رواية كاره النساء الفصل الثامن عشر حتى الحادى والعشرون بقلم سهير عدلي


 الفصل الثامن عشر والتاسع  عشر

والعشرون والحادي والعشرون

كاره النساء


دخل مروان إلى حجرة جومانة، ومد لها يده بجريدة.. دارت عيناها بينه وبين الجريدة في عدم فهم فسألته متعجبة:

-إيه ده؟؛

عيناه تلمع بخبث قال لها كأنه يتشفي من أمر ما :

-اقري.

القاها لها ثم تركها..تتلقى الصدمة بمفردها.

ظلت تتصفح الجريدة بعينان متلهفة وقلب ينبض بجنون ..وإذ بها تتسع عيناها في صدمة عند خبر معين صورة لأكرم جعلتها تصرخ باسمه في جزع رهييب:

-أكرررررررررررررم.

مازالت لا تصدق ما قرأته تحدق في الصورة والخبر بزهول يدها على فمها تكتم شهاقتها ..تهز رأسها يمينا ويسارا في عدم استيعاب..تغمغم بروح واهية:

-أكررم ..م م مات.. أ أتتقتل..طب أزاي ..أزاي ..دد ده كان كويس ..ك كان كويس وبيكلمني..لا لأ لأ لا ..أكرم اكرم أكرم.

وظلت تهتف باسمه في جنون وتصرخ عله يسمعها حتى يطمئنها عليه....لكنه لا يستجيب.. ظلت تمزق الجريدة بعصبية..رافضة هذا الخبر حتى لو كان صحيح..بل راحت تهشم كل محتويات الغرفة، ما أوقفها غير ظلام حالك ضربها على رأسها فسقطت في غيبات الأنهيار.


على باب حجرتها كانت واقفة خادتها تترقبها كما أمرها سيدها، سمعت جنونها وهي تهشم محتويات الحجرة بغضب عارم..وما ان خفت صوتها حتى ضربت صدرها بانزعاج فركضت الى سيدها تخبره بصوت مضطرب:

-الحقني يابيه..الست هانم فضلت تصرخ و تصرخ، وكان باين زي ما تكون بتكسر في الاوضة وبعدين حسها سكت فجأة، وسمعت حاجة دبت في الارض بينلها وقعت واغمى عليها.

وما إن سمع مروان منها ما سمعه..حتى هرول اليها فتح الباب وجدها مطروحة على الأرض، وجهها محتقنا كأن الدماء تجمعت فيه، شعرها مفرودا فوق رأسها بحزن..اقترب منها وحملها وضعها على سريرها ثم التفت للخادمة وقال لها بنبرة سريعة منزعجة:

-بسرعة اتصلي بالدكتور.

-حاضر يابيه.

أخذ رأسها على ذراعه وظل يضمها اليه وهو يهمس لها :

-وبعدين معاكي في البتعمليه في نفسك ده وفيا، بس معلش..يومين وتنسي دكتور الزفت بتاعك ده..وحترجعي ليا..أنا مروان حبيبك..أنا بحبك.. دفن وجهه داخل رقبتها يلثم رائحتها ويبكي كالطفل..ويوصل همسه وتوسله وبكاؤه: 

-بحبك ياجوجو بحبك ..انسيه بقى ودووبي فيا

حبيني وحسي بيا، حسي بقلبي ال محتاجلك أنت ليا، ليا أنا بس فاهمة أنت بتاعتي ،ملكي أنا ومحدش حيقدر ياخدك مني..وال ياخدك مني اقتله..اقتله..فاهمة..اقتله.

قال كلمته الاخيرة وهو يهزها بعنف كأنها تستمع له..كأنها بوعيها.. طرقات الباب جعلته يفيق ،كان في غيبوبة الندم يهزي بحبه لها..ابتلع ريقه ومسح دمعاته وقال في ثبات استجمعه بصعوبة:

-ادخل.

الخادمة: الدكتور يابيه

-خليه يدخل.


₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩

-وبعدهالك يامالك..حتعمل ايه عاد؟ لحد ميتة حتداري حجيجتك..لحد ميتة حتتضحك عليها، أنت عشقتها ياخوي؟؛ وده كان أتفاجنا بردك، مسح على رأسه يحاول أن يبتلع تلك الغصة، ثم تابع حديثه مع نفسه.. يااااابوي أعمل ايه في ال أنا فيه ديه ال لكان عالخاطر واصل، تذكر حديث الطبيب عندما صارحه بحقيقة مشاعره نحوه زوجته  ولكن هناك اتفاقا بينه وبينه حماه يحتم عليه وئد ذلك الحب، كان رأي الطبيب أن هذا الاتفاق ظالم لها..ولابد أن يصارحها بحقيقته..وساعتها تستطيع وحدها أن تقبل هذا أو ترفضه.

دلوجت أبوها ياجي ونطلق وأبعد عنها..احسن بردك أنا تعبت من اللعبة دي عاد خليني أبعد عنها..ياريتني ما كنت وافجت من الاول..يارياتني ماشفتك يانريمان ولا عرفتك من أصله..ولا حبيت.........

قطع همسه الخفي مع ذاته عندما شعر بذراعين تطوقان خصره من الخلف انتفض والتفت خلفه فوجدها هي نريمان ارتعش جسده وكأن ماس كهربائيا صعقه..فصرخ بها وهو عاقد جبينه قائلا بغضب:

-ايه العتعمليه ديه..مش حتبطلي حركاتك ديي.

كانت نريمان عائدة من العمل تشعر بارهاق شديد، عايناها غائرتان، وجهها شاحب، تتنفس بصعوبة من فرط أرهاقها وكأن الهواء من حولها نفذا، أبصرته واقف في الشرفة يديه مختبئة في جيوبه وظهره لها، يبدو عليه الشرود..لا تعلم لماذا سيطرت عليها رغبة في أن تحتضنه، هل لأنها في حاجة الى الراحة بعد عناء يوم شاق، أم انها اشتاقت له، ولم تتردد بل حققت ما تمنته..وعندما احتضنته أصابها اليأس عندما تلقت رد فعله الذي كانت تتوقعه ولكن لم تتوقع ان يكون عنيفا هكذا..ما كل هذا الغضب، ألست بزوجته ومن حقي أن احتضنه في أي وقت.

وبالفعل وجاهته بمكنون صدرها قائلة:

-أنا عملت ايه غلط أنت مش جوزي؟؛ 

صمت عاجزا عن الرد عليها كان يتنهد بشدة..اعطاها ظهره نعم انه يهرب منها ولكن هذه الصغيرة تطارده..تطارد مشاعره تركض خلف حبه كأنها تعلم الحقيقة فتلعب على الوتر الحساس دون ان تدري او تخطط لذلك، استدارت حتى اصبحت امامه فسألته :

-مالك أنت بتكرهني ؟؛.

 لم يجبها آه انها تتلمس شتاته ومعاناته الآن.. استطردت في اصرار:

-رد عليا ..أنت بتكرهني للدرجادي..لدرجة انك مش بتطيق حتى أني المسك.

ظل صامتا ووقف متنصنعا الجمود.

قالت وقد رققت نبرتها كأنها ترجوه أن يسمعها:

-أنا عارفة اني زودتها قوي معاك في البداية..عارفة أني غلست عليك ورذلت كتير..عارفة أن أحرجتك قدام بابا وماما واني كمان كنت مش طيقاك ساعتها وكنت عايزة اطفشك..بس ده كان في الأول..قبل ما..قبل ما أاحببك..أنا بحبك يامالك..والله بحبك..ومش عارفة اعمل ايه عشان تسامحني..أنا تعبت انهاردة في الشغل قووي تعبت لدرجة اني حاسة أني شايلة حمل فوق طاقتي..نفسي بقى ترجع الشغل وتشيل عني الهم التقيل ده..أنا محتاجلك جمبي..عرفت بقمتك صدقني قالت جملتها الأخيرة واقتربت منه للغاية تلتقط ذقنه بيدها تنظر في عيناه بتعمق كأنها تنقب في عمقهما عن ذرة حب لها..ولكنها لم تجد غير البرود الذي أتقنه..أغمضت عيناها في خزي وانكسار ثم ارتمت على المقعد و اجهشت في البكاء.

كلماتها الصادقة البريئة مزقته، فتت قلبه..انها ومن غير قصد لعبت على نقطة ضعفه وهي دموعها الذي لم يحتملها، ولن يتحمل رؤيتها تلمع على وجنتيها، ظل ينظر لها وهو عاجز حائر..قلبه يأمره أن يضمها الى صدره ويمسح دمعاتها..هو يعلم مدى تعبها انها صغيرة وضعيفة على تحمل تلك المسئولية الجسيمة التي يئن لها أشد الرجال..ولكن عقله ويمينه الذي بينه وبين ابيها يردعه حتى لا يحنث..


