رواية المتحول الوسيم الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم ساره منصور

رواية المتحول الوسيم الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم ساره منصور 


قام من الارض والدهشة تتوج عيناه الرمادية ، اقترب منها بخطوات متثاقلة ينظر اليها متفحصا ، فكيف له أن يصدق ماتراه عيناه الان ، فالشخص الذي كان يغار منه طوال عمره ، ويتمنى ان يذقه من العذاب  ، كان خنثي !!

أحاطت يدها على صدها ، وعيناها جاحظة برعب أثار قلبها بجعله يخفق بجنون ، لم تستطع أن تكتم دموعها ، وهى تراه ينظر اليها بتلك الطريقه .

الطريقه التى كانت تخشاها من الجميع ، لم تعرف أنها مؤلمة الى هذا الحد ، حتى تشعر بالانكسار أمامه .

_ كنت خنثي ...

قالها أدم وهو يطلق ضحكة ساخرة ، قتلت قلبها  بعدة طعنات،حتى تلاشت ثقتها التى كانت تبني فيها شهرا ، وتعززها .

خرجت شهقه من ثغرها ، تظهر كافة آلامها ، وهو يدور حولها ينظر اليها متفحصا بسخرية .

فاسرعت تأخذ القميص الذي بجانبها ترتدية

...إسلام أكرم ،هاهاهاها ...، خنثي .

أول مرة أشوف حد بالحالة دى ، حاجه عجيبة ، 

الله !!! بتعيط ليه بس  يااسلام ...أوبس .. أقصد يا ياسمين  ..

قال أسمها هامسا فى أذناها ، لتبتعد وجسدها لايتوقف عن الارتعاش ، فكل كلمه ينطقها ، ترى أنعاكسها داخل عيناه ينبأ بالشر الماكر . 

عندما راها تبتعد عنه ، حتى لايضع يده عليها ، أقترب منها وأمسكها من زراعيها ساحبا اياها ، عند مكتب والده .

لم تشفع دموعها ولا شهقاتها له ، فقد كان الغل داخل عيناه ، يذكره أنه ظل يعانى بسببها ، حتى ذهب الى طبيب .

 فكيف له أن ينظر اليه ام اليها ، أم لتلك الخنثى .

دخل على والده فى غرفة المكتب بدون أن يطرق الباب ، ليجد أنه جالسا على المكتب ينظر الى بعض الصور ويبكي !!!

_ أنت أزاى تدخل عليا كدا ، أسلام ، أنت أزاى ماسكه كدا ، نزل ايدك ..

ضحك أدم بسخرية على والده بصوت يدوى فى ارجاء المنزل وقال  وهو يلقي اليه الورقة طبية ..

_ إسلام  هااه ، تقصد ياسمين .  

أنتبه العم ناجى الى هذا الرباط الذي كانت تحيطه ياسمين على صدرها  من القميص الذي لم تغلقه جيدا .. 

فتح الورقة بغرابة يقرأ مابداخلها .

أرتعشت يداه وهو يقرا كل كلمه بعناية عدة مرات .

_ شوفت اللى كنت بتحاربني عشان كان خنثي .

قالها أدم بسخرية ليعم الصمت دقائق ، حتى ظهر صوت اباه يئن من الألم ، وهو يرفع بصره الى ياسمين ، التى كانت تبلل وجنتيها الحمراء بالدموعها الحارقة . 

لم يستطع أن يقف على قدميه ، فسقط على كرسيه وهو مايزال ينظر اليها ، لتسقط الدموع من عيناه الاخر، وهو يقرأ لغه عيناها البائسة .. 

فقال بصوت باكى منكسر

_ مقولتليش ليه ، محدش عرفنى فيكم ، 

..عشان كدا أخويا مات لما خسر الفلوس ، كان عاوز يعملك العملية . 

طب ليه ، ليه معرفنيش دا أنا أخوه ، كنت بشوف وشه يوميا .. ليه عذبك وعذب نفسه ...

...وأنت ، ليه مقولتيش ليه ...

... ليييه 

قام العم ناجى من جلوسه وخطى اليها بتعب وأمسكها من كتفيها وهو ينهرها..

_ ليه ليه ، ليه روحتى لوحدك ، مكنتيش خايفه ، لو كان حصلك حاجه ، مفكرتيش فيا . 

أنت قلبك قاسي زي أبوك .

_ كفايا ...حرام عليك ..كفايا .. ارحمونى . 

قالتها ياسمين وهى تصيح ، لتقع على الارض بحسرة وعمها يمسك يدها.فنزل على الارض مقابلا لها ..ينصت اليها  بألم .

_ كلكم شبه بعض ، أيوة أنا بعترف أنى خنثى ، فيه ايه يعني ، حرام؟ . هدخل النار؟ . بتعملونى كدا ليه .. كنت عيزنى أجى أقولك عشان تخليني راجل ، عشان مفضحكوش .. أنا معملتش حاجه غلط . أنا بس كنت عاوزة أمى ترتاح . 

محدش فيكم له حق عليا ، أنا هعمل اللى عوزاه . 

فى تلك اللحظة شعر أدم بوخز داخل قلبه ، أعتقد أن تصرف معها بعنف سيرتاح من هذا الشعور الذي يقتله  ، لكن لما الان يشعر أن كل كلمه تخرج منها كالصفعه على وجهه .

قامت ياسمين من الارض وسحبت يدها من عمها الذي كان يبكي عليها وعلى كل مامرت به ، فعندما مرت تلك الكلمه على مسمعه ، أنه سيجعلها رجل ،علم  مأساتها والسبب فى اخفاء تشخيصها ، أن أخاه كان يريد جعلها ولد . برغم أنها فتاة .

