رواية في قبضة الامبراطور الفصل الحادى والثلاثون31الاخير بقلم ميار عبد الله

        

 في قبضة الإمبراطور 

الفضل الحادي والثلاثون والأخير 

...........

الروح وصلت إلى حالة سلام


قلبها يتفجر بطاقة إيجابية لم تعلم أنه مكنون داخلها


الحطام الذى بداخلها تم ترميمه بفضله ، ابتسامة ناعمة كسولة تحتل ثغرها وهى تحدق فى النيل .. وعيناها تلمعان بعشق


لا ضباب .. لا جليد .. لا كتمان


تخلت عن رداء البرودة لتشعر بلمسات الهواء يداعب وجهها ويتخلل مسام جسدها ، هل سيحدث شيء إن رقصت على قارعة الطريق ؟


هل سيحدث شيئا؟! .. لا تعتقد ذلك  ... بعد ذهابها إلى المصحة لزيارة لحماتها .. رغم أنها كانت تشعر أن ضميرها الحي يمزقها لما فعلته بها .. إلا أن المقابلة وحديثها القمئ المستفز قضى على فتات الشفقة ، هى ليست المسئولة .. هذه نتيجة أفعالها .


سراج كان هادئا بعد عودتهما إلى المنزل .. دلف إلى غرفته وهي قررت أن تتركه ليختلى  بنفسه ، وحينما طال مدة خلوته .. نادته ليساعدها فى الطعام .. حسنا الرجل لم يرفض الدعوة حينما رأى ثوبها الذى قررته أن ترتديه برضاها ... ثوب جرئ من اختياره ...


الصمت تحول لحديث


الحديث كان دافئا حميميا .. جسده الذي كان يضم جسدها باحتواء


أذنيه التى كانت تنصت باهتمام دون تصنع


عيناه التى لمعت بشغف وعشق جارف جعل جسدها يرتجف ... وحتى الآن يرتجف لتفتح جفنيها بكسل وهى مستندة على الحاجز ، اليوم قررت أخذ سيارته الدفع الرباعية التي يتباهى بها وتركت له تلك الصغيرة حتى يقدر على الذهاب إلى عمله ، وهى ظلت فى مكانها المعتاد ...


تتخيل ردة فعله حينما يستيقظ ويرى أن الوحيد فى الفراش .. تاركة رسالة على الكمود تخبره أنها أخذت سيارته ولا يبحث عنها لأنها قررت أن تختلي بنفسها تلك الساعة قبل ذهابها إلى العمل ، حسنا تعلم أنه سيغضب وسيتحجج بمعاقبة من عواقبه التي تجعل وجنتها تشتعل من الخجل العذري .. كيف وهى حسنا كانت أرملة ؟!!


لا تعلم ... إجابة لن تجدها سوى عنده .


صوت ساخر صدح من خلفها


- يعني عايزة تقنعيني انها غلبانه


التفتت نحوه بلا مبالاة وهى ترى وجهه المرتسم عليه إمارات الغضب ، منذ أن أخبرته أنها ستذهب إلى المصحة وهو يتعامل بحدة .. أو ربما هو يتعامل بحدة من وقت أبكر ؟!!


تلاعبت أصابعها على الحاجز وعيناها تنظر إلى خاتم زواجها بنعومة ، لتهمس


- هيكون الفرق بيني وبينها ايه يا نضال ، لما ابقي زيها بالضبط .. انا كل اللي عايزاه اني اخد حقي من اللي عملته فيا


وقف بجانبها واضعا يده فى جيب بنطاله ، يحدق نحو اللاشيء ليقول بجمود


- يخسارة خططك يا اسرار ، بجد زعلت


التفتت اليه بجسدها وهى ترد بهدوء


- ممكن مخدتش حقى زي ما انا عايزة ، بس جالي تعويض .. اشارة وقفتني علشان افكر في اللي في ايدي واللي ممكن اخسره بعد ما انتقم


عض نضال على شفته حتى استحالت بيضاء ... انامله تقبض بقوة على راحة يده ، إن كان معه فرصة للعودة إلى السابق وإجبارها بكل قوة على عدم الزواج بسراج .. لفعل .. يقسم أنه لفعل


أصبحت أسرار غبية .. يرى عيناها اللامعة .. وسر اللمعة أن القلب هو الذى اتخذ دفته فى التنفيذ بالقرارات ، ابتسامتها الناعمة وتورد وجنتيها ... تبدو أفضل بكثير .. بصحة أفضل والأهم راحة كبيرة تغمر كل عضلة فى جسدها


ويقف هو أمامها كمسخ ... هى بكل تألقها وحيويتها وهو بروحه المضطربة وسواد يكاد يبتلعه


رغبة شريرة .. فاسدة أينعت فى ذهنه لطمسها ، غمغم بحنق


- علشان كده كنت رافض .. كنت بقولك اياكى ترتبطي بالزفت ده .. شوفتي ايه اخرتها


تعطيه ابتسامة أشدها تأثيرا على عقله المعطوب ... قلبه الساكن يعلن العصيان والتمرد وهو أكثر شخص قادر على إخماد شعلة مستعصية عليه ، وكلامها اللزج من مراهقتها تعود تتردد فى اذنه


- صدقني لو خيروني للمرة الثانية .. هختاره


رغما عنه أمسك عضديها بقوة واقترب منها صائحا بحدة


انفجار عظيم يندلع ويقتات منه ضمير ساكن ، حياته لن تعتدل حتى ولو بلغت روحه للحلقوم


- عملك ايه هو .. بصيلي وقولي .. عملك ايه هو علشان تنسي انتقامك


والكلمة التى لا يحب سماعها من أى شخص .. حتى من فرح ، قالتها هى ببرود وجسدها ساكن يتحداه بكل جنون كأنها تخبره " أرنى ما لديك يا ضعيف الحيلة "


- حبنى 


نبذها على الفور .. أطلق سراحها على الفور كأن هناك حشرة سامة أفرزت سمومها على جسده وخدرته حتى ما عاد يتحرك


حالته شبيهة بالثور الهائج .. ينفس عن غضبه بخطوات تكاد تلتهم ما أمامها ...ولا تبالغ فالكائنات الصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة تشعر بالخطر منه ، هو وحشا ضخما غاضب يدعسهم دون أن يشعر بهم ولا يستمع إلى صراخهم .


مرر أنامله بكل حدة على خصلات شعره والتفت إليها قائلا بحدة


-  شوفتي اخرة المشاعر يا اسرار .. شوفتي بتضعف وبتقتل ازاي 


هزت رأسها بيأس وهى تعود ببصرها نحو النيل ... وهو يستمر فى غضبه وإلقاء ما جعبته .. تعلم أن تلك الطريقة لينفس بها عن غضب مستعر بروحه .. ومن غيرها التى تعيث فى أرضه فسادا ، ابتسامة شقية تلألأت كما الشهب التي تنير بضوئها البراق فى السماء الحالكة


- قولتلك فوقي وبطلي أوهام الماضي .. متفضليش عايشة عليه 


همست ببرود شديد وعيناها تسقط على عليه بكسل


- لما الاقيك في نفس الوضع ده يا نضال .. هتعرف شعوري


غمغمت بهدوء مثير لأعصابه .. تستفز كل خلجة من الجزء الثائر منه والنيران لا تخبت


- لو خيروك بين عيلتك وبين انتقامك ... بلاش عيلتك .. شمس وانك تنتقم وهتخسر حاجه منهم هتاخد مين 


ملامحه أشبه بصخر جلمود لا تستطيع أن تتوغل إليه ، أخذت إجابته من قلبه وهي تهمس


- شمس مش كدا .. احنا للاسف لما بنحب بنحاول نسعد اللي نحبه ونبعد عنه أذى


هز رأسه نافيا .. أسرار فى أشد تألقها وبريقها إلا أنها تبدو ضعيفة ، ضعيفة وقوية فى آن واحد


همس بذهول


- عملك ايه سراج عشان تحبيه .. علشان يرجع قلبك اللي مات يحيى تاني


اجابته بهدوء


- نفس اللي بتعمله فرح معاك 


بدا عليه أنه غير مصدق ، وإن كانت أشد صراحة .. ناكرا ، قالت بنعومة


- حسسني اني ست يا نضال .. ان اقل حاجه ممكن تبسطني وانا معرفتش حياة من غيره 


ركل حصوة تعرقل طريقه ... وهو ينفجر صارخا فى وجهها


- كده انتي غلط .. انتي غلط  ، متجازفيش بمشاعرك .. احفظيها متأمنيش لراجل مهما كان


سألت بنبرة ذات مغزى


- حتي انت


صمت وصمتت هي ، أرخى رأسه وهو ينظر إلى الأرضية ... لا يقدر على الإجابة .. رفع رأسه وقال بجمود وكأن الرجل منذ قليل الذى صمت من محض خيالها


- الراجل هيستغل مشاعرك .. هيستغله وانتي زي الغبية هتوافقي وتستسلمي 


سألته بمراوغة


- وايه اللى خلى فرح تجازف وتحبك لأ وكمان مكملة معاك؟ ، نضال زي ما انت بتستغل الست .. الست بتستغل الراجل بردو .. متفتكروش ان اللعبة انتوا بتتحكموا بيها بأيدكم .. الستات بتحركوها زي ما انتو عايزين .. لأ ..لأ يا نضال انت للأسف رغم كونك تعرف ستات كتير موصلتش لدرجة الخبرة أو أقدر أقول انت متعرفش احنا ممكن نعمل ايه  


قرر أخذ هدنة من هجومه الضاري ... الحليف تحول لغريم .. يعلم عنه أدق كل شيء ... تستطيع أن تهجم عليه من ثغراته ، رفع كفيه في علامة للإستسلام وقال بنبرة جامدة


- فترة يا أسرار ... فترة وهنرجع نفس المكان نتقابل ونشوف وصلنا لفين


هزت رأسها ... نقطة نهاية السطر وهى ترى أن ما زال مستمر فى خسارة الجميع ، قال بنبرة ماكرة


- اشوفك في تجمعات الباشا فى بيته


وضعت نظارتها السوداء على عينيها وهمست بوداع


- سلام يا نضال 


راقبها وهى تصعد سيارة زوجها .. حسنا تلك المرأة لا يستهان بها ابدا .. مهما أظهرت من ضعف لكن بداخلها قوة .. قوة تجعل أعتى الرجال تستسلم من جبروتها .. ابتسم بخفة قائلا


- يناسبك ابن الحسيني فعلا


لمحته أسرار وهى تراه يعود إلى سيارته ، رفعت عينيها إلى المراة الجانبية وهو يلقى وداع قبل أن يتحرك فى الاتجاه المضاد لها .. ابتسمت بهدوء


- مهما بعدت الايام يا نضال ، هنرجع نتقابل


ثم انطلقت هى بطريقها قاصدة تلك المرة إلى ورشة زوجها !


****


تنهدت أسرار براحة وهى تترجل من سيارة زوجها ونظرت إلى سائق وقاص وهو يصطف بسيارتها القديمة الذى منعها عن ركوبها كونها مكشوفة ، ابتسمت بنعومة وهي تشكر السائق بامتنان ليقابلها رد هادئ من الرجل قبل أن يرحل ويستقل سيارة اجرة ...  رأت رجلا يتقدم نحوها لم يبدو غريب الملامح وهو يرحب بها بحفاوة


- نورتي يا هانم .. قوليلي اخدمك ازاي 


عدلت من ترتيب خصلاتها وهي ترفع نظارتها الشمسية عن عينيها لتقول


- عربيتي عايزاك تعمل check سريع عليها ، بقالي فترة مستخدمتهاش 


هز الرجل الكهل وهو ينادي صبيا لأخذ السيارة وقال


- عنيا يا هانم .. اتفضلي انتي وهروح أبلغ الباشمهندس


امتنعت بهدوء وهى تتجه نحو مكتبه


- لا هطلعله .. خليك انت متتعبش نفسك  


هم الرجل بالرد إلا أنه وجد نفسه وحيدا ، هز رأسه وهو يعود يشرف على الرجال فى الورشة .


طرقت على باب غرفته ثم فتحتها وهى تطل برأسها لتجد عيون تسلط عليها ، بكل برود دفعت باب الغرفة وهي ترى زوجها الذى توقف عن الحديث واصبح يراقبها بتسلية ... عيناه تفترسها مما جعل وجنتيها تتخضب بالحمرة ، قالت بنبرة سلسلة


- اسفه يا اساتذة .. موضوع هام وعائلى عايزة اناقشه مع الأسطى


اتسعت عينا الجميع إلا هو الذى يخفى ابتسامة شقية وعيناه ترسل رسائل وقحة لها ، ما إن شعر أن العيون تنظر نحوه ارتسم الجدية على وجهه وقال بجمود


- اتفضلوا يا باشوات نشوف المدام ومشكلتها العائلية ونكمل 


كانت تهز رأسها مع ترحاب الرجل وعيناها لا تستطيع أن تقتلعها من عيناه ، مغناطيس يجذبها إليه رغما عنه ، شعرت برحيل الجميع وإغلاق باب الغرفة


قام سراج من مقعده بتكاسل ... أسد يحاصر فريسة قدمت لعرينه ، تطاير وعيده حينما رآها جائت بقدميها إلى عمله ، سعادة غمرته كليا وطرد أى شعور بالضيق والحنق ...هبطت عيناه تلقائيا إلى بنطالها الأبيض الذى يضم ساقيها بكل حب ثم حذاء كعب عالى من اللون الأزرق ... تجهمت ملامحه للضيق .. سيتخلص من أحذيتها حتما ..


