رواية كاره النساء الفصل الثانى والعشرون والثالث والعشرون بقلم سهير عدلي

الفصل الثاني والعشرون والثالث و العشرون

كاره النساء


بقلم سهير عدلى

عندما احتل الصمت المكان ..صمتاً رهيبا ينطق بفعلها التي فعلتها، ظلت جمانة تنظر بعيون ذائغة  لمروان ذلك المسجي على الأرض غارقا في دمائه، وضعت يدها على فمها تمنع صرخة كادت تخرج منها همست بداخلها غير مصدقة ما فعلته، هل قتلت حقا؟ هل أصبحت قاتلة في دقائق معدودة؟ ثم فردت يديها تنظر لهما وإذ ببعض الدماء تناثرت عليهما ..فضمتهما سريعاً نحو صدرها تخبئهما ، ابتلعت ريقها بصعوبة، تجاهد أن تخطو نحو الباب لتفر من ذلك المشهد العصيب،  تقاوم بصعوبة بالغة ذلك الأرتعاش الذي هجم عليها واحتل ركبتيها بالخصوص، وما إن وصلت للباب وفتحته ركضت ولا تعلم كيف وجسدها كلها ينتفض لا إراديا، توجهت نحو المطبخ وإذ بمربيتها تتلقفها بوجه مندهشا لهيئاتها المزرية وسحنتها الشاحبة وبنبرة قلقة سألتها؟

_مالك ياست جمانة شكلك مخضوض وبترتعشي كده ليه ..في إيه ؟

فنطقت جمانة بحروف ملجلجة بفعل الرعب الذي انتابها:

-أ ا أنا ق قت قتلت مروان يا دادة ..خد خديني من هنا بسر بسرعة.

_يامصيبتي .. بتقولي إيه؟!

نطقت بها مربيتها وقد جحظت عينيها تكذب ما سمعتها لكن هيئة جمانة ووجها الأصفر الذي يبدو عليه علامات الرعب أكد لها فعل ما قالته.. فكرت لثواني ماذا ستفعل؟ فألهما عقلها بأن تأخذها معها إلى بيتها حتى تهدأ تلك المسكينة ثم تفكر كيف ستتصرف بعدها؟.

جذبتها داخل المطبخ وهمست لها:

- تعالي حلبسك هدوم من بتاعتي عشان نعرف نطلع من هنا والحراس مايخدوش بالهم وبعدها يحلها ربنا .

وبالفعل استطاعت أن تخرج بها وتصطحبها إلى بيتها..حاولت مربيتها  أن تعرف منها ما حدث ،ولكن جمانة كانت ترتعش بشدة من هول الموقف ..وتتمتم بكلمات غير مفهومة كأنها تهزي والعرق ينضح من جبينها..جعلت مربيتها تتمتم ببالغ القلق:

_ياضنايا يا بنتي لا حول ولا قوة إلا بالله استرها يارب.

قامت لكي تصنع لها شراب الليمون علها تهدأ ساعدتها بأن تفرد جسدها على الفراش ودثرتها حتى تأتي لها بالعصير.


***********************************

شعر مالك أن رأسه ثقيلة، أراد أن يتحرك ولكن حركته مشلولة، هناك شئ يقيد حركته قيود في يديه وقدميه، حرك رأسه يمينا ويسارا ببطء حاول أن يفتح عيناه ولكنه يشعر بثقل جفنيه كأن أحد ضاغط عليهما، أستطاع بصعوبة أن يفتحهما، وجد نفسه في مكان يشبه جراج سيارات مكان متسع لا يوجد به شئ سواه.. تأمل نفسه فاذ به جالس على مقعد خشبي قدميه مفرودتان امامه موثوقتان بشدة.. يديه أيضا مقيدتان خلفه مرتبطتان بالمقعد، بحركة عفوية أراد أن يتخلص من قيوده حرك يديه وقدميه وهو يكذ على أسنانه في عزم.. ولكن قيوده  محكمة..زفر في عجز ثم أراح رأسه على قمة المقعد يسأل نفسه في حيرة؟

_ أنا وين؟! وإيه الجابني إهنيه؟! يااااابوي .