هرولت ياسمين الى غرفتها ، وأغلقت الباب على نفسها ، تصرخ بأقصي قوتها حتى سمعها كل من فى الحى . 

لم تتوقف حتى وهى تسمع صوت عمها ، يطرق الباب ويتوسل لها أن تفتح . 

ظلت فى غرفتها اسبوعا كاملا ، لايراها أحد . 

لاتفتح باب غرفتها الا لدخول طعام ، فقد عقد معها عمها إن لم تريد أن يأتى اليها ويتحدث معها عليها أن تتناول الطعام ، والا لن يتوقف عن المجئ وطرق الباب . 

                        ***

لم يتوقف أدم عن المرور امام غرفتها ، ووضع أذناه على غرفتها حتى يسمع أن كانت تبكي أم لا ، فشعور الندم قد سيطر عليه ، وهو يراها بتلك الحالة . 

ولم يتوقف عن العبور من الشرفة فى الظلام ، حتى يراها وهى نائمه ويظل يراقبها ، وهو يسمع شهقاتها وهى نائمة كطفل الصغير . 

تذكر عندما كان فى المتوسط ، وتبكي بعد أن تعرضت لضرب من سيف ، كم كان سعيدا ذلك اليوم ، وهو يراها بتلك الطريقة .

جاء بخاطره

 أن كان يعلم بحالها ، هل كان سيساعدها أم يتركها . 

كلما يراها نائمه تبدو كالطفل الصغير الذي تركته أمه يبكي بمفرده ، فيشعر بالشفقة عليها أكثر ، فكم كان أنانيا معها ، لما أراد فى تلك اللحظة الذي علم ضعفها ، أن يكسرها أكثر . 

الم يفكر فى مرضه الذي جاءه بسببها ، ويظل يذهب الى الطبيب معتقدا أن به علة ، ألا يجب عليه أن يسعد الان لأنه كان طبيعيا منذ البداية ، وأن قلبه السقيم كان يرى حقيقتها بدون أن ترها عيناه .

مرر يده على خصلات شعرها ، فلامست وجنتياها الدافئة ، فتسلل اليه هذا الشعور مرة أخرى .  بجعل قلبه يخفق كقرع الطبول الثائر ..

يصب داخل عروقه بنقاء نسيمها عبر انفه ، فاستسلم لوجهها الذي أخذ يديه وسادة.

أحس بأنها على وشك الاستيقاظ ، عندما تقلبت بجسدها الى الجهه الاخرى ، فخرج مسرعا يعود الى شقته فى الدور العلوي .

                        ****

جاء الصباح مصاحبا لأصوات العصافير ، تزقزق داخل شرفتها ، لتستيقظ وهى تتنهد  على صوت طرق الباب . 

_ ياسمين ، أفتحى ، أنا عمك ... هقولك بس حاجه وامشي على طول . 

قلبها ينذف وجعا ، لكن يعترف لها أنه سامحه ، فيكفي أنه أعترف بأنوثتها  . 

فاقتربت من باب غرفتها بتوتر ، وفتحت الباب بيد مرتعشه . 

عندما رأها عمها أحطها بين زراعيه ، يربت على ظهرها ، ويعتذر كثيرا .

_ أنا يابنتي ، أسف ، أنت برضه لازم تحسي بيا ، أنا لما روحت لدكتور قالى حاجات كتير أووى لحد دلوقتى مش قادر أستوعب ، بس قلبي شايف أنك ياسمين . 

سامحيني يابنتي ، أنا مش هاين عليا أسامح اخويا ، لما الدكتور قالى حالتك كانت ممكن أتعالجت من زمان زعلت ، وقلت أزاى أنت اسحملتى كل دا . 

.. أنا عاوزة أقولك حاجه ...

أنت بطلة ياياسمين ، بطلة ,انا والله ليا الشرف انك تكون بنت أخويا ، بدون أى حاجه ، عارفه ليه ..

لأنك كنت عارفه اللى فيك ، وكنت عايشة وبتنجحي ، شاطرة فى كرة القدم ، والدراسة ، وجايبه مجموع كبير مش اى حد يجيبه .

قالها العم ناجى وهو يربت على كتفيها ويحاول كتم الدموع .. فهو يريد أن يكون قويا لكى يكون داعما لها ، فلم يكن لها ذنبا فى أى شئ .

فعض على شفتيه وهو يراها تبكي بدون توقف .

فأردف ..

_ أنا معاك فاللى تختاريه ، بس بشرط ..

رفعت ياسمين رأسها اليه وعيناها تسبح فى غيوم ضبابية ...

فابتسم .. وهو يقول 

_ تعرفي امبارح عملت ايه ..

روحت قدمت ليك فى كلية الهندسة،

 بدون ليه ولا لا ، أنت هتكملى تعليمك  ..و هعوضك عن كل حاجه شوفتيها ..

_ بس ياعمي ، 

_ بدون بس .

_ طب سبني وقت أفكر .. 

ربت العم على كتفيها وهو يبتسم ويميل رأسه بايجاب ، وخرج من الغرفه ويرمقها بنظرات تؤلمه أكثر .

فحينما عرف بهذا الامر ، شعر أن صخور الدنيا حطمت جسده ، وهلكته ..  فما يخشاه تقبل المجتمع لها ، ومستقبلها المجهول . 


                       ****

أرتفع القمر يضئ خلايا وجنتيها الحمراء ، ويرطب عيناها الزرقاء ، وهى تمشي على الطريق بمفردها ، ذاهبه الى بيت رامي  بعد تسللت من وراء عمها .

تفكر دائما 

 ماذا ستكون رده فعله ، هل سيبتعد عنها ، أم يشفق عليها ، أن تخيرت بين هذين الامرين لاختارت الشفقة .

