رواية لست خطية الفصل الاول1والثاني2بقلم ساره سعد

رواية لست خطية 

 الفصل_الاول 

بقلم ساره سعيد

على طاولة أنيقة بأحد المطاعم الشهيرة جلس أمام صديقه

 المقرب ساهر يبتسم بروقي ورزانة هادئة يتمتع بها وتضيف

 إلى شخصيته الرائعة المزيد من الوقار المهيب..

أستمع إلى ساهر الذي أستمر فى توبيخه بشكل مستمر دون توقف:

_أنت فعلا أنسان غريب مش قادر أفهمك أبدا يايزيد أنت كنت شاهد على عقد الجواز كمان ياقلبك يا أخى.

*هز ساهر رأسه مندهشا من صديقه وعاد يردد من جديد بتمهل:

_جالك قلب تمضي على عقد جواز البنت اللى بتحبها من أكتر من سنتين وتسلمها بأيدك لشخص تانى ومين؟ أبن خالك.

*رفع رأسه قليلا ليستنشق هواء البحر ويعبئ صدره به

وقال وهو يبتسم بوجهه الوسيم البشوش:

_كل شي قسمه ونصيب يا ساهر ربنا يسعدهم.

_تضيعها من بين إيدك وتقولي القسمة والنصيب يابني البنت بتدرب عندك في الشركه بقالها سنتين تقريبا وجه

عيل صغير في كام شهر وقعها وخطبها وكتب كتابه عليها وكلها شهرين ويتجوزها وأنت واقف تتفرج.

*هاجمه ساهر وهو ينفخ بضيق ورفع كأس عصيره الي شفتيه يأخذ منه رشفة طويلة ثم أعاده إلى مكانه يكمل:

_مكنتش قادر توقعها زي ابن خالك.

*صاح يزيد بغضب وهو يضرب بيده على الطاولة:

_أنت بتقول أيه يا ساهر ؟ أنت تعرف عنى كده أنا أوقع بنت صغيرة فى سن أختى هبة الصغيرة أنت فاكرنى أيه معدوم الضمير.

*ضيق ساهر عينيه وقال بخفوت وهو يشدد على أسنانه:

_لا اله الا الله..هو أنا بقولك لاسمح الله أضحك على عقلها

ولا أسلبها اعز ماتملك.

*ضحك يزيد وهو يهز برأسه ليقل:

_أمال تقصد ايه؟

*أجابه ساهر بغيظ بعد لحظات من التحديق به:

_ليه ماصرحتهاش بحبك..ليه فضلت مخبى حبك لها جوه قلبك وسبتها لغيرك ياخدها منك قدام عينك ولاء كمان تكون

شاهد على عقد جوازهم..ديه مهزلة.

_قولتلك نصيب يا ساهر خلاص أقفل ع الموضوع ده البنت

بقت فى عصمة راجل تانى وميصحش نتكلم عنها بالطريقة

ديه..خلينا نتكلم فى الشغل.

*هتف يزيد بحنق ونفاذ صبر مبعدا عينيه اللؤلؤية الغائمة

بالدموع عن عينان صديقه التى تخترقه وتكشف ألم قلبه:

*نظر اليه صديقه المقرب بصلابة ثم قال بهدوء خطير:

_نتكلم فى الشغل لحد أمتى هتفضل تفكر فى الشغل وفى

اخواتك البنات اللى اتنين منهم بقوا في بيوتهم الحمد لله وفى عيلتك وهتفضل ناسى قلبك وحياتك اللى المفروض

كنت أسستها من زمان..الحجة نفسها تفرح بيك وتشوفك

فى بيتك مع زوجة بتحبها وأطفال بيجروا حوالين منك.

*ها قد سمع ما لم يرد سماعه...حينها مال فى مقعده إلى الأمام مستندا بمرفقيه الى ركبتيه ليرسل نظره بمنتهى القوة الى ساهر قائلا بلهجة توازى لهجة صديقه خطورة:

_قول كده بقا الحجة سعاد كلمتك طبعا ماهى عارفه أنك

أنت الوحيد اللى تقدر تتكلم معايا فى حاجة زى كده وأنت

طبعا ماقصرتش.

*مسح ساهر وجهه الأسمر وابتسم قائلا:

_ولو مكلمتنيش أنا هتكلم مين يعنى؟ الحجه عارفه أنك مش صاحب عمرى وبس أنت أخويا التانى أنا اتربيت فى بيتكم وأمك زى أمى وكلامها سيف على رقبتي..أنت عارف كانت منهارة إزاى وهى بتكلمني وتحكيلى عن وجعها عليك وهى شيفاك واقف لابن خالك اللى هو أبن اخوها وأنت فرحان ومبسوط قدام الكل الا هى طبعا لأنها أكتر وحدة فى الدنيا كلها كانت عارفه قد أيه أنت بتتألم وقلبك بينزف.

