رواية لمن القرار الفصل الخامس عشر15 والسادس عشر16بقلم سهام صادق


 رواية لمن القرار 

الفصل الخامس عشر والسادس عشر

بقلم سهام صادق


الفصل الخامس عشر

***********


تعمقت عيناه في تأملها مع تمايلها أمام عينيه الواهنتين .. 


شهية هي ولذيذة وصغيرة شيطانه يُخبره بما ليس خَفيّ عنه.. 



نفس الرائحة التي علقت بأنفه أنه يشمها بلذة عجيبة وكأنه 



لأول مرة يشم رائحة امرأة وأي امرأة هي.. طفلة صغيرة وزوجة سائقه وخادمته



- حاول تساعديني يا بيه عشان أعرف أخدك أوضتك



أنتفض كالملسوع وأخيراً قد فاق من نشوته يُطالعها بنظرة 



غامضة جعلتها تتراجع للخلف دهشة تنظر إليه بترقب 

- روحي على المطبخ يا فتون.. ولو عايزة تروحي روحي

طالعته وهو يسير ببطء نحو غرفته تنظر إليه متعجبة من 


نبرته الجامدة ولكنها اصبحت تعتاد الأمر منه

أنهت عملها  وقبل أن تنصرف نظرت نحو باب غرفته المُغلق وغادرت 

............

تجمدت يداها على الطبق الذي تنظفه وتلك اليدين ألتفت حول خصرها ظنته في البداية حسن

- تعرفي إنك خسارة فيه 

صوته الهامس في أذنها جعلها تنتفض مذعورة فسقط الطبق 



منها وتراجع هو للخلف يلتف حوله قبل أن يدلف حسن للمطبخ ينظر نحو صديقه ونحو الطبق المكسور 

- كل ده بتشرب يا مسعد.. وانتِ مالك واقفة كده ليه فين الأكل 

رمقها مسعد بنظرة مُحذرة وألتقط زجاجة الماء عائداً لمكان جلوسه يزفر أنفاسه مضطربًا فماذا كان سيحدث إذا رآه حسن 

رفع كفيه ينظر نحوهما فمنذ لحظات كان يلامس بهما خصرها الفاتن النحيل.. حسن صديقه 


لا يُقدر تلك النعمة التي بين يديه.. إنه يصف له خصالها الحميدة وجمالها ورغم كل ذلك لا يراها إلا لا شيء

غادر حسن المطبخ


 ومازالت كما هي واقفة في مكانها .. لم يُلاحظ إرتجافها ولا تلك الصدمة المرتسمة فوق عينيها 

أنحنت تلتقط الأجزاء



 المنثورة من الطبق تُسلط عيناها نحو أرضية المطبخ بشرود وبملامح باهته 

.......... 

- مش هطلع يا حسن أحط الأكل حطه أنت 

استوحشت نظراته يرمقها بنظرة تحمل لها الوعيد لعلو صوتها 

- صوتك ميعلاش.. وخدي بالك لاء ديه بقت تتقال كتير

جذبها من مرفقها يُقربها منه يقبض على فكها بقوة 

- شكلك محتاجة علقة حلوة.. ولا أظاهر جسمك نحس من الضرب 

- ايوة جسمي نحس يا حسن.. هتعمل فيا أيه أكتر من كده 

دفعت يده عنها تنظر إليه بشجاعة واهية ولكنها قررت أن تكون شجاعة حتى لو لمرة واحدة  

- شكلك مش عايزه تعدي ليلتك السعادي يافتون 

رأسها أصبح أسفل قدمه يُطالعها من علو فتصرخ من شدة ضغطه 

- حسن أنت أيه اللي بتعمله ده 

- أسكت أنت يا مسعد وأرجع مكانك.. وبلاش تتدخل مراتي وبآدبها

دارت عينين مسعد بينهم أراد تخليصها ولكنه كان يعلم أن صديقه سيزداد في ضربها 

ألقى مسعد نظر أخيرة عليها ولكن عيناه توقفت نحو خصلات شعرها السوداء الطويلة


 وكتفها الذي عراه بعدما شق لها ثوبها. 

المشهد أصبح فاتنًا بهيئتها المُبعثرة التي ترسخت بعقله.. كاد أن ينسحب ولكن صراخها 


الذي أزداد جعله يقترب من صديقه 

- كفاية يا حسن.. الجيران هيسمعوا صوتكم 

أزاحه جانبًا  بعيدًا عنها يجذبه بصعوبة خارج المطبخ  ألتقطتها عيناه وهي تتكور علي


 حالها باكية قبل أن يبتعد عن المطبخ 

- تعالي أقعد هنا يا أخي  وأهدي 

- أبعد عني يا مسعد.. بنت.. بقت تعلي صوتها عليا وتقولي لاء

أراد أن ينهض مجددًا ليريها رجولته ولكن مسعد عاد لدفعه على مقعده 

- يا حسن براحه.. كتر ضربك فيها هيخليها تطفش منك 

- ما تطفش ولا تغور.. جوازه تسد النفس..ديمًا حارقة دمى على المسا 

- لا لا ده أنت محتاج كوباية ليمون تروق دمك..

وحجة أتخذها ذاهبًا للمطبخ.. وجدها كما هي فأقترب منها بعدما ألتف حول نفسه 



خوفًا من إتباع حسن له .. مدَّ لها يده فرفعت عيناها نحو يده الممدودة فجمدها الذعر.. حاولت أن تصرخ ولكن أسرع في تكميم فمها 

- ولما تصرخي ويجي هتقوليله أيه.. فتون أن مش عايز أذيكي.. أنا عايزك تعتبريني أخوكِ 

وأزدرد لعابه عند تلك الكلمة...فما يشعر به نحوها أبعد عن معناها 

دفعت يده عنها ناهضة من جلستها وقبل ان تصرخ وتفضحه عاد يُكمم فمها 

- حسن عمره ما هيصدقك وهتكوني فضحتي نفسك.. أنتِ عارفه حسن أكتر مني 

أبتلعت صراخها فمن سيعرف حسن أكثر منها... جذبت السكين الذي ألتقطته عيناها تنظر له بوعيد 

- أمشي من هنا.. 

