رواية كاره النساء الفصل الرابع عشر حتي السابع عشر بقلم سهير عدلي



الفصل الرابع عشر والخامس عشر

والسادس عشر والسابع عشر

كاره النساء


لم تجد نريمان الرغبة في الذهاب الى العمل كما وعدت سامر، وذلك بسبب قلقها على مالك ، لم يطاوعها قلبها أن تتركه وهو مازال غارقا في غيبوبة، ولا تعلم كيف ومتى سيفيق منها، حتى عندما سألت الطبيب متى سيعود للواقع؟ قال لها لابد أن يعرف بعض المعلومات عن أيام طفولته، فاخبرته أنها لا تعرف الكثير عن حياته لأنهما كان تقريبا شبه منقطعين، فأخبرها أنه يجب عليها أن تسافر الى بلدته مسقط رأسه ،وتسأل جيرانه أو أصدقائه لعلهم يعرفون أشياء قد تفيده في علاجه.

ولكن مع اصرار سامر وكثرة اتصالاته والحاحه على حضورها اضطرات أن تذهب الى العمل، استقبلها سامر بترحاب مبالغ به، وطلب منها أن تجلس في حجرة مكتب والدها..وما إن جلست عليه شعرت بشئ غريب كأن على كاهلها جبال..مسئولية جسيمة حطت على رأسها..شتان مابين حضورها سابقا عندما كانت تحضر وهي ابنة صاحب المحلات الشهيرة، الفتاة المدللة التي تأتي فقط لكي تأخذ اموال منه وتنصرف على عجل لكي تذهب للتسوق..وبين حضورها الآن كمسئول عن كل تلك الأعمال..شعور غريب جعلها تشعر أنها قد هرمت..خاصة عندما أخذها سامر في جولة لكي تتابع الأعمال عن قرب..شعرت برهبة ورجفة في قلبها..كيف لها أن تتحمل كل تلك الأمور..الآن أدركت قيمة أباها..كيف كان يشقى ويتعب لكي يوفر لها كل أسباب الراحة والمتعة..وجدها سامر شاردة وكأنها طفلة تائهة فسألها في فضول:

-مالك يامدام نريمان..في حاجة مش عجباكي في الشغل؟

قالت وهي تنفض عن نفسها ذلك التيه فغمغمت:

-هه..لا لأ مفيش حاجة...أ أنا تعبت شوية وبقول كفاية كده..أنا حروح بقى.

سامر وهو يخفي ضيقه:

-تحت أمرك..بس بقول يعني في شوية أوراق ياريت توقعيهم.

قالت وهي تضيق عينيها باستفسار:

-أوراق ايه دي؟؛

أردف بثبات وقد هز كتفيه في حركة أن الأمر عادي:

-لا دي شوية أوراق بس خاصة بفواتير وأذون صرف وكده يعني.

لم تفهم نريمان شئ ولكنها قالت له:

-طيب خليهم بكرة لأن أنا فصلت ومش حعرف أركز في حاجة.

-وبنبرة غير مبالية حتى لا يثير شكوكها:

-تمام..مفيش مشاكل خليهم لبكرة.

ثم أمر السائق أن يقوم بتوصيلها الى المنزل وذهب هو الى مكتبه..يخرج بعض من الأوراق درج مكتبه قابضا عليهم بغيظ قائلا:

-مش مهم ..نستنى يوم كمان مش حيجرا حاجة حتروحي مني فين.

ثم زفر في عدم صبر وعيناه تشعان في اصرار حتى يحصل على مراده.


لم تمكث كثيرا في العمل كانت قلقة على مالك للغاية توجهت الى حجرته مباشرة، وجدته نائم ولكنه يبدو عليه كأنه يحلم ..يحلم بشئ مخيف هكذا اتضح من صورته، فقد كان وجهه يتصبب عرقا، ينازع ويصدر اصوات غير مفهومة، وهماهمات كأنها أواجع، ينتفض جسده على الفراش كأنه في نوبات صرع..  ركضت نحوه بانزعاج تهزه وتناديه بهلع:

-مالك..مالك..في ايه حبيبي..قوم يامالك ..اصحى ..اصحي فيك ايه ياحبيبي .

 بأصابع ترتعش وانفاس لاهثة خائفة، اخرجت هاتفها تتصل بالطبيب وتخبره باكية:

-الحقني يادكتور.. مالك كأنه بيحلم بكابوس وعمال ينازع..وبيقول كلام مش مفهوم، وشه اصفر ومليان عرق.

الطبيب باهتمام:

-طب كويس ده معناه  انه قرب يفوق ..مسافة السكة واكون عندكم.

جلست بجواره على الفراش تمسح عنه عرقه..وهي تزرف دموع الخوف عليه.


عندما حضر الطبيب حقنه ببعض المنشطات حتى تساعده على تنشيط وعيه..وسألها:

-قولي لي قدرتي تجيبي اي معلومات عن حياته؟

هزت رأسها بالنفي قائلة بأسف:

-للاسف يادكتور مقدرتش أروح ..اولا لاني معرفش اروح لوحدي وكمان خفت لانها بلد أرياف وأنا مش حقدر أتعامل معاهم ..ثانيا انا كنت مشغولة جدا عشان شغل والدي وكمان اهتمامي بمالك مقدرتش أسيبه لوحده وأسافر..عشان كده انا بفضل اننا نستنى والدي لما يرجع من السفر هو حيقدر يفيدك اكتر ويجبلك المعلومات الحضرتك عايزها.

أومئ برأسه تفهما فقال على مضص:

-تمام ..ياريت يفوق بقى عشان أسمع منه شخصيا.. المهم أنا عايزك تفضلي جمبه..واظن ان مراعاتك ليه وقعادك معاه وكلامك له كان ليه أثر كبير بانه بيحاول يقاوم غيبوبته..أنا حمشي وأي تطورات اتصلي بيا فورا.

-حاضر يادكتور.

 قال وهو يصافحها:

-ربنا يشفيه يارب

-يااارب.

جلست بجواره تتأمله بشفقة  جعلت ذراعها فوق رأسه، وأراحت خدها على جبينه مقربة رأسه نحو حضنها أكثر وأكثر وراحت تهمس له باشتياق:

-ياااه يامالك قد ايه أنت واحشني قووي..واحشني صوتك حتى لو كان زعيق وشخط..وحشتني نظراتك حتى لو كانت نظرات كره..وحشتني أوامرك ..وحشني وجودك معايا..قوووم بقى أنا محتجااالك قوووي..حاسة أن جزء مني سايبني وضايع مني..ربنا يشفيك ياحبيبي ويرجعك لي بالسلامة.

جادت عيناها بفيض من الدموع..  دموعها تسقط على وجهه علها تغسله من غياب طال لأيام وكأنها سنوات..وبالفعل دموعها أتت مفعولها فقد ظل يتململ وكأنه يقاوم لكي يخرج من غيبوبته تلك وعندما شعرت بحركته رفعت رأسها وحدقت به بشوق بالغ ولهفة تنتظر وتتمنى لكي يستيقظ.. فظلت تساعده وتخفزه بصوتها الحنون:

-قوم ..قوم يامالك..اصحى..قاوم ياحبيبي.. فوق..فوق ياروحي.


لم تصدق عيناها عندما فتح عيناه ونظر لها بأعياء وكأنه كان نائما مع أهل الكهف حدق بها وغمغم بضعف وأعياء:

-أ أ أنتي مين..أنتي ميين...

فرحتها باستيقاظه جعلتها تصرخ وتنادي على دادتها بصوت ضال اعمى لا تدري ماذا تفعل في ذلك الموقف:

-دادة ...ددداداة  ..مااالك فاق ..مالك اتكلم.

حتى انها تركته وذهبت اليها..لكي تشاركها تلك اللحظة فقد شعرت أنها لحظة قوية لن تتحملها بمفردها.

*********************************

لأول مرة منذ أن جاءت الى المستشفى في حالة يرثى لها يراها وهي تبتسم ..عندما دلف الى حجرتها وألقى عليها تحية الصباح:

-صباح الخير

فردت عليه تحيته باابتسامة عذبة صنعتها شفتيها خصيصا له:

-صباح النور

قال وهو يدقق في ملامحها التي تبدلت من اليأس الى الأمل ومن التعاسة الى السعادة:

- ايه ده هو انتي بتعرفي تبتسمي زينا؟؛

أطرقت رأسها خجلا وهي تبتسم من مزاحه.

 تناول يدها لكي يتابع نبضها وحتى يرفع عنها خجلها:

-وريني ياست الكل.

بينما هو محدق في ساعته كانت هي تراقبه في صمت ملامحه الرجولية ووسامته اللتان آسراها، والأهم حنانه الذي يغدقه عليها ومعاملته الطيبة لها..والتي افتقدتها وحرمت منها من قبل والدها وزوجها..وراح عقلها ينقم على والدها ذلك الوالد القاسي الذي لم يكلف نفسه أن يسأل عليها وكأنه ماصدق وتخلص منها..أي أب هذا..مازالت تجهل خبر موته فلقد فضلوا أن لا تعرف به حتى تتحسن حالتها..هتف باسمها عندما وجدها شاردة:

-مالك ياجومانة..ابتسامتك اختفت ليه مرة وحدة.

-مفيش.

قالتها وهي تضم شفتيها تحاول ان تخفي مشاعرها.

ولكنه طارد تلك المشاعر باصرار حتى لا تختزنها بداخلها فتقتلها:

-مفيش ازاي..وشك باين عليه ايه ال فكرتي فيه خلاكي اضيقتي كده مرة وحدة.

ولم طال صمتها سألها باصرار حتى تبوح بمكنون نفسها:

-قولي ياجومانة مالك في ايه؟؛ أحنا مش اصدقاء..واتفقنا انك متخبيش علياحاجة .

حدقت فيه لثواني هي بالفعل تشعر تجاهه بقرب وراحة فقالت له كأنها تشكو اليه:

-بفكر في بابا ال مسألش عليا ولو مرة وحدة من ساعة ما جيت.

أشاح بوجهه بعيد عنها في حيرة هل يخبرها عن أمر موته..أم لا ؟

وكأنها شعرت أن هناك شئ خفي لا يريد أن ببوح لها به فسألته في توجس:

-فيه ايه يا دكتور..أنت مخبي عليا حاجة؟؛

- ابوكي مات ياجومانة من أول يوم جيتي فيه مستحملش الصدمة ومات .

وجد نفسه يقول ذلك وظل يراقب ردة فعلها لأستقبالها مثل ذلك الخبر  .راقب انفعالاتها ووجهها الذي ظل جامدا للحظات وعيناها الشاخصة، محدقة فيه بعدم تصديق وعدم استيعاب..حتى أنه خشى عليها فهتف اسمها بانزعاج:

-جومانة..جومانة قولي أي حاجة.

كانت جومانة في صراع مع نفسها..في تلك اللحظة لم تنقم على أبيها على الرغم مما تسبب لها من متاعب..لقد شعرت بعد أن فقدته كأنها ورقة شجرة سقطت فتلقفتها الريح تطير بها في الهواء..لقد بكت عليه بكت بشدة..برغم من كل ما حدث منه..تبكيه برغم كل الضغوط النفسية التي سببها لها ..تبكيه برغم سجنه لها وحرمانها من حنانه تبكيه.

حب الأبنة لأبيها حب فطري..لا تهدمه أي ظروف حتى لو كانت قاسية.

ارتاح أكرم لدموعها تلك فهي علامة صحية..دموع طبيعية، لقد أطمأن أن هذا الخبر لم يحدث لها أي انتكاسات ربت على يدها وقال مواسيا:

-متبكيش..اكيد ابوكي ليه ظروف خلته قست عليكي كده هي ايه الله اعلم .لكن في النهاية لازم تتطلبيله الرحمة.

لم ترد عليه ولكن راحت تبكي بحرقة ودموعها تسيل بغزارة.. حتى حضرت في تلك اللحظة مربيتها ام أحمد وقد بدى عليها الانزعاج عندما رأتها تبكي ولما سألت الطبيب قال لها بأسف:

-عرفت ان باباها مات خليكي جمبها متسيبهاش.

