البنايه متجاهله نظرات الناس لها واتجهت نحو الشارع الرئيسي، حتى تستقل سيارة الاجرة لتقلها لبيت خالتها، دعت ربها في سرها كي يصلح لها حالها .
***************************
في الكافيه .
كانت " ليلى " تجلس بتوتر شديد وامامها كريم الذي كان بدوره يبتسم لها بحب، اخذت ليلى نفس طويل ثم اخرجته ببطء، وهتفت بتوتر : حضرتك ياريت تسمعني للاخر، انا جيت وطلبت مساعدة منك لانك حد محترم ووقفت جنبي كتير، انا خلاص مبقاش ليا مكان، ومستحيل ارجع المستشفى، مش هاستحمل اشوف نظرات زمايلى ليا، فا انا يعني، احم، انا كنت سمعت من زمايلي ان والدك مريض واحم متقاعد، انا ممكن اجاي اساعده وابات معاه واعطيله دوا بانتظام، وكدا .
هتف كريم بصوت حنون للغاية : ليلى انا طلبت اتجوزك علشان اعيشك ملكة لانك تستاهلي تعيشي كدا، مش عاوزك ممرضة لوالدي، والدي عنده اتنين مش واحدة، بس انا يا ليلى عاوزك مراتي، نفسي تحسي بيا .
رفعت ليلى عينيها الممتلئين بالدموع : دكتور كريم، انت ليه مش مدرك اني مش هاقدر مش علشان زكريا، لأ، علشان اللي مريت بيه مش سهل، اللي مريت بيه حاجة صعبة اوي فوق ما حد يتخيله، انا اتخاد مني اعز ما املك، انا اتبصلي من المجتمع كأني متهمة مش المجني عليها، انا ابويا مات وهو فاكرني مش كويسة، ابويا مات بسببي، ازاي ممكن تتخيل اني هاقدر اعيش واكمل حياتي واتجوز واحب عادي وبسهولة، انا ادمرت حرفيا من جوا، انا كل حاجة اتكسرت فيا، مبقاش ينفع حاجة فيا تعيش وتفرح ولا قلب ولا روح، انا بقيت جسم ماشي بيتحرك بس من غير روح .
تاهت الكلمات من كريم، رمقها بحزن : ليلى انا حاسس بيكي، بس انا موافق انك تكوني ممرضة لوالدي وتباتي معاه بس تكوني علي ذمتي، ليلى هاتقعدي ازاي في البيت براحتك مثلا، يبقى نتجوز وتقعدي براحتك وناخد هدنة نتعامل فيها كااننا اخوات، وانا اوعدك مش هاضغط عليكي وهاسيبك تقرري في الاخر انتي عاوزاة ايه .
فاجئته ليلى بسؤالها : هو انت بتحبني على ايه ؟ يعني انا ليلى حتة ممرضة لا راحت ولا جت، شكلي عادي، مش غنية، انت ما شاء الله عليك عكسي في كل حاجة دكتور وشكلك يعني احم جذاب، و غني اي بنت تتمناك .
ابتسم كريم واردف بحب : انا بحب ليلى الطيبة، ليلى الحنونة، ليلى الجميلة بروحها قبل شكلها، ليلى اللي صوت ضحكاتها جذبني اول مرا جيت المسشفى، بحب ليلى الجميلة ام عيون عسلية ووشها ابيض كانه بدر منور، عشقت خصلات شعرك اللي بتتمرد من طرحتك، ليلى انا بحبك اوي، ومش مكسوف وانا بقولها، ارجوكي وافقي بجوازنا انا عمري ما اذيكي، ولا عمري افكر اهينك، بس كل اللي نفسي فيه ان لما ادخل البيت ابقى مرتاح انك موجودة فيه وعلى ذمتي .
نظرت ليلى له بقوة لعلها تستشف من حديثه عن كذب، ولكن كالعادة استطاع بهدوءه ورزانته ان يضغط عليها ويغير قرارها وتوافق على عرض الزواج حتى وان كان مؤقت او مع ايقاف التنفيذ .
**************************
في منزل رامي .
كان رامي يدور في الغرفة بغضب شديد حتى سمع صوت هاتفهه، التقطه بسرعة ، وضغط على زر الاجابة ، اتاهه صوت يتحدث برسمية : استاذ رامي، انا رأفت اللي مسؤل عن مشرو....
قاطعه رامي بسرعة : اه، اه، استاذ رأفت، انا اتصلت على خدمة العملا استفهم ليه حضرتك الشيك مش اتصرف لغاية دلوقتي، المكان جاهز والمعدات جاهزة واتركبت، ليه الشيك التاني اتأخر كدا .
هتف " رأفت " بجدية : حضرتك في مصر يا استاذ رامي، اكيد في تأخير في صرف الشيك التاني، الصبر بس بكرة بالكتير اوي هايتصرف .
تعجب رامي من رده : حضرتك، انا اتأخرت في افتتاح المشروع هألحق الموسم ازاي، طيب هألحق اجيب الخامات كل تأخير ميبقاش في صالحي، حضرتك انا حاجز ناس علشان شغل ومقعدهم في بيوتهم وعمال اقولهم خلاص هانبتدي، الناس دي بدور على اكل عيشها ولو لاقوني اتأخرت يالا السلامة، وشوف بقى لغاية ما الاقي ناس زيهم .
هتف رأفت ببرود : بالراحة يا استاذ رامي، العجلة من الشيطان، كل حاجة في وقتها، المهم علشان عندي شغل، بكرا هاصرف الشيك، سلام .غلق رامي المكالمة والقى الهاتف بعصبية وهتف بصوت عالي : اقوله عطلة وزفت مصالح بتتأخر يقولي انت عايش في مصر عادي، منا عارف اني عايش في مصر .
************************"*
هتفت شهد بصدمة : يعني ايه الاسانسير بايظ، يعني انا المفروض هاطلع ٨ ادوار، يالهوي .
قال بواب البرج بضيق : اعملك ايه، اطلعي دا حتى طلوع السلالم رياضة .
رفعت احد حاجبيها باعتراض : رياضة !!!، قول قطع نفس، دول ٨ ادوار ياعم الحج، لا وكمان ايه بالشنطة، وسعلي كدا من طريقي، ما ابدا رحلة الصعود .
وقفت شهد في منتصف الادوار وحاولت تنظيم انفاسها العالية والهائجة وهتفت لنفسها : اجمدي كدا يا شوشو، اجمدي وفكري في اي حاجة اهو تنسي تعب السلم .