تراجع بخطواته هاربًا وزادت ربكته وهو يسمع صوت حسن من الخارج 

- كل ده بتعمل كوباية ليمون يا مسعد.. مش عايز خلاص وخلينا نروح القهوة 

أنغلق الباب ومع سماع صوت أنغلاقه كانت تهوى على ركبتيها تتحسس مواضع الألم في جسدها تغمض عيناها بقوة 

............

- فتون ممكن تعمليلي حاجة دافية أشربها

أرتجف جسدها قليلًا فمازالت صدمة أمس ترجف أوصالها.. هدأت ضربات قلبها وألتفت إليه

- هتفطر يا...

شحوبه أفزعها فهيئته لم تكن تحي إلا بشدة مرضه..أقتربت منه تسأله

- أنت لسا تعبان من أمبارح يا بيه

طالعها في صمت مُتكأً على الجدار خلفه

- أروح اجيبلك دكتور.. قولي اعمل ايه طيب 

- فتون اسكتي شويه واعمليلي حاجة دافية أشربها

أبتلع لعابه بصعوبة فحلقه يؤلمه كحال سائر جسده.. عاد لغرفته يسترخي على فراشه بإنهاك 

دقائق وكانت أمامها بالمشروب الساخن تعطيه له 

- ديه وصفة ماما إحسان 

هتفت أسمها بحنين وترقرقت الدموع في عينيها ولكن سرعان ما رفرفت بأهدابها تطردهما فليس وقت البكاء الآن 

طالع المشروب ينظر إليه مُستعجبًا رائحته.. وعلي أية حال  سيشربه مهما كان مذاقه فهو يكره الأدوية والأطباء وكأنه مازال طفل في العاشرة من عمره 

- طعمه وحش كده ليه 

قالها متذمرًا يعطيها الكوب فعلي ما يبدو أن الأدوية أفضل منه 

- طعمه وحش بس مفعوله حلو يا بيه.. متبقاش زي الأطفال يا بيه 

حاجبه أرتفع تلقائيًا... أنتبهت لجملتها فتراجعت للخلف تطرق عيناها أرضًا 

- مكنتش أقصد.. اعملك حاجة تانية 

مدَّت يدها لتلتقط الكوب منه ولكنه عاد يرتشف منه ببطء يُقاوم إستياء طعمه

أعطاها الكوب شاكرًا عائدًا لأستلقاءه على فراشه

- متعمليش منه تاني يافتون 

غادرت الغرفة بعدما أبتسمت رغمًا عنها ف رب عملها يبدو كالأطفال في مرضهم 

عادت إليه بكوب أخر بعد ساعتين ولكن قدماها تيبست في مكانهم تنظر إلى ملامح وجهه المُتعرقة

" مش هكون زيك..مش هكون زيك" 

تحركت بخوف نحوه بخطوات مضطربة فمن هو الذي يُخاطبه رب عملها في أحلامه 

هتفت أسمه بصوت هامس مهزوز 

- سليم بيه.. سليم بيه

ولكنه كان غارق في هذيانه... تعلقت عيناها بقميصه القطني الغارق في عرقه 

- سليم بيه 

هاتفه أخذ يرن فوق الكومود المُجاور لفراشه صوت هذيانه يعلو ويداها ترتجف وهي تحمل له ذلك المشروب الذي يتصاعد أبخرته.. عيناها تدور بينهم 


فأقتربت من هاتفه تنظر لرقم المتصل " حازم " لقد أصبحت تعلم القليل عن هوية ذلك الشخص فهو شريكه في مؤسسة المحاماة 

- سليم بيه تليفونك بيرن 

نادته لعله يُجيب عليها ولكنه مازال في هذيانه... وتلك الصوره التي يرى فيها والده بعد زواجه من زميلاته في الجامعة حتى تلك الفتاة التي أعجب بها في سنوات دراسته نالها وهو مُعجبً بصِباهُ في شِيبتهُ 

" عمري ما هكون زيك مش هكون زيك يا صفوان " 

- يا بيه تليفونك بيرن.. حازم بيه بيتصل

وضعت الهاتف بالقرب منه لعلا صوته يُقظه ولكنها كانت بصوتها علي أميال بعيدة منه..  في سنوات مضت. 

الهاتف مستمر في الرنين وهي مازالت واقفة تنظر له وللهاتف إلى أن حسمت أمرها 

- انا فتون.. فتون الخدامة يا بيه

خرج حازم برفقة الطبيب يلتقط منه تلك الروشتة الطبية .. عاد إليها بعدما أنصرف الطبيب 

- هو فين حسن.. 

كادت ان تتحدث فحسن زوجها لا يأتي إلا عندما يستدعيه السيد سليم كما أصبحت تفهم عن طبيعة عمله الذي لا يعد عملًا.. أنشغل حازم في محادثته عبر هاتفه ولكن سرعان ما تذكر أمر الدواء 

- هتعرفي تروحي تجيبي العلاج 

- اه يا بيه.. في صيدلية على أول الشارع 

رمقها فاحصًا لها بعينيه مُتعجبًا من صغر سنها فصديقه لم يكن يومًا يفضل الخادمات الصغيرات.. أعطاها المال يُخبرها بنبرة أعتادت عليها 

- روحي هاتي العلاج بسرعة وبلاش لكاعة

سعل سليم بشدة مُحاولًا النهوض من فوق فراشه

- من أمبارح وأنت شكلك تعبان بس لازم تفضل تعند كتير 

اعتدل في رقدته بعدما عدل له حازم موضع وسادته 

- كنت بتصل بيك عشان أوراق القضية الخدامة ردت عليا 

- فتون 

نطق أسمها بهدوء وقد أرخي رأسه للخلف يُطالع صديقه 

- ايوة ياسيدي فتون..