_ااااخ يا أمى...ياريتني ماكنت قولتلك عن اللى جوه قلبى كنت عارف أنها مش هتقدر تتحمل.

*دمدم بخفوت وهو نادم أشد الندم على أعترافه لها بحب

أثير وعزمه على التقدم لخطبتها بعد حصولها على شهادتها

الجامعية...ولكن كان للقدر كلمته الأخيرة أثير لم تكن له....

وكانت من نصيب تامر أبن خاله التى أختارته بمحض أرادتها وبكل ذرة فى كيانها أحبها وأحبته فما دخله هو

بشأن القلوب...الله وحده يؤلف بين القلوب:

*بهت وظل صامتا تتلاعب ابتسامة حزينة على شفتيه ليقل بخفوت يائس دون أن يظهر بؤسه:

_كانت غلطتى لما اتسرعت وكلمتها عنها وقولتلها أن ديه الانسانة الوحيدة اللى قلبى دق وحس بيها.....كانت أكبر غلطة يا ساهر لما قررت أنى أتقدم لها بعد البكالوريوس

من غير ماعرف شعورها ايه ناحيتي...

*لم يتفوه باي شي لعدة لحظات ثم مد يده يمسد ذقنه المرتبة والتى يتخللها بعض الشعيرات الفضية الأنيقة التى تزيد

من وسامته وهيبته ليكمل بهدوء:

_نسيت فرق السن اللى بينى وبينها ومشيت ورا قلب يظهر انه عجز وشاخ...نسيت أنها تقريبا فى سن أختي

أو أكبر منها بسنه وأنها أكيد محتاجه شاب يشاركها جنون

وحيوية الشباب في الآخر اتسببت بتهوري في زعل أمى

ونزول دموعها بعد ما كنت وعدت ابويا الله يرحمه أني

مش هسمح انها تحزن لحظة وحدة طول ماانا عايش بس

اخليت بالوعد...وربنا يسامحني.

*ربت ساهر على كف صديقه بقوة كعون له وقال بصدق:

_أنت انبل أنسان واكتر ولد بار بامه وحارس أمين علي أخواته أنت مغلطش ياصحبى يوم ما آديت قلبك الفرصة

عشان يحب بعد ما قفلت عليه سنين وحبسته عشان تكمل

مشوار والدك الله يرحمه بعد ماسبلك تلت بنات صغيرين

أمانة فى رقبتك وشركة صغيرة حولتها بمجهودك وعرقك لمجموعة كبيرة لها أسمها فى السوق...وبعدين سن ايه اللى

بتكلم عنه أحنا مكبرناش أوي كده يايزيد ده احنا لسه في نص التلاتين بسنه ياصحبى ولا نسيت انى قدك يوم بيوم

وسنه بسنه اتناشر سنه فرق مابينكم مش معجزة فى ناس

بيكون الفرق مابينهم عشرين سنه لو مكنش اكتر وزيجاتهم

ناجحة أكتر من الشباب...

*لوى شفتيه بابتسامة عابثة يقل:

_أنت بتصبرنى طبعا بس خلاص النصيب قال كلمته مفيش فايدة من الكلام...حتى الكلام عنها مبقاش يصح صدقنى

انا بتمني تبقي سعيدة ومتأكد ان تامر هيسعدها هو فعلا

بيحبها وأنا شوفت ده بعينى.

*قال ساهر بصوت حاد قوى يسأله:

_طيب وهى ياتري بتحبه زي ماهو بيحبها؟

*أبتلع ريقه بتوتر يهمس:

_أكيد طبعا والا مكنتش توافق على أنها ترتبط بيه.

_مش يمكن وافقت بعد مافقدت الآمل فى الإنسان اللى بتحبه أنه يتكلم أو حتى يعبر عن اللى جواه باى كلمة تديها

آمل أنه بيبادلها الحب ده.

*قال ساهر بهدوء وتأكيد جعل يزيد يرفع حاجبه الأيسر كعادته عندما يتوتر والشك يراوده ليهز رأسه بخفة قائلا:

_قصدك أيه؟

*اطلق صديقه تنهيدة طويلة وهو يحنى وجهه قائلا بأسف:

_أثير كانت بتحبك أنا واثق من كده..

*بشدة دمدم:

_أنت بتقول ايه مش معقول انا عمري ماحسيت بكده.