وصلت اخيرا وبعد معاناة لباب شقة خالتها وقفت وهندمت ثيابها وحجابها وطرقت الباب عدة طرقات، حتى فتح الباب، ظهر رامي بجسده الطويل، وملامحه الغضبة، حمحمت شهد واردفت بابتسامة عريضة : انا شهد، بنت اخت خالتو صفاء.
رمقها رامي بنظرة سريعه ثم اغلق الباب في وجهها بقوة، عقدت شهد حاجبيها واردفت : هو قفل الباب في وشي ولا انا بيتهايلي .
************************
في بيت حسني .
كانت سميحة تقوم بغسل الاطباق ودموعها تتساقط حزنا على ابنتها، ثم شعرت بيد لطيفة تتحرك بلطف علي كتفيها وصوت حاني يهتف : انا عارفة انك كان نفسك تسيبني يا ماما وتروحي معاها بس اللي منعك مرضي .
استدارت سميحة لابنتها واندفعت نحو احضانها وبكت بصوت عالي : انا مقسومة يابنتي، بنتي ارتمت في الشارع والله اعلم صفاء هاتستقبلها ولا لأ، انا في نظرها ام قاسية وجاحدة، بس اعمل ايه ما باليد حيلة .
بكت سلمى هي الاخرى : انا كمان مقدرتش ادافع عن اختي قدام ظلم بابا، انا كمان في نظرها وحشة .
ابتعدت سميحة عنها : لا متقوليش كدا، دا هي اصلا رضيت تمشي من غير مشاكل علشان انتي متتعبيش، هي بتعمل دا كله علشان خاطرك .
دلف حسني الى المطبخ واردف بصوت غليظ : مش هنأكل احنا في سنتنا دي، العياط دا مش هايخلص .
استدرات سميحة بسرعة واوهمته انها تقوم بالطبخ وهتفت بصوت حاولت ان يكون طبيعي : اهو بعمله، اول ما اخلصه هنادي عليك .
هتف حسني بضيق : طب اخلصي ياختي، نسوان تجيب الهم والقرف .
********************************
كانت ليلى تجلس في سيارة كريم وتنظر للمارة في الطريق وشردت فيما يخبئه لها المستقبل ، هل فعلا كريم يحبها ، هل هو شخص طيب القلب كما يظهر لها ، هي لم تعرف عنه سوا الدكتور كريم الخلوق المحترم ، وبعض من الكلام المسرب عن حياته من الممرضات الاخريات ، تسرب شعور الخوف والقلق الى نفسها ،حتي انتبهت على صوت كريم مناديا اليها نظرت له وهتفت بوجه خالي من التعابير : خير يا دكتور .
ابتسم كريم وهتف : ايه بقولك احنا وقفنا ، ووصلنا قدام المأذون ، وبعدين ايه دكتور دي ،اسمي كريم وبس .
هزت ليلى رأسها بنفي واردفت : لأ حضرتك بالنسبالي دكتور كريم وبس ، معلش لازم يكون في تحفظ في العلاقة .
رمقها بضيق قائلا : طيب يالا ، علشان ندخل للمأذون .
**************************
_ اه وانتي جاية ليه بقى ان شاء الله .
كان ذلك صوت رامي الغليظ ،نظرت له والدته معاتبة ، ثم انتقلت ببصرها لشهد وابتسمت قائلة : نورتيني يا شهد والله كان نفسي اشوفك من زمان .
ردت شهد لها الابتسامة ولكنها لم تكن اكثر من ابتساكه مجامله : الله يخليكي ياخالتي ، وانا كمان نفسي اشوفك .
نهض رامي واردف بغضب : انتي يا بتاعة ردي عليا ، انتي جاية ليه ؟.
انتفضت شهد من جلستها واقتربت منه واشارت له بيديها : بص بقولك ايه اهدى على نفسك كدا ، انت بتكلمني كدا ليه ،هو انا بشتغل عندك ولا ايه .
ذهل رامي من جرائتها في الرد عليه : ايه قلة الادب دي ،انتي ازاي تردي عليا كدا .
رفعت شهد حاجبيها باعتراض : مش انت اللي لسى مكلمني بقلة ادب ، طبيعي هارد عليك بقلة ادب .
جذبها رامي بغضب من مرفقها : انا قليل الادب ، طب واقسم بالله لولا اني عامل احترام لامي كان زمانك دلوقتي مع الاموات .
وقفت صفاء معاتبة كلا منهما : كدا ، دي عمايل ناس كبيرة ، عيب والله .
ترك رامي مرفقها وجلس مكانه : استغفر الله العظيم .
همست شهد لنفسها : مؤمن اوي يا خويا .
رفع عينيه الخضراء نحوها : اهو بصي يا امي بتبرطم وبتقول حاجة عليا .
هتفت صفاء في هدوء : اهدى يا بني ، قوليلي يا شهد ،سميحة مجتش معاكي ليه ؟.
بلعت شهد ريقها بتوتر واردفت : احم ، علشان جوزها طردني من البيت .
عقدت صفاء حاجبيها : ازاي يعني طردك دا بيت ابوكي ، انا فاكرة كويس والدك الله يرحمه لما اشتراه كتبه باسم سميحة علشان تفرح ، بس قالها ان دي شقتك لما تكبري .
هتفت شهد في ضيق : لا ماهو حسني الله يجحمه ، ضحك عليها وخلاها تبيعه له ، وكرشني برا البيت .
ضيقت صفاء عينيها بتركيز : طيب معلش يابنتي ، طردك ليه ، هو لو عاوز كان طردك من زمان ، اشمعنى دلوقتي .
شعرت شهد بالانكسار تمالكت نفسها واردفت : هو اصلا كان بيتلككلي كل يوم والتاني اهانة وضرب وفضايح ، واي عريس بيجلي بيطرده من برا من غير ما اعرف ، بس المرادي بقى جتله على الطبطاب .
هتف رامي بحدة : ليه ايه اللي حصل .
تقلصت ملامح شهد بغضب : علشان صاحبتي ، يعتبر اعز اصحابي ، ابوها اتصل عليها في نص الليل وكان قلقان عليها اكمنها يعني بتشتغل ممرضة في مستشفى ، انا اتصلت عليها واحد زميلها رد وقالي انها تعبانة في المستشفى ولازم اجاي ويستحسن مبلغش والدها ، وليلى دي صاحبة عمري ، نزلت من غير ما حد يحس وروحت وهناك عرفت انها يعني ، احم اتعرضت للاغتصاب وكدا ، فضلت معاها لغاية ما خرجت ، وروحنا البيت ، وحلفتني ما اقول لحد ، روحت نمت صحيت على جوز امي بيضربني ويزعقلي والحارة كلها عارفة الحكاية بس حد محرف فيها وقالو علينا اننا ماشين مشي بطال ، بعدها روحت لليلى استفهم منها مين قال ، طردتني برا البيت فاكراني السبب واني نطقت بكلمة ، مع اني والله لو على رقبتي ما كنت انطق بحرف .