عزم أن يعترف لها كما نصحه الطبيب

 انحنى والتقط مرفقيها فجعلها تنهض هامسا باسمها ..فنظرت له من بين دموعها تتنتظر ماذا وراء همسه؟ هل سيضمها لصدره ويعترف لها بحبه؟ هل سيكفكف دموعها ، هل سيطلب منها السماح على جفاءه لها وبروده، ابتلع مالك ريقه قبل ان يقول:

-أسمعيني يانريمان زين......

-نريمان؛ قاطعته وهي تردد اسمها في تعجب لتستطرد وهي تبتسم بحب:

-أول مرة من ساعة معرفتك اسمعك تنطق اسمي..يااااه اسمي من بين شفايفك حلو قوووي..أنا حبيت اسمي اكتر لما نطقته.

لم يعد يحتمل هجوم عشقها ..ولا بثها بحبها له اكثر من ذلك حبها الجارف له يزلزله يقضي على بقايا تمسكه..ولكنه صرخ وهو يهزها:

-أكتمي واسمعيني عاد.. أني..أني مش ود عمك.

اتسعت عيناها في صدمة فتمتمت:

-اييه مش ابن عمي؟؛ أمال انت تبقى ايه؟؛

-أنا......

قطع أعترافه رنين هاتفه أجاب الأتصال وما إن تحدث الطرف الثاني حتى اتسعت عيناه بصدمة فصرخ غير مصدقا:

-اييه ..ميين..عمييي؛؛

ملامحه المصدومة جعلت قلبها ينبض بخوف فسألته:

-ماله بابا يامالك.

-لازمن نروح السفارة طواالي.

-لييه؟؛

-مخبرش حنفهم إهناك.

عندما وصلا الى السفارة، كانت الصدمة الكبرى لهما لقد ماتا ابيها وأمها على اثر حادثا تعرضا له، وما إن تلقت الصدمة حتى صرخت  فاغشي عليها.

كان مالك في موقف لا يحسد عليه حائر ما بين زوجته التي لم تتحمل الصدمة..وموت والديها  ..نقلها الى المستشفى فورا .

شعر أن الامور تعقدت للغاية ماذا سيفعل؟ كل شئ دبر له هدم مرة واحدة..صحيح أنت تريد وأنا اريد والله يفعل ما يريد، ابيها نفسه لم يعمل حسابا للموت..ماذا سيفعل الآن؟ هل ينفذ ما عزم عليه..يطلقها كما اتفق مع ابيها..ام يستمر في اخفاء الأمر عليها..ويستمر في زواجها، فكيف يترك فتاة صغيرة في هذه الدنيا تواجهها بمفردها، ستكون مطمع بثروتها للجميع..زفر بحيرة عاجز عن اتخاذ القرار.

₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩

يومان مرا  منذ أن قرأت خبر حادث موت أكرم وجومانة خارج الدنيا، لا تتكلم ولا تستجيب لأحد..كل شئ بها صامت صمت الموتى..عيناها فقدت بريقهما..كأنها لا تريد الحياة، كم حاول مروان بكل الطرق أن يعيدها للحياة دون فائدة، مربيتها تبكي عليها في صمت ..وردة زبلت وأوشكت على السقوط، دلف مروان مساءا عليها يتفقدها كعادته..وجدها جالسة، شاردة، لا تحرك ساكنا، أشار للمربية بالخروج ..جلس بجوارها يتأملها بنظرات تقطر ندما، لقد قتل اكرم من أجلها من أجل أن يحتفظ بها..من أجل أن تكون له وحده..ابتلع غصته وحاول أن يبدو طبيعيا همس لها:

- وحشتيني قووي ياجوجو..ايه رايك نخرج انهاردة نتعشى مع بعض واخدك افسحك..تعرفي بفكر نروح الملاهي..ايه رأيك؟ لم تستجيب له، كانت كالصنم ليس به روح ولا حياة، شئ حثه على الأقتراب منها بل تقبيلها لعلها تبتعد عنه أو تلومه أو تبدي أي رد فعل، المهم أن يخرجها بأي ثمن من تصنمها هذا..وبالفعل قبلها في جانب فمها قبلة رقيقة، ود لو يلتهم شفتيها التهاما، ولكنه اكتفى بقبلة رقيقة، ولكنها ايضا تبدي أي رد فعل..أو تخجل أو حتى تبعده عنها، تأسف لذلك أكثر ..هتف بنفاذ صبر

-فوقي بقى خلاص المات مات..لازم تعيشي حياتك..انسي وتعالي نبدأ من جديد.

همست بصوت ضعيف واهن:

-ع عايزة ماما.

-بتقولي ايه؟؛ بتقولي ايه ياجومانة انتي اتكلمتي ولا انا متهيألي..قولتي ايه؟؛

-عايزة ماما.

-عايزة ماما..رددها في تعجب ماذا تعني..هل تريد ان تموت وتذهب لأمها ام ماذا تعني..

مسح على شعرها وهويهمس بحنان:

-جوجو حبيبتي متخافيش أنا جمبك.

تحول همسها الى صرخة :

-عايزة اروح عند ماما..عايزة ازور ماما.

-حاضر..حاضر حوديكي تزوري قبرها بس اهدي حبيبتي.. بكرة باذن الله نروح نزور قبرها.

*********************************

شوفتو مالك مطلعش ابن عمها امال يبقى مين؟؛

حنعرف باذن الله الفصل الجاي.


بحبكوووو قوي 

#سهير عدلي


الفصل التاسع عشر

كاره النساء

 صرخة مدوية أطلقتها نريمان داخل حجرتها بالمستشفى..صرخة لوعة تنادي بها على الذين غادرا الحياة ولن يعودا مرة أخرى: 

-باااااابا....ماااااما..مجوش ليه، هما فين؟ مجوش ليه لحد دلوقت، عايزة بابا..عايزة ماما..عايزة أروحلهم.

انتبه مالك الذي كان غافيا على المقعد امامها وقفز من عليه ليهتف في انزاعاج:

-ايه ..حوصل ايه؟؛


بعقل رافض أن يصدق موتهما راحت تهذي وتنزع عنها الأنابيب الطبية الموصلة في يدها بعصبية، تحاول النهوض لكي تذهب لهما.


 يعيدها الى فراشها ويثبتها في سريرها برفق قائلا بشفقة:

-هدي يانريمان ..هدي ..حاضر حنروحلهم طوالي.


 -أكيد الخبر غلط يامالك مش كده؛ هما..هما حالا يوصلوا  اكيد حيتصلوا بينا..يلا نرحلهم يلا نروحلهم احنا.

 اكيد هما عايزين يشفوني انا وحشتهم انا عارفة انا وحشتهم قوي زي ماهما وحشوووني قوووي..لازم نسافر بسرعة.

-جولتلك حنروحلهم بس هدي طيب.. متعمليش في روحك إكده.


احتقن وجهها على أثر الأنفعال وتمرد صوتها صارخا، تدفع مالك بكل قوتها الذي أمسك يديها حتى يمنعها من ترك سريرها، ثم صرخت:

-مش عايزة اهدى..مش عايزة اهدى انا عايزة بابا وماما عايزاهم..عايزة ارحلهم.


-طيب ..طيب جومي غيري خلجاتك.. وياجي الضاكتور يشيلك المحلول ديه ..وحنفذلك ال انتي ريداه.. حنروحلهم طوالي سوا بس هدي عشان خاطري.

ثم جذبها الى حضنه يربت على ظهرها بحنان..زافرا بأسف..شهقاتها تمزق صدره..نحيبها يوجعه..تعافر لكي تتخلص منه وهي تردد سبني.. سبني اروحلهم سبني أمشي

ولكنه تشبث بها متحملا ضرباتها على صدره يهمس بجوار اذنيها:

-لاه مش حسيبك ياحبيبتي هدي أنا جمبك أهه روقي ياجلبي عشان خاطري، ابوكي وامك في مكان احسن من اهنيه..هما حاسين بيكي دلوك، شايفينك وسامعينك، متخلهمش يشفوكي إكده منهارة..عشان ميزعلوش منيكي.

ثم ضمها اليه بقوة كأنها طفلة في حضن أبيها، ظلت في حضنه حتى أعياها البكاء، ومن فرط المجهود الذي بذلته من صراخ ووعويل نامت على صدره.


