CMP: AIE: رواية لعبة الهوي الفصل السابع7بقلم زيزي محمد
أخر الاخبار

رواية لعبة الهوي الفصل السابع7بقلم زيزي محمد


 

رواية لعبة الهوي 


الفصل السابع...


بعد مرور عدة أيام..


وقفت رقية أمام فراشها تفكر بحيرة، انتقلت عدستيها ما بين 


الفستان ذو اللون النبيذي القاتم، والأخر المماثل للون عيناها، 


أزرق مبهج، وضعت طرف أصبعها بفمها تضغط عليه بتفكير، 


تتخيل هيئتها في كلا اللونين..

وما إن فشلت في اختيار لون محدد، تركت مكانها بضيق 


واتجهت صوب المرآة تنظر لملامحها، التي وبالرغم من جمالها 


الفاتن فقدت ثقتها، افتقرت لأشياء بسيطة جعلتها عبارة عن زهرة ذابلة، ينفر منها الجميع .


تنهدت بعمق وهي تهز رأسها بيأس، تحاول الخروج من أفكارها 


السوداوية، تبحث بكل طاقتها عن روحها التي غادرتها منذ أن 


أوقعت نفسها بمصائب أصدقائها، دون أن تراعي أن أقدار البشر 


مختلفة، بل وصل بها تشاؤمها أن ذلك الحظ التعيس الذي 


لاحق أصدقائها، سيلاحق جميع الفتيات بما فيهم هي وأيسل..


كانت ملامح الحب مبهمة لديها، ترى مصاعبه فقط، دون أن 


تتذوق حلاوة مشاعره، وبعد حرب طويلة دامت بين عقلها 


وقلبها، لا إراديًا   وقعت كالغريقة في بحور الغرام والعشق، 


وأدركت فيما بعد، أن الحب ما هو إلا انصهار روحك مع روح من تحب!.


خرجت من شرودها على دخول أيسل وهي تحاول إحكام حجابها بضيق قائلة بصوت مرتفع : 


- رقية خلصتي..


قطعت حديثها وهي تشهق بعنف مردفه : 


- أنتي لسه ملبستيش!.


وضعت رقية أناملها فوق جبينها، محاولة منها في خلق كذبة، تنقذها من الذهاب إلى ذلك الحفل وعقد قرانهم، والذي سيربطها به للأبد..


- أنا بقول بلاش أروح، أنا خلاص مش عاوزة أكتب الكتاب.


رفعت أيسل أحد حاجبيها بتفكر، فبدت كالمفتش حينما  يبدأ بالبحث عن الحقائق والدلائل، فقالت : 


- اممم بلاش تروحي، امال حماسك قبل كده كان فين ياهانم، لالا..أكيد في إن قولي واعترفي، الإنكار مش هيفيدك.


تفرقت شفتاها في ابتسامة واسعة، لقدرة تلك المخلوقة على إخراجها من أصعب وأشد الأمور نفسية لديها، فهزت رأسها باستسلام لتقول : 


- مش عارفة، حاسه أن الفساتين دي مش حلوة عليا، وحاسة أن هكون بايخة، وممكن حمزة يتقفل في اليوم ده وهو مستنى بفارغ الصبر.


اندفعت أيسل في هجوم تقول : 


- أنتي عبيطة، حمزة هيتقفل فعلاً لو خطيبته، حبيبته مجتش واتفركش كتب الكتاب، واتحججتِ بكلام فارغ مالوش أساس أصلاً، أنتي متخيله القهر اللي هيكون فيه، ده احتمال يتجلط، واحنا نتجلط معاه.


كررت رقية تلك الكلمة التي هزت قلبها بقوة، متجاهلة باقي حديثها  : 


- حبيبته.


أومأت أيسل رأسها إيماءة صغيرة، فعادت رقية تسألها بلهفة، كالمسافر في صحراء ينتظر سقوط الأمطار، لتنعش قلبه قبل جفاف جسده.


- هو أنتي شايفه أنه بيحبني يا أيسل.


وجدتها أيسل فرصة عظيمة، لاختراق خبايا رقية، وزعزعة تلك الأفكار القاتمة التي تحتل كيانها، فقالت بخفوت وابتسامة عريضة : 


- طبعًا، كلامه، أفعاله، نظراته، اهتمامه، كل حاجة، طب أقولك على حاجة أنا أخدت بالي منها.


