CMP: AIE: رواية لعبة الهوي الفصل العاشر10بقلم زيزي محمد
أخر الاخبار

رواية لعبة الهوي الفصل العاشر10بقلم زيزي محمد




رواية لعبة الهوى 





الفصل العاشر..




بقلم زيزى محمد

اندفعت أيسل نحو غرفة والدتها، تقول بعصبية خفيفة تعجبت لها زينات : 

- ماما هي رقية نزلت مع حمزة.

أومأت زينات بصمت، وتركت لعيناها تفسير تصرفات أيسل العدائية والتي ظهرت فجأة دون أي مقدمات.

زفرت أيسل في حنق، مردفه بعتاب حارق : 

- مكنش ينفع تسيبها تنزل معاه.

انتفضت زينات سريعًا تقترب منها وهي تسألها في ترقب، أرسل الندم والتوتر لأيسل بعدما بدأت في التخبط أمام والدتها..

- أيوه، مكنش ينفع ليه؟!.

تلعثمت وهي تجيب : 

- علـ..، علشان مينفعش تنزل وهي تعبانه، انتي مش خايفه عليها!.

عقدت زينات ذراعيها أمامها وهي ترمق أيسل في قلق، فحالتها غريبة تثير بداخلها شكوك تحرق تفكيرها : 

- أخاف عليها من جوزها!، الراجل كتر خيره أخدها معاه في الكافيه، تفك شوية عن نفسها.

فتحت أيسل فمها للتحدث، ولكنها جال بخاطرها فكرة، فقررت تنفيذها على الفور، ارتدت قناع الهدوء، وعادت تهتف بثبات : 

- اممم، أحسن بردوا، أنا هنزل اشتري شوية حاجات ناقصني وقبل ما اروح هبقى اتصل عليها اشوفها هتروح مع مين.

حركت زينات رأسها بالموافقة، وقبل أن تخرج أيسل من الغرفة، انطلق لسانها يسأل ابنتها  في قلق وشك : 

- أنتي مخبيه عليا حاجه يا أيسل.

صمتت أيسل برهة قبل أن تستدير مبتسمة، بابتسامة زائفة تخفي خلفها خوف على أختها وهي مع ذلك المحتال : 

- لا أبدًا، أنتي عارفه لما رقية بتتعب أنا مببقاش طايقه نفسي.

هزت والدتها رأسها بتفهم، وانطلق لسانها يهتف بالأدعية لحفظ ابنتيها من أي مكروه.

بينما دخلت أيسل لغرفتها، تبدل ثيابها في سرعة، وداخلها يحفزها على سرعة الذهاب للحاق برقية، قبل أن يحاصرها حمزة مجددًا، فحالتها النفسية سيئة للغاية، وبالتأكيد لن تجيد التفكير معه، وعند هذه النقطة، بدأ عقلها يصور لها، بأن تصرف حمزة ذلك، ليس سوى خطة جديدة من تدبيره هو وشهاب، فأقسمت أن ترد الصاع صاعين لهما، وأن تنجو بشقيقتها من خداعهما.

رن هاتفها وانتشلها من واقع تفكيرها المظلم، فردت على الفور دون أن تنتبه أن المتصل هو شهاب، تأهب قلبها وعقلها معًا عندما وصل إلى مسامعها صوته المجهد : 

- أيسل..

أصبحت شبه متأكدة، أن ما توصلت إليه الآن، هو لعبة جديدة من تدبيرهم، وما أكد لها هو مجيء حمزة واتصال شهاب الذي يعقبه، فهتفت بحدة : 

- عاوز إيه مني.

- هعوز إيه منك، أنتي مش واخده بالك إنك مراتي!.

رد بحدة مماثلة، فأردفت معنفة : 

- يا بجاحتك، وكمان ليك عين تكلمني!.

ارتفعت نبرة صوته، فقال محذرًا : 

- بقولك إيه يا أيسل، أنا مش هستحملك كتير وأنتي كده.