عقد ساعديه على صدره وقال


- انا ليه حاسس ان اللي حصل اتكرر قبل كده


ابتسمت بنعومة وهى تتذكر فى يوم حينما اقتحم غرفة الإجتماع مع العميل الذى كادت أن تركله خارجا ، هزت كتفيها وقالت بنبرة ماكرة


- خبطت الباب 


اقترب منها وهو يقول بنبرة هادئة


- اخدتي عربيتي 


لوت شفتيها بعبوس ثم هتفت بتسلية


- اها .. سبتلك الميني كوبر .. جميلة وهادية ومش بتعمل دوشة مش كدا ولا ايه 


هل تقلده وتسخر منه ؟ ... لولا أنهما فى مكان عمل وفى الخارج يعلم يتلصص عليهما بفضول ، همس ببرود


- وماله 


صاحت بضيق زائف


- اضايقت مش كدا؟! .. عادي .. اصل انا غيرت رأيي وقولت اخد الجيب ليا


اصبح واقفا أمامها ... بكل هدوء يقترب منها .. يميل برأسه نحو أذنها


- ميغلاش عليكي يا اسرار .. لكن السؤال الأهم بقى .. مراتي مشرفاني هنا بتعمل ايه 


تمتمت بحنق وهى تبعد من تلك الذبذبات التى شعرت بها ما إن اقترب منها


- عايزة اتغدى برا


همس بنبرة ذات مغزى


- هي الشكشوكة وجعت بطنك زي الفول


ترى لمعة عيناه وهو يشملها بنظرة تعلمها جيدا ... لم تتراجع بل وقفت أمامه بثبات شديد قائلة


- وجعتني


انفجر ضاحكا وهو يهز راسه يائسا ، ضم خصرها نحوه .. تستسلم بكل روعة أمامه وعيناها تزداد شغفا به ... لم يرى من قبل أنه يؤثر على إمرأة كما فعل ما أسرار ... كان كاذبا


تلك المرأة ليست ملكة الجليد


بل من صادقهن قديما فى أيام طيش شبابه كن باردات معه ، اهتممن فقط ما فى جيبه وليس به .


والسؤال يتردد ثانية .. لما هى دونا عن البقية ؟


صادقة معه ، لم يرى أن إمرأة تستطيع أن تقلب كيانه كما فعلت أسرار ، الإنجذاب الذي شعره فى بداية الزواج كان يعلم أنه لم يكن مجرد اشتهاء رجل لزوجته ... كلا كان أكبر .. وأعمق بكثير عن معرفته ، قبل جبينها بعمق وهمس


- المرة الجاية مش هحط شطة .. أوعدك


لكزت مرفقه بقوة وهو يرى اشتعال وجنتيها ، ابتعدت عنه وهي تهم بالرحيل إلا انه قال بجمود


- متمشيش تاني مرة من حضني انتي سامعة


كادت أن ترد بفظاظة إلا أنه أمسك مرفقيها وقال بنبرة حانية


- عيني لازم تشوفك أول ما اصحي زي ما بنام 


لم تجد ردا سوي أن تهز رأسها إيجابا أمام اصراره ، تنهد سراج بحرارة وهو يبتسم بدفء لتقول


- سمعت ان عثمان بيه وشيراز هانم هيسافروا برا علشان تتعالج 


رغما عنه لا يريد تذكر ما حدث ، وقرار أبيه المفاجئ للذهاب إلى مصحة خارج البلد .. تمتم بنبرة جامدة


- فعلا ... وحط شوية مساعدين علشان ينهضوا بالمؤسسة .. الموضوع الصراحة صعب للنهوض لكن منعرفش المستحيل في قاموسنا .. هتابع كل فترة كدا اخر التطورات 


إصرار ابيه على عدم وضع يده على حال المؤسسة يثير شكوكه ، لن يكذب أن المشروع الذي سينفذه مع الشريك ضخم .. سيعطيه التركيز بدلا من التشتت الذي ألم به ، لاحظ تصلب ملامح أسرار ليزفر بحرارة وهو يعلم ما يدور فى ذهن تلك الغبية


جذبها بقسوة لتصبح أسيرة ذراعيه ، اتسعت عيناها بدهشة نتيجة حركته المباغتة لكنه أخرس ما بلسانها حينما همس بخفوت كى لا يسمعهم شخصا فى الخارج


- اسمعي .. حقك واللي عملتيه كانت الضربة القاضية .. اهم حاجه ان نيران انتقامك هديت 


رأى الجمود الذي يزحف عينيها اللامعتين .. بريقهما يخفت وشفتيها مزمومة تعض باطن خدها ، احتضن وجهها بكفيه وهو يميل بجبهته على خاصتها قائلا


- أسرار .. انا لو كنت مكانك ما كنت هديت لحظة والإ انا اخد حقي  .. حطيت نفسي مكانك كتير .. حاولت كتير يا اسرار اعاقبك بس ده مقدرش 


انفرجت شفتيها وهى تخرج زفيرا حارا جعل سراج يغمض جفنيه وهو يتحكم نفسه بقوة بالغة .. اللعنة الجميع فى الخارج بإنتظاره ، يحاول كبح شياطينه الجامحة ليغمغم بحرارة


- انتي عملتي ايه فيا ؟


تمتمت بذهول وهى ترفع عيناها لتغوص فى عمق عينيه الدامس ، ظلام عينيه بهما شعلة دافئة تجد بها راحتها وسلامها


- انا ؟


زمجر بخشونة وهو يحفظ صوته خفيضا .. يداه تخلع وشاح رقبتها وأمسك بخصلات شعرها التى تتحرك بحرية ليحكم حريتهما بوشاحها ، عقدة سخيفة أفضل من لا شيء .. هبطت عيناه تنظر نحو جيدها ... تأفف بحنق وهو يقول


- ازاي خلتيني اتعلق بيكي بالشكل ده .. وقت غضبي وانا عايز اكلك بسناني مبقدرش حتى أذيكي


كانت تذكره بصفعه إلا أنه سبقها وهو يغلق الزر العلوى من بلوزتها


- مش هنكر ان فيه حاجات حصلت وانا مكنتش تحت السيطرة بس انا مبقدرش .. دموعك غالية عندي


اشتعلت عيناه حينما رأى أنه أبرز مواضع انوثتها ليزفر بحرارة وهو يخلع سترته ويلبسها اياه وهى وقفت أمامه ساكنة تسمع شتائمه البذيئة تخرج على ثيابها وعلى حذائها وبنطالها ثم انتقل الي شعرها حتى انتهى به الأمر إلى جسدها ، نظر باستحسان بعد أن أغلق السترة والجزء العلوى تم احتشامه ..هبطت عيناه الى ساقيها ليزفر بحنق هل يجلب الأن كيس اسود ليغطيها كليا ؟!!!


تنهد بحنق وقال


- تقدري تقوليلي سبب تشريفك لمكتبي اللي هو لأول مرة برضاكي تيجي


كانت عقلها شل على ما فعله منذ قليل ، استسلامها رغبة لرؤية غيرته التى تعجبها ... لا تصدق أى عقل هى وهى أى سذاجة تلبستها للسماع إلى غمغماته الحانقة على ما ترتديه ، ابتسامة ناعمة تزين ثغرها قائلة


- بصلح عربيتى


ضيق عينيه وسأل


- المكشوفة


- هى


ابتسم بجفاء وقال بنبرة ساخرة


- ده انا هخليهم يتوصوا بيها توصية جامدة 


تحاول تمنع قلبها المراهق من أن تميل بأنفها نحو سترته لتشم عبق رائحته الرجولية .. تعلم أن تلك الطريقة ليمنع من انتشار رائحتها العطرية أمام من تتعامل معهم فى عملها وبالأخص إذا ما اقترب منها رجلا


تمتمت بجدية وملامحها الناعمة قد استحالت إلى صخر جلمود


- لو حصلها خدش مش هرحمك يا سراج 


زوجته تهدده بسيارتها اللعينة المكشوفة ، ابتسم بمشاكسة


- احبك وانت شرس كدا في الشغل .. تقعدي في المكتب لحد لما اخلص ونتغدى برا


نفت قائلة وهي تنظر إلى الوقت من ساعة معصمها


- للاسف هرجع الشغل .. بعد ما يخلص ميعاد شغلي ممكن نخرج


حذرها بعيناه إن خلعت سترته أو تركت شعرها منسدلا على ظهرها ، قابلت عيناه التحذيرية بمشاكسة وغمزة من العين جعلته ينفجر ضحكا ليهمس


- ماشي يا اسرار حسابنا في البيت 


خرجت من الغرفة بعد وعيد لذيذ من زوجها ... تخضبت وجنتيها بالحمرة وهى تهرول خارجة من المكان قبل أن تغير رأيها وتجلس منتظرة إياه فى غرفة مكتبه الخاصة ، رنين خاص يعلن رسالة من زوجها... فتحتها سريعا وهى تنهش الحروف نهشا حتي انتهت من قراءة الرسالة ، المجنون يريد قضاء العشاء فى المنزل بدلا من الخارج وأن عليها أن تستعد بعد ساعتين للعودة إلى المنزل ، تمتمت بهدوء


- للاسف يا زوجى العزيز ، أسرار مش هتقبل بأمرك


إما العشاء فى الخارج أو سـ تبيت فى منزل وقاص .. بعثت الرسالة لتتفاجأ به يقول بخشونة " أقسم لك لو عقلك وزك يا أسرار تباتي هناك .. هكسرلك رجلك عشان متروحيش فى حته وتقعدي في بيتك "


لم ترد .. ستتركه يحترق ببطء ..وبالنهاية طلبها سينفذ فى النهاية وسيستسلم راضخا .


مهما بلغ قوة الرجل ونفوذه ودهائه


إلا أنه لن يصل مقدار ذرة إلى عقل المرأة .


****


- انت شايفة ان الاحمر وحش يعني


تمتمت بها فريال وهى تنظر نحو المجلة المعروضة أمامها فساتين من قبل مصمم مشهور فى الوسط الاجتماعى ، رمقت رهف بضيق نحو الفستان الذى لقى إهتمام بالغ من فريال .. كم تود وجود شقيقها حتى يتعامل معها ، تمتمت بحنق


- مقولتش انه وحش .. قولت انه مكشوف 


عادت فريال النظر نحو تصميم الفستان ، يبدو قصيرا من الأمام فقط .. عاري الظهر .. ومكشوف الذراعين ، أين المشكلة إذا ؟!!


غمغمت فريال بحنق


- مش مكشوف


رفعت رهف كفها وصاحت باعتراض شديد


- لا مكشوف وعريان يا فريال .. وانتي عارفة وقاص بيتجنن لما بيشوفك لابسة لمؤاخذة بكينى  


تحاول فريال كبح إبتسامة شقية من الظهور .. تسللت الإبتسامة رغما عنها وهى تجيب بلا مبالاة


- الله انا في بيت جوزي وحرة .. لو ملبستش ده في البيت البسه فين يعني


صمتت رهف وهى تغمغم بقلة حيلة


- وجهة نظر


رمت المجلة ألقتها بلا اكتراث لتقترب فريال من رهف الصامتة .. التى تتخذ ركن منزوى عن الجميع منذ قرارات القرصان التى كانت كـ فرمان غير قابل للنقاش أو التفاوض ، قالت بجمود


- علشان تعرفي ان الرجالة كلهم كدا .. يبصوا عليكي ويتأمل كل تفصيلة فى جسمك  وميسمحش لراجل تاني انه يشوفه


تمتمت رهف بهدوء ..تعلم جنون زوجة شقيقها وأفعالها المتهورة


- ما هو من حقه .. انتي بتقولي كلام غريب


هزت فريال رأسها نافية وهى تقترب منها قائلة بنبرة ذات مغزى


- لا .. لما تلاقيه متحكم فيكي وهو لسه حتي مش خطيبك 


عبست ملامح رهف ورفعت بعيناها تستفسر ببلاهة


- قصدك ايه ؟


اقتربت من رهف هامسة ... وكأنها تفشى بسر حربى خطير يهدد سلام دولة


- يعني الرجالة اللي زي دي .. واسمحيلي اقولك ذكور اه مش رجالة .. يعينك ويفصفص كل حاجه فيكي ويقول حقه ولو حد تاني بس شاف نظرة بريئة يهد المعبد باللي في فيه


رفرفت رهف بأهدابها وزحفت الحمرة إلى وجنتيها وهى تعلم إلى ما ترمى بالحديث .. غمغمت بتلعثم


- هو غيران بيكون


تنهدت فريال قلة حيلة وقالت بحدة


- ما انتي مصحصحة اهو .. اومال عاملة نفسك عبيطة ليه مع ابن الشامي


صاحت رهف وهى تغلق أى حوار دائر حول ذلك الرجل


- فريال .. بصي ابعدي اي موضوع عنه .. مش كفاية ان وقاص رجعني الكلية تاني


أمسكتها فريال بكلتا ذراعيها وقالت بصلابة


- اجمدي يا رهف .. انتي كويسة .. صدقيني في يوم الكوابيس دي مش هتزورك تاني


هزت رأسها والمرارة فى حلقها جعلها تبتلعه بصعوبة ، كطعم حنظل لا يغادر ذلك الطعم فى حلقها .. ابتسامة مهتزة أهدته لفريال هامسة


- بتمني كدا 


همت فريال بالتحدث إلا أن صوت قرصانها القوى جعلها تستجيب لندائه


- فريال 


- نعم 


انتفضت من مقعدها وهي تلحق بقرصانها ، عدة خطوات خطتها قبل أن تعود نحو رهف قائلة بجدية


- اختاري فستان لحد لما ارجعلك


هزت رهف رأسها بسخرية ، تعلم أنها لن تأتى .. ربما لليوم الثاني ستصاب بنوع من فقدان الذاكرة حتى تعود لطبيعتها الجامحة ، تمتمت بلا مبالاة


- تمام


كان قلبها ينبض بقوة وإثارة ، ترى متى لم يناديها .. بل يعلن القرصان عن عدم إحتماله للهجران ، دلفت إلى حجرة نومهما وهى تراه كالليث الحبيس في قفص مقيد لحدوده ولحريته .. أغلقت الباب خلفها وهى تسير على أطراف أصابعها كى لا تزعج القرصان الثائر


- خير


تشرفت أخيرا الساحرة أن تزور جناحهما بعد أيام مجنونة وهو بالكاد يرى شبحها فى كل ركن من المنزل ، سيتقص من عائلتها حتما ، غمغم بصرامة شديدة


- علشان اكون صريح ودماغك اللي أنا حافظها .. اي حاجه مجنونة قررتي تعمليها وقت الفرح اقسملك بالله مش رجلك مش هتعتب برا الاوضة


لهجة رجل لا يقبل التفاوض ، ولا يقبل سوى بالرضوخ ... كما رأته أول مرة .. يشعل بها التحدى والمغامرة فى الخوض لتلك التجربة المجنونة لترفع برأسها وتقف أمامه بتحدى ...هى وهو


وأى حكم سينفذ ؟!! ... هى أم هو !!


