رواية كاره النساء
بقلم سهير عدلي
مقدمة والاول والثاني
امتلأ قلبه بالحقد نحو كل النساء فسار قلبه فظ غليظا لا يعرف للحب سبيلا، كره النظر لهن، وكره رؤيتهن، وكره الحديث معهن، كره حتى كل مؤنث فطردهم من حياته، طردهم حتى من أحلامه.
من سوء حظ ناريمان أن تقع في طريقه، هي المتعجرفة الذي لا يعجبها أحداً وجدت نفسها تقع في حبه، تحب كاره النساء. فهل تستطيع أن تكتسب قلبه؟ ام على يديه ستذوق ويلات
رواية كاره النساء
الفصل الأول:-
وقفت أمام المرآه تضع زينتها واثقة من ذاتها، تدندن مع الأغنية التي تصدح من هاتفها، لتجد الباب يفتح مرة واحدة، وتدلف أمها بثوبها الأسود ذلك الذي يليق بالحداد، سيدة خمسينية نحيفة كحيلة العيون، أنفها دقيق سمراء البشرة تملك قدر من الوسامة، هتفت بضيق وهي تسألها بحركة من يدها:
-لسة يابنتي مخلصتيش ..أبوكي خارب الدنيا تحت ..يلا اخلصي اتأخرنا.
اردفت نريمان وهي تضع اللمسات الاخيرة من مساحيق التجميل على وجهها:
-خلاص ياماما أهو قربت اخلص الله.
وكأن وداد والدتها الآن فقط ، انتبهت لما ترتديه فضيقت عينيها بعدم رضا وصرخت فيها بصوت خفيض:
-أيه يا نانا ال انتي لابساه ده؟
زفرت نانا بضيق وقد رفعت عينيها الى السقف بضجر، تعلم مسبقا القصيدة التي ستلقيها والدتها عليها بشأن ملابسها القصيرة، ودرسها الدائم لها عن الحلال والحرام لتهمس بلا مبالاة وقد شرعت في تسوية شعرها:
-يووه ياماما بقى.
- يابنتي ده لبس تلبيسه في عزا ..جيبة قصيرة، وبلوزة من غير أكمام..أنتي اتجننتي، احنا رايحين بلد أرياف أمتى حتعقلي بقى.
لم تبالي ناريمان لثورة أمها بل انتهت من زينتها واخفت عيونها السوداء خلف نظارتها الشمسية، وتخللت شعرها باصابعها في حركة لتصفيفه ثم التفتت لوالدتها وهمست بلا مبالاة:
-أنا جاهزة.
قوست وداد فمها بعدم رضا تشيح بوجهها يمينا ويسار في قلة حيلة وقالت وهي تخرج من باب الحجرة:
-أنا تعبت منك بقى أما أشوف أبوكي بقى حيقول ايه؟
هزت نريمان كتفها بلا مبالاة ولحقت أمها بخطوات مدللة.
كان أبيها الحج خالد الذي مازال يحافظ على عادات بلدته وتمسكه باارتداء الجلباب (البلدي)، وذلك الوشاح الذي يلقيه على كتفيه، ذو شارب يقوي مظهره الصعيدي..واقف أمام السيارة في انتظارهم، وما إن رآهما خاصة ابنته ناريمان حتى تجهم وجه واشتعلت عيناه بغضب.
ماذا يفعل معها الآن؟
هل يصرخ فيها ويأمرها لكي تبدل ملابسها؟
هل يصفعها ويسبها ويؤمرها أن تعود لكي تبدل ملابسها؟
يعلم أنه لن يفعل، وساعده على ذلك ضيق الوقت فقد كان لابد لهم أن يتحركوا سريعا حتى يحضر دفنة أخيه، فما كان منه الا أنه زفر بضيق وعدم رضا ثم فتح باب السيارة الأمامي وجلس بجوار السائق..أما ناريمان فأخفت بالكاد ابتسامة ثقة.. تعلم مسبقا أن أبيها لن يتخذ رد فعل حيالها، ترجلت الى السيارة وقد أشاحت بوجهها تنظر للنافذة متحاشية نظرات أمها المتقدة، وقد شعرت أنها بعد قليل سوف تهم بصفعها.
وصلوا أخيرا وكان في استقبالهم مالك الذي ترك نفسه لعمه يحتضنه بود مفعم بأسف على رحيل أخيه الغالي، تغير وجه مالك عندما أبصر ناريمان أبنة عمه بمظهرها الفاضح هذا وأشتعلت عيناه الزيتونية، في غضب أسود كاد أن يحرقها سخطا، حتى انه تجاهلها ولم يسلم عليها وتخطاها وسلم على زوجة عمه .. فكظمت ناريمان غيظها بالكاد ولولا أنها في مناسبة عزاء لكانت صفعته بالكلام.