هتف رامي بتهكم : طب مانتي فضحتيها اهو ونطقتي بكل حاجة .
تجمعت الدموع في عينيها : انا مكنتش هانطق لولا ان طردت من بيتي وبقيت في الشارع ملياش مكان ،ولما جيت هنا احتمي فيكو علشان انتو من دمي ، وواجب عليا احكي الحقيقة ،علشان في الاخر ميبقاش اسمي كذابة ، وانتو متعرفوش ليلى ، يبقى مفضحتهاش معاكو ، انا بحكي السبب اللي خلى جوز امي يطردني من البيت ،على العموم عن اذنكو .
هتف رامي سريعا : انتي رايحة فين ، اقعدي هنا ، انتي مش لسى قايلة انك من دمنا يبقى اقعدي هنا معانا ، ليكي مكان تروحيه؟؟ .
هتف شهد بكبرياء : لا ماليش بس ارض الله واسعة .
نهضت صفاء من جلستها : اقعدي يا حبيبتي دا بيتك قبل ما يكون بيتنا ، وبعدين معلش اتعودي علي رامي كدا هو بيغضب بسرعة وبيزعق على طول .
هتف رامي بحدة : هو انا كدا زعقت يعني .
ابتسمت " شهد " سريعا واردفت : خلاص انا مش زعلانة منك انت في مقام اخويا الكبير بردو .
نهض رامي سريعا والتقط هاتفهه ومفاتيحه واردف : انا ماشي يا امي ،اتاخرت على الشغل ،صحي حمزة وفطريه وخليه يذاكر شوية ، ميقعدش على التلفزيون الا لما يذاكر الاول يا ماما .
هتفت صفاء : حاضر يابني .
خرج رامي وانتظرت شهد سماع صوت اغلاق الباب ، ثم نظرت لصفاء : هو كدا وافق اقعد معاكو .
ابتسمت لها صفاء : اه طبعا وافق ، رامي ابني جدع وطيب .
ردت لها شهد الابتسامة : ربنا يخلهولك ، متقلقيش يا خالتي ، انا بس هنام هنا ومتحسوش بيا ،ومن بكرة هانزل ادور على شغل ، مش هاكلفكو حاجة .
هتفت صفاء بعتاب : كدا بردو يا شهد احنا اتكلمنا في كدا ، انتي قولتي بلسانك رامي زي اخوكي الكبير وكمان تشتغلي ايه ، انتي تقعدي هنا تساعديني على حمل البيت .
حمحمت شهد ثم اردفت بفضول : معلش يعني هو رامي ابنك مخلف .
هتفت صفاء بحزن : اه مخلف حمزة عنده ٧سنين ، بس مراته ميتة... بعد ولادة حمزة بيومين جالها نزيف بعد الولادة خطأ دكتور الله يسامحه بقى .
تمتمت شهد بصوت منخفض للغاية : علشان كدا عصبي ، لازم اعذره بردو .
ثم تابعت حديثها بصوت عالي : ربنا يرحمها يا خالتي والله زعلتيني ، المهم انا كنت عاوزة يعني اقولك علي حاجة .
انتبهت لها صفاء قائلة : حاجة ايه يا حبيبتي .
تحدثت شهد باحراج : انا عارفة يعني يا خالتي ان امي استلفت منك ١٠٠٠٠ جنيه ودا مبلغ كبير ، واتهربت من سداده بس يمين الله ما كنت اعرف الا امبارح ، بس انا اوعدك هادور علي شغل وهاسددهم ليكي على طول .
هتفت صفاء بعتاب : اخص عليكي هو انا كنت جبت سيرة فلوس يا شهد وبعدين الفلوس دي دول ورثي من المرحوم جوزي ومكنتش هاعوزهم في حاجة ، انتي شايفا رامي اهو راجل قد الدنيا بيشتغل محاسب في شركة ، وكمان بيفتح مشروع جديد وميمي بنتي مسافرة السعودية مع جوزها ومش محتاجة ، انا لو كنت عاوزاهم كنت طلبتهم ، وبعدين اختي وفي ضيقة عادي ، والله انا نسيتهم.
هتفت شهد بحزن : انتي طيبة اوي يا خالتي ، الا قوليلي انتي لو مكان امي هاتسيبي بنتك ترتمي في الشارع .
صمتت صفاء عقب جملة شهد ، فهى في نفسها عتبت على اختها وضعفها من ناحية حسني ، صمتت لان اجابتها سوف تزيد البعد بين شهد وسميحة .
*********************************
عند زكريا .
اندفع زكريا الى غرفة والدته بغضب واردف : انتي يا ما طردتي ليلى من شقتها صحيح؟؟ .
لوت مديحة شفتيها بتهكم : اه ياخويا طردتها ، علشان يا حنين مترجعش في كلامك وتقولي اتجوزها واستر عليها .
صاح زكريا بصوت جهوري : بس انا لسه منتقمتش منها ، لسى مش شفيت غليلي منها ، بنت ال***** مشيت قبل ما اذلها تاني وتالت ورابع ، مشيت قبل ما اتجوز قصاد عينيها .
ابتسمت مديحة في خبث : ولا يهمك يا حبيبي ، دا انا هاجوزك ست ستها ، وهاجبلك اللي احلى منها وتنسيك ليلى وابو ليلى .
نظر لها زكريا واردف بغل : بنت ال*** كانت مقضياها ياما ، وانا تتمنع عليا ، وتقولي متمسكش ايدي الا بعد كتب الكتاب ، وانا طول الوقت كنت بتقرطس .
رفعت مديحة حاجبيها باعتراض : ولا عاش ولا كان اللي يقرطسك يا حبيبي ، دا انت زكريا باشا موظف في الصحة قد الدنيا ، هي كانت تطولك ، وبعدين هي مكنتش على ذمتك يا زكريا ، دي كانت لسى في بيت ابوها ، كانت بتقرطس ابوها هي ، واهو ربنا عطالها ما في نيتها وابوها مات وانا طردتها شر طردة ، متزعلش يا حبيب امك .
هدأ زكريا نوعا ما ، ف كلام والدته له كان عبارة عن مخدر : بصي ياما ، انتي من بكرة تدوريلي على عروسا وتجوزهالي فاهمة ولا لأ وعاوزها احلى من ليلى مية مرة .