*صاح ساهر بضيق في صديقه الذي دمرته مبادئه ونبله الشديد:

_عشان أنت قررت أنك متشوفش حاجه وأجلت مرحلة أنك تشوف أو تحس وفضلت تأجل فيها لحد ما ضيعتها من بين إيديك ...البنت كان ليها حق سنتين وهي بتحاول تقرب

منك تحسسك أنها موجودة وبتحبك عايزاك وانت ولا هنا أصم وأبكم احترامك ومبادئك وخوفك الزيادة من فرق السن بينكم كانوا بيخلوك تأجل اعترافك لها بشعورك عارف ايه اكبر غلطة أنت غلطتها فى حق قلبك وفي حق نفسك وفى حق البنت المسكينة ديه...

هو أنك قررت أنك تعترف لها بحبك وهى في بيتك...

_أنت بتهلوس حب ايه وكلام فارغ ايه اللى بتكلم عنه أنت

وامى انا عمري ماحسيت بالى أنتم حاسين بيه ده..

*هتف بضيق ونبضات قلبه تتسارع داخل صدره بخوف أن يكونوا هما على حق وأثير كانت تبادله حبه...تبادله كيف وهو لم يعبر لها عما بداخله في يوما ما:

*كسر ساهر صمته بصوته العميق:

_تخيل أنى أنا في كل زيارة ليك كنت بشوف في عيونها الا أنت مكنتش أنت قادر تشوفه ولا تحسه..كنت بشوف لهفتها عليك ونظراتها اللى بتخصك بيها أنت وبس غيرتها من أي وحدة تقرب منك..خجلها لما تبصلها كل ده أنا شوفته بس

أنت للأسف لا عشان عندك عمى ألوان مش بتشوف غير الورق الأبيض والملفات وبس...مش عارف أنت صديق عمري ازاي ده انا مراتي مخدتش في أيدي غلوه.

*ضحك يزيد ضحكة مختصرة بحزن وهو يشعر بنبضات قلبه تتعالى بصخب لدرجة الألم فقال وهو يحاول أخفاء

حزنه:

_كل شئ قسمه ونصيب..الحمد لله.

*خرجت من قاعة الاختبارات وهى سعيدة متفائلة بعد أن جاوبت على أسئلة الاختبار على أكمل وجه يضمن لها النجاح بتفوق وتقدير عالى...لتتقدم بخطوات أنيقة نحو

باب الجامعة للخروج ليستوقفها صوت تعرفت عليه من

الوهلة الأولى:

_أثير..أثير.

*التفتت بتوتر تعقد حاجبيها وهى تقول بحذر:

_أفندم..عايز أيه ياوجدى.

*أبتسم في وجهها وهو يقترب:

_أثير أنا عارف انك مش عايزه تكلمي معايا ولا طايقه تشوفي وشي بعد ال عملته..بس اديني فرصه اعتذرلك ع

الأقل أحنا كلها كام يوم ومش هنشوف بعض تانى.

*أمالت رأسها قليلا تنظر له مندهشه وقالت بشفاه ملتوية

وهى تكتف ذراعيها أمام صدرها:

_تعتذرلي بعد ايه؟ بعد كلامك الفارغ المنحط عن علاقة بيني وبينك انت نشرتها بين الكل..ولا عن اعتراضك سكتي

في الريحه والجاية بعد ماعرفت انى انكتب كتابي بحجة

انك لسه بتحبني وانى مستحيل ابقي لغيرك...اعتذارك ده

كان ممكن يعملى ايه لو وصل اللي قولته ده لخطيبي هه.

_أثير أنا عارف انى كنت غبى وحقير في تصرفاتي معاكى

بس غصب عنى أنا كان برج من عقلى هيطير لما عرفت.

*دمدم وجدى بحزن وهو يخفض رأسه خجلاً:

*رفعت اكتافها وهى مازالت تكتف ذراعيها فوق صدرها تسأله بوجوم:

_وإيه الى اتغير بقي أيه عايز تفهمني أن ضميرك صحى وبقي يوجعك كده مرة وحدة...تؤ معتقديش ال زيك مستحيل يكون عنده ضمير ونخوة أساسا ابعد عن طريقى ياوجدى

علشان أنا مش هقبل منك اي اعتذار.

*والتفتت لتتابع طريقها للخروج ولكنه امسك بذراعها دون سابق إنذار ليصطدم جسدها بجسده فصاحت وهي

تنظر حولها بغضب:

_أنت اتجننت ياحقير..ولا عايز المره ديه تترفض من الجامعة ويضيع مستقبلك.

*ضحك وهو يرفع حاجبيه قائلا بمرح:

_لا لا كفاية الى حصل ده انا اتوقفت ترم بحاله كده تمام ع العموم أنا آسف واوعدك ان ديه هتكون اخر مرة تشوفي

وشي فيها.