وطالع ساعته حانقاً من تأخيرها 

- مع اني قولتلها هاتي الدوا بسرعه لكن أقول أيه على الخدامين لازم يتلكعوا 

حاول أن يعتدل من فراشه بعدما ألقى صديقه عليه عبارته الأخيرة فهو خير من يعلم أن فتون مازالت تجهل الأماكن هنا ولا تعرف كيف تتصرف وحدها 

- مبعتش حسن ليه 

- هو حسن فاكر نفسه سواق عندك... ده فاكر نفسه باشا حتى المؤسسة مش بيجيها غير لما نطلبه.. انا مش عارف يا سليم أنت ليه متمسك بي لحد دلوقتي 

- عشان أبوه الله يرحمه 

أزداد في سعاله فأقترب منه قلقًا يناوله كأس الماء 

- مش لو كنت متجوز دلوقتي كان زمان واحده قاعده جانبك بتراعيك.. 

وأردف مُستنكرًا ذلك الزواج الذي لا يعترف به ولا يراه زواجً

- بدل ما أنت مقضيها جواز وقتي وكام ليلة حلوه 

- مش كل الستات زي مراتك يا حازم... وخد بعضك وأمشي 

- ما أنا همشي يا أستاذ بس الخدامة بتاعتك تيجي بالدوا... أنا غلطان إني أعتمدت عليها 

رمقه ممتعضًا يغمض عيناه 

- بدل ما أنت واقف كده بتديني نصايح.. كنت روحت أنت جبت العلاج مش ودتها هي 

- وهي شغلتها أيه 

-  أكتر حاجة نفسي تبطلها النفخة الكذابة... اللي ورثتها عن فريال هانم 

- الدوا يا سليم بيه

التقطت أنفاسها بصعوبة تنظر إليهما وقد لمعت عيناها فرحًا وهي تراه مُستيقظًا 

- باقي الفلوس يا حازم بيه 

- خليهم ليكي 

لم تكن نية حازم أن يُشعرها بوضعها ولكنه كان معتاد علي أسلوبه هذا.. تعلقت عيناها بالمال وقبل أن تُخبره أنها ليست بحاجة إليه

- ياريت كوباية ماية ولا هتفضلي واقفة كده كتير 

تعلقت عيناها بكأس الماء الفارغ الذي يعطيه لها.. أسرعت تجلب دورق الماء وكأس أخر مُمتليء 

ناوله علاجه مُلتفًا نحوها 

- روحي أعملي  شربة يشربها.. بدل وقفتك هنا 

لم يكن سليم بحالة تُساعده أن يَردَع صَفاقة حازم التي لا يغفل عنها.. عادت بأدراجها للمطبخ تشعر وكأن شيء يلتف حول عنقها يخنقها

بدأت تطهو له الشربة تخبر حالها أن السيد سليم مريض ولا ذنب له في بؤسها

- أعمليلي فنجان قهوة مظبوط وهتهولي على مكتب سليم 

هتف بها حازم وهو يقف على أعتاب المطبخ.. أرتجف جسدها على أثر صوته ولكنها تمالكت رجفتها تنظر إليه وهي تُحرك رأسها

ألتف بجسده مُنصرفًا ولكنه توقف 

- فلوسك يا بيه

عاد يُطالعها بنظرة فاحصة فمنذ متى والخدم يرفضون المال

- سليم بيه بيديني مرتبي

أعطته المال الذي باتت تكرهه... ضاعت أحلامها من أجل المال فكيف كان  سيتحمل والدها نفقات تعليمها ولديها من الأخوه سابعة غيرها.. تزوجت حسن حتى يخف الحمل قليلًا ففي النهاية الفتاة ليس لها إلا بيت زوجها كما كانت تحفظ ..جعلها حسن خادمة يُبرر لها عملها الذي أجبرت عليه فالحياة صعبها والزوجة لا بد أن تُعاون زوجها.. فماذا صنع المال لها ؟ 

أخذ المال منها بعينين مذهولة.. غادر نحو غرفة المكتب الخاصة بسليم يبحث عن بعض الأوراق وينتظر قهوته

أنصرف أخيرًا بعدما ألقى عليها بعض الأوامر.. أنهت إعداد الشربة التي فاحت رائحتها وأقتربت من غرفته تطرق بابها ولكنه لم يجيب عليها.. خطت للداخل بعدما أمرها بضعف أن تدلف

- الشربة يا بيه زي ما حازم بيه قالي

- شكراً يافتون مش جعان..تقدري تروحي

- أروح وأسيبك كده يا بيه..

- أنا كويس مش محتاج حاجة

ولكن أعتراضه كان واهيًا كحال جسده.. ولم يكن إلا بحاجة لأحد جواره

...........

دار حول نفسه بعدما وصلته رسالة شقيقته عبر أحد الأشخاص.. لعن نفسه وغباءه انه ترك هاتفه في الفندق الذي قضى فيه ليلته الأولى في العاصمة قبل أن ينتشر الفريق الطبي بباقية الدولة.. أراد أن يرح عقله قليلًا الذي أنهكه في الأيام الماضية وينتبه لعمله حيث يتطلب منه كامل تركيزه

كاد أن يخرج من الغرفة الصغيرة المُقيم فيها الفترة الحالية.. فأصطدم جسده بزميلًا له

- كمال انا عايز تذكرة طيارة تكون الليلادي 

- صعب يارسلان

- حاول تتصرف يا كمال

.......... 