فاقتربت منها تضمها الى صدره وتمسح على شعرها مرددة في أسف:

-ياضنايا يابنتي..ربنا يزيح عنك ياااارب.

شيعها أكرم قبل أنصرافه بنظرات آسفة..كل يوم يرتبط بها أكثر من الأول..فكيف السبيل من التخلص من هذا الحب المستحيل.

*********************************

-وبعدين الساعة بقت عشرة الصبح ونريمان ماجتش لازم تمضي الورق قبل ما مالك يخف ويرجع الشغل.

 قال ذلك سامر وهو يزفر بضيق قاطعا الحجرة ذهابا وإيابا في قلق بالغ قرر أن يتصل بها وتكون حجته سؤاله عن مالك لعله يعرف سبب تأخرها وبالفعل اتصل بها.

وعندما سمع صوتها كسى صوته الطيبة قائلا:

-السلام عليكم

-وعليكم السلام ورحمة الله 

-أتأخرتي قوي يامدام نريمان فقلقت قلت اتصل اطمن عليكي.

صدمته عندما قالت له:

-معلش يا أستاذ سامر أنا مش حقدر أجاي مالك في حالة مش طبيعية ..بيفوق ويغمى عليه تاني وأنا جمبه مستنية الدكتور.

أخفى ضيقه بالكاد وقال بلهفة مصتنعة:

-سلامته الف سلامة ..طبعا لازم تفضلي جمبه..طيب لو احتاجتي حاجة رني عليا.

-متشكرة قوي.

اغلق هاتفه وضرب راحته بقبضته في غيظ..وظل يفكر وهو يعض ابهامه في قلق جم ماذا يفعل الآن ..فهداه عقله الى أن يذهب اليها بحجة أن يجب أن يكون بجانبها في مثل هذا الموقف.


كان مالك قد استفاق ولكنه لا يتكلم..عيناه مفتوحة ولكنه لا يرى أحد، بعد أن فرحت نريمان بعودته.. عادت سعادتها لتتحطم من جديد، كانت تحدق في عيناه مباشرة تحدثه ووجهها قريب من وجهه يكاد يلامسه، انفاسها تلفح وجهه كأنها رياح تريد أن تقتلعه من ذلك الجمود..راحت تهمس له وكلماتها تقطر عذاب وألم:

-أنا تعبت يامالك..أنت في عالم تاني..ومش حاسس بيا..أنا تايهة من غيرك..عنيك مفتحة بس مش شيفاني..طب سامعني يا مالك.. طيب فيك أيه..حاسس بايه..كنت فين وجرالك أيه..كنت مع مين..الدكتور ليه ساعة بيكلمك ومقدرش يستفسر منك عن حاجة..بيقول إنك لو اتكلمت حتخف..لو عرف أنت كنت فين أخر مرة حيقدر يعرف سبب الحصلك، في حاجة حصلتلك خلتك منهار كده..ايه الحصلك ياحبيبي.

ولما لم يجيب عليها وكأنها تحدث صنما..أغمضت عيناها بقوة فتولدت دمعات ساخنة ألهبت خديها ولكنها استطردت بصوت محشرج ونبرة مفعمة بالأصرار لكي تجبره على التحدث فأمسكت كتفيه بقبضتيها وراحت تهزه بقوة قائلة:

-أتكلم يامالك..أتكلم..اتكلم بقى حرام عليك تعبتني..تعبتني..فووق...فوق عشان تشيل الحمل عني..قلبي قرب ينفجر من كتر خوفه عليك أتكلم بقى.

ولكنه كالصنم ..حجر ليس فيه روح فاراحت رأسها على صدره تبكي بيأس بكاءا حارا كاد يصدع قلبها.

أخرجها من بكائها صوت مربيتها أم أحمد وهي تقول من خلف الباب:

-ست نريمان الأستاذ سامر تحت وعايز يطمن على الأستاذ مالك.

رفعت رأسها من على صدره..تنهدت بقوة..وكأنها سوف تخرج قلبها مع تلك التنهيدة..واردفت وهي تمسح دموعها:

-طيب قدميله حاجة لحد ما أنزله.

-حاضر يابنتي.. بس بعد أذنك حروح مشوار كده لحد بنتي..وآجي عالطول.. ساعة زمن مش حتأخر.

نريمان على مضض:

-طيب يادادة 

ثم غمغمت لنفسها:

-هو ده وقتك أنت كمان

راحت تبدل ثيابها بثياب لائقة لأستقبال سامر.. وقبل أن تخرج نظرت لمالك فرأته على حالته زاهلا متصنما لا يبدي حراك..فاقتربت منه وساعدته أن يرقد بجسده كله دثرته ثم أنصرفت.

فتحت باب حجرتها واذ بها قد اتسعت عيناها فجأة..فتراجت للخلف بعض الخطوات فلقد رأت سامر يدخل ويقول بعد أن تحمحم:

-أنا آسف أضطريت أني اطلع لحد هنا كنت عايز اطمن على مالك وأشوفه لاني قلقان جدا عليه.

المفاجأة أربكتها وقيدت لسانها وعقلها فلم تستطيع أن تبدي أي رد فعل.  غير أنها قالت له وهي في قمة حرجها:

-هه ..لا عادي اتفضل.

جلس على مقعد أمام فراش مالك ..فقال سامر بعد أن نظر له ورآه نائما:

-هو عامل ايه دلوقت:

أجابت بخفوت :

-تمام..الحمد لله بقى أحسن.

لحظات صمت ثقيلة مغلفة بالحرج..وراح سامر يتحدث حتى يقضي على ذلك التوتر:

-طيب هو الدكتور قال أيه؟

قالت دون أن تنظر له وكانت خجلة ومازالت تحت تأثير الحرج:

-قال أنه بيتحسن الحمد الله.

جذبه خجلها ..لأول مرة يرى خجلها ذلك، كان دائما لا يرى الا الكبرياء مرسوما على وجهها وكأنه جزء من قسماته، ظل يتأملها بإعجاب وهو يحدث نفسه كأنه وهي في خلوة وليس معهما أحد:

-( كل شئ اتمنيته راح مني أتمنيتك قووي..من أول ما اشتغلت مع أبوكي وكان عمرك عشر سنين وأنا حبيتك وكل ما تكبري يكبر حبك في قلبي.. تعبت وشقيت معاه وفي الآخر مانبنيش غير مرتبي.. أبوكي كبر بفضلي وفضل أفكاري ال كانت بتكبر شغله..من غيري مكنش بقى أكبر تاجر جملة..صحيح كان بيكبر مرتبي ..لكن ده مكنش كفاية ..ثروتكم دي كبرت بفضل عقلي أنا وأنا استحملت وفضلت معاه على أمل لما تكبري أجوزك. . كنت مستني تخلصي دراستك واتقدملك..لكن للأسف أبوكي جوزك بأسرع مما توقعت..استنيتك على الفاضي..كان ممكن أسيب أبوكي واشتغل لحسابي لكن مرتضتش أمشي عشان خاطرك.. بس أنا لازم آخد حقي فيكي وفي فلوس أبوكي ..وحتمضي على الورق ال معايا..ورق يثبت أنك سحبتي مني فلوس لحد ما أبوكي يجي من السفر)

كانت عيناه تخترقها نظراته خليط من الحب والحقد والرغبة..نظرات شعرت بها نريمان حتى أنها وبحركات عفوية راحت تسدل ثوبها.. وتغلق فتحة جيدها بيدها.. نظراته اصبحت صريحة  تتحدث بوقاحة حتى شعرت بالأختناق..فقالت حتى تصد نظراته تلك علها تصرفه:

-طيب يا أستاذ سامر هو في حاجة مهمة في الشغل عايزني اعملها.

نطقتها مغلفة باابتسامة مجاملة، ونبرة جاهدت أن تخرج طبيبعية وقد أخفت توترها بالكاد.

لكنه لم يجيبها..وأصر أن يحدق فيها بوقاحة وجرأة لا تفهم لهما سبب..فخفق قلبها وراح ينبض بعنف..وأذ به وبدون سابق أنذار..وجدته ينهض وكأنه فقد عقله فهجم عليها يقبلها ويضمها عنوة وهو يغمغم بحقد وانتقام:

-أنا عايزك أنتي..عايزك أنتي أنا فضلت صابر عشان تكوني ملكي ..لكن خسرتك.. خسرتك..كانت تصده..بكل ما أوتيت من قوة..وهو راح يكمل اعتداؤه عليها كالمجنون المغيب عن الوعي..وهي تصرخ وتصرخ..ضعيفه لم تقوى على صد هجومه الغاشم..فبدأت تستغيث:

-آااااه ..انت اجنننت ..انت بتعمل ايه..سبني ياكلب..سبني..ماااااللك ..مااااالك الحقني..الحقني يامالك..آااااااااه ..لالاا ماااااالك.

********************************

-مش عايزة أروح معاه يادادة بلاش..بلاش تروحيني الله يخليكي.

هتفت بها جومانة، بصوت ضعيف عاجز وقد لجئت لحضن مربيتها كأنها تلوذ به، ضعفها هذه اوجع قلب مربيتها فضمتها اليها بقوة ليتها تستطيع ان تخميها وتصد عنها أي سوء تشعر بها ما حيلتها حيال ذلك غير انها تبث لها كلمات حتى لو بالكذب علها تقويها:

-ياحبيبتي مروان بيه مش حيأذيكي متخافيش..وأنا معاكي مش حسيبك.

رفعت رأسها بحركة حادة وهتفت بحدة:

-لأ أنا خايفة منه ومش طايقة اشوفه..وبعدين ايه ال رجعه بدري مش كان بيقول انه حيفضل اسبوع رجع ليه بعد تلات ايام بس.


-يابنتي مهو خلص شغله بدري ،وبعدين هو انتي حتفضلي هنا في المستشفى عالطول مكان مسيرك تروحي.


اخفت وجهها بين كفيها وهي تغمغم لنفسها:

-ياريت افضل هنا عالطول..لكن حتى ال كنت حقعد عشانه من امبارح مش باين ..هو زهق مني ولا ايه..راح فين ..رحت فين يااكرم 


-يلا يابنتي استهدي بالله وقوي غير هدومك عشان مروان بيه مستني بره.

قالتها مربيتها وهي تربت على ظهرها وتجبرها على النهوض.


في النهاية اضطرت جومانة أن تمتثل لارادتها..تشعر أنها سلبت كل شئ..ضعيفة منكسرة..وحيدة..وأنها في أخر مطاف حياتها،  دلفت الى المرحاض ظلت ساكنة لفترة لا تعلم ماذا تفعل؟ وجهها جامد ليس به حياة..كأنها تتأرجح بين السماء والأرض، فردت يدها أمامها تنظر لعروق يدها وتضم قبضتها بقوة حتى انتفخت تلك العروق..دموعها تسيل على وجنتيها بصمت مخيف..لماذا تعيش؟ ولمن؟ ومن أجل ماذا؟ تلك الأسئلة كانت تدور في رأسها ..ودقات قلبها اليائسة تحرضها على انهاء حياتها .. في خضم لحظاتها اليائسة تلك سمعت الممرضة تطرق عليها الباب ولم تنتظر اجابتها وفتحته بحركة سريعة..وجزعت عندما رأت منظرها ذلك وهي على وشك التخلص من حياتها فهتفت بانزعاج:

-انتي حتعملي ايه في نفسك؟ .. اوعي تعملي حاجة..الحمد لله لحقتك ..دكتور أكرم كان قلبه حاسس..خدي.. ده جواب منه بيشرحلك فيه كل حاجة اقريه ونفذي ال فيه بالظبط فاهمة.

نظرت لها جومانة بعيون زائغة لقد انقذت حياتها في اللحظة الأخيرة..راحت تتأمل الخطاب كأنه طوق نجاة القشة التي انقذتها..راحت تضمه الى صدرها تشكره لأنه اتى في ميعاده..قرأت خطابه وابتسمت وادعمت في سعادة لقد اعادت كلماته اليها الحياة ومدتها بالقوة.. ارتدت ثيابها وخرجت وهي تقول لمربيتها بثبات:

-يلا يادادة أنا جهزت

-يلا يابنتي.

قالتها وهي تتعجب من سر تبدل ضعفها هذا الى تلك القوة ..والثبات الذي بدى عليها فجأة.