نفضت كل ما دار برأسها وهى تقترب من قرصانها بخطوات مدروسة ... إن كان هو القرصان فهى الساحرة التى سلبت لب عقله ، لفت ذراعيها حول عنقه وهى تميل بشفتيها نحو أذنه هامسة بحرارة أضرمت النيران فى جسده


- بحب غيرتك جدا


صمتت للحظات .. تميل بأنفها لتحتضن عنقه .. حماية وقوة تجدها دائما بين ذراعيه ، والأهم من تلك مشاعر الأنثي الخجولة وكأنها عذراء بين يدى حبيبها وزوجها ، يزداد قلبها فى الاضطراب بل يكاد يتفوق المضخة الثائرة التى تنبض فى صدر زوجها


- بفرح زي العبيطة من غيرتك .. هو انا طبيعية


همست بها بذهول واناملها تمرر بحنان على خصلات شعره ، والقرصان .. حاله لم يكن أفضل منها


سرقته .. خطفته .. بسحرها وبهائها


بمشاكستها وخجلها رغم مبادرتها بالجراءة


زفر بحرارة والأنفاس الحارة تتصارع بجنون


كل ما يموج بداخلهما يخرج عن السيطرة


همس بحرارة


- انتي خليتي حد طبيعي يا فريال لما جيتي 


والنيران التى بداخله يخبتها بقوة ، أعاد الجدية والخشونة فى صوته جعلتها تغمض جفنيها مستعمة إلى صوته ، جسدها يقشعر بجنون من نبرة صوته


- وبعدين تعالي هنا .. شغالة تقولي لي انا عايزة بيبي ومش شايف منك أي مبادرة


فتحت عينيها على اتساعهما ، هدأت الحالة الناعمة لتبتعد عنه مزمجرة بسخط


- هو انت كمان عايزني ابدأ .. اومال الراجل يعمل ايه يتفرج مثلا 


ابتسم وقاص بجفاء وقال بتحذير


- لسانك اللطيف ده لميه علشان مقصهوش 


وهل ستهدأ الساحرة ، وضعت كلا يديها على خصرها وصاحت بتحدى


- قصه يلا ... وريني يا ابن الغانم هتعمـ....


ابتلع باقي جملتها الرعناء وهو يلف جسدها بقوة ، يلفها فى عناق خشن جعلها تلف ذراعها حول عنقه مطالبة بالمزيد ، ابتعد بحرارة وأنفاسهما تتباريان في سرعة مهولة


لمس وجنتها بإبهامه ليقول


- انتي مش قدي


عضت على شفتها السفلى وهى تبتسم بثقة ويدها تمرر على صدره بنعومة وببطئ


- ولا انت قدي 


ابتسم وقاص وقال


- يعجبني فيكي ثقتك


- ويعجبني فيك غرورك


قبل وجنتها بعمق ثم همس بسخرية


- متجيش بعد كدا تشتكي مني وتقولي انا اللي بقصر 


تعلم أنها تقصر معه ، لكن رغما عنها ، لمعت عيناها وهي تنظر إلى عينيها التى يختصها بها


أنها المرأة الوحيدة التى يراها فى الكون فقط


غمغمت بجدية


- انت عارف ترتيبات الفرح بياخد وقت ومجهود كبير .. مش مجرد فستان وطرحة 


تنهدت بحرارة وهى تشرد قليلا عنه تسند برأسها على صدره ، ويداه تشتد بقوة وترتخي بين حين وآخر ، يخبرها أنه هنا .. وسيظل هنا


همست فريال بعد فترة من الصمت


- وقاص .. بتحبني 


قبل جبهتها وهو يرد بهدوء


- القرصان بيغرق يا ساحرة .. بيغرق من سفينته وملقاش غير ايدك هي اللي نجته ووصلته للشط


انحدرت الدموع وهبطت إلى نسيج قماشه الذى إمتصها بكل هدوء ، كما يفعل هو معها .. يستطيع أن يمحى الدموع من عيناها


استرسل وقاص وهو يرفع رأسها لينظر نحوها 


- شط امان يجمعنا .. يخلينا نسي كل اللي فات ونفكر في بكرا


تمتمت فريال بنعومة وهى تزيل دموعها العالقة من أهدابها


-وقاص انا قولتلك كام مرة اني بحبك 


اصطنع وقاص التفكير ثم قال بجمود


- مش كتير الحقيقة 


لكزته على ذراعه وقالت بحنق


- بطل بقي 


كادت أن تبتعد عن ذراعه إلا أن أعادها إلى موضعها الأصلي ، ليقول بحدة طفيفة


- متقطعيش اللحظة 


صاحت فريال بحنق ، وهي تراه يلقى اللوم عليها بعد ما حدث


- انا اللي قطعت ولا انت بكل غـ...


هز وقاص رأسه بيأس هامسا


- مش بتسكتي يا فريال ابدا


أفرض القرصان سطوته وكل جبروته لإصمات الساحرة


وهى ثوانى فقط قبل أن ترحب ساحرته سطوته بترحاب صدر .


*** 


علاقتها بعد تلك المواجهة الأخيرة


نأت بنفسها عنه .. تهتم بالصغيرة التى تهمس بتعثر وكلمة وحيدة تقولها " بابا " تجعلها تجيب حسرة " بابا لا يريد أن يطرد أشباحه صغيرتى " ، تخشي هى من شيء واحد فقط


ماذا بعد كل ما تفعله ولم يجدي تأثيرا ؟


هل ستتابع فى هدر كرامتها


ليعود عقلها ساخرا ويرد بسخرية "أنت من ارتضيتِ ذلك الطريق ، ما لك وما رداء الكرامة الذي دهستيه بقدمك "


والقلب المتألم يريد أن يداوي جروحه ، هل ستصل معه يوما إلى طريق مسدود


ستتوقف عن الركض خلفه ومحاربة أشباحه ، هى تشحذ كل طاقة فى إخراجه من قوقعته وهو لا يعطي أى إشارة أو مساعدة قط !!!


فاقت من شرودها على صوت مارية التى تصرخ على الهاتف ، وها هى تلك تريدها أن تكون وصيفة عروس فى زفافها ، ماذا سيقول عنها ؟!


غريمتها هي صديقتها !!!


تمتمت فرح بعدم اقتناع


- انتي مجنونة ولا مجنونة 


تنهدت مارية بقلة حيلة


- بقولك ايه .. مش بهتم بكلام الناس .. اول واحدة الاقيكي موجودة فى الاوتيل فاهمه


جلست فرح على المقعد بتهاون شديد وهمست باعتراض 


- لا طبعا .. لما حد يسالني عنك وانا شايلة بنتك هتقولي ايه


أجابت مارية بكل هدوء


- انك صاحبتي يا فرح ولا...... انتي شايفة غير كدا؟!


عضت فرح على شفتيها ندما .. إحباطها لا تريد أن توجهه للعروس ، همست بندم


- انا مقولتش حاجه لكن ...


اقتنصت مارية ترددها وقالت بجمود غير قابلة للنقاش


- من غير .. بطلي رط كتير و تعالي يلا ساعديني فى يوم فرحى


هزت رأسها وهى تعبث بخصلات شعرها لتهمس بقلة حيلة


- ربنا يسهل


انفجرت مارية بالضحك وصاحت بمشاكسة


- هجيبك من البيت وهشدك من شعرك 


تأففت فرح بحنق وقالت


-  خلاص قولت ربنا يسهل


ابتسمت مارية بنعومة وهمست  


- اشوفك يا فرح 


أنهت فرح المكالمة سريعا وهى تخرج من الغرفة نحو الصالة لتجلس على الأريكة بحنق ، استمعت إلى نبرة الخادمة تقول


- اي حاجه تاني يا مدام فرح .. اعملهالك


كادت أن تجيب إلا إنها سمعت قرع الباب ، زفرت بحنق وهي  تهمس للخادمة قائلة


- تسلمي يا سنية .. شوفي بس مين اللي على الباب ، وان شاء الله اشوفك في ميعادنا


اسرعت الخادمة تتجه نحو الباب وفرح تعبث بخصلات شعرها بملل ، صاحت الخادمة بعد أن فتحت باب المنزل إلى ربة عملها 


- ده دليفري السوبر ماركت 


هزت فرح رأسها دون أن تنظر للباب وقالت بهدوء


- حطي الحاجات على رخام المطبخ وهفضيه بعد شوية وتقدري تروحي علشان متتأخريش


كانت تشعر بخطوات المرأة وهى تتجه نحو المطبخ لتعود بعد ما انهت مهمتها الاخيرة ، غمغمت بالوداع وفرح تكتفى بهز رأسها ... لثوانى انتظرت سماع إغلاق باب المنزل .. عقدت فرح جبينها وهى تدير برأسها صائحة


- سنية الباب متقفلش ...


ابتلعت باقى كلماتها حينما وجدته واقفا عند مقدمة الباب... عيناه بهما حريقا هائلا وتذبذبات جسده تصلها ... جف حلقها وهى تستمع نبرته الساخرة


- اه ما انا اللي جيت


وصل حينما وجد رجل التوصيل يتجه نحو المصعد الذي خرج منه لثوانى .. لم يجد بدا سوى أن يقترب ويراها من مقدمة باب المنزل .. كانت تلعب بخصلات شعرها بلا مبالاة ... هل رآها ذلك الحقير هكذا ؟!!


ازداد عيناه قتامة حينما نهضت من من الأريكة ليمشط بعينه ثيابها ..... ما الذي ترتديه تلك المرأة ؟!! ألم تجد شيء أقصر وأقل احتشاما مما ترتديه ، بداية من منامة قطنية مكشوفة الذراعين وبنطال قصير بالكاد يصل بداية فخذيها ، صاح بحدة


- رايحة فين


التفت إليه بجنون .. تحدق إلى المسافة التي تفصلهما ، غمغمت بسخرية


- هو انا كل ما اروح فى حته استأذنك مثلا 


انتفض جسدها من إغلاقه للباب بعنف شديد ، سارعت بالذهاب نحو المطبخ وخطواته التى تنهب الأرض نهبا إقتربت نحوها وصوته الهادر يصرخ


- انتي عايزاني ابقي معاكي بالوش التاني ليه


تلمست الرخام البارد وهى تشحذ بطاقتها لتقف بمواجهته التى تقضي عليها تماما حتى تتركها خاوية بالنهاية


- لا اول ولا تاني يا نضال .. انا مش عايزة حاجه 


صفق نضال بيداه وقال بحدة


- المحاربة اخيرا استسلمت


طرقت فرح رأسها أرضا .. ونضال يقف أمامها يكاد يهزها لتجيب على سؤاله .. هل استسلمت ؟! .. سمع نبرة غريبة فى صوتها


- استسلمت فعلا .. مش خوف منك لأ .. لأن مفيش فايدة باللي بعمله 


رفعت عيناها وهي ترى الركود فى عينيه، زفرت بحرارة وهي تقول


- مفيش اي فايدة اطلاقا ..اتعب نفسي ليه .. زي ما عشت معاك في الاول اقدر اعيشه من تاني لكن الاختلاف بقي ..


وصمتت لتجد عيناه تضمران بهما النيران التى خبتت منذ قليل ، النيران عادت فى الإشتعال وهو يسمع إلى نبرتها الجادة الحازمة


- مش وقت ما تعوزني هكون متاحة .. لأ بمزاجي .. إلا بقى لو حابب تاخدني غصب يا نضال دي بقى حاجه تانيه


عيناه شملت جسدها صعودا وهبوطا مما مد الحرارة فى جسدها ، ساقيها تهاونت أمامه وهو تسمعه يصيح بحدة


- كلام جميل .. لا جميل .. ويا تري الهانم مجهزة اللبس ده علشان هي عايزاني بمزاجها ولا....


ترك باقى عبارته معلقة كما فعلت منذ قليل ، جعلها ترفع حاجبها هامسة


- ولا ايه ؟


تمتم بحدة


- بتستعرض جمال نفسها قدام الناس 


عبست فرح لثوانى وهى تحاول أن تفهم ذلك الرجل ، أى جمال هى تستعرضه وهى تبقى وحيدة فى المنزل مع الخادمة وشمس


- قدام ناس مين .. انا مش بنزل بالشكل ده ولا قابلت حد غريب ... 