بعد دقائق قليلة وجد الباب يفتح، ودخل منه رجال ضخام الجثة يتقدمهم رجل مرتديا جلبابا صعيديا، ذو شارب كبير..أسمر اللون سحنته  جعلته يتوقع عمره فقد خمن مالك أن عمر الرجل يتراوح ما بين الخمسون والخمس وخمسين عاما، كان الرجل يبتسم له ابتسامة بلا معنى ثم قال وهو ينظر له من أسفل إلى أعلى:

_كيفك يا مالك؟

زاد عجب مالك عندما تبين أن الرجل لهجته صعيدية، فسأله على الفور:

_ أنت مين ورايد إيه مني ؟

تحركت ابتسامة الرجل حتى أصبحت بجانب فمه، فهتف ببرود:

_ اصبر ..دلوك تعرف كل حاجة.

من خلف الرجال صدح صوت انثوي ما إن سمعه مالك حتى اتسعت عيناه بعدم تصديق أخر ماتوقعه أن تكون هي وراء خطفه:

_ كيفك يا مالك توحشتك والله؟

ما إن اخترقت الرجال وأصبحت أمامه حتى تبدلت ملامح مالك من الدهشة إلى الحقد والكره الذي يكنه لسنوات لتلك المرأة ولقد هتف غير مستوعبا لما يحدث معه:

_ أنتي....؟!

قالت بنبرة حنين مزيفة وهي تقترب منه أكثر وأكثر :

_ايوة أنا أمك يا ولدي

_انتي مش أمي وأنا منيش ولدك..أمي ماتت..ماتت.

صرخ بها مالك صرخة جعلت جسده كله يهتز حتى أن المقعد قد تحرك به قليلا إلى الأمام.

_بس أنا ال ربيتك وضيعت شبابي عليك.

هتف ومازال ينظر لها باحتقار وحقد:

_ تربية ايه ال بتتحددي عليها دي..دانتي زجتيني المر من كعاني.

_أنا خالتك وفي مجام أمك وغصب عنيك تسمع حديتي.

بسخرية وابتسامة من جانب فمه هتف مالك:

_خالتي  ال هربت مع عشيجها وجابت نقطة لأبوي..خالتي ال ربتني بالضرب والجسوة..خالتي ال خدت أرضي ومالي واجب عليا اسمع حديتها..صح ال اختشوا ماتوا.

لكذ الرجل خالة مالك وهو يهمس لها وقد نفذ صبره:

_ خلصينا عاد مش وجته عتاب وجوليله طلباتنا عشان نخلصوا..ونفض أم الليلة دي.

نظرت له وهتفت بعد أن زفرت بلا جدوى:

_صوح معاك حج ممنوش لازمة العتاب دلوك.. شوف يامالك انت دلوكيت ادوزت بت الرادل الكنت عتشتغل معاه ..وزي ماانا عارفة أن الردل ديه معاه فلوس ياما عشان اكده لازمن تدفع الفلوس ال عليك.

ضيق مالك عينيه بعدم فهم قائلا:

_فلوس إيه ال عليا دي ..أنتي لكي عندي فلوس؟

هتفت بغل:

_ أيوة ليا عندك حج شبابي ال ضاع عليك انت وابوك..حج السنين ال فضلت اخدمكم فيها.

ظل يحدق بها غير مصدق ما يسمعه ومع ذلك رد عليها:

_وفلوسي ال خدتيها وارضي كل ديه مكفكيش.

بنبرة خرجت محشرجة بفعل الغل:

_لاه ..مكفتنيش..فلوس الدنيا كلتها متعوضنيش عن ساعة واحدة عشتها مع ابوك المجرف ديه.

لم يجد ما يرد عليه بها سوى نظراته المليئة بالحقد والبغض لها.. ولو أنه متحررا لقام وابرحها ضربا ولكنه بثق عليها فاغرق وجهها مما جعلها تغمض عينيها بتلقائية.. وبعد أن مسحت وجهها صفعته صفعة قوية ردا عليه ثم هتفت بغل:

_اكده..ماشي.