#سهير عدلي


الفصل الخامس عشر

كاره النساء


صراخاتها تخترق سمعه، واستغاثتها باسمه تصعق قلبه، فيولد لديه صراع مرير.. بين قلبه الذي يصارع حتى يهب لنجدتها، وعقله الذي يصارع حتى يفيق ويلبي ندائها، فيتململ بقوة كأنه ينازع حتى تعود له الروح..صوتها الحنون الدافئ طوال فترة غيبوبته مازال يتردد في أذنيه..كلمة حبيبي التي أطعمت بها قلبه وغذته إياها كانت لها الفضل في أنعاش روحه ومقاومة غيبوبته، لمساتها مازالت بصمة سوف يجد أثرها حتى بعد أن يفيق..دموعها التي صبتها على صدره أنبتت داخله حنينا لها.

تصرخ باسمه وتستنجد به..اسمه بين شفتيها المستغيثتين تصفع عقله الباطن الذي يتشبث بقوة بعقله الواعي ليظل نائما في غيبات الزهول..ولكن عقله الواعي يصرخ به وكأنه يقول له:

-قم..وهب لنجدتها..انها الآن في أمس الحاجة إليك.

في خضم الصراع الذي يعانيه مالك وهو يحاول أن يقاوم زهوله وخروجه عن الواقع..  صرخات نريمان أسواط تجلده وأخيرا تغلب عقله الواعي واستفاق قلبه ونهض ليراها تسحق تحت ذلك السافل..الذي استباح عرضه أمامه ظنا منه أنه بلا وعي..وأذ بسامر يفاجأ بيد تجذبه من دبر قميصه ويكيل له ضربات سريعة متتالية..قوية.. ولم يتركه حتى سقط ذلك الذئب مغشيا عليه..ونريمان واقفة في ركن الحجرة منزوية على نفسها، شعرها أشعث ثيابها مقطعة..وجهها شاحب تلون بألوان شتى واضعة يدها على فمها وهي ترى مالك يضرب سامر بعنف..وما إن أنتهى وكان كالذي دخل معركة ببقايا قوته ولا يعلم من أتت له تلك القوة..وسرعان ما انهار أو كان على وشك. . ركضت نحوه سريعا ترتمي في حضنه تصب كل دموعها على صدره..دموع الخوف الذي تحول الى أمان بفضله. دموع الضياع الذي أنقذها من براثن ذلكن الذئب..دموع السعادة لعودته الى الحياة..دموع رجولته التي هبت لنجدتها وصارعت غيبوبته من أجلها..كانت تلصق نفسها به بشدة كأنها تريد أن تخترق ضلوعه حتى تشعر بأمان أكثر..ظل لحظات ساكن يديه بجواره مرتخيتين.. وإذ به يرفعهما بتردد وخوف ليحتويها بهما.. فاتسعت عيناها غير مصدقة أنه ضمها اليه.. ولأول مرة يفعل ذلك..فابتسمت وأدمعت حتى انها نظرت لوجهه المرهق كأنها تسأله هل أنت حقيقي ضممتني اليك..فعادت واسندت رأسها على كتفه تثتثمر تلك اللحظات النادرة وتمنت ساعتها الا تنتهي تلك اللحظات..بل أنه شدد من ضمه لها ..وشددت هي بدورها من ضمه اليها كأنه ترجوه أن لا يتركها..فهذه أول ضمة لها منذ أن تزوجها..أول مرة يلمس جسدها جسده..أول مرة يكون قريب منها..أول مرة تشعر أنه زوجها ،سندها، أمانها، رجلها..أنه كل شئ في حياتها..وإذ بها شعرت بجسده يترنح ويديه تخلتا عنها فنظرت له بانزعاج وهي تصيح :

-مالك ..في ايه...مااااالك.

كان قد سقط بين يديها ولكن عيناه مازالتا مفتوحتين بضعف وإعياء يهمس بصوت ضعيف كأنه يقاتل ويستميت حتى يبقى مستيقظا من أجلها ومن أجل أن تشعر بالأمان:

-مت..مت  متخفيشي.

لم تتخلى عنه بعد أن سقط وانما ظلت يديها الضعيفتان تحملانه وتساندنه وهي تقول وصوتها المنهار تتوسله:

-أوعى يامالك يغمى عليك تاني أنا مصدقت انك رجعتلي تاني..قاوم ..قاوم أرجوك..أنا ..أنا حتصل بالدكتور..بس مش عارفة أعمل ايه أسيبك ولا أستنى داداة ولا أعمل ايه..ساعدني يامالك ساعدني عشان خاطري.

بعينين مرتخيتين..ووجه أصفر شاحب..وشفتين  زرقاء أومأ برأسه رافعا يده نحو وجنتها يربت عليها بمعنى لا تخافي، ابتسمت له وحاوطت كتفها بساعده، والتف ذراعها حول خصره ترفعه حتى ينهض تهمس بصوتها الذي يعاني وهي ترفعه:

-قووووم..قوم معايا نام على السرير لحد ما يجي الدكتور.

قاوم مالك حتى استقر على فراشه.


نظرت نريمان باحتقار لجسد سامر المسجي ثم خرجت مسرعة لكي تتصل بالشرطة..وهاتفت ايضا الطبيب الذي سردت له كل ما حدث واستبشر خيرا وأخبرها أنه سوف يحضر على الفور وقد أوصاها أن تضع له طعاما حتى يسترد بعض من قوته.

***********************************

أين تماسكها الذي كانت تتحلى به، أين شجاعتها التي اقتبستها من كلمات أكرم حتى أنها شعرت أن بمقدورها أن تواجه الليث في عرينه، لماذا تبخرتا الآن؟ وبمجرد دخولها حجرتها ومروان خلفها وقد أغلق الباب بالمفتاح..حتى شعرت بخوار داخلها وتبخر تلك القوة، وماتت شجاعتها، وارتعش جسدها، وانتفض قلبها كأنه يدق آخر دقاته، خطواته التي تقترب منها جعلت نبض قلبها يسرع بجنون كأنه في سباق للركض..ولقد حضر مشهد ليلة زفافها وكأنه مشهد سينمائي يعاد تصويره..حتى أنها تراجعت للخلف في زعر..وبدأت تصرخ وتصرخ بأعلى صوتها:

-لا..لأ..ﻻ..ﻻ..متقربيليش..أبعد..أبعد..أبعد..أب....

لم تكمل استغاثتها فقد سقطت في بئر الأنهيار.

-جوماااانة.

هتف بها مروان بانزعاج..وهو يسرع اليها ..يحملها ويضعها على فراشها..رأسها مستريحة على ذراعه..ويده تزيل شعرها من على وجهها الشاحب..الغاضب..ازعجه خوفها منه..وتذكرها لليلة زفافه..شعر بغصة في حلقه، يغمض عينيه بقوة وألم  يضم رأسها الى صدره قائلا في مرارة:

- متخفيش مني ياجومانة..متخفيش مني ياحبيبتي..سامحيني..سامحيني ياروحي..أوعدك أني مش حأذيكي تاني..أوعدك أني حعوضك عن كل الشفتيه مني ومن أبوكي الله يرحمه.. متخفيش من جوزك ..أنا جوزك وحبيبك .

كانت في عالم آخر لم تسمع توسلاته..ولم ترى دمعاته..ولم تشعر بندمه ولا حبه الذي يبثه لها.

لقد اتصل بطبيب وبعد أن فحصها علم منه أنها في حالة انهيار عصبي، وتحتاج للراحة وعدم تعرضها لأي تأثيرات نفسية سيئة حقنها الطبيب بمهدئ يجعلها تنام حتى الصباح..لم يستطيع مروان النوم..لقد مكث بجانبها يتأمل وجهها الشاحب المكسو بالخوف بل الرعب، وللأسف هو السبب في ذلك ماذا يفعل لكي يزيل عنها هذا الخوف الشديد ، كانت زفراته حارة كأنه يقتبس حرارتها من جهنم..يضم رأسها الى صدره علها تشعر بالنار التي تكوي فؤاده نار الندم التي يتلظى بها..ولم يشعر بنفسه حتى غفى على وضعه هذه..غفى وهو ضاما لها.

********************************

لقد عادت أم أحمد مربيتها وهي ترى الهرج والمرج الذي سباباه خروج الشرطة وهي قابضة على سامر تدفع به أمامها بقسوة، فاتسعت عيناها في انزعاج..ضربت على صدرها وهي تتمتم لنفسها بجهل للأمور:

-ياخرابي ايه الحصل في غيابي.

ثم هرولت متجهة صوب حجرة نريمان فطرقت الباب ثم دلفت وهي تتفقدهما بعيون تملؤها الجزع ثم هتفت :

-ست نريمان ايه الحصل..أنتو كويسين.


التفتت نريمان لها وأجابتها بعد أن تركت مكانها بجوار مالك وتقدمت نحوها:

-متخافيش يادادة احنا كويسين الحمد لله.

-طب البوليس ده ال ساحب سي سامر ليه ..هو عمل ايه؟؛

-تعالي معايا في المطبخ وأنا احكيلك.

قالتها بهمس وهي تسحبها من يدها متجهة بها صوب المطبخ.

ثم قصت لها ما حدث تحت نظرات الزهول التي بدت في عينان ام احمد..هذه الأخيرة التي هتفت بانزعاج:

-يخرب بيته بقى كل ده يطلع من الأستاذ سامر..

 -اهو ده الحصل يادادة ..المهم دلوقت بقى عايزاكي تعملي اكل لمالك عشان ياكل ويشد حيله قبل ما يجي الدكتور.

- بس كده من عنية حاضر ..ده كفاية انه ربنا خد بايده وفاق ياما انت كريم يارب.

هتفت بها في سعادة وراحت تشرع في اعداد الطعام في حماس.


مرت أكثر من ساعة على الأحداث التي حدثت..بعدها حضر الطبيب كان مالك وقتها قد أكل واسترد القليل من عافيته، ألقى عليه الطبيب تحية مغلفة باابتسامة تنم عن سعادته بعودته من الغيبوبة:

- السلام عليكم.

ردت نريمان ومالك بصوت خافت ضعيف:

-وعليكم السلام ورحمة الله.

جلس الطبيب في مقعد بجوار مالك فهتف وهو يفحصه:

-عامل ايه دلوقت؟

مالك بصوت خافت:

-زين.

 الطبيب وقد انتهى من فحصه المعتاد:

-طيب تقدر تتكلم دلوقت ولا حتتعب؟

مالك باعياء:

-لاه حجدر.

قبل أن يتحدث مالك التفت لنريمان ثم قال لها:

-أتركينا لحالنا دلوك لو سامحتي.

طلبه تسبب لها في الضيق ولكنها اخفته مؤقتا، وفضلت أن تخرج حتى يستطيع الكلام..وكم كانت تتوق لسماع حديثه فالفضول يقتلها لكي تعرف سبب ما حدث له ولكن هي الآن تتمنى عافيته قبل أي شئ.

ما إن خرجت حتى تنهد مالك براحة..وعلى أثر هذه التنهيدة سأله الطبيب :

-ليه مش عايزها تعرف ال حصل.

-إكده أحسن .

اضطر الطبيب أن يحترم رغبته تلك حتى يتحدث على سجيته ثم استطرد:

-طيب قولي.. ايه الحصل معاك خلاك توصل للأنهيار لدرجة انك تفقد الوعي؟؛


تنهد مالك بعمق يمسح وجهه بيديه بطريقة عنيفة كأنه يحاول أن يسيطر على انفعالاته، وأخيرا طاوعته حروفه فخرجت كأنها تنازع:

-فاليوم ديه كنت في الشغل..وخلاص إمروح..لجيت مدام زهرة بتدخل عليا المكتب

-مين مدام زهرة دي.

قاطعه الطبيب بها وهو يدون ملاحظاته في مفكرته.

استطرد مالك وقد نظر له بعينان زابلة:

-دي زبونة مهمة كان عمي عرفني عليها في بداية شوغلي معااه.


 فلاش باك..........