عادا الحج خالد وابن أخيه من المقابر بعد توديع أخيه الوداع الأخير قبل أن يواريه التراب..وفي (صوان) العزاء الذي نصب أمام البيت وقف مالك بجوار عمه يأخذ عزاء أبيه..أما نريمان ووالدتها دلفوا الى المنزل فكانوا في استقبالهم نساء العائلة، بزيهم الأسود الصعيدي، تلك العبايات السوداء التي يرتدنها النساء في مثل هذه المناسبة، يصرخون ويولولون على الفقيد، مما أثار انكماش جسد نريمان وتراجعت حينما احتضنوها بطريقة مبالغة، هي ووداد أمها ..وقد جلسوا في حجرة واسعة ، كانت مفروشة ببساط ريفي يسمي( كليم) وهو السجاد اليدوي يصنعه بعض الفلاحين كحرفة يدوية..وآرائك، تسمى (كنب) حوائط الحجرة كئيبة بلونها الرمادي، ادخل على قلب نريمان الضيق، تهز قدمها التي تضع واحدة على الأخرى بضجر وتوتر.
-ايه القرف ده؟ هو أنا اتجننت عشان آجي هنا في المكان المقرف ده..يععع وناس مقرفة هي كمان، استغفر الله العظيم يارب، امتى بقى نغور من هنا.
هكذا حدثت نفسها وهي تلوي فمها باشمئزاز، مما أثارات دهشة النساء اللاتي لاحظن غرورها وتكبرها، فأخذوا يتهامسون فيما بينهم، حتى ان وداد شعرت بالحرج من تصرف أبنتها الأرعن فهمست بجوار أذنها:
-ايه يابنتي ال عملاه ده نزلي رجلك ميصحش كده..ومال وشك باين عليه القرف.
فهمست ناريمان بضجر وقد فاضت بها حتى ان صوتها كاد يعلو:
-بقولك أيه ياماما سبيني في حالي..أنا مش طايقة نفسي اصلا وياريتني ما كنت جيت معاكم.
فزفرت وداد بقلة حيلة ودعت الله في سرها أن ينتهي هذا اليوم على خير.. خاصة بعد همس النسوة لبعضهم وقد عبرت وجوههم عن استيائهم من عنجهية ابنتها وتكبرها.
انتهى العزاء وانصراف المعزون، وفي حجرة الضيوف جلس مالك وعمه خالد وقد كساهما الأرهاق والتعب.. ينظر خالد لأبن أخيه الذي احتل الحزن ملامحه فربت على ظهره هامسا بموساة:
-شد حيك يامالك انت راجل وجدع وعارف أنك أجوى من أي محنة، ربنا يبارك فيك ياولدي وبعدين أنا موجود اها ابوك مماتش، اجرا له الفاتحة واترحم عليه.
ابتسم مالك له بامتنان ونفض عنه ثقل همه في زفرة حارة بعدها أردف:
-ربنا مايحرمني منيك ياعمي طبعا أنت عوضي عن أبويا الله يرحمه.
- وناوي تعمل أيه دلوكيت؟ بعد عملة أمك الله يسامحها.
ابتلع آلامه الرهيبة ثم همس بحيرة:
-مش عارف ياعمي.
وضع خالد يده على فخذه حتى ينتبه له ثم اردف:
-انضر ليا يا ولد اخويا زين..عمك كبر بقى عضمة كبيرة، وربنا مرزجنيش بولد يجف في ضهري، ويشيل عني الحمل، أنا دلوكيت محتاجلك، عايزك تبجى معايا في البيت والشغل..جلت إيه ولدي.
تلك النبرة التي تحدث بها عمه المليئة بالعجز والرجاء، جعله يشعر أنه بالفعل في حاجة اليه، هو ايضا في حاجة الى عمه بعد الذي حدث، شعوره بالوحدة، وأنه جذع جث من شجرة وحيدة ذلك يجعله في أمس الحاجة لوجوده بجانبه، يشعر أن أوتداده كلها مزقت، أصبح غريب في عالم جاحد.
قطع عمه صمته وهو يسأله بصوت يرجوه أن لا يرفض:
-ها يا ولدي جلت اييه؟
ابتسم مالك وهو يجيب:
-تحت أمرك ياعمي اعتبرني من دلوك ولدك.
اتسعت ابتسامة خالد الممتنة فربت على ظهره وقال:
-ربنا يبارك فيك ياولدي..انت من إهنيه ورايح ولدي ال مخلفتوش..وبعد تالت يوم العزا نشد رحالنا ونعاود على مصر.
زفرت نريمان في راحة فاخيرا سوف تعود لبيتها..لحجرتها التي اشتاقت لها، لحريتها المسلوبة وترك هذا البيت الموبوء بالحشرات المرذية..مثل الناموس، والبق، اللذان أرق منامها كانت اسوء ليالي قضتهت في حياتها، ارتدت ثوبها القصير، وتوارت عينيها خلف نظارتها..وهمست لأمها:
-يلا بقى ياماما أنا زهقت مش قادرة أستنى ثانية واحدة في المكان المقرف ده.
- الصبر يابنتي، أبوكي راح هو وابن عمك يمونوا بنزين وراجعين ..عشان نمشي كلنا سوا.
اتسعت عيناها عند الجملة الأخيرة فسألت امها بنبرة صادمة:
-نمشي كلنا سوا ازاي؟ هو..هو ابن عمي الجلف ده جاي معانا؟؛
فضلت وداد أن لا تعلم ابنتها بأمر اقامة ابن عمها الدائمة معهم كما اخبرها زوجها أمس..فليس لها روح للمجادلتها عندما تعود للبيت سترضخ حتما للأمر الواقع..فتداركت وداد نفسها قبل أن ينزلق لسانها وتخبرها فقالت لها:
-ايوة جاي معانا عشان يوصلنا، وسبيني بقى خليني أكمل لبسي.