بعد يومان خرجت نريمان من المستشفى هزيلة ضعيفة..قد نقص وزنها..وجهها شاحب، انطفأ لمعان عينيها، وزبلت شفتيها، ما إن خطت داخل البيت حتى جادت عيناها بدموع الذكرى فقد أخذت تتجول بعينيها في كل مكان تتلمس فيه أثر أبيها وأمها، حديثهما لها وصوتهما يترددا في أذنيها بصدى الحنين..صوت امها عندما توقظها وترفع عنها الغطاء:

(قومي يانانا بقى بطلي كسل..لحد امتى حتفضلي نايمة)

تقريعها لها عندما ارتدت ملابس غير لائقة في عزاء عمها:

( يابنتي ده لبس تلبيسه في عزا ..جيبة قصيرة، وبلوزة من غير أكمام..أنتي اتجننتي، احنا رايحين بلد أرياف أمتى تعقلي بقى؟)

تعتصر عينيها حسرة على خسارة لن تعوضها

صوت ابيها وهو يدللها وهي صغيرة..مكافأته لها بسيارة حديثة عندما نجحت..لم يثور عليها يوما..ولم يغضب عليها لحظة..دفئ حضنه لها مازال يسري في عروقها تتلمسه بيديها حول ذراعيها..كأنها أصبحت عارية من بعده.

ومالك يراقبها بأسف وحرص.. يعلم أنها الآن تطوف في محراب الذكريات، قال لها محاولا أن ينتشلها من ذكرياتها حتى لا تنهار:

-تعالي يانريمان نطلعوا فوج عشان تستريحي هبابة.

قالت بصوت يملؤه الحسرة وكأنها لم تسمعه: 


-خلاص راحوا مش حشفهم تاني ..سابوني يامالك خلاص حتى مش حقدر اودعهم..ولا احضر دفنتهم، طب لييه لييه..طب كان حتى فضل حد منهم معايا، الاتنين يسيبوني كده لوحدي 

مش حدلع على بابا تاني ولا اقوله هات وهات وأنا بستغل حبه ليا وضعفه قدامي..مش حياخدني تاني في حضنه ولا اشم ريحته، ولا حشوف الخضة في عنيه لما اعيى..  ماما ال دايما كنت بغيظها مش عارفة ليه؟؛ يمكن عشان كانت بتضايق من بابا وتدليله ليا..كانت دايما بتزعقلي على غلطي..بس أنا كان ولا يهمني، عشان كنت بستقوى بيه، كنت بفرح قوي لما انتصر عليها ورأي انا ال يمشي عشان بابا كان واقف معايا وينفذلي طلباتي.. عمري مقلتلها كلمة حلوة ولا ابتسمت في وشها، كنت دايما حادة معاها..بس والله انا بحبها ..والله بحبها كانت طيب تستنى شوية لما اعتذرلها وتشوفني بعد ما غيرتني يامالك..وبابا كمان كان نفسي يشوفني وأنا بتحمل المسئولية وبطلت الدلع والسلبية.. ليه يموتو بسرعة كده ليييييه..لييه يامالك لييه.

اعقبت حديثها بدموع غزيرة اختلطت بشهقاتها ونحيبها وهي تئن وتنادي بحسرة:

-ليه يابابا..ليا يا ماما ليه سبتوني ليه؟

مسح مالك رأسه بأسف..وزفر بشفقة اقترب منها محاوط كتفها بيده وأمسك يدها بيده  الأخرى يسوقها الى أعلى نحو حجرتها قائلا لها   بخفوت:

- وبعدين معاكي ملوش عازة الحديت ديه تعالي معايا يانريمان ، دلوجت لازمن تنامي وتستريحي .

تحررت منه وهي تدقق في عيناه بقسوة كأنها ناقمة عليه قائلة بسخرية مطعمة بعتاب:

-عايزني انام عشان اصحى والقيك أنت كمان سبتني؟؛  مستني ايه؟ متسبني من دلوقت اتفضل يلا ومتخافش عليا اكيد حتعود على الوحدة.

لا ينكر أنه تفاجأ بحديثها هذا ظن أن موت أبيها وأمها سوف يجعلها تطويه لحين أن تفيق من صدمتها، ولكن أن تذكره برغبته وعهده الذي لا تعرفه وطلاقه لها فهذا مالم يتوقعه، أطرق برأسه وقد عجز عن الرد..فماذا يقول لها؟ خاصة وهي في تلك الظروف وكأنها أدركت عجزه وحيرته فقالت وقد عزمت على معرفة كل شئ:

-اتفضل امشي مستني ايه؟

ابتلع ريقه ثم حدق بها وهو يتناول وجهها بين يديه، هامسا بصدق:

- لو الواحد يجدر يفارق روحه كنت فارجتك من زمان..لكن صدجيني غصب عني .

غاصت في سواد عيناه الحائر وكأنها تنظر لليل ليس له أول ولا آخر فهمست وقد ضيقت عيناها باستفهام:

-يعني ايه مش فاهمة؟؛

-تعالي معاي وأنا حجولك كل حاجة.

قال ذلك وهو يسحبها خلفه من يدها صوب حجرته، وبعد دخوله وهي معه أغلق الباب جلس خلف مكتبه وأشار لها أن تجلس في المقعد الذي أمامه، ثم شرع يحكي لها ولم يبالي بنظرات التعجب الذي رمته به:


- اسمعيني يا نريمان زين وبعدين اتحدتي كيف ما أنتي رايدة، أنا زي أي عيل في الدنيا اتمنيت أم ترعاني وتحبني..وتخاف عليا أم أتشرف بيها جدام الناس، لكن أمي أنا أو ال افتكرتها أمي كانت ست بطالة عايشة لحالها وبس، كل همها تسعد روحها، أما أنا فمش في حسابتها واصل، كانت مهملة فيا، طوالي بتضربني، لو عملتلي أكل تعمله بعد طلوع الروح وتوكلهولي بالضرب والشتيمة، عاملتني أزفت معاملة، لما كنت أشوف أم صاحبي..وأخلاجها الزينة، ومعاملتها ليه  كنت بتحسر على حالي، خلتني كرهتها..وال كرهني فيها أكتر لما عرفت انها مش أمي طلعت خالتي، أجبرها جدي تددوز أبويا عشان ترعاني بعد ما أمي ماتت وهي بتولدني، لكن خالتي حست إن ابوها ظلمها أجبرها على عيشة هي مش رايداها، وحرمها كمان من الرادل ال بتحبه عشان إكده عاملتني وعاملت أبويا معاملة عفشة.. وأنا ال أتظلمت منيها أكتر.

 لما بجى عمري 14 سنة خالتي طلبت من أبوي يشغلني عشان تخلص مني.. كنت من غير جصد اطللها بجرف وحجد وألومها على عاميلها واهب فيها من غير مخاف منيها:

-ليه بتعملي إكده ليه متبجيش مرة زينة زي أم صاحبي

   ولم تسمع إكده تجوم تضربني على خدي وجسمي وتجولي سد خاشمك لجطع رقبتك..وبعدين تحبسني في اوضتي باليومين.

زفر بأسى ثم استطرد بعد أن ابتلع ريقه:

- المهم لم ابويا وافج يشغلني ويبعدني عنيها كان هم ابويا بردك يبعدني عنها عشان أذكر كويس وأفلح في مدرستي..و على كد ما كنت مضايج عشان عايزة تبعدني عن البيت وأبويا وصاحبي كمان، لكن كنت فرحان عشان حسيبها وأغور من وشها ..أبويا لجالي شغل في بلد جريبة من بلدنا عند واحد طيب..تعرفي يانريمان مين الواحد ديه؟

-نطقها وهو يدقق في ملامحها حتى تنتبه له أكثر..أما نريمان فكانت تسمعه وكأنها تسمع حدوته لطفل يتيم وتعرف معاناته مع زوجة أبيه لقد قرأ مالك في عيونها الشفقة والأسف له فهمست والفضول سيطر عليها:

-ميين؟؛

-أبوكي.

-أيه...بابا؛

نطقتها بدهشة ثم تابعت بأنفاس غير مستوعبة لهذه المفاجأة:

-ازاي انا رحت المحل كتير وعمري ماشفتك هناك.

عشان عمري مارحت محلاته ال في الجاهرة، أبوكي لما بدأ شغله اشترى محل في قرية جمب بلدنا..وكان يعرف أبوي وشغلني عنديه..مسكتله الدكان ديه. أروح المدرسة وأرجع أجف في الدكان..لما شغل أبوكي كبر فتح دكان تاني في مصر،  وعرض عليا أروح وياه لكن أنا مرضيتش.