في اليوم ديه استغربت عشان أول مرة تاجي متأخر إكده وكمانيتي كانوا كل الموظفين والعمال تقريبا روحو، لجيتها بتجولي:

-مساء الخيييير

تفوهت بها بغنج ودلال تمط حروفها كأنها تراقصها.

نظر مالك إليها فضيق مابين حاجبيه في استياء ..سببه سحنتها الملطخة بمساحيق تجميل صارخة، وكأنها غانية، أتت لتعرض بضاعتها الرخيصة عليه..جسدها الذي تتمايل به في ثوبها الضيق اللامع كأنه أفعى على وشك أن تبخ سمها فيه، كعبها العالي الذي يصدر أنغاما صاخبة مع خطواتها المتمايعة تحرضك على قتلها، حاول مالك أن يكتم غيظه ويوئد سخطه علها تنصرف سريعا..لذلك أجابها دون إكتراث وتصنع أنه مشغول في فحص بعض الدفاتر وبنبرة جافة:

-مساء النور.

ولأنها أمرأة ذكية وتعلم أنه يفتعل عدم الاهتمام بها لكي يتملص منها، وتعلم أيضا أنه رجل غير كل الرجال اللذين قابلتهم ، لذلك سوف تمرر له كل ما يفعله فهو صيد ثمين له مذاق مختلف لن تجعله يفلت منها أبدا، فحرصت على  أن ترمي له طعم جيد لكي تصطاده بها..وكان هذا الطعم يتمثل في حركاتها اللعوب..وصوتها الذي تحشوه بالرقة، وجسدها البض المتناسق الذي يهتز بدون سبب.

اقتربت منه وكل لفتة منها تدعوه، وترغبه وترواده عن نفسه حتى كادت أن تلتصق به فهمست بصوت يملؤه الأغراء:

-أزييك عامل أيه..تعرف أنك وحشتني قوووي طول ماانا مسافرة  وأنا فكر فيك.

وهنا لم يستطيع مالك كبح غضبه، أحمرت عيناه..وانتفخت أوداجه ونفرت عروق رقبته فأبعدها عنه وثار في وجهها غاضبا:

-أييه يامرة أنتي..متجفي عدل وتتحددتي زين ولمي.....

قاطعته زهرة ولم تبالي بثورته ولا غضبه بل اقتربت منه وحاوطت رأسه بيديها وشبكت أصابعها خلف رقبته وراحت تهمس وأنفاسها تلفح وجهه:

-بقولك ايه مكفاية تقل بقى..صدقني لو جربتتي مرة مش حتسلاني..أنا مفيش حد قدر قبل كده يقاومني..تعالى معايا البيت..وأنا حبسطك قوي..ثم نفخت في وجهه واستطردت تقول بصوت يحرضه على الفحش:

-هاه قلت ايه يا حبيبي.


ظل ينظر لها  بحقارة أنفاسه متهدجة..قربها منه نارا تكوي جسده..أنفاسها كأنها تأتي من الجحيم..حاول أن ينزع يديها من حول رقبته ..ولكنها تتشبث به بقوة.. مغمغمة في اصرار:

-متحاولش أنت أسيري انهاردة ومش حروح غير بيك.

وكأن ما يحدث له من غزو لتلك المرأة اللعوب كان شبيها لمشهد حدث أمامه في الماضي..كان صغير عمره ست سنوات، يرى أمرأة حركاتها تشبه لحركات زهرة..ملابسها الفاضحة مثل ملابس تلك المرأة ..ميوعتها..حديثها ذو النبرة المتمايعة..شعرها الغجري وكأنه يحرضه مثلها..اصرارها في اقتناص فريستها..كل ذلك يشبه لتلك المرأة تلك المرأة التي بغضها من كل قلبه..لم يشعر الا ويديه تطبقان على رقبتها يريد أن يزهق روحها أم تراه يزهق الماضي محاولا اغتياله حتى يمحوه من عقله الى الأبد..ماضي ظل وبات يؤرقه..اتسعت عينان زهرة بقوة وحاولت أن تسعل فلم تستطيع..تشهق بعذاب محاولة ان تجلب لنفسها الهواء.. يديها تحاول بلا أمل أن تنزع يديها من على رقبتها ولكن مالك راح يضغط في اصرار  حتى شخص بصرها وترنحت بين يديه..تركها أخيرا ..ينظر لوجهها الذي ازرقا.. وعيناها الشاخصة..ممدة على الارض جثة هامدة..راح يلهث بشدة يتأمل يديه اللاتي ازهقت روح تلك الغانية، كان يرجع الى الوراء بخطوات ثقيلة..زاهلة  في لحظة سار قاتل..قاتل..أنه قاتل.

-مالك ..مالك حاسس بايه؟؛

هتف بها الطبيب عندما وجده يتنفس بصعوبة..ووجهه بدأ يشحب ويصير ازرق كان يصارع بيديه وقدميه كأنه يحتضر..لقد تأثر بما يحكي فعادت اليه ذكرى ذلك الحادث الأليم..نهض على الفور وحقنه بمهدأ ..وبعد أن اشتغل مفعوله ونام ..خرج الطبيب فوجد  نريمان جالسة مع مربيتها يحتسان الشاي وما إن رأته حتى هرولت اليه وسألته بلهفة:

-دكتور ..مالك قالك ايه طمني؟

بصعوبة أخفى أسفه.. تذكر رغبة مالك في عدم سماعها لما يقوله..لأن ما قاله بالتأكيد أكبر من استيعابها له..لذلك لم يفصح لها بشئ حتى يظهره صاحبه..ابتسم بعملية بعدها أردف:

-يعني مفيش حاجة مهمة قوي..هو لسة تعبان عشان كده مقدرش يتكلم..أنا اديته منوم مش حيفوق قبل بكرة الصبح. . وأنا حكون هنا قبل ما يفوق باذن الله.

-طيب يادكتور.

قالتها وهي تشعر بداخلها أن الطبيب يخفي شئ عنها خاصة عندما انصرف بعجل ولم يعطها الفرصة لكي تسأله أسئلة اضافية ..بعد انصراف الطبيب ظلت شاردة تفكر في مالك وما حدث له حتى أن مربيتها أسفت لحالها فربتت على كتفها قائل:

-خليها على الله يابنتي وأدعيله ..والله أنا حاسة أن حيخف وحيبقى زي الفل.

-يارب يادادة.

-الا قوليلي ياست نريمان هما الحج والحجة متصلوش بيكي من ساعة ما مشيو .

-اتصلوا مرة وحدة وطمنتهم علينا..وأنا كمان اطمنت عليهم.

-مقالوش حيرجعوا امتى.

-لسة شوية يا دادة خمستاشر يوم كمان ويرجعوا..والله وحشوني قوي ونفسي بقى يرجعوا عشان يشيلو الحمل عني الشوية.

-ان شاء يرجعوا بألف سلامة.

-يارب يادادة يااارب.. بقولك ايه روحي انتي شوفي ال وراكي ..وأنا حدخل لمالك اطمن عليه.

-حاضر من عنية ولو عوزتي حاجة اندهيلي.

-ربنا ما يحرمني منك يارب ..أنا مش عارفة من غيرك كنتي عملتي ايه.

-متقوليش كده يضنايا انتي زي بنتي ربنا يفك كربك يااارب.

قالتها وهي تضمها لصدرها تربت على صدرها في حنان بالغ.

**********************************

استيقظت جومانة تنظر حولها في تيه، تتأمل تلك الحجرة التي تضمها كانت هي الحجرة التي ذبحت فيها، لقد تذكرت ما حدث أنه عاد بها ليعذبها بذكرى تلك الليلة المشئومة فظلت تدثر نفسها بالغطاء في ذعر وخوف، ليس لها ونيس غير دموعها، وبعد أن هدأت قليلا.. قامت من على فراشها بهدوء وحذر..نحو الباب..ووضعت أذنها عليه فلم تسمع أي صوت..أحكمت أغلاقه بالمفتاح..حتى شعرت بقليل من الأمان ..عادت الى فراشها تلملم ضعفها خلفها..جلست عليه واندست تحت الغطاء حتى تذكرت خطاب أكرم..فراحت تبحث عنه كالمجنونة  تحاول أن تتذكر أين خبئته..حتى تذكرت انها دسته في حقيبتها ..نهضت سريعا تبحث عن الحقيبة حتى وجدتها بجوارها على( الكومود) فتحتها وبحثت عنه فعثرت عليه ..فتنهدت في راحة..جلست على فراشها وفتحته تقرأه مرة أخرى بل مرات ومرات حتى يطمئن قلبها.


( جوجو حبيبتي

أنا بكتبلك الجواب ده وأنا مستعجل عشان مكنش عندي وقت..انا فوجئت أن اتنقلت للصعيد..وكان لازم انفذ النقل ده فور والا يوقفوني عن العمل..لكن مدير المستشفى وعشان انا في معزة ابنه بعتني لمؤتمر طبي في قبرص..لغاية ما يحاول يلغى النقل ده..أنا عرفت ياجومانة أن مروان هو السبب في نقلي عشان يبعدني عنك..لكن متخفيش انا مش حتخلى عنك..كل ال بطلبه منك انك تصمدي وتقاومي لحد ما أرجع ..هو شهر واحد بس ياحبيبتي  وحرجع وحخلصك من الحيوان ده.. جومانة مش عايزك تخافي..ولازم تعرفي اني انا جمبك حتى لو أنا بعيد..أستنيني ياحبيبتي حرجعلك بسرعة..خلي بالك من نفسك..أوعديني انك متأذيش نفسك

حتلاقي في ظهر الجواب اميلي كلميني منه..


استودعك الله

                                                  أكرم)


 ضمته بعيون مغرورقة بدموع الحب ضمته اليها كأنها تضمه هو..انتشلها من تلك اللحظة طرقات على باب حجرتها ففزعت .

 بسرعة خبئت الخطاب تحت وسادتها وقامت لكي تفتح الباب..كانت مربيتها جالبة لها الطعام.

-عاملة ايه ياحبيبتي.

اجابت جومانة في استقطاب:

-كويسة.

-طب يلا بقى عشان تاكلي أنتي مكلتيش من أمبارح.

صاحت جومانة ثائرة:

-انا مش عايزة أكل ويلا شيلي الأكل ده وسبيني لوحدي لو سمحتي.

 سمعت أقدام تقترب من حجرتها انها خطواته..تحفظها جيدا عن ظهر قلب خطوات ثقيلة قوية تدب على الأرض دبا.. فبسرعة اندست تحت الغطاء وهي تتصنع النوم.. غطت رأسها حتى لا تراه منكمشة كالطفل في بطن أمه..مدت يدها تحت الوسادة وسحبت الخطاب..تضمه الى صدرها ..تستمد منه العون والقوة وتبكي في صمت.

لقد رآها وهي تختبئ تحت غطائها بسرعة لكي تهرب منه..أشار بعينيه للمربية حتى تخرج من الحجرة.. لاتدري أن بفعلتها هذه قد طعنته في فؤاده بخنجر سام..زوجته وحبيبته تخافه وتفر منه ،وتهرب ،وتختبئ حتى لا تراه..هو الذي يجب أن يحميها وتفر إليه وليس منه جلس بجوارها على الفراش ولقد لاحظ ارتعاشة جسدها دون ارداة منها لقربه هذا..فأغمض عينيه بقوة يكبح غضبه يعض على شفته السفلى ليخفي ألمه.. ود لو أن ينزع عنها ذلك الغطاء الذي يحجبها عنه كحاجز منيع..ود لو أن يضع يده على جسدها هذا المكفن بكفن الرعب..عله بلمساته يجلب لها الأمان..ولكنه يخشى العواقب..يخشى عليها من ضغوط على نفسيتها أكثر فاكتفى بأن همس بصوت أودع فيه كل حبه وأسفه لما تفعله به:

-يااه للدرجادي مش طايقة وشي ومش عايزة تشوفيني..عالعموم أنا مش حزعل منك..لأني عارف انك ليكي عذرك ..بس عايزك تعرفي أني حصبر عليكي لحد مترجعيلي، لانك مراتي وملكي أنا ومحدش يستجري مهما كان مين أنه يخدك مني.