وقفت أمام مرآتها تنظر لملامح وجهها الباهتة.. عيناها قد ذبلة من شدة البكاء.. ناهد تضع حبها كأم مقابل مُقابلتها لذلك العريس الذي لولا الظروف التي حدثت له لكان قد أتى ولكنه سيأتي حتمًا فلا مفر من الأمر 

زفرت أنفاسها بعمق تستجمع شجاعتها ستخبر والدتها اليوم بحبها لرسلان منذ زمن وحبه لها.. ستنهي وجع قلبها وتضع نهاية لتلك العلاقة المرهقة التي تُحاوطها العاتمة 

خرجت من غرفتها التي أصبحت مُعتكفة بها أغلب وقتها.. شجعت نفسها للمرة الأخيرة قبل أن تقترب من والدتها حيث  كانت جالسة تتابع أحد البرامج 

- ماما ممكن نتكلم شوية

- تعالي ياملك

قالتها بأبتسامة زادتها شجاعة.. فجلست جوارها تفرك يداها 

- فرحيني وقوليلي أنك مقتنعة بالعريس...عايزه أفرح بيكي عشان أفوق لأختك وموضوعها مع رسلان 

- بس رسلان عمره ما حب مها 

تجمدت عينين ناهد من تلك الحقيقة التي ليست مُقتنعة بها 

- مين قال كده..أنتِ شكلك يا ملك مش عايزه لأختك السعادة

تعمدت في رمي عباراتها.. هي تحبها وقد أعطتها المزيد من حبها ولولا حبها ما كانت أصبحت ما عليه الآن.. لكانت صارت طيلة عمرها تُكافح في الحياة ومهما فعلت لظلت فتاة بلا نسب... فمن حقها أن تبحث لأبنتها عن السعادة والعيشة الرغدة ولن يُحققها إلا رسلان 

- لكن رسلان.. 

قاومت تراجعها... ولكن ناهد كانت لا تريد إلا سماع ما ترغب 

- ملك لازم تعرفي أن سعادتي في جواز رسلان من مها ولازم تساعدي أختك.. ولا أنتِ مبتحبهاش.. ردي عليا 

الغصة استحكمت حلقها..قاومت دموعها تُحرك رأسها يمينًا ويساراً فكيف لا تحب مها إنها شقيقتها الصغرى 

- يبقي مدام بتحبي أختك تسعي معايا أننا نجوزها لرسلان سمعاني 

قوة الألم كانت مُهلكة تشعر وكأن حبلًا يلتف حول عنقها..تتسأل داخلها ماذا فعلت في تلك الحياة حتى يكون نصيبها من الألم هذا 

.............. 

أتسعت عيناها إنبهاراً تنظر نحو تلك السيدة الأنيقة التي تقف أمامها... لم تمهلها تلك الضيفة الحسناء لحظة تسألها عن هويتها بل سارت للداخل 

- فين سليم 

- نقوله مين ياهانم 

ألتفت إليها تلك الجميلة تتأملها متفحصة هيئتها 

- هي ألفت فين... أنتِ خدامة هنا

- مدام ألفت مشيت وأنا هنا مكانها.. نقول للبيه مين يا.. 

لم تنتظر سماع المزيد وأندفعت نحو غرفته تهتف بأسمه 

- سليم.. أيه ده مالك ياحبيبي 

تعلقت عيناها بالأدوية التي تُجاور فراشه وتلك المنشفة المبتلة على جبهته 

- جيتي أمتي من السفر 

أحتضنته قلقًا 

- أنت كويس.. أطلبلك دكتور 

- يا بيه.. الهانم هي 

- روحي أنتي المطبخ يافتون.. أنا بقيت كويس خلاص 

تعلقت عيناها بهم.. لقد أصرفها دون أن يُطالعها أو يسمعها  فيبدو كما ترى أن الضيفة الحسناء غالية بشدة علي قلبه 

أنسحبت من الغرفة بعدما أطالت النظر إليهم.. وعادت للمطبخ فهذا هو مكانها حقيقة أضحت تحفظها 

............. 

نظر لهاتفه بضيق... بعدما أجمع حاجته من الفندق.. الرسالة التي بات يكرهها بل وكره الهواتف بسببها 

- برضوه يا ملك تليفونك مقفول 

ألتقط حقيبته مُغادراً ... يتوعد لشقيقته ويتوعد لتلك التي كانت سببً في غضبه عليها 

............. 

تجمدت عيناها نحو المشهد وقد اهتزت يداها بطبق الحساء الساخن

المرأة الحسناء التي شبهتها بذلك الوصف منذ أن وقعت عيناها عليها تميل نحوه تعدل له وسادته وقد تحررت من معطفها وتلك الرابطة التي كانت


 تلفها حول عنقها ... جسدها الفاتن أصبح واضح أمام نظرات عينيها المذهولة فبدت إليها كعارضات الأزياء ونجمات السينما 

اتسعت حدقتاها والتمعت عيناها صَدْمَة.. إنها تقبله على جبينه  الذي كانت منذ ساعات تضع عليه الكمادات الباردة بيدين مُرتعشة بعد أن نصح الطبيب بهذا

- الحرارة نزلت.. أنت متأكد أنك كويس يا حبيبي 

" حبيبي" الكلمة اخترقت أذناها فأخذت تُرددها على لسانها لمرات " حبيبها "  الفاتنة حبيبة السيد سليم 

أنتبه أخيراً لها بعدما تمكن من رؤيتها ووقفتها العجيبة يُصوب عيناه نحو يديها المرتجفة وعيناها الزائغة 