*مطت شفتيها الحمراء المكتنزة ببرود وهى تقل:

_يكون احسن بردو.

*والتفتت من جديد تبتعد عنه وهى غافلة عن عينان سوداء شديدة الاتساع تشتعلان تحدقان بها من بعيد...

بينما ظل وجدى واقفاً في مكانه يتابع خطواتها الرشيقة

وقدها الناعم بتسلية عابثة ليقل:

_هانت الصبر جميل..

*تأفأفت أثير وهى تفتح باب سيارتها الصغيرة بغضب من هذا الأحمق الذي لايتركها وشأنها..إلى متى سوف يلاحقها

أستندت على سيارتها ونفخت وهى تقرر بأنها سوف تخبر

تامر عنه اذا تعرض لها من جديد..وعلى ذكر تامر أنتفضت

أثير في مكانها على صوته الخشن وهو يهتف من خلفها:

_أثير..وقفه كده ليه؟

*التفتت بوجهها الشاحب تنظر له لتجده يقف خلفها مباشرة

يشغل سيجارة من علبة سجائره بهدوء..أبتسمت وهي تضع خصلة من شعرها شاردة فوق وجهها وقالت بتفاجى:

_تامر ايه المفاجأة ديه.

*نظر إليها لينفث دخان سيجارته بجانب وجهها الشاحب واجاب بهدوء:

_مفاجأة حلوة ولا وحشه.

_حلوة طبعا...

همست باهتزاز والابتسامة الباهتة لا تفارق شفتيها..ثم أكملت تسأله:

_أنت بتعمل ايه هنا..أقصد متصلتيش بيا ليه تقولى انك هتعدى عليا زي كل مرة.

*رفع كتفه المتصلب واجابها بمنتهي الهدوء:

_كنت قريب من هنا قولت اعدى عليكي واعملك مفاجأة بس يظهر ان المفاجأة معجبتكيش.

_أنت بتقول ايه؟ معقول ديه احلى مفاجأة طبعا.

*همست وهي تبتسم له برقة وقد بدأ وجهها يتلون بالاحمرار قليلا:

*قال وهو يهز راسه ببرود اثار قلقها:

_يلا حبى اركبي عشان هنروح نتغدي وبعدين نطلع علي الشقة في حاجات مهندس الديكور عايز ياخد رأيك فيها.

*أشارت الي سيارتها البيضاء الصغيرة التى ورثتها عن والدها تقل باهتمام:

_طيب وعربيتي..

*ضحك مستهزء منها:

_ديه عربية تخافى عليها بذمتك هه ع العموم اطمني الحرامي الى هيفكر يسرقها اكيد هيكون غبى وهيفكر الف مرة قبل ما يسرق صندق الدنيا بتاعتك.

_تامر ديه عربية بابا الله يرحمه ومش بحب حد يتريق عليها لأنها أغلى واحسن عندي من عربيات أحدث بملايين.

*هتفت بوجوم غاضبة من اسلوبه الغريب وحالته الاغرب

ولكنها لن تهتم الآن بتقلبات مزاجه البائس..استدار يربت على خدها الناعم يقل:

_اسف حبيبتي لو مكناش في الشارع كنت بوستك على خدك الجميل ده وشفايفك كمان ومرر ابهامه علي شفتيها السفليه ببطء:

*ابعدت وجهها عنه تهمس:

_أحنا في الشارع ولا نسيت ..

_وانتي مراتي ولا ناسيتي

* اجابها باستياء ثم تحرك نحو سيارته الأودي السوداء s 8 موديل العام قائلا بأمر:

_اقفلي صندوق الد...اسف اقصد عربية باباكى وحصلينى

انا هبقي ابعت سواق من الشركه ياخدها ويركنها تحت البيت عندك.

*وبالسيارة التى تماثل الطائرة في خفتها اغلقت الهاتف مع والدتها بعد أن اخبرتها بخطة تحركاتها كاملة حتي يطمئن قلب امها القلوق:

_مهندس الديكور هيكون في الشقة مستني.

*سألته بحذر..فقال وهو يمسك كفها ويضغط عليه:

_ايوه طبعا.

_ومامتك..اقصد طنط.

*همست بحذر اكبر...فأجابها بملل:

_ايوه يا أثير ايوه...وبعدين انتي قلقانه كده ليه انتي ناسيه انك مراتي ولا ايه؟ ولا خايفه منى.

*حركت رأسها ب "لا" وهي تشبك أصابعها الحنطية الصغيرة مع أصابعه البيضاء الطويلة:

_اخاف منك ازاي؟ انت اسألتك غريبة جدا النهارده انت جوزي..

*ضحكت بمرح وأكملت.