ابتلعت عبارتها وهي تتذكر وجود رجل التوصيل ، همست بخفوت


- انت قصدك على الدليفري 


ابتسم نضال بإقتضاب


- ما انتي بتفهمي اهو


كانت فى طريقها للتبرير والدفاع عن نفسها ، إلا أنها عدلت عن قرارها فى آخر لحظة


- انا مفتحتش الباب ثانيا انا ... انا ببرر موقفي ليه ، عايز تشك فيا دي حاجه ترجعلك


قاطعها صائحا بصرامة حينما بدأ صوتها يعلو عليه  


-  اتعدلي وانتي بتتكلمي معايا 


عقدت ذراعيها على خصرها وهي ترفع حاجبها بحنق جعله يقترب منها هامسا بخشونة


- انت عارفة انا ساكت ليه كل ده


رأى الأهتمام من عيناها .. ليتابع هامسا وهو يلمس شفتيها بحسية


- علشان عارف ان دول .. مجرد ولا حاجه .. كأنه هوا 


زفرت فرح بحرارة وهي تحاول أن تبتعد عن حصاره الذى يهددها جسديا وعاطفيا ، سمعت صوته الأجش يقول


- زي الشاطرة كدا متتكلميش غير لما تاخدي بالك من اللي بتقوليه .. متعتمدبش ان سكوتي اني مش عارف ارد لأ 


ازدردت ريقها وهي ترفع عيناها لتقابل عيناه المشتعلة بالرغبة لتهمس بضعف


- وايه اللي مانعك 


هز نضال رأسه وقال بجمود


- تقدري تقولي مشفق 


زفر نضال وهو يبتعد بكل برودة أعصاب بعد أن أتلف أعصاب تلك الصغيرة التي بالكاد تقف على ساقيها ، غمغم ببرود


- الحاجات اللي زي ده مشوفش انك لابساها قدامي ولا قدام حد .. الصراحة اصل انا مش ملاك .. انا انسان وحاجات زي دي بتضعفني وانا ممكن اعتبره مجرد دعوة بسيطة علشان أقرب ولو وقعتي تحتى مش هرحمك


اشتعلت عينا فرح بجنون وهي تدب بقدمها على الأرضية قبل أن تغادر من المكان وصوت نضال الساخر يطن أذنيها


- يلا يا قطة خدي بالك .. متخربشيش باب انتي مش عارفة ورا الباب ايه 


تكاد أن تقلع خصلاتها من جذورها وهى تصيح بحنق


- مستفز


لا فائدة منه .. لا فائدة .


*****


تأملت المنزل الذى سيصبح منزلها حتى أيامها الأخيرة


بعيدة عن الموطن


بعيدة عن المجتمع البراق


بعيدة عن كل شيء ... تخلت عن كل شيء حتى تكون بين أحضان زوجها


استمعت إلى نبرة عثمان الدافئة


- نورتي يا شيراز 


لا وجود للذكريات هنا .. كل شيء هنا بارد .. مقفر .. خالى من المشاعر الدافئة !!


منذ متى كان منزلها القديم ملئ بالمشاعر الدافئة ؟!


تمتمت بنبرة باردة وعيناها تحدق على ركن .. تحاول أن تعتاد على منزلها الحالى


- المكان غريب 


أغلق عثمان باب المنزل ثم تقدم نحوها وهو يدس يديه فى جيب بنطاله قائلا


- هتتعودي عليه .. الانسان لازم ياخدله فترة ويتعود على العادة الجديدة اللي اكتسبها


اختنقت أنفاس شيراز .. ودموعها مهددة بالانهيار .. سحبت نفسا عميقا وزفرته على مهل لتقول


- اديتني ايدك يا عثمان وعمرى ما هنسى ابدا 


ثم التفتت إليه وقالت بنبرة جاهدت فى أن تصبح صلبة


- شايفاك وانت كنت منحاز ليها .. من غير ما تتكلم بس انا عارفة عيونك وايه اللي بيدور جو عقلك يا عثمان 


نكست رأسها وهى تتخيل أن الجميع أصبح منحاز لها  .. تركوها بمفردها .. وحيدة ، تمتمت بسخرة


- سحرت عيلة الحسيني من أكبرها لأصغرها يا عثمان 


غمغم عثمان بصلابة


- قولنا ايه 


ارتمت بوهن على أقرب مقعد .. الجو البارد يزحف نحو أطرافها ليصبها بالشلل


- انا مش متخيلة انى مش هشوف ابني يا عثمان ، ابني اللي اتبقالي من دنيتي


هز عثمان رأسه يائسا ليقول بنبرة صلبة


- الباب اهو .. لو خرجتي منه يا شيراز مش هتدخليه تاني ولا تستني مني حتي انى هسمعك


رفعت شيراز رأسها وتمتمت بذهول


- هتتخلي عني ؟


أومأ برأسه وهو يقول بصلابة


- زي ما انتي انانية .. انا كمان اناني .. صدقيني وانا بقولك اهو  مش هسمعك حتى .. و متستنيش ان ابنك يقف في صفك كتير وهو شايف ان مراته بتتبهدل منك للمرة الثانية


صمت للحظات وهو يرى دموعها التى تسقط على خديها ، حارب بكل صعوبة وهو يقول بسخرية


- وتتبهدل ليه .. مظنش انها هتسكتلك .. عايزة تحاربي حاربي يلا علشان تكوني خسرتيني انا وهو 


هزت رأسها يائسة وهى تصيح بحدة


- انا قولتلك انى مش هرجع


غمغم بجفاء


- هنشوف


حتى الآن لا يصدقها .. تعذره .. لكن هى ليست غبية حتى تخسره هو ، حبيب الروح لا تريده هو الآخر خسارته ، استقامت من المقعد وهى تقترب منه لتضع يدها على ذراعه قائلة


- انا وعدتك اني هفضل معاك .. مش هتحرك من هنا الا وانا راجعة مصر بكفني


بللت طرف شفتها وهى تهمس بمرارة 


- زي ما هي قررت تعيش مع ابني وهو متمسك بيها .. مش هقدر اعمل حاجه ، خلاص زمني راح 


ابتسم عثمان بجاذبية وهو يضم جسدها إلى ذراعيه ليهمس بشقاوة


- هنرجع ايام زمان قبل ما ندخل في دوشة العيال 


ابتسمت شيراز وهي تدفن وجهها فى صدره لتمتم


- انا اسفه


قبل جبهتها بحب ، وهو يلف ذراعيه حول جسدها ليقول


- الاعتذار ده المفروض مش مني .. يكون ليها 


رفعت رأسها لتنظر إلى عيناه .. عيناه التى ورثها سراج منه ، غمغمت بهدوء


- تفتكر 


هز عثمان رأسه ثم قال


- الماضي صعب نصلحه .. لكن نقدر نتجاوزه 


عادت تدفن وجهها فى صدره هامسة


- عندك حق     


الجميع سيتجاوز الماضى .. عاجلا أم آجلا سيتجاوز الجميع الماضي


الأهم هو يكون بجوارك .. يساعدك على التخلص من أشباح ماضيك .


****


ابتسامة عاشقة تزين ثغرها وهى تتحرك بكل غنج على فراشها تستمع إلى صوت حبيبها ... وجنتيها تشتعل خجلا من كلماته الوقحة


بل يذكر تفاصيل مخجلة لما سيفعله بالتفصيل حينما تصبح فى قبضة يده.


قلبها يخفق بجنون .. الأيقاعات تتضطرب فرحا وسعادة وهى لا تصدق أنها ستكون معه غدا ... سترتدى الفستان الأبيض له .. تلعن غبائها على حياتها الماضى وإندفاعها المتهور على قراراتها المخجلة .


استمعت إلى نبرة ماهر الأجشة


- كلها كام ساعة وهتقعي تحت ايديا


اضطربت أنفاسها وهى تزفر بحرارة ، تستمع إلى أصوات أنفاسه عبر الأثير لتهمس بخجل


- المفروض اخاف مثلا يا ماهر


انفجر ماهر ضاحكا وهو ينظر نحو سقف غرفته ... يحمد ربه أن الفتاتين لا تزعجانه وكلاهما مشغولتان بترتيبات الزفاف ، همس بحرارة


- احسنلك تخافي .. لازم تخافي لأني هطلع القديم والجديد عليكي 


عضت على شفتها السفلى بخجل وهى تقول بمشاكسة


- انا ممكن اغير رايي


ازدادت حدة أنفاسه والصمت ران بينهما لثوانى قبل أن يصيح ماهر بخشونة


- غيريه يا مارية لاني هجيلك واخليكي تعرفي ان الله حق


تهديده جعلها ترتعش إثارة ، همست اسمه بغنج


- ماهر 


تنهد ماهر بحرارة وهو يمرر يده بجزع على خصلات شعره


- اسيبك تجهزي وهشوفك بكرا يا عروسة


أغلقت المكالمة وهى تتنهد بعمق ، عيناها غائمة بالحب وهى تدس بوجهها فى الوسادة .. انتفضت بقوة على سمع رقع باب غرفتها ، انتفضت من فراشها وهى تنظر إلى ثيابها المحتشمة ، هل وصلت شقيقتها ؟!


فتحت باب غرفتها وهى ترتسم ابتسامة واسعة سرعان ما انمحت حينما رأت حماها أمام باب غرفتها ، ازدردت ريقها بتوتر وهى تفسح مساحة له لتهمس بتلعثم


- اهلا يا انكل .. اتفضل 


دلف إلى حجرتها ثم جلس على المقاعد القريبة وطلب منها أن تترك باب غرفتها وتتقدم إليه ، استسلمت صاغرة وهى تجلس بخجل امامه والشعور بالضآلة يكتنفها وهى تسمعه يقول


- طبعا اتفاجئتي بوجودي .. بس كده افضل علشان ناخد راحتنا في الكلام 


ارتبكت مارية وهى تشعر أن ما ستسمعه لن يسرها إطلاقا ، غمغم بصلابة


- اسمك هيرتبط بإسم عيلتنا يا مارية .. متعرفيش حالة ماهر كانت عاملة ازاي من كام سنة وهو شايف انه خسر حبه 


قاطعته مارية بلهفة ونبرة صادقة تخرج من أعماقها


- اوعدك اوعدك عمره ما هيندم ..انا خسرت كتير لما مشيت بعقلي .. كتير جدا ، المرة دي ماشية بقلبي .. عمري ما اخدته علشان هو بيحبني لأ .. انا اختارته علشان انا من غيره ولا حاجه 


هي بالفعل تريد تعويضه على تلك الأيام .. تريد أن تعوض حياتهما السابقة


غمغمت باختناق وهى تمرر يدها على عنقها


- دافع عني كتير .. حماني كتير وانا زي كأن في غشاوة على عيني .. بس لما بعد عني .. بعده موتني مقدرتش استحمل وجيتله 


تخضع تحت فحص نفسي وهو يتأمل كل انش فى تعابير وجهها ، استقام من مقعده وهو يضع يديه فى جيب بنطاله قائلا


- تمام .. كلامك ده زي عهد في رقبتك ليوم الدين ، الف مبروك


ابتلعت ريقها وهى تهمس بتوتر .. ما زال استدراجه لم ينتهي


- الله يبارك فيك 


ابتسامة دافئة وجهها لها ، كعلامة أمل وهو يقول


- اسيبك تجهزي قبل ما البنات تصدعك .. خدي راحتك


انشرحت أساريرها وهزت رأسها لتهمس بامتنان


- شكرا 


أوصلته إلى باب غرفتها ثم عادت بإغلاقها وهى تنظر إلى الساعة ... لقد تأخرت شقيقتها عن القدوم ، توجهت سريعا نحو غرفة النوم وهى تبحث عن هاتفها بتعجل ..


أمسكت بالهاتف اخيرا وهي تتصل بها ، رنين طال حتى استمعت إلى صوتها الهادئ ، صاحت مارية بحنق


- فينك يا آسيا .. لحد دلوقتى مجيتيش ليه


مطت اسيا شفتيها وهي تنظر إلى المرآة امامها ، تعدل من خصلات شعرها السوداء لترد ببرود


- عندي شغل للاسف


تنفست مارية بحدة وهى تنفجر فى الهاتف صارخة


- يعني ايه عندك شغل 


رشت اسيا عطرها بإسهاب ثم عدلت حمرة شفتيها المغويتين لتقول


- انتي عارفة غصب عني يا مارية ، ههحاول اخلص واجي


وما إن استمعت إلى صرخة مارية ،أغلقت الهاتف نهائيا وهى تنظر إلى المراة بثقة ... ألقت قبلة عابثة وهى تلتفت تأخذ حقيبتها لتخرج من الإستراحة النسائية .. كعب حذائها يطرق على الأرضية المصقولة وهى ترى بعض نظرات الرجال الراغبة بل يديرون بعنقهم ليروا خصرها الدقيق وهو يتحرك بدلال ومنحنيات جسدها الساحقة ، وما تفعله هى إلقاء ابتسامة ساحرة لتتلظى نيران الرغبة فى احشاؤهم ، رأت الرجل الذي يحمل بطاقة باسمها اقتربت منه وهي تلقي تعريفا عن نفسها


لثواني ارتبك الرجل وهو يرى امرأة مجسدة للأنوثة الطاغية والخطيئة ، غمغم بكلمات متلعثمة وهو يأخذ حقيبتها ، يحدثها أن سيده أعلن لها عطلة ممتعة فى مصر..هزت رأسها بإيماء وهى تسير خلف الراجل لتضع النظارة السوادء على عيناها ، غمغمت بجمود وحرارة مصر ألهب بشرتها الباردة ا


- للاسف يا مارية غصب عني .. مش هقدر اقتل فرحتك


يتبع الخاتمة..



 😁😁


لأن الحياة معه أجمل


تراجعت


لأنني احيا من جديد على نغمات قلبه


استسلمت


لأن عيناه هي تخبرني بمقدار عشقه لي


رضخت


رضوخي لم يكن محل ضعف ، بل كان محل قوة


استسلامي لم يكن جراء هزيمة .. بل انتصار


التراجع عما انتويته لم يكن خشية منه


بل كان خشية أن أفقد نفسي .. أن أفقد هويتي .


تلك ليست سطور النهاية .. بل بداية جديدة


بداية تشعر بنسمات الأمل والحب يتخللها


سكينة تغمرها وتجعلها مستسلمة لما بعد ذلك


وماذا ترغب أكثر من ذلك ؟!


عائلة وشقيقان وزوج محب وتبقي أمنية طفل تتمني تحقيقها .


ابتسمت بنعومة وهي تسترسل بعبارات ناعمة فى وصف مشاعرها اتجاه زوجها ، حتي لم تشعر بالذي خلفها الذي يميل برأسه ويتابع ما تكتبه بيدها


ابتسامة عاشقة شقت ابتسامته العابثة وغامت عيناه بالتأثر


أسراره كائن مليء بالعاطفة المفعمة بالحياة ، كل ما احتاجته هو رعاية وصدر دافيء تلتجئ إليه كي تفصح عن مكنوناتها ، جميلته تكتب أشعارًا بألفاظها الرقيقة تجاه كل شخص اقتحم حياتها وساهم في جعلها تنظر للحياة بزاوية أخرى .