أمرت الرجال الواقفوان يشاهدون ما يحدث كأنهم يتفرجون على مشهد سينمائي:

_ربوه ياردالة.

فاجتمعوا عليه كلكلاب يلكمونه بأيديهم وأرجلهم وهي تنظر له بشماتة وتشفي. وما إن ارتوت بتألمه وآهاته التي سمعتها كأغنية ممتعة..حتى امرتهم أن يتوقفوا.. جذبوا المقعد الذي سقط بمالك من كثرة الضرب ..عقدت ساعديها امام صدرها منشرحة بوجهه الملطخ بالدماء المترنح بفعل الضرب والكمات قائلة بتحذير:

_ بجوالك إيه  دي عينة ضرب لو منفذتش ال بجولك عليه حععمل فيك ال مايخطرش على بالك واصل.. أنا عايزة خمسة مليون اجنيه تجيبهم كيف مخبراش.. المهم يجوني 

ودلوك حخلي الردالة توصلك مطرح ما انت عايز جدامك يومين اتنين لو محضرتش الفلوس جول على نفسك وعلى مرتك يارحمن يارحيم.

ثم أمرت الرجال أن يلقو به بالقرب من منزله..انصاعت الرجال لاوامرها وحملته وانطلقوا به صوب منزله والقو به بالقرب منه.

******************************

كانت ناريمان واقفة في الشرفة تدعو الله أن يعيد لها مالك، فقد بلغ القلق عليه مبلغه في قلبها، انها في حيرة لا تعلم اين ذهب ؟ هل تركها بلا رجعة؟ وإن كان قد قرر أن يتركها فهل سيتخلى عنها هكذا بسهولة، ألا يعلم أنها تحتاجه,اه لو يعلم كم هي في أشد الحاجة إليه، منذ أن رحل وهي تشعر أنها عارية، شريدة بلا مأوى، عاجزة عن فعل أي شئ، هي التي كانت تفعل كل شئ وأي شئ دون الرجوع إلى أحد، ماذا حدث لها؟ كيف تبدلت هكذا منذ أن دخل حياتها، نظرت للسماء  وظلت تدعو الله والكلمات تخرج من قلبها:

_ يااارب طمني عليه و رجعهولي بالسلامة..أنا من غيره حاسة أني ضايعة،ياترى هو فين دلوقت، وبيعمل ايه، يارب احميني من ال اسمه نائل ده قلبي بيتخطف كل لما اشوف وشه أنهت دعائها وتبتلها إلى الله بدموع الرجاء، وليأكد الله إنه سميع مجيب صدح آذان الفجر مؤكدا أن الله أكبر من كل هم ..وأكبر من كل شئ مسحت دموعها واستبشرت خيراً راحت تتوضأ وتصلي وتدعو الله أن يعيد لها زوجها ويطمئنها عليه.

بعد أن فرغت من صلاتها تسللت إليها بعض الطمأنينة، سمعت طرقات على حجرتها قامت لتفتح ولم يخطر ببالها أن نائل هو الطارق عندما رأته هتفت مندهشا:

_نائل! فيه حاجة؟!

_في أني خلاص مبقتش قادر اتحمل دلالك ده.. ايه متبطلي تنشيف دماغك دي.

قال ذلك وهو يفتح الباب عنوة ويدخل منه ثم يغلقه خلفه وقد دفعها داخل الحجرة.

صرخت بعصبية:

_أنت اتجننت عشان تيجي في الوقت ده وتدخل اوضتي بالعافية.

أمسك فكها بقسوة قائلا من بين أسنانه:

_كفاية بقى تعيدي وتزيدي في الأسطوانة المشروخة بتاعتك دي الشرف ويصح ومايصحش..دي حاجات قدمت قوووي, خفف نبرته وجعلها هامسة تخرج بصدى الرغبة:

_ تعالى بقى نعيش أنا وأنتي اللحظة ونقضي ليلة مش أوعدك حتنسيها طول عمرك.