صمتت لبرهة قبل أن تعود وتستكمل حديثها في تشفي :


- أنا متأكدة إنك حكيتي لحمزة على اللي مضايقك من شهاب والكلام البايخ اللي قاله ليكي يوم ما كنت بختار الفرش.


عقدت رقية حاجبيها تسألها : 


- إيه عرفك؟!.


أجابتها أيسل بضحك :


- حمزة يومها اتصل على  شهاب في التليفون، وتقريبا زعقله وبهدله جامد، وشهاب معرفش يرد، وسكت خالص، وسمعته بيقوله، قبل ما تقول كلمة لرقية فكر فيها مليون مرة أحسنلك.


تذكرت تفاصيل تلك الذكرى، حينما أخبرته بما حدث بعد الحاحه الشديد عليها، لن تنسى قط، انفعاله، وارتفاع أنفاسه الغاضبة، وأيضًا لن تنسى حينما قام بمراضاتها، وتخفيف حزنها، فلم يتركها هذا اليوم، سوي وهي أمام منزلها..


ظهر شبح ابتسامة جميلة فوق ثغرها، وبدأت عيناها تتوهج بشعاع الحب، فاستغلت أيسل الفرصة وقالت : 


- هتلبسي إيه النبيتي، ولا الأزرق، أنا شايفه النبيتي هيبقى جامد عليكي.


انتقلت ببصرها نحو الفساتين مرة أخرى، وتحدثت بهمس وكأنها تحاور نفسها وتحسم تلك الحيرة : 


- معقولة النبيتي يكون حلو عليا.


اخترقت أيسل ذلك الحديث الخاص، بقولها الذي يحمل قدرًا كبيرًا من الحماس : 


- طبعًا، أنتي مش شايفة نفسك جميلة إزاي!.


حولت بصرها نحو شقيقتها، تنظر في عينيها مباشرة، تحاول الكشف عن صدق حديثها وهي تقول : 


- هو أنا جميلة يا أيسل.


ضربت أيسل بيدها فوق صدرها في حركة تمثيلية، تهتف بنفاذ صبر : 


- يالهوي، أنا هشد في شعري، بقى في واحدة عيونها زرقة وبيضة وجميلة زيك وملامحها تخطف القلب، تقول كده.


ضحكت رقية بخفه، ثم مالت نحوها تقبل وجنتها بحب قائلة : 


- علشان عيونك حلوة، فانتي شايفني حلوة.


ابتعدت أيسل عنها، تحرك رأسها بنفي، قائلة بصرامة ويدها تبحث عن شيء ما تريده :


- اقعدي ساكته انتي، اسمعي كلامي وأنا هاخلي حمزة يلف حاوالين نفسه النهارده.


وجدت مبتغاها، فأشارت نحوه : 


- هحطلك كحل في عينك، هاخلي حمزة يتجنن.


هتفت رقية ببلاهة : 


- طب وأنا أخليه يتجنن ليه!.


ارتفع جانب فم أيسل في مكر وتهكم قائلة : 


- طبعًا علشان يعرفوا قيمتنا، ويعني ميضرش شوية غيرة يفرفشوا القلب، وكلمتين يرشقوا في الروح.


رمشت رقية عدة مرات وكأنها تحاول فك شفرات حديثها، فقالت : 


- هو أنتي بتعملي كده مع شهاب.


وضعت أيسل ساق فوق الأخرى، تقول بعنجهية :

- اه، وأوقات بحط روج فيتجلط وهو واقف مكانه، وبعمل فيه بلاوي، امال شهاب هيموت عليا ليه..هااا هتسمعي كلامي ولا لأ.


ترددت لثوان قبل أن تجيب : 


- هسمع..


- هتعملي إيه؟!.


- اممم هاتي الفستان النبيتي، وتعالي حطيلي كحل..


ارتفعت ضحكات أيسل عاليًا وهي تصفق بحماس، بينما عادت رقية ببصرها نحو المرآة، تنظر لنفسها بتحدٍ، ستتغلب على مخاوفها، بخلع تلك البذرة السيئة من جذورها، أفكار عفت كانت كالزرعة المخيفة، تحجب النور عنها، وأغرقتها في ظلام غلف مشاعرها بالجمود والعناد.


