رواية المتحول الوسيم الفصل الحادي عشر11والثانى عشر12 بقلم ساره منصور


رواية المتحول الوسيم 


 الفصل الحادى عشر والثاني عشر 


بقلم ساره منصور


خرجت مسرعة إلى النادى وهى ترتدي قميص سيف الذي يبدو 


كالبحر الشاسع تعوم بداخله بجسدها النحيل .




حمدت الله عندما وجدت باقى الفريق  يتحدث فيما بينهم فى 


وضع دائرة  ، فأسرعت أكثر حتى خرجت من الباب الرئيسي .



أما الاخر كان ملقى على الارض ، يشعر بالألم بجسده ، وعيناه 


شاردة فيما رأته من غرابة . 

فعندما رأه للمرة الاولى يلعب الكرة فى المتوسط دار الشك 



حول عقله ، لذا أراد أن يتأكد ، فقام بضربه بقسوة ذلك اليوم أمام الجميع . 

نعم تأكد أنه ولد ، لكن ، يوجد شئ بداخله يخبره دائما أنها فتاة . 

أما الان يريد ان يكتشف ماحقيقة الشئ الذي رأه  ، تنهد وهو 


يرفع نفسه لكى يقوم من الارض .

فى تلك اللحظة دخل عليه رامي وعيناه جاحظة، يرمقه 



بنظرات غريبة ، وسيف ينظر اليه طويلا يحاول أن يكتشف أن كان يعرف أم لا . 

لكن الضباب يملأ المكان بالغموض  فقال سيف وهو يقف على قدميه وهو عرى الصدر  .

_ أن تعرف أن إسلام ..

وقفت شفتاه عن الكلام فرفع ببصره الى رامي ليرى عيناه متلهفة لتنصت الى كلماته ، لا يعرف لما اراد أن يخفى ما رأه وأردف مغيرا للموضوع .

_ لو شوفته هقطعه ، ميهمنيش إن كان صحبك ولا لا .

صاد الصمت بينهم للحظات ومن ثم خرج رامي من أمامه بدون كلمه واحدة.

متجها الى غرفة تغير الملابس ، وقف أمام حزانة الملابس الخاصة باسلام ، وقام بفتحها بصعوبة بسبب غلقها المشيد عليها ، ليري حقيبة اسلام بداخلها .

                     ****

أسرعت الى المنزل ، وقلبها يرتجف بجنون تشعر أن الحياة تميل عليها بكل ثقل الايام دفعة واحدة ولا ترحمها بيوم تسترح فيه من كل الآمها .

دخلت الى البيت وهى تشعر بالإرهاق الشديد ، والعرق يملأ جسدها حتى تجمعت الأتربة حول وجهها ، تخفى بياض وحمرة وجنتيها .

صعدت الى غرفتها وهى تنهج بصعوبة على السلم الخشبي ، وتلتقط الهواء بصعوبة حتى  يملأ رئتيها ، وما إن وصلت ، وجدت لبني تقف أمامها بعيناها الغاضبة .

_ لبني !!

_ تعرف لما عمى جمعنا أمبارح عشان يقولنا عليك أنا مصدقتش ، أنت ليه كلك مشاكل ، متعيش بهدوء وحل عننا ، مش كفاية سرقت الفلوس وهربت . 

ياريت بقي تخرج من هنا ومعتش أشوف خلقتك تانى .

برغم تعبها الشديد حاولت ان تتماسك وترفع ظهرها مستقيما وتقوم بمسح حبات العرق . وتقول 

_ دا بيت عمى ، وأعد فيه زى ما أنا عاوزة ، لو بتفكرى يالبني أنك تطرديني زى ما أبوك وأمك عملوا يبقي أنت عايشة فى الوهم ، روحى شوفى مصلحتك إجرى ..

...اااه صحيح ... ولمى جوزك عليك ، مبقتش حباه يجيلي الاوضه كل شوية .

_ إإإيه .....صدقت أمى لما قالت عليك ، عيل ناقص ، بس فعلا ..، خنثي ..لايق عليك .

_ قصدك تقولى بنت ، ولا عقلك غايب عن مخك زى ماغايب عن جوزك .

كزت لبني على أسنانها بالغل ،فاقتربت من ياسمين حتى تعنفها بإمساكها من شعرها ، لكن ياسمين ابتعدت برشاقه عن يدها  ، ودفعتها من صدرها لترتمي على الارض  وهى تتآوه وتصدر صوت بكاء برعت فى تمثيله .

دخلت ياسمين الى غرفتها وأوصدت الباب بقوة فى وجهه لبني .

كل تلك القوة التى بادت على وجهها ليست سوي قناع ، سريع التلاشي فى صومعتها ليظهر الوجهه الحقيقي لها من بكائها القهرى .

وبعد مرور يومين بدون مغادرة غرفتها ، جاءها أتصال من عيادة الطبيب النفسي ، تخبرها المشرفة أن المعاد هو اليوم . 

تنهدت وهى تقوم من الفراش وقد عاد اليها الثقل فى جسدها ، لا تعرف لما ، لكن ، تمنت عندما تذهب الى الطبيب أن تطيب نفسها وتستريح .

وعندما ذهبت الى العيادة ، وجدتها ممتلئة يجلس المرضي  فى مقاعدهم الخشبية، والعجيب الذي ثار دهشتها أن العيادة تطل على حديقة خضراء مليئة بزهور الكاسليا التى تفضلها . 

يدخلون تلك الحديقة بشرط خلع حذائهم ، والجلوس فى أى مكان سواء على العشب بالأخضر أم تلك المقاعد الخشبية المريحة .

أنتظرت دورها بجانب تلك الزهور ، طوال الوقت تلثم عطرها .

وما إن حان دخولها عند الطبيب ، خطت بخطوات أريحيه فقدمها العارية تمشي على هذا الرخام البارد مما  يزيد أنتعاش رئتيها .

جلست أمام الطبيب ، ونظرت اليه طويلا ، كان رجلا شديد البياض ذا وجه حسن طيب الملامح ، بشوش العينان . 

_ أخيرا جيتي ياياسمين ، دا الدكتور كامل كل شوية يتصل بيا يعرف أنك جيتي ولا لاء .

_ ااه دكتور كامل هو لسة فكرني .

_ طبعا . المهم ياياسمين أخبارك أيه .

ردت ياسمين على الطبيب ، وقصت عليه كل شئ ، فكان الطبيب معها حكيما فى رده ، دائما يخبرها ان تتمسك بنفسها وأن تتعرف عليها من جديد . 

واستمر ذهابها الى الطبيب كل ثلاثة أيام فى الاسبوع  ،حتى قال لها فى هذا اليوم .

_ ياسمين ، أعرفِ أنى مجرد طبيب ، بيسمع ليك فقط ، مش بايدى أقدم ليك غير الكلام ، اللى ممكن يساهم فى شخصيتك بنسبة ثلاثين فى المئة ، والسبعين التانين دول  هيجوا منك ومن إرادتك ، لازم تبحثي عن نفسك ، وتحبيها ، أنت لحد الأن معرفتيش إذا كنت ياسمين أو إسلام .

أنت بتقوليلي أن مفيش أى تقدم عندك ، بسبب أنك مستسلمة لتعب اللى بيجيلك ، كل دا نفسي ، أنتِ سليمة مفكيش حاجة .

أمالت ياسمين برأسها الى الطبيب إيجابًا وهى تتنهد .

فأردف الطبيب 

_   أنا بكلمك زي بنتي  ، ان من البداية بعرفك  مش هعطيك أى علاج ، لان العلاج دا بينيم بس ، مش هيساهم فى حاجة ، وممكن يقلب بالسلب عليكِ.

بس هعطيكِ علاج روحاني .

دايما أقرئ قرآن عشان روحك تبقى خفيفة ، إصحي بدرى وامشي قدام البحر ، وعنيك دايما تشوف الزهور والشجر.

الحاجات البسيطة دي ، بتقوى روحك أتجاه اى حاجة....