كانت تلهث رعبا بين يديه، خاصة عندما بدأ بيده الأخرى يتحسس رقبتها ، ماذا تفعل مع ذلك الحيوان؟ لو قاومته قطعا هي الخاسرة فكيف تقاوم وحش كهذا.. لذا فكرت أن تعامله بالحيلة لعلها تنجح في الفككاك من بين براثنه، أومئت بالموافقة على ما يطلبه فابتسم بظفر فهتف وهو يبتسم:

_اهو كده.

_ممكن بس تسبني شوية لحد أهدى .

همس وهو يقترب منها كاد أن يقبلها:

_أنا أهديكي.

صرخت وهي تبتعد عنه بحركة حادة عنيفة:

_من فضلك أرجوك..أديني فرصة اتلم على أعصابي..وبعدين حلقة تحت أمرك.

خشى إن ضغط عليها أكثر تغير رأيها.. وهو ما صدق أن ترضى فتهف بعد أن أبتعد عنها:

_ خلاص..خلاص أنا آسف خليكي على راحتك .

كانت حقا تشعر أنها مبعثرة، مشتتة لأول مرة في حياتها تشعر بالعجز، هاهي على وشك الضياع أن تنتهي ولكن هل سيضيعني الله..تمتمت في سرها: يااااارب.

حاولت أن تتماسك حتى لا يشك في أمرها، فاغتصبت إبتسامة وزينت بها شفتيها ثم قالت له بصوت جاهدت أن تكسوه الدلال:

_أنت عندك حق الإنسان لازم يعيش حياته، بس ممكن تسبني شوية اظبط نفسي البس ..احط ميكب كده يعني.

داعب ذقنه وهو يحدق فيها بشك جعل قلبها يسقط في قدميها..حاولت أن تحتفظ بابتسامتها حتى تقضي على أي شك.

وكأنه قال لنفسه يعني حتروح مني فين أخيراً قال على مضض:

_حاضر حسيبك سوية..بس مش كتير.

ظلت تحتفظ بابتسامتها وما إن خرج واغلق الباب خلفه، حتى سقطت تلك الابتسامة القميئة وزفرت براحة، أحكمت غلق الباب بترابيسه، وفتحت الخزانة والتقطت سروالا وقميصا ارتدتهم على عجل، ثم توجهت نحو شرفتها ..فتعلقت بفرع الشجرة التي تظلل بعض من شرفتها تلك الشرفة التي كانت تستخدمها كسلم كلما أرادت أن تهرب من غرفتها وتخرج من وراء ابيها..سمعته يقول من خلف الباب:

_ايه يانار متخلصي انتي عجباني كده انا عايزك زي ما انت.

ضربت بكلامه عرض الحائط، واستمرت في تسلق الشجرة حتى أصبحت على الأرض من حسن حظها أن شرفتها قريبة جداً من الطابق الأول. 

ما إن لامست قدميها الأرض حتى أطلقت العنان لساقيها وظلت ترقد وترقد وكانت بين الحين والحين تلتفت خلفها لتراه هل يلاحقها أما لا.. وأثناء التفاتها إذ بها تصتطدم بشخص ما ..وما إن رأته حتى صرخت بفزع.


#سهير عدلي


الفصل الثالث والعشرين

كاره النساء


شارع طويل ويصل إلى بيته، ولكن تلك الآلام التي يئن منها جسده بفضل الضرب الذي تلاقاه على أيدي وحوش بشرية، وكأن عبيدا غلاظ القلوب مازالوا يجلدونه بلا رحمة، شعر أن هذا الشارع كأنه بلد سوف يسيرها على قدميه، تحامل على نفسه وتحمل تلك الأوجاع التي تنهش في عظامه، وواصل خطواته الواهنة، وإذ به قد لمح فتاة تركض وهي تنظر خلفها كأن أحد يلاحقها، توقف ولم يتوقف لاهاثه، وإذ بالفتاة تصتطدم به ثم صرخت فزعا، لم يتوقع أن تلك الفتاة هي ناريمان ، هي أيضا نظرت له في رعب ظنته في بادئ الأمر نائل قد لحق بها، وما إن تحققت من وجهه ووجدته مالك حتى تبدلت ملامح الخوف والفزع إلى ابتسامة سعادة مفعمة بالأمان بعودته وما إن سألها مالك بقلق مطعم بالدهشة:

_نريمان! مالك عتركضي إكده ليه؟!