قهقهت مديحة بشر : وحياتك عندي لاخلي الحارة كلها تتكلم عن جمال عروستك وادبها واخلاقها .
**************************
( بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ).
رفعت ليلى ابصارها نحو كريم وجدته ينظر لها بسعادة وتتسع ابتسامته ، حاولت جاهدة اخراج ابتسامتها ولكنها فشلت وهبطت مكانها الدموع ، خرجت سريعا من مكتب المأذون وتوجهت نحو السيارة ، حزن كريم كثيرا وانهى اجراءات المأذون ، ثم خرج واستقل سيارته و ادارها دون كلام ، كانت طول الطريق ليلى تبكي بصوت ، وكريم يضغط بيده على محرك السيارة بعصبية ويحاول التحكم في اعصابه ، حتى وصل عند منزله ، اوقف السيارة على جنب الطريق وفتح درج السيارة وجذب منديلا واعطاها اياه في صمت ، اخذته ليلى وازالت دموعها ، ثم تنهدت بصوت عالي ، استدار ناحيتها كريم واردف :
_ ليلى ، والدي كان عارف اني بحبك ، انا طبعا اتصلت بيه وفهمته ان والدك مات وخطيبك سابك ومبقتيش قادرة تدفعي ايجار شقتك وانا عرضت عليك الزواج وانتي وافقتي ، ياريت متجبيش سيرة ال....
قاطعته ليلى بعصبية : خلاص يا دكتور ، متشكرة وفهمت الحكاية .
نظر لها كريم مستغربا : ليلي على فكرة انا مقولتش لوالدي الحكاية دي علشان متحسيش بشفقة من حد ، ولا تحسي انك قليلة ولا تبقي حساسة ، الموضوع دا سر بيني وبينك .
هدأت ليلى قليلا فهي قد توقعت انه يخفي امر اغتصابها خوفا من مواجهة والدة : طيب يا دكتور ، يالا بينا .
هتف كريم بضيق : ليلى ماهو مش معقول قدام والدي تقوليلي دكتور ، علي فكرة احنا هانعيش قدامه زي اي زوجين عاديين ،والدي تعبان ومش عاوز احسسه بحاجة .
توسعت اعين ليلى وهتفت بتلعثم : يعني ايه يا دكتور نعيش زي اي زوجين عادين لا احنا كل واحد فينا ينام في اوضة .
ولاول مرا يغضب كريم على ليلى : انتي بتفكري ازاي يا ليلى ، انا عمال اقولك تعبان ومش عاوز احسسه بحاجة ، وبعدين متخافيش اوي كدا مش هنام جنبك ، هنام على الارض ، في اي زفت ، بس والدي ميحسش بحاجة ، والدي محتاج الهدوء والراحة .
صعدت الدماء لوجه ليلى وهتفت باحراج : احم ، اسفة يا دكتور .
نظر لها كريم بتعجب : تاني!!، دكتور ، ياليلى بقولك قوليلي كريم ، بصي ما بينا قولي دكتور وقدام بابا قولي كريم ، اوك .
هتفت بنبرة مهزوزة للغاية ، خائفة مما تقدم عليه: طيب .
***********************************
عاد رامي من عمله مرهق ، اخرج مفاتيح البيت وبعدها رجع في قراره تذكر وجود شهد بالداخل ابتسم ابتسامة لطيفة وهادئة ولكنها سرعان ما اختفت عندما تذكر امر ما ،قام بالضغط على جرس الشقة ، وما هي الا ثواني معدودة حتى فتحت له والدته .
_ رامي، انت اللي بترن ، مفتحتش ليه ؟.
هتف رامي بتعب : علشان اللي اسمها ايه دي لتكون قالعة الطرحة .
_ اسمي شهد يا عم رامي .
كان ذلك صوتها المفاجئ من خلف والدته .
نظر لها باندهاش : عم رامي!!!.
استدارت بخفة قائلة : اه فكك كدا مالك متنشن ليه ؟.
اختفت من تحت بصره ، امال على والدته وهمس : هي مالها يا امي واخدة البيت لحسابها ، انا شايف ما شاء الله رايحة جاية والدنيا حلوة .
ضحكت صفاء وهمست : اسكت دي عسل ، انا شوفتها الصبح وقولت نكدية ، لقيتها فرفوشة وبتحب الضحك ، دي طابخة بايديها النهاردة ، وحمزة كمان اتعلق بيها بسرعة .
هتف رامي بضيق : طابخة ، يا امي قولتلك مبحبش آكل من ايد حد غيرك ، بقرف .
نظرت له صفاء واردفت بعتاب : عيب يا ابني ، دي مهما كان بنت خالتك .
رفع رامي حاجبيه ببرود : هو انا شتمت فيها ، انا بقولك بقرف يعني دا طبع فيا .
_ متخافش بغسل ايدي كويس ، واكلي نضيف ، بكرة تتحايل عليا اعملك اكل كل شوية .
قالت كلامها وذهبت مرة ثانية الى المطبخ ، بينما ابتسمت صفاء ، نظر لها رامي بحدة : ماهو مش اسلوب دا يا امي ، اقول كلمتين الاقيها نطالي وبترد .
تجاهلت صفاء كلامه واردفت : بقولك ايه روح يالا خد الشاور بتاعك و يالا علشان نتغدى .
*********************************
وقفت في تلك الغرفة الواسعة ، التي تقريبا حجم منزلها مرتين ، مصممة بشكل عصري ، كل شئ مهندم وفي مكانه ، وهذه اول عادة عرفتها عن كريم ، او الدكتور كريم وهي النظام ، وضعت حقيبتها على جنب وجلست علي الاريكة بجانب النافذة ، حتى دلف كريم ، ونظر لها مستفهما : انتي قاعدة ليه كدا ؟.
نهضت مرة اخرى وهتفت بتوتر : يعني ، مش عارفة اعمل ايه ؟.
ابتسم لها كريم واردف بلطف : تعملي ايه في ايه ، خدي يالا شاور ، وغيري هدومك ، ولما تخلصي نروح لبابا في اوضته تتعرفي عليه وتقعدي معاه .
تلعثمت في كلامها : اه ، ماشي ، حاضر .
ذهبت بخطوات متعثرة نحو الحقيبة وجدته سابقها ورفعها علي السرير وقام بفتحها ، ثم اردف : انا هادخل اغير في الاوضة دي ، وبليل ابقي رصي هدومك فيها .