اهو أنا مبخدش منك غير انك تميلي رأسك بس ، وتيجي تقوليلي أنا مبتحسنش . 

بصي متنسيش بكرة هيبقي فيه تجمع ، ولازم تيجي . قالها الطبيب مودعًا ياسمين وهى تخرج من العيادة .

                     ****

وفى اليوم التالي 

زفرت ياسمين بشدة وهى تنظر الى إتصالات رامي التى لاحصر لها ، فقامت ترتدى ملابسها الرياضية لتشهق وهى تتذكر حقيبتها التى قامت بنسيانها بسبب سيف . 

عزمت على الذهاب الى النادى ، وهى تشعر بالخوف من سيف ، وهل أخبر رامي أم لا ؟

لكنها لن تصمت وستجد حل لتلك الأزمة بسبب بعض الحجج التى فكرت بها طويلا .

وما إن لمحت رامي  يلعب الكرة ، وينظر اليها بضيق ، فطمئنت من نظراته لها فهى لم تتغير . 

فأخبرت نفسها انه لايعلم بأمرها فتنهدت براحة .

_ يلا روح اجرى شوف هتعمل ايه .

_ لا أنا جاهز ، بقولك يارامى ، كنت نسيت شنطتى هنا .

_ مشفتش شنط أبقي أسأل عليها فى المكتب .

أملت ياسمين برأسها إيجابًا، وذهبت لتستعد للعب الكرة .

أستمر التدريب ساعة كاملة ، كلما تنظر ياسمين الى رامي ، ترى الضيق على وجهه ، حتى أنه يلعب بالكرة بعنف .

حاولت أن ترطب الجو قليلا ، فأقتربت منه لتأخذ الكرة ، لم يعطيها لها ، كلما تشير اليه ، لا يستجيب ، فتولد الحماس داخلها للعب ، وأقتربت منه مسرعة لتخطف الكرة ، لكن رامي لم يتركها ، وأسرع حتى أخذها منها بقوة  مما ادى الى سقوطها على الارض فلتوت قدمها  .

كتمت الصرخة داخلها برغم قوة الوجع ، الذي أدى الى أنفجار عيناها بالدموع . 

_ أنا أسف يااسلام ، مكنش قاصدي . 

قالها رامي ، لتبسط ياسمين يدها وتدفعه بعيدا عنها بغضب .

وقامت بمفردها من على سطح الملعب بصعوبة رافضة أن تأخذ يد المساعدة .

ولم ترد على رامي الذي أعتذر عدة مرات ،وطلب منها الذهاب إلى الطبيب وظلت ترفض  وتخبره أن يبتعد عنها ، فأخذ الفريق راحة لمدة ساعه كامله .

جلست ياسمين فى أرضية الملعب تفرد قدمها أمامها وتنظر اليها شاخصة البصر  ، لا تريد أن تجلس معهم حتى لايروا دموعها وشهقاتها التى كانت كالقنبلة على وشك الانفجار ، وأنفجرت فى وقت غير مناسب أبدا ..

وظل رامي يراقبها ويرمقها بنظرات غريبة ، وهو جالسًا على المقاعد الخاصة بالنادي .

تنهدت وحاولت أن تتماسك حتى تكمل بقية اللعب ، وعندما وقفت بصعوبة ، لمحت سيف ينظر اليها من بعيد ، ويمسك كرة قدم ويركلها بأقصي قوته لتتجه اليها .

كانت تتابع الكرة وهى قادمة بسرعة رهيبة اليها  ،وقد تركت الدموع أثرا على وجنتيها ، فأغلقت عيناها بسرعة لعدة ثوانى .

لتشعر أنها بين زراع أحدهم  ويتآوه ، فتحت عيناها بسرعة ، لترى أنه .... رامى !!!

فقد منع الكرة من الوصول اليها ، لـتأتى مندفعة فى ظهره . 

لم ترى عيناه من قبل بهذا القرب ، زيتونية  ، بداخلها عسلا رطبا ، تحت رموش كثيفة .

شعرت بالتوتر أكثر من إقترابه  ، فقامت بدفعه بعيدا عنها.

لم يعطي لها كلمة واحدة ، وذهب مسرعًا الى أخيه ، يدفعه من صدره العريض ، ليرجع سيف عدة خطوات الى الوراء .

_  أنت كمان عارف  ، وأنا بقول أنت مقرب منه كدا ليه دايما  . هتف بها سيف بنظرات خبيثة

_ بطل بلطجة وابعد عنه . 

_ متحولش تعيش دور الغبي ، عشان عنيك كشفاك . 

لمح رامي إقتراب بقية الفريق منهم ، فترك سيف  بدون كلمة  وابتعد من أمامه . 

ليخطوا إلي إسلام  ويتذكر ما رأه مؤخرا ، عندما وجد سيف يسرع وراءه منذ أيام، فتابعه خوفا عليه  .

ليري عندما يصل إليهما رباطًا ملفوفا حول صدر ه ، وعندما قام اسلام بعض سيف   ، وركله ، درا هو الى الخلف متخفيا حتى لايراه اسلام وهو يهرب ويرتدي قميص أخيه ، ولم ينتبه الى مفتاح خزانته الذي سقط منه . 

تساءل ما سر هذا الرباط ، فقرر أن يذهب الى الحزانة ليبحث فى محتوياتها ، فلم يجد سوى ملابسه .

_ عاوز أتكلم معك  هتف بها رامي لياسمين ، وهى ترمقه بنظرات خائفة تارة ، والى سيف تارة أخرى  . 

لا تعلم أن بتوترها هذا وارتعاش شفتاها ، يلقى داخله افتراضات غير معقولة .

أنتظرت رامي عدة ساعات وقلبها يرتجف بخوف  من أشياء كثيرة تؤرقها مؤخرا.

مالت الشمس الى الغروب ، وأقبل الظلام تحت ضوء البدر، والاضاءة التى بعمود أنارة الملعب تسير الى رأسها.

جلست على الارض حتى أفترشت أرضية الملعب تريح جسدها ، وعندما سمعت صوت خطواته جلست مسرعة تترقبه   .

تنهد وهو يجلس على الارض  بجانبه ويرجع يديه الى الوراء ، ويرفع بصره الى السماء . 

_ عملت إيه بالفلوس اللى أخدتها يا إسلام .

التفتت اليه بوجهها منتبهة له  وتقول بتوتر بعد صمت دام عدة ثوانى 

_ أيه !!! ... إشتريت حاجة كنت محتاجها ، ليه ؟

_ أشتريت ايه؟  قالها رامي وهو يدير رأسه اليه يتفحص لغه عيناه المتوترة . 

أدارت ياسمين وجهها الى الامام بسرعة حتى لا يرى ضعفها الذي سكن عيناها .

_ هقولك فى الوقت المناسب .

_ أتمنى ميكونش حاجه ، تخسرنا بعض .

ازدردت ريقها بصعوبة ، وقد بدأت يديها ترتعش ، فوضعتها على عشب الملعب تمررها ببطئ .وهى تقول .

_ اااه .

أنتفض رامي واقفا بخطوات مسرعة  الى نهاية الملعب  ، بعد ان اخبره ان ينتظره  ، فوقفت ياسمين تتابعه وهو يذهب الى نهاية الملعب . 

وعندما رجع وجدته يمسك بكرة قدم ، ويأتى اليها مسرعا . وعندما بقي بينهم عدة خطوات ، قام رامي بركل الكرة الى ياسمين ،متستغلا عدم تركيزها ، فجاءت الكرة فى أسفل بطنها بقوة .

_ ايه يابنى ، مش تاخد بالك وأنا بشوحلك الكرة .

_ مختش بالي  .

صدم رامي منه وهو لايرى أنه يشعر بأى ألم ،  فالطبيعي أن يشعر مثل الرجال .

ابتلع رامي ريقه وقد تقين ، من بعض الاشياء التى تسمح له بالشك .