- فتون مالك واقفة كده عندك 


‎الفصل السادس عشر

**********

‎وهل يسألها لما تقف هكذا.. إنها تقف لترى حياة أناس كانت بعيدة عن خيالها أن تحيا داخلها يومًا

‎كرر سؤاله للمرة الثانية ولِحظها أنها قد فاقت من شرودها اللعين.. تنظر إليهم وسرعان ما أطرقت عيناها نحو ما تحمله 

‎- جيبالك الشربة يا بيه.. أنا سخنتها زي ما الهانم طلبت مني

‎أقتربت منها تلك الضيفة الحسناء تحمل منها الطبق تؤكد على كلامها 

‎- أيوة يا سليم ما ينفعش تفضل كده من غير أكل..روحي شوفي شغلك أنتِ ولو احتاجنا حاجة هناديكي 

‎وقطبت حاجبيها تعود النظر إليها تُحاول تذكر أسمها الذي أعجبها 

‎- يا... 

‎أسرعت في إجابتها قبل أن تغادر عائدة للمطبخ 

‎- فتون يا هانم 

‎أعتدل سليم في رقدته يبحث عن هاتفه حتى يرى الوقت.. فانصدم إنها مازالت في خدمتها رغم أن ميعاد عملها قد أنتهي 

‎- المفروض كنتي روحتي من ساعتين .. وفين حسن أزاي مقلقش عليكي ولا جيه ياخدك 

‎- أنت كنت تعبان يا بيه.. ومينفعش أسيبك 

‎رمقها حانقًا من تصرفها.. الساعة اقتربت من الحادية عشرة وهي مازالت تخدمه.. حاول الاتصال برقم حسن حتى يأتي لأخذها.. فامتقعت ملامحه وهو ينظر إليها 

‎- حسن مبيردش 

‎- سليم الشربة هتبرد.. أشربها الأول وبعدين نشوف موضوع حسن السواق 

‎توقفت عيناها نحوها السيدة الجميلة التي تطعم رب عملها باهتمام.. فيرتشف معلقة الشربة منها مستاءً

‎- ديدة أنا بعرف أشرب لوحدي الشربة مش  طفل قدامك 

‎- فتون أستنى في المطبخ ومتروحيش قبل ما حسن يجي ياخدك من هنا 

‎- سليم أشرب بقى.. وبطل دلع 

‎التقطت بعينيها الواسعتين تلك اللقطات كما التقطت أذناها الاسم.. ولم تعد بعد ذلك مرئية بينهم 

‎الحسناء تضحك ورب عملها يتذمر من أفعالها ولكن في النهاية ينفذ أوامرها 

‎شعرت بالحرج من وقوفها الذي طال فانسحبت في صمت عائدة للمطبخ تُجمع حاجتها لتنصرف فحسن لن يتذكرها ويأتي لأخذها وقد أقترب الوقت من منتصف الليل 

‎توقفت عند باب الشقة تنظر خلفها.. إلى أن حسمت قرارها.. ستذهب لغرفته حتى تُخبره بانصرافها وهل يحتاج لشيء قبل مغادرتها.. قلبها الصغير كان يُحركها 

‎تجمدت قدميها تنظر إلى السيدة الجميلة وهي تزيل عنه قميصه

‎أسرعت في مغادرتها تهبط من البناية تلتقط أنفاسها بصعوبة... لا تُصدق أن رب عملها مثل باقية الرجال الذين سمعت عنهم

‎هزت رأسها يمينًا ويساراً تنفي ما يدور بخلدها 

‎- السيد سليم عمره ما يعمل كده.. لا لا هو مش زيهم

.........

‎كان غارق في لذته ينهل منها متلذذًا، شيطانه يقوده لتلك المتعة التي يرى فيها السعادة.


.أخرج المال من حافظته يُلقيه على الفراش المُبعثر بعدما انتهت متعته ينظر لتلك التي وقفت ترتدي ملابسها أمام عينيه 

‎- هشوفك تاني 

‎أزدرد حسن لعابه ينظر لتفاصيل جسدها الجميل الذي لم يكن جميلًا بالفعل ولكن شيطانه كان يصوره له كما يُريد أن يري. 

‎اقتربت منه بعدما التقطت المال تنتظر منه إجابته التي طالت، همست جوار أذنه ببضعة كلمات كانت بارعة فيهم.. سال لعابه بعدما ابتعدت عنه تغمز له بإحدى عينيها 

‎- أنت بقيت عارف الطريق... بس خد بالك أنا زبايني كتير وبيقدروا 

‎والكلمة الأخيرة كان يعرف معناها تمامًا.. وهو رجلًا والرجال تدفع بسخاء وها هو شيطانه يتحدث إليه 

..........

‎- ده الأخر يا ابلة 

‎نظرت فتون خارج السيارة المحملة بالقليل من الركاب 

‎- بس مش ده الشارع اللي بنزل فيه كل يوم 

‎- ما أنا قايلك يا أبله أن ده مش طريقي.. أنتِ خدي الطريق ده كله مشي وهتوصلي للمكان.. يلا بقى عايزين نروح بيوتنا 

‎طالعت الطريق المظلم بقلة حيلة تنظر نحو سيارة الأجرة التي هبطت منها للتو.. التقطت أنفاسها عدة مرات تحتضن حقيبتها التي تضع بها أغراضها 

‎نباح الكلاب يعلو وكلما أزداد النباح كانت تلتف حول نفسها خوفًا 

‎أرتجف جسدها وهي تشعر بتلك الخطوات التي تتبعها ولم تشعر ألا وهي تركض بكل سرعتها 

‎سقطت أرضًا بعدما تجاوزها الكلبان.. فاغمضت عيناها من شدة الألم تنظر نحو يديها التي جرحت 