-آه بحسب .. يباي عليه صعيدي خنيق دمه يلطش.
اتكأت على السيارة تتأفأف في قلة صبر تنقر بأصابعها على بابها وهي تنظر لبعيد ، وأخيرا لمحت ابيها وذلك الجلف كما تسميه يقتربان فزفرت في راحة وهي تهمس لنفسها:
-أخيرا وصلوا وحنروح بقى.
لكن أباها رمقها بغضب عندما لمحها بثيابها القصيرة فأحس بالحرج خاصة عندما التفت لابن اخيه فوجد ملامحه مستاءة من مظهر ابنته وعن غير عادته قبض على ذراع ابنته بقسوة قائلا وهو يكذ على أسنانه:
-أيه اللي انت لابساه ده ..مش كفاياك فضحتيني في البلد غوري غيري خلجاتك والا منتيش مروحة ألنهاردة.
على الرغم من مفاجأتها من ردة فعل أبيها التي لم تتعود منه هذه الفظاظة قط.. الا انها شعرت برجفة في قلبها، فاردفت بعناد غلب طبعها:
-ايه يابابا مهو ده لبسي العادي، و..وبعدين أنا مجبتش لبس تاني غير ده.
كاد ابيها أن يصرخ بها لكن قاطعه مالك وهو يقول بصوت ثابت، قوي، وعينان تملؤها التحدي:
-بعد أذنك ياعمي.
صمت خالد وانتظر ماذا سيفعل أبن أخيه فتبادل هو وزوجته نظرات الاستفهام..وجداه يدخل الى البيت جالبا (عباءة) سوداء ثم اعطاها لابنة عمه وهو يقول لها بجمود:
-أقبصي العباية دي واشلحيها.
كانت عيناه مليئة بانذار مخيف شعرت ان لم تتطاوعه سوف يلكمها أو يقتلها، شئ فيهما جعلها تخشاه..ومع ذلك أخفت كل ذلك وهي ترتدي وجه شجاعة مزيف وتقول بعناد:
-ايه أقبصي دي معناها أيه ..والعباية دي أشلحها ازاي بقى؟
-فأجابها ابيها وهو يخفي أبتسامة فقد تخيل مظهر أبنته في العباءة وتساءل كيف سيكون:
-اقبصي يابتي في لهجتنا معناتها أمسكي وأشلحي العباية يعني البسيها.
-اييييييييه أنا ألبس البتاعة دي؟؛
صرخت بها نريمان وعلامات الأشمئزاز على وجهها وكأنها تمسك في يدها شئ مقزز ..حتى أن أمها التفتت بوجهها بعيدا لتخفي ضحكة كادت أن تفلت منها على مظهر ابنتها، تصرف امها زاد من غيظها فألقت العباءة أرضا وفتحت باب السيارة لنجلس فيها وقالت بتصميم:
-أنا مش لابسة البتاعة دي ويلا بقى نمشي من هنا عشان زهقت.
لم يبالي مالك لغضبها أنما أوقفها قبل أن تترجل السيارة وهمس بجوار أذنها بصوت كأنه سياط الويل:
-شوفي يا بت عمي لو ماشلحتيش العباية دلوك هيجابلونا مطاريد الجبل ويبندكوكي بالنار ويبندجونا معاكي..لأنهم عدوهم لما يلاجوا حريم عريانة زي حلاتك اكده فاستري نفسيك أحسنلك.
ابتلعت نريمان ريقها بصعوبة وقد اتسعت حدقتيها بخوف، وقد صدقت ادعائه فجذبت منه العباءة بحركة عنيفة وانصرفت مضطرة حتى ترتديها، بعد انصرافها ضحكا ابيها وأمها وقال خالد وهو يضرب مالك على كتفه:
-يخرب مطنك يامالك خليتها صدجت وخافت.
-مكانش جدامي غير اكده ياعمي..
قالها مالك ثم صمت مترددا فحثه عمه على أن يبوح بمكنون صدره بعد ان همس له:
-سكت ليه ياولدي كنت عايز تجول ايه وبعدين اترددت.
- أنا..مستغرب بس ياعمي معاملتك الطرية دي ليها معرفش عنيك اكده.
فزفر خالد بأسف ثم همهم قائلا:
-هييييه يا ولدي بكرة تعرف كل حادة ساعتها يمكن تعذرني.
بعد جملته الأخيرة جاءت نريمان وهي متزمرة، على وجهها غضب الدنيا كلها.. متأففة من تلك العباءة التي ترتديها وكأنها أصبحت أرجوزا، لم يعقب أي فردا منهم على مشهدها، حتي يتقون عصبيتها، اكتفوا بابتسامة ولكن امها همست لها في أذنها
-والله شكلك حلو فيها.
فهمست نريمان لامها وهي تكذ على أسنانها:
-ماما من فضلك سبيني في حالي دلوقتي انا مش ناقصة تريقة وعلى أخري.