صاد الصمت بينهم لدقائق ،حتى قتله بكلمة 

_ مراتى اللى كنت بحبها ، وكانت بتحبيني ، زى ماكانت بتقول. سمعتها بتكلم راجل فى الموبايل .

التفتت ياسمين تنظر اليه مرة أخرى بصدمة فنبرته تغيرت الى الحزن .

_ تعرف كانت بتقوله ايه ..

....أنى مش مكفيها ، وأنى وأنى ... 

حاجات كتير أوووى يا اسلا... 

زفر بشدة وأردف .

_ رميتها فى الشارع ، وطلقتها .. 

تعرف العجيب ايه ، أنى أهلى عرفوا ، وعوزين يرجعوها ، اللى قهرني أكتر عاوزين يرجعوها بعد ماعرفوا أنها زورت فى الاختبار الخاص بيا، وقالت أنى مبخلفش .

محدش بص لصدمتى ، كله همه الصفقة بتاعت الشركة ، كانوا مجوزينى ليها عشان المصلحة ، حتى هى قالتها ، بس أنا أتجوزتها عشان بحبها .

أنا بكره الكذب ، وبكره اللى واخدينه كدرع حماية ..

قال رامي كلمته الاخيرة ، لتنتشل ياسمين من الصدمة الى حياتها التى كانت عبارة عن كذبة . 

وضعها والدها فيها  ، وتركها ، وهى فقط لا تستطيع أن تكشف حقيقتها ، للخوف من ردة الفعل  . 

فقالت بتوتر 

_ الكذب ساعات بيبقي غصب عن الواحد ، يمكن خافت تطلقها لما تعرف أنها مش بتخلف .

_ ومين قالك أنها مش بتخلف .

قالها رامي وهو يتفحص عيناه 

فدهشت ياسمين عندما وصل اليها أنها لاتريد أن تحمل منه ، فصمت .. لاتعرف ماذا تقول فى تلك الحالة . 

بقت تبحث عن بعض الكلمات ، لكن لاشئ يجول بخاطرها 

فأردف رامي وهو يتابع صمته  .

_ أنت ايه رايك ، أرجعها ، ولا اطلقها ..

...رد عليا يااسلام ... اطلقها ، ولا أرجعها .

وقفت ياسمين على قدميها وقد شعرت بالآلم فيها ، فوقف رامي مقابلا لها .. وهو يقول .

_ اللى هتقول عليه  هنفذه ... 

رد عليا متبصليش كدا ..

_ دى حياتك وأنت حر مدخلنيش فيها . 

_ ايه ...؟؟؟ 

رجعت ياسمين الى الوراء وهى تراه ينظر اليها بغرابة ، حتى  شعرت بالخوف منه ، نظرت حولها لتجد أن النادى فارغا ، فالتفتت مسرعة تخرج . 

لكن رامي أمسكها بيدها وجذبها اليه ، حتى اصبحت بين يديه وفى أحضانه ، حاولت أن تدفعه لكن ، هيهات .. 

فكان متمسكًا بها بكامل قوته  ، وتخرج منه شهقات بكاء جعلتها تستلم لعناقه فهى كانت الأخرى بحاجة الي ضمة تذكرها بعناق والدتها الدائم لها   .. 

_ لو فى حاجه ، قولى متخبيش عليا .. إحنا مش أصحاب يأاسلام .

شعرت ياسمين باقتراب وجهه رامي الى رقبتها أكثر فتسلل اليها شعورا غريبا .. 

فدفعته من صدره بقوة ، وهربت من أمامه .

                      ***

بدأ يوم جديد محملا بالهموم ، قامت من الفراش لتقف على قدمها ، لتصيح بألم منها .

فقد تورمت كثيرا ، من تأثير الوقعة ، مررت يدها عليها لتشعر بألم أكثر ، وعقلها يذكرها بما حدث البارحة من فعل رامي .

تسألت مع نفسها 

_ سيف قاله ... انا حساه عرف ... ولا أنا اللى مكبرة الموضوع ، ممكن اقوله أنه رباط لوجع الظهر . 

تنهدت ومن ثم جحظت عيناها ، وهى تتذكر تلك الكرة التى دفعها رامي اليها لتصيب أسفل بطنها ، وضعت يدها على فمها ، وتتذكر أنها لم تبدي أى ردة فعل . فشهقت ، وأقبلت تصيح ... 

_ زمانه عرف ...أنا غبية ... ازاى مخدتش بالي ، طول عمرك أصفر يا رامي . 

فى تلك اللحظة علا صوت رنين الهاتف ، ينبأ برقم رامي ... 

فرجعت على الفراش تتقلب من الخوف والتوتر ..

_ أقوله ... أيه ... فكري ...

زفرت بشدة وقامت بفتح الاتصال ..

_ الو .. نعم ... أأأه ... 

_ انت كويس . 

عضت على شفتياها وهى تسب نفسها  وقالت بسرعه .. مش كويس ابدا .. أنا تعبان جدا ... من كل اللى حصل امبارح . 

_ بجد ؟؟

_ ايوة بجد ..

قامت ياسمن بغلق الاتصال ، لتسب كل شئ ، حتى وقفت امام الباب لترى أن اليوم هو يوم الاجتماع عند طبيب النفسي ، وأنها تأخرت ساعتين .

ذهبت  وهى تتسأل هل هذا الاجتماع سيترك أثر أيجابي مثل ماقال الطبيب أم لا .

وعندما دخلت الى تلك الغرفة الكبيرة ، وجدت تسع فتيات وشاب يجلسون  مقابلا لبعضهم . 

أشار اليها الطبيب أن تأتى وتجلس معهم .

يظهر أنها جلسة تعارف .

وكان الدور على هذا الشاب .. فوقف يقول ..

_ أنا هالة عندى عشرين سنة ، طلعت من المدرسة وانا عندى 15 ،

طبعا زمانكم مستغربين منى عشان شكلى زي الولد ، وصوتى مش ناعم زيكم ، بس أنا مريضة باضطراب الشخصية ، ولو محدش يعرفه ، فأنا هقولكم ..

أنا عندى هرمون الذكورة أعلى بكتير من الأنوثة ، برغم أن جسمي بنت واعضائى كلها صحيحة ، الا أن شايفه نفسي ولد مش بنت ، وزي ما أنتو شايفيني أنا خفية نفسي بالبس دا .

وأنا  جيت هنا ، عشان عاوزة أتعالج وأعيش طبيعي زي بقيت البنات ، أنا نفسي أخف بجد عشان تعبت، وتعبت من كل الناس اللى ضدي ، ومش عرفين أن دا مش بايدى ، وأن  زيادة الهرمونات دا بيبقي عيب خلقي  ، كان نفسي أهلى يكونوا معايا هنا عشان يشجعونى ، بس للأسف أهلى أتبروا منى . محتاجة منكم تدعمونى ، عشان أكون كويسة  .

كان الجميع ينظر الى تلك الفتاة بعجب ، الا ياسمين كانت تنظر اليها بألم . 

وعندما جاء الدور الى ياسمين ، توترت كثيرا .. 

وابتلعت ريقها ، وقصت عليهم حياتها بالكامل والدموع تظهر لهم الدليل .

وبعد انتهاء التعرف على كل شخصية منهم 

كان كل شخص منهم  يخبرهم باموره وحياته المعقدة  والاخرين يعطوا لهم حلا ، والطبيب  يصفق .

كانت ياسمين تضحك وتبكي مع كل كلمة تخرج من أحدهم ، شعرت أنهم عاشت معهم وشعرت بالآمهم . من جلسة واحدة فقط .

وعندما خرجت من هذا الاجتماع ، وعلمت أن الجميع لديهم فجوة وأن كانت تتفاوت فى أحجامها الا أن الجميع يحزن ويبكي .

وأن السعادة تأتى وتذهب كما الحزن تماما .

كانت ياسمين الأكثر تأثرًا بحاله هالة ، فهى وحيدة مثلها ، تتشابهم ظروفهم .