سألته متعجبة:

-ليه مرتضتش تروح.

-خفت.

-خفت.... من أيه.

رددت كلمته في عدم فهم..فقال :

-عشان مرة رحت معاه مصر نشتري أنا وهو بضاعة للمحل..في اليوم ديه شفت الزحمة وأغلب النسوان وخلجاتهم العريانة والضيجة، ضحكهم العالي..مرجعتهم ومياعتهم مشيهم العوج.. جرفت منيهم ومن الستات كلتها حسيت حالي بكرهم كلتهم مبجاش في خشى ولا حيى..عشان إكده حلفت مشتغلش ابدا في مصر لو حتى جطعوا رجبتي، وكتييير جوي عم خالد اتحايل عليا عشان اروح معاه..مجدرش يجنعني، كنت سعيد في المحل الصغير، واوضتي الجواه كنت بنام وأصحى وأذاكر فيه..وال ريحني أكتر إني كنت بتعامل مع ما يخص الشباب بس..أي ملابس حريمي مليش فيه.

أنا وأبوكي بجينا صحاب حبيبته جوي وهو كمان حبني..وبالرغم فرج السنن البناتنا لكن انا وهو كنا متفاهمين..كان دايما يحكيلي عنك وعن عندك ودماغك الناشفة.

ابتسمت أبتسامة خفيفة وهي تخفض رأسها خجلا..رفعت رأسها مرة اخرى عندما تابع وقال:

-أنا كمان كنت بفضفض إمعاه عرف عني كل حاجة، وعرف أن بجى عندي عقدة من النسوان كلتها..لدرجة أني كرهتهم، لحد ما فيوم فوجئت بخالتي مضت أبوي على الأرض ال حلتنا والبيت وطفشت مع حبيبها ال هو عمي أصلا..أبوي مستحملش خيانتها مع أخوه طب ساكت، مات، كنت بسأل نفسي ليه ابوي متحملها ومتحمل جرفها ..ولما سألته عرفت أنه بيحبها جوي.

اتصلت بعمي خالد عشان يحضر الدفنة..جالي في الصوان أنه مفهمك أن ابوي عمك وأنا ابن عمك..ولما جلتله عملت ليه إكده جالي حفهمك كل حاجة بعدين وبع.....

قاطعته وهي تسأله:

-طب ولما أنت مش أبن عمي..أنت بقى مين؟؛

-لو صبر الجاتل على المجتول.

زفرت على مضض وهي تهمس:

-طب قول.

استطرد وهو يهز رأسه يمينا ويسارا منزعجا من عدم صبرها:

-حجولك أنا مين..أنا ياستي وعم خالد بلديات يعني من بلد وحدة..ابن عمك مهاجر من زمان في استراليا، عمك بجى كان عايش في البلد بس كان مجاطع أبوكي عشان أدوز مصرواية..عمك من سنتين ولده بعتله وراح وياه وسافرله بعد مامرات عمك ماتت وبنات عمك ادوزو وبجى لحاله، لما مات أبوي اصر عم خالد أن ياخدني معاه لمصر عشان أعيش معاه..اضطريت أوافج لأن مكنش جدامي حل غير إكده، وعشت معاكم وأنتي فاكرة أني ابن عمك..لحد ماعرفت من عم خالد أنه عمل إكده عشان مترفضيش أنتي أني أعيش معاكم طوالي، أمك كمان كانت عارفة ومتفجة وياه، لحد مطلب مني أني أدوزك لمدة معينة إكده وبعدين أطلجج.

-ليه؟؛؛

خرجت من فمها بحقد وضيق.

تجاهل نظرات الغيظ والضيق الباديين في عيونها ثم تابع:

-ابوكي لما كبر حس إن من كتر حبه ليكي دلعك زيادة عن اللزوم ..ومبجيش عارف يسيطر عليكي بعد إكده..ولما لاجاني وجفت في وشك من أول يوم..عرف ان محدش حيشكمك غيري ففكر يدوزني ليكي عشان أربيكي من جديد وو.......

-نعممممم ليه بقى إن شاء الله  أنا مش متربية ولا ايه دا انا متربية احسن منك مليون مرة دا أنا....

نهضت بحركة حادة وهي تصرخ في وجهه وقد اقتربا حاجباها غضبا من جملته التي استفزتها تشيح بيديها نافية تلك الجملة الكريهة ...ولكنه قاطعها ايضا بان أمسك معصمها وأجبرها على الجلوس قائلا:

-ايه أنتي مصدجتي بلاعة طفحت في وشي..معلهش ياستي حجك عليا..اجولهالك بطريجة أحلى من إكده باللغة الفصحة عشان تكون أشيك..أدوزتك عشان أروضك..زين إكده؟

عقدت ذراعيها أمام صدرها مشيحة بوجهها بعيد عن مقوسة فمها في ضيق.

تجاهل ضيقها وتابع:

-طبعا مجدرتش ارفضله طلب..لان أبوكي فضله بعد ربنا كبيير جوي عليه..من صغري وجف معاي..وكان بيعاملني صح كيف ولد أخوه..كان جايلي انه نفسه يروح يحج ولما طلب مني ادوزك اتفقنا اني اعاهده بعد ما يجاي من السفر أطلجج..لانه بردك مكنش عايز يظلمك ويدوزك لحد أنتي مش ريداه لأنه كان بيحبك جوي، وأنا وافجت طبعا ال معملناش حسابه حتى أبوكي نفسه موته وال معملتش حسابه أنا كمان أ أ أني فعلا ح..حبيتك.

حدقت به وعيناها مغرورقة بالدموع..حنينا لابيها الذي مات..وتوقفت عند آخر كلمة قالها:

"حبيتك"

تلك الكلمة التي خرجت بصوت هامس عاشق حائر، نعم حائر ولا تعلم سر حيرته.. ظلا يحدقان في بعضهما لبعض كأن على رؤوسهما الطير وكأن الكلمة التي تفوها بها..صلاة يجب الخشوع لها.. دقات قلبيهما أجراس تدعو لتقيم تلك الصلاة...قطع صمتهما صوت صديقتها جومانة..يسأل عنها في جزع:

-فين نريمان يا ام محمد انديها بسرعة من فضلك.

-حاضر يابنتي ثواني اقولها انك هنا.

وطبعا لأن نريمان تفاجأت بحضور جومانة الى بيتها بعد فترة طويلة لم تراها فيه فهرولت اليها فورا وهي تصرخ بسعادة:

-جوجو حبيبتي ..انا مش مصدقة عنية أخيرا شفتك.

-نانا.

قالتها وهي ترتمي في حضنها ثم أطلقت لدموعها العنان. في البداية ظنت نريمان أن جومانة تبكي على موت ولديها ولكن شعرت أن الدموع لها أسباب أخرى عندما همست جومانة وهي على صدرها:

-أنا تعبانة قوي يانانا..مبقيتش قادرة استحمل الحيوان ال اسمه مروان ده..عايزة اخلص منه بقى.

أخرجتها نريمان من حضنها وسألتها وهي تدقق في عينيها بقلق:

-في ايه ياجوجو مالك ياحبيبتي؟


قبل ساعة من هذا الموقف،،،،

كان مروان قد يئس من أن يخرج جومانة من حالة الصمت والزهول اللذان سيطرا عليها، منذ ان قرأت خبر موت أكرم، كان قلقا عليها للغاية، لا ملاطفته لها وكلامه المغمس بالحب والحنان شفعا له عندها..ولكنها فجأة في خضم صمتها هذا طلبت منه :

-أنا عايزة أروح لنريمان صاحبتي.

تعجب لطلبها..ولا ينكر أنه سعد لأنها خرجت من صمتها واحتار أيضا هل يقبل أم يرفض..ولكن حسم الأمر نبرتها المتوسلة له:

-من فضلك سبني أروحلها.

 الطريقة التي نطقتها بها توحي أنها كانت عى حافة الانهيار ولو أنه رفض سوف تكون العواقب وخيمة.. فهمس على مضض ؛

-طيب حخليكي تروحيلها.. حخلي السواق يوصلك هي ساعة زمن وابعته يجيبك ماشي؟

أومئت بالموافقة.

-اتكلمي ياجوجو مالك ايه ال حصل.

هتفت بها نريمان وهي تشجعها على الحديث.. كان مالك على وشك الانصراف حتى يتركهما على راحتهما ولكن جومانة استوقفته قائلة:

-لأ متمشيش لو سمحت أنا عايزة أحكيلكم ال حصلي عشان تساعدوني..أنا مليش حد دلوقت غيركم ..بعد ما بابا مات.