ضحكت ساخرة على الفور : 

- ومالي كده، فاكرني هبله، هرضى بكلمتين واسكت، لا انسى انت خدعتنا كلنا، كسرت بقلب أختي، وانا قولتلك زمان بلاش اختي يا شهاب، علشان وقتها هتبقى خسران، وأهو جه وقتها وخسرت.

- مش هسيبك، ولو كان أخر نفس فيا، فاهمه.

صرخت بخفوت وشددت على قبضتها للهاتف : 

- لا مش فاهمه، ومش عاوزة افهم، وطلعيني من حياتك أحسنلك.

تراجعت حدة نبرته، فحاول أن يستعطفها قائلًا : 

- أيسل، صدقيني أنا مكنتش قاصد أذيها، وبعدين سيبني احكيلك وافهمك.

قاطعته بنفاذ صبر، قائلة : 

- آه، دي بقى خطة جديدة، انت وحمزة بتعملوها، هو يجي ويضحك على رقية وياخدها الكافية، وانت تكلمني وتضحك عليا، وفاكرين ان الموضوع

 كده انتهي، لا، أنا مش هسيب اختي تكون لعبه في ايدكوا تاني، وهطربقها فوق دماغكوا.

رغم أن حديثها لم يفمهه، وجهل معظمه، إلا أنه رد في ترقب : 

- هتعملي إيه يعني؟!.

تشدقت بتهكم، وهي تجيبه في ثقه : 

- ببساطة، هقطع أي فرصة تحاولوا فيها معانا، وهنزل دلوقتي الحق اختي من الكداب التاني، ومش هسمحلوه انه يستفرد بيها في الكافية بتاعه، أنا بقى اللي هقف ليكوا بالمرصاد.

- طب استنى...

وقبل أن يكمل حديثه، أغلقت الهاتف في وجهه، وأكملت باقي ثيابها، انطلقت خارج منزلها، مقررة الوصول في أقصى سرعة لكافية حمزة.

أما شهاب فوقف دقيقة مع نفسه، يعيد ترتيب كلماتها بذهنه، ثم انتبه لحديثها عن ذهابها لكافية حمزة، فعاد وركب سيارته مجددًا وقرر اللحاق بها..تلك هي فرصته الوحيدة لمواجهة الجميع والاعتراف بخطئه بحق رقيه منهيًا الأمر بينهم بطريقة دبلوماسية، ظن ذلك بعدما اهتدى أخيرًا لذلك الحل..

                                    ****

وقفت رقية بمنتصف الكافية تراقب تحركاته بتروٍ، زعزع ثباتها بعدما كانت تتحلى به معه منذ خروجها من باب منزلها.

قبضت فوق حقيبتها بقوة فبرزت عروقها من شدة انفعالها، وكأنها تقبض على جمرة من النار..

تحرك بصرها مع يده وهو يحرك كرسي في مساحة خالية يضعه ثم جذب آخر ووضعه

 أمامه، أخرجت نفسها الأخير قبل مواجهتها معه، تلك الدائرة الصغيرة ستشتعل بنيران مشاعرهم الثائرة!.

أشار لها بهدوء، وعيناه تترجاها لتعطيه فرصة أخيرة يحاول فيها هدم تلك الأسوار والتي بنيت فجأة بينهم.

رفضت، وتجرأت على نطق رفضها، قائلة : 

- مش هقعد.

خرج صوته هادئًا ينافي قلقه من تلك المواجهة : 

- لازم تسمعيني..

أشارت بيدها وقاطعته بحدة ورفض : 

- مش عاوزة أسمع كلمة منك.

اقترب منها خطوة واحدة، وضم كفيه معاً يرجوها بعينيه، هاتفًا بصوت يغلب عليه الحزن والقهر مما فعله معها : 

- لازم تسمعي علشان تقدري تتخطي اللي حصل.

تشدقت بتهكم، وكررت خلفه حديثه : 

- أتخطى اللي حصل!!.

صمتت لبرهة تستجمع أنفاسها والتي بدأت في الانحسار بصدرها، ثم عادت تقول بصوت مهزوز ضعيف، متقطع اثر محاولاتها في محاربة دموعها في السقوط :
 
- أنت فاكر اللي أنت عملته ممكن أتخطاه، أنت سبت علامة سودا جويا، عمرها ما تروح باعتذار.