قصدت ياسمين الموقف الخاص بالحافلة، حتى تذهب الى البيت ، فصعدت الى أخر كرسي، تميل برأسها الى الشباك وتفكر فى كلمات الفتيات لها ، بأنها يجب أن تعطي نفسها فرصة . 

فهى تستحق أن تكون فتاة ،وليست كأى فتاة فهى تملك قدرا من الجمال والبراءة فى عيناها تجعل الجميع يعترف بأنها أميرة .

كانت تتابع أشعه الشمس والمارة ، حتى وقفت الحافلة  ، لترى فتاة تعرفها جيدًا ولم تنسي ملامحها ، فهى تشبهها ،  فقد رأتها  منذ عدة سنوات عندما ذهبت مع والدها الى الطبيب .

تذكرت سخرية الشباب من تلك الفتاة ،بأنها تشبه الرجال وانها وان صححت  العيب بجسدها ستظل رجلا .

نظرت ياسمين لها عن قرب ، لترى أنها ليست سوي  فتاة جميلة رقيقة، رأت أيضا بجانبها رجلا ، وفتى صغيرا . 

يظهر أنهم كانوا فى نزهة . 

تتابعتهم بعيناها وهم يجلسون فى الحافلة  ،وتتابع  نظرات هذا الرجل الي تلك الفتاة التى تقطر حبا ، الذي عرفت أنه زوجها من خاتمه الذي يتشابه مع خاتمها . 

وعند نزولهم الى الطريق  نزلت وراءهم ياسمين ، واستمرت تتابعهم فى الخطى . 

حتى شعرت تلك الفتاة بأن ياسمين تتابعها ، فالتفتت تذهب اليها ، فوقفت ياسمين كالرمح تنظر الى تلك الفتاة وهى تأتى اليها .

_ فى حاجة ..

مالت ياسمين رأسها بالنفي 

_ أومال ماشية ورانا ليه ..لو سمحتى  روحي لحالك .

صمتت ياسمين لدقائق ، ثم ذهبت اليها توقفها .. وتقول بتوتر ...

_ أنا زيك 

_ زي ازاى  يعني مش فاهمه ..

أخذت الفتاة وقتا   وهى تنظر الى عين ياسمين التى تتشابه كثيرا مع عيناها فى الماضى بالحزن والانكسار .

فأردفت ياسمين .

_ عاوز اسالك حاجة واحده بس .

أمالت الفتاة رأسها اليها وهى تبتسم ... فقالت ياسمين .

_ أنت سعيدة ..

ابتسمت الفتاة وقالت و يدها تربت على كتف ياسمين 

_ جدا ... 

...أنا معرفتش السعادة غير لما وجهت كل اللى حوليا بحقيقتي  ، وحسيت بيها أكثر لما أديت فرصة لنفسي وحبتها ..

... أحفرى حياتك وشكليها بالطريقة اللى أنت عوزاها ، لان لو سكتى هتتشكل غلط ، وهتندمى .

هتندمي على عمرك اللى ضاع ،...و على فكرة اللى واقف هناك دا جوزى رجل اعمال كبير  ، ودا ابني .. 

وصلت الي ياسمين لغة عين الفتاة وتشجيعها لها .

بأنها أنسانه مثل كل البشر ، وعليها أن تتقبل ماضيها بكل مافيه وترسم حاضرها ومستقبلها بيدها .

                    ***

ذهبت ياسمين الى البيت وجلست بغرفتها صامتة ، تنظر الى السقف .

حتى جاءها عمها ناجي يخبرها أنه أنتهى من كافة الامور ، وان كان سيتأخر كتابة أنثي فى بطاقتها الشخصية  ، إلا أن فى يوم من الايام سيكتب . 

وأعطاها ورقة مغلفة تظهر بها هويتها  وأنها أنثي ،بديلة عن بطاقتها الشخصية  .

وأخبرها عن بدأ الدراسة  فى  الجامعة فى الغد ، لم تشعر بنفسها وهى تخبره أنها ستذهب .

ربت العم على كتفيها وهو يكتم دموعه الثأئره . 

وخرج مسرعا ..

بقت طوال الليل تفكر وتفكر ، حتى قامت من الفراش .. وهى تقول 

_ أنا عاوزة أعيش ، عاوزة... أتجوز ،... وأخلف . 

...أنا ..أنا عاوز أفرح ...

وفى الصباح الباكر 

ذهبت مسرعة الى صالون التجميل الخاص بالنساء ، واخبرت مصففة الشعر وهى تشير الى صورة العارضة

_عاوزة الاستايل دا .......

... واصبغيه كله  أحمر ...

وبعد أن قامت المصففة بتجهيزها ، نظرت الى المرآة بعدم تصديق ...

فقالت مصففة الشعر 

_ انت حلوة اوى ... والاجمل ان جمالك طبيعي من النوع  البريئ .. 

ضحكت ياسمين بعفوية .. فكانت تلك الكلمات البسيطة تزيد حماسها أكثر .

...

أخبرتها المصففة بالمبلغ المستحق  فقالت 

_ ٥٠٠ جنية ....... عشان صبغته بس ،... طب انا هاروح اجبلك الباقي ... وارجعلك .

قامت العاملة الخاصة بالحساب بأخذ ساعتها كرهان ..

وذهبت ياسمين الى البيت  ، تبحث عن حقيبة المال كثيرا فلم تجد اى شئ .. 

سمعت صوت خطوات تقترب من الغرفة ...وفجأة فتح باب الغرفة ...

_ كنت فين .... 

التفتت اليه بشعرها الاحمر القصير ، ليزيد وهج عيناها الزرقاء مع حمرة خديها ...

نظر اليها طويلا وهو يعض على شفتاه ...ويردف 

.... لو شوفتك تروحي النادي ، يبقي اعرفي انه  اخر يوم فى عمرك هتخرجي من البيت .

واية اللون التيتت دا  ...

هتف بها صاحب العينان الرمادية اللامعة تحت ضوء الغرفة الخافت وهو ويقترب منها ....

رواية المتحول الوسيم 



 الفصل الثانى عشر 

إقترب منها وحدقة عيناه تتسع وهى ترى هذا الجمال الساحر 



،وضي شعرها الأحمر الذي أنعكس داخل عيناها بالوهج الفاتن ، 


مما يزيد دفء وجنتيها باللون الوردي  .



فكيف له ألايعرف منذ البداية أن تلك العينان الثائرة ، تنسب 



فقط  لزهرة بيضاء فى بستان الزهور .



مرت عيناه يمينًا ويسارًا على كامل وجهها تلتمع بلمعة تكشف 



لها كم سهرت حالمة بلمس دفئها ، لكن ، أبت أن تصدق ، أن هذا 


الفهد الذي يتربص بها يملك لها مشاعر ، فرمشت بعيناها لعلها 


ترفض أعتقاد ما تراه ، وما أستنتج عقلها . 



ولم تعلم أن  مع كل رمشة من عيناها ، كانت تُلقى فتنة أكثر فى قلبه .

هل شعرت بتلك الرعشة التى حدث داخل قلبه تُحي حربا .



هل سمعت إلحاح قلبه عليه ، وهو يطلب منه عناق عيناها ولو للحظة .

_ بتبصلى كدا ليه ..

تنحنح وقد شعر بالإحراج من وقفته كالأحمق أمامها  ، ومن تجمع لعابه على شفتاه . 

أبتلع ريقه وقال وهو ينظر الى جهة الأخرى . 

_ طلما أنتِ فى البيت دا ، لازم تحترمي كل القواعد ، اللى فيه 

مفيش خروج بدون سبب وجيه من البيت 

قبل الشمس ماتغرب بساعة تكونى فى أوضتك ونايمة 

موضوع الجامعة دا مكنتش موافق عليه ، بس عشان كليه الهندسة جنب صيدلة ممكن أفكر فى الموضوع ، وغيرو ، لو حصل ووفقت هتروحي يوم فى الأسبوع فقط .

_ وأنت مين أصلا عشان تفرض عليا نظام حياتي .  ملكش دعوة بأى حاجة ، وروح أجرى شوف مراتك ، أنا مش فاضيالك .