-ايه باباكي مات امتى وليه مقلتليش.

صرخت بها نريمان بنبرة منزعجة..وهي تضرب على صدرها بخفة من وقع صدمتها بالخبر..نظرت لها جمانة قائلة:

-حتعرفي كل حاجة لما احكيلك..

ثم حكت لهم كل شئ حدث لها منذ يوم زفافها الدامي حتى لحظة جلوسها معهم وقد انهت حديثها بانها قالت:

-أنا مش عايزة أعيش معاه تاني..أنا بكرهه بخاف منه..كل ما يقرب من جسمي بيقشعر..انقذوني منه عشان خاطري.. أنا عايزاه يطلقني.

سارت حمية مالك خاصة أنه صعيدي فقد استاء مما سمع..أما نريمان فأخذتها في حضنها علها تلملم شتاتها..تمسح دموع القهر عنها..هبا مالك قائلا بشهامة وصوته يحمل كل معاني العزم والأصرار على حماية تلك الصبية المقهورة:

-متخافيش انت من إهنيه في حمايتي..وان شاء الله حخلصك من الردل الواطي ديه وحطلجج منه ويبجى يفكر بس يمس شعرة منك.

خديها يانريمان واطلعوا فوج .

نريمان: حاضر.


الفصل العشرون والواحد والعشرون 

كاره النساء


-يعني إيه مرضيتش ترجع معاك.

صرخ بها مروان عندما أخبره سائقه أن مدام جومانة أبت الرجوع معه، صريخه جعل الرجل يتراجع للوراء وابتلع ريقه خوفا من غضبه ، فقال بلهجة حاول أن يؤكد فيها قلة حيلته أمام رفض زوجته العودة معه:

-والله يا يبيه أنا مليش ذنب أنا رحتلها وطلبت منها تروح معايا لكن هي مرضيتش تيجي معايا..قالتلي مش راجعة معاك.

سرحا مروان مضيقا عينيه في ضيق بالغ، مداعبا ذقنه يحاول تفسير رفضها للرجوع الى البيت، ثم ضرب مكتبه بقبضته قائلا بوعيد :

-ماشي ياجومانة أنا حعرف أرجعك البيت تاني إزاي..أنا الحق عليا من الأول الخليتك تزوري صاحبتك..ماشي بتتحمي فيهم..طيب استني عليا.

ثم نظر للسائق بعينان نارية قائلة بخشونة، تعالي ورايا على العربية.

انصاع السائق لأمره وتوجه به صوب بيت نريمان كما أمره سيده.

**************************

جلستا نريمان وجومانة في حجرة الأولى تستعيدان ذكريات ما حدث لهما قبل أن يتقابلا، أحداث صعبة مريرة مرت لكل منهما..حتى زفرت نريمان وقالت وكأنها تتعجب من أمر الدنيا:

-معقول كل ده يحصلنا فكام شهر..

من كان شهر كانت احلامنا مختلفة أنا عن نفسي كنت بفكر في حاجات كتيير كان نفسي اعملها.. كنت بفكر في الجامعة ال حدخلها ازاي ابقى فيها الكل في الكل ،وابقى مسيطرة على كل الطلبة كمان..كنت بفكر في النشاطات ال حشترك فيها..في اللبس ال حشتريه عشان ابقى اشيك وحدة في الكلية..حاجات كتير اتغيرت فيا مكنتش عاملالها حساب.

تنهدت ثم استطردت..بس عارفة على قد الأحداث الحصلت وال كانت في ساعتها بالنسبالي صعبة وكرهتها..على قد ما أنا سعيدة أني عرفت مالك وحبيته وسعيدة اني اتغيرت كمان..ثم نظرت لجومانة وجدتها شاردة فسألتها:

-أنتي معايا؟؛

 نظرت لها جومانة بعينان منطفئتان، وقالت بنبرة تملؤها الحسرة:

'أنا" أنا حاسة أني عمري ما عشت حياتي ولا حلمت اصلا ..ولا كان مسموحلي احلم بأي شئ، اتجوزت غصب عني، حتى الأنسان الوحيد الحسيت معاه بحنية وحبني وحاول يساعدني مات، كأني اتخلقت بس عشان اتعذب، عشان اتقهر، حاسة أني عايزة أموووت مبقتش رغبة الحياة، نفسي أصحى يوم ملاقيش نفسي.. أو الاقيني فقدت الذاكرة.


كانت كلماتها تخرج مع شهقاتها مختلطة بدموع الغزيرة التي أغرق وجنتيها.. طبطبت نريمان على كتفيها وتنهدت في أسف ثم همست وهي تضمها من خلفها:

-لأ ياجوجو متقوليش كده بعد الشر عليكي ياحبييتي..والله أنا حاسة أن ربنا حيكرمك بانسان يعوضك عن كل ال شفتيه.


ضحكت جومانة بسخرية ضحكة مفعمة باليأس قائلة:

- انسان يعوضني ..مش لما أخلص من مروان الأول.

صمتت جومانة برهة ثم قالت وهي تكاد تبكي:

-أنا خايفة من مروان يانانا، خايفة قوووي.. أنتي متعرفيش البني أدم ده عامل ازاي، انسان معندوش قلب معندوش رحمة.. ممكن يعمل أي حاجة  وميخليش حد ينتصر عليه.


هتفت نريمان وهي تجلس أمامها بثقة:

-متخافيش ميقدرش يعملك حاجة ولا يقرب هنا.


في نفس تلك اللحظة كان مروان قد وصل  من خلفه حراسه وسائقه يختبى بين جثثهم الضخمة، ثم جهر بصوت عالي:

-جومانة...ياجومانة تعالي هنا.


ما إن وصل صوته الى مسامعها حتى انتفضت واتسعت عيناها زعرا، تتشبث بيدا نريمان وتهمس برعب:

-مروان...شفتي يانانا لسة بقولك اني خايفة..قلبي حاسس أنه مش حيعديها على خير.

-اهدي ياجوجو متخافيش مالك دلوقت يخليه يلزوم حدوده.

خرج مالك على أثر صوته قائلا:

-أيه ياجدع أنت حد يزعج إكده في بيوت الناس.

نظر مروان لمالك نظرة نارية مليئة بالحقد قبل أن يقول:

-أنت مين.

أقترب مالك منه وقف أمامه بثبات وثقة قائلا:

-أنا صاحب البيت ال أنت جاي تتهجم عليه أنت بجى مين؟


-بقولك إيه أنا عايز مراتي بالذوق لحسن مش حيحصلك كويس.

قال ذلك مروان وهو يشهر سبابته أمام وجهه  مهددا وعيونه تنذر بشر مبين، لم يهتم مروان بتهديده هذا ولم يهتز قيد أنملة،  بلا ابتسم بسخرية وتقدم منه أكثر وقد همس أمام وجهه بكل برود:

-ليه يا أخينا مرتك تايهة منيك ولا إييه؟


ضغط مروان على أسنانه في غيظ احمرت عيناه و أذنيه من فرط الغضب .. أمسك بتلابيب مالك ثم صرخ فيه بعصبية:

-أنت دمك خفيف قوي ياروح أمك بس أنا مضحكتش.. وحخليك تبكي زي النسوان دلوقت.

ثم أخرج مسدسه وصوبه نحو رأسه رجاله أيضا اشهروا أسلحتهم أمامه ..ولكن مالك بخفة خطف المسدس منه وحاوط رقبته بذراعه..وبيده الأخرى صوب مسدسه نحو رأسه..آمرآ رجاله :

-سيبوا السلاح من ايديكم لحسن افرتكلكم راس سيدكم دلوك.

كل ذلك حدث في دقائق معدودة جعل نريمان وجومانة تصرخان فزعا ويهرولا نحوهما فقد فزعت نريمان ورددت أسمه بهلع عندما صوب مروان في بادي الأمر مسدسه نحوه:

- مااااااالك؛

وشعرت جومانة بالاضطراب، والقلق لأنها ستكون السبب لو حدث أي مكروه لمالك بسببها.

نظرا مالك لهما وصرخا فيهما:

-أطلعوا فوج دلوك يلا منيك ليها.

صوته أرعبهما جعلهما يصعدا الى أعلى وبقى قلبيهما معلقا به ماذا سيحدث بعد ذلك؟

اعتصر مالك رقبة مروان بذراعه وهو يقول له:

-جولهم يرموا سلحهم في الأرض..أنطج.

وبصوت محشرج من فرط الألم قال مروان:

-نزلوا سلاحكم..نزلوه.

انصاعوا لأمره وطرحوا سلاحهم أرضا.