_ مع وقف التنفيذ طبعا ومستحيل اخاف أو اقلق وانا معاك بس الأصول بتقول كده.

*رمش بعينيه قبل ان يقول بسخرية لم تلاحظها:

_اااه طبعا..الأصول.

*فتح مشغل السيارة على أغنية اجنبية رومانسية تبسمت حينما سمعتها وأخذت تدندن معاها ليقطع دندنتها يقل:

_بتشوفي يزيد؟

*ابتلعت غصة مسننة بحلقها واناملها تتكور فوق قماش تنورتها الكتان حتي أصبحت مجعده بين يدها لتقل بخفوت:

_لا..اخر مرة شوفته كان يوم كتب كتابنا.

_ولا بيكلمك؟

*هزت رأسها تهمس:

_لا..

_غريبة..

_ايه الغريب في كده؟

*هز رأسه قائلا:

_يعني يزيد يعتبر مديرك والمفروض انك....

*قاطعته باستياء:

_يمكن مش عايزني أكمل شغل معاه في الشركة ع العموم

كل واحد حر.

*ضحك وقال بتعجب:

_مالك اتنرفزتي بشكل ده..وبعدين انا عارف ابن عمتي كويس جدا هو متحفظ شوية في مسائل الأمور العائلية

اكيد شايف ان مبقاش مناسب يتكلم معاكي دلوقتي زي

الأول.

_طبعا متحفظ.

*همست بصوت خافت حزين وهى تشعر بالألم ...قال تامر باستفسار:

_بتقولي ايه؟

_قولت براحته على كل حال بعد امتحاناتي هروح الشركة اسحب ملف أوراق تدريبي من هناك.

_وصلنا...

*هتف تامر وهو ينظر إليها بنظرات مبهمة اشعرتها بالقلق و

ارجفت بداخلها:

مر ثلاثة ايام...ومازال تامر يحاول بالحاح الوصول إلى أثير بكل الطرق الممكنة عن طريق هاتفها المحمول الذي اغلقته نهائياً حتى لا تستقبل منه أي اتصالات ليجد نفسه يذهب مندفعاً دون تفكير في وقت متأخر من الليل الي منزلهم...

وبالطبع استقبلته والدتها وشقيقها الصغير ورفضت هى الخروج لمقابلته ليشعر بالجنون ويستمر بالاتصال علي هاتف المنزل مرات عديدة طوال اليوم ومازالت هي على

وضعها ترفض اتصالاته...

*بعصببة مفرطة وضع هاتفه المحمول بين رأسه ومنكبه

وهو يكمل ارتداء ملابسه ليدق الهاتف وتجيب والدتها كالعادة...تلك المرة صاح بغضب:

_طنط قولي لاثير ترد عليا وتبطل عند.

*قالت والدتها بقلة حيلة وهي تنظر ناحية أثير التي تقف علي باب غرفتها المشتركة بينها وبين شقيقتها:

_لا حول ولا قوة الا بالله قولي أنت ايه اللى حصل يابني هي مش عايزه تكلم.

*فكر قليلا وشفتاه تلتوي بابتسامة ماكرة:

_لو كانت تريد قطته الشرسة الانفصال كانت سوف تخبر والدتها بما حدث بينهما اذا هى تتخذ معه أسلوب العقاب

والخصام.

_تامر أنت معايا يابني.

*هتفت والدتها بقلق...فقال بنبرة جامدة مغرورة:

_للأسف بنتك ياطنط بتتعامل معايا اكنى انسان غريب عنها كل اللى هي بتعمله ده عشان راحت معايا شقتنا ومكنش مهندس الديكور أو ماما وصلوا ذنبي ايه انهم اتأخروا.

*ابتسمت والدة أثير بارتباك ابتسامة وقالت بصوت متمهل هادي:

_مالكش ذنب طبعا يابنى وانت وشايف ان اللى بتعمله بنتي ده

غلط وقلة ذوق...

*كمشت أثير بين حاجبيها وهي تقف بجانب والدتها تستمع وقد لاح الغضب علي ملامحها ولكن والدتها استوقفت شعلة غضبها تلك بنظرة محذرة من عيناها الزرقاء التي تشبه عينان ابنتها...لتكمل:

_بس انت بردك عارف اننا وحدينا من غير راجل طبعا ربنا معانا حمينا بس يابني احنا راسمالنا سمعتنا وشرفنا واثير

اتعودت على كده...انا عارفه انها مراتك ولايمكن تأذيها ابدا

عشان كده مش عايزاك تزعل منها وانا حتكلم معاها وعقلها

واخليها تكلمك.

*اغلقت والدتها الهاتف والتفتت الي ابنتها تهمس:

_هو مد ايده عليكي...اقصد يعني لمسك.