                                 *****


دخلت مع والديها وأيسل لداخل الكافية والذي حرص حمزة أن يزينه بطريقة تناسب عقد قرانهم، راقبت ملامح شهاب المتحفزة واقترابه من أيسل ثم مروره بجانبها وكأنها لم تكن موجودة، لم تعطي نفسها مساحة للتفكير به، بسبب اقتراب حمزة منها وعلي وجهه ابتسامة عريضة، يستقبلها بحرارة وترحاب، فتوردت خجلاً منه.


لمس طرف أناملها وداعبهم برقة، ثم مال بجانب أذنها يخصها بكلمات ستحفر في ذهنها للأبد : 


- إيه الحلاوة دي، لا ثواني إيه ده؟!.


تراجعت عن انغماسها في خجلها، وهتفت بقلق : 


- في إيه؟!.


أشار برأسه على عيناها، هاتفًا بمشاكسة ونبرة عابثة، بعثرت بقايا اتزانها أمامه : 


- مين يصدق أن قلم كحل وخط يسبب الجرايم دي كلها يا مجرمة!.


أشارت على نفسها مصدومة، قائلة ببلاهة :

 

-أنا مجرمة!.


أومأ برأسه مؤكدًا حديثه، مردفًا بنبرة عبثية تحمل المشاكسة بين حروفها : 


-أيوة مجرمة لما تسرقي قلبي وعقلي مني تبقي مجرمة، أنتي معنديش ضمير هكمل حياتي ازاي وهما معاكي.


تفرقت شفتاها في ابتسامة صغيرة، ثم قررت أن تجاريه بحديثه، وهتفت بمزاح خافت : 


-بسيطه خليك دايمًا جنبي تلاقيهم.


رفع أحد حاجبيه، وهو يتظاهر بالتفكير بحديثها، ليقول بعدها بهمس : 


-طيب أيه رأيك اني متنازل عن حقي فيهم بس بشرط!.


ردت بتعجب : 


-شرط أيه!.


تعمد مداعبة أناملها أكثر في الخفاء، وهتف بنبرة تحمل جنون عاشق متملك : 


-سلميني قلبك وعقلك، وتمضيلي  وصل أمانه أن قلم الكحل ده هيترسملي أنا وبس.


ابتسمت ابتسامة صغيرة، ثم بعدها ارتفعت ضحكاتها على طريقته والتي من المفترض أن تكون أكثر رومانسيه، فقالت بمزاح :

 

- اممم، هو أنا متهايلي، إنك متملك شوية.


ضيق عيناه مفكرًا ثم قال بجدية زائفة ونبرة خافتة بعض الشيء :  


- متملك إيه، أنا مستبد.


ضحكت ضحكات متتالية، فغمز لها بطرف عيناه، هاتفًا : 


- طب يلا علشان تقريبًا كله مستني علشان كتب الكتاب.


هزت رأسها بالإيجاب وانطلقت خلفه تجلس بجانبه على تلك الطاولة الطويلة والتي خصصها هو لعقد القران، راقبت جلوس والدها بجانب المأذون، وفي الاتجاه المقابل جلس شهاب يضع يده بيد والدها، لمحت فرحة أيسل، ولمعة عيناها بسعادة وهي تراقب شهاب وهو يردد خلف المأذون بفرحة عارمة.


أغلقت عينيها في تخيل شعورها والذي بالتأكيد سيتبلور بعد عقد قرانها، هل ستظل سعادتها للأبد، أم ستقابلها مصاعب تجعلها تبدأ من نقطة الصفر، وبمجرد التفكير في ذلك، كانت يد حمزة تقبض فوق كفها، يحتجزها بامتلاك، وكأنه يخشى فقدانها.


ولم تكن تعرف، أنه يخشى فقدان نفسه، فكان يتشبث بها ليظل على إصراره في تنفيذ ما آلت إليه نفسه، مجرد لمس أناملها الرقيقة، تندلع بصدره حرارة حارقة، تؤكد على عشقه لها، وأن ذلك العضو الذي ينبض بعنفوان لن يتحمل الابتعاد عنها.


شعرت فجأة بالفراغ حينما أبعد يده، ونهض ليجلس مكان شهاب، وتوالت الأدوار في لمح البصر، تأهب قلبها في مراقبته وهو يردد بهدوء يخالف فرحة شهاب، ولكنها فكرت بأن ردود الأفعال حتمًا تكون مختلفة، فشهاب متهور، وحمزة يتسم بالعقلانية والرزانة في تصرفاته.