‎الشارع فارغ من المارة كحال قلبها أصبح فارغ من كل شيء.. الخواء بات يحتل روحها حتى عيناها لم يعد بريقهما كما كانوا إنها تنطفئ يومًا بعد يوم 

‎صعدت الدرجات المتهالكة بعض الشيء في تلك البناية القديمة التي تقطن بها.. الساكن الجديد الذي أستأجر شقة السيدة إحسان يبدو أنه أتى اليوم ف القمامة التي أمام الشقة كانت واضحة لتُخبرها أن


 رائحة ودفيء السيدة إحسان اختفوا من حياتها كحال صاحبتهم.. عادت عيناها نحو يديها المجروحة لتدلف بعدها الشقة المظلمة فحسن لم يأتي بعد وهذا أكثر شيء أصبح يُسعدها 

............ 

‎الإفطار يبدو قد تم إعداده كما ترى أمامها فوق المائدة.. مهمتها قد اتخذتها الضيفة الحسناء.. طالعت المائدة وما تحتويه من أطباق تهمس لحالها 

‎" شكل وجودك قرب ينتهي من هنا يا فتون.. صاحبة البيت شكلها شاطرة وبتعرف تطبخ" 

‎- فتون 

‎شهقت بعدما انتفضت مذعورة من سماع صوته.. فابتسم على هيئتها وكأنها أشبة بدجاجة 

‎- مالك أتنفضتي كده.. يعني تفتكري هيكون في مين غيري يا فتون

‎- أنت بقيت كويس يا بيه 

‎طالعت هيئته.. قميصه الصباحي ناصع اللون، بنطاله الذي يُلائم قميصه، تسريحة شعره التي تليق به ورائحة عطره الجدير في اختيارها مع طيّ أكمام قميصه.. إنه كابطال الحكايات كما تسمع عنهم.. 

‎كاد أن يرد على جوابها الذي تنتظره ولكن عيناه توقفت على تلك القماشة التي تلف بها يدها 

‎- مالها أيدك 

‎نظرت نحو يدها وسرعان ما وضعتها خلف ظهرها حرجًا 

‎- مافيهاش حاجة يا بيه دية وقعة بسيطة 

‎- أنتِ من ساعة ما أشتغلتي هنا يا فتون وكل إجابتك كده.. أيه مافيش غيرك بيقع.. ده أنتِ أستحوذتي على خبطات البلد 

‎رغمًا عنها كانت تبتسم.. همها يبكي من يسمعه ولكنها اعتادت 

‎- هاتي أيدك وتعالي اطهرهالك.. وأيه القماشة ديه.. ده أنتِ كده تلوثي الجرح أكتر 

‎أجلسها فوق الأريكة التي خشيت يومًا وهي تنظفها أن تجلس عليها.. حاولت النهوض ولكنه زجرها بعينيه 

‎- خليكي مكانك فاهمة 

‎عاد بعد لحظات يحمل صندوقًا به بعض الأغراض الطبية.. جلس جوارها فتجمد جسدها وهي تنظر إليه 

‎- أنا هنضفه لنفسي يا بيه

‎ولكنه لم يكن يُريد سماع المزيد من الإعتراضات ... أزال تلك القماشة من علي كفها ينظر إليها 

‎- أسكتِ خالص وسبيني أشوف شغلي

‎مازحها بخفه.. فلم يكن أمامها إلا ترك يدها له.. لقد رأي حسن جرح يدها عندما عاد ولكنه لم يُفكر أن يسألها عما بها وكيف حدث لها هذا.. أخبرته بأنها سقطت بسبب الكلاب ولما تتلقى منه إلا ضحكة صاخبة مستهزءه 

‎" كلاب وقعتي بسبب الكلاب.. والله الكلاب شاطرة " 

‎- كده تمام.. نضفنا الجرح وعقمنا ولفنا شاش طبي 

‎طالعت الضمادة الطبية التي لف بها يدها تنظر إليه وقد علقت بعينيها الدموع 

‎- شكرًا يا بيه 

‎أبتسم بلطافة ينظر نحو يدها الصغيرة 

‎- أنا المفروض أشكرك يا فتون على رعايتك ليا أمبارح 

‎بطل حكايتها طيب القلب.. حنون.. لطيف.. بل ويشكرها على ما فعلته معه رب عملها ليس له مثيل.. هناك رجال حقيقين وليس كحسن هكذا كان عقلها يُخاطبها.. أتسعت أبتسامتها ولكن سرعان ما اختفت وهي تتذكر ما رأته أمس فانتفضت ناهضة من فوق الأريكة 

‎- هروح أشوف شغلي يا بيه 

‎التقطت عيناه نفضتها بأستغراب ولكن سرعان ما تبدلت نظراته للجمود وقد أدرك للتو بخطأه


 فمهما كان أمتنانه لما فعلته أمس فأنه في النهاية يعطيها المال وسيزود لها راتبها هذا الشهر تقديراً لها 

‎أفيق يا سليم.. لا تعود للسنوات الماضية كما كنت طيب القلب..

‎- أعمليلي قهوة وهتيهالي مكتبي.. واعملي حساب فرد تاني على الغدا 

‎وقفت تطهو الطعام وقد عانت من يدها بشدة ولكنها كانت سعيدة في النهاية عندما نظرت إلى محتوي ما أعدت.. رتبت الأطباق على المائدة.. وتوقفت يدها عن وضع أخر طبق كانت ستضعه وهي تسمع رنين الجرس 

‎- أنا هفتح يا فتون.. 