*لمعت زرقة عيني أثير بالدموع و اومات رأسها "بنعم" ثم

ارتمت في حضن امها وتمسكت بجلبابها المنزلي البسيط

تبكي...وامها تربت علي خصلات شعرها المفرودة وتهمس

بحزن:

_يمكن مكنش قصده وبعدين ده جوزك...بس لو اتعدي حدوده قوليلي وانا اتصرف معاه بالأدب.

*قاومت حتي تبكي وتصرخ معترفة بما يؤرقها وهي تدمدم:

_مالوش لزوم ياماما هو عارف ان بكره اخر يوم في امتحاناتي واكيد هيجي عشان يتكلم معايا.

*ملست والدتها فوق جانب وجهها تمسح دموعها الرقيقة

وقالت بغصة:

_أثير ليه حاسه انك مخبية عني حاجه...والحاجه ديه تخص....الاستاذ يزيد.

*رفعت أثير رأسها لتصطدم عينيها بعينى والدتها التي كشفت دهاليز غموض حزنها...انتفضت واختلج قلبها المتمرد العاصى ولكنها أبت ان تظهر حزنها وضعفها

فقالت وهي تهز رأسها بعناد:

_لا مفيش حاجه...مفيش حاجه ابدا تخص استاذ يزيد.

*وتركت والدتها تقف في مكانها تنظر إليها بحيرة ولسان حالها يردد:

_بتضحكي علي مين ياأثير يابت قلبي.


رواية لست خطية 


 الفصل_الثاني

بقلم ساره سعد

*خرجت والدة يزيد الحاجة سعاد من غرفتها قبل آذان الفجر

 بدقائق للوضوء وتحركت بجسدها الممتلئ نحو

غرفة إبنها يزيد عندما لمحت ضوء يخرج من الغرفة:

_يزيد لسه صاحي ياحبيبي.

*هتفت والدته بنبرتها الحنونه بعد أن طرقت على باب الغرفة

وصدح صوت يزيد من خلفه:

_أتفضلي يا أمي.

*تنحنح بخفة وهو يقف احتراماً لوالدته ثم أقترب منها وامسك بكفها يلثمه:

_كنت بقرأ في كتاب والوقت سرقني قولت اصلي الفجر وبعدين أنام ان شاء الله.

*تطلعت الحاجه سعاد في وجه أبنها الوسيم كوجه والده

في استدارة القمر وقالت بهدوء وهي تجلس فوق حافة فراشه وتملس فوقها بطبطبه:

_تعالى اقعد جنبي يانور عيني النهارده معرفتش اتكلم معاك كلمتين علي بعض بسبب العيال ولاد اخواتك ودوشتهم.

*ضحك وهو يجلس بجانب والدته وقال بسعادة:

_ده انا مابصدق يجمعوا كلهم هنا واشوفهم مع بعض وولادهم بيلعبوا حوالين منك....

*فرك كفيه وهو يحني وجهه ودمدم بهمس:

_أن شاء الله عن قريب جدا أوصل هبة لبيت جوزها واطمن عليها هي كمان وبكده أبقي نفذت وصية بابا

على أكمل وجه...وهيفضلوا دايما تحت عيني وحمايتي

بوجودك معانا يا أمي.

*تنهدت أمه وملست علي ساقه تتمتم:

_ربنا يخليك لينا ياحبيبي يارب...وافرح بيك وبعيالك انت كمان حوالين مني نفسي يايزيد قبل ما أموت اشوف...

_ليه كده يا أمي..ربنا يديكي الصحة وطولة العمر.

*هتف وهو يمسك كف أمه ويضغط فوقه...ساد الصمت بين

يزيد وبين والدته حتي دمدمت قائله:

_مرات خالك كلمتني النهارده كانت بتشتكي من أثير.

*رفع وجهه بقلق ليتفاجي بعينان والدته الزرقاء التي تشبه عيناه ترمقه بفضول فقال وهو يحني رأسه قليلا:

_ليه عملت إيه أثير عشان تشتكي منها.

*لوت الحاجة سعاد شفتيها تقل:

_بتقول أنها مزعلة تامر وأنت عارف بقا اللى يزعل الحيلة مرات خالك تحطه في رأسها وخلاص أثير دخلت دماغها

ومش هتطلع....واتصدق تقولي قال يزيد كان السبب في

الجوازة ديه.

*ارتعش صدغه بشبه ابتسامة مرتجفة وساقيه يلتفان حول بعضهم يهتزان بتوتر شديد كعادته عندما يشعر بالتوتر والغضب...تقربت منه والدته وهمست:

_شوفت أخرتها أهو انت بقيت السبب وطلعت البنت هي اللى كانت بتجري وراه متعرفش أن أبنها هو اللى خطفها منك اقول ايه علي خالك طول عمره بيسكت ع الغلط وسايب مراته تربي وتزرع في عيالها الطمع والغيرة.