لف ذراعيه بقوة حول خصرها انتج عليه شهقة مفزعة ، دفن سراج وجهه بين حنايا عنقها ليلثمه بجنون وقلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه


ذابت هى واحترق هو بين نيران عشقها


غمغم سراج بخشونة وهو ينظر نحو دفترها قائلا بظفر 


- واخيرا


كانت هي دائخة من عناقه ، تحاول مجاراة عاطفته الحارة ، همست من بين قبلاته بنبرة ناعمة


- واخيرا ايه ؟


ضم وجهها بين راحتي يده وهو يزفر بحرارة ، يحاول الحفاظ على تعقله بجوارها


في الماضي كانت تقف له بالمرصاد اما الان ...!!!


عاد صوتها الهاديء وهى تغلق دفترها حينما انتبهت على نظراته المتركزة عليها ، وضعت الدفتر خلف ظهرها بيد وبيده الأخرى تركت مسافة آمنة بينهما


- جيت امتى ؟


لم يكلف نفسه عناء الرد وعيناه ما زالت تحتضن عيناها بقوة وحزم


لا هي قادرة على أن تشيح بعيناها ، ولا هي قادرة على الوقوف ثابتة أمامه بساقيها الهلاميتان ، حمحمت بجدية


- جهز نفسك فيه بكره فرح هنحضره 


زفر سراج بحدة وهو يتذكر توصية فريال لزوجته لحضور حفل زفاف لأحد اقاربها لا يتذكر تحديدا من أي جهة يقرب لها ، جعد جبينه وقال بحنق


- انتي عارفاني اني مبحبش الجو ده


هزت رأسها بلا مبالاة ، هي الاخري لا تحب مناسبات كتلك لكنها مضطرة فقط لأنها وعدتها بالحضور تحت الحاحها ، همست ببرود


- ولا انا .. المهم جهز نفسك لاني هسحب نفسي لإسكندرية لمدة تلاته ايام 


تصلب جسدها حينما احست بنيران تحرقها من مكانها ، دارت علي عقبيها وقالت بهدوء بارد نحو المشتعل الثائر


- ولو فاضي هتيجي معايا مش هقولك لأ


كاد سراج أن يلقي بشتيمة نابية لكنه غمغم بسخرية


- عزومة يعني


تلعب معه ... يقسم انها تلعب على أعصابه التي لا تحتاج لأي حافز لتنشيطه ، هزت أسرار رأسها بلا مبالاة وقالت


- انت مشغول دلوقتى بمشروعك الغريب ده ، فعشان كدا محاولتش اعطلك


اقترب منها وهي ثابتة في مكانها ، عيناها تلمعان بشقاوة جعله يحاول ان لا يصفعها ، غمغم بنبرة هادرة


- هترجعي الحارة ؟


لم يكن هنا موضع سؤال ويحتاج إلى إجابة ، وضعت دفترها جانبا لتتخصر قائلة باعتراض


- ايوا ومالها الحارة يعني


لم تفت عيناها عن لمعة عيناه خلال لحظة زمنية وهو يهبط بعيناه نحو خصرها بتوق شديد ، ارتجف جسدها وهي تغمض جفنيها تحاول التحكم في أعصابها حينما قال بخشونة


- الحارة اللي كل راجل فيها عينهم عليكي


فتحت جفنيها حينما شعرت بنيران حارقة تلفح وجهها ، يداه توجهت نحو خصرها بتملك شديد اعتادته منه ، يكاد يحطم عظامها اللينة بين صلابة جسده ، لفت ذراعيها حول عنقه وهمست بإغواء


- وانا عيني على مين ؟


رفع سراج رايته البيضاء مستسلما لما تفرضه من جيوش وتغزوه بكل مكر ودهاء ، مرر انامله على ظهرها وهو يشعر بـ ارتجافة جسدها بين الفينة والأخرى مصاحبا بعينها الدائختين ، ابتسم بنعومة وهو سيجبرها جبرا الأ تضع قدمها على المكان دون وجوده .. يكفي ما حدث المرة السابقة وانتهت على خير .


مال بشفتيه يقبل اسفل ذقنها وهو يهمس بخشونة


- يا تري بتشتميني ب ايه غير شهواني 


غمغمت ببساطة وهي تنشده الخلاص من ذلك العذاب الذي تفنن به ، لكنه لم يستمع ابدا وما زالت يداه تعيثان في جسدها فسادا


- بوهيمي و رجل كهف 


توقفت يداه عن الحركة وارتفع حاجباه بدهشة قبل أن تنفلت ضحكات صاخبة ، يبدو انه حصل علي مسميات متعددة من زوجته ، صاح بنبرة ماكرة


- واضح يا حبي انك عايزة تصرفات راجل الكهف اللي بحق 


وانهي جملته حينما حملها علي كتفه ، هزت أسرار رأسها يائسا وهي تغمض جفنيها للحظات تأخذ استراحة قبل هجوم رجل كهفها .. شعرت بنعومة نسيج الفراش اسفل ظهرها لتفتح عيناها على عينيه اللتان تتأملها بشغف وتوق ،


ارقدها على الفراش ومال هو جاثما بجسده الضخم علي جسدها الرقيق بين يديه ، غمغم سراج بتحذير وهو يعيد خصلتها شاردة لموضعها


- اياكي في يوم تخبي مشاعرك عني يا أسرار .. اياكي


هزت رأسها نافية وهي مأسورة بعينه لتهمس بصوت أجش


- ابدا


قبل جبينها وانامله تغوص في خصلاتها الناعمة ليهمس


- محظوظ بيكي يا حبي 


تصلب جسدها مما جعله يتوقف عن مداعبة روحها وإنعاش انوثتها التي ترتوي منه فقط ، رفع عيناه نحو عيناها التي زحف بهما الصلابة زحفا لتخمد نيران مشتعلة بقربه فقط ، غمغم بخشونة وهو يرفع بجسدها ويقربها إلى جسده


- كلامي معاكي طالع من قلبي وعمري ما قولته لحد ، مشاعري اتولدت علي ايديكي يا أسرار


كيف أصبحت معراة الروح هكذا أمامه ، يفهمها من مجرد نظرة ليتوغل لروحها ويكشف العطب ويضمد جرحها ، تمتمت بكذب


- متكلمتش


ان كان لسانها يكذب ، فعيناها لا تكذب ابدا ، تمتم بجمود


- تقدري تضحكي عليا بكلامك وجمودك .. إلا عنيكي يا أسرار


اسدلت أهدابها وهي تحاول ان تفكر كيف علم ذلك ، هي خشت أن اللفظ الحميمي الذي يقوله استخدمه قبلا مع احدي نساءه ، شعرت بانامله تمسك بذقنها لتنظر إلي عينيه  ..


العيون تتحدث وصمت اللسان في تلك اللحظة المقدسة


غمغم سراج بصوت أجش


- حبك ليا أوعي تفتكريه ضعف .. أوعك ، ده وقود حبنا .. حبي ليكي مش كافي يا أسرار .. حياتنا محتاجة اتنين يقدموا تنازلات علشان المركب تمشي 


تمتمت أسرار بضعف


- سراج


- عيونه


أغمضت جفنيها وهي تحاول ان تمسك لسانها كي لا تصرخ منفجرة في البكاء ، ذراعيه تضمان جسدها بقوة مدحضًا أي مقاومة منها للفرار ، همست بجمود


- قد ايه انت متمسك بيا؟ .. لو لقيتني في يوم .. في يوم عايزة انهي عـ..


أطبق بـ إصبعي السبابة والابهام على شفتيها وهي يخرس باقي جملتها الحمقاء، صاح بهدر في وجهها


- اسكتي


ارتجف بدنها تحت اثر صراخه لتشعر بكفه التي توضع على نبضات قلبها التي تخفق بجنون يماثل جنون حبيبها ، صاح سراج بخشونة


- أسرار انتي ليا .. ده هيفضل يدق كل ما تسمعي اسمي ولو مت قبلك ، قلبك ده هاخده معايا .. روحك اتقيدت بيا 


حاولت خلق المرح وسط الجو المشحون


- بقيت بين ايديك  يعني


اوما موافقا ولم يتخلي عن خشونته وهو يثبت بالقول والفعل انها ملكه


- بقيتي بين ايديا


ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها وهي تقترب من سراج هامسة بنبرة ذات مغزى


- المسجون ممكن يبقي مكان السجان يا سراج احذر 


هز سراج رأسه يائسا ، يبدو أن جنونها لم ينتهي ولن ينتهي في الفترة الحالية ، لكن يكفي عودة تلك النيران في مقلتيها عند حضرته ، همس اسمها بخشونة


- أسرار


- نعم


طالب تلك الكلمتين التي رآها في حائط منزلها ، همس طالبا بالوصال


- وحشتني من شفايفك


كانت ترمش بأهدابها تحاول ان تتعرف علي ما يشتاق إليه من شفتيها ، حينما توصلت لاسمه الذي تكتبه في دفترها لمعت عيناه وقال مؤكدا


- قوليها


انفجرت الدموع من عيناها وهي تهمس بنعومة


- سراجي المنير


لم تشعر سوى بذراعيه وانفاسه الملتهبة اللتان تخبرها بمدى تأثيرها وشوقه إليها وتمتمات شفتيه تهمس بين الفينة والأخرى


- انتِ سراجي يا أسرار 


****


حدقت فرح نحو السطح العاكس وهي تنظر إلي ملامحها التي ازدادت فتنة بتبرجها باعتمادها على تظليل العيون ، سحبت نفسًا عميقًا وزفرته على مهل و فرائصها ترتعد خوفًا من القادم  ... تراه شبحا يقدم يده نحو اللا مصير ، تنهدت فرح بسام 


يبدو أن نهايتها لم تكتب بعد ، ستظل تشقي حتي تعلن الراية البيضاء وتتخبط بالحياة حتى يخرج آخر نفس من صدرها.


ريح باردة اخترقت مسام جسدها لترتعد وهي ترفع عيناها المغوية للمرآة وتراه ينظر إليها بنظرة تعلمها جيدًا 


تلك اللمعة في عينيه


ثم تتغير ليصبحا سواويين


مشتعلة بالرغبة والتوق لها


لم يعد يخفي تأثيرها الأنثوي عليه ، اقترب نضال أكثر وهو يغمغم بخشونة وعيناه تمشطان جسدها وانحنائتها المهلكة التي تفقده صوابه


- دهبي ؟


استقامت فرح من مقعدها و التفتت اليه قائلة بجفاء 


- وماله اللون 


عاد مرة أخرى ينظر إلي قدها الذي التف بنعومة خادعة وهلاكًا بنسيج الفستان الذهبي ، يحاول أن يتدارك فضيحته .. أنها أصبحت تعلمه أكثر من السابق 


تحفظ سكناته قبل حركاته ، زفر متنهدًا بحنق من الخيالات الجامحة التي راودت عقله ليهمس بحنق وهو يخلل بأنامله خصلات شعره


- مشوفتهوش قبل كده


مطت شفتيها باستياء ، وأنوثتها تحت تأثير سطوة ذكوريته .. ترتجف .. تشعر انها في تحفز دائم ، معركة ستنتهي بفوزه ولو بعد حين !!


- جبته من فترة 


عدلت من ترتيب خصلات شعرها المنسابة بروعة حتي يصل الي حافة خصرها بفتنة لتقول بجنون وهي تتحاشى النظر إلى عينيه المغويتين


- تعرف يا نضال بجد انا بعيش معاك حياة غريبة عمري ما اتخيلتها .. بداية ان جوازنا بقي رسمي وده اللي  صدمني وتاني حاجة أصاحب طليقتك لأ وبنتها .. بنتها سرقت قلبي ، ودلوقتي بروح فرحها علشان اباركلها تفتكر الناس هتقول ايه ؟


ضم كفيه في جيب بنطاله وأجاب بهدوء


- لو فضلتي ورا كلام الناس مش هترتاحي


حاولت أن تأخذ مساحة للهواء داخل رئتيها قبل ان تطلقه وهي تهمس بتهكم


- انا لا مرتاحه بكلام الناس ولا مرتاحه بتفكيري


مسحت عبراتها التي خانتها ثم رفعت رأسها بشموخ وهي تنظر إلي عينيه بنوع من التحدي الجديد لتقول بنعومة 


- قولي طالعة حلوة؟


الإجابة أخذتها من عينيه التي لمعت بجنون .. إلا أن لسانه قال بجفاء


- مش بطال 


- يبقي حلو


برمت شفتيها المطلية باللون الخوخي ثم تطلعت إلي المرآة بتقيم أنثوي ، الفستان الذي إختارته يبدو جذابا ومهلكًا عليها ، طويل يصل إلي كعبيها ذو فتحة من الظهر لكنها غطته بخصلات شعرها .. طالعت زينة وجهها وهي تري أنها تتقن وضع تبرج يومًا بعد يوم واسفر تعليمها على مقاطع الأنترنت بنتائج مبهرة .


عيناها لم تجفل عن نظراته الحارقة .. وجسدها الخائن يتفاعل معه ، وكأنه أخضع جسدها تحت قيده !! 