‎بادر هو بالمهمة والضيف لم يكن مجهول عنها إنها السيدة الحسناء التي دلفت بأناقتها المبهرة 

‎- ريحة الأكل تجنن يا سليم 

‎- الكلام ده تقوليه لفتون 

‎أشار نحو خادمته الصغيرة المنهمكة في وضع لمستها الأخيرة

‎- لا وكمان عامله أكل صحي وحطاه قدامك... لا ده أنت تمسك في فتون بأيدك وأسنانك

‎هتفت بها الواقفة التي تعلقت عيناها بأطباق الطعام.. ليُحدق هو فيها كما حدق بما صنعته لأجله 

‎- فتون فعلًا مافيش زيها 

‎عادت بأدراجها للمطبخ بعدما أستمعت لمدحه ورأت تلك النظرة في عينيه ولكن كل شئ تلاشى ومشهد تلك المرأة وهي معه في غرفته تزيل عنه قميصه.


. أنها كانت تراه بصورة نقية كاملة ولكن الصورة قد تشوهت بعقلها 

‎جلست على مقعدها في المطبخ تنظر نحو يدها تتسأل داخلها هل ستظل حياتها هكذا مجرد خادمة لا قيمة لها.. فأين هي أحلامها الصغيرة التي رسمتها.. ها هي تقترب من السابعة عشر ولم تجني شيء إلا الألم 

‎أحدهم كان يُنادي أسمها من بعيد لتُدرك أنها انغمست في شرودها والسيد سليم يهتف باسمها 

‎هرولت إليه تخفض عيناها عنهم تنتظر ما سيأمرها به 

‎- ديدة عايزة تشكرك على الأكل يا فتون 

‎- تسلم أيدك يا فتون.. الأكل طعمه يجنن حقيقي.. تفوقتي على مدام ألفت 

‎طالعها يُدقق النظر في تفاصيل ملامحها... لقد أصبحت شفافة بالنسبة إليه ويشعر أن هناك شيء بها 

‎- لسا أيدك بتوجعك 

‎اهتمامه بها جعل خديجة ترمقهما بعينين ثاقبتين 

‎- لا يا بيه.. هروح أجيبلكم الحلو 

‎انصرفت من أمامهم وقبل أن تتحدث خديجة بشئ 

‎- من غير ما شيطانك يلعب في دماغك يا خديجة أنا عمري ما هكون زي صفوان باشا.. مش هكون رمرام زيه وأبص للخدامة.. بس زي ما أنتِ شايفة البنت صغيرة وغلبانه 

‎- ومين قالك أني شيفاك زي صفوان يا سليم.. كل الحكاية أني مستغرباك ومش مصدقة أن سليم بتاع زمان لسا موجود وبقي يعطف على الناس 

‎خديجة كانت خير من يفهمه رغم أنه لم يعد يفهم نفسه ولما فتون وحدها من تُحرك الجزء الذي كان يكرهه السيد صفوان به والده الغالي أن يتعامل مع الناس برحمة وعاطفة وأدها الزمن

‎- عمري ما شوفت فيك صفوان ولا صافي يا سليم.. أنت أنصف حاجة عملوها في حياتهم.. ربنا يرحمهم

‎خديجة عمته لم تكن إلا ضحية كحالة في كنف رجلًا كصفوان النجار.. إنها تذكره بشهيرة وعلى ذكرى أسمها كانت خديجة تتذكرها 

‎- جوازك من شهيرة وصلني.. بس كنت واثقة أنها زيها زي غيرها 

‎يعلم كره عمته الشديد لعائلة الأسيوطي.. كره يظنه صراع عائلة في وسط عالم المال


 ولكن الحقيقة كانت مدفونة في بئر عميق.. بئر لا ينهش إلا قلب تلك التي جلست على الأريكة تخرج سيجارة تدسها بين شفتيها وتشعلها بالقداحة تأخذ منها نفسًا عميقًا 

‎- برضوه لسا بتدخني.. أنا مش عارف أمتي هتبطلي العادة السيئة ديه 

‎ضحكت رغمًا عنها تمازحه 

‎- لما تبطل أنت كمان جوازك في السر 

‎والكلمة أخترقت أذني الواقفة على مقربة منهم تحمل الصنية التي تضع عليها أطباق التحلية 

‎طالعتها خديجة بعدما شعرت بها تنفث دخان سيجارتها 

‎- لا كفاية أوي عليا النهاردة أكلك يا فتون هيخليني أكثف الحمية الغذائية اليومين دول.. أعمليلي قهوة من فضلك 

‎ألتقت عيناها بعينين سليم الذي أخبرها أنه يُريد قهوته أيضًا 

‎الصدمة كانت مرتسمة علي ملامحها... أنها لا تُصدق ما أصبحت تراه وتسمعه..


 السيد سليم حقيقته باتت تظهر إليها.. حمقاء أنتِ يا فتون هل يوجد بطلًا كاملًا في الحكاية 

‎أعدت القهوة بذهن شارد وقد أنطفأ ذلك البريق من عينيها

..............

‎لم تكن تظن إنها يومًا سترى تلك النظرة التي رأتها في عينين شقيقها..نظرة خذلان وغضب لم ينفثه عليها بل تمالك نفسه بعدما رمقها للحظات ثم غادر غرفتها 

‎- رسلان.. رسلان أرجوك أسمعني 

‎أتبعته نحو غرفته تنظر إليه بعدما ألقي حقيبة سفره أرضًا

‎- رسلان غصب عني.. غصب عني 

‎لم يرد الصراخ بوجهها ولكن تلك الكلمات التي تخبره به ازادت من غضبه.. فلما الكل يخبره أنه


 يفعل ذلك دون إرادته.. إنه يكره أن يخذله أحدًا يكرة الجبناء يكره صفات الضعفاء ولِحظه إنه أحب أضعف النساء وأكثرهم تضحية 

‎- ماما قالتلي الحقيقة يارسلان.. ماما حطتني في إختيار صعب 

‎لم  يتحمل سماع المزيد منها وقد نالت ما كان يكظم غيظه عنها من غضب

‎- أتحطيتي في أختيار صعب مش كدة.. أومال فين ميادة الشجاعة وكلام القلب وملك بتحبك يا رسلان.. ملك مش هتلاقي أنضف ولا أجمل منها..