وبعد أن وجدت رامي  فى المنزل ، وقد باد عليه الحزن هو الاخر ..

_ انا جتلك البيت  كتير ، كل لما اروح يقولولى انك مش موجود ، بجد زهقت منك ، انت  ضاع من اول ماتش ..

_ معليش يارامي كنت تعبان والله .. 

_انت مش عجبني اليومين دوول ..

تنهدت ياسمين وهى تميل رأسها بايجاب ..

و  طلبت منه الخروج فى نزهه ، فوافق فورا ، لكنه ذهب واخذها معه الى جده بسيارته ...

مرت ساعه كامله فى الطريق ... فدهشت وهى تنظر الى  خريطه السيارة 

_ انت رايح فين ... بقالنا كتير ، وبعدين الخريطه دي جايبه على ساحل البحر ليه 

_انت رغاي اووى النهاردة ليه ، وبعدين لسه قدامنا ست ساعات ...

_نعم ..... وقف العربيه ... وقف اصل انط منها ...

قام رامي بزيادة سرعه السيارة بجنون  ،وقال 

_لو مسكتش هزود .. انا بقولك اهو ..

_ خلاص يخربيتك هتموتنا ... 

عضت ياسمين على شفتياها بضيق ، تفكر بعمها ،فقد تأخر الوقت كثيرا .

مرت سبع ساعات حتى اشرقت الشمس  ، فلم تستطيع ان تطرد النوم من عيناها فاستسلمت له .. 

طوال الطريق ورامي يقوم بمراقبتها ...  ويتصفح وجهها بغرابة ،حتى جاءت سيارة كانت ستطيح بهم لولا انتباه رامي  فى اخر دقيقة .

فاستيقظت ياسمين تتأوه ، اثر اصطدام رأسها بالباب ، ولكنها اكملت نومها مرة اخرى ، بسبب الارهاق الشديد.

وعند الوصول الى منزل الجد 

كانت الشمس وصلت لمنتصف السماء تخفيها السحب تارة ،وتظهر اشعتها تارة اخرى  .. وصل صوت الشاطئ الى اذناها لتستيقظ داهشة انها نامت كل ذلك الوقت .

كان المنزل صغيرا بلون اللبني ،يوجد على ساحل البحر ، يملك فناء واسعا وارضيته بالعشب الاخضر ، وشجرتان أحدهما موز ، والاخرى تفاح . 

وشرفه كبيرة فى المدخل  .

كانت ياسمين تنظر الي البيت بعجب ، فالشمس بقرصها الكبير تنعكس داخل عيناها ونسمات البحر تأتى اليها مسرعه بنعومة على كافة جسدها   أمام المنزل،مما يمرر داخلها بالهدوء والراحة ، فالنسمات تحتضن جفونها التى انتفخت من كثرة البكاء ، تشعرها بالاسترخاء .

_ ازيك ياكبير ، ايه الاخبار .

هتف بها رامي وهو يحتضن جده بعناق اشتياق فرد علي الجد 

_ ياوحش ياواد ياوحش ، لسه فاكر جدك .

_ ماانت عارف بقي اللى فيها يا كوكو،

 دا اسلام صحبي  .

_  اهلا وسهلا بيك ياحبيبي  أنيست وشرفت .قالها الجد لياسمين وهو يقوم بمصافحتها ، وينظر اليها بغرابة .

وبعد أن جلست ياسمين فى حديقه المنزل تتصفح الزهور والاشجار وتنصت الى صوت البحر ، سحب الجد رامي الى الداخل ، وقال له 

_ جايب ياخويا الولد الحلو دا منين ، مش عارف تجيبه لتوفى أختك .

_توفى ايه ياجدي دلوقتى .....أأأأأه صحيح توفى ، الواد اسلام دا مفيش زيه،  أزاى أنا مفكرتش فى حاجه زي دى.

_ عيل أهبل..، زي ابوك . المهم ... شكلك مش عجبني ، انت مبتجيش ليا غير فى المصايب . 

ايه المصيبه اللى عملتها ... 

_ ليه ياجدو تقول كدا ، أنا جايا اطمن عليك 

_ اهى نبرتك دى بتقلقنى .. أصلك ندل .. متعرفش حد غير فى المصلحة .

تنهد رامي وهو ينظر الى جده ، فجده قادر على قراءة مابداخله بنظر واحده .. لكن هل  يخبره بما لا يستطيع أن ينطق به .

تنهد رامي وقال ، بعدين خلينا دلوقتى نهوى نفسنا . 

_ ماشي ياخويا ، أنا طالع أنادى توفى .

ابتسم رامي وهو يتابع جده ، وفكر فى توفى فى أخته الصغيرة التى أنجبها والده من زوجة اخرى ، ومن ثم تخلت عنها والدتها ، لتقتن معهم ، لم تحب توفى والدة رامي والحياة معهم ، وبقت مع جدها .. ولأنها كانت تكره المدرسه فتوقفت فى المحله المتوسطه .

رجع رامي الى اسلام وهو ينظر اليه بخباثة ، ويرقص حاجبيه ذهابا وايابا  . 

فابتسمت ياسمين  واطلقت ضحكة وهى تراه بهذه الطريقة ، ومن ثم جلس مقابلا لها .

_ ها ايه رايك .

_ المكان هنا جنة ، أنا لو مكانك أجى هنا على طول .

تنهد رامى وهو ينظر اليه طويلا ، وقال 

_ شكلك مكتئب زيى ، يترى ايه اللى عامل فيك كدا .

انفتح ثغرها تريد أن تخبره بما يحدث معها ، لكن الخوف من رده فعله ، وخاصة بعد ردة فعل أدم جعلتها تخشاه أكثر ، فان نفر منها أيضا ، الى اين ستذهب . فلا يوجد لديها أى أصدقاء .