جملته الأخيرة تلك ماذا تعني..اهي تهديد لي ووعيد أم ماذا..انسابت دموعها في صمت تحت الغطاء تضم ذلك الخطاب اليها أكثر واكثر كأنها تقول لصاحبه:

-أدركني ياأكرم..أغثني من ذلك الوحش ..أغثني ياحبيبي.






الفصل السادس 

كاره النساء


أخيرا استيقظ مالك واستعاد بعض من نشاطه وحيويته وكان أفضل بكثير من أمس عندما تركه الطبيب، لقد حضر طبيبه مبكرا وظل ينتظره حتى فاق، فسأله باستقطاب:

-حتقدر تكمل؟

همس مالك بعد أن تنهد وكأنه يلفظ ذلك الثقل الذي يجثم على قلبه:

-أنا نفسي اتحدد وأحكي عن كل حاجة..يمكن أرتاح بجى.

-وأنا سامعك..اتكلم يامالك قول كل ال جواك.

-اجول ايه..وأبدأ منين مخبرش

قالها وهو يمسد جبهته كأنه يأمر عقله بان يلفظ كل ما في داخله من ذكريات مؤلمة.

همس الطبيب حتى يساعده:

-اتكلم عن أي شئ يخطر ببالك..عن طفولتك مثلا.

أغمض مالك عيناه لثواني كأنه يفتح صندوق ذكرياته ويبحث عن أيام الطفولة وما حدث فيها.

فتح عيناه ونظر لنقطة مجهولة ثم تنفس بعمق وأخرج ذلك النفس دفعة واحدة وبدأ يحكي بصوت كأنه يأتي من الماضي:

فلاش باك:

يوم كباقي الأيام التي تعود مالك فيها أن يذهب لصديقه عز الدين حسانين لكي يذاكر معه وكان وقتئذ عمره ثماني سنوات ..تستقبله والدة عز الدين صديقه باابتسامة حنون..ابتسامة أم حقيقية كل اهتماماتها العناية بأطفالها..سيدة ثلاثينية..محجبة يشع من وجهها نور الطيبة سبحتها لا تفارق يدها، كانت تسحبه من يده وهي تقول له:

-عامل يامالك ياولدي..مش زين إكده؟

فيرد مالك الذي يرتاح لابتسامتها تلك ويشعر معها بالأمان وكأنها هي أمه التي يتمناها:

-مليح ياخالة..زين جوي.

 وبنفس الابتسامة المريحة همست ام زين له:

-لاه منجولش إكده يامالك..ال يسألنا عن حالنا نجوله الحمد لله..نجوله أيه؟

أجاب بصوت خافت وهو يطأطأ الرأس خجلا:

-نجول الحمد لله.

-شاطر ياحبيبي..يلا خش لزين وذاكروا مليح وأنا حاروح أعملوكم ساندوتشات حلوة جووي.


وتظل تلك المرأة النشيطة تعمل على رعايتهما وتساعدهما في الأستذكار.. بل تحثهما ايضا على صلاة الفرائض..تمنحهما وقتا من الراحة..فتحكي لهما قصصا عن الصحابة..وعن الرسل..وكان مالك يستمع لها بكل جوارحه وتخترق قلبه كلماتها اختراقا..بل تخترق روحه..يتأملها وهي تصلي..ثم تباشر أعمالها المنزلية بكل حب..وفي يوم لا ينساه حضر عم زين صديقه يسأل عن أخيه ،فلم تدخله أم زين وقد تحدثت معه بعض كلمات وهي تتوارى خلف الباب ثم انصرف وأغلقته خلفه..فتعجب مالك من أمرها لماذا لم تدخل أخو زوجها الى البيت فسأل زين عن ذلك متعجبا:

-جولي يازين.

تحولت عينا زين من الكتاب اليه فاجابه:

-اجولك ايه يامالك؟؛

-هي أمك مدخلتش عمك ليه البيت..ليه حددته إكده من ورا الباب أكنه غريب.

اجاب زين ببراءة:

-أمي يامالك مبدتخلش حد البيت واصل طول ما أبوي مش فيه..حتى لو كان عمي ذات نفسيه..عشان عيب وحرام  أمي بتجول إكده وأبوي كمانيتي..ولما ياجي عمي يجعد مع أبوي لحاله..وأمي تجعد في المندرة لحالها لحد ما يمشي.

مالك:

-طب وافرض عمك عاز شاي ولا حاجة؟؛

زين:

-أمي تعمله وأنا أوديه ليهم.

زين:

-يلا ياعم نذاكروا بجى لحسن أمي تاجي وتلاجينا بنرغوا ومهملين مذاكرتنا.

همس مالك بنبرة شاردة حزينة:

-يلا.

وبعد أن ينتهي المساء يضطر مالك للعودة لبيته..الذي يبغض العودة له، كم تمنى أن يحظى ببيت مثل بيت صديقه..وأم مثل أم زين..يصل مالك لبيته فلا يجد أمه فيظل ينادي عليها فيأتيه صوتها من حجرتها..أمام المرآه تتزين وتمشط شعرها بحماس..تضع مساحيق كثيرة على وجهها، شعرها سارح على كتفيها..ثوبها الضيق مكشوف الذراعين فيرهق عيناه كل ذلك فيقتطب جبينه غضبا و يمط شفتيه امتعاضا..اقترب منها على وجل قائلا بتردد خشية تعنيفها:

-آمه..عايز أكل.

فتهتف بعدم اكتراث ودون النظر له. بنبرة  تؤكد رغبتها في التخلص منه سريعا:

- الوكل عنديك في المطبخ غور حط لحالك وكل.

ولكن مالك يظل متسمر مكانه وسؤال يراوده في رأسه الصغير ولكنه يخشى أن يتفوه به، وتلاحظ والدته تصنمه مكانه فتصرخ فيه بقسوة ليس لها داعي:

-مالك إكده متسمر مكانك زي السدرة  متغور تطفح.

ولكن مالك يظل  محدقا فيها بوجه عبوس وأخيرا تشجع وسألها:

-أنتي ليه عاملة في نفسك إكده، متزوقة كيف الأروجوز..ليه متبجيش زية خالة أم زين صاحبي.. حشمة ومبتحطش لوحمر ولا لوبيض..ليه مبتصليش زييها.

التفتت له ورمقته بغضب تركت تزيينها وقامت تصرخ فيه وهي توسعه ضربا:

-بجى أنا أرجوز ياابن الكلب..قبر يلمك أنت وابوك في يوم واحد عشان استريح منيكم.


 وظلت تضربه بقسوة..ثم جرته كالجرو الصغير و ألقت به في حجرته وهي تصرخ فيه بتهديد ووعيد:

-أنت حتتحبس إهنيه يومين ومش حتروح لزين الزفت ديه واصل..وإياك تطلع من مندرتك دي ولو شفت وشك حجطع رجبتك داك الطين أنت و زين وأمه وال يتشددله قمان.


وعلى أثر ضربها له وتعنيفها..انزوى مالك في ركن حجرته يبكي بحرقة.. وبعد مرور بضعا من الوقت لم يدري مالك كم هو..سمع صوت همهمات فتصنت على الباب كان صوت أمه تهمس بخفوت مرحبة برجل غريب، وعندما نظر من ثقب الباب كانت الصدمة اذ كانت أمه في حضن عمه.. شعر بجسده يرتعش لاأراديا وكأنه أصابته حمى شديدة.

لم يعلم كيف يتصرف؟ وحتى أذا اراد أن يفعل شئ فماذا يفعل وهو حبيسا..ولم وجد نفسه عاجز..لملم نفسه المحطمة وروحه المهشمة ونام تحت غطاءه وقد زادت أرتعاشة جسده كأنه داخل ثلاجة.

منذ تلك اللحظة وتغيرت نظرة مالك لأمه، ذلك التمثال المقدس تهشم في تلك الليلة، ظل ايام حبسه يعاني من حمى الصدمة، لقد اصابته حمى حقيقية..حتى هي تعاملت مع مرضه بكل استهتار..ولسوء حظه كان أبيه في ذلك الوقت مسافر، وعندما عاد ووجده على وشك الموت ظل يعنفها ويصرخ بها، كيف تهمله وتتركه حتى كاد أن يلفظ أنفاسه.

مسح مالك وجهه فقد تعرق بفعل انفعاله وهو يحكي يستعير بعض من الهواء ليعينه على تكملة الحديث زفر زفيرا حارا ثم استطرد:

-كل يوم كنت بكرهها عن اليوم ال جبله..وأنا ناضر بعيني عربدتها ومشيها على حل شعرها وأنا لازمن أحط لساني في خاشمي عشان كنت خايف على أبوي، ولما رحت الجامعة ج.......


وهنا قاطعه الطبيب ليسأله:

-قولي يامالك وأنت بتخنق ال أسمها زهرة دي كنت شايفها أمك؟

أومئ مالك مالك برأسه مأكد استنتاجه ثم همس:

-أي كنت شايفها هي..حركاتها..لبسها..حتى حسها كأنته هو.

-لكن أنت مقلتليش حصلها أيه؟

-بعد ما وجعت جلت دي ماتت..من الصدمة جعت على حيلي ربع ساعة إكده وبعدين جلت أسيبها وأمشي كنت بمشي بالعافية..كانت رجليا مش شيلاني..لكني سمعتها بتسعل فضلت تتوعدني بصوت مبحوح أنها حتنتجم مني..بعدها معرفتش وصلت البيت كييف ..ومدريتش بحالي بعد إكده.


-ظهور زهرة في حياتك صحى الماضي تاني..صحى كرهك لأمك..ولما زهرة روادتك عن نفسك..ولقيت افعلها تشبه لأفعال والدتك فبدون شعور حاولت انك تخنقها، وأنت من جواك عايز تقتل فيها أمك.

-لكن دي مش أمي..مش أمي.

صرخ بها ينفي انتسابه لها وانتسابها له..مما جعل طبيبه يحدق فيه بعدم فهم قائلا:

-مش أمك ازاي..تقصد انك اتبريت منها:

بصوت يملؤه الأنفعال:

-لاه هي مش أمي عرفت بعد إكده أنها مش أمي.

-أزاي.

مسح وجهه ينفض عنه ألم الماضي فهمس بصوت ضعيف  مجهد:

-كفاية إكده مجدرش اتحدد ..تعبت..وعايز ارتاح.

قال الطبيب على مضض:

-خلاص كفاية كده أنهاردة وبكرة باذن الله نكمل.

**********************************

- فيه أيه؟؛

هتفت بها جومانة في تعصب عندما سمعت طرقات على حجرتها..حجرتها التي تغلقها عليها بالمفتاح دائما، ولا تجعل أحد يمر عليها الا بصعوبة..رأت خادمات تحمل بين يديها أكياس كثيرة يريدون أن يدخلون بها الحجرة فردت الخادمة التي عانت من حمل ما في يدها:

-ممكن ندخل ياست هاتم ونفهمك.

لقد اشفقت جومانة عليها فقد كان باديا على وجهها كم المعاناة بسبب ما تحمله فقالت على مضض:

-ادخلي.

دخلت الى الحجرة ومن خلفها خادمتين أخريتان، يضعون ما في أيديهم وسط الحجرة

فسألت جومانة في استفسار:

-ايه ال في الأكياس دي بقى؟؛

غمغمت الخادمة بصوت يملؤه الأجهاد:

-دي حاجات بعتها مروان بيه.

فصرخت جومانة في تعصب:

-بقولك ايه انتي تاخدي الحاجات دي وتغوري بيها من هنا انا مش عايزة أي حاجة منه فاهمة.

بنبرة متوسلة ووجهه عليه علامات الخوف والبؤس قالت الخادمة:

-منقدرش يا ست هاتم نرجع بيهم لو نزلنا بيهم تاني حيرفدنا وانتي ميرضكيش ان عيشنا يتقطع..احنا عبد المؤمور ياست هانم.

أغمضض عينيها بقوة وضمت شفتيها في محاولة لكتم غيظها فهتفت من بين أسنانها:

- طيب سبيهم وغوري من وشي.