نظرت في عيناه لحظات تستمد منه الأمان وماكان منها إلا أنها ارتمت في حضنه تبكي وتشهق ومشاعر شتى تفجرت بداخلها من خوف،و اشتياق،واحتياجها للأمان وأشياء أخرى لم تستطيع تفسيرها.   جعلت مالك يزداد حيرة وقلقا أيضا فرفع رأسها بيديه يسألها:

_ في إيه جلجتيني جوي وأنا مش ناجص؟!

قالت وهي تشهق :

_أصل..أصل.....

_أصل ايه متتحددي؟

ولكنها لم تستطيع التحدث فظلت تبكي وجسدها يرتعش

ولم لم تتكلم زفر في حيرة واستطرد:

_ طيب تعالي نعاود على البيت يمكن لما تهدي تتحددي.

فوجئ بصراخها ونظرات الرعب التي احتلت عيناها من جديد ووجها وهي تهتف :

_ لأ..لأ بلاش نروح البيت عشان خاطري وديني أي حتى تانية.

هذه المرة صرخ و هو يهزها من ذراعيها:

_ أنتي حتجنيني في إيه جوليلي منروحش ليه البيت، في إيه هناك مخوفك جوي إكده.

_عشان خاطري يامالك وديني أي حتى تانية  وأنا ححكيلك كل حاجة..بس بلاش نروح البيت دلوقت عشان خاطر ربنا.

توسلها ورجائها وخوفها الشديد البادي على وجهها وفوق كل ذلك آلامه التي يشعر بها جعلته يزفر باستسلام فالتقط يدها وقال لها وهو ينظر للطريق:

_ طب تعالي نركب عربية ونروح نبيت في لوكاندا وبعدين يحلها ربنا.

توقف قليلا عند ركوبه السيارة وقد وضع يده على جميع فقد شعر بألم  وهو يستقلها، مما جعلها تنتبه وكأنه خوفها اعماها عن تلك الكدمات التي في وجهه، ووجهه الشاحب البادي عليه التعب والأرهاق فسألته بانزعاج:

_ايه ال في وشك ده.. انت اتخانقت مع حد ولا ايه؟؛

زفر بتعب ثم همس كأن الحروف تأبى أن تخرج:

_مش وجته.

**********************************

في بيت المربية....


صرخت جمانة وهي تنهض بحركة منزعجة تلقي عنها الغطاء وهي تتأمل المكان حولها، كأنها لم تعي ما حدث لها ولا منها، حتى تذكرت أمر قتلها لمروان ولجؤها إلى مربيتها التي أخذتها على الفور إلى بيتها، صرخت مرة أخرى وهي تخفي وجهها بين يديها تبكي  غير مستوعبه ما حدث، لقد جاءت مربيتها تركض عندما سمعت صراخها، رأتها تسكب دموعها بين كفيها وقد أخفت وجهها فسألتها بانزعاج وقلق وهي تضمها لصدرها:

_مالك ياست جمانة انتي شفتي كابوس ولا ايه.. إسم الله عليكي ياضنايا..انا رحت اجبلك العصير لقيتك غفيتي مرتضتش اصحيكي، هو ايه ال حصل؟!