فنظرت بحقد لمالك الذي كان السبب في ان ترتدي تلك العباءة، والذي كان يتفحصها في المرآه، ظنته متشفيا فيها، لكنه كان يقول في نفسه:
-مالها العباية عفشة اكده، مش أحسن من جميص النوم ال كنتي شلحاه..أباااي عليكم نسوان عايزة الحرج.
أشاحت بوجهها نحو النافذة وهي تسبه وتلعن اللحظة التي قررت فيها، الذهاب معهما تلك الجنازة فتلتقي بذلك الجلف ابن عمها، ولكنها توعدته.
-حمدالله على سلامتك ياولدي نورت بيت عمك.
قالها خالد باابتسامة تتلألأ على شفتيه ونظرة ود تحتضنه.
فبادله مالك نظرته بنظرات حب وأمتنان هامسا:
-البيت منور بيكم ياعمي.
وبكلمات مفعمة بغيظ خرجت من بين أسنان نريمان لتعكر هذا الود:
- والله أنا حاسة أن النور انطفى مش عارفة ليه.
ثم أكملت وهي تنظر له بقرف:
-عن أذنكم أنا طالعة أوضتي.
قالتها وهي تخطوا خطوات ناقمة.. جعلت مالك يزفر بضيق شاعر أن ابنت عمه لا ترغب في وجوده.
فربتت زوجة عمه على ظهره قائلة وقد أحست بما يدور في نفسه فهمست بحنان:
-يلا يابني متاخدش عليها دي طايشة..روح اوضتك استريح شوية تلاجيك تعبت من السفر..روح ياخالد وريه أوضته عالبال ماحضرلكم العشا.
- حاضر.. يلا ياولدي.. بجولك ايه متزعلش ياولدي منيها لما تعرفها زين تعرف أنها طيبة بس هو لسانها متبري منيها.
قالها خالد وهو يربت على ظهره حتى يسترضيه ثم اصطحبه صوب حجرته.
الفصل الثاني
بقلم سهير عدلي
فتحت باب حجرتها بحركة عصبية تخلع عنها تلك العباءة التي فرضت عليها ملقية بها على الأرض، وداعسة عليها بقدميها وكأنها تسحق من كان السبب في ارتداؤها بالأكراه، تخصرت بيديها ، جسدها كله يهتز بعنف لاعنة ذلك الوغد الذي قهرها هامسة لنفسها:
-كان ناقصني سي مالك ده كمان ..طلع لي منين ده بس ياربي.
ثم عضت على ابهامها بكل غيظ الدنيا ثم تابعت همسها المفعم بالضيق:
-أنا يتحكم فيا جلف زي ده..ويلبسني العباية بتاعة الأشباح دي طيب ياجلف انت إن ماوريتك.
وعندما شعرت بسخونة جسدها واضطرابه بفعل غيظها أخذت نفسا عميقا، وأخرجته على مهل وراحت تهدئ نفسها تتمتم وهي مغمضة العينين:
-اهدي..اهدي يا نانا..مش مستهلة تتنرفزي بسبب واحد زي ده.. اهو تلاقيه غار على بلده وتستريحي منه بقى..هووووووف.
أبدلت ثيابها بثياب منزلية مريحة، تلك الملابس التي تعودت ارتدائها تكشف ذراعيها وساقيها تتجول بأريحتها في منزلها، بعد أن ألقت نظرة أخيرة على صورتها في المرآه فتحت باب حجرتها وهمت بالخروج فاصطدمت بوالدتها، تلك الأخيرة التي عندما رأتها دفعتها الى داخل حجرتها برفق وهي تقول لها بذهول:
-رايحة فين بلبسك ده ابن عمك لسه تحت ميصحش تنزلي قدامه باللبس ده.
جحظت عينيها بفزع وهي تهمس وقد لوت شفتيها باشمئزاز :
- ننننعم ابن عمي مين ده اللي تحت هو مغارش لسة من هنا.. دانا قلت مشي من بدري وريحنا من سحنته النكد دي.
-يا بنتي عيب ال بتقوليه ده ..ده مهما كان ابن عمك بردو.
ثم تحمحمت والدتها وترددت الكلمات في حلقها فقد خشيت ردة فعل ابنتها، ويبدو أن نريمان لاحظت تردد والدتها فقالت لها بتساؤل مريب:
-في ايه ياماما مالك مترددة ليه كأنك عايزة تقولي حاجة وخايفة.
عدلت والدتها من حجابها بحركة مرتبكة قبل أن تقول بتردد:
-أصل ..أصل ابن عمك يعني حيقعد معانا عالطول.
انتفضت بغضب قائلة بصدمة:- إييه؟ يعني ايه يقعد معانا عالطول ازاي يعني مش فاهمة؟؛
قالتها نريمان وهي ترمش بأهدابها في عدم تصديق.
جذبتها والدتها من ذراعها وأجلستها عنوة على فراشها علها تحد من غضبها.
-اقعدي يا نريمان واهدي كده وسيبك من عصبيتك دي..اخذت نفسا عميقا تستعين به و الصبر على ابنتها ثم تابعت:
-ابن عمك يابنتي في محنة ضاع منه كل شئ، بيته وفلوسه وأرضه، أبوكي طبعا مكنش ينفع يسيبه ولا يتخلى عنه، عشان كده عرض عليه انه يجي يعيش معانا ..وكمان عشان يساعده في شغله.. أبوكي كبر يانانا ولازم حد يشيل عنه الحمل فاهمة.