ولم يخفَ عنها فرحة والدها، ودموع والدتها  التي كانت تتسابق بلهفة غير مصدقة لتلك الفرحة العارمة التي اجتاحت عائلتها الصغيرة في تلك اللحظة المميزة.


وضع المأذون الدفتر أمامها، وأمرها بأن تضع توقعيها في إحدى الخانات، مسكت القلم ثم رفعت بصرها تطالعه، تسكتشف آخر مشاعره، قبل ان تضع توقيعها والذي سينقلها من حالة إلى آخرى.


حثتها نظراته على التوقيع، فتشجعت وتركت كل معتقداتها جانبًا، وقررت خوض حياة جديدة، ووقعت بابتسامة عريضة.


انطلقت الزغاريد في كل مكان، ونهضوا جميعًا يتبادلون التحيات والمباركات.


                                     ****


 بعد مرور ساعة في الافتتاح وبعدما مر عقد القران مرور الكرام شعرت رقية بملل يجتاح صدرها، فقررت أن تترك مقعدها وتخرج لاستنشاق الهواء، استطاعت الهرب من نظرات والدتها لها، والتي كانت تحمل غموضًا كبيرًا، أو ربما تحاول سبر مكنوناتها، لا تعلم، ولكن كل ما تعرفه هو أن بالتأكيد والديها تعجبوا لذلك التغير الجذري الذي حدث في نمط ثيابها وأيضاً ذلك الكحل الأسود الذي رسم عيناها ببراعة، وكأن عيناها لوحة أتقن رسامها في تحديد ألوانها.


تركت سترتها الجلدية والتي اختارتها لتحميها من برد الشتاء وخاصةً إن كان الفستان قمشاته لا تناسب ذلك الطقس البارد.


هزت رأسها بيأس حينما بدأت موجات البرد الصقيعة تضرب جسدها بقوة، فودت للحظات أن تجمد مشاعرها والتي كانت في حالة من الهياج والثوران؛ بسبب اقتراب حمزة منها، منذ بداية الافتتاح وهو اكتفى فقط بمتابعة ما يجري به دون أن يتركها بمفردها.


التوى فمها ساخرًا، حينما أدركت أن اللهفة أيضًا كانت من نصيبها هي،  هاجمها تعجب استوطن داخلها، بعدما أيقنت أن طاقتها مرتبطة بحمزة، تساءلت في ريبة ماذا سيحدث، إن سلمت كل مفاتيح أبواب قلبها لحمزة، هل ستكون في خانة أصدقائها، أم لها قدرًا أخر مختلف، يتزين طريقه بورود الحب والغرام!.


أجفلت من شرودها على أنفاس حمزة خلفها، حينما شعرت بحرارة ساخنة تضربها من الخلف وسط هذا الطقس البارد، التفتت على الفور، فوقعت عيناها عليه، وهو يقف أمامها مباشرةً، وبيده سترتها، ناظرًا لها بعتاب وضيق في آن واحد :


- واقفة ليه من غير الجاكت.


مدت أصابعها الرقيقة تأخذه من يده ثم ارتدته دون تفكير، أو مجادلة، فقالت برقة : 

- شكرًا، الجو كان سقعة جدًا.


- وفستانك مش شايفه أنه راسم جسمك شوية!!.


نبرته كانت قوية، جامدة، فرفعت هي أحد حاجبيها تحاول فهم حديثه والذي كان بغير محله أبدًا، ما شأن الطقس وبرودة جسدها بضيق فستانها، شتان بين نبرته الآن، ونبرته العابثة التي كانت تتملك من معظم حديثه قبل عقد القران!!.


- مش فاهمة!.


جذب نفس طويل ليقول بعده بصرامة : 


- مينفعش تلبسي فستان زي ده تاني، مش استايلك، وياريت تفضلي لابسة الجاكت.


- انت بتغير عليا.


ردت عليه في بلاهة، تعجب هو لها، فقد كان يظن أن هناك وابل من المجادلات سيسقط فوق رأسه..ولكنه تدارك الأمر سريعًا، وأخبرها في صدق : 


- طبعًا، بغير عليكي فوق ما تتخيلي، حتى إن أنا مضايق من الكحل اللي أنتي حاطه في عينك، وشايف مالوش لزمه، مضفاش عليها حاجه، بالعكس هي اللي بتضيف بجمالها.