ضيقت عينيها بتركيز : ارص هدومي فيها ازاي مش فاهمة .
هتف كريم بجدية : بصي ياستي بقت موضة اليومين دول بدل الدولاب يعملو غرفة متقسمة كدا وفيها مرايات وتبقى اوضة اللبس .
لوت شفتيها بسخرية : ليه يعني وماله الدولاب اشتكى .
ضحك كريم بخفة : والله ما عارف موضة بقى .
تحركت نحو حقيبتها ، واخرجت ملابسها البسيطة على استيحاء ، ثم دلفت الى المرحاض ، مغلقه على نفسها جيدا ، لا تعرف لماذا تفعل هكذا ، ولكنها شعرت في يوم وليلة بعدم الامان ، افتقدت احساسه بوفاة والدها ، مهما كان لطف كريم معها ، يجب عليها الحذر ، خلعت ملابسها بتوتر ، وفتحت المياه الدافئة ، واخذت حمامها ، ثم لبست هدومها والتي كانت عبارة عن جيب سوداء اللون وبلوزة سوداء ، قامت باحكام حجابها جيدا ، ثم خرجت من المرحاض بإحراج وجدت كريم يجلس على الاريكة ، يلعب في هاتفهه ، رفع بصره نحوها وابتسم ، حتى تلاشت ابتسامته وحل محلها العبوس : انتي ليه لابسة الطرحة يا ليلى .
وضعت ليلى يديها تلقائيا على حجابها : امال ؟ملبسهاش ليه؟ .
نهض كريم واتجه نحوها : وتلبسيها ليه اصلا ، انتي في بيتي ومفيش راجل غريب .
ردت ليلى سريعا : انت غريب .
رمقها كريم باندهاش عقب جملتها : انا غريب ، انا جوزك يا ليلى .
نظرت له ليلى بتحدي : على الورق .
نظر لها كريم بغضب : مفيش حاجة اسمها علي الورق ، دا كله كلام فارغ ، انتي قدام ربنا مراتي شرعا وقانونا ، اما بقى حكاية حقوقي الزوجية انا راجل يا ليلى عمري ما اخدها منك غصب عنك ، او مش برضاكي ،علشان احنا مش حيوانات ، ياريت كلامك دا ميتكررش تاني ، انا حافظ حدودي كويس ومش هاتعدها ، بس ياريت انتي كمان تحافظي علي منظري قدام نفسي وقدام والدي ، انا مش كل شوية هاطلب منك تتصرفي ازاي ، انتي كبيرة وفاهمة ، عن اذنك ، اوضة بابا اخر الطرقة يمين .
تحركت ليلى نحو المرآة ، ثم نظرت لنفسها ، ترقرقت الدموع في عينيها : هو ليه مفيش حد فاهمني ، محدش حاسس بيا ، محدش حاسس باللي مريته ، محدش حاسس انا عيشت ايه مع الحيوان دا ، انا كنت بتمنى الموت في اللحظة دي بس مموتش ، انا فقدت اعز حاجة البنت بتملكها ، يارب ،انت وحدك حاسس بيا ، انا مش عارفة اتكلم ، ولا اطلع اللي جوايا ، يارب انا مش قد صدمة تانية في كريم ، كفاية عليا صدمة موت ابويا ، وصدمة زكريا ،و ، وشهد ، شهد اللي خانتني وفضحتني ، انا مش مسامحها ، مش مسامحها ابدا .
&&&&&&&&&&&
رواية ( شهد الحياة ).
البارت الرابع .
كانت تقف بهمة ونشاط في المطبخ وتقطع الخضروات للاعداد السلطة، لقد علمت من خالتها مسبقا ان رامي يعشق السلطة بجانب الطعام، شردت بذهنها الى ليلى، اين ذهبت وما حل بها، لم تنتبه للسكين الحاد الذي بيديها، جرحت نفسها واصدرت آه خفيفة اثر جرحها، اسرعت نحو الماء، وفتحت الصنبور، وحاولت تنظيف يديها، تنهدت بتعب واردفت بهمس : جيب العواقب سليمة يارب، يارب احميها دي غلبانة وحزينة، وملهاش حد، يارب كون معاها وابعد عنها الشر .
انتبهت على صوت حمزة : بابا الحق شهد عورت نفسها بالسكينة وفي دم بينزل منها .
هتفت سريعا : لا يا حمزة انا كويسة .
اندفع رامي لداخل المطبخ بقلق : سكينة ايه اللي عورتي نفسك بيها، اوعي كدا ايدك .
سحبت شهد يديها بسرعة : مفيش حاجة في ايدي، دي تعويرة بسيطة .
جذب رامي يديها بغضب وادارها حيث الجرح وطلب من والدته علبة الاسعافات، قام بتنظيف اصبعها، تسربت الدماء الى وجه شهد من فرط الاحراج، انهى رامي عمله وقام بغسل يديه واردف بحدة : مبتعرفيش تدخلي مطبخ قولي، محدش غصبك تدخلي .
سرعان ما غضبت شهد من هجومه : لا بعرف ادخل المطبخ، وشاطرة كمان.
نظر لها بتهكم وقال : امال حضرتك عورتي نفسك ازاي يا شاطرة .
تقلصت ملامح شهد بغضب واردفت : انت بتكلمني كدا ليه، ماتهدى على نفسك شوية .
كان على وشك الرد ولكن فاجأه امتنع عن الرد وامر حمزة بالخروج من المطبخ والذهاب الى غرفته، وقفت صفاء على اتم الاستعداد لتدخل في الوقت الحاسم، انتظر رامي ثواني حتي خرج حمزة، ثم اندفع بغضب نحو شهد واردف بغيظ: بقولك ايه انا هنا ليا احترامي، اياكي ثم اياكي تفكري تقلي مني، هاديلك فوق دماغك، مش على اخر الزمن، هاتيجي انتي وتهزقيني قدام ابني واسكتلك مثلا .
اقتربت شهد وقالت بتحدي : طيب كويس انك عارف اني هزقتك .
اصطبغ وجه رامي باللون الاحمر واتسعت عينيه من وقاحتها : انتي واحدة..... .
قاطع حديثه صوت صفاء الحازم : كفاية يا رامي، كفاية انتو الاتنين، ايه داخلين حرب، اعتذري يا شهد لرامي، مش رامي دا في مقام اخوكي الكبير بردو
قالت حديثها الاخير بغمزة خفيفه من عينيها، انتبهت لها شهد على الفور حاولت كتم ضحكتها...
نظرت له مردفه بحزن مصطنع : صح انا اسفة يا رامي يا اخويا .