فأردف رامي وهو يتابع صمته ، ونظرات عيناه المريبة .

_ قولى يااسلام ، لو مثلا أنت اتجوزت ومراتك مش بتخلف ، هتعمل ايه .. 

هتعيش معاها ، ولاتسيبها ، ولا تتجوز عليها .

أطلقت ياسمين تنهيدة طويلة ومن ثم قالت

_ لو انت مثلا اللى مبتخلفش هتحب انها تختار ايه ؟؟

شعر رامي بالتوتر ولم يستطع أن يجيب ، فأردفت ياسمين .

_ هاه ، سبحان الله مافيش حاجه كامله ..فعلا كل واحد عنده حاجة بتخليه يحس بالنقص . 

وكأن ماقاله رامي وما أجابت عليه ياسمين  كان ردا لها ، على حزنها . بأن الجميع لديه حفرة . يخشي أن يسقط فيها ، وينفر منه الجميع .

فى تلك اللحظة دخلت فتاة ترتدي فستانا بينك ولديها شعر طويل وعيون واسعه تنبض بالعشب الاخضر . 

دهشت ياسمين وهى تنظر الى تلك الفتاة الجميلة الرقيقه ، وخاصة بعد أن وقف رامي بجانبها ويضع يده على كتفيها ...

_ دى بقي توفى أختى الصغيرة .

أبتسمت ياسمين وقامت مرحبه بها ، ونست تماما ، أنها أمامهم شابا ، يريدون أصطياده لتلك الفتاة .

جلس الجميع أمام بعضهما وقدمت لهم العصائر الملونه ، والفاكهه وخاصة الموز بكمية كثيرة  . 

_ توفى معتيش تاكلى موز ، هتبقي قردة .. 

قالها رامي وهو يغمز لها ، وينظر الى اسلام ، بنظرات لم يفهما هو .. 

كانت أصواتهم تعلو بالضحك تمتزج مع صوت البحر والطيور .. التى تذهب الى عشها مودعة النهار .

ومع دخول الليل ، اخذ رامى اسلام  الى البيت المجاور لبيت جده .

_ البيت دا كنت بعد ألعب فيه مع البنات . منساش ابدا ،بنت 

اسمها تونة ، كانت بتحبني أووى وكل شوية تمسك فى ايدي 


والعيال يعدو يذفونا زى العرسان .. أأأه كانت ايام .. الواحد مكنش بيشيل هم اى حاجه .

مطت ياسمين شفتيها بضيق وتنظر اليه باستحقار وتمتمت

_  تيييييت همه البنات .

لم ينتبه رامي الى تمتمت ياسمين فقد لمح أكثر شئ يستمتع 


به ، فانتفض مسرعا الى  تلك الارجوحة القديمة .. 

وهتف الى ياسمين 

_ تعالا زوقنى .. بسرعه ..

_ يعني بتاع بنات وتافه كمان .

قالتها ياسمين وهى تسرع اليه ، وتقوم بدفع الارجوحة .



_ زوق حلو .. يابني عملى فيها راجل ، وعضلات صدر .. وأنت ..

فى تلك اللحظة قامت ياسمين بدفعه بقوة ، فأردف 

_ ايوة كدا ..

أأأه ... تعرف يااسلام أنا أول ماشوفتك واحنا صغيرين ،،قولت 


فى نفسي الولد دا نايتي ، وكنت بتستفزنى أوى وانت بتتكلم . كنت شبه ...

 يلا بلاش ...عشان متزعلش .

شردت ياسمين الى الوراء ، فتذكرت الماضي كله .. فارتسمت ابتسامه على وجهها بألم ، وقالت 

_ ودلوقتى لسه شبهم ...

_ مممم شوية ..  انا بحب اقولك الصراحة دايما 

تنهد رامي وقد باد عليه الحزن وقال ..

_ تعرف يااسلام أبويا ، حرمني من الورث ، وبيقولى هيعطي كل حاجه لسيف . 

_ أكيد زعلته ، هتلاقيه لحظة نرفزة .

_ تعرف اللى وجعنى أووى ، ..

.. حياتي كلها بقت صعبه ، ومراتى شيلانى أووى ..

.. تعرف يااسلام لما عرفت ،أنى أنا ...

.... أنا ..

أنتبهت ياسمين الى تغير نبرة رامي الى الحزن ، فكانت تعتقد 


أن رامي حياته كلها سعادة ولايوجد به أى شئ يجعله يحزن ، 


أنتظرت كلمته الاخيرة ، بأذن صاغية .. وهى ماتزال تدفع الارجوحه ..

فأردف رامي 

_ أنى مبخلفش ... 

علمت أن الدموع تسقط من عيناه وان كان يدير ظهره ، فنبرته 


تكشف مكنونها .



فتساقطت الدموع من عيناها اثر صدمتها ، فأشفقت عليه .. 


حاولت أن تقول بعض الكلمات لتجعله يهدأ ، لكن شعرت أنها هى من تحتاج ..

فارتعشت شفتاها ، ولم تستطع ان تتحدث .

_ تعرف مراتي قالتلى ايه لما عرفت ،..

هتستغرب اووى ...

... أنها مش بتحب الولاد ، وانى أنا عندها أحسن من اى طفل ..، صعبت عليا ،أووى أن أنا حكمت عليه بحاجه زي دى ، بس بجد غصب عنى .

أنا مكسور أوووى يااسلام ، ومش عارف أعمل ايه .

_الطب اتقدم دلوقتى وبقي فيه علاج ، متعلمش بكرة هيبقي فيه ايه ... 

تنهد رامي تنهيدة طويلة .... ومن ثم قال .