*هز يزيد رأسه رافضاً وقال بتحفظ:

_تامر كان هيعرف منين أنى عايز أخطب أثير يا أمي وبعدين هي وفقت عليه وفرحت يعني شافته شاب مناسب لسنها و....

_مناسب ليه؟ ليه يا يزيد انت عندك كام سنه يابني عشان تقول الكلام ده وبعدين أنت ألف من تتمناك تدين وشباب وجمال ومال...لو مكنتش عارفه البنت كنت قولت هي اللي

خسرانه بس انت اللي ضيعتها من إيدك يا يزيد.

*هتفت والدته من بين أسنانها بغيظ رهيب يتملك منها وهمت واقفه وهي تردد خلف المؤذن..ثم التفتت الي يزيد

الشارد في جلسته وهمست:

_أول مرة اتمني حاجه لحد غير الخير والسعاده بس تامر ميستحقيش أثير أبدا مش أبن اخويا ومن دمي بس انا عارفه انه مش هيصونها ربنا يكتب اللى فيه الخير.

*وخرجت والدته من الغرفة وظل هو جالس علي حافة الفراش تتشبث أصابعه بشرشف الفراش وتفاحة آدم تتحرك في عنقة بارتعاش وساقيه تهتزان بقوة اكبر ليردد دون وعى:

_لو زعلتها هتشوف مني اللى عمرك ماشوفته...كفاية انك

اخدتها مني بسبب غبائي وترددي.

اليوم كان الأخير في حياتها الجامعية والدراسية نظرت

أثير حولها وتبسمت تتذكر أجمل أيامها في تلك الساحة

وهذا المبني...المسجد والمقهي ومسرح الجامعة التسكع برفقة صديقاتها رنين ضحكاتهم وهمس بكائهم هنا وفوق

هذا الدرج اصطدمت بجسده والتحمت عيناها في عينيه

بلقاء عابر أنتهي بابتسامة واثقة سلبت عقلها و رجفة قلبها

برؤيته....

*لتتفاجي بعدها أنها ضمن فريق التدريب العملي بشركات

الفاتح الذي يمتلكها يزيد الفاتح الذي احبته من النظرة

الأولى والاصطدام الأول...

_أثير مش جاية معانا.

*شهقت ونظرت إلى صديقاتها أسراء و رنا و ماري الذين أطلقوا الضحكات وبدئوا في إلقاء المزحات فيما يخص

شرودها وبالتأكيد تامر هو بطل التفكير الخفي لم تعرف

أحدهما بأن بطلها الخفي الذي جرحها كثيرا بتجاهله وعدم معايرتها أي اهتمام هو يزيد الفاتح قريب زوجها و

الشاهد على عقد زواجها:

_اااااايه أثير انتى بتروحي فين يابنتي.

*هتفت ماري بصوتها الرفيع...لتقل أسراء وهي تلكمها:

_ياغبية طبعا بتفكر في تيمو والجواز والجهاز وكده.

*تدخلت رنا تسألها بجدية:

_صحيح يا أثير لسه ناقصك حاجات كتير.

*هزت رأسها تهمس بغير سعادة:

_لا تقريبا كل حاجه جاهزة.

*بشقاوة صاحت ماري و أسراء معا وهما يلقيان أوراق الاختبار والمراجعات:

_يووو يلا بينا نحتفل نتغدي بره وندخل سينما ونعيش أخيرا الجامعة والمذاكرة بح.

*قالت أثير بتفكير:

_تمام بس بشرط مفيش تأخير أنا آخر معاد ليا معاكم الساعه سابعه.

*وخرج الأربع أصدقاء معا متوجهين الي سيارة أثير المكعب الصغير كما تطلق عليه رنا ولكن هتاف صوت انثوي ناعم مدلل بأسم أثير استوقفهم لتلتفت أثير و صديقاتها

حيث ميس التي كانت تتقرب منهم:

*زفرت رنا بغضب:

_اووف أنا مش بطيق البنت ديه.

*تبسمت أثير برقتها المعهودة وقالت بتحية طيبة:

_أهلا ميس..أخبارك ايه؟

*هزت ميس رأسها تقل:

_بخير الحمد لله..أثير انا وقعه في مشكله ومحتجاكي مفيش حد أقدر اثق فيه غيرك انتي ارجوكي ساعدني.