*****************************
_ ما شاء الله جميلة زي ما وصفك ليا كريم بالظبط .
تسربت الدماء الى وجه ليلى واخفضت بصرها على استيحاء، لا تعرف شعورها بالاحراج من حديث والد كريم السيد " جمال"، ام محرجة من نظرات كريم لها، ساد الصمت في الغرفة، نظر جمال لكريم نظرة ماذا بها، حرك كريم شفتيه دون اصدار صوت ( مكسوفة ) .
هتف جمال وقال : بقولكو قومو نامو، انا اخدت دوا واتعيشت وخلاص هنام .
هتفت ليلى بتعجب : بس لسى بدري.
ابتسم جمال بلطف : لا انا راجل كبير ودقة قديمة وبنام بدري .
نهض كريم من جلسته وذهب باتجاه ليلى وقام بمحاوطتها بيديه : طيب يا بابا تصبح على خير .
اخذها كريم وخرج من الغرفة، وفور خروجهما ابتعدت ليلى بسرعة، نظر لها بضيق واردف : لدرجادي مش طايقة لمستي يا ليلى .
تحدثت ليلى بصوت منخفض للغاية : وانت لدرجادي مش حاسس انا حاسة بايه، انت دكتور، ومش دكتور عادي، دكتور نسا وتوليد، يعني انت عارف احساسي كويس، ولو مكنتش عارفه، احب اعرفهولك يا دكتور كريم، انا بقيت كارهة اي راجل، واي نظرة من راجل واي لمسة، او حتى اي همسة، سواء بقى الراجل دا انت او غيرك، كلكو واحد .
نظر لها بغضب ، ثم تجاهلها ودلف غرفته، حدقت هي في اثره وغمغمت : يوووه شكلي عكيتها ولا ايه، بس انا صح لازم يعرف حدوده كويس .
*******************************
في منزل رامي المالكي .
قهقهت صفاء بصوت عالي : يالهوي عليكي يا شهد، والله دمك خفيف .
اتسعت ابتسامة شهد واردفت : ماهي تستاهل ياخالتي، جاية تتنصح عليا، قمت مديها ام حسين الهبلة دي، فاكرة هاتضحك عليا، دا ولاهي ولا عشرة زيها .
ربتت صفاء علي يد شهد : بتفكريني بابوكي، كان يحب الحق زيك .
تلاشت ابتسامتها، ثم ترقرقت الدموع في عينيها وقالت : حتى عم احمد كان طيب وغلبان اوي يا خالتي، موته كسر حاجة جوايا، كان بيسمعني لما جوز امي يجي عليا، كان بيقويني، يعز عليا انه مات وفاكر اني فضحت بنته، انا مش كدا يا خالتي، انا لا يمكن اخون حد اكلت معاه في نفس الطبق .
صمتت صفاء عقب حديث شهد، ازالت شهد دموعها بطرف كم ثيابها ورفعت صينية الشاي واردفت بهدوء : ننسى بقى الزعل، من وقت ما جيت وانا منكدة عليكو، هاروح اطلع الشاي لرامي .
قالت صفاء : طيب روحي اوضته، وانا هاكلم ميمي بنتي على النت .
وقفت شهد على عتبة باب غرفة رامي، وتنفست بهدوء وقالت لنفسها : عامليه حلو يا شوشو، دا مهما كان اكبر منك وعيب، اي نعم هو رخم، ودمه تقيل بس هاعمل ايه، وعلى رأي المثل، ايه اللي رمك علي المر اللي امر منه .
طرقت الباب بهدوء، سمعت صوت رامي يأمرها بالدخول، دلفت بهدوء رأته يتحدث في الهاتف، اشار هو الى المنضدة، لكي تضع الشاي عليها، ذهبت ثم وضعتها ولكنها لم ترى تلك الاقلام الموضوعة بعشوائية على المنضدة، تحركت الصينية ثم وقع الشاي على الاوراق، انتبه رامي الى صوت كسر كوب الشاي، استدار بسرعة، جحظت عيناه، القى الهاتف من يده، ابتلعت شهد ريقها بخوف، وارتدت الى الخلف .
*****************************
في منزل كريم
بدل كريم ثيابه... بثياب مريحة، ثم وضع الغطاء على الاريكة، وخرج من الغرفة، في نفس وقت خروجه، خرجت ليلى من المرحاض، لاحظت الغطاء الموضوع على الاريكة، ذهبت باتجهاها وجلست عليها حتى دلف كريم مرة اخرى بصحن من السندوتشات ووضعه امامها وقال :
_ كلي، انتي تقريبا طول اليوم مأكلتيش حاجة .
نظرت للاكل، ثم رفعت بصرها لكريم واردفت بصوت هادئ : هو انت زعلان مني يا دكتور، انا حقيقي مقصدتش الكلام دا، بس، بس انا..... .
اقترب كريم اكثر من ليلى وابتسم : انا حاسس بيكي وبأحساسك، ليلى انا معاكي لغاية اخر نفس فيا، هاخليكي تحبيني، زي ما انا بحبك.
دق قلبها بعنف وتوترت وقالت : طب ممكن انام.
همس كريم وقال : طيب كلي الاول، وبعدين روحي نامي على السرير، انا هنام على الكنبة .
هرب الكلام من على شفتيها وابتعدت ببصرها عنه، انفاسه الساخنة لفحت وجهها، ادت الى توترها، سحقا للايام، سحقا للظروف، من هي ليلى، مجرد فتاة، تعمل كممرضة في المشفى، فتاه فقدت اعز ما تملك في ثواني، ومن امامها اوسم رجل، واحن رجل، ولكن تلك الحادثة تركت اثر في نفسها، تركت الضعف، وعدم الامان، والخوف، خسرت نفسها، خسرت ابيها، خسرت بيتها، خسرت كل شئ ذاك هو شعورها، شعور صعب التغلب عليه .
******************************
_ ما خلاص بقى، مكنش شوية ورق وقع عليه شاي .
تقلصت ملامحه بغضب عقب جملتها : تعرفي انا نفسي اعمل فيكي ايه، نفسي اموتك، انتي ضيعتيني .
رفعت حاجبيها ببرود وقالت : تموتيني علشان شوية ورق .
فتح رامي باب الغرفة، ثم صاح بصوت عالي : ماماااا.
دلفت صفاء على اثر صوته : في ايه يا رامي .
اشار لها رامي بغضب على الورق وقال : شوفتي ست الحسن والجمال هببت ايه، كبت الشاي على الورق بتاع المشروع .