حقًا ستفقد وعيها من ارتفاع درجة حرارتها المفاجئة، أو من فرط مشاعرها والتي كانت تتراقص فرحًا، وتبدلت حالتها بين الثانية والأخرى، ناهيك عن قلبها والذي كانت أوردته تنبض بعنف، فقالت بخفوت ومزاح، ظنًا منها أنها بتلك الطريقة ستهدأ من حالتها لو قليلًا : 


- لو مكنش حلو عليا، مكنتش هاتضايق، بالعكس أنا شايفه أنه زاد من جمال عيني، وبفكر أن أنا أحطه دايمًا..


قالت جملتها الأخيرة، بلمحه من العناد والمشاكسة، ولكنها تبددت حينما أمسك كفها بسرعة يقبض فوقه بقوة، مرسلاً لها تحذيرات بعينيه، وخرجت حروف كلماته بحدة تحمل التحذير والصرامة  :


- لا، الكحل ده مش هتخرجي به بره بيتك تاني أبدًا، رقية إتقي شري في الموضوع ده بالذات، أنا مش طايق نفسي وكل واحد يبصلك شوية.


الآن أدركت حديث المحتالة أيسل، وشعرت بتلك الثقة التي اجتاحت صدرها، ونظراتها بعد أن كانت مهزوزة ضعيفة، تحولت لأخرى قوية تحمل غنج من نوع خاص، نوع قد يثير جنونه في نهاية الحفل، نفذت كلمات أيسل لها بالتفصيل دون أن تحد عن أي خط من الخطوط العريضة التي قد رسمتها لها وهي تلقي بجانب أذنها بعض من التوصيات الأنثوية الماكرة والتي كانت هي تجهلها من الأساس..


هتفت بنبرة شديدة الرقة والنعومة، هامسة :

 

- حاضر.

 

حاضر وأي حاضر تلك، فلقد استمع لها كثيرًا، ولكن هذه المرة بالطبع لها مذاق خاص، خرجت حروفها بطيئة، ومع تلفظها لكل حرف كان يهزه زالزال قوي، يدمر حصن من الحصون المنيعة التي كان يحتمي بها من احتلالها لقلبه.


- أنا فخورة بيك أوي. 


قالتها بحب وفخر ظهر جليًا عليها، ثارت مشاعره لها، وكأنه كان ينتظر الشرارة الأولى، حتى يتفوه لا إراديًا، ويسمح لتلك الكلمة بالظهور للعلن بعدما حاول تقيدها بسلاسل صنعها هو من اتفاق قطعه على نفسه، دون أن يدري أن دروس الدنيا ليست بالمجان!.


- وأنا بحبك.


طالعته بنظرات غير مصدقة، وكأنها كانت تفقد الأمل في نطقه لها، ولكن لِمَ تريد الهروب الآن، بعدما كانت تتوق لسماعها منه وتحديدًا بنبرته الرجولية المميزة، وعيناه الناعسة التي كانت تتجول فوق ملامحها بحرية وكأنه يحفر أدق تفاصيل وجهها داخل قلبه، محتفظً بتلك اللحظة كالوسام على صدره.


سحبت يدها في لحظة منه،  وانطلقت صوب الداخل،  تحتمي منه ومن نظراته المتعطشة لشيء جهلت تفسيره، فبدت كالسندريلا وهي تهرب من أميرها، حتى لقاء آخر.


ولكن ما لبثت أن تخطي لداخل خطوة أخرى، قبض فوق كفها وجذبها خلفه نحو غرفة مكتبة، بدأت أنفاسها بالانحسار داخل صدرها، وهي تلاحظ نظرات الجميع لها.


أدخلها الغرفة ثم أغلق الباب خلفه، فتوسعت عيناها ذعرًا قائلة بتلعثم : 


-حمزة مينفعش كده، بص اعتبر كأننا لسه مخطوبين.


- اعتبر!!، لا اعتبري دي تموتيها وتدفنيها، ده كتب كتاب، أنتي مدركة اللي انتي بتقوليه!.


اهتزت ابتسامتها أكثر وهي تطالعه بعدم فهم : 


- بقول إيه، يعني إيه كتب كتاب بيحصل في إيه!.