نفضت تلك الأفكار وهي تلتقط زجاجتين عطريتين من طاولة الزينة واقتربت منه بخطورة وهي ترش العطر الأول في الهواء لتغمض جفنيها لثواني قبل ان ترش الآخر وانتظرت لفترة من الوقت ، لتقول


- اي برفان اختاره ؟


أغمض نضال هو الآخر عيناه وترك حاسة الشم والأذن تعمل بكفاءة ، أذنيه متربصة لحفيف فستانها الذهبي البراق حتى كتم أنفاسه حينما شعر بانفاسها اللاهثة التي تلفح في وجهه ، عقله تشتت للحظة .. لحظة واحدة وهو ينظر الى عيناها المدمرة ليغمغم بخشونة


- اللي يعجبك 


هزت رأسها وابتسامة ناعمة تشرق ملامح وجهها لتهمس


- يبقى التاني


رشت العطر بإسهاب وهي تغمغم قائلة


- مش هطول .. ساعتين وهرجع تاني .. خد بالك من شمس لحد ما اجي


عض على نواجذه .. هل تحتاج لقنينة آخري لتسكبها على جسدها ، غمغم بحدة


- بتطلبي مني اخد بالي من بنتي


وضعت القنينة علي الطاولة ثم عادت الإقتراب منه وهي تضع يدها علي وجنته قائلة


- ايوا بطلب منك .. بنتك وتخصك وهي تبقي بنتي وتخصني ، الام اللي تربي يا نضال


انتشلت يدها سريعًا وساقيها تتخبط بقوة ،لمعة الخطر في عيناه دكت في روحها دكًا ، جلست علي مقعد الزينة ويديها المرتعشتين تضيف لمساتها الأخيرة .


فتحت علبة المجوهرات لتضع قلادة ذهبية تتماشى مع ثوبها على عنقها ، نظرت بعين تقييمية إن كان يناسب مع فتحة الفستان أم لا ؟! ، استحسنته لتهم بأغلاقه إلا أن يدين خشنة تسللت بخبث إلى عنقها المرمرى وصوته ألجم لسانها عن النطق


- خليني انا اساعدك


حبست انفاسها ورفعت عيناها للسطح العكس لتراه  يزيح خصلات شعرها جانبًا ، عضت باطن خدها وهي متحفزة للمسة أخرى ..


رغمًا عنه مس بأنامله على  جيدها حتى أحس بجسدها الذي اقشعر من وطء لمساته ، النعومة تغريه


وهو رجل لم يكبح جماح عقله


ما بالك أن التي أمامه هي زوجته


اغلق قفل قلادتها ثم سحبها من عضدها وألصق جسدها لجسده ، و يديه استقرت علي خصرها ..صاح بتحذير


- أوعك يا فرح الاقكي جبتي عرسان من الفرح


هزت فرح رأسها بيأس لتغمغم 


- تقدر تقول انك بتغير مش محتاج تخبي


- دي طريقتي


استعرت النيران في عيناها لتصيح بحدة


- كداب


وضعت يدها على قلبها الخافق وتابعت


- عاطفتك وحبك لشمس ظهر من أول يوم شوفتها فيه وأنا حتى ماخدتش حبة من الأهتمام


ابتسامة ناعمة زينت ثغره ليهمس بخبث


- بتغيري عليها 


تجهمت ملامحها وابعدت يدها علي قلبه النابض بجنون .. تلك كانت الشعرة لتسارع بالخروج من المجادلة


- اطلاقا .. علي الأقل تعتبر دي حسنة وحيدة في شمس أحسن ما تشوف وش خشب 


غمغم نضال باستمتاع


- وش خشب ؟


التقطت حقيبتها الصغيرة ثم قالت بهدوء 


- المهم يا حبيبي متقلقش ، الرجالة اللي تخاف عليهم مني .. ما انا بردو مأتمنش عليها


طلقة نارية وصلت لموضعها مباشرة


اختلج عضلة في فك نضال ليسود وجهه وهو يصيح بحدة


- السواق مستنيكي تحت 


وما إن أنهى جملته حتى فرت هاربة وتركت عبق رائحتها في غرفته .. اقترب من طاولة الزينة ونظر إلي المرآة يسألها


ما الذي أصابه ؟!


*****


زفرت شادية براحة وقد انتهي العذاب حينما رأت تعبها وكدها خرج بصورة تخطف الأنفاس ، جميع الضيوف سينبهروا بلمساتها الملوكية .. لتزيدها فخامة فوق فخامة الفندق ..


وبالذكر عن أمر الفندق بدلا من حديقة منزلهما ، فالتغيير حدث خلال عشر أيام فقط حينما شعرت أنه يفضل أن تكون المراسم داخل الأبواب .. تشكر وقاص كونه ساعدها على حجز قاعة في أفخم سلاسل الفنادق التابعة لهم .


ابتسامة ناعمة زينت وجهها ولمعت عيناها بفخر وهي ترى الأشياء تم ترتيبها كما في مخيلتها ، زفاف شقيقها يجب أن يحكي ويتحاكي عليه ولا يكرر مرتين ، لكن .. ما بعد لكن يجب أن يعكر صفو ذهنها .


إقتراب عاصي المستفز والمتوتر لإعصابها .. جعلها تلتفت نحوه بحدة قائلة


- مش لازم تلزق فيا جامد


راقب عاصي غضبها بإستمتاع لكن البسمة لم تصل لشفتيه .. وئدها سريعا وهو يقول بصوت أجش


- اوامر الباشا يا استاذة شادية


زفرت بحنق .. وهي تشيح بيدها قائلة


- نفسي اخلص منك


عدل عاصي ياقة قميصه الأسود ثم نفض من سترته السوداء ليقول 


- انتي اللي جبتيني


نظرت إلي ساعة يدها وهي تري أن ما زال لديها وقت كافي لمشاجرة ذلك المثير للأعصاب ، نظرت بتقييم انثوي إلي حلته السوداء الرسمية .. يبدو وسيما .. لن تنكر .. خشونته ورجولته لن تنكرها ابدًا ، تتمنى فقط عدم وجود ساذجات يعكرن صفوها إذا كان هذا الرجل رجلها المستقبلي ، أو تطلب إحداهن رقمه أو توصيه عليه أو ...إلخ 


هراءات كثيرة وفضائح أكثر تحدث في تلك المناسبات ،تمتمت من بين أسنانها


- انا مطلبتش منك أنك تيجي


نظرة واحدة شملها عاصي لشادية وهو يرى فستانها الأخضر البراق الذي بالكاد يصل حافته أسفل ركبتيها .. يحمد ربه أنها غطت ظهرها العاري بخصلات شعرها وجعلته كـ ستار  ، لون شفتيها المصبوغ بالأحمر كان من ضمن الاشياء التي تقيس متي تحمله ، أشاح بعينه مبتعدًا ليقول بصوت أجش وهو يحاول وأد تلك التحركات الغريبة في جسده


- طلبتي


- مطلبتش


مطت شفتيها ليجعل عاصي يلعن نفسه ويلعن اليوم الذي وافق على تلك الوظيفة و المتسبب في ذلك ، مرر بكف يده علي وجهه وهو يحاول التجلد بالصبر ، يحاول أن يصمد جيوش معربدة كي لا يحبسها في غرفة ويمنع الجميع من النظر إليها .. حمائيته الشديدة تجعله غالبا في وضع منفر !!


صاح بهدوء بعد أن أعاد شتات عقله


- عينك طلبتني .. وانا دايما مستجيب لنداء العيون


رفعت شادية حاجبيها وقالت باستنكار 


- هو انت اتعودت عليا


اقتربت منه ليحبس أنفاسه وهو يشم عبير عطرها المسكر يتخلل أنفه ، صاحت بجمود


- اتعودت عليا لدرجة عنيك هفقعها في يوم ولسانك هقصهولك 


نظر وقيم قدها وتجهم وجهه للحظات مما جعل شادية تتذبذب وهي تدرك أنها تخطت حدودها معه ، زفرت بحنق وصاحت 


- بتبص علي ايه


تمتم بنبرة هادئة 


- بشوف بجسمك ده هيجيله كام كسر وتركيب شرايح من ضربتين مني


اتسعت عيناها ذهولا وقبضت بأناملها علي راحة يدها بجنون لتقول وهي تجز على أسنانها


- متستفزنيش يا عاصي 


- يا شباب 


صاحت بها فريال بمرح شديد وهي تري الثنائي المشاكس أمامها ، زادت من التشبث بذراع قرصانها وهي تنظر إليه بعشق جارف .. هو عوضها عن الحياة .. هو اختزل كل الرجال في العالم ليصبح ملك يدها فقط .


احمرت وجنتي شادية بحرج حينما أخذت تجول بعينها حول المكان لتجد أن  الضيوف قد بدأوا بالمجيء ، تنحنحت قائلة وهي تري فريال المتشبثة بذراع زوجها ثم رهف التي تبدو اليوم متألقة بقوة 


- اهلا فريال اتفضلي 


وجهت شادية نظرة شكر وامتنان نحو وقاص الذي هز رأسه ، لتهمس شادية نحو رهف 


- ازيك يا رهف ... بقالك فترة مختفية


غمغمت رهف بهدوء وجملة مختصرة


- هرجع للدراسة


تمتمت شادية بإعجاب


- طب شيء ممتاز جدا 


قالت فريال بنبرة ذات مغزى وهي تري تملل رهف في وقفتها وعيناها الباحثة عن شخص محدد 


- الشامي موجود ؟ 


احمرت وجنتي رهف بشدة وهي تسدل أهدابها حينما سمعت إجابة شادية اللامبالية


- موجود وبيشرف على الأكل 


حدج وقاص نحو فريال بنظرة نارية قابلتها بغمزة وقبلة عابثة في الهواء ، لتلتفت نحو شادية متسائلة


- جيجي فين ؟


قوصت شفتيها وهي تنظر نحو الوقت ثم قالت


- تلاقيها مع العروسة فوق


استأذن وقاص مغادرًا لبعض من الوقت ليجري مكالمة وحدج فريال بنظرة ذات مغزى لكنها رفرفت بأهدابها ببراءة شديدة جعلت ابتسامة طفيفة تزين شفتيه ، جذبت شادية بعيدًا عن عاصي الواقف بثبات دون أن يظهر أي ملل علي وجهه وهمست


- اقدر اعرف ايه بينكم


تجهمت ملامح شادية وصاحت بعبوش شديد


- ابدا كنت بخطط اقتله ازاي


انفجرت فريال ضاحكة بتألق 


- شكلك هتقعي يا شادية .. زي ما وقعت رهف  


تجمدت ملامح شادية ثم همست بجمود 


- انا مش غبية عشان اعيد اللي حصلي


تراقصت فريال بحاجبيها وقالت بعدم اقتناع


- اتمني كدا


مررت بعينها في القاعة  تُري أين قرصانها ؟ ، ما إن تقابلت عيونهم حتى اختلج قلبها وابتسامتها تتسع تدريجيًا حتى انتبهت لشادية الواقفة بتجهم ، تنحنحت بحرج وقالت نحو رهف الساكنة بجوارها


- رهف هطلع فوق للعروسة .. تيجي معايا 


سارعت شادية قائلة


- خليها معايا 


غادرت فريال صاعدة إلى جناح العروس ، تمتمت شادية بلا مبالاة 


- لو بتدوري عليه .. روحيله أظن هيتبسط انك جتيله


ظلت رهف لدقيقتين تصارع نفسها وشوقها المستميت لنزار ، غلبها شوقها في تلك المرة لتسير بإستحياء متجهة نحو نزار ، هزت شادية رأسها يائسة وهي تلتفت إلي عملها .. وسؤال ينهش روحها .. هل سيأتي يوم ستجد فيه حبًا مثل شقيقها وفريال ؟!


*****


أغمضت مارية عيناها للحظات ثم فتحت عيناها لتنظر إلي المرآة


هل أصبحت عروس اليوم ؟


ومن  ..؟ 


ماهر .. اتسعت ابتسامتها تدريجيا وهي تتخيل ردة فعله حينما يغلق باب عليهما ، تتحرى شوقًا لرؤية نظرة الحب في عينيه ، إن لخصت في كلمة واحدة عن ماهر .. فهو العوض ، وما أجمله من عوضٍ يأتي بعد يأس .


رفعت عيناها لتنظر إلي المجنونة المدعوة بـ جيجي ، تشكر مساندتها هب وشقيقتها في يوم العمر ، لن تنساه ابدًا .. لن تنسى أنهما حريصان على سعادتها وجعل ليلة العمر ليلة لا تنسى .