_ متنسيش أنك واكله شاربة نايمة فى بيتى ، وبيتصرف عليك من فلوسى 

_ أنا عايشة هنا فى خير عمى ، ومحدش له فضل عليا غيره .

_ لو مسمعتيش الكلام هحطك فى دماخى .

_ ميلزمنيش . 

قالتها وهى تنظر إليه باستحقار .. 

فرفع يده مسرعا خاطفا منها هاتفها المحمول ، وأسرع بالخروج من غرفتها وأوصد الغرفة بالمفتاح عليها . 

تحت نظراتها الصادمة .

_ أبقي خل كلامك ينفعك ، هنشوف بقي هتخرجي من هنا إزاى .

جرت الى باب الغرفة ، وطرقت عليه بقوة ، لكى يفتح الباب وتصيح 

_ أدم يا تييييت ، أنتم كلكم عليا بالدور ، أفتح بدل ما تييييت ..أععععع ..

أبتسم أدم وهو يرى أنه تغلب عليها ،وما شجعه أكثر أن أباه  قد سافر من اجل أعماله . 

ذهب الى غرفة المكتب وجلس عليه رافعا قدميه الى المنضدة الصغيرة ، ويقوم بتصفح هاتفها ، ليري أن سجل مكالمتها مع رامي فقط ، أنقلب وجهه الى العبوس ، فأخرج شريحة الإتصال وقام بتحطيمها . 

_ عم عبده  ... تعالى ...

..... خد الموبايل دا أديه لعيالك .. ولا لأى حد . 

_ تشكر يابيه .. ربنا يعزك

وبعد أن ابتعد عنه عم عبده البواب ، قال أدم  وهو يتنهد 

_  ماشي يا ياسمين ، أنا هعرفك تسمعي الكلام كويس . 

ثم قام بفتح حاسوبه الخاص وقام بتصفح الجدول الخاص بالفرقة الرابعة بكلية الصيدلة ، ثم قام بفتح موقع كلية الهندسة ، يبحث عن الجدول الخاص بالفرقة الأولى . 

أبتسم وهو يري أن الأوقات تتماثل مع أوقات دراسته .

وبعد مرور ثلاث ساعات ، قام من مكتبه ليذهب اليها  ، ليري إن كانت تفعل شيئا أم لا  . 

فى تلك اللحظة قام العم عبده يصيح 

_ يابيه ، الدكتور ريهام  جيت ،يابيه .

_ حاضر ، بتصوت ليه كدا .

نزل أدم الى فناء بيته يرحب بزوجة أبيه ( الدكتور ريهام ) وأشقائه.

_ أزيك يا أدم  ... أومال فين ناجى  .

_ سافر لشغل وهيجي بعد أسبوع .

أنقلب وجهه الدكتورة ريهام وقالت بضيق 

_ عمرك ماهتتغير ياناجي .

كان أدم يُسلم على شقيقه الأكبر بعناقات ، وأسئلة متلهفة ..

_ أومال فين نادر ، مجاش معاكم ليه يا رامز .

_ هيجي بعد يومين . قالتها الدكتورة ريهام باقتضاب . 

                       ****

فى تلك الأثناء كانت ياسمين  تأكل فى شفتاها من الغضب ، تخرج ذهابًا وإيابًا إلى شرفتها ، تريد أن تخرج بأى طريقة حتى تكسر كلامه ، فمن هو حتى يفعل معها ذلك ، لن تجعله أبدا يفوز عليها . 

خطر فى بالها فكرة ، فقامت بإزالة الستائر من الحائط ، وقامت بربطهما ببعض .

وقامت بإنزالها من شرفتها ، فلمحت أناس غريبة تقف فى فناء المنزل ، ففرحت وهى ترى  البوابة الرئيسية منفتحة .

نزلت على الستائر المنسدلة على الارض من شرفتها  رويدا رويدا . 

_ بتعمل ايه هنا .  هتف بها شابا يظهر أنه فى بداية العقد الثالث ، يرتدي ملابس رياضية ، وحقيبة ظهر . 

فتوترت بعد أن نظرت الى الأسفل ، ولم تعيره أى أهتمام ، وفجأة سقطت الستائر ، وسقطت معها ، وهى تغلق عيناها بقوة و تصيح .. 

أنتبه لها الجميع .. بنظرات صادمة ، وخاصةً بعد أن سقطت بين زراع هذا الشاب . الذي كان ينظر اليها وهو يضحك بسخرية على ردة فعلها العفوية .

فتحت عيناها وهى تراه يحملها ، فتوردت وجنتاها ، وطلبت منه بغضب أن ينزلها  .. 

_ ياسميييييين  قالها أدم وهو يكز على أسنانه بغضب، ويهرول إليها .

فجرت بأقصي قوتها ، وبخ نفسه وهو يراها تسبقه بسهولة ،فلم يلعب منذ فترة طويلة . ولم يستطع اللحاق بها ، بسبب سرعتها الطائرة  .

ظل يجرى وراءها وقد تقطعت أنفاسه ، وهو يراها تركب سيارة أجرة  ، وتختفى من أمامه .

                      ***

حاولت أن تلتقط أنفاسها من شباك السيارة ، وهى تلهث بقوة ..

_ يا أبلة ... على فين .... 

_ كلية ..... كلية ........الهندسة ...

تابعت المارة فى شباك السيارة تنظر اليهم ، حتى أقتربت من الجامعة ، لتراها لأول مرة فى حياتها ، مدينة كبيرة .. تشمل عدة مباني خاصة بالكليات  والأقسام . 

ظلت ساعة كاملة تنظر الى الجامعة على بعد خطوات من البوابة الرئيسية ، وتنظر الى الطلاب بغرابة ، وإلى هذا الكم الكبير من الفتيات . 

شعرت بالخوف من نظرات الناس لها ، قدمها ترجع الى الوراء ، تريد أن تدخل ، لكن الخوف قيد صدرها ، وكلمات تجول بخاطرها أكثر من مرة.

( هيعرفوا إنى ...)

( مش عارفة هعمل ايه لو شوفت حد يعرفنى ) 

( أنا خايفة ) 

ظلت قدماها ترجع الى الوراء ولم تنتبه الى السيارة التى تقف خلفها ، وتطلق البوق حتى تبتعد .

_ أنت يا تيييت إبعد ...

أكل الرعب قلبها ، تلك النبرة تعرفها جيدا    ....

( رامي ) ...

ربما لم يعرفها من ظهرها بسبب لون شعرها المختلف .

رفعت الجاكت الجينز الواسع الى وجهها تخفيه، ولم تشعر بنفسها وهى تدخل من البوابة مسرعة من طريق السيارات ، تبعها أحد رجال الأمن يصيح بها ، لكنها لم تتوقف وهربت . 

حتى وجدت نفسها بداخل الجامعة وسط عدد هائل من الطلاب، يتحركون بسرعة . 

ضمت يدها الى صدرها ، وهى تراهم ينظرون اليها ..وكلماتهم تمر عبر أذناها .. 

( أيه البت الحلوة دي )

(ياحمر ياجامد )

( طول عمرى بحب الاحمر) 

(ايه البت دي شوفى عاملة فى نفسها ايه )

( شوف يلا البت دي هييييح كان نفسي أبقي بالطول دا ) 

(هى فاكرة نفسها حلوة عشان شعرها أحمر ، دا فلاحة  )

أطلقت صرخة صامتة متألمة وهى تضع يدها على وجهها ، وتجرى إلى المبني الذي أمامها . 

حتى وصلت الى مكان هادئ ، تنظر خلفها كل ثانية كأن أحد على وشك الإمساك بها متلبسة بجريمة .

ولم تنتبه إلى هذا الشاب الذي يرتدي بذلة أنيقة باللون الأسود وفى يده اليسري حقيبة ، واليد الأخرى كوبا من القهوة .

أرتطمت به حتى دخل رأسها فى أنفه بقوة ، فرجع الى الوراء  ساقطا على الارض ، متأوها أيضا من حرارة كوب القهوة الذي سقط على يده . 