 ملك، ملك، ملك لحد ما حبيت ملك ومبقتش شايف غيرها وفي النهاية بتجبيلها عريس.. لا الصراحة أبهرتيني أنتِ وماما 

‎- ملك مش بنت خالتنا.. ماما.. 

‎وقبل أن تردف بباقية حديثها وتخبره عما سيحدث إذا علمت ملك الحقيقة كان يصرخ بها 

‎- عارف أن ملك مش بنت خالتنا.. عارف ومش فارق معايا.. ملك أحنا اللي ربيناها.. كبرت


 قدام عنينا.. دلوقتي لسا واخدين بالنا أنها مش من دمنا أنها متنسبش عيلتنا العريقة 

‎أطرقت عيناها أرضًا تبكي بحرقة 

‎- الحقيقة هتكون صعبة عليها لو عرفت أننا مش أهلها.. ملك أضعف من أنها تتحمل ده 

‎- وهتكون قوية لما تعيش طول عمرها شايفه مها هي مراتي.. ردي عليا.. بتختاريلها ليه اللي أنتِ شايفه مناسب.. وهي فين من كل ده من حقها تعرف الحقيقة

‎- الحقيقة صعبة يا رسلان.. صعبة فوق ما تتخيل...أنا مقدرتش أتخيل نفسي جوه الحقيقة البشعة.. أزاي ممكن الأنسان يصحى في يوم يلاقي أهله اللي فاكرهم أهله مش هما أهله وأنه ملهوش أهل.. مجرد طفلة أترمت في الشارع 

‎ولكنه لم يكن يسمعها.. كان يفكر في خطوته القادمة. فدومًا هو محارب قوي لما يُريده 

‎عقله كان يهتف بالإصرار للحصول عليها ولكن قلبه ينتظر أن تصبح له وسيعاقبها علي ضعفها ولكن صبرًا

‎- لو بتحبي ملك.. أعملي كل اللي هقولهولك دلوقتي.. فاهمة يا ميادة 

‎أستمعت لما يُخبرها به بإنصات وها هي بداية الخطة قد بدأت فور دخول والدتهم الغرفة غير مصدقة عودته 

‎- جيت أمتي يا حبيبي.. حمدلله على سلامتك

‎أحتضنته بحنان وقوة ولكن لأول مرة لا تشعر بدفئ ذراعي ولدها الحبيب.. أبتعدت عنه تنظر لملامح وجهه المرهقة 

‎- شكلك مرهق وتعبان أوي.. أدخل خد حمامك لحد ما أبلغهم يحضروا الأكل .. تعالي يا ميادة سيبي أخوكِ يرتاح شوية 

‎أنسحبت من الغرفة وخلفها ميادة التي تعلقت عيناها بعينيه وكأنه يُخبرها أنها فرصتها الأخيرة حتى تثبت له صلاح نيتها 

‎دفعتها كاميليا داخل غرفتها تسألها بتوجس بعدما أستشعرت بوجود خطب ما 

‎- رسلان جيه فجأة ليه.. أنتِ بلغتي أخوكِ بحاجة 

‎ودارت حول نفسها تخشي أن يعرف ما خططت له وسعت في تنفيذه ولكن الأمر قد فشل 

‎- أخوكِ في حاجة متغيرة.. تفتكري ملك عرفت توصله وحكتله 

‎طالعتها ميادة كيف تدور حول نفسها تخشي غضبه فلما من البداية فعلت هذا بهم

‎- ملك مكلمتش رسلان في حاجة.. أنا لما وصل قولتله كل حاجة حصلت 

‎أتسعت عينين كاميليا خشية تنظر لأبنتها وقد تسارعت أنفاسها 

‎- قولتله أن ملك باعته وقابلت العريس وبتفكر تقبل بي ولا لاء.. مش ده اللي كنتِ



 عايزاه يعرفه أول ما يوصل يا ماما 

‎أطلقت كاميليا سراح أنفاسها أخيراً تحتضن كفوف أبنتها 

‎- كده أنتِ بتحبي أخوكِ ياميادة 

‎وعندما رأت نظرات اللوم في عينيها وخزها ضميرها 

‎- وبتحبي ملك كمان.. لأن لو الحقيقة ظهرت ملك هتفقد أهم جزء في حياتها

‎- عايزه أفرحك كمان.. رسلان بدء يحس أنه مش بيحب ملك وأن أختياره كان غلط ليها 

‎والسعادة عادت تدب بطبولها في قلب كاميليا فهذا ما كانت تنتظره 

‎- بجد يا ميادة هو قالك كده 

‎حركت رأسها تنظر لملامح والدتها السعيدة بما سمعته 

‎- مش ده اللي كان نفسك فيه يا ماما.. اه أتحقق.. ومين عالم يمكن يكتشف أنه بيحب مها.. ما أنتِ عارفه رسلان محدش بيعرف هو ممكن يقرر أيه 

‎- يااا يا ميادة كأنه هم وأنزاح من علي قلبي 

‎غادرت كاميليا الغرفة غير مصدقة ما سمعته للتو من أبنتها... 



أرادت أن تخبر ناهد ولكن في اللحظة الأخيرة تراجعت تنتظر البشارة حتى تُفرحها 


‎               الفصل السابع عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا 

تعليقات



<>