أخر الاخبار

رواية لمن القرار الفصل الثامن عشر18والتاسع عشر19 بقلم سهام صادق


 رواية لمن القرار 

الفصل الثامن عشر  والتاسع عشر 

بقلم سهام صادق


الفصل الثامن عشر

*************


يُقاوم هو تخبطه، ذلك الصراع الذي أصبح يحتل كيانه، الصوت 


الذي يحثه على نيل ما يُرضيه كرجلًا، وتلك الخطيئة التي 



ستدنسه فيُصبح صفوان أخر وتكون الصورة قد أكتملت.




طالع إرتجاف شفتيها وتلك النظرة التي تُطالعه ورغم الخوف 



الذي يحتلهما إلا إن إحتياج صاحبتهما كان يراه بهما

الصغيره لا تُدرك مدى الخطر وهي تهمس اسمه بتلك النبرة التى تُحرك غريزته

والصوت يصرخ به " أفيق "..

اغمض عينيه بقوة حتى يفيق من تلك الغفوة التى خدرته ابتعد عنها يُسلط عيناه نحو الطريق وقد أستجمع أخيرًا شتاته

- أنزلي يا فتون

وبعدما كانت تُطالعه بخوف.. نظرت إليه في حيرة من أمرها

أدار مفتاح سيارته وكأنه يُخبرها بتلك الطريقة إنه ينتظرها مُغادرتها 

لملمت أشياءها تنظر نحو باب السيارة الذي أغلقته للتو  تجمدت في وقفتها وقد تعلقت عيناها بالسيارة وهي تشق طريقها بسرعة جنونية جعلت جسدها يرتجف

التقطت أنفاسها تضم حقيبتها إليها واكملت سيرها شارده وأعين وقف صاحبها مُختبئًا يترصدها كالصقر في طيات الظلام

" طلعتي زيهم وأنا اللي كنت فاكرك شريفة "

........

ينظر نحو السماء وقد لمعت النجوم فيها .. الليلة القمر كان غائب عن سمائه فاصبحت السماء غارقة في ظلامها.. يزفر أنفاسه مُستنشقًا الهواء العليل.

لحظات من الراحة كان يبحث عنها وها هو قد وجدها بعد عمليته التي استمرت لساعات 

شعر بتوقف سيارة سليم ولكنه ظل مكانه سابح في حيرته وأفكاره 

- بقالك كتير واقف 

- كنت محتاج الواقفه ديه جدًا.. كويس أنك قولتلي نتقابل في مكانا القديم 

جاوره سليم في وقفتها يُطالع سكون الليل زافرًا أنفاسه بإرهاق 

- أخبارك أيه مع ملك

- مرهق وتعبان 

رمقه سليم مُستنكرًا عبارته التي لم يكن ينتظرها 

- أنا بسأل عن علاقتك معاها مش حالتك دلوقتي يا دكتور 

- ما هي ديه حالتي فعلًا.. تعرف يا سليم أنا أول مره أعرف يعني أيه مشقة الحب وعذابه.. كنت فاكره عذاب لذيذ. 

وزفر أنفاسه لعله يرتاح من حيرته 

- علاقتنا معقدة... مقعدة لأبعد درجة ممكن تتخيلها 

ربَّت على كتفه بخفة يُخبره أن المرأة التي أختارها تستحق الفوز بها 

- طول عمرك محارب صبور يا صاحبي وملك تستحق.. أنت عارف نظرتي للستات مش أد كده بس قلبك أختار صح. 

وتلك الأبتسامة التي خطفت قلبه عادت تُنير تلك العتمة التي كادت أن تقف أمام طريقه.. ملك الرقيقة الهادئة الضعيفة كيف نسي إنها أضعف مما تحتمل وهو أكثر الناس دراية بما تعيشه.. وأبتسامة أرتسمت على شفتيه والسنين تعود به لصباه وهو يُعطيها لوح الشيكولاته التي تحبها ومها تلتصق بها حتى تنالها منها.. وصوته يعلو بها 

" ديه جايزتها يا مها لما تفوزي في اللعبة هجبلك واحده زيها " 

ومها تعترض وتتذمر وهي تحسم الموقف بحنانها تقسم لوح الشيكولاتة بين ثلاثتهم هي ومها وميادة 

- رسلان سرحت في أيه 

- في طعم الشيكولاته 

قوس سليم ما بين حاجبيه يرمقه بغرابة 

- شكولاتة أية يا رسلان 

أدرك رسلان ذلك التَيَّهَ الذي أصبح سمة فيه مُطلقًا سراح أنفاسه