_ ماتزق كويس يابني ، دا لو جبت فرخه هتزقنى حلو .

_ لو سمحت تعرفوا ألاقي أى سوبر مركت قريب من هنا .

هتفت بها فتاة من أمام المنزل المجاور ، لينظر رامي واسلام 

اليها ليروا أنهم فتاتان  يتمشان على البحر . 

فتوقفت ياسمين عن دفع الارجوحه ليصل اليها همس رامي .. وهو يقول .

_ أنا البنت الشقرا وأنت التانية ... ولا أقولك  سبهوملى ، عشان أنا حجزك لاختى ..

وقفت ياسمين كالرمح الصادم ،تنظر اليه بدهشه ، فكزت على 


أسنانها ، مما زاد دفعها للأرجوحة بقوة  حتى سقط على الارض مباغتةً ،ويئن من الالم .

                    ***

_ بابا أنا فكرت فى الموضوع دا كتير قبل ماأجى. ياريت تتفهمه .

_ خير ياادم ، اتمنى ميكونش خاص بياسيمن ، عشان مش 


هسمحلك تأذي البنت ..كفاية 

فقال مقاطعا 

_ متقلقش ، دا فى صالحها ، هى بنت عمى برضه .

..أنا شايف الاصلح ليها أنها تسافر بره  .. 

_ أزاى يابني ...  ونسبها لوحدها  ، هى محتاجة فترة نقاهة وأننا نكون جنبها .

_ مش هتكون لوحدها ، هنشوفلها حد تتجوزه .



_ مالك كدا بتتكلم بثقه ، طريقتك دي مش عجبانى ، كمان 


صعب جدا ان حد يوافق بحالتها ، متوجعش قلبي أكتر .

_ ماهو عشان كدا أنا فكرت كويس أووى فى النقطه دى ،

...أنا هتجوزها ..


رواية المتحول الوسيم 


الفصل العاشر 

 انتفض قائما من مجلسه ، واتسعت حدقة عيناه ،وهو ينظر اليه بصدمة ، فلم يكن يتوقع أن تخرج تلك الكلمات من فِيه، بل لم يتوقع أن ادم  ينظر الى ياسمين بتلك الطريقة .

فعندما رأها وهو يمسكها بتلك الطريقة ويسخر منها أمامه، تسرب الخوف الى أضلاعه ، حتى أنه خشي أن تأتى المنية مباغتةً  ، حتى لا تقبع تحت رحمة أبنه بمفردها.

_ أنت فكرنى مش عارفك ولا تائه عن تصرفاتك ، دا أنت أخر واحد ممكن أجوزها ليه . 

... بطل يا أدم الكره اللى فى قلبك ، أوعى تكون فاكر أنى معرفش أنك طول عمرك بتغير منها وهى صغيرة ، نسيت انك  كنت تيجي تقولى ايه ، كل يوم بعد المدرسة .

أبتلع أدم ريقه بصعوبة وهو يرى نظرة والده الصارمة ، التى تشع غضبا ونفورا ، كأنه هو الغريب الذى يطلب شيئا ، ليس من حقه حتى ان ينظر اليه . 

_ نسيت كل يوم تعد تزن عليا عشان ابعدها  من فصلك ، ولا أنقلها من المدرسة . 

كنت بستغرب فيك ، أزاى ولد عنده 8 سنين يبقي فى قلبه الغل دا ، وطريقة الكلام اللى كلها غيرة . 

مكنتش أتخيل أن ابني أكتر واحد بحبه فى أخواته  ، يبقي واخد غل أمه وحقدها .

عض أدم على شفتيه وهو يخرج من مكتب والده مهزوما ، وقد تركت كلماته فى نفسه أثرا مؤلما ، فلم يكن أباه يعلم، لما كان يفعل ذلك ، فقد كان يرى اسلام  سكينا على وشك قتله ، هو فقط اراد ان يحمي نفسه .

 تنهد وهو  يتذكر الماضي ، عندما رأها للمرة الاولى فى حياته عندما كان فى عامه السادس  . 

فتاة قصيرة الشعر بيضاء البشرة ، زرقاء العينان ،وفتاة أخرى ترتدي فستانا قصير بشعر طويل. يجلس الاثنان بالقرب من سيدة لايعرفها يتحدثان مع والده فى حديقة المنزل .

ظلت الفتاتين الصغيرتان  يراقبونه  ، حتى لمح أن أباه اشار اليهما  أن تذهب ليلعبوا معه  ومع أصدقائه .

اسرعت الفتاه ذات الفستان القصير اليهم ، والفتاة الاخرى تتابعها بالخطى لكن ببطئ ،حتى وصلت اليهم ووقفت تنظر بدون كلمه واحدة . 

كانت عيناه لاتترك صاحبة الشعر القصير  ، وينظر اليها فقط ، حتى أنه لم ينتبه الى هذا الحجر الكبير الذي جعله يقع على الارض  ويصطدم به .

كتم الوجع داخله ، حتى لايصدر صوتا ، لكن صوت الفتاة صاحبة الفستان  ظهر عاليا تضحك وتضع يدها على شفتاها . 

والفتاة الاخرى ذهبت مسرعة تطمئن عليه وتربت على ظهره ، وتمسك بيديه حتى يقف على قدميه .

_ معلشي ، أنت كويس ... 

مال رأسه بايجاب وهو  ينظر الى تعبير وجهها الساحرة وعيناها النابضة بالبراءة ، رغم صمتها وعبوس وجهها الدائم الا أنها جميلة خلابة ، جعلت قلب الصغير يخفق بحرارة .

أمسكها من يديها برقة ، أمام الجميع ، وخطى الى والده  وعندما وقف أمامه ابتسم بسعادة وهو يقول .

_ بابا .... أنا عاوزها عرو .... 