حك أنفه بقوة، وكأنه يتمسك بآخر قوة لدية، قبل أن ينهار ويعلن ضعفه الكامن خلف هدوئه الزائف معها : 

- لازم تتخطي يا رقية، أحنا مش اتنين مخطوبين وبس، احنا مكتوبين كتابنا.

هزت كتفيها بلامبالاة مع نزول أول دمعه من مقلتيها، قائلة : 

- وإيه يعني، عادي، كل واحد هيروح لحاله.

اقترب خطوة أخرى، وهو يردف بخفوت داعب أوتارها والتي كانت تتخبط بين أروقة قلبها، وكأن اقترابه المهلك ذلك، كالرياح العاتية، تقتلع معها حصونها :
 
- ترضي على نفسك تتطلقي قبل ما تخشي دنيا.

رفعت بصرها له، تقابله بتحدٍ، متعمده تذكيره  بفعلته الشنيعة بحقها : 

- مش أحسن لما أدخل دنيا مع واحد كداب، بيخدعني، وأنا إيه ضمني مكنش العاشرة في ضحاياك، اللي يقدر يعمل كده في بنت، يعمل في مية بنت بسهولة.

كان يحرك رأسه بنفي مع  كل كلمة كانت تخرج من ثغرها، كلماتها كانت كالأسهم النارية 

التي تصيب قلبه في مقتل، ويندلع بسببها ثورة بعقله، تجعله غير مدرك لِمَ يفعله معها، 
بعدما كان يتحلى بالهدوء
 أمامها، انهارت قوته الزائفة، وبدأت بالتصدع، فبدأ انهياره الوشيك في مواجهتها، جذبها 

بقوة رغم اعتراضها وأجلسها فوق الكرسي، وبدأ يتحدث بإصرار : 

- لازم تسمعيني، لازم تعرفي إن أول مرة أوافق على كده، أنا مكنتش قاصد أذيكي.

هتفت ببكاء وصوت مبحوح : 

- أنت لعبت بيا، ضحكت عليا وفهمتيني إنك بتحبني، اتجوزتني وأنت عارف أنها لعبة، ده كله مكنش أذيه. 

لمعت عيناه بدموع متحجرة، فقال بضعف لأول مرة تقرأه بنبرته : 

- أنا اعترفت بحبي، وأنا فعلاً بحبك، واتجوزتك علشان أنا عاوز كده، مش هسيبك يا رقية، أنت الروح اللي كانت ناقصة حياتي.

ابتسمت من بين دموعها المتساقطة بلا انقطاع فوق وجهها، لتقول بانكسار : 

- روح!، إزاي، أنت كسرتني فوق ما تتخيل، وأنا حـ ...حبيتك.

ارتعشت نبرتها في جملتها الأخيرة، وبدأت في الانهيار أمامه..

شعر حمزة بمرارة وغصة بحلقه، بعد اعترافها ذلك، ورغم كل الظلام الذي يحيط بقصتهم،
 إلا أن باعترافها اندفع نور فجأة له، فحثه على استكمال باقي حديثه والذي كان يكتمه بصدره :

- وأنا بحبك فوق ما تتخيلي، والله العظيم فعلا حبيتك، بس بعد ما عرفت إنك غير الشخصية

 اللي شهاب حكالي عنها، أنا كنت فاكر إني بعمل عمل بطولي، وأنا بنقذ صحابي من واحده حقودة زي ما حكالي، اتصدمت

 واتفاجئت إنك غير، أنت أنقى وأنضف من كده كتير، منكرش أن كنت بحارب مشاعري معاكِ، بس مقدرتش..

أمسك بيدها ثم وضعها فوق قلبه عندما جثي أمامها على ركبتيه، هامسًا بحزن عاشق متيم : 

- قلبي كان بيتعلق بيكِ كل لحظة في وجودك معايا، وفي غيابك بعيد عني، رقية صدقيني أنا مش هقدر أبعد عنك، والله ماهقدر.