قال لهم مالك:

-ارفعوا ايديكم وارجعوا ورا.

نفذوا ما قال..اقترب مالك وهو يسوق مروان تحت تهديد المسدس حتى وصل الى جهازا ضغط على ذره  بعد دقائق معدوظة ظهر رجال تخص مالك قد استدعاهم تحسبا لموقف مثل هذا الذي حدث، قبضوا على رجال مروان ..وساق رئيسهم ممروان نفسه الى الخارج ومالك يبتسم ويقول له:

- مع السلامة وإياك تفكر تعاود إهنيه تاني يامروان باشا.

ومروان ينظر له بغل ويقول له بتوعد:

-ماشي ..بس متفتكرش أني حعديهالك..وديني لدفعك تمن ال عملته ده غالي قووووي.


بعد انصراف مروان هرولتا نريمان وجومانة نحو مالك فارحيتين مطمئنتين، ارتمت نريمان في حضنه وهي تغمغم باكية:

-مالك ..مالك انا كنت خايفة عليك قوووي 

-متخافيش أنا زين جوي.

وجومانة تقف على استحياء  ومع ذلك همست:

-أنا متشكرة قوي.

 نظر لها قائلا:

-قلتلك متعونيش هم أنتي في حماية ربنا وحمايتي.

-يلا يانريمان خدي صاحبتك واطلعوا واسترحيوا هبابة .

-حاضر.

قالتها مفعمة بحب .ثم جذبت يد جومانة وصعدتا مبتسمتين .


************************************

استيقظ مالك في الصباح ولم يشأ أن يوقظ نريمان وصديقتها فضل أن يتركهما على راحتهما، تناول إفطاره وذهب الى عمله.. على الطريق وجد رجل معه زجاجة فارغة يشير له بيديه، توقف مالك بالفعل له ظنا منه أنه يريد مساعدة نظر له قائلا:

-يلزم خدمة ياسطا.

 قال الرجل وقد انحنى قليلا:

-ايوة الله يكرمك شوية بنزين يقوموا العربية لأقرب بنزينه عشان أمون وأكمل طريقي.

مالك  وهو يفتح باب السيارة ويترجل منها:

-بس إكده حاضر.

-الله يكرمك.

اخذ مالك منه الزجاجة وراح يملئها له والرجل يد عو له بالخير..وما أن انهمك مالك واعطاه ظهره حتى اخرج ذلك الرجل منديلا مبللا بالمخدر وكممه به قاومه قليلا ،ولكن سرعان ما خارت تلك المقاومة بعد أن غاب عن الوعي حمله ووضعه في سيارته وانطلق به حيث أمر.

*********************************

تململت جومانة حتى استيقظت..تمد يديها الى الأمام في حركة رياضية لتجلب لنفسها النشاط، تبتسم بسعادة لأول مرة في حياتها تشعر أنها مسرورة..وانها في أمان ليس عليها أي ضغوط من أي نوع، عادت مشاعرها بكر كذي من قبل، تأملت تلك التي تغط في نوم عميق بجوارها فاتسعت ابتسامتها أكثر بجوارها أختا لها تحتويها ..قبلتها في خدها قبلة أمتنان، فهشتها نريمان بيدها وملامحها تعبر عن الضيق فقد شعرت أن حشرة تعاكسها وهي نائمة، فضحكت جومانة فشرعت في معاكستها أكثر وأكثر..امسكت خصله من شعرها وظلت تهش بها على أنفها ونريمان تبعدها وملامج وجهها تنم عن الغضب، وراحت تزغدها بخفة في ذراعها وتقرصها في خديها وذقنها..حتى استيقظت نريمان بحركة عصبية وكادت ان تسب وتعلعن لولا أن رأت جومانة تضحكة بعذوبة فقالت وقد تنفست براحة:

-هو أنت ياشيخة..انا قلت ايه الحشرات الغلسة دي ال ملت بيتنا.

قالت جومانة وهي تغمز باحدى  عينيها ونبرة خبيثة:

-حشرات بردو ولا افتكرتي ملوكك هو ال بيعاكسك.

ضيقت نريمان عينيها تحدق فيها بتعجب تهرش في رأسها غير مصدقة ما تراه:

-غريبة انتي صاحية فايقة بقى وبتستخفي

 كمان .

ازدادت ضحكات جومانة فتخلت عن فراشها وراحت تدور في الحجرة كالفراشة  هاتفة بسعادة:

-فرحانة قوووي يانانا لأول مرة أحس أني حرة ..حرة محدش له سلطة عليا ولا بيتحكم فيا ..ياااااه أحساس جميل قوووي.

-طب يااختي ربنا يسعدك كمان وكمان تصبحي على خير.

قالت ذلك وهي تتثائب ثم تنام وتلتقط وسادة تخبئ  بها وجهها.

نزعتها منها جمانة وهي تقول بتزمر:

-أنت حتنامي تاني قومي بقى وبطلي كسل.

جلست نريمان متربعة على سريرها قائلة والنوم يداعب وجهها وصوتها يرجوه أن يدعها لحالها:

-انا حصحى اعمل ايه دلوقت؟؛ سبيني اكمل نومي بالله عليكي  انا مبصحاش دلوقت ثم اخذت الوسادة مرة أخرى ووضعتها فوق راسها ونامت وهي تشخر بصوت عالي حتى تثبت لها انها نامت بالفعل.

ولكن جمانة نزعتها ورمتها بعيدا وقالت في اصرار:

-لأ بقى مفيش نوم تاني قومي بقى وبطلي رخامة عايزين نفطر ونخرج ونشتري ونتفسح ونعمل كووول ال ال احنا عايزينو يلااااااا قومي يارخمة.

-ياااااربي انا عايزة أنام.

جذبتها جمانة من يدها تسحبها نحو المرحاض بالقوة قائلة:

-يخرب بيت كسلك ياشيخة..مفيش نوم تاني خلاص ..وقت النوم خلص..يلااااااا قدامي.

زامت نريمان في وجههها قائلة على مضض:

-امممممم...طيب ..طيب قومت اهو..هوووف منك.

ضحكت جمانة ثم راحت تدندن في حبور.. تشعر بشئ غريب يتسلل داخل روحها كانها تحررت من قيود كانت تكبلها.


تنولتا الاثنتين الافطار ..وخرجتا لكي يتسوقنا كانت نريمان تتصل بمالك بين الحين والحين حتى تستأذنه لكي يخرجا، ولكن هاتفه مغلق وذلك الحارس لا يفارهما ابدا كما أمره مالك يوم ان حضر مروان وتشاجر معه، قال له حينها  أن لا يفارق السيدتين ابدا وأن يصطحبهما كظلهما أينما ذهب.

قضيتا جمانة ونريمان يوم رائع وممتع..عندما عادتا الى البيت ظنت انها سوف تجد مالك قد وصل للبيت ولكن رأت آخر شخص توقعته في حياتها.



الفصل الواحد والعشرون


كاره النساء

قضيتا جمانة ونريمان يوم رائع وممتع..عندما عادتا الى البيت ظنت انها سوف تجد مالك قد وصل للبيت وفي انتظارها ،ولكن رأت آخر شخص توقعته.. شخص لأول مرة تراه في حياتها أو هكذا ظنت،  توقفت فجأة وهي تتبادل مع جومانة نظرات الاستغراب عندما أبصرتا شابا لا هو بالقصير ولا الطويل طليق اللحية والشارب بشكل منمق، رافعا شعره كعرف الديك، وجهه بيضاوي بيضاء البشرة عيناه بداخلها فيروزيتان تبتسم بثقة تكاد تصل لحد الغرور، كان جالسا بأريحية وضعا ساق على ساق كأنه في بيته. 

عندما أقبلتا عليه نهض وتقدما نحوهما يحدق فيهنا بتمحص كأنه يحاول أن يكتشف من منهنا أبنة عمه، وبالفعل توقف بجوار نريمان كاد يلتصق بها مما جعلها تبتعد بتلقائية متعجبة من فعله الجريئ هذا، قائلا بصوت خافت استفزها:

-انتي نريمان أنتي أحلى من الصور بكتييير.. ياااه والله زمان.

ثم نظر لجومانة وسأل:

-والأمورة بقى تبقى مين؟

طريقته في الحديث..واقترابه منهما بشكل غير لائق أثارت غضبهنا وجعل وجهه نريمان يحتقن فسألته بعصبية:

-وأنت مين بقى ان شاء الله وتعرفني منين؟؛

طلت ابتسامة قميئة من جانب فمه وضيقت عيناه وهي تكاد تضحك بغرور.. وكأنها لأول مرة في حياتها ترى عينان تضحك بكبر، اقترب منها وقرب رأسه من وجهها للغاية جعلها تنظر له بتحذير مطعم بغضب قائلا دون أن يهتم بغضبها هذا أو تحذيرها له باقتربه:

-معقول مش فاكراني يانار تؤتؤ أنا زعلان منك.