هتفت نانا بعد ان نزعت يديها من تحت يدى أمها اللتان كانتا مستقرتان تحتهما بحركة قوية غاضبة:
-وأنا مالي ومال الفيلم الهندي ده ياماما، بابا يساعده ولا يطبطب عليه.. أنا مالي..ذنبي أيه أتحمل غلاسته ليه... ويكتم على نفسي ليه… ليل ونهار أنا مش طيقاه ..مش طيقااااه.
قالت كلاماتها الأخيرة بصوت عالي مفعم بكل كرهها له وكأنه عدوها اللدود..ثم نهضت بغضب وقالت باصرار وعزم وتصميم :
-أقولك .. أنا حنزل أقوله كده بنفسي ..هقوله اني مش طايقة سحنته العكرة دي..وأتطرده كمان من بيتنا عالله يحس على دمه ويغور من هنا…. قال يقعد عندنا قال.
ولكن قبل أن تخطو خطوة واحدة جذبتها والدتها من ذراعها وأغلقت باب الحجرة فنهرتها بشدة قائلة بغضب:-
-تعالي هنا رايحة فين..أنت اتجننتي؛ يظهر أننا دلعناكي زيادة عن اللزوم..خلاص مفيش حد قادر يوقفك عند حدك يعني..وصلت بيكِ الوقاحة إنك تحرجي أبوكي قدام ابن عمك وتصغريه..اخص عليكي، ابوكي مديكي كل الحرية عشان بيحبك وخايف عليكي تقومي تعملي فيه كده، أنا عارفة انك مستهترة وعنادية، لكن مكنتش أعرف انك بالأخلاق دي معقولة انت ناريمان خالد محجوب.. الراجل الصعيدي الشهم اللي كل الناس تحلف بأخلاقه العالية تعملي فيه كده؟
كلمات أمها أوجعتها جعلت الخجل يصفع كبرياؤها، ومع ذلك أخفت حرجها من نفسها ومن والدتها خلف عنادها، فصرخت في امها حتى تكف عن جلدها بتلك الكلمات الصادمة:
-يووووه ..ما خلاص بقى يا ماما..ويلا بقى لو سامحتي اخرجي بره اوضتي وسبيني لوحدي.
لم تصدق أمها ما تفعله وأن يصل بها الأستهتار لهذا الحد..ظلت تتأملها طويلا بأسف قبل أن تتركها وتصفع الباب خلفها بغضب.
أما هي فظلت تزفر بغيظ وغل تفكر كيف
(تعكنن) على ذلك الجلف..فهمست لنفسها:
-ماشي وربنا لخليك تندم على اليوم اللي جيت فيه البيت ياجلف أنت.
فضربت فخذها ضربة ويل ووعيد له.. ثم فجأة لمعت عينيها وابتسمت ابتسامة خبيثة تنم على انها تنوي على فعل شئ في ابن عمها ترى ماذا ستفعل تلك الشقية.
***************
كان شارد الذهن يستند بذقنه على كفه يفكر في حاله، كيف صار؟ وكيف ستكون حياته في بيت عمه؟ وكيف سيكون المستقبل مع تلك العائلة التي احتضنته؟ وذلك الماضي الذي يؤرقه ويطارده ككابوساً يكاد يزهق روحه؟ زفيرا حارا خرج من صدره كرياح حارة هبت جراء عواصف غاضبة، اخرجه من شروده صوت طرقات على حجرته، فقام وفتح واذ به عمه يدخل وهو يبتسم له مردفا:
-ايه يا ولدي مدليتش ليه مرات عمك جهزت الوكل وتلاجيه برد.
قال وصوته يشوبه الحزن:
-مليش نفس ياعمي صدجني أنا شبعان.
فصاح عمه به بضيق:
شبعان كييف ياولدي، انت من الصبح محطتش حاجة في خاشمك واصل.
ثم ارتفع صوت خالد بحمية الصعايدة:
-طب عليا الحرام من بيتي ان مدليتش تاكل معانا لا.....
فقاطعه مالك وهو يرفع يديه أمام فم عمه حتى لا يكمل يمينه:
-لاه..لاه.خلاص ياعمي متحلفش أنا حدله وياك وأتعشى من غير ما تزعل نفسيك.
فقال عمه وهو يسير بجانبه:
-يلا يا ولدي مش عايزك تحس أنك غريب إهينه..أنت في بيت عمك يعني بيتك ياولد أخوي.
كلمات عمه ومدى سعادته في وجوده بجواره خفف عنه كثيرا، حتى زوجة عمه سيدة محترمة وودودة ترحب به كثيرا، ما يؤرقه هو ابنة عمه تلك الفتاة المدللة المستهترة التي تعيش بدون رابط ولا حاكم ..نظر لعمه نظرة جانبية كأنه يلومه على ضعفه أمامها وعلى تفريطه في تدليلها، ولكنه قرر بينه وبين نفسه أن هذا شئ لا يخصه ولا يعنيه في شىء وانه سيتحاشاها تماما وسيتجاهلها.. سيركز فقط في مستقبله وفي عمله مع عمه.