_ أدم ياحبيبي شوفت اسلام ابن عمك أكرم . 

قالها والده مقاطعا لكلماته ..لتنقلب معالم أدم  الى الصدمة ، فنظر الي تلك الفتاة مرة أخرى ، لينتبه أن تلك الفتاة ترتدي لباس أولاد ، ولا تضع قرط فى أذناها .

_ ولد ... هتف بها أدم بدون تصديق ..وغضب وهو يبعد يداه عن يده ، وقام بدفعه من صدره ، حتى سقط  اسلام على الارض يبكي ..  

_  انت ياولد تعالا اعتذر  حالا من ابن عمك .....

....انا اسف يااسلام ياحبيبي....... ، هعقبه بس لما يرجع ،

الصغير اللى فيهم بس اللى مغلبني بتصرفاته معلشي ياست رحمة  . 

عاد أدم  مسرعا الى الفتاة الاخرى  .. وهو ينظر اليها بضيق ويقول ..

_ أنت بنت وحشة ..مش حلوة .

_ لا أنا حلوة .. قالتها تلك الصغيرة بدلال .. ثم أردفت .

 أنت أدم ابن عمه ناجى ، أنت شكل مامتك خالص ،... أنا اسمي لبني .  

_ اسمك وحش ، معتيش تيجي عندنا ، أنت ولا الولد اللى هناك دا ..

                          ****

تنهد وهو يتقلب على الفراش بجانب زوجته ، ويتذكر ايضا  وهو ينظر الى ملامحها وهى نائمة ، أنها كانت تجيد التعامل معه فى سنوات الشباب ، حتى نجحت فى الوصول اليه بسهولة .

وأنه طوال حياته لم يفعل سوي الهروب من تلك المشاعر التى كان يخشاها ،ويبقي  بالقرب من زوجته لبني لعلها تتركه.

_  لبني ..

همس بها وهو يتذكر البارحة عندما وجد هاتفها ينبه باشعار رساله تظهر على الشاشة ، بان حسابها البنكى زاد سبعمائة الف . 

العدد  نفسه الذي أتهمت به ياسمين بسرقته، 

هو لم يجعلها بحاجة الى المال أبدا ، فلما تسرق منه .

رأسه يضغ بكل شئ ، لكن يسيطر عليه  شئ واحد فقط ، يريد الفوز به .

 قام من فراشه وخرج من شرفتة بهدوء ، الى الشرفه التى بالاسفل .

صدم عندما رأى الفراش فارغا ، والساعه تتجاوز الواحدة صباحا ، نظر يميا ويسارا ، وبحديقه المنزل .

لايوجد أثر لها فى أى مكان ، جاء فى خاطره أنها ربما هربت . 

فهرول الى خزانه ملابسها يتصفح ان كانت فارغة ، لكن  ، كل شئ فى مكانه ، قلب الفراش ليبحث عن المال مرة أخرى ، ليراه كما هو . 

فى تلك اللحظة تسرب الي تفكيره 

(جبتي الفلوس دي منين ياياسمين )

زفر طويلا واردف 

(  اكيد من رامى هو الوحيد ، اللى بتمشي معاه )

انارت بعيناه شعلة زادت وهجها أكثر ، فاخرج هاتفه ، وعقله ينسج له ردة فعل رامي عندما تخبره أنها فتاة . 

تنهد بغضب  وهو يري هاتفه خاليا من رقمها ، فاسرع بطلب رامي ، عدة مرات  ، ولم يجيب .

( ياريتك كنت سرقتى الفلوس منى)

                    ****

_ خييير فى حاجه ؟؟ 

قالها رامي وهو يقود سيارته ، فهو يرى من مرآته الجانبية أن اسلام يراقبه طوال الطريق بنظرات خاطفة .

فقالت ياسمين وهى تتنهد .

_ مكنش ينفع اللى حصل دا يارامي ، عمى هيقول عليا ايه ، لو عرف .

_ مالك يابني خايف كدا ليه ، وعمك هيقول ايه يعني ، غير أنك مع صحابك .

تنهدت ياسمين وهى تنظر من شباك السيارة ،وهى تشعر بالقلق تمنت لو لم يشعر بغيابها احد .

لم تتوقف عن أكل شفتاها من القلق ، والنظر فى عقارب الساعه فى شاشة السيارة ،حتى تسرب اليها شعور النوم .

لم يتوقف رامى عن مراقبته ، وهو ينظر الى رقبته البيضاء ، وهو نائم على باب السيارة ، حتى أقترب يلمس وجنتيه الدافئة . 

لترتعش يداه وهو يمررها عليه ، ويري ان بشرته ناعمه !!!!! مثل الاطفال .

تلاشي اعتقاده بأنها الحلاقة الجيدة مثل ماكان يعتقد  ، الى شئ غريب ، لم يستطع أن يكتم فضوله عن ملمس جسده ، فمرر يده على زراعيه ليراه رطبا لينا بعض الشئ .

فسارت الرعشة داخل جسده بالكامل  ، وهو ينظر اليه بغرابة، فكيف لشاب أن يكون هكذا ، أعتقد أن هناك شئ ماخاطئ .

وبعد عدة ساعات 

زادت الرياح الخريف  تهب مع  شروق الشمس تحمل انتعاش رطبا ، يمتزج مع رائحة الصباح ، تتداعب أنفها الصغير من شباك السيارة ، حتى أستيقظت لتتسلل اليها اشعه الشمس تنير بؤبؤ عيناها أكثر . 

_ اخيرا وصلنا مش  هتحصل تانى ، أنت فاهم . هتفت بها ياسمين . الى رامي الذي كان ينظر اليها صامتا .. حتى قال وهو يخرج علبة صغيرة من جيب سيارته .