جمانة تلوي شفتيها بامتعاض من اسلوب هذا الرجل المستفز..ولكن فضولها يقتلها وسؤال يتردد بداخلها بقوة..من هذا السمج..من يكون؟.

ما إن تفوه بنار حتى تراجعت للخلف بضع خطوات ..وتراجع عقلها أيضا سنوات وكأن شريط حياتها أمام عينيها يمر بسرعة يعرض عليها ذكريات طفولتها، وتوقف عند لحظات معينة كان عمره في تلك اللحظات ثلاث سنوات تلعب في الشارع بعروستها..ثم يأتي طفل يكبرها بخمسة أعوام طويل جدا هكذا كانت تراه وهي طفلة، يأخذ منها لعبتها عنوة وهي تجذبها منه وتبكي وتنادي على أبيها ليغيثها منه..كان صوته غليظ تنفر منه دائما وهو يقول لها:

-نار هاتي العروسة دي العب بيها.

فترد عليه ووجهها عابس فمها مضموم باعتراض وبغض.. واعتراضها هذا على منادته لها بنار فهذا ليس اسمها:

- مس تأول نار دي.. ومش حتاخد لحبتي..انت وحش وخلس(  مش تقول نار دي  ومش حتاخد لعبتي أنت وحش وغلس).

كيف ينعتها بنار وهي جنة والديها.. ولكن ذلك الغليظ يأخذها منها عنوة ويشد لها شعرها حتى يؤلمها.. ثم يأتي أبيها و يخلصها منه  يضربه على يده ويأخذ منه العروسة ويعطيها لابنته، يراضيها بقبلة وحضن مفعمان بالحنان.

تهدجت أنفاسها بقوة وهي تعود للواقع وتهمس بغير تصديق:

-أنت أاا......؛

ضحكت فيروزيتاه ضحكة الغرور وهو يقترب منها حد الالتصاق هامسا بصوت صادح من مذياع الشغف :

- نااااااائل..ابن عمك نائل افتكرتيني يانار اهو.


-نعممم ..أفندم..ايه الجابك بعد السنين دي كلها؟؛

صرخت بها وهي تدوس على كل حرف بأسنان البغض، والكره، والأشمئزاز قالتها وهي تبتعد وتنظر له باستياء.. وجمانة تردد باندهاش وعدم فهم ، ابن عمها؟؛

 

-ايه يابنت عمي الأستقبال البارد ده ..بعد السنين دي كلها ال مشفتنيش فيها تكون مقابلتك ليا كده...تؤتؤتؤ.. مكنتش منتظر منك كده بصراحة.

صرخت نريمان وقد بلغ الغيظ منه مبلغه:

-نعم امال كنت منتظر اقبلك ازاي ..اخدك بالحضن مثلا.

-ده أقل واجب.

قالها بنبرة تؤكد انه يعنيها. . جعل عيناها تتسع غير متوقعة رده.. أودعت صوتها الصبر وضغطت على أعصابها لكي تتحمل هذا الرجل وقالت من بين اسنانها:

-لو حضرتك جاي تعزي..شكرا ليك وسعيكم مشكور.

-هو عزا بس يا بنت عمي انتي ناسية إن في ورث كمان.

تبدلت ملامحها من الغضب والضيق الى الخيبة لقد نست أمر هذا الورث ..فلم لم تستطيع النطق وابتسم هز بانتصار

-قوليلي بقى اوضتي فين عشان استريح شوية من السفر.

-ايه أنت حتقعد هنا؟؛

-امال يعني حبات في اوتيل وانا عندي ملك..


 فزفرت بقلة حيلة وقالت وهي تتجه نحو غرفتها بخطوات سريعة:

-يلا ياجمانة نطلع نستريح شوية لحسن انا جبت أخري خلاص.

في حجرة نريمان 

ظلت نريمان تقطع حجرتها أيابا وذهابا في جنون هاتفها على اذنيها  وعن أخير ألقت به على الفراش بعنف وقالت بضيق:

-بردو تليفونه مقفول مش عارفة في ايه..مالك مش بيرد ليه مش عارفة.. وكنت ناقصة ابن عمي ده كمان.

-ابن عمك ده ايه امال مالك يبقى مين انا مش فاهمة حاجة فهميني يانانا؟؛

تنهدت بقوة ثم استطردت:

-مش عارفة اقولك ايه الموضوع طويل قوي . أنا ححكيلك ياستي ال حصل شوفي.........

**********************************

-بتقول ايه أتخطف مين دول ال خطفوه؟؛

تفوه بها مروان عندما سمع تلك المعلومة من أحد رجاله حينما بلغه بها.

-مش عارف يابيه انا راقبته من بعيد لبعيد زي ما قلتلي..بعدين لقيت واحد راكب عربية نزل منها ومعاه جركن شاورله ولما وقف له مالك ويظهر كان حيديله بنزين ولا حاجة، بعد ما اداله ظهره جه الراجل من وراه طلع منديل حطه على بقه وفي ثواني خدره وشاله وحطه جوه عربيته وطلع بيه..وطبعا ساعتك انا طلعت وراهم لحد مالقيته نزله وراح بيه العنوان ده ساعتك.

قال منعم احد رجال مروان ذلك  كله ومده له يده بورقة بها العنوان.

-اخذ مروان الورقة وفتحها ثم بعد أن قرأ العنوان قال متحيرا :

-عنوان مين ياترى ؟؛

طوى الورقة وخبأها في جيبه بعدها استطرد:

-تعالى معايا واجمعلي الرجالة كلها..وبعدين نشوف حكاية العنوان دي ايه.

منعم بحماس وطاعة:

-أوامرك يا باشا.

*******************************

-ايه الحكاية الغريبة دي .

تفوهت بها جمانة بعد أن قصت عليها نريمان كل ما حدث لها وحكايتها مع مالك.. تنهدت نريمان بقلق ثم غمغمت:

-أهو ده الحصل ياجوجو ..أنا قلقانة قوي على مالك ..قلبي مخطوف كده ومش عارفة ايه ال حصل.

-متقلقيش ..خير ان شاء الله..يمكن تليفونه فصل شحن ولا حاجة..بس ابن عمك ده غلس قووي ورخم كده..وباين عليه بجح وجرئ ..ايه ده انسان مستفز قوي.

-أيوة أنا قلبي اتقبض من ساعة ما شفته ومستريحتلوش خالص. تنفست بعمق ثم زفرته على مهل وتابعت:

-مضطرة استحمله لحد ما مالك يجي يتصرف معاه ويغور من هنا.

فجأة وبدون أنذار سمعتا طلقات نار فصرختا وهنا يضعنا ايديهما على أذنيهما قائلة جمانة مستفسرة:

-فيه ايه..ايه ضرب النار ده؟.

نريمان باضطراب:

-مش عارفة يمكن مالك رجع وبيتخانق مع نائل ده.

-طب تعالي نشوف ايه البيحصل.

هرولتا الى الطابق الأسفل ليتفقدا ما حصل، وجدتا مروان ورجاله يشهرون أسلحتهم في وجوه الحراس الذين عينهم مالك لحراستهم  ومنهم من كانت رقابهم تحت قبضتة تلك الرجال،  وقف مروان في المنتصف يقول لهم بنبرة تهديد وعيناه تتسع بشر ووعيد:

-بقولكم أيه انا مش عايز اتهور عليكم واقتلكم كلكم ادوني مراتي بالذوق عشان امشي ويادار ما دخلك شر.

كانت ناريمان وجمانة خلف مروان.. فتواريتا خلف ستار المطبخ المجاور للسلم الذي يؤدي للطابق العلوي.

وضعت جمانة يدها على فمها عندما رأته يهدد وينذر بالشر.. ونريمان اتسعت عيناها بخوف وقد همست بصوت خافت:

-الله يخرب بيتك هو انت.

همست جمانة لها وهي تبكي:

-أنا لازم اروح معاه لحسن يأذي حد فيكم بسببي.

صرخت نريمان بصوت خفيض باعتراض:

-لأ مش حتروحي معاه استني يمكن نائل يمشيه.