رفعت جمانة رأسها من على صدر مربيتها وتحدثت بصوت متقطع مرتبك يحشوه التوتر والقلق: 

_أنا..انا قتلت مروان يا دادة..انا مش مصدقة نفسي ازاي عملت كده، بس انا مكنتش اقصد والله، انا..انا كنت عايز أبعده عني وخلاص لما هجم عليا والله يادادة مكنت اقصد والله مكنت اقصد، أنا حروح السجن يادادة؟ ..ح حيعدمووني؟

وعادت إلى صدرها تبكي وتنتحب وتشهق كأنها ستموت.. ومربيتها تشدد على حضنها وحال الفتاة مزق قلبها اربا فهمست علها تواسيها:

_ لا يابنتي بعد الشر عليكي إعدام ايه إن شاء الله خير..ربنا يجيب العواقب سليمة.

قالت ذلك لتهدئها..بينما القلق ينهش صدرها، فقالت جمانة وهي تترك حضنها وتنظر في عيناها كأنها تتأكد من صدق حديثها:

_ امال حيعملوا معايا ايه قوليلي عشان خاطري حيحملوا ايه؟ أنا خايفة قوي.

_ اقولك أنا حاروح الفيلا وأطقس اشوف الاخبار إيه.

_لأ..لأ يادادة متسبنيش لوحدي أنا خايفة ومرعوبة.

صرخت بها جمانة كالطفلة التي تخشى أن تتركها والدتها.

بعجز وحيرة اردفت مربيتها:

_ ماانا لازم اروح عشان كمان محدش يحس بيغابي..نعرف ايه الحصل هناك، وبعدين انتي مش لوحدك عيالي معاكي..متخفيش أنا حروح ساعة زمن اطقس اشوف الدنيا هناك عاملة ازاي واجاي عالطول اطمنك..ها ماشي؟؛

اومئت جمانة على مضض ثم همست بترجي:

_ طب متتأخريش عليا.

_ من عيني حاضر حاجي عالطول.

بعد انصراف المربية ضمت جمانة ركبتيها إلى صدرها وراحت تحتضنهما تسكب دموع الخوف بينهما.

*********************************

ذهبت المربية إلى الفيلا وقلبها يدق خوفاً،ما إن وصلت حتى ظلت تنظر حولها في تفقد ترى أي صوت يدل على شئ حدث، ولكنها لم تجد إلا الصمت، فزاد القلق بداخلها، وسألت ماسر هذا الصمت، أتراه الهدوء الذي يسبق العاصفة، ذهبت إلى المطبخ لم يكن هناك أحد، فزادت حيرتها، ماذا تفعل الآن؟ ساعة منذ أن تركت البيت هي وجمانة، ترى ماذا حدث في تلك الساعة، بعد لحظات وجدت احد الحراس يأتيها في المطبخ ويقول لها:

_بقولك ايه بسرعة اعملي للبيه فرخة وخضار مسلوق. 

_ح حاضر

حاولت أن تخفي ارتباكها أرادت أن تسأله عن حال مروان ولكنها صمتت

وجدته ينصرف على عجل.. تنفست الصعداء ثم حدثت نفسها قائلة:

_ طالما سيدها طلب طعاما إذا فهو بخير.


اخرجت نفسها من شرودها وراحت تعد له ما طلبه، وقد تبدو هذه فرصة عندما تذهب له بالطعام تعرف ماحدث له.

******************************

نعود بالأحداث حيث ركضت جمانة تاركة مروان مخضب في دمائه، كان متكوما على الأرض يتلوى من الألم واضعا يده على أثر الطعنة التي طعنتها له جمانة، ظل يزحف حتى وصل إلى هاتفه الذي كان على الطاولة، تناوله بعد مجهود مضني، اتصل بأحد حراسه وبصوت واهن ضعيف خرج منه بصعوبة:

_تعالى في اوضتي بسرعة..بسرعة أنا بموت.

وفي التو واللحظة نحى الحارس دهشته وتساؤلاته جانبا وركض حيث حجرة سيده، وما إن وصل وجد الباب مفتوح ومروان متكوما على الأرض يتأوه فصرخ بانزعاج وهو ينحني عليه حاملا إياه:

_ مروان بيه مالك من عمل فيك كده.

_ بسرعة هاتلي دكتور.

قال ذلك بصوت ضعيف..فأجابه حارس:

_ حاضر يا مروان بيه.