نظر لها بمكر وقرر ملاعبتها قليلًا : 


- تحبي أقولك، ولا تحبي ندخل في الفعل على طول، أنا بقول منضيعش وقت.


تقدم منها عدة خطوات، فتراجعت هي للخلف بتوتر حتى كادت أن تتعثر بالطاولة والتي تقبع خلفها مباشرةً، أمسكها حمزة من خصرها مقربًا إياها أكثر، حتى بقيت داخل أحضانه، رفعت عدستيها تطالعه في خجل زحف مجددًا لوجهها، وألجم لسانها، ففقدت  النطق تقريبًا، أما مشاعرها فكانت حدث ولا حرج، تثور وتتوهج في حضوره الطاغي عليها.


لم يقصد حمزة أبدًا اخافتها، بل كان يريد الاختلاء بها قليلًا ليحتفظ بتلك الذكرى داخله، ولكن ملمس جسدها تحت يده، واحتضانه لها بذلك الشكل، ايقظت لديه مشاعر كان يحاول اخمداها منذ قليل، وعندما رفعت بصرها تقابله، سحرته عيناها وجعلته كالأسير لهما، فاقترب منها ببطء، مرسلاً ذبذبات قوية لها، وبتروٍ وضع شفتاه فوق شفتاها يشعر بنعومتهم، انتفض قلبه وهاجمته رجفة قوية جعلت جسده يتشنج بالكامل، وحتمًا لن يهدأ سوى بقبلة عميقة يجتاح بها كل اشتياقه لها، دامت قبلتهم الناعمة لدقائق قصيرة، ابتعدت هي عنه بعدما شعرت بيده التي تحاوطها أكثر، وقبلته التي يتعمق بها شيئًا في شيء.


مدت يدها تبعده أكثر عنها، فامتثل لرغبتها، وكلاً منهما غارق في حلاوة مشاعرهم، ومذاقها المنعش للقلب والروح.


حاولت إخراج الكلمات من جوفها، لم تقدر، اكتفت فقط بالأشارة وخرجت من الغرفة بصمت وجسد ترتفع درجة حرارته نتيجة لهذا اللقاء الدافئ.


أما هو فكان ينتظر اعترافًا صغيرًا منها، ت

يحثه على الاستمرار، أو ربما يشجعه على نطق ذلك السر الذي يكمنه خلف أسوار قلبه، اعترافًا كان سيجعله متشبثًا أكثر بقراره، ربما لم تحبه أو مازالت في مرحلة الأعجاب، لن يتسرع ويعترف بتلك اللعبة حتى تعترف له ويضمن أنها لن تبتعد عنه، وستظل داخل مملكته للأبد.   


                                    ****


جلست بجانب والديها وهي تحاول السيطرة على مشاعرها والتي كانت تتدفق كالماء العذب، تزيل أي شوائب كانت تفكر بها منذ قليل..وعقلها يرفض الخروج من تلك اللحظة، تاركًا تفاصيليها العظيمة لوقت أخر، انعزلت عن العالم وغاصت كالحورية في بحور العشق.


إلا أن أيسل كانت لها رأي أخر، حينما أصرت على استخراجها من شرودها بسؤالها الفضولي : 


- إيه بقى، أنتوا واقفين بره بتقولوا إيه!!.


حمحمت رقية في خجل، وهي تحاول رسم ملامحها الجامدة : 


- عادي، كلام تافه.


أصابت الخيبة تفكير أيسل ووالدتها التي كانت تتظاهر بالانشغال، بينما هي كانت في حقيقة الأمر تسترق السمع بلهفة، عاد حماس  أيسل في التبدد وبطريقه  هدم فرحتها مما كانت تظنه.


انتظرت رقية دقيقتين في صراع مع نفسها، تود مشاركة أحد فرحتها، وفي نفس اللحظة تريد أن تحتفظ بها وحدها لتظل ذكرى خاصة بهما فقط..


حسمت أمر حيرتها، حينما ضربت بكل قواعدها عرض الحائط، ومالت على أيسل تخبرها في همس شديد : 


- قالي بحبك.


شهقت أيسل بفرحة وحولت وجهها نحوها في مشهد درامي بالتصوير البطيء، وبؤبؤ عيناها قد يخرج من مقلتيها، فضغطت رقية فوق يدها تقول برجاء :


- أبوس أيدك، متفضحنيش.