كان نائل قد استيقظ على أثر الصوت فقال بنبرة تجمع بين الدهشة والتساؤل:

-فيه ايه ..انت مين وعايز ايه؟؛

وبادله ايضا مروان الدهشة فرد عليه سؤاله بسؤال:

-وأنت مين بقى؟

نائل: أنا البسألك.

مرون وهو ينظر له من اسفل وأعلى ولا يعنيه من هو المهم أن يستعيد زوجته ويعود به الى بيته:

-أنا عايز مراتي ومنعا للمشاكل خليها تروح معايا بهدوء.

اقتربا حاجبا مروان في عدم فهم فسأله:

-مراتك مين؟؛

-جمانة 

صرخ بها مناديا  وظل ينادي وهو يبحث بيعينيه في كل اتجاه :

-جمانة جمانة..تعالي معايا.

لقد خمن نائل ان جمانة هي صديقة ابنة عمه فقال بهدوء:

-وطي صوتك لو سمحت ومراتك حنجبهالك.

زاد بكاء جمانة ونحيبها وهمست لنريمان  بقلة حيلة:

-انا حخرج يانانا مفيش فايدة محدش حيقدر يقف قصاده المرة دي.

-لأ ياجوجو بلاش لحسن يعمل فيكي حاجة أنا حخلي نائل يطرده.

وعندما اقترب نائل من أمام المطبخ وكان متجها الى اعلى لينادي جمانة سحبته نريمان وقد تفاجأ هو بمن يجذبه وقالت له:

-من فضلك ساعدنا..اطرد الراجل ده من هنا جمانة مش عايزة تروح معاه.

بكل هدوء وبرود قال نائل:

-أنا مالي أتدخل بين راجل ومراته ده شئ ميخصناش..ثم التفت لجمانة وتابع، من فضلك روحي مع جوزك احنا مش عايزين مشاكل .. مشاكلكم دي تحلوها في بيتكم من غير متزعجوا معاكم الناس.

اتسعت عيون البنتين في صدمة..ينظرون له بأسف ولم يستطيعا التفوه بكلمة..وبهدوء انسحبت جمانة وخرجت لمروان وقالت له بصوت يائس كالمقبل على الأنتحار:

-أنا اهو ..جيت عشان اروح معاك.

ابتسم مروان، والتمعت عيناه بانتصار التقط يدها في استحوز وخرجا أمرا رجاله أن يتبعوه.

*******************************

ركضت نريمان تبكي قلقا على صديقتها، قلبها يحمل بغضا اكثر لذلك الذي تخلى عنهما وابدى كل استندال حيالهما، لو كان مالك ما كان سلمها له..وكان حافظ عليها..اين أنت يامالكي؟ اين أنت حبيبي؟ اين أنت زوجي وحمايا؟ اين انت ياسندي؟ ظلت تبكي لساعات وتسأل نفسها ألف سؤال عن مالك اين ذهب ولماذا تأخر..قطع دموعها طرقات على باب حجرتها..ودخول ذلك النائل..تعجبت لدخوله هكذا دون حتى ان تأذن له بالدخول اعتدلت عند رؤيته، مسحت دموعها وابتلعت ريقها وسألته:

-في ايه؟؛ وأزاي تدخل اوضتي من غير أستئذان؟؛.

اقترب من فراشها في تؤدة..وفيروزتيه تبتسمان بشئ لم تفهمه قائلا بعد ان وقف أمامها:

-أنا خبطت ودخلت ..وبعدين أنا مش غريب أنا ابن عمك..ولقيت نفسي زهقان قلت نسهر مع بعض.

اتسعت عيناها بعدم تصديق ..جاهلة مقصده قائلة بصوت متلجلج:

- م م من فضلك أخرج أنا تعبانة وعايزة أنام

جلس بجوارها على الفراش مما جعلها تتراجع للخلف  هامسا بكل صفاقة:

-أنتي خايفة مني؟ أنا حاسس انك دلوقت عايزاني ومحتجاني ابقى جمبك بعد الاحداث المشحونة ال حصلت دي انهاردة ..ولا ايه؟ 

ثم مدا كفه نحو وجنتيها ليداعبها.

ولكنها صدت يده بغضب صارخة فيه وقد اسودت عيناها احتقارا له:

-أنت اتجننت ..عايزاك  ده ايه ومحتجاك ده ايه..أنا متجوزة وجوزي ممكن يجي في أي وقت.

وهمت أن تنهض لتترك الفراش ولكنه ثبتها بيده هامسا بجرأة:

-استني بس رايحة فين ..يابنت عمي وفيها أيه لما نقضي ساعة حلوة مع بعض أنا محتاج لست وأنتي محتاجة للراجل جسد محتاج لجسد..ليه ميلبوش احتياجتهم، ده شئ عادي حرية سيبك من التخلف ال لسة عايشة فيه ده.

حدقت فيه بصدمة وشل لسانها فماذا تقول لهذا الحيوان، الحفاظ على الشرف تخلف..الأخلاق رجعية..وتلك القذارة التي يريدها هي الحرية تبا لك بل أنت المتخلف عقليا تهدجت أنفاسها داخل صدرها ولا تنكر أن الخوف تسلل اليها واحتل كل ذرة فيه، ابتلعت ريقها بصعوبة ثم قالت بصوت حاولت أن يكون متماسكا:

-من فضلك اطلع بره وسبني لوحدي.

-يعني مفيش فايدة مش مقتنعة بكلامي.

قالها وهو يقرب رأسه من وجهها حتى كاد أن يلامسه فاشاحت به بعيدا عنه وصرخت غاضبة:

-قلتلك اخرج ..اخرج بره.

-ماشي حخرج دلوقت أنا بردو متحضر ومحبش أعمل حاجة غصب عنك بس مش حيأس..تصبحي على خير.

وبعد أن خرج وضعت يدها على قلبها عله يهدأ، من مما أصابها من توتر بسبب ذلك الحيوان الغبي..شعرت بارتجافة تصيب جسدها كأن رياح ثلجية عصفت بها ضمت نفسها بنفسها وجذبت الغضاء عليها تحتمي من رعشة الخوف التي ألمت بها وعن اخير أفرغت كل ذلك في بكاء ونحيب تنادي مالك عله يغيثها من ما فيه.

*********************************

بعد أن وصل مروان البيت ساق جمانة الى حجرتهما ودفعها داخلها بغضب قائلا بتهديد:

-بقولك ايه أنا دلعتك كتير..وصبرت عليكي أكتر ..قلت يمكن تيجي باللين لكن مفيش فايدة فيكي..أنا تعبت بقى وصبري نفذ..من هنا ورايح حتقبلي بالأمر الواقع فاهمة..وحتكوني مراتي بالذوق بالعافية حنكمل حياتنا وحتعيشي معايا زي ماانا عايز وياويلك لو عملتي اي حاجة من غير ماعرف من انهاردة خروج مفيش مرواح عند صديقتك تاني مفيش.. حتتحبسي هنا زي الكلبة ليه حق ابوكي لما كان بيعاملك بشدة.

راح يلهث من فرط الأنفعال احتقن وجهه..وتسارعت أنفاسه صمت ثواني ليستعيد هدوءه يمسح شعره ويزفر كل غضبه..أما هي فشعرت بالنهاية..نهاية كل شئ ، كأن الدنيا في لحظتها هذه ستنتهي، روحها ستزهق وتنتهي ايضا، نهاية أحلامها وأمالها، نهاية سعادتها وفرحتها نهاية كل شئ..في ثواني زبلت عيناها..وشحب وجهها ، وتساقططت عبراتها تغرق وجنتيها..وهجم الخوف عليها وارتعش جسدها خاصة عندما رأته يشمر أكمامه ويفتح أزرار قميصه ويقترب بخطوات  متأنية ونظراته توحي بالأفتراس، ظلت تتراجع للخلف، وفي لحظات حضرت ذكرى مشهد ليلة زفافها وما ان جذبها الى حضنها عنوة وراح يغزو وجنتيها بقبلات غاشمة، ظلت تصدها بكل قوتها، أرادت أن تصرخ لكي يتركها لكن صوتها احتبس ولا تعلم لماذا، استطاعت أن تفلت منه، ولكن هيهات لم يتركها جذبها من شعرها، ليتم غزوه، لمحت سكينا لتقطيع الفاكهة بالقرب منها مدت يدها بصعوبة حتى التقطته ولم تشعر الا وهي تغرز السكين في جمبه ترنح وهو يحدق فيها بزهول يتحسس جرحه بيده وما ان رأى يده ملطخة بالدماء حتى شعر بدوار عنيف في رأسه ثم لم يلبث الا أن سقط على الأرض.          

       الفصل الثانى والعشرون من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>