رغم أن كلماته كانت تصيب قلبها وعقلها معًا، فهو ببساطة أصبح الآن حبيب قلبها، 

وعدو عقلها، صمتت أثناء حديثه  ولكن قلبها لم يصمت عن الصراخ، فهي كانت بحالة لم تستطع الحديث، أو إخراج مشاعرها 

بعدما تكدست بصدرها، ومع لمستها لصدره وتحديدًا عندما شعرت بدقاته العنيفة، لجم 

لسانها، فسمحت لنفسها بالانخراط في البكاء، فأصبح شبه هستيري وكأنها تبكي نيابة عنه.

اختنق صدره، وحلقه، فأصبح حلقه كالصحراء الجرداء.. لم يعد لديه قدرة على شرح مشاعره..ومن شدة ضعفه امامها، كل شيء بداخله كان يقطر دمعًا..

احتضنها بقوة رغم محاولاتها الضعيفة في الابتعاد عنه، وانخرط الأثنان في البكاء، هي نحيبها كان عالٍ، تمزق به نياط قلبه، وهو كانت دموعه صامتة، تهبط بغزارة أثناء محاولاته للتحكم بها...

                                  ****

دخلت أيسل من الباب الخارجي للكافية، تبحث عن رقية بلهفة وقلق، وقبل أن تتخطى خطوة أخرى للداخل، لمحت احتضانهم لبعض من خلال الزجاج الخارجي، وقفت كالصنم، تراقب ما يحدث بينهم، وضعت يدها فوق قلبها، عندما شعرت بمشاعر شقيقتها وهي في حالتها تلك، فضعف رقية شبه مستحيل، وإظهاره هكذا، هذا يعيني أنها خاضت العديد من المعارك مع مشاعرها، حتى تسمح لها بالظهور هكذا.

وضعت أصابعها فوق الزجاج، تفكر بحيرة، في قرارها التالي، هل تفسد لحظتهم، أم تنتظر وتعطي لرقية حرية التصرف بحياتها..
شعرت بأنفاس خلفها، فاستدارت فجأة، وتحولت  ملامحها من الذعر إلى الغضب.

- أنت، جاي ورايا ليه!.

قرص شهاب فوق أنفه محاولاً ضبط انفعالاته معها، فقال : 

- جاي علشانك، علشان تسامحيني.

- أسامحك!!، على إيه ولا إيه..على كسرة قلب أختي، ولا قلبي أنا كمان!.

ضغط بيده فوق ذراعيها يقول بلهفة وعجز : 

- أنا كسرت قلبك في إيه، أنا كنت بحارب علشان علاقتنا تفضل زي ماهي، رقية كانت هتهد حياتنا بكلامها، متنكريش إنك كنت هتبعدي عني بسببها!.

نفضت يده بقوة، وتراجعت نحو الزجاج تلتصق به، وهي تهتف بغيظ من بين أسنانها : 

- لا يا شهاب، مكنتش هبعد عنك، انت اللي خيالك وشياطنك اللي كان مصورلك كده، بس دلوقتي هبعد عنك فعلا وهطلقني.

عاد وأمسكها بقوة يهزها بعنف : 

- أطلقك، ده في خيالك، أنت عاوزة تسيبني، بعد ما حبيتك.

راقبت حالته الثائرة بذعر، فعادت نبرته الي اللين ولم تهدأ قبضته بل كانت تزداد عنف 

وكأنه يتمسك بآخر فرصة للنجاة من ذلك الواقع المظلم الذي بدأ في التجسد من حوله : 

- أيسل، أنا مش بس بحبك، أنا بعشقك، عاوزة تسيبني وأنا ماليش حد غيرك، أنتي كل حياتي، أنتي اللي مليتي عليا وحدتي بعد موت أهلي، انا هموت بجد من غيرك.

قاومت مشاعرها في الاستسلام له، من الممكن أن تتجاوز جميع المصاعب، ماعدا الخذلان الذي ذاقته على يده!.

فردت برفض وهي تهز رأسها وكأنها تريد عدم استماعه : 

- لا يا شهاب، لا.