غمزت لها أيسل وهي تشاكسها : 


- بقى ده كلام تافه.


- انتي فرحانة كده ليه، هو قالك أنتي ولا قالي أنا..


زفرت أيسل في حنق : 


- ياستي وأنتي مالك أنا بحب قصص الحب.


اكتفت رقية بالضحك، بينما استطردت أيسل حديثها باهتمام : 


- أنتي قولتليه إيه بقى !.


- مردتش وسيبته ومشيت، وبعدين دخل يفرجني على حاجة في مكتبه، عادي ياعني مردتش.


كانت تحاول إبعاد أي تفكير سيء عنها، وبالفعل نجحت في ذلك، 

فودت أيسل إخراج صرخة قوية تعبر عن جلطتها التي احتلت صدرها من تصرف رقية، والذي كان من وجهة نظرها غير موفق.


- هو أنا بقولك قولي كلام حب، يابنتي أنتي المفروض كنتي فضلتي واقفه، واتكلمتوا في أي كلام تاني، لكن بالطريقة دي هو هيحس إنك مبتحبهوش..


انتظرت رقية قليلًا تفكر بتروي، قبل أن تعود وتسأل أختها بحيرة : 


- طيب أنتي إيه رأيك، أصلح موقفي إزاي، أنا هتكسف اقوله بحبك.


- أنا هقولك، أنتي هتطلعي تاني وهتعملي...


استمعت رقية لحديث أيسل بحماس، فنصائح أيسل لا تخيب أبدًا، بينما كانت عيناها تراقبه وهو يعود للخارج مجددًا وخلفه شهاب.

                                ****

  فرك حمزة وجهه بغيظ بين كفيه، عندما بدأ يدرك بأن خيوط اللعبة تتشابك بطريقة يصعب على أي منهما فكها، أو الوصول لبر الأمان، فقد انطفأت الدنيا من حوله، وبدأت الحقائق في الظهور وكأنها رعد مظلم ومخيف  احتل سماء حبه لها..


انتبه على وقوف شهاب بجانبه يدخن سيجارته، متحدثًا بتهكم، أشعل غضب حمزة مجددًا، بعدما كان يحاول لجمه منذ بداية اليوم..


- اللي يشوفك أنت وهي في كتب الكتاب، يقول إنك واخدها عن حب.


اشتدت ملامح حمزة وهو يجيبه : 


- عارف أنا بندم كل لحظة إن وقفت جنبك، مكنتش اتخيل إنك إنسان أناني وكداب.


أخرج شهاب أنفاسه الثائرة من فمه واختلط بها الدخان الذي يخرج من رئتيه : 


- وأنا كدبت عليك في إيه يا حمزة، لقيتها ملاك وأنا معرفش.


التفت حمزة له بعدما كان يصوب بصره نحو الطريق، وبدأ الانفعال يأخذ مجرى لحديثه :

 

- آه ملاك وأنا وأنت اللي شياطين علشان نفكر نأذيها بالشكل ده.


- نأذيها مرة واحدة!!.


رد شهاب باستهجان، فأكد له حمزة حديثه بهز رأسه في قوة، ونظراته تشدد قسوة وحدة، مما دفع شهاب يقول بلامبالاة :

 

- لا أنا مكنتش عاوز أذيها ولا في نيتي، أنا كنت بحاول أبعدها عن طريقي، وكرمًا مني عيشتها معاك يومين هتفضل فاكرهم طول عمرها، مفيش حد كان هيرضى أصلا يخطبها ويقرب منها.


جذبه حمزة من ياقته بقوة وهو يقول أمام عيناه في غضب : 


- إياك تكرر كلامك ده تاني، فاهم ولا لأ.


- هتخسر صاحبك علشان خاطر إيه يا حمزة.


- أنا خسرت نفسي قبل ما أخسرك.


قالها حمزة وهو يدفعه بعيدًا عنه، ونبرته  تهتز لشدة ضعفه وحزنه..


- حمزة..


صدح صوت رقية في المكان فجأة، مما زاد من صدمتهما ، وبالأخص اهتزاز قلب حمزة بسبب رعب تلك



 اللحظة المخيفة والقاسية، فبدا وكأنه يسقط من مكان مرتفع، منتظر الموت لا محال.


                 الفصل الثامن من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-