وبعد أن خرجت زفرت بقوة وتخصرت وهي تنظر للاكياس بضيق وتسأل ماذا بداخلها؟

أي شئ من طرفه باتت تكرهه وبشدة..وعلى الرغم من كل ذلك الأستياء من تلك الاشياء التي أرسلها لها ..الا أن فضولها الأنثوي يحثها على تفقد ما بداخل تلك الأكياس، وبالفعل فضتهم ورأت ما جعلت عيناها تتسع من فرط الأنبهار، كانت أزياء في غاية الرقي أزياء عالمية تبدو عليها من علاماتها المسجلة..أحذية انيقة مناسبة لتلك الازياء، اكسسوارات خلبت لبها.. لا تنكر أن قلبها قد زاد خفاقنه ..وهي تخرج الأغراض وتتفقدهم قطعة قطعة وكل قطعة تخطفها وتجعلها تشهق من فرط أعجابها بها..لقد لعب مروان على وتر شغف أي انثى بالازياء وما يخصها فما من أنثى الا يستهويها عالم الموضة..خاصة عندما تكون واردة من عقر دارها وهي باريس..لقد انبهرت جومانة بكم الفساتين التي جلبها لها مروان وقد حرص على أن يكونوا مكتملين بأحذيتهم وأكسسواراتهم حتى العطور كانت من أفخم وأثمن الأنواع، ظلت تشاهدهم جميعا.. وتجربهم واحد تلو الآخر ولا تنكر كم السعادة وهي تجرب تلك الملابس ..فهي في النهاية طفلة عمرها ستة عشر عاما استهوتها تلك الأشياء ونست صاحبها ..ونست من أرسلها..نست حتى حقدها عليه.

حتى ذكرتها نغمة هاتفها التي تعلن عن وصول رسالة من أكرم على الواتس..ولا تعلم لماذا خفق قلبها بخوف.. فانقشعت فرحتها فجأة..وشعرت بالخجل كيف لها أن تقبل تلك الأشياء من هذا الانسان الذي تسبب لها في الأذى..بل كيف تفرح بها؟

تركت تلك الأشياء وركضت نحو الهاتف لكي ترد على حبيبها..فكتبت بلهفة:

-اكرم ازيك وحشتني.

-وانتي كمان ياحبيبتي.عاملة ايه طمنيني عليكي.

- أ أأنا كويسة .

-حاسس من حروفك أنك بتكدبي مالك.

لقد شعر بها..ترددت ماذا تكتب له هل تخبره بأمر تلك الهدايا التي أرسلها لها..قطع حيرتها عندما ارسل لها رسالة تستعجلها كاتبا لها:

-جومانة مالك..مش بتردي ليه؟

-بصرحة في حاجة حصلت ومش عارفة أقولك عليها ولا لأ.

-حاجة ايه قلقتيني.

- أصل من شوية بعتلي هدايا ..فساتيين كتييير قووي..وجزم وبرفانات واكسسورات وحاجات كتتتير..

-وانتي حتقبلي الحاجات دي؟ ايه ده تمن ال عمله فيكي ولا عشان يذلك تاني..روحي ارميهم في وشه..قوليلوا مش عايزة حاجة منك..ثم  أرسل لها ملصق يعبر عن غضبه.. فقالت له :

-حاضر حرميهم في وشه ومش حقبل منه اي حاجة تانية..بس عشان خاطري متزعلش.

-ماشي مش حزعل خلي بالك من نفسك وأوعي يأثر عليكي.

-متخفش أنا دايما قافلة على نفسي بالمفتاح..ومن ساعة ما جيت البيت هنا وانا مش مدياه فرصة يكلمني.

-شاطرة ياحبيبتي..خلي بالك اوعي تضعفي قدامه مهما عمل اوعي تصدقيه..وخليكي قوية لحد ما أرجع..أنا مضطر أقفل عشان عندي شغل حكلمك تاني مع السلامة.

-مع السلامة.

مع تلك الكلمة الاخيرة التي كتبتها تنهدت باشتياق وضمت هاتفها الى صدرها..وقررت أن تعيد له هداياه .

ولملمت تلك الأشياء واحتوتهم بين ذراعيها لتعيدهم اليها.. وهمت أن تفتح الباب بقدمها وإذ به تجده أمامها بهامته الطويلة المخيفة  بالنسبة لها ونظراته الثاقبة..فتراجعت للخلف تلقائيا..حاولت أن تبتلع خوفها مع ريقها وتستجمع قوتها فغمغمت بشجاعة واهية:

-أ أ أ أ أنا مش عايزة حاجة منك اتفضل حاجتك اهي.

ثم القت بتلك الأشياء على الأرض واشاحت بوجهها بعيدا عنه ..لم يبالي هو بنظرات الاحتقار التي رمته بها..ولا رفضها القاطع لهداياه بل توجه بكل ثبات نحو فراشها يلتقط هاتفها ويفتح تلك الرسائل ويقرأها ثم يضعها أمام وجهها وهو يسألها:

-أيه ده؟

لقد اتسعت عيناها بدهشة..تنقل بصرها بينه وبين الهاتف كيف عرف أنها تحدثه عبر الرسائل الألكترونية؟ على رغم من التوتر الذي أصابها الا أنها وجدت نفسها وبجرأة لا تعلم كيف حضرت اليها والتبستها، وكأنها أرادت أن تنتقم منه على مافعله بها وترد له الصاع صاعين:

-ملكش دعوة دي حاجة تخصني..وو أه أنا بحبه ولما يرجع حيطلقني منك.. أنا أنا بكرهك بكرهك..ومش عايزة أعيش معاك .

لا ينكر أنه لم يكن يتوقع ردها ذلك..ولا ينكر ايضا أن كلماتها طعنته في صميم قلبه..

ولكنه استطاع أن يدفن كل ذلك تحت دقات قلبه التي تعشقها.

حدق بها بعينان تحملان عقابا لم تخمنه..لقد ظل صامتا لبضع دقائق..بوجه لا يبد عليه أي تعبير..صمته جعل أوصالها ترتجف رغما عنها حتى انها ارادت أن تبكي..ولكن تذكرت توصية اكرم لها دائما

( كوني قوية)

 فابتلعت دموعها وتصنعت الصمود وقد تأبطت ذراعيها أمام صدرها في لامبالاة..أما هو فقد وضع هاتفها في جيبه..ثم اقترب منها خطوة مخيفة يهمس لها بالقرب من وجهها حتى احرقتها انفاسه:

-نص ساعة تكوني لابسة فستان من دول وجاهزة عشان حنسهر الليلة مع بعض .

وقبل أن تفيق من اندهاشها على ردة فعله الذي لم تتوقعه كان قد خرج من الحجرة.

حتى انها اتبعته بعيناها بتعجب حتى توارى خلف الباب..ثم هتفت لنفسها:

-ايه البيعمله ده بقى.. وقصده ايه من سكوته ده..لكن هو عرف ازاي ان أنا بكلم أكرم في التليفون..دخلته على التليفون عدل بيقول انه كان عارف..عقلها الصغير وتفكيرها المتواضع لم يوصلاها الى شئ فزفرت بحيرة..وهي تضع ابهامها في فمها تسأل نفسها ماذا تفعل فيما قال؟

هل ستنفذ ما طلبه.. انها لا تريد أن تخرج معه بل لا تريد رؤيته من الأصل..أخرجت اصبعها من فمها وزفرت في حيرة مفعمة بغيظ..تنظر لهداياه بنقم..وفي النهاية ركلتهم بقدمها في ضيق.

كان مروان يشاهد كل ماتفعله عبر شاشة المراقبة الموصلة بكاميرات في حجرتها..يتسلى بتلك الصغيرة التي بدأت تتمرد عليه..ولكن هيهات ياصغيرتي فأنت ملكي ولن يستحوذ عليك غيري..ضغط على زر في مكتبه..حضرت على أثره الخادمة فورا وهي تقول ملبية:

-نعم يابيه.

-روحي قولي للهانم بعد ربع ساعة تنزل وتكون جاهزة والا البيه حيطلع بنفسه يلبسك.

-حاضر يابيه.

وقبل ان تنصرف هتف لها:

-ياريت تساعديها عشان تجهز بسرعة.

-حاضر يا أفندم.

ثم أطفأ شاشة المراقبة ونهض من على مكتبه ينظر من نافذة مكتبه يدخن  سيجارته ..يفكر في تلك الصغيرة التي سرقت قلبه بخجلها وبرائتها وهاه هي تسرقه من جديد بتمردها وثوب القوة المهترئ التي ترتديه.


عندما أبلغتها الخادمة تحذيره لها أنها لو لم تجهز خلال ربع ساعة سوف يأتي بنفسه ويلبسها ثيباها..تلك الجملة جعلت جسدها يقشعر رغما عنها لمجرد التخيل، فاضطرت ان تجهز نفسها حتى تتخلص من ذلك المتعسف، بعد ربع ساعة وأقل كانت أمامه ظل يتأملها ورغم انبهاره بجمالها ورقتها لكنه سألها وصوته غير راضي:

-ليه ملبستيش فستان من أل انا اشتريتهم:

قالت ووجهها لا ينظر له:

-كلهم مكشوفين وأنا محجبة.

كانت قد ارتدت فستان لها أبيض طويل قماشه من التل المنقط ،وحجابها الابيض اضفى عليها مظهرا ملائكي، جعله ينحي اعتراضه جانبا..وسار أمامها وهو يشير لها باصبعه:

-يلا عشان منتأخرش.

اتبعته وركبت بجواره السيارة جلست بعيدة عنه..وودت لو تسأله عن مكان وجهتهم..ولكنها صمتت وانتظرت مصيرها..كان عقلها يهيئ لها انه سوف يأخذها الى مكان بعيد نائي ليس به أحد ليعيد ما فعله معها ليلة زفافها.. اغمضت عنيها بقوة تطرد عنها تلك المخاوف..وهو بجوارها يراقبها من جانب عينيه..ويرى علامات التوجس التي تبدو واضحة على ملامحها..فابتسم بخفة من جانب شفتيه..يكاد يتوقع ما تفكر به تلك الصغيرة الساذجة..هي في نظره مجرد طفلة..بكل تصرفاتها وأفعالها معه طفلة بريئة..عندما توقفت السيارة سألته بتوجس لم تستطيع اخفاءه:

-أ أ احنا رايحين فين؟

همس وهو يقترب بجذعه حتى قارب ملامسة وجهها وكانت هي تبتعد بجسدها حتى التصقت ببابا السيارة:

-متخفيش مش حخطفك في حتة..ترجل من السيارة وقال بصوت آمر

-يلا انزلي.

-هو بيقرا أفكاري كمان.

همست بها لنفسها..ثم زحفت حتى ترجلت من السيارة.. وجدته قد قبض على يدها بقوة..مخترقا باصابعه الجافه فرغات أصابعها الناعمة حتى انها همست وهي تتأوه:

-آااه أيدي.

لم يبالي لها بل عصر يدها بأصابعه.. تحملت الألم رغما عنها وهي تسأل نفسها..هل هذا هو عقابه لي.

كانت خطواته سريعة حتى انها كانت تجري خلفه.

أصابعها بين يديه تلامس دقات قلبه..يؤكد لها ولنفسه أنها ملكه وحده..ولن يفلتها من يده ابدا ويجعل أحد يستحوذ عليها.

توقف بها على باب فندق كبير يعدل من نفسه ويجبرها أن تتأبط ذراعه هامسا له بتخذير:

-الحفلة دي معمولة من اكبر الشركاء ليا احتفالا بجوازنا عايز الكل يتأكد أننا سعدا..أي تصرف منك يوحيلهم غير كده متلوميش غير نفسك..ابتسمي يلا.

ابتسم وأجبرها على الأبتسام وخطى داخل الفندق ملك وملكة يقبلان على التتويج.



الفصل السابع عشر


كاره النساء


وقف مروان بها على باب فندق كبير يعدل من نفسه ويجبرها أن تتأبط ذراعه هامسا لها بتحذير:

-الحفلة دي معمولة من أكبر الشركاء ليا احتفالا بجوازنا، عايز الكل يتأكد أننا سعدا..أي تصرف منك يوحيلهم غير كده متلوميش غير نفسك..ابتسمي يلا.

رسم على شفتيه ابتسامة دبلوماسية، وأجبرها على الأبتسام وخطى داخل الفندق ملك وملكة مقبلان على التتويج.