_ أمسك التلفون دا ، عشان اعرف اوصلك . 

_ ايه دا ، لا طبعا ، مش عاوز ، أنا كنت هشترى اساسا . 

_ بس بقي ياعم ، أمسك . ويلا اطلع طمن عمك اللى شيلتني همه . 

ابتسمت ياسمين وهى تنظر اليه ، وتميل رأسها بايجاب . 

وبعد أن خرجت من السيارة ، تابعها رامي بغرابة ، وهو يقول .

_ أمرك عجيب يااسلام ، بس لازم عيوبك دي  تتصلح .

 هتف بكلمته الاخيرة وهو يدير مقود سيارته .

صعدت ياسمين الى غرفتها وقد علمت أن عمها خرج الى عمله ، فدخلت غرفتها وهى تتنهد براحة وتنظر الى علبة الهاتف الجديد  وهى تبتسم .

جلست على فراشها وبدأت تفتح علبة الهاتف، ولم تنتبه الى الذي يجلس على الفراش مقابلا لها .

_ مشفتش حد متسامح مع نفسه أكتر منك  . 

مرت الكلمات على اذناها بصدمة لتلتفت برعب اليه ، حتى خرجت شهقة من ثغرها وهى تراه جالسا على فراشها باريحيه .

_ أنت هنا ليه  ، أطلع بره حالا . 

_ أنت نسيت ان دا بيتي  ، وانت مجرد لاجئ هنا ، جبت الجراءة دى منين ، ولا عشان فاكر لما  اعرف بحالتك دي هشفقك عليك  . دا أنا ...

ردت ياسمين مقاطعة 

- مش هسمحلك تكلمنى بالاسلوب دا أنت فاهم .

فى تلك اللحظة علا صوت رنين الهاتف الخاص بأدم فنظر الى المتصل .  فقال 

_ حظك حلو انى مش فاضيلك ، اسمع لازم ترجع الفلوس دي لرامي ، ايوة  رامي ..مالك مصدومة كدا ، فكراني مش هعرف . 

ولمى نفسك ومعتيش تروحي هنا ولا هنا ، انسي بقي انك كنت راجل .... اقصد  خنثي... عشان رامي لو عرف هيقرف منك .

قالها وهو ينظر اليها بضيق ساخر ، وهى فقط تنظر اليه باستحقار .  وتقول 

_ أنت فاكر رامي  زيك ..

التمعت عيناه عند تلك الكلمة ليتأكد مما كان خائفا منه ، فقال هامسا بسخرية..وهو يقترب من أذناها 

_ وانا منتظر اشوف ردة فعله .

عشان تعرفي مين الاسوء  قال جملته الاخيرة ، وسحب الهاتف الخاص بها من يدها بقوة ، وضغط على عدة أزار به ، حتى وصل اليه رنين فى هاتفه . وهى تتابعه بغرابة ،

ثم ألقى الهاتف على الفراش . وأردف

_ الدكتورة ريهام  مرات عمك هتيجي قريب ،هى واخواتى ، بمعني 

تعملى حسابك تفضلي فى الاوضه دي متخرجيش منها ، غير بإذني .. 

قالها وهو يشير بهاتفه اليها .. ويخرج من الغرفة ويغلق الباب بقوة.

زفرت ياسمين بشدة وهى تراه بهذه الطريقة ، تريد أن تعيش حياة سعيدة ، لكن الواضح لها أن حياتها ستكون بها عدة عوائق .

ارتمت على فراشها وهى تتنهد  ،لم تتوقف عن التقلب ، شعور الارهاق يغزو جسدها بثقل رهيب .

طوال اليوم لم يأتى اليها النوم ، برغم التعب الذي بها والخمول .

كل زفير يخرج على هيئة تنهيدة مؤلمة تصيح بتعب قلبها .

لا تعرف ماهذا الشعور الغريب ، ولما تشعر بهذا المرض . 

أستمر الالم اسبوعا كاملا يزداد فى دخول الليل  ، تتقيئ ، لاتستطيع التحدث مع أحد ، تنام على الفراش ولا تتحرك ، عيناها مغلقة وجسدها ساكن عن الحركة ،لكن حواسها كلها تنصت لما حولها  . 

تشعر بخطوات خفيفة تدور حولها دائما فى الليل الثقيل، لكن لم تستطع أن تفتح عيناها من شدة التعب .

الشئ الوحيد الذي تعم فيه الحياة هى عيناها التى تتنفس بالدموع المؤلمة التى  تخرج الكلمات من قلبها  ويبقي التعب ساكن بين أضلاعها يذقها بالمرارة .

وفى اليوم الثانى مع مرور شمس الصباح بدا يوم جديد ، قامت من فراشها بصعوبة من كثرة رنين الهاتف ..لتلتقطه ، وتقوم بالرد عليه بصوت نائم 

_ مين .

_ ايه اللى مين انت مش مسجل رقمي  ، لازم تيجي النهاردة فى تدريب مهم .

_ مش هقدر يارامي ، أنا تعبان اووى  .

_ أنت بتهزر يااسلام بقالك اسبوع غايب ، هو أنا بقلك تعالا نلعب  ، دا شغل... فريق ، ولازم تيجي .

_ خلاص خلاص هاجي .

قامت من الفراش بصعوبة بالغة ، ونظرت فى مرآتها  لترى أن دموعها رسمت ممر عابر  على وجهها يظهر أثر أوجاعها .

زفرت  وهى تبحث عن عنوان هذا الطبيب النفسي الذي أخبرها عنه الطبيب المعالج لحالتها .

فلم تعد تحتمل وجع قلبها الدائم ، ولم تعد تتحكم فيه، فقط يزداد أكثر مع مرور الايام .