حاول أن يكتم غضبه ، فقام متألما وهو يعض على شفتيه بغضب . والدم ينسكب من أنفه .. 

_ فى حد يمشي بالهمجية دى فى الجامعة ...!!

صاح بها وهو يقف على قدميه وينفض التراب الذي ملأ بذلته .. 

رفع بصره اليه لينظر و عيناه جاحظه وهو يراه صابغا شعره بالاحمر ، وترتعش شفتاه ...

...إسلام .... 

صاحت بأعلى صوتها ، وهى ترى أنه سيف .. 

فانتفضت مسرعة تهرب  ، لكنه تابعه بالجرى وأمسك بقميصه الجينز .. وقام بسحبه الى الغرفه المقابلة .

_بتعمل إيه هنا .. هتف بها سيف وهو ينظر اليه متفحصا ، ليري ... أنه مختلفا .. 

ويظهر ان الاختلاف بجسده أيضًا ..

قامت ياسمين بدفعه بقوة ، وابتعدت عنه .. 

وعقله تائها يحاول جاهدا بتركيب بعض الأحداث .. 

فقام يخطوا وراءه  متسائلا بصدمة والحروف تتطاير من شفتاه متقطعة ، ليجد  شئ ما سقط منه . 

فرفع هذا الشئ أمام عينه ..  تبدوا كالبطاقة الشخصية بها طبعة طبية  ،قرأ مابداخله .لتحلق الطيور فوق رأسه بعدم فهم 

(ياسمين أكرم ...

..أنثى ..) 

أتسعت حدقة عيناه عندما وجد صورة إسلام وبجانبه إسم ياسمين ، وكلمة أنثي ...

أسرع قلبه بضخ الدم ، حتى زادت ضرباته ، وقل الهواء فى رئتيه .

لم تستطع التصديق أنها رأته فى هذا المكان ، وفى هذا الوقت بالتحديد ، قامت بالذهاب الى البيت بسيارة أجرة ، بعد أن جرت الى بوابة الخروج  بصعوبة .

_اللى بمر بيه صعب أوووى كل دا هستحمله ازاى .

قالتها وهى تتنهد ... وتخرج رأسها من شباك السيارة.

وعندما وصلت الى المنزل  ،رأت ان أدم يجلس فى فناء المنزل ينتظرها ، ويمسك كتابا يقرأ به . 

_ كنت عارف أنك هترجعي بالمنظر دا .

لم تستمع اليه وقصدت غرفتها ، وقلبها ينبض بقوة .أشياء كثيرة تجول بخاطرها 

( رامي فى الجامعة ، وكمان سيف .. ، إيه الغلب دا ياربي ) 

( بس سيف كبير ، مفروض أنه خلص ، ولا سقط زي أخوه ..)

( معتش هاروح ) 

( لا هاروح أنا مالى )        (مش هستفاد حاجه لو أتعلمت كدا كدا مش هشتغل )

( بس أنا عاوزة أعيش مش عاوزة أبقي حابسة نفسي) 

(هو ليه أنا دايما جبانة ).

طوال الليل جالسة فى شرفتها ، شاخصة البصر ، تفكر وتفكر ، حتى جاء الصباح ، يرتسم على وجهها بنسماته المريحة . 

                   ****

وبعد مرور أسبوعا كاملا ، قضته فى غرفتها ، عرفت أنها إن بقت على هذا الحال ستموت عاجلًا . 

فكرت أن ترجع الى الطبيب النفسي ، فلم تذهب منذ أسبوع.

ظلت تبحث عن حقيبة المال ، ولم تجدها .

فكرت فى أن أدم قام بأخذها ، فتنهدت وقامت لتقف فى شرفتها ، لتسمع صوت رامي من فناء المنزل ، وأدم  معه. 

فذهبت مسرعة تنزل من السلم الخشي ،  وفجأة وقفت  وهى تنظر الي نفسها فرجعت الى غرفتها حتى تعدل من ملابسها ، وتخفى نفسها  جيدا .

وما إن انتهت ، خرجت مسرعة، لترى أدم واقفا أمام غرفتها ..

_ رجعتى الفلوس لرامي ..

دهشت ياسمين وهى تراه ينظر اليها بغضب ، ويتكلم عن المال. فقد اعتقدت انه من أخذه، لم تشعر بنفسها وهى تجيبه بتوتر .

_ أأه ..

نظر اليها بغرابة ممزوجة بحيرة ، وهو يتفحص ملابسها ، وقال 

_  هه ، وانت فاكرة لما تخفى نفسك كدا ، مش هيبان من قصة شعرك ، ولونه دا ...،

... اسمعي اللى هقولك عليه  ، أنسي انك تعرفي رامي دا تانى ، دا عشان مصلحتك .

كانت ياسمين تنصت اليه وعلى وجهها الضيق ، فقامت باغلاق الباب فى وجهه بعنف  ، وعلى وجهها علامات الحيرة، فان لم يكن ادم  من أخذ المال  ، اذا من هو ..؟؟؟

حاولت ان تبحث مرة أخرى فى أرجاء غرفتها ، لكن الحقيبة مختفية تماما.

بقت تتنهد وهى تتقلب على فراشها ، حتى  ساعات طويلة الى أن سحبها النوم الى طيات أحلامها .

وفى الصباح الباكر ، أستيقظت مبكرا ، بسبب طرق الباب المستمر . 

وعندما  قامت بفتح الباب وجدت عمها ناجي  أمامها ، يطمئن عليها .

_ روحتى الجامعة ياياسمين 

_ هاااه ، ااااه روحت ياعمى 

_ وايه رايك ؟؟

توترت ياسمين ، فعين عمها تنظر اليها بترقب ، شعرت أنه يريد أن يطمئن عليها ويرى أنها سعيدة فأرادت أن تخفى مابها فقالت

_عجبتني ... اوى

_ كويس ياحبيبتي ... كويس .. 

وبعد ان اطمئن العم ناجي على ياسمين ، خرج الى عمله

مبكرا بدون حتى ان يرى زوجته او ابنه .

وبقت ياسمين تنظر الى سقف غرفتها ، فلم تعد تطيق المكوث فى تلك الحجرة .

زفرت بقوة  

وانتفضت تقف على قدمها ، وذهبت تتفحص ملابسها .

لايوجد ملابس ، مال ، اى شئ .

أرتدت ملابسها الخاصة بالرجال ، وخرجت من غرفتها بتوجس على أطراف أقدامها ، حتى وصلت الى بوابة المنزل .

دهشت عندما وجدت سيارة أدم تقف أمام بوابة المنزل ويشير اليها أن تدخل الى السيارة .

انقلبت قسمات وجهها وهى تنظر الى لبني وهى تجلس بجانب أدم  ،و ترنوا اليها بسخرية . 

هنا ،جاء بخاطرها وهى تراقب تصرفات لبني الساخرة ، أنها هى من أخذت المال .

كزت على أسنانها متوعدة لها . 

ودارت بظهرها تخطوا الى الطريق ، بدون أن تعير أى إهتمام الى أدم .

فخرج ادم من سيارته وهو يبتلع غضبه بصعوبة ، وأمسكها من كم ملابسها ساحبا إياها الى السيارة ، فرفضت وحاولت أن تهرب منه ، فقام بحملها على ظهره  وأدخلها سيارته ، تحت نظرات لبني المشتعلة . 

_ ازاى تعمل كدا ، أنت نسيت . دي خنثي . 

.....مينفعش ياحبيبي... .ممكن  هى تفهم غلط  .

هتفت بها لبني وقد وصل بها الحال  الى  البكاء ، فقد نهشت الغيرة قلبها بالأنياب الحادة  ، حتى نزف بنيران حارقة  . 

لم يعطي أدم لها بالا فقد كانت عيناه تائهة عن العالم ، لاتعرف سوي طريق العيون الزرقاء .