جمع كبير من رجال الأعمال اللذين يعرفهم كانوا في انتظارهما ..تصفيق حارا عند رؤيتهما جعل قلبها يختلج رهبة..فهي لم تعتاد على هذه الجموع..ولا هذه المناسبات.. كانت حياتها منحصرة ما بين مدرستها وحجرتها التي لا تفارقها ابدا..هذا العالم الجديد كبييير للغاية تشعر أنها تائهه غريبة فيه.. بل هي تاهت بالفعل احساس بالوحدة سيطر عليها، ودت لو تهرب وتركض مثل سندريلا فرار قبل أن تعود لصورتها الأولى، وكأنه شعر بارتباكها فجذب يدها برفق لتتخلل ذراعه أكثر فيربت عليها وهو يهمس باحتواء:

-متخفيش أنا جمبك.

فنظرت له فإذ بعيناه تكاد تقترن بعيناها وأنفاسه تقبل وجهها، تنهدت على مضض  منصاعة للموقف الذي زجت فيه رغما عنها..ثم عادت والتفتت للمدعوين اللذين كانوا يتأملونها بتمعن..فتاة صغيرة لم يتجاوز عمرها ستة عشر عاما قرينة للرجل على مشارف الأربعون، الربيع يعانق الخريف، عيون حاسدة وأخرى منبهرة..وغيرها معجبة جعلت مروان يندم على قبول تلك الدعوة ويجعل زوجته فريسة لتلك العيون..لقد اخترق يدها بأصابعه من جديد في استحواذ، حتى يبين للجميع أن هذه العروسة هذه الملكة ملك له وحده .

حتى عندما جلسا على الطاولة التي خصصت لهما لم يترك يدها..جعلها تنظر له وتهمس بضيق:

-ممكن تسيب أيدي بقى.

همس دون أن ينظر لها وكأنها لم تتحدث، بل راح يبتسم بمجاملة للمدعوين الذين يحيونه:

-هشششش.

زفرت  بعجز، وراحت تتأمل المدعوين، والمكان بملل..فلم ترتاح لوجودها وسط هذا الحشد، احساسها بالغربة يتملقها، تمنت الفرار من هذه الأجواء الخانقة، جاء على بالها أكرم بحنانه وابتسامته، ليته كان معها الآن، ليته يأتي ويخطفها من ذلك المتسلط، كانت تستعيد كلامه لها ..وحديثه الحنون معها..أخرجها من شرودها عندما شعرت به ينهض ويجبرها على النهوض مما جعلها تحدق فيه بدهشة متساءلة:

-أيه..حنروح خلاص.

همس بعينان قاسية وكأنه علم أنها تفكر في غيره:

-لأ حنرقص.

غمغمت بيأسا:

-نرقص؟؛  لكن أنا ....

قاطعها بتحذير مخيف:

-أنتي أيه؟

-مفييييش.

بترت رغبتها في أن تطلب منه العودة الى البيت..فقد خشت نظراته المخيفة والمحذرة دائما..أخذها الى ساحة واسعة وظل يراقصها، عيونها نافرة عنه، ترقص مضطرة، كأنها دمية يحركها بين ذراعيه زاد من ضيقها التحامه بها وكلما ابتعدت جذبها اليه أكثر هامسا لها:

-بصيلي.

ولكنها لم تستطيع النظر اليه..عيناه تخيفها تربكها، تجعل قلبها بداخلها يختبئ بين ضلوعها كالفأر المزعور.

صرخ بصوت خافت لم تسمعه الا هي:

-قلتلك بصيلي.

نظرت له بوجه محتقن كل خلجة فيه غاضبة ،خائفة، ترتعش، أنفاسها بداخل صدرها تقفز بجنون..كادت تبكي..حتى همست وكأنها ترجوه:

-أنا عايزة أروح بقى.

استعطفته بنبرتها الضعيفة المستسلمة، فرق لدموعها التي تتلألأ في عينيها الحزينة..فهمس بالقرب من أذنها بعد أن أسكن خده على وجنتها ويده تستقر على ظهرها باحتلال محتوى مساحته باصابعه الكبيرة:

-ماشي حنروح.. بس مش عالطول كده عشان الناس متلاحظش حاجة.

تشعر بيده الكبيرة تخترق ظهرها فينفر جسدها من تلك اللمسات الغاشمة، ومهما حاولات الفرار لكنه يزج بها داخل ضلوعه غير عابئ بكل العيون التي ترمقهما بحسد.

بعد ساعة استطاع مروان أن يختلق أعذار لكي ينسحب من الحفل، فتنفست جومانة الصعداء عندما وجدت نفسها في السيارة تشم نسيم الليل الذي يداعب وجهها وحجابها، العجيب أنه لا يزال محتفظا بكف يدها بين يديه، اضطرت أن تتحمل حتى تعود لحجرتها، عند وصولها للبيت ترجل من السيارة فنظرت ليدها التي مازالت مسجونة بين يده تنظر لها بغيظ ألم يئن أن يحررها، تبعته ودلف بها داخل البيت..أرادت ان تسحب يدها لتصعد حجرتها..ولكنه يتشبث بها بقوة يلقى مفاتيحه غير عابئ بمحاولتها للتملص منه وفي الآخر قالت له بتزمر:

-ممكن بقى تسيب أيدي عايزة أطلع أوضتي .

رمقها بنظرات خاوية من أي تعبير ولم يجيبها بشئ بل خطى وهو يسحبها من يدها التي يبدو انه من كثرة تشبثه بها التصقت في يدها هكذا شعرت صعد بها الدرج، وهي خلفه تجري تصرخ وتعترض وصمته المقيت يخنقها حتى توقفت وأجبرته على التوقف قائلة بنبرة ثائرة:

-أنت ساحبني كده ليه..وموديني فين؟؛

رمقها بنظراته الثلجية وصمته البارد أثارها أكثر ..جذبها مرة أخرى وأكمل خطواته السريعة صوب حجرتها..ما أن فتح بابها ودلف بداخلها وسحبها معه ثم أغلق الباب ..حتى اتسعت عيناها رعبا وهمست بحروف تقطر انزعاجا:

-ف ف في ايه؟؛

أرعبها همسه وهو ينزع رباط عنقه وينزع بذته ويلقي بها على الفراش:

-مفيش حنتعشى هنا مع بعض.

ابتلعت ريقها بصعوبة وتراجعت للخلف عندما رأته يخلع عنه بذته فهمست وأصابعها تتعارك مع بعضها في توتر:

- بس أنا مش جعانة ومش عايزة أكل..وووعايزة أنام.

ظل يقترب منها وهى تتراجع للخلف وهو يتقدم منها حتى اصدمت في خزانة الملابس سجنها بين ذراعيه عندما اتكأ بكفيه على الخزانة  وهمس وهو ينظر في عيناها مباشرة:

-حتروحي فين تاني حتهدي الحيطة عشان تهربي مني..رفع ذقنها بأبهامه حتى يتأمل عيناها الخجلة، تابع بصوت خافت:

-أنتي مكلتيش حاجة في الحفلة..وأنا مرتضتش اكل عشان ناكل سوا..أيه مش عايزة تاكلي معايا؟

ارتعش جسدها لا اراديا واحمر وجهها عندما اقترب بشفتاه كاد أن يقبلها، وقبل أن يحقق رغبته أطرقت برأسها في حياء شديد ..وهمست في وجل:

-ح حاكل.

قالتها حتى تتخلص من غزوه لها انحنت بقامتها ومرت من أسفل ذراعه ،جلست على الفراش ويديها في حجرها في حرب، مطرقة برأسها كأنها مذنبة، ابتسم لخجلها الشديد هذا وكأنها كادت أن تذوب..نادى الخادمة وطلب منها أن تجلب لهما العشاء، عاد يجلس بجوارها على الفراش يرمقها بحب..أثاره خجلها وضعفها أمامه ..زحف بالقرب منها..وهي ظلت تزحف حتى تبتعد عنه ولكنه أمسك يدها ليستوقفها، أقترب حتى التصق بها، ابتلعت ريقها وانكمش جسدها..واقشعر على أثر اقترابه، وعندما همس بالقرب من أذنها ارتفع كتفها رهبة:

-قومي غيري هدومك لحد مايجي العشا:

رددت بصعوبة كأن الكلام محي من لسانها:

-ل ل مش دلوقت.

استطرد بهمسه الجرئ:

-مكسوفة تغيري قدامي

فشلت في أن تنقذ نفسها من محاصرة عيناه فغمغت وصدرها يختلج بداخلها:

-ل لما أكل حبقى حغير .

اقتربت يده دون استئذان من حجابها لتحرره فأبعدت رأسها في حركة عفوية،  تمسك حجابها بيدها تمنعه من تحريره قائلة:

-خلاص أنا حقلعه بنفسي.

ولكنه لم يستمع لها بل راح ينزع حجابها بيده وعيناه تلتهم وجهها..شعرت انه ينزع روحها منها، وما أن تحرر شعرها الأسود الناعم حتى وارى نصف وجهها لثمت عيناه نوعمته، تخلله بأصابعه ثم أبعده وجعله خلف أذنيها، محاوط وجنتيها بكفيه، راح يتلمس خديها بابهاميه، وعيناه تغني لعيناها أغنية الشغف، وظل يقترب بشفتيه، يريد أن يقتطف زهر خديها..وهي تتراجع برأسها تغمض عيناها بقوة..تدمعان  بتوسل لكي يتركها، ولكن كيف يترك نبعا سيروي ظمأه؟  يجذبها من يدها لكي يقرب رأسها التي كادت أن ترتطم برأس السرير،  وجاءت طرقات الباب نجدة لها فأجبرته على تركها وهو يزفر بغيظ زفيرا حارا كأنه خارج من فوهة بركان.

 ودخلت الخادمة تدفع أمامها عربة أعد عليها العشاء..حمدت جومانة ربها في سرها..وضعت يدها موضع قلبها الذي اختلج بين ضلوعها..تدعو الله أن يمرر تلك اللحظات العصيبة على خير..خرجت الخادمة وظلا يأكلان.. شاردة تفكر ماذا سيحدث بعد العشاء ماذا سيفعل بها أعتصرت عيناها بقوة لمجرد التكهن..رددت بداخلها يااارب..ولحسن حظها جاءت له مكالمة اضطرته للاصراف فورا..ما ان اختفى من أمامها حتى تنفست الصعداء..وهتفت بصوت خافت:

-هوووف أخيرا مشي الحمد لله يارب..امتى بقى اخلص منه يااارب خلصني بقى..ثم اطلقت العنان لدموعها ..دموع الخوف..دموع الارتباك..دموع اللحظات الثقيلة التي قضتها بجواره ..وتذكرت أكرم ودت لو تحدثه في تلك اللحظات ولكن كيف..وهو سد عليها كل منافذ الاتصال به.. وظلت تناديه وتهتف باسمه في استغاثة :

-أكرم..أكرم.. اكرم

 ******************************

-صباح الخير

هتفت بها نريمان بثغر باسم تحمل بين يديها صينية الأفطار تضعها أمامه على الفراش هاتفة :

-أنا قلت آجي أفطر معاك قبل ما أمشي.

رد صباحها وهو يتأملها بملابس الخروج فسألها وهو قاطب الجبين:

-رايحة وين عالصبح إكده؟

-رايحة الشغل أنت ناسي أن سامر اتقبض عليه ولازم حد يباشر المحلات.

أومأ على مضض.

-تصور اللئيم كان عايز يمضيني على ورق يثبت أني ساحبه منه فلوس كتتيير قوي.

-أنا من الاول مرتحتش ليه البني أدم ديه

-عامل ايه دلوقت؟

همست بها تحاول أن تخفي زفير الحب الذي كاد أن يعانق سؤالها.

-زين.. الحمد لله.


-أنا ليا يومين مشفتكش..الدكتور استحوذ عليك..بيجي يقعد معاك..ويسيبك بعد ما تكون نمت.

ودت لو تهتف بكل حرارة :

-وحشتني

لكنها ابتلعتها أنه لا ينظر لها، عيناه تجهلها تمام ..لو يلمحها فقط لرأى عينان تفيضان شوقا..لرأى صدر يعلو ويهبط في جنون ..لرأى شفتان تشققتا من فرط الجفاف زفرت بيأس وحاولت أن تستعيد طبيعتها فقالت له:

-مش حتاكل بقى قبل الدكتور ما يجي.