تنهدت بحرارة وهي تسترعي انتباه المشغولة في هاتفها لتصيح بصوت مرتفع


- جيجي 


لم تستجيب جيجي لندائها ويبدو على وجهها إمارات الغضب وهي تضغط أصابعها بعنف علي الهاتف ، تري من تراسل تلك ؟! عاد ندائها مرارًا حتي أبعدت جيهان وجهها من الهاتف وهي تصيح بحدة


- ايه فيه 


لم تخفي قلقها وهي تهمس 


- انا قاعدة متوترة هنا وانتي مشغولة


رمت جيهان هاتفها جانبًا ، لا تصدق ذلك الحقير وسيم .. ذلك الحقير يخبرها بذوقها المتدني عن ثيابها ، تفحصت ثوبها الليلكي القاتم ، كاشفًا بسخاء شديد عن انحناءات أنوثتها ، لتغمغم أنه مجرد أعمى .. لا يرى ، وجهت بحديثها نحو مارية قائلة


- الله .. بقضي الملل اللي عندي 


فركت مارية يديها بتوتر، عضت على شفتها السفلى وهي تكبح دموعها المهددة بالانهيار في أي وقت ، غمغمت بحزن


- اسيا مجتش انهاردة .. حاسة اني لوحدي


زفرت جيهان بحدة ، تلك الغبية بعد أن قضت ذلك النهار بأكمله معها مع خبيرة التجميل ومصفف الشعر تفكر بأختها المتبجحة ، عذرتها .. في النهاية هي الأخت وهي ما زالت غريبة ، تمتمت بحدة 


- بت ارفعي عينك 


اقتربت منها تؤازرها قائلة بابتسامة حلوة


- انا وفريال وشادية موجودين .. الليلة هتعدي علي خير ، لو عاوزة اجبلك اختك من شعرها معنديش مشكلة


للحظة تتخيل مارية جيهان وآسيا معًا يتعاركان ، انفجرت ضاحكة بهستيرية مما جعل جيهان ترفع إحدي حاجبيها قائلة بتهكم


- بتضحكي علي ايه


تمتمت مارية بشقاوة


- بتخيل انك بتجرى شعر آسيا


لم تتغير سحنة وجه جيهان التي قالت بتعجب


- هي مش دلوعة زيك ؟


نفت مارية رأسها قائلة


- لا ..مختلفة عني زيك وزي شادية ، اكيد مش شبه بعض .. لكن بجبلك أقرب مثال .. انا كنت طايشة زيك ومش بهتم بحد لكن اسيا بتحط قواعد بتمشي عليها علشان تقدر توصل لحلمها أسرع


عادت جيهان تجلس على الفراش متجاهلة رنين هاتفها ، وضعت هاتفها على الوضع الصامت وقالت باهتمام


- اوصفي الحب .. بتحسي ايه مع ماهر ؟


رمشت مارية أهدابها و احتقن وجهها من الخجل لتهمس 


- تعرفي .. ماهر ده كنز .. كنز قدام عيني وانا بسافر لابعد البلاد علشان ادور على كنز .. دورت ولقيت مجرد حاجات مغشوشة .. لكن رسيت ورجعت لعقلي علشان اطلع كنزي


تحشرجت أنفاسها وهي تهمس بنعومة شديدة وعيناها تلمعان بالحب 


- ماهر .. حياة ، حياة مليانة دفا وحب وحنان 


أجلت جيهان حلقها وحاولت أن تداري إرتباكها ، لما هي لا تحظي بحب مجنون .. حب يخطف الأنفاس .. حب يفقدها رشدها ، انتبهت على صوت مارية المتسائلة


- وانتي ؟ توصفي الحب بأيه ؟


أجابت ببرود


- حب ؟! .. انا مش عايزة حب 


عقدت مارية جبينها وتساءلت بعجب


- اومال عايزة ايه ؟


ابتسامة ناعمة زينت ثغرها لتهمس 


- زلازل .. براكين .. أعاصير .. مشاعر مدمرة ، النسيم والأرض الممهدة دي أنا مش عايزاها .. الدفا والدقات اللي بتنبض ببطء مش عايزاها ، زي ما قولت حاجة تزلزل كياني 


ذهلت مارية من تفكير جيهان عن الحب ، لم تتوقع فتاة مثلها أن تؤمن بالحب ، لا كانت تظن أنها ستسخر منها أو تتحاشى عن الاجابة لكن كل مرة تذهلها بشيء جديد ، وضعت مارية يدها على ذقنها واصطنعت التفكير قائلة


- وهتلاقيه فين ؟


غمزت بشقاوة وهي تغمغم بمكر


- هو اللي هيجي


مطت شفتيها وقالت بعبوس


- هتطولى علي كدا 


زفرت جيهان وقالت ببرود


- ده اللي عايزاه .. يا اما ده يا إما بلاش


نقرات على باب الغرفة استرعى إهتمامها ، قامت جيهان من موضعها وعادت بعد دقيقة بصحبة فريال التي صاحت بصخب


- عروستنا منورة .. الجمال الاشقر لسه مدوبهم علي كدا يا جيجي


غمغمت جيهان ساخرة وهي تتذكر صاحب العيون الباردة


- بيخليهم يفقدوا أعصابهم يا فيري


انفجرتا ضاحكتين لتقترب جيهان بشرر نحو مارية التي ذعرت من ما تنتويه وقالت بقلق


- ايه فيه ؟


ابتسمت جيهان ببرود وهي تهبط بجذعها نحو مارية قائلة


- هقرصك في ركبتك


- ايه؟؟ ولييه ؟


هزت مارية برأسها نافية واستقامت من مقعدها وهي تحاول بفستانها الملوكي أن تهرب من براثن جيهان ، إلا أن جيهان كانت تركض ورائها ضاحكة


- عادة الطبقة الهايفة مش بتعترف بيها .. تعالي يلا علشان أحصلك


تمتمت مارية بنفي تام وهي تجول في الغرفة كالمجنونة ، وما إن وصلت لحائط سد .. علمت أن جيهان لن تتنازل عما تريده


- لا ابدا 


تنهدت جيهان بحنق وقالت


- يا بنت اهدي مش هضربك انا .. قرصة خفيفة وهبعد


وأقرنت فعلتها حينما قرصتها بقوة مما جعل مارية تتأوه بتوجع ، تمتمت بحدة


- شريرة


تمتمت جيهان بلا مبالاة


- من يومي مش جديد عليا 


كانت فريال تصور بهاتفها ما يحدث دون أن تتدخل مع أحد منهما ، وحينما استمعت الى رنين هاتفها تسارعت مارية تجيب على هاتفها 


- اكيد فرح


استمعت لمحدثتها للحظات قبل أن ترد بهدوء 


- ايوا انتي فين ... قولي اسمك بس وهتلاقي نفسك قدام باب اوضتي


أغلقت المكالمة وهي تعود لتجلس على مقعدها برزانة شديدة مناقض لما حدث منذ قليل ، صاحت جيهان بسخرية


- اومال فين البسكوته اللي معاكي


حدجتها فريال بنظرة محذرة شديدة لتهمس من بين أسنانها


- سيبك منها دلوقتي


هل ذهبت رهف وقضت وقتها مع ذلك اللزج نزار؟ ، أظهرت امتعاضها وقالت بقرف


- لا متقوليش 


هزت فريال رأسها يائسة وهي تمرر يدها علي خصلات شعرها الطويلة التي وصلت إلي أسفل بكتفيها بقليل ، نظرت إلي ملامح وجهها الناعمة وفستانها الأزرق .. المحتشم جدا جدا ، لا يظهر منه سوى كفي يديها فقط وكل ذلك على ذوق قرصانها ، و يا للعجب لم تغضب منه .. لم تسمي ذلك تحكم أو إستبداد


تفهمت غيرته الشرقية وتفهمت جدا أن ما يظهر من جسدها هو له فقط ، حدقت نحو السطح العاكس لترى وجنتها محتقنة بالدماء وعيناها لامعة بسبب تذكرها للقرصان ، وصلت لمرحلة العشق معه .. انتبهت علي تذمر مارية التي تمتمت بعبوس شديد


- هعقد فترة علشان افهمكم 


نقرات على باب الغرفة جعل جيهان تذهب  لفتح الباب وتعود بصحبة فرح التي تمتمت بخجل 


- مساء الخير


صفقت فريال يديها بمرح


- كده اكتمل أعضاء شلتنا 


ثم التفت نحو مارية تسألها بجدية


-جاهزة يا عروسة


اومأت مارية رأسها عدة مرات ، وابتسامة خجولة تزين ثغرها .. ستصبح عروسه وملكه للأبد .. والحياة ستبتسم في وجهها .


***


يقف أسفل الدرج وجسده كله متحفز ، يكبح شوقه بشدة كي لا يصعد إلى غرفتها ويبثها عشقه قطرة قطرة ، استمع إلى نبرة وقاص وهو يربت على ذراعه


- اثبت كده واهدى


رفع ماهر عيناه نحو وقاص وهمس بحرارة


- انت عارف معنى انك تفقد الأمل في حد ، تصحي تاني يوم تلاقيه قدامك لأ ويقولك قد ايه انت مهم في حياته


هز وقاص رأسه ليغمغم 


- مفهوم 


شرد قليلا وهو لا يصدق أن تلك  الليلة ليست حلمًا ، حلم جميل ويستيقظ في الصباح الباكر كي يذهب للعمل ، رفع عيناه نحو الدرج مترقبًا هبوطها بفارغ الصبر .. ليهتف لعقله ، إهدأ  .. لقد تحملت لسنوات وليالي كئيبة قضيتها وحدك في الفراش ، دقائق وتكون كلها ملكك .. استرسل في الحديث قائلاً


- فترة حياتي السابقة قبل ما اشوف مارية .. مكنتش متخيل حاجه اسمها حب من أول نظرة .. بالعكس كنت من أوائل المعارضين للموضوع ده .. ازاي من نظرة واحدة كيانك كله يتشقلب حاله


ابتسم وقاص بحنين وهو يرفع عينيه هو الآخر .. منتظرًا ساحرته .. الساحرة التي ألقت بسحرها عليه هو الآخر ، المرأة التي حفزت له حس الحماية بقوة ، أصبحت من ضمن نطاق الاشخاص المهمة في حياته حتى وإن لم تكن إمرأته  ، استمع الي زفرة ماهر الحارة وهو يتمتم 


- حالي اتشقلب يا ابن الغانم .. نظرة من عينها وأنا أعلنت الاستسلام ليها .. رفعت الراية البيضا قدامها


اختصر ماهر الكثير من الأحاديث وهو يسمع أنه يتحدث بالنيابة عن نفسه وعنه وعن كل رجل إستسلم لراية العشق في أرضه ، ثقلت انفاس ماهر وهو يتمتم لنفسه 


- سنين عذاب استحملتها .. والعوض جالي .. اجمل عوض في حياتي 


ماذا يرد وقاص ؟ .. ما يقول بعد الذي قاله ؟!! ، اكتفي فقط بأن يهمس بهدوء


- حياتك مش هتكون سهلة زي ما انت متخيل يا كابتن


هز ماهر رأسه موافقًا


- عارف .. عارف يا ابن الغانم


ثم لا إراديا ارتفعت أنظاره نحو مالكة قلبه التي تهبط من الدرج بفستانها الأبيض الملوكي ، عيناه تحتضن كل تفصيلة ويحفرها في ذاكرته ، يوم كهذا يوم لا ينسي .. يجب على المؤرخين أن يحفروا تاريخ اجتماعه بإمرأته .


ابتسمت مارية بخجل شديد وعيناها لم تزح عن عيناه ابدًا ، كلما تقترب خطوة منه يعطيها وعدًا..


الأول هو الحب


الثاني هو العشق


الثالث هو الأمان


والرابع والخامس و إلخ هو الحب ، الكثير منه.


ابتسامتها اتسعت تدريجيا وكل من حولهما اختفي ولم يبقى سواهما ، حتى أصوات الموسيقي خفتت تعظيمًا لنبضات القلوب العاشقة .. ووعدها هي كانت


الأول هو أن تذوب عشقا به


الثاني هو أنها لن تتركه ابدًا


الثالث أن تتشبث به بيديها وأسنانها


عدوا معها .. هي لن تتركه ، تقسم انها لن تفعل.


راقبت حلته السوداء الوسيمة وملامح وجهه التي ازدادت وسامة وهو يختصها بنظرة لها وحدها فقط ، يختصها بنظرة ثم إبتسامه وأخيرًا عناق حينما أصبحت أمامه لا يفصلهما سوي نفس يتردد من كلاهما و عناق ، غمغم ماهر بنبرة اجشة


- كلك بقي ملكي


أغمضت جفنيها للحظة وتيار انفاسه الحارة دمرتها .. قضت علي أعصابها التي تلملمها بصعوبة ، ردت بهدوء


- انا ملكك من اول ما قلبي اعلن انك المالك الوحيد ليه


احتضن كفها بقوة لتهبط بعينها نحو يده ، لتهمس بعدها


- حياتنا هتبقى كويسة .. هتبقي كويسة واحنا مع بعض 


وثق ميثاق عهدها وعهده وهو يحتضنها بلهفة لتبادل عناقه بقوة اكثر وهي تستند برأسها على صدره ، حان وقت إستراحة المحارب .


*****


- اخر حد اتوقعه يجي حفلات زي ديه


تمتم بها وقاص وهو يرى سراج مصطحب أسرار التي تبدو متألقة اليوم ، الإبتسامة من الأذن للأذن .. العشق غمر كيان تلك المرأة الجامدة ، زاد سراج من ضم جسد أسرار نحوه وقال بنبرة ذات مغزى


- المدام أصرت


وكلمة " أصرت " تحوي الكثير ، تتذكر طلبه الوقح حتى يأتي معها بقميص أبيض وبنطال أسود ووضع سترته السوداء على كتفيها لكي يداري ظهرها المكشوف.. لإنها تعلمه لم تعترض كثيرًا وخصوصا أنها جعلت فستانها الأحمر يتلائم مع سترته السوداء ، مطت شفتيها بحنق واقتربت منه هامسة  


- ليا اسم 


التفت برأسه نحوها وأعاد خصلة شاردة إلي شقيقاتها ليهمس بخشونة


- مراتي اللي أصرت .. تمام كدا


وجدت أنامله الخبيثة تلمس ظهرها العاري ، اتسعت عيناها جحوظا وهي تتملل في وقفتها تحاول أن تنتزع منه لتقول بهدوء


- هي فين رهف ؟


ابتسمت فريال بهدوء قائلة وهي تقترب من رهف التي ضرج الخجل وجنتيها 


- اهي جت


القي وقاص نظرة محذرة ليمسك معصمها بحدة أجفلتها جعل تهمس فريال ببرود


- متبرقش بعينك .. انا معملتش حاجه


توعد لها قائلا بصوت خفيض


- حسابنا في البيت


لم تعبأ وهي تدس بجسدها اسفل ذراعه ، بينما رهف اقتربت من أسرار وسراج تلقي التحية بخجل


- مـ... مساء الخير


- مساء النور


رفرفت أسرار بأهدابها وهي تعض على شفتها السفلى وتتوعد لذلك الوقح ، العابث ، شدت بأناملها علي قميصه بقوة لتتسع ابتسامته الماكرة وهو يوجه بحديثه نحو وقاص


- واضح ان فيه جلسة نسائية .. احنا مش مرحبين بيها


تلكأت أنامل سراج علي ظهرها العاري ، ثم إبتعد مرغما ليبتعد عن حديث النساء الذي سيبدأ ، رأي نظرة الخيبة علي وجه حلوته ليعود قائلا بصوت أجش


- أسرار


مال مقبلا وجنتها بعمق ليهمس بحرارة


- بحبك


يحاول أن يكبح جيوشه كي لا يسحبها إلي ذراعيه ويعود للمنزل ، ابتعد مرغمًا وهو يتحدث مع وقاص  في بعض الأعمال .. بينما فريال انفجرت ضاحكة باستمتاع وهي تري ملامح اليأس التي حفرت معالم وجهها ، صاحت بمكر


- البت ساحت منينا من كلمة


همست رهف بتساؤل


-الحب مش كده ؟


هزت فريال رأسها وهي تتنهد بعمق


- هو الحب يا رهف


ابتسمت رهف بهدور، بينما أسرار في عالم آخر بعيد عنهما ، احتضنت جذعها لتدحر البرد الذي نخر روحها بعد رحيله ، بحثت عنه بعينها لتجد عيناه مستقرة بلهفة عليها .. وما إن رآها تنظر إليه حتى ابتسم بجاذبيه وهو يحاورها بعينه ، اشاحت برأسها بعيدة عنه وهي تنتبه إلي حديث الفتاتين وحاولت أن تتجاهله لبعض الوقت وتنسى حديثه الوقح ، رجل الكهف الشهواني ستؤدب عيناه ويداه الوقحتين ، لكن تعترف انها تحبه بكل ما فيه .. هو روحها ومالك القلب .. وهي استسلمت لتيارات الغرام .