وبرغم الضيق الذي يدور حول  رأس ياسمين من أدم  ، تلاشي بسرعة وهى ترى لبني مشتعلة من الغضب ، حتى إرتسمت على شفتاها بسمة خفيفة  وأسرعت فى إختفائها .

شعرت ياسمين بطول الطريق وثقله ، وبدأت تختنق من تصرفات لبني وهى تتدلل وتفرد رأسها على كتف أدم .

_أففف 

خرجت من ثغرها بدون قصد ،فانتبه لها أدم بعيناه التى تتسلل اليها شمس الصباح تزيد لمعتها ،  وترتسم شفتاه بابتسامة تكشف  أسنانه اللؤلؤية تعكسها أشعة الشمس  ببياضها الناصع .

وقفت سيارة أدم الفارهة أمام الجامعة بجانب سيارات فخمة من الجيل الأجنبي .

نزلت ياسمين من السيارة منبهرة من هذا المدخل الفخم ، الذي يطل على البحر من الجانب الشمالى، كانت النسمات تمر الى شعرها القصير تجعله يتطاير حتى يخفى وجهها .

_ أستني  ... عشان اوديكِ

_ ياأدم احنا مالنا ، هو اكيد هيعرف الطريق ويسأل اى حد. 

قالتها لبني وهى تجذب أدم من جاكت بذلته الزرقاء . 

فأمسك ادم يديها بقوة حتى يمنعها من جذبه . 

وقال   أسمها ياسمين ... بلاش تقولى هو دي تاني .

وروحي على المدرج انا جاي وراكِ .

قالها أدم  للبني ، وهو يشير الى ياسمين ، حتى تذهب خلفه . 

كانت ياسمين تنظر اليه باستحقار ، وتتنهد وهى تخطوا خلفه .. فى هذا الطريق الكبير ..  

كلما كان يخطو خطوة كان ينظر اليها من الخلف ، حتى يرى ان كانت تخطو وراءه أم لا .

قام بالمشي ببطئ حتى يكون بجانبها ويتابع نظراتها الداهشة وهى ترنوا الى مبني الكليات داخل الجامعة والى الطلاب .

صدم وهو يراها بهذا الهدوء ، فقد كان خائفا إن كانت ستشعر بالزعر من وجود هذا الكم الهائل وخاصةً وهى تبدو فتاة . 

وبعد ان قام بتوصيلها الى المبني ، قال لها 

_ الساعة ثلاثة بالدقيقة تكونى واقفه هنا ، انت فاهمة ، 

واعرفى،... تصرفاتك هتحدد ، حياتك هتبقي مريحة ولا صعبة  معايا. 

فى تلك اللحظه سمع صوت يهتف باسمه .،، فالتفت ينظر والرعب يغزو اضلاعه .  

_ أدم ، كنت فين ياعم كل دا عشان .... 

...... إسلام .... 

...... أنت عامل كدا ليه ... 

حاولت ياسمين أن تهرب فقد ملأ التوتر جوفها، وهى ترى زميل لها ..  الشاب الذي يسخر منها دائما ، والذي هو رفيق أدم المقرب منذ الطفولة . 

مسك ادم يدها حتى لا تهرب ، فأقبل هذا الشاب ينظر اليها بغرابة . وهو يقول 

دا لما قالولى الاسبوع اللى فات انهم شافوك فى الجامعة ، وصابغ شعرك مصدقتش . 

.. متسترجل بقي يلا  ... 

هتف أدم بغضب به ..

_ ياسمين ياسيد  ، مش إسلام  . ومتشغلش بالك بيها .

_ انت بتقول ايه يابني .. .فى تلك اللحظة هربت ياسمين ،بعد أن أبعدت يد أدم عنها بصعوبة . 

وذهبت الى  داخل المبني الذي أمامها . 

حاولت أن تبتلع دموعها ،ولا تجعلها تهرب من عيناها ، حدثت نفسها 

( دي البداية ، متعيطيش ، أنت قوية ) 

حاولت أن تعطي نفسها قدر كبير من الكلمات التى قامت بحفظها طوال الاسبوع .

لتقف قدماها بصدمة وهى ترى سيف أمامها . 

أدارت ظهرها بسرعة وعندما تحركت قدماها لتهرب 

(الى حد أمتي هتهربي ياسمين ، واجهي الناس كلها ، نسيتي حلمك ، نسيتي كنت بتقولى ايه ، هتعشي حياتك ازاى وانت بتهربي ومش قادرة تواجهي اى حد ، اقفى، اقفى )

_ عاوز اتكلم معاك ... تعال قالها سيف وهو يقف أمامها وينظر الى داخل عيناها .

_  مش عاوز اتكلم ، سبني لوحدي ،وابعد .

قام سيف برفع يده بتلك البطاقة أمام عيناها ، التى سقطت منها منذ أخر مقابلة بينهما . 

شهقت وهى تنظر اليها ، فرفعت يدها مسرعة تسحبها منه ، لكن ، قام بخفيها فى جيب بذلته بجانب صدره . 

ابتلعت ريقها وهى تخطو خلفه ، حتى وصل الى المبني الخاص بطلاب كلية تجارة . 

أشار اليها وهو يقف أمام تلك الغرفة ، بلافتة المعيدين والاساتذة . 

_ أعدى 

رفعت بصرها اليه وهى تراه يتحدث معها كا أنثى . 

فأردف  بلهجة لم تسمعها منه من قبل .

_ أنت كنت بنت ، بصراحة فى البداية اتصدمت من حاجة زي دي ، هتصدقيني لو قولتلك أنى  كنت بشوفك بنت ، مش عارف ليه .

..... كنت بحسك غريب ... ، دلوقتى ، حاسس انكِ طبيعية .

معرفش ظروفك كانت ايه  ، بس متهربيش من حد تاني .

لا تعلم ماذا  تقول فى هذا الموقف ، فرفعت عيناها اليه لترى أن نظرته لها متغيرة تماما عن السابق . 

شعورا غريبا أحتل كيانها وهى تنصت الى كلامه ..

_ انت.. أقصد ياسمين ، انت فيك كل حاجة حلوة ياياسمين ، بس فية حاجة شغلاني ومستغرب منها .

لييه كل ماتشوفيني تضربيني  ،  لا بتكلم معاك بجد .

.....قالها وهو يبتسم ... ثم أخرج من جيبه تلك البطاقة الطبية وقدمها لها .. 

_أنا اسف .. على كل حاجة 

وعندما بسطت يدها لتأخذها قام بسحبها مرة أخرى 

وأردف وهو يبتسم 

_ اتمني تنسي اللى فات ، ونفتح صفحة جديدة ... هاااه ... ماشي .. ياياسمين .. ؟

كان ينطق حروف  اسمها متلذذا بكل حرف ، بطريقة جعلت وجهها يتورد خجلا . 

فاقتربت منه حتى تأخذ البطاقة  لكنه ابعدها عنها، كأنه يريدها ان تقترب منه .... فقال لها 

_ بنت زيك مفروض تلبس زي الاميرة ، ولا إيه ..

... نجحت فى المرة الثالثة بسحب بطاقتها من يديه ،  وخرجت مسرعة من أمامه .. فقال مودعا  وقد شعر بالتوتر من اقترابها منه  ...

_ لو احتاجتي حاجه فى الكلية تعالي .. هساعدك ... 

كان يتابعها وهى تجرى من أمامه، ويتذكر عندما ذهب الى اسم المشفى المذكور فى بطاقتها ، ويسأل عن معلومات  تلك البطاقة ..

لا ينكر الصدمة التى تركته بها الممرضة بعد أن أخذت المال لكي  تعطيه معلومات عنها ، بأنها كانت خنثي . 

لكن أختفت الصدمة وهو يتذكر أن عيناها كانت دائما  منكسرة حزينة  .

أشفق عليها كثيرا  فقد كان دائما عنيف معها ، وشعر بالراحة أيضا من هذا الشعور ، وسخر من نفسه وهو يرى أن عيناه كانت تشعر بها .. وتعرف ماتراه .