دفعها بقوة نحو الزجاج، وبدأ في الهياج، وأعماه غضبه، فبدأ بالتصرف بجنون، صرخت هي إثر تعنيفه لها.

- مش هسيبك يا أيسل، أنا خالفت كل مبادئي علشان اوصلك، أنت بتعملي كده علشان عارفه إن أنا بحبك، بتدلعي عليا...صح.

ارتفعت نبرته وهزت أرجاء المكان، فصرخت  وهي تحاول إبعاده عنها..

انتبه حمزة ورقية لصوت شجار في الخارج، ولكنه كان مكتوم بسبب قوة الزجاج، ابتعد

 حمزة عنها في مضض، بعدما بدأت مشاعرهم بالتصالح، وأحس أنها رضخت له إثر قبلاته
 الحنونة والتي كان يوزعها برفق فوق وجنتها وكتفها.

التفتت رقية للخلف عاقدة حاجبيها، عندما التقطت أذنها بعض الكلمات منها : 

- أيسل أنا بحبك.

- ابعد يا شهاب.

وفورًا كان حمزة ينهض في استقامة، وخرج وخلفه رقيه، يمنعان جنون شهاب والذي فاق كل التوقعات..

احتضنت رقية شقيقتها، تحميها من غضب شهاب وانفعاله..، فثارت ثائرة شهاب أكثر، عندما وقع بصره عليها، وهي تحتضن أيسل بذلك الشكل، فهدر بعنف : 

- انت بتعملي إيه، بتخوفيها مني اكتر، أنتي السبب أصلا في كل حاجه، كلامك ليها عني، كرهتيها فيا، أنت بتكرهيني ليه، عملتلك إيه.

قال جملته الأخيرة وبدأ بالاندفاع نحو رقية، فتراجعت هي بخوف وذعر من حالته الجنونية، أمسكه حمزة يمنعه من التقدم خطوة أخرى نحوهما، فقال بعصبية : 

- شهاب اهدى انت اتجننت.

أبعده شهاب عنه بقوة، وهز رأسه بانفعال : 

- اه اتجننت، أنت بقى ظبطت أمورك، وأنا الشيطان واللي حياته بتتدمر عادي .

حول بصره نحو أيسل يقول في عناد : 

- أنا مش هطلقك يا أيسل، مش هطلقك فاهمة.

صرخت هي في جنون مماثل له : 

- هطلقني، أنا بكرهك.

رفع يده يشدد بها على خصلات شعره، وكأنه يريد اقتلعها من مكانها، ثم اندفع نحو الكراسي المرصوصة جانبًا، ورفع إحداهم وأنزله بقوة أرضًا، فتهشم إلى

 قطع، ابتعدت أيسل ورقية أكثر يحتمون من جنونه، وخاصةً إن كانت عيناه تطلق شرارات من الغضب.

جذبه حمزة بقوة نحو الخارج هاتفًا : 

- أنت فعلا بتدمر حياتك، باللي بتعمله، لما تهدى نبقى نتكلم.

أبعده شهاب عنه بكره وقبل أن يخرج نظر لأيسل بحرقة ثم قال : 

- مش هطلقك، لو طلقتك هموت بجد.

 ثم خرج من الكافية وعيناه تطلق شرارات من الغضب والكره والحقد، مشاعر جمة تملكت
 منه، فجعلته عبارة عن بارود، إن نفجر سيدمر جميع من حوله..

عبر الطريق وجسده يتشنج بالكامل، فبدأت أفكاره السلبية تتدفق تمحي في طريقها أي

 بارقة أمل بعلاقته مع أيسل، تحولت الحياة فجأة من حوله إلى ظلام قاتم، ابتعاد أيسل عنه، يعيني الهلاك...

هز رأسه بقوة وكأنه يحارب أفكاره المهلكة، متوعدًا بداخله أنه لن يتركها أبدًا، سيحاول ألف

 مرة حتى تعود إليه كما كانت، لن يرضى بأنصاف حلول، ولن يهدأ قلبه في لوعته وهي بعيدة عنه..