على طاولة الطعام استقبلته زوجة عمه بإبتسامة ترحيب هامسه:
-اهلا بيك يابني..انت لسة حاسس انك غريب؟ ده بيت عمك يعني بيتك بالظبط.
-لساتني جايله إكده يا ام ناريمان.
هتف خالد بذلك وهو يربت على ظهر ابن اخيه في ود.
فقال مالك بنبرة مفعمة بالحياء من فرط الترحاب الذي يغدقانه عمه وزوجته عليه:
-تسلمي يامراة عمي ربنا يبارك في عمرك..ويخليك ليا يا عمي وميحرمنيش منيك.
لحظات ود صادقة..قطعتها ناريمان بهلتها المتعجرفه، وحركاتها المطعمة بالغنج المتعمد ،وابتساماتها التي تزهو بالخبث على شفتيها ..جلست على مقعدها وهي تهمس بصوت متعالي:
-هاي.
ماتت الضحكة على وجوه الثلاثة، وشحبت سحنتهم وهذا ليس بسبب غنجها المبالغ فيه ولا غرورها، لكن بفضل ملابسها الفاضحة وتبرجها الزائد عن الحد، فكانت ترتدي ما يسمى( بالشورط الجينز قصير عند ركبتيها ..وقميصا أبيض بكرنيش يلتف حول كتفيها وخلف ظهرها يتدلي منه دانتيلا أبيض، وقد اطلقت شعرها للعنان متمردا على وجهها بتموجاته المبعثرة.
منظرها ألجم الجميع جعلا والديها يغرقان في حرجا وخجلا من فعلتها، أما مالك فقد استاء كثيرا من صورتها تلك حتى أنه شعر بالغثيان، طأطأ رأسه حتى يتحاشى النظر لها، تبرجها وملابسها وحركاتها..جعلت اعصابه تثور وقلبه ناقما عليها كل شئ فيه يحفزه على أن يقوم ويهم ليصفعها بل لديه رغبة في أن يكسر عظامها تكسيرا حتى تتأدب…. على الأقل في وجوده.
اما نريمان فلم تبالي بل نظرت له بجرأة وبنظرات متشفية أنها تعلم أنها نجحت في استفزازه، وبالكاد اخفت ابتسامة وهي تراه وقد طأطأ رأسه وعيناه مثبتتان في طبقه حتى همست وهي تضحك في داخلها:
-أحسن خليك متذنب كده زي التلميذ الفاشل.
ابتلع خالد حرجه وربت على ظهر أبن أخيه وهو يهمس له حتى يلهيه عن فعلة أبنته:
كُل…. يا ولدي.... كُل.
تناول مالك ملعقته وبدأ يشرع في الطعام عله ينتهي من هذا الموقف العصيب، وما ان ابتلعه حتى نهض بحركة مفاجأة كادت أن تقلب الطاولة بما عليها من طعام.. وظل يسعل بشدة حتى احمرت عيناه وأدمعت، وانتفخ وجهه يحاول أن يجلب الهواء داخل فمه براحتيه.
-مالك ياولدي حوصلك ايه..الوكل ماله فيه إييه؟
تفوه بها خالد بنبرة تقطر انزعاجا وهو مندهش لما طرأ لابن أخيه وقد ظل يضرب على ظهره بخفة حتى يلفظ الطعام مرة أخرى عله يستريح.
هتف مالك بصوت بح من فرط النار التي شعر بها قد شبت في فمه وحلقه:
-يا ابوي..يا ابوي..الوكل حراج جوي.. جوي..كله شطة. ايه ديه..يا ابوي.
حتى وداد همست وهي تتناول كوب ماء لتعطيه له :
-اسم الله عليك يابني خد اشرب الميه.
أما نريمان لم تستطيع كتم ضحكاتها وهي ترى ذلك الجلف كاد يموت ويختنق جراء الشطة التي وضعتها خلسة في طبقه عندما ذهبت للمطبخ و سألت الخادمة علي طبقه وعندما أشارت عليه..فطلبت منها أن تجلب لها شئ ما وبسرعة وقبل أن تراها وضعت الشطة الكثيرة على الأرز وخرجت كأنها لم تفعل شيئاً.
فنظروا الثلاثة لها نظرات نارية عيونهم تلومها أشد اللوم على فعلتها.
أجبرت وداد ابنتها على النهوض ودفعتها أمامها بعيدا عن حجرة السفرة بغيظ توبخها وتعنفها بشدة:
-ايه ال بتعمليه ده ..انت اتجننتي ايه شغل العيال بتاعك ده .
فاردفت نريمان بكل برود والضحك مازال عالق في فمها:
-ايه ياماما هو أنا عملت ايه الله.
هزتها من ذراعها بغضب ولامتها قائلة:
-عملك أسود ومنيل..كل ده وعملتي ايه؟ انتي مش حتسكتي غير لما تجلطي أبوكي.