أومأ ..ثم شرعا في الطعام سويا..كانت هي تأكل وعيناها مشغولتان بوجهه الحزين..تتأمل عيناه الحزينة الزابلة..أنفه المستقيم..شفتيه المريضة التي تأكل ببطء ..سماره الذي تعكر بلون أصفر..لون الضعف والمرض، تفاحة ادم تلك التي برزت من جراء وضعفه.

أنه يشعر بعيناها تلك التي تخترقه بسوادها، كأنها تعاتبه عتاب طويل ..تلومه على صمته وبعده عنها..ترجوه وتتوسله عله يرق لكن لا حيلة له..تمتم بالحمد معلنا انتهائه من طعامه، حتى ينتهي من محاصرة عيناها له.

هي الأخرى نطقت بالحمد .. مقوسة شفتيها في يأس هامسة لنفسها "لا فائدة منك" رفعت الصنية وأخرجتها ثم عادت له ترتدى حقيبتها في كتفها ثم سألته:

-أنا حمشي بقى عايز حاجة؟

 -لاه مع السلامة.

نظرت له بحنق أنه يأبى أن ينظر لها..كأنه يريد أن يتخلص منها سريعا.

انحنت وقبلته في جبينه وهي تهمس، سلا......

قاطع همسها قبضتيه اللاتي ضمت كتفيها وأبعدتها عنه محدقا فيها بغضب وتعجب، قاطب الجبين..ضاغطا على كتفيها بقسوة..وبرغم الألم الا انها غاصت في تلك النظرات كأنها تريد أن تعرف ماهيتها..تحللها..هل هي نظرات غاضبة رافضة لتلك القبلة، هل هي نظرات قاسية تريد فعل شئ يخشى منه، تشعر بأنفاسه المتهدجة وكأنه يقاوم شئ ما،  هل يقاومها..أم يقاوم رغبته في تقبيلها، غضبه هذا ماذا يعني؟ هل جرمي عظيم لهذا الحد..الست بزوجي ومن الطبيعي توديعك بقبلة هكذا تساءلت وهي تتعمق في عيناه.

-أنا أسفة مكنتش اقصد ازعجك.

خرجت تلك الجملة محملة بأنفاسها التي لفحت وجهه..ارادت أن تضغط عليه لترى ردة فعله ماذا ستكون؟

وإذ به يلتهم شفتيها بقبلة محمومة.

لا تنكر أنها تلقت تلك القبلة بصدمة فلم تتوقعها..ومع ذلك بادلته اياها في ظمأ كبير،  قطع تلك القبلة طرقات الباب تلاحقت انفاسهما وتشتت الملامح..بلع ريقهما بصعوبة وبالكاد استطاع جماع شتاتهما، توجهت للباب دون ادني كلمة..وجدت الخادمة تعلن عن قدوم الطبيب، تركته وهي تحمل اثار قبلته حتى انها راحت تتلمسها بأصابعها ..تشعر أن أنفاسه مازالت عالقة في رئتيها أغمضت عيناها وهي تعانق نفسها تشعر ببرد بعده .. تتنفس بحب متوجهة الى عملها وكأنه معها.


" أنا ضعفت لييه بس"

هتف بها وهو يصر على أسنانه قابضا على شراشف السرير بغيظ.

دلف الطبيب وهو يلقي عليه التحية وقد لاحظ بحكم مهنته ومن ملامحه المحتقنه أن به شئ فسأله:

-مالك..أنت كويس؟

 -لاه أنا مش زين أنا مخنوج..أنا معرفتش أتحكم في جلبي.

-طيب ممكن تهدى

قالها طبيبه وهو يخرج حقنة مهدئة لكي يحقنه بها..بعد برهة من الوقت.

-هاه هديت

أومأ مالك.

فاستطرد الطبيب:

تحب تحكيلي ال حصل وخلاك تنفعل وتتدايق ولا تكمل.

-لاه نكمل..فالأمر الذي حدث بينه وبين زوجته سوف يحكيه له ولكن ليس الآن.

-تمام ..أنا سامعك.

تنفس مالك بعمق ثم أخرجه على مهل..فتابع وقدر شرد بعيدا.


فلاش باك:.

منذ ذلك اليوم ومالك طفل معذب مع أم تعامله بقسوة..تنهره دائما..تضربه تكرهه وبشدة وكأنه ليس ابنها، طفل صغير يعاني يتساءل عن سر تلك المعاملة السيئة،  ولكنه لم يعثر على أجابة، ما كان يهون عليه والدة صديقه التي وجد فيها أم حقيقية..أم تفنى من أجل سعادة أبنها..تسهر على راحته..أم محتشمة..تصلي لا تقابل رجال غرباء..لا تتحدث بصوت عالي..لا تضرب ولا تقسو..كم تمنى مثل تلك الأم..تعايش مالك مع أمه أو من كان يظنها أمه حتى سار صبي عمره أربعة عشر عاما..في يوم كان يذاكر كعادته عند صديقه..وعائد لبيته وقبل أن يفتح الباب سمع أبيه يصرخ وصوت أمه مرتفع علم أنهما يتشاجران ..تسمر مكانه لم يستطيع الدخول..لا لكي يسمع شجارهما..بل لم يرغب أن يزج نفسه في مثل تلك المشاجرات استند بظهره على الحائط وأراح رأسه يعبث بكتبه التي في يده..وانتظر حتى تنتهي تلك المشاجرات.. كان أبيه يصرخ حتى بح صوته قائلا:

-أنا غلطت أني ادوزتك من الاول كنت فاكرك أكتر واخدة حتخافي على ولدي..لجيتك اكتر حد عذبه انتي متنفعيش تبجي أم.

-يااخي..جرفتني أنت وولدك ياريتك ياشيخ مادوزتني دفنتني معاك ومعاه بالحيا وحرمتني من الرادل ال بعشجه.

القتها في وجهه بكل جرأة.. ولم تبالي بغضبه ويبدو من صوتها الاشمئزاز من تلك الحياة..ونفاذ صبرها.

وبصدمة استطرد ابيه:

-عتجولي ايه..ولما أنتي زهجتي منينا ومن عيشتنا ليه جبلتي من الاول بينا.

وبنبرة تتراقص بتهكم استطردت:

-يعني مش عارف أنا جبلتك ليه..هو أنا كنت ريداك من اصلو مش ابوي هو ال غصبني أدوزك عشان أربي ابن أختي..لكن أنا زنبي ايه ادجوز واحد مبحبوش..اعيش حياة مش حياتي..وأكمل عيشة مش عيشتي..اختي ماتت وهي بتولده..ذنبي أيه أنا أعيش عيشتها..واعيش معاك وأنا مبحبكش ومش طيجاج..ذنبي ايه انا هاه جولي..ذنبي أيييه.


بعد هذه الكلمات اعتدل مالك واتسعت عيناه في صدمة..هذه الأم القاسية ليست أمه..اتسعت شفتيه من السعادة..نعم هو في غاية السعادة هذه الأم السيئة التي تبرى منها بيبه وبين نفسه ليست أمه..أمه امرأة جيدة ماتت وهي تلده راحة شهيدة وجوده في الحياة..لقد ساقه الله ليستمع لهذا الشجار..ليعيد له الحياة من جديد ليعيد له الأمل ، ليشعر من داخله أنه انسان سوي ليس هناك شئ يكسره..أو يستعر منه.

بعد شد وجذب مع أبيه وخالته سمع خطواتها الغاضبة، تتجه صوب حجرتها وقد صفعت الباب خلفها بعنف احتار وقتها هل يدخل بيته فيجلب لأبيه الحزن لو شك أنه سمع شجارهما بل سمع الحقيقة..لذلك فضل أن يتجول في القرية بعض الوقت ثم يعود.


كان سبب الشجار وقتها أنها أردات أن تلحقه بعمل في قرية بعيدة حتى تتخلص منه ومن عيونه التي تحاصرها دائما..وتجلدها بنظراته المحتقرة لها..وبالطبع رفض أباه فهو صغير على العمل  وخشى ايضا على دراساته..

ولكن مالك وافق وجدها فرصة..يبتعد عن تلك العاهرة، انها وباء، وقد أقنع أباه بذلك، وبالفعل

سافر لقرية تبعد عن قريته ساعة اشتغل مع صاحب محل ،ومن حسن حظه أن صاحب المحل كان رجل كريم طيب عامله كأبن له، لقد ارتاح مالك معه كان يعود كل خميس لقريته فقط ليطمئن على أبيه، ولولا أبيه ماكان عاد حتى لا يرى تلك المرأة اللعينة، مكث مالك مع هذا الرجل حتى شب و التحق بالجامعة..وفي أول عام لكليته تعرف على فتاة منتقبة أحبها وجد فيها صورة مثالية لفتاة أحلامه، أعادت له زهوة الدنيا، غيرت حياته ..محت بداخله صورة زوجة أبيه أو خالته ..الصورة السيئة للمرأة التي رآها فيها..أحبها من كل قلبه..ونسج معها مستقبل باهر..لقد بني معها بيتهما بصورة مثالية صورة حلم بها بيت هادئ مبني على الحب والتدين..ولكن كل ذلك ضاع هباءا..لقد اكتشف خيانة تلك الفتاة.. وكان النقاب ماهو الا ستار لسيرها البطال..فهدمت احلامه وضاعت هباءا..ومن هنا كره كل نساء العالم.. بغض كل أنثى، وبات يكره حتى النظر لهن.

 

-ايه تعبت؟

تفوه بها الطبيب عندما لاحظ شحوب وجهه وأحتقانه على أثر انفعاله وتأثره بذكرياته..فأوما مالك ..ناوله الطبيب كوبا من الماء قائلا له:

- خد اشرب واتنفس بعمق واهدى

فعل مالك ما نصحه به.

-بص يامالك.. واسمعني كويس

تفوه بها حتى يلفت انتباهه له ثم استطرد قائلا:

-عقدتك اتكونت بسبب والدتك او خالتك..أنت كنت بتتمنى الصورة الطبيعية لأي أم..الفطرة ال خلقنا عليها ربنا..اي انسان صورته عن امه هي الصورة المثالية..الأم الا بتسهر على راحة أبنائها..وبتربيهم كويس وبتكون قدوة ليهم ومثال للشرف والأخلاق..ولما صورة الأم بتتشوه..بنفقد الثقة في جميع الستات..وده ال حصلك..وال زود عقدتك صدمتك في أول حب ليك..حتى الفتاة ال انت حبيتها كانت في الصورة ال بتتمناها من جواك..ولما اتصدمت فيها..عززت عندك كرهك ليهم..لكن أنا عايزة اقولك أن قانون الدنيا هو الخير والشر..حتى لو كان الشر اكتر..لكن يبقى الخير في الدنيا..ولازم تقنع نفسك ان زي ما في ستات وحشة في كمان ستات كويسة وشريفة ومحترمة زي أم صاحبك الست ال أنت تمنيت أمك تكون زيها.. انت دلوقت يامالك عرفت عقدتك الباقي عليك بقى أنك تطرد احساسك ده من جواك..وتقاومه وتحاربه عشان تقدر تعيش في سلام ..متعيش وأنت بتتعذب بسبب ماضي انتهى.

انا حسيبك تستريح..وبكرة حتكون اخر جلسة لينا..تمام.

أومأ مالك وهو يهتف:

-تمام.

**********************************

دخل مروان الى حجرة جومانة، ومد لها يده بجريدة دارات عيناها بينه وبين الجريدة في عدم فهم فسألته متعجبة:

-ايه ده؟؛

عيناه تلمع بخبث قال لها كأنه يتشفي من أمر ما :

-اقري.

القاها لها ثم تركها..تتلقى الصدمة بمفردها.

ظلت تتصفح الجريدة بعينان متلهفة وقلبها ينبض بجنون ..وأذ بها تتسع عيناها عند خبر معين صورة لأكرم جعلتها تصرخ باسمه في جزع رهييب:

-أكرررررررررررررم.         

         الفصل الثامن عشر من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>