قامت بالاتصال بالمشرفة الخاصة بالطبيب لتحدد موعد بأسرع وقت ممكن .

أرتدت ملابسها بعد  أن أخذت استحماما باردا ، جعلها تفيق قليلا ، وذهبت الى النادي . 

لترى كل شخص تكره فى حياتها موجود ، لكن حمدت الله ان سيف ليس معهم . فرؤيته ليست محمودة وخاصة الان .

دخلت الى غرفة تغير الملابس، لتراها فارغه ، تنهدت براحة وهى تغلق الباب الرئيسي .

وتدخل الى غرفة محكمة الغلق ، وتغير ملابسها الى ملابس كرة القدم .

وما أن دخلت الى أرضيه الملعب ، كانت تشعر أنها فى حالة غائبة عن الوعي ، فى عالم أخر . 

تجرى أمام الجميع ولاترى  اين هى كرة القدم ،  تجرى  فقط مع الفريق ، وتارة اخرى مع الفريق المعاكس . 

حتى أوقفها رامي وقام بتوبيخها ، فلم تفعل سوي أن تضع يدها على كتفيه تستند عليه، وتلتقط أنفاسها بصعوبة . 

_ حاجة مسكرة ، عاوزة حاجة مسكرة .

شعر رامي بالغضب منه وهو يراه ضعيفا هشا يتشبه بالنساء ، لكن ، فى نهاية الامر اشفق عليه   من رؤيته ينهج بتلك الطريقة ، ويظهر عليه التعب والتعرق الشديد .

فقام ببعث أحد العاملين الخاص بتنظيف النادى ، ليشترى بعض العصائر الى الفريق .

وما أن قامت ياسمين من ارضية الملعب ،لتذهب الى الحمام ، رأت اكثر من تخشي وجوده أمامها .

والاسوء انه ينظر اليها بضيق  ، وخاصةً بعد أن خلع بذلته الانيقة فى ارضيه الملعب  ، وارتدى ملابس رياضيه ، ويشير اليه بأنه يتحداه فى مباراة . 

لكنها ذهبت مسرعة الى الحمام وبيديها علبه عصير وبعض السكاكر .

حمدت الله عندما وجدت الحمام الخاص بالرجال فارغا وأعتبرته حظا وفيرا .

أغلقت الباب  الرئيسي ، ودخلت الى غرفة منهم وجلست على الحمام ، وخلعت القميص الرياضي حتى يأتى اليها الهواء .

_ ايه الحر دا هموووت ...!!

هتفت بها ياسمين وهى تقوم بتحريك قميصها يمينا ويسارا حتى يمرر اليها الهواء .

ثم أقبلت تشرب قنينة العصير ، وبعض السكاكر بنهم .

حتى سمعت صوت يطرق الباب بقوة ، وصوتا قويا يهتف 

_ أفتح يااسلام ياجبان بتهرب منى ، والله ماهسيبك غير لما اعلمك ازاى ...تيييييتتت..

بعد تلك الكلمة وصل صفير الى اذناها مع خفقان شديد . 

فقامت من على المقعد بصدمة مرعبة حتى سقط منها القميص فى مجرى المياة . 

_ ياحظك الهباب .. أعمل ايه ... بسرعه فكرى .. قالتها ياسمين وهى تضع أذناها على الباب تسمع إن ذهب أم لا فقد عم الصمت لثوان .

هنا سمعت تحطيم الباب الرئيسي  من ركله واحدة ، ليجرى الخوف فى قلبها بسرعة ، ويقل الهوا فى رئتيها . 

نظرت الى القميص الذي امتلأ بالماء  .. وما أن انحنت حتى تلتقطه .. تم ركل بابها الخاص بدورة المياة ..

التفتت بسرعة وتقوم بمسك مقود الباب  ، حتى  لايستطيع ان يفتحه ..

فهتف سيف لها بغضب 

_ مش هسيبك النهارده ، غير لما أربيك . لو راجل افتح .

فردت  ياسمين عليه بتوتر 

_ ياعم أنا مش راجل ،.... اقصد.. راجل ومش هفتح ..

ارتعشت شفتاها وجسدها بالرعب ، لاتعرف كيف تتصرف ، عقلها يسرد لها ان علم الجميع  بأمرها ، ستكون فضيحة لها .. خاصة رامي ، هى لا تريده ان يعرف بأمرها ، ليست مستعدة بعد ، الا يكفى ما فعله أدم معها .

وصل اليها هتاف سيف بغضب ...

_ كدا ...طيب 

قالها سيف ليقوم بتحطيم الباب بركله ، جعلتها ترجع الى الوراء حتى سقطت على دورة المياة بقوة . 

_ مفيش حد جاله اليوم اللى يقف قدامى ... 

هتف بها رامي وهو يمسك الباب المحطم فى يده اليسري و ينظر اليه بغضب  حتى سقطت عيناه على الرباط الذي يحيط به صدره ليردف بصياح ..

...ايه الرباط دا ربطه هنا ليه ...... 

قالها بعد أن اقترب منها  وعيناه لاتستوعب ماتراه ، هل ما كان يشك به كان حقيقيا ؟، لكن كيف ؟  كل تلك التساؤلات تخوض داخل عقله حربا .

أمسكها من معصمها يجذبها اليه ، وعندما بسط يده حتى يزيح الرباط ،قامت بعض يده بقسوة  ، ورفعت قدمها بسرعة لتركله فى مؤخرته بأقصي قوتها . 

حتى سقط على الارض يئن من الالم ، وعيناه جاحظه مما يراه ..  

واستغلت سقوطه على الارض وقامت  بازاحه قميصه عن جسده بسرعه وهى ترتعش ، لترتديه وهى تهرب .


          الفصل الحادي عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>