*تمتمت أثير بقلق وهي تسحبها من ذراعها برفق وتسئلها

بصوت يكاد مسموع:

_مشكله ايه ياميس قلقتيني عليكي قوليلي ولو هقدر هساعدك اكيد.

*فركت ميس جبهتها وبدأت متوترة شاحبة للغاية شفتاها

ترتجف وقد تحول لونهما للزرقان:

_مش دلوقتي بكره..بكره هعدي عليكي أخدك ونروح نتكلم في أي مكان.

*بتردد دمدمت أثير:

_مش متأكده هقدر اخرج معاكي ولا لاء ممكن ماما متوفقش وأكيد تامر مش هيوافق...قوليلي دلوقتي أنا هاجي معاكي نقعد في أي مكان ونتكلم.

*أمسكت ميس بكفيها بأنامل باردة كالصقيع ترتجف تقل:

_لا مش هينفع دلوقتي أو النهارده خالص...وبعدين بكره متقلقيش مش هاخد من وقتك كتير هي ساعه نتكلم فيها

أثير انا محتجالك جدا ارجوكى ديه مسأله حياه أو موت.

*شهقت أثير وهي تضع كفها فوق ثغرها قائله:

_للدرجه ديه.

_ايوه لدرجه ديه..عشان كده لازم أشوفك بكره أنا واثقه إنك أكيد هتقدري تحلي معايا الموضوع ده ارجوكي ياأثير.

*بتأفأف وملل هتفت رنا:

_أثير يلا كده هنتاخر.

*أحتضن كف أثير كف ميس البارد بقوة لتجذبها تقل:

_تعالي قضى اليوم معانا و....

*قاطعتها ميس:

_لا..لا..اقققصد..روحي انتي وبكره هكلمك مش هتتخلي عني صح يا أثير.

*هزت رأسها بنعم تهمس:

_عمري ياميس ماهتخلي عنك انتي صحبتي وعشرة عمر من ايام المدرسة وبحبك والله وبعدي عنك كان بسبب السكه اللى انتي ماشيه فيها ديه بس لازم أقف جنبك لو احتاجتيني.

**********************

*وداخل سيارة رياضية حديثة بمكان معزول رفعت ميس رأسها وهي تغمض عيناها وتبتسم وتشعر بالخدر يسري

بعروقها المتيبسة حتي ان الألم الشديد برأسها بدأ يزول

حكت أسفل انفها ونظرت للشاب الجالس بجانبها

بالسيارة وسحبت من بين شفتيه السيجارة لتضعها بين شفتيها:

_الصنف المرادي عالى اخر حاجه.

_عشان تعرفي اني بحب أوجب مع اللي يخدمني.

*اجابها الشاب وهو ينحني لاسفل مقعده ليخرج من أسفل غطاء أرضية السيارة ورقة بيضاء ملفوفة باحكام...

عندما لمحتها ميس اتسعت ابتسامتها وأخذت تمرر لسانها فوق شفتيها بجنون وكادت ان تنقض عليه لكنه استوقفها يقل:

_لا ديه بقا جايزه بكره ولسه في اتنين كمان زيها بعد مايتم اللى في دماغي.

*ارتسمت ابتسامه غامضة على ثغر ميس وعيناها تراقب

كالصقر الجائع لفة الكوك الخطير تهمس:

_بس انت وعدتني مش هتأذيها.

*قال من بين أسنانه المصطكة بغضب:

_مش شغلك نفذي بس اللى أقولك عليه.

_بس ديه صحبتي ومش عايزاها تتأذي بسببي كفايه اني بساعدك انك تو.....آآآي.

*هتفت ميس بألم يتخلل نبرة صوتها ولكن انقطعت عن حديثها حينما أطبق الشاب على أسفل صدغها بقوة ليقل

بفحيح:

_روحك في أيدي أنا مش في أيد صحبتك اللى خايفه عليها أعملي اللى بقولك عليه وخليكي معايا تكسبي ماشي.

*هزت ميس رأسها بخوف توافق....فصرخ عليها بصوت قاسي حاد:

_ماااااااشي.

_مماااششى.

*دمدمت ميس بصوت متقطع خائف...ابتعد عنها الشاب وألقى فوق ساقيها هاتف مغلق قائلا:

_افتحيه وكلميها دلوقتي...متنسيش تشغلى برنامج الصوت.

_حاضر...حاضر.

*همست ميس مرتجفة:

*وعلي هاتفه الخاص كان يحدث صديقه الذي أرسل له علي تطبيق الواتس اب موقع قائلا:

_هي في المجمع في المكان ده يامعلم...اشطه.

*ابتسم بفظاظة ومكر الثعالب في عينيه ليرد بضحكة قائلا:

_اشطه جاي حالا.


                     الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا 


تعليقات



<>