زمت صفاء شفتيها بضيق : معلش يا رامي، اكيد غصب عنها .
زفر رامي بضيق واردف : بصي خليها ملهاش دعوة بيا ولا تكلمني ولا كاننا شايفين بعض من الاساس .
رمقته باندهاش عقب جملته : يالهوي دا العقل زينة والله، مكلمكش علشان شوية ورق ممكن يتكتب تاني .
ضحك رامي بسخرية : ماهو انا اقولك ايه وانتي واحدة جاهلة مش فاهمة، دا ورق مشروعي اللي عندي اهم من واحدة زيك .
رمقته بغضب، ثم تركت الغرفة دون كلمة واحدة .
رفع رامي حاجبيه ببرود و قال : مالها دي، اتقمصت مرة واحدة ليه ؟.
هتفت صفاء بعتاب : ينفع يا رامي تقولها جاهلة، دي كلمة تقولها .
اتسعت عيني رامي باندهاش : هو انتي ايه يا ماما، يعني كبت الشاي على الورق اللي بقالي شهور بعمل فيه وانتي تقوليلي، بتقولها كدا ليه .
جلست صفاء بهدوء : اقعد يا رامي، عاوزة اتكلم معاك .
جلس رامي امامها وقال : خير .
قالت صفاء بحذر من ردة فعله : ميمي اختك كلمتني، والدكتورة حددت معاد ولادتها كمان شهر، ويعني قالتلي طه جوزها هايحجزلي علشان اسافرلها.
عقد رامي حاجبيه واردف : تسافريلها ليه ؟.
تنهدت صفاء وقالت : علشان يابني اكون معاها وقت الولادة وكمان بعد الولادة وارعى بناتها، انت عارف كويس ظروف طه الايام دي والشركة بتنزلهم على غلطة، وهو محتاج يركز علشان يثبت نفسه كويس، ولو نزلها محتاج فلوس كتير اوي ليها ولبناتها .
قال رامي بضيق : طيب وانا يا ماما ومشروعي وحمزة محتاج اللي يراعيه، هاتسيبنا ازاي .
ردت صفاء سريعا : ماهي شهد اهي ما شاء الله عليها هاتاخد بالها منكو .
هتف رامي بذهول : انتي عاوزة تسيبنا مع شهد دي لوحدنا، لا يا امي مينفعش وبعدين تاخد ايه، دي بقالها يوم واحد، وعمالة تعمل في كوارث في البيت .
اردفت صفاء بعتاب : اخص عليك يا رامي امال نرميها في الشارع ، وهي ملهاش مكان، وبعدين يابني دي ظروف غصب عني، اول بس ما ميمي تشم نفسها وتشد حيلها هاتلاقيني جاية، بص يا رامي انا هاسافر السعودية لاختك، بس هاحملك امانة في رقبتك ليوم الدين وهي شهد، امها سمعت كلام جوزها حسني الكلب وطردوها من بيت ابوها، هي اه هبلة وتبان شعنونة بس من جواها غلبانة وضعيفة، وبعدين يا رامي احنا واجبنا نحافظ على لحمنا ودمنا، عاملها زي ميمي اختك .
كان على وشك الرد لولا طرق الباب ودخول شهد وفي يديها حقيبتها نظرت له بضيق، ثم حولت بصرها لخالتها واردفت : خالتي انا هامشي بقى، شكرا على حسن ضيافتكو ليا .
هتف رامي سريعا : تمشي تروحي فين ؟.
تجاهلته شهد ووجهت حديثها لصفاء وقالت : بلاد الله واسعة يا خالتي، هادور على مكان اقعد فيه ومتهنش فيه .
انتفض رامي من جلسته وهتف بحدة : بقولك يا شهد بصيلي وانا بكلمك، انا موتي وسمي اللي يتجاهلني .
نظرت له بتحدي واردفت : كان في حد عزيز على قلبي علمني حكمة، قالي اللي يهينك يا شهد مترديش عليه الاهانة، اتجاهليه ودا اقوى رد له .
اقترب رامي واردف بتحدي مماثل : طب كويس انك عارفة اني هنتك .
هتفت شهد سريعا بذهول : انت بتردهالي !.
غمز لها رامي بخفة وابتسم : روحي ارجعي على اوضتك وبطلي جنان، تروحي فين ياعسل، بصي من اليوم اللي دبت رجلك فيه في البيت دا، مش هاتطلعي الا على بيت جوزك .
ابتسمت صفاء بلطف : خلاص بقى يا شوشو، وبعدين مين هاياخد باله من رامي و حمزة وانا مسافرة .
هتف شهد سريعا بفضول : ليه هو انتي هاتروحي فين يا خالتي ؟.
دفعهم رامي خارج الغرفة وقال : لا اتكلمو برا براحتكو، انا ورايا شغل كتير ولازم اخلصه.
******************************
تقلبت ليلى في الفراش يمينا ويسارا، عينيها لم تذق طعم النوم لمدة يومين، حتى النوم يجافيها، تنهدت بصعوبة، نظرت لكريم وجدته مستغرقا في نومه، قامت بهدوء من الفراش وخرجت بهدوء من الغرفة، نظرت في ارجاء المنزل الضخم، ابتسمت بسخريه، سألت نفسها هل هذا تعويض عن ما حدث لها، ام انها سوف تعيش خسارة ثانية، سمعت صوت يتحدث بهدوء، تحركت نحو مصدر الصوت، اكتشفت انه خارج من غرفة والد كريم السيد " جمال "، طرقت الباب بهدوء ودلفت، وجدته ينظر لصورة في يديه والدموع تسيل من عينيه، شعرت ليلى بالاحراج لدخولها فهتفت : اسفة يا عمو، بس سمعت صوتك، كنت بحسب محتاج حاجة .
اشار لها ان تاتي دون ان يزيل دموعه، تقدمت نحوه ووقفت على مقربة منه، اشار لها مرة ثانيه ان تجلس بجانبه، شعرت بالتوتر ثم جلست، رفعت بصرها نحو تلك الصورة التي في يديه، وجدت امراءة غاية الجمال، ممكسة بطفل صغير يضحك بسعادة، انتبهت على صوته قائلا : دي ام كريم، ناني، ودا كريم وهو صغير .
نظرت له ليلى باستغراب واردفت : اسمها ناني كدا علي طول .
ابتسم جمال بحب : اه كان اسمها الحقيقي، كانت تحب اسمها اوي، لدرجة هنا في سلاسل باسمها باشكال دهب وفضة، وصتني اشيلهم لبنت كريم، ووصتني كريم لما يتجوز ويخلف بنت، اخليه يسميها ناني، ويديها السلاسل دي ليها .