 عبر الطريق دون أن يراقب جهاته، متجهًا صوب سيارته والتي كان يصفها بالجانب الأخر..

وفجأة ارتطم جسده بسيارة مندفعة بسرعة، فأصدرت السيارة صوتًا قويًا نتيجة لاحتكاكها المفاجئ بالأرض.

ارتطامه كان قويًا، ليس لجسده فقط، بل لمشاعره وقلبه وعقله، فشعر حينها وكأنه

 في دوامة كبيرة، يدور بها وشريط حياته وأفعاله تتجسد أمامه في مشاهد قصيرة، تتحرك من أمام عيناه بسرعة، سرعة

 تنافس سرعة أنفاسه والتي كان يلفظها خلف بعضها وكأنه يحارب من أجل البقاء، لأجلها 

فقد، فمازال قلبه ينبض من أجلها حتى وهو في وداعه الأخير، لقد ظن ذلك، وبدأ يستعد تدريجيًا،

 حتى أن جسده بدأت الالامه تنسحب منه بعدما كانت تفوق قدرته، وأنفاسه ثقلت وكأن

 هناك جبل فوق صدره، تزامنًا مع بطء ضربات قلبه، أنها النهاية، ولا مجال للفرار من ماضِ أهوج.

- شهـــاب.

استمع لصوت حمزة وهو يخرج متلفهًا، يناديه بصوت مرتفع، ولكنه لم يملك القوة للرد فكان في حالة أشبه بفقدان الوعي..بدأ الدم يخرج من

 أنفه..ومحاولات حمزة لاعتداله وصراخه لرقية وأيسل كانت عديدة.

نظرت رقية بصدمة لأيسل، ولم تستطع التفوه بأي كلمة، سوى أنها تركتها واندفعت خلف حمزة، أما أيسل فتحركت بخطوات بطيئة للخارج تحارب هاجسًا سيطر عليها، وما إن رأت جسد شهاب لا يتحرك ساكنًا، وضعت يدها فوق فمها بضعف وألم..بينما اندفعت دموعها أخيرًا من تحررها لتسقط فوق صفحات وجهها تعبر عن مدى خوفها وألمها بعدما رأت حبيبها ملقى أرضًا لا حول ولا قوة له، لقد كتب الفراق عليهما إجبارًا وليس اختيارًا، ولكن ذلك الفراق موجع وقاسٍ، لن يتحمله قلبها أبدًا، ولن يتصوره عقلها، فالحياة من بعده، ستصبح بلا روح.

مسكت رقية يد شهاب عندما قال لها حمزة بنبرة مهزوزة تحمل خوفًا على صديقه : 

- خليكي جنبه، لغايه ما أجيب العربية وأجاي.

نظرت رقيه له بعدما سال أنفه بدماء غزيرة، وكانت عيناه غائمة، رفعت بصرها نحو الاتجاه التي فرت منه  السيارة التى اصطدم به...ولكنها عادت مرة أخرى تنظر له حينما   ضغط هو برفق وضعف فوق يدها..

فمدت يدها الثانية تمسد على ذراعاه في حنو : 

- شهاب هتكون كويس، هننقلك المستشفى دلوقتي..

خرج صوته متقطع عقب آلامه التي 
تجتاح جسده بلا رحمه، فقال بوهن : 

- رقية سا...سامحيني.

- اهدى أرجوك، بلاش كلام دلوقتي.

وقبل أن يفقد وعيه نطق بآخر جملة : 

- قولي لأيسل أنا بحبها اوي.

وفقد وعيه بعدها، فهزته رقية بصراخ : 

- شهااب، خليك معانا..

اقترب حمزة بسيارته، ثم ترجل منها سريعًا، وهدر بأيسل حتى تتحرك معهم وتساعدهم في نقل شهاب لداخل السيارة، وبدلاً أن كان حمله وحده ثقيلًا، زاد 


ثقلاً بأيسل والتي كادت أن تفقد وعيها هي الأخرى عندما تركتها أنفاسها منذ أن وقعت عيناها عليه وهو في تلك الحالة.
 




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-