*****


- جيهاااااان


صاح وسيم بها وهو يجذب ذراعها صارخًا بعنف ، لا يصدق تلك المتبجحة .. يراسلها على الهاتف ليجدها تضعه على القائمة السوداء ، حاولت جيهان أن تفلت بيدها بعيدة عن قبضته إلا ان ذلك لم يزده سوى شراسة .. صاحت بتأفف


- اوووف .. خير 


للحظة هبطت عيناه تتأمل انحناءات جسدها السخيفة بفستانها الملتصق بجسدها كجلد ثاني لها ، لما إرتدت ثيابًا إذا ؟! 


غامت عيناه وصاح بحدة


- ايه المسخرة دي 


رفرفت بأهدابها واصطنعت البراءة لتقول


- فستاني مسخرة .. مكنش رأيي أيهم 


براكين من النار متأججة في صدره ، أنامله تترك أثرا على جلدها الطري ليقول بنفاذ صبر


- متتبجحيش في وشي يا جيهان ، اتقي غضبي .. اتقي غضبي وروحي اقلعي القرف ده قبل ما اشيلك على كتفي وفضيحتنا انا وانتي تبقي على سيرة كل لسان


استدارت نحوه تواجهه بشراسة 


- نفسي اعرف مين انت يا وسيم في حياتي ... ولا حاجه .. صفر علي الشمال ملهوش قيمة في حياتي ، حساب الجيرة ده انا رفضاه .. الأسلوب الهمجي ده تاني يا وسيم بطريقتك الهمجية دي اقسم بالله لـ ..


- جيجي


قاطعت شادية شجارهما ليتلفتا كلاهما نحوها ، اضطر وسيم ترك يدها وحدج جيهان بشرر قبل أن يغادر ، شيعته جيهان بنظراتها القاتلة لتنفجر قائلة


- كلامنا لسه مخلصش يا وسيم


لم يعبأ وسيم ولم يمن عليها بنظرة واحدة لتستمع إلى صوت شادية الحانق


- تعالي عايزاكِ 


كادت أن تغادر إلا ان شادية صاحت بصرامة


- دلوقتي


اقتربت منها وهي تصيح بفظاظة


- خير


تمتمت شادية ببرود


- انتِ مش قد الراجل .. مهما بلغت قوتك 


رفعت جيهان حاجبها بتهكم لتتابع شادية بجمود 


- ايوا .. وخصوصا لو هو بيفوقك ذكاء وقوة بدنية


لوت شفتيها بإمتعاض وهي تسخر منها ، أليست تلك من تتحدث الضخم عاصي أم انها تتخيل ؟!!


اقتربت فريال منهما ، لا ترغب أن تتذكر مشاجرة الديوك الي عرض منذ قليل أمام مرآي الجميع ، قالت بهدوء


- خير يا بنات 


زفرت شادية حانقة


- لمى المصيبة دي .. خلي الليلة تعدي على خير 


اقتربت فريال من جيهان تسحبها لمكان منزوي عن الجميع ، وضعت الشال علي ذراعيها قائلة


- البسي الشال ده


تجهمت ملامحها قائلة باعتراض


- لكن


صاحت فريال بصلابة


- متقاوحيش  


تأففت بحنق وهي ترتديه ، لتسأل فريال باهتمام


- ايه حصل


جزت على أسنانها وصاحت بإنفجار


- واحد بكل برود بيعلن سلطته عليا


رمشت فريال بأهدابها عدة مرات لتقول ببرود


- وده مش كنتي اللي عايزاه؟! .. تجذبي اهتمامه


هزت رأسها بنفي ، ذلك الأحمق يظنها فتاة مراهقة تحاول أن تصبح إمرأة .. ألا يراها حقًا إمرأة ؟! .. لقد تشاجر معها في الهاتف لأنه أعلن بصفاقة " انتِ أختي الصغيرة وأنا خايف عليكي " ، الحقير .. يراها أخته ، صاحت بضيق


- لأ .. مش بالطريقة دي


وضعت فريال يديها علي راسها تحاول أن لا تفقد تهورها ، تمتمت بيأس


- انا ليه دايما محاطة بشلة متخلفة ، اجيبها منك ولا من الانسة البسكوتة اللي هناك دي


زجرتها جيهان بعينها لتصيح 


- فريااااال ، بصي مش معنى انى بحكيلك اسرارى انك تسيحيلى 


ابتسمت فريال ساخرة وقالت


- هو انا لسه عملت حاجه ، مين أيهم ده اللي سمعته بالصدفة؟


-خطيبى المستقبلي


اتسعت عيناها بجحوظ لتمتم 


- نهارك اسود .. انتى عارفة انك طلعتي غبيه زي التانية 


أجابت جيهان ببرود وهي تعقد ذراعيها علي صدرها


- بيقولك خد اللي بيحبك ومتخدش اللى بتحبيه 


تنهدت بيأس لتغادر المكان قبل أن ترتكب جناية بها ، صاحت بتحذير


- مترجعيش تندمي يا جيجي 


ضحكت جيهان بسخرية شديدة ، ألا يحق لها أن يركض رجل خلفها ويتمنى وصالها ؟! ..  ألا يحق أن تستمتع بتعذيب رجل يحبها حتي ترضي عنه ، بلى يحق لها .. يحق لها كثيرًا .


****


بين ذراعيه تنعم بدفء جسده ، تغمر جسدها به كليًا وهي تشم رائحته الرجولية ، تنهدت مارية براحة شديدة وذراعيها لفتها حول عنقه .. هذا الرجل زوجها .. زوجها هي لها فقط ، هذا الرجل العاشق لها ، إستمعت إلي صوته الأجش وهو يكبل جسدها بقوة 


- مش مصدق انك بين ايديا


تحشرج صوتها لتمرر أناملها على وجهه قائلة


- صدق يا ماهر


هطلت الدموع من مقلتيها ليهمس ماهر بحرارة وهو يزيل دموعها بأنامله


- بتبكي ليه


عضت على شفتها السفلى بخجل لتهمس 


- آسيا


تحشرجت أنفاس ماهر ليطلق شتيمة بذيئة ليتمتم بعدها


- صدقيني مش هسكتلها باللي عملته


ثم عاد يتحدث بمرح 


- او اقولك اتخانقي مع جيجي .. دايما بتتخانق مع دبان وشها 


انفجرت مارية ضاحكة بصوت مرتفع جعل ماهر يتمتم بنبرة هادئة وهو يراقصها بين ذراعية بسلاسة


- ايوا اضحكي .. مش عايزاسمع كلمة كدا أو كدا من المعازيم 


أدارها حول ذراعه عدة مرات قبل أن يسحب ذراعها لتقبع بين ذراعيه ، تنهدت مارية بحرارة لتهمس بجوار أذنه


- انا بحبك


أغمض ماهر جفنيه وهو يزفر بحرارة ليتمتم 


- بتجريني للرذيلة يا مارية ، وانا مقدرش ارفض دعوة زي دي


لكزته بخفة لتهمس 


- قليل الأدب


شهقت فجأة حينما  وجدته يدور بها في حلقات متتالية، تشبثت بقوة بعنقه ليستمعا إلى تصاعد أصوات الصفقات وصفير حار من بعض الشباب .


....


كانت شادية تراقب تصاعد الألعاب النارية في حلقة الرأس وسقوط الورود الحمراء على رأسي العروسين بعد العناق الشهير ، وما إن هدأ حماس العروسين اقترب كل الازواج ليشاركوا الرقصة مع العروسين ، اتسعت ابتسامة رزينة وهي ترى المرأة الجدية أسرار ترقص مع زوجها ، التفت برأسها للناحية الاخرى لترى فريال تتفنن في الدلال مع زوجها ، هزت رأسها يائسة وهي تبتعد عن الجمع الاختلاء بنفسها قليلا .


دمعت عينا فرح بتأثر شديد ، لا تريد إفساد زينتها بدموعها .. ماذا سيقول الجميع عنها ، تحسدها .. بل علي العكس تمامًا ، تتمني أن تعيش بسلام كما رأت من حولها يعيش مع زوجها بحب ، لماذا نضال يرى ذلك كثيرًا عليها ؟ ، لما ؟؟


انتبهت من صوت فريال التي رأتها وحيدة ومنزوية عن الجميع


-  قاعدة لوحدك ليه


تنهدت بعمق وهي تلتفت إليها قائلة بمرارة


- مفيش ببص عليهم ، تصدقي مين يصدق بعد كل المعاناة دي رابط الحب يكون اقوي من اي حاجه


اقتربت فريال تربت على كتفها قائلة


-لان الاتنين بيضحوا .. الاتنين رغم كل شيء بيفنوا بسعادتهم للتاني ..المعاملة بين الاخد والعطا


طبقة  رقيقة من الدموع شوش بصرها ، غمغمت بألم 


-وهل انا عشان بطلب أمنية الحب صعب تتحقق ؟


هزت فريال رأسها نافية وهي تؤازرها بقوة 


- لا مش صعب تتحقق .. مش صعب تتحقق يا فرح ، ايمانك لازم يكون قوي


انهارت فرح علي المقعد باكية بمرارة


- بس انا تعبت 


رمشت فريال بعينيها وهي تقترب منها قائلة بدهشة


- تعبتي ؟


انفجرت فرح في البكاء الحار وهي تغطي وجهها بكف يديها ، تمتمت بمرارة


- خططنا .. كل حاجة .. كل حركة بحساب وكل رد فعل بحساب ..  بقيت مش انا يا فريال ، لو هيحبني .. هيحب فرح الجديدة اللي شكلتوها بأيديكم مش القديمة


هزتها فريال بعنف وقالت 


- مين قالك .. مين قالك يا فرح


نكست رأسها ارضًا وهمست 


- انا خايفة في يوم مقدرش اكمل حربه


لم تجد فريال سوي أن تضمها بين ذراعيها لتبكي فرح بانهيار وهي تمتم بكلمات متهورة حمقاء ، أجلت فريال حلقها .. فرح لا تبدو ندًا لنضال إطلاقًا .. الفتاة غير قادرة على الصمود أمامه .. تخشب جسديهما حينما إستمعا الى صوت أجش ساخر


- انتي فعلا مش هتقدري تكملي


جحظت عينا فرح وهي تنسل بعيدة عن فريال لتنظر إليه ، واقفًا أمامها بشموخ ونظرة سوداوية تنبئها بأن القادم هو الــهــلاك لا محالة 


- نـ ... نضال ؟!


ونضال إبتسم  بشراسة وهو يكشف عن أسنانه ، يبدو كحيوان بري ضاري ينظر إليها بجوع ، وهي تبدو كصيد ثمين ، لقد أخرجت الوحش من وجاره وسيقوم بإفتراسها إن لم تجد مقارعته !!


***


خرجت شادية من الاستراحة النسائية لتعود إلي القاعة ، يبدو الوضع كما هو .. مارية وماهر كعصافير الحب ويشاركهما أسرار وسراج ، يبدو الجميع في حالة حب وعشق لا يوجد شيء ينغص حياتهما ، انتبهت على صوت عاصي الذي قال بخشونته المعهودة


- نهاية سعيدة مش كدا ؟


للحظات جالت بعينيها نحو الجميع ، يبدو الجميع مستمتع حتي جيهان ترقص بمرح مع والدها ، كادت أن تجيبه بنعم ، إلا أنها وجدت رجلا يجر إمرأة خارج القاعة ، تمتمت بسخرية


- مين قالك 


عبس عاصي وهو ينظر إلي عيناها الجامدة وصوتها الخاوي يقول


- لسه القصة مخلصتش يا عاصي


استطاع الإمبراطور القبض علي سبيته بامتلاك ، لكن ماذا السبايا الهاربات ؟ ، سؤال طرحته لحالها وحال جيهان ثم حال تلك التي تم سحبها للخارج ، اتسعت ابتسامتها وظهر تألق في عيناها السواويين ، هناك سبايا لم يخضعن لسلطان العشق ... وسبايا تترصد العشق .


تغضنت ملامحها برفض للفظ كلمة "سبايا" لتعيد تصحيح الكلمة قائلة " لسن سبايا بل نساء حرة .. آبية ، لم يستسلمن لتيارات الهوي أو لم تجرفهم تلك الرياح العاتية بعد ؟!! "


التفتت بجسدها نحو وقالت بنبرة ذات مغزى 


- لسه بداية جديدة يا عاصي ، مفيش حكاية بتنتهي بسهولة


تنهدت آسيا بحرارة وهي تزيل دمعة سقطت رغمًا عنها وهي تراقب شقيقتها الصغيرة ، زفت إلي عريسها ، جمعت شتات نفسها سريعًا وهي تخرج من القاعة تغمز بنظرة ذات مغزى نحو حراس القاعة ، شقيقتها استسلمت وسلمت جسدها كقربان للعشق .. أما عنها فهي ستقف لمن يقترب منها بالمرصاد . 

                    تـمـت بـ حمـد الله

لقراءة باقي الفصول من هنا




تعليقات



<>