حركت ليلى اصابعها على وجه ناني والدة كريم واردفت : شكلها كانت طيبة .
هز جمال رأسه مؤكدا : طيبة اوي، طب اقولك كانت اختي كريمة تدايقها بالكلام وكانت تضحك في وشها ولا تزعل ولا تشتكيلي، تعرفي ماتت وكريم عمرة ١٠ سنين، عاش عمره من غير ام، دايما يشوفها في الصور، تعرفي وهو صغير كان بيجي ياخد صورها ويقعد في اوضته يتكلم معاها، بس لما كبر، بطل يعمل كدا، معرفش نسيها ولا زهق .
ترقرقت الدموع في عينيها : مفيش حد بينسى ابوه وامه، بس تلاقيه مشغول بالحياة، بس هاتلاقيها جواه، محفورة جوا قلبه .
هتف جمال بأسف : انا أسف يا بنتي، نسيت اعزيكي، البقاء لله .
اندفعت ليلى نحو حضن جمال وبكت واردفت بصوت متقتطع : انا، تعبانة اوي، ابويا ، مات، سندي، مات .
ربت جمال على رأسها وحدثها : اهدي يا بنتي، دا قضاء ربنا، احنا مش في ايدينا حاجة، مسيرنا هنموت ونشوف كل اللي بنحبهم، وبعدين ربنا بيقطع من هنا وبيوصل من هنا، ربنا اخد منك ابوكي، وعوضك بكريم، كريم ابني حنين اوي وبيحبك اوي يا ليلى، كان بيجي يحكلي عنك وعن جمالك و ادبك، بس دايما كان حزين علشان خطوبتك الاولى، بعدها جه وقالي ان خطيبك فسخ خطوبته معاكي.
تلعثمت ليلى وقالت : اه، ماهو بعد موت بابا، محدش من اهله جه عزاني ودايما امه بتعاملني وحش اوي، وهو مكنش مهتم لموت والدي وكدا، وبعدين كريم لقيته بيقولي يتجوزني الصراحة استغربته اوي، لانه والدي كان لسه متوفي .
هتف جمال موضحا: ماهو حكالي عنك، وانا قولتله لو بتحبها اتجوزها متسبهاش لوحدها يا كريم، هاتها هنا وهي هاتحبك واحدة واحدة .
اردفت ليلى كاذبة : اه ماهو طردوني من الشقة وانا وافقت لان كنت عارفة ان كريم بيحبني .
وضع جمال كفيه على وجنيتها : مالك يابنتي وشك بقى كله احمر ليه .
اردفت ليلى بتوتر : مش عارفة، انا هاقوم اغسل وشي وانام.
ابتسم لها جمال : طيب تصبحي على خير .
هتفت ليلى وهي تغلق باب الغرفة : وانت من اهله .
وقفت خارج الغرفة تنظم انفاسها المضطربة اثر كذبها المتواصل على والد كريم، هتفت لنفسها : بدأتي تكذبي يا ليلى وكل دا خوف من فضحيتك .
*******************************
حاول رامي النوم ولكنه لم يستطيع، فتح نور الاباجورة الموضوعة بجانبه، وجلس نصف جلسة، وتنهد بضيق ثم هتف : اطلعي من دماغي بقى يا شهد، ياريتك ما جيتي ولا شوفتك تاني .
( فلاش باااااااك )..
اوقف رامي سيارته جنبا وترجل منها وتحدث في الهاتف : خلاص يا ماما فهمت، لو جوزها شوفته مكلموش، يالا اقفلي بقى علشان انا داخل على العمارة.
اغلق رامي مع والدته، ثم دخل العمارة وصعد اول الدرج، ونظر في هاتفه، وجد كثير من الاتصالات، وكانت من زوجته اميرة، ثم شعر رامي باصطدام جسد صغير به، رفع بصره وجدها فتاة، سبحان من صورها، ملامحها رقيقة، انفها صغير، فمها مكتنز، وخصلاتها السوداء المتمردة من حجابها، خمرية البشرة، انتبه اخيرا على صوتها .
_ انت يا اخينا هاتقعد كتير تتأمل فيا .
حمحم بحرج وقال : احم، معلش، اعذريني كنت باصص في التليفون .
_ لأ عادي، بس ابقى ركز بعد كدا .
ولمرة اخرى شرد رامي في ملامحها حتي انتبه لصوت ضحكتها مع فتاة اخرى .
_ دايما كدا يا شهد متأخرة .
ضحكت شهد : اه التأخير مرض فيا .
حدق في اثرها وغمغم : شهد .
رفع ابصاره للطابق العلوي، ثم صعد الدرج المتبقي و طرق الباب، مرت ثواني، وكانت سميحة تفتح الباب، دلف رامي وبعد السلامات والمحادثات البسيطة والسؤال عن حالها، والاطمئنان عليها، تفاجئ بنفسه يسألها : هي مين شهد يا طنط .
ضحكت سميحة : يووه، انت شوفتها .
ضيق رامي عينيه بتركيز وقال : اه تحت، كانت بتضحك ونازلة من هنا .
هتفت سميحة موضحة : اه اصلها رايحة المكتبه لعم احمد ، بتشتغل شغلانة خفيفة كدا علشان متحتكش بحسني جوزي، اصلها ولا بطيقه وهو ولا بيطقها .
ثم تابعت : هي كلمتك على السلم .
هز رامي رأسه بنفي واردف بحرج : اصل خبطت فيا على السلم وبعدها جت صاحبتها وضحكت معاها ومشيت .
ابتسمت سميحة : اه ملحقتش يعني تتعرف عليها، شهد دي شعلة نشاط وحركة، متعرفش تقعد هادية كدا ومطيعة، علي طول بتناغشك، هي من صغرها كدا،
ثم استطردت بحزن : انت عارف ابوها كان دايما يقولي شهد دي المفروض كنت اسميها في شهادة الميلاد
شهد الحياة .
باااااااااااك
عاد رامي من ذكرياته، ثم ابعد الغطاء وقام، ذهب نحو مكتبه وفتح درجه، ثم اخرج مجموعة اوراق، مكتوب بها بالخط العربي بحث كثيرا حتي رأها، اخيرا، الورقة التي كان قد كتب فيها اسمها، نظر لها وابتسم واردف بحب : شهد الحياة، واي حياة، الورقة دي كتبتها يوم ما روحت وشوفتك وكان وقتها من ٨ سنين، عمرك ما روحتي من بالي ولا ملامحك فارقتني ولا اسمك فارقني .