وبعد أن حمله ووضعه على الفراش اتصل بطبيبه الخاص الذي أتى له بعد ثلث ساعة عمل له الاسعافات اللازمة وطمئنه أن إصابته ليست خطيرة وعليه أن يستريح في فراشه أسبوعا كاملا، وقد حاول الطبيب أن يعرف من الذي شرع في قتله حتى يبلغ الشرطة ولكن مروان لم يفصح عن شئ..ولأنه طبيبه الخاص احترم رغبته وصمت ، وطلب من حارسه تكتم الأمر وأن لن يبيح به لأي مخلوق.

أعدت المربية الطعام ورصته على صنية وصعدت به وهي متلهفة أن تراه، طرقت الباب بيد وبعد أن أذن لها دلفت   وهي تتفحصه، كان راقدا على فراشه ووجهه أصفر  شاحب، يبدو عليه الإجهاد والتعب، واقف بجواره حارسه فسألته بعد أن وضعت الصينية بجواره على (الكومود)

كان الحارس يساعده في الجلوس الصحيح حتى يستطيع تناول طعامه، لقد لمحت المربية الشاش المربوط به جمبه، فسألته كأمر طبيعي :

_مالك يابيه سلامتك الف سلامة؟

_اجابها بصوت ضعيف :

_ مفيش حاجة روحي انتي شوفي شغلك.

_ حاضر يابيه.


قالتها وانصرفت سريعا وبعد أغلقت الباب وضعت يدها على صدرها تتنفس الصعداء لقد فطنت أن اصابته خفيفة، فحمدت الله أن جمانة لن ينالها مكروه.

*******************************

في الاوتيل


جلس مالك على الفراش كوعيه مستقرين على ركبتيه، يستمع لنريمان التي كانت تحكي له كل ما حدث من نائل منذ أتى وحتى تصرفه الحقير معها فجعلها تهرب وتفر منه، كان يستمع لها وكلماتها أشد إيلاما من وجع ضرباته التي تلاقها، بعد أن انتهت من سردها ظلا صامتا ينظر موضع قدميه، صمته هذا أقلقها ركعت بين يديه وهمست له:

_ مالك اديله الهو عايزه خليه يمشي ونستريح منه..أنا مش عايزاك تحتك بيه أنا خايفة عليك.

رفع رأسه وتعمق في عيناها البريئة للحظات شعرت وهي تبادله تلك النظرات أنه احتواها وضمها تحت جناحه، وجدته يحيط وجهها بكفيه جعلها تلقائيا تغمض عيناها فقد خفق قلبها للمسته، وعندما همس بصوته الرخيم:

_ متخافيش، حيغور بعيد عنينا، حخليها يعاود على البلد ال جه منها وهو بيجول أنا مرة، بس افوجله وأنا حوريه مجامه واكل ناسه ديه.

_ايوة بس أنا خايفة عليك منه.. ده انسان وقح ومعندوش ضمير.

قال وهو يشدد قبضته على وجهها:

_ جولتلك متخافيش.

كلماته بعثت الطمأنينة داخلها وعاد الأمان يسكن قلبها فهمست له بنظرات مشبعة بالحب والاشتياق والأمان:

_ربنا يخليك ليا .. ياااااه أنا كنت مفتقداك قوووي يامالك لما رجعتلي حسيت أن روحي رجعتلي ربنا مايحرمنيش منك ياحبيبي.

كل هذا الحب والأشتياق الباديين في صوتها وكلماتها جعلت قلبه ينبض رغم عنه ، ولكنه تحمحم وترك وجهه، ثم نهض ذاهبا إلى المرحاض وهو يهمس :

_ أنا حجوم  أغسل وشي عشان أنعس لحسن بجالي ليلتين منعستش.. ثم اسرع خطاه نحو المرحاض.

فزفرت بضيق وهي تهمس لنفسها:

_ لحد أمتى حتفضل تهرب مني.            

    الفصل الرابع والعشرون من هنا


لقراة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>