لكن عقله كان غبيا.

                         ***

لايعلم بأن كلماته تركت أثرا طيبًا داخلها ، جعلها تتقوى بها ، جعلها تبتسم ... لأول مرة تهرب من عيناها دموع السعادة .. 

بأن يعترف رجلا بأنوثتها .. وليس هذا فحسب .  ومن سيف ، الشاب الأكثر بغضا  .. 

تساءلت هل سيكون رد فعل رامي مثله ... ؟

ذهبت مسرعة الى مبني جامعتها ، لأول مرة تشعر بحماس ، لأول مرة ترفع رأسها . 

تنظر الى الجميع ، لترى نظرات الجميع لها ،التى كانت تخشاها ، ماهى الا نظرات إعجاب .

دخلت الى المحاضرة الاولى ، الثانية ، الثالثة ، ونست تماما ان الساعة تجاوزت الخامسة مساءًا 

خرجت من مدرج المحاضرة لترى أن الشمس تذهب مودعة ، ويظهر القمر على سطح السماء .

قصدت موقف الحافلة ، والبسمة تعلو شفتاها ، وبعد ان وصلت الى البيت . 

بقت فى غرفتها أربع ساعات من السعادة والهدوء أمام مرآتها . 

ظهر صوت طرق الباب مباغتةً بعنف ، قامت تفتح الباب ، لتجد أدم بعيناه الغاضبة ..

_روحت فييين 

...... أنطقى .... كنت فين .... 

شعرت ياسمين بالخوف من عيناه ومن صوته المرتفع .. فقالت بتوتر 

_ كنت .. فى الجامعة ..

_ انا قولت لك ايه ... 

_ ما أنا ملقتكش ... فروحت 

_ كذابة  .... يعني عاوزة تفهميني أنك ركبت اتوبيس ... 

ركبت فين ... وجنب مين ...

كان أدم يتحدث بسرعة وغضب  ،حتى شعرت ياسمين بالخوف من أن يقوم بتعنيفها . فابتعدت عنه تدخل الى غرفتها وتوصد الباب خلفها ، لكنه، دخل وراءها .. 

وعندما شعر أدم بخوفها وارتعاشة شفتاها . 

حاول كتم غضبه ، وخرج مبتعدا عنها .وهو يزفر بشدة .

                                 *****

ظلت ياسمين تبكي طوال الليل ،على مابدر من أدم ، وشعورها أنها تحت رحمته ، فعمها أكثر الأوقات خارج المنزل .

وتمضي الايام 

كلما تريد أن تخرج من البيت  يتأسف لها العم عبده ولا يفتح لها بوابة المنزل . 

واستمر أسبوعا كاملا على هذا الحال .

حتى جاء العم عبده يخبرها أن هناك رجلا  يريد رؤيتها ، فذهبت مسرعة إليه  لتجد انه رجلا غريبا يعطي لها صندوقا كبيرا أبيض بشريط ذهبي  وباقة ورود زرقاء يخرج منها عطر فواح ينعش القلوب ،  ويخبرها أن تقوم  بالتوقيع على استلامه فى ورقة .

أخذت الصندوق الكبير تحمله بصعوبة ، وترفعه الى يدها. ، فلمحت أدم وهذا الشاب الذي يرتدي ملابس رياضية ينظروا اليها .

فأسرعت بالذهاب الى غرفتها حتى لايتبعها أدم .

وضعت باقة الزهور على فراشها بعد ان لثمت عطرها ، وتعجبت من جمالها .

وأسرعت بازالة الشريط الذهبي بصعوبة من الصندوق  ،فضولها يشعل قلبها وعقلها .

رفعت غطاء الصندوق بفارغ صبر ، لينعكس داخل عيناها ، فستانا ورديا مع نقشة ورود حمراء صغيرةعلى طرفيه ، وفستانا أبيض هادئ .

اخرجتهما من الصندوق الكبير بعيون مسحورة لهذا الجمال ، وضعت الملابس على جسدها لترى انهما يتناسبان مع طولها وجسدها ، ذهبت مسرعة لتنظر الى باقي الحاجات فى الصندوق ، لترى علبة حمراء على شكل قلب ، فتحتها مسرعة ، لتجحظ عيناها وهى ترى ملابس داخلية شفافة بلون الابيض ، شعرت بسخونة وجنتيها تلتهب بحمرة الخجل . 

أقبلت تفرغ محتويات الصندوق ، اكسسوارات نسائية براقة ، زهور حمراء فى كل مكان ، وفى نهاية الصندوق ، وجدت جواب  ..بجانب حذاء أحمر لامع  .

رفعته بسرعة أمام عيناها تقرأ مافيه 

(  الزهور لا تعيش الا فى مكان رطبًا بالمحبة يملك رائحتها  ، وهذا المكان فى قلبك فقط ، فهل تقبلي  ياأميرتي )

_ معقول ... يكون .... سيف 

...... لا مش ممكن .... بس هو قال.. انى ...... لا لا 

أومال مين .... 

  قالتها والابتسامة على وشك ان تمزق وجهها من كثرة السعادة ... 

_ ياتيييت ياسيف ... هدوم داخلية ..

.... لا وكمان  على قدى ..... لازم أحذر من الولد دا ...

لم تستطع أن تغلق عيناها من فرط السعادة ، وخاصةً من عطر الزهور الزرقاء . 

كلما يمر بعض الوقت ،تذهب وتبحث عن الملابس تخشي من  أن يكون حلما جميلا وتستيقظ على أختفاء كل شئ .

كانت الابتسامة تتوج شفتاها ،وترسم داخل عيناها بخيوط السعادة .

_ أول مرة  فى حياتي أكون سعيدة كدا ... انا بجد فرحانة .

غلب النوم عيناها وفى أحضانها الزهور الزرقاء ، ليأتى الصباح مصاحبا لزقزقة العصافير التى تقف على شرفتها ، فكان عطر الزهور مناديا لها .

تثآبت وهى تشعر بخفة جسدها ، وقامت على خزانة ملابسها تنظر الى الاكسسوارات .. 

جاء العم عبدو يخبرها ، أن تهيئ نفسها لذهاب الى الجامعة ، وان أدم سينتظرها فى الخارج .

مرت ساعتين كاملين تنظر الى مرآتها ، التى أصبحت تعشقها أكثر وهى تنظر الى نفسها . 

كانت المرة الأولى التى ترى  فيها جمال عيناها ، وشفتاها ،وقوامها ، وضحكتها .. 

وضعت زهرة زرقاء داخل شعرها القصير الاحمر ، وارتدت قرط الاذن الطويل ، حمدت الله انه من النوع المضغوط فهى لم تثقبهم أذناها  بعد .

اختارت اليوم الفستان الأبيض بأكمام واسعة . وارتدت حذائها الاحمر الخفيف .

خرجت من بوابة المنزل ،لتهب إليها نسمات الخريف ترحب بها حتى جعلت ملابسها تتطاير مع شعرها .. 

نظرت اليه بعبوس وهو ينتظرها فى سيارته  فتمتمت 

_  كويس ان لبني مجتش ، هفففف هحاول اتجنب اي نقاش معاه ، انا عاوزة احافظ على شوية الفرح اللى فيا .

لو تم سحره من كافة ساحرات الدنيا ،لن يتم سحرة بتلك الطريقة التى ينظر بها اليها . 

كأن عيناها عالمًا شاسعًا ،يرحب به ليسكن داخلها .

كأن عبيرها يعانق أنفه بنعومة ،يسمح لقلبه باستنشاقه رويدا ...  حتى يزف داخل عروقه بمشاعر لم يعد يستطيع أن يُخفيها . 

خرج من سيارته ، يخطوا اليها، ليأتى صوت ينتشله من رسم عالمه الخاص معها ، ويتلطخ ألوان أحلامه 

_ إسلام ... 

هتف بها صاحب العينان المتمردة الزيتونية ،ليصب داخلها  بالرعب وهى تلتفت اليه ...


                    الفصل الثالث عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>