لم تبالي نريمان بغضب امها ولا تعنيفها لها، انما وقفت أمامها وحدقت في عيونها بتحدي قائلة:
-بقولك ايه ياماما انتوا فارتضو الجلف ده عليا وانا مش ممكن هستسلم لده..وديني لهطهقه في عشته واخليه يندم على اليوم ال اتولد فيه وان ممشيش بكرامته أنا بقى ال حطرده من هنا صراحة. أنا مش هسمح لحد يقيد حريتي في بيتي ويغير نظام حياتي.
ثم تركتها واتجهت صوب حجرتها بخطوات غير مبالية، تاركة أمها خلفها تستشيط غضبا من أفعالها.
بعد أن هدأت البراكين التي شبت في فم مالك وقد استعان بالعصير المحلى وشرب الماء الكثير..ذهب الى حجرته وكان معه عمه خالد وقد نوى أن يرحل حتى تستريح ابنة عمه وبالفعل بدأ في تجهيز اغراضه ..فسأله عمه باستنكار:
-بتعمل ايه يامالك يا ولدي.
فهمس مالك وهو يلملم حاجياته في حقيبته:
-لازمن أمشي ياعمي من اهنيه..شكلي إكده..وجودي مش جاي على هوى بت عمي.
زفر خالد بضيق..لقد وضع أمل كبيرا على ابن أخيه في أن يعدل ميزان ابنته الذي أختل بفضل تدليله المفرط لها، ولكن مازال يراوده الأمل.. هو على يقين انه لن يصلح حال ابنته غير واحد في شخصية مالك وحزمه.
- مالك ياولد اخويا عايزك تسمعني زين.
تفوه خالد بها وهو يجذبه من ساعده ويجلسه على مقعد في حجرته ..وجلس هو على المقعد المقابل له..ثم حدق فيه وهمس بجدية:
-آني مش حغصب عليك تكعمز ويانا غصبن عنيك..لكن عايز اتحدت وياك في شوية أمور إكده بعدها اعمل ما بدالك، آني وأبوك الله يرحمه بجالنا مدة طويلة متجاطعين عن بعض..والسبب في إكده أمك..الله يسامحها بجى
عشان إ كده أنت مخبرش حياة عمك عاملة كييف، لما اتجوزت انا ومراة عمك فضلنا خمس سنين منخلفش..وصبرنا على جدر ربنا، لحد ما ربنا اراد ان مراة عمك تحبل لكنها سقطت بعد الشهر التالت، وبرديك صبرنا وجلنا الحمد لله. تلات مرات ..ومراة عمك تحبل وتسجط..تحبل وتسجط، لما خلاص تعبنا وفاض بينا، فجلنا خلاص يظهر ان رابنا اكده مش رايد لينا بالخلفة فطلعنا الموضوع ده من راسنا.. وكمان خفت على مراة عمك من كتر السجوط عشان عفش عليها ممكن ياخد أجلها..الحكمة جالت اكده، لكن ربنا كرمه كبير جوووي جوي..رحيم على عباده رزقنا بناريمان بعد عذاب وخوف يجطعوا المصارين، لكنها يا جلب ابوها اتولدت بعيب خلقي في القلب أيوتها حركة عفشة عليها أيتها انفعال يجيب أجلها عالطول ..عشان إكده مكناش بنجولها لاه واصل.. فدلعناها جوي، من كتر خوفنا عليها، وعشان هي وحيدتنا، وجات بعد عذاب مكناش نجدر نرفضلها طلب، لكن بعد ما نشف عودها شوي، سوينا ليها عملية، والحمد لله بجت زينه دلوك وطبيعية كيفها كيف البنته ال زيها..لكن بعد أيه، بعد ما خلاص عجينتها اتسوت على العند والغرور، وراسها بجت انشف من الحجر..واديك ناضر كيف عمك كبر وبجى عضمة كبيرة والمرض هده..وهي بت يعني شوكة في ضهري، وعاري..لو كانت ولد مكنتش عونت همه اهو مهما كان برديك رادل ميتخافش عليه..انما بت عمك أسوي كيف معاها. وانت يامالك ولد عمها يعني دمك ولحمك وعرضك برضك.. أكيد حتساعدني وتحافظ عليها..جلت ايه يا ولد اخوي؟
لقد وصلت رسالة عمه إليه..نبرته الأسفة على حال ابنته وهو يحكي، صوته المتوسل اليه ويستجديه، ضعفه البادي في كل حرف وهو يسرد معاناته جعله يفهم أنه يوكل اليه تربية ابنته من جديد، وترويدها، وتقويم شخصيتها الجامحة.. آه ياعماه لقد أوليتني مسئولية جسيمة، كيف تريدني أن أتعامل مع واحدة من بنات حواء، كيف أتعامل مع جنسهن وأنا أبغضهن جميعا وأبغض حتى النظر لهن..لوكنت طلبت مني أن أتعامل مع عدوي لكان اهون من التعامل مع ذلك الجنس المخادع..لا..لا انها مهمه ثقيلة ..وأنا في غنى عن تلك المتاعب.
عندما طال شرود مالك وهو ينظر للأرض نهض عمه وقد شعر بعدم قبوله لتلك المهمة فربت على كتفه وأردف قبل أن يخرج:
-على راحتك ياولد اخوي أنا مش حغصب.. عليك تصبح على خير.
فتحت نريمان باب حجرتها بهدوء وحذر تتفقد ما حولها، فوجدت أبيها قد خرج من حجرة ابن عمها..فانتظرت حتى اختفى ثم مشيت على أطراف أصابعها وأمام حجرته عدلت من ( بلوزتها) ورفعت رأسها بكبرياء وفتحت باب حجرته دون حتى أن تستأذن، مما جعل مالك يحدق فيها غير مصدق وقاحتها تلك بل جرأتها..كيف لها أن تدخل عليه دون استئذان..ولم تعمل حساب أن يكون في وضع قد تخجل أن تراه فيه..ولكن كيف لتلك أن تعرف الخجل أن الحياء نزع من وجهها.
وجدته يجهز حقيبته فابتسمت بتشفي وعلمت أنه اخيرا سيرحل ذلك الجلف عنها، فقالت وهي تقبل عليه وقد وضعت يديها في خصرها تخطو في تؤدة وقد همست بكلمات تقطر وقاحة:
- الله ..أنت حترحل من هنا أخيرا..كويس.. آه متبقاش تيجي عندنا تاني.. تصدق أنا كان نفسي اجيب قلة واكسرها وراك..مش في بلدكم اسمها قلة بردو… اووول لا لاهه.
ثم ضحكت ضحكة أودعت فيها كل عجرفتها وعدم ذوقها..بعدها همت أن تخرج وقد أولته ظهرها تودعه بأصابع يدها في حركة متعالية هامسة في غنج مستفز:
-باااااااي.
كانت كلماتها تحفز اشمئزازه منها أكثر واكثر وتعلي بغضبه لها بل للنساء عموما اكثر وأكثر، ويتساءل بخيبة كيف انفلت عيار اخلاقك يا ابنة عمي الى هذه الدرجة، الله يسامحك ياعمي، خوفك الهيستري وتفريطك في تدليل ابنتك جعلوك تنتج للعالم مخلوقة متعجرفة غبية.. هل
ينقص عالم النساء المنحط مثل تلك المغرورة؟
ولكن هل سيتركها تطيح في العالم هكذا اقسم بالذي رفع السموات وسواكن من ضلع أعوج لأعيدن تربيتك يا ابنة عمي من جديد..وبعد أن ألقت في وجهه عفن غرورها وقبل أن تخرج لحق بها سريعا وجذبها من ذراعها بقسوة ثم أغلق الباب، ودفعها نحوه وألصق ظهرها به بدفعة مؤلمة حتى أنها أصدرت أهة ألم ولكنها لم تستطيع النطق، حدقت فيه بدهشة..أين غرورها وعجرفتها الآن لقد ذابا تحت قبضة يديه اللاتي جعلت يديها في مستواى كتفيها وكلما تأوهت ضغط بيديه عليهما حتى تتألم أكثر وأكثر..لأول مرة في حياتها تعرف الخوف، وتشعر بأن جسدها كله يرتعش.. انه يقترب بوجهه من جهها حتى لم يفصلهما غير أنفاسه الحارة وفحيحها المخيف، نظرات عينيه تجلدها دون رحمة ..نظرات شرسة مخيفة..ترسل له اشارات انذار، ويل، ووعيد ظل يتأملها بحقد وكره لا مثيل لهما يقلب شفتيه باشمئزاز كأنها شئ حقير أمامه..حتى اخيرا همس قرب اذنها:
-عايزة اجولك يابت عمي أن القلة اللي زمان كنا بنشرب منها ..دلوكيت ملهاش عازة عشان اخترعولنا تلاجات تشبه لحضرتك اكده.
اردادت أن تعترض على تشبيهه ولكنه أسكتها حينما تابع وهو يحدق في عينيها حتى جعلها تتراجع برأسها:
-هششش..اكتمي خاشمك..تعرفي دلوك احنا بنعملوا بالقلة دي إييه في بلدنا..بنكسرو بيها راس الحريم العوجة اللي زييك..عشان نعدلوها بيها..في حاجة كمان عندينا أسمها( جلة) متعرفيهاش طبعا وحدة جاهلة زيك حتعرفها منين..دي لامؤاخذة ( فضلات البهايم) دية ناخدها اكده ونلطعها على الحيط ولم تنشف نحطها جوه خشم الحريم اللي لسانها متبري منيها زييك اكده.. في حاجة تاني عندينا اسمها ( خرزانة) دي بنشتروها مخصوص عشان نأدبواا بيها الحريم ال معندهاش خشى ولا حيا..الحريم ال طايحة في الناس وكاشفة جتتها ليهم زي بنات ال..... لكنه صمت فقد فهمت اللفظ الذي كاد أن يتفوه به.
لم يبالي بغضبها الذي كسى ملامحها ولا شفتيها التي تزوووم باعتراض ولا حركاتها التي تريد بها الخلاص منه، بل زاد من الزج بها في ظهر الباب فكانت تتألم .
وتتألم أكثر من نظرات البغض التي يحرقها بها، أخيرا اطلق سراحها ولم يعطها فرصة للتفوه بأي كلمة بل جذبها من شعرها وفتح الباب وهو يقول لها بقرف:
-يلا غوري بجى من اهنه.."كسحة تاخد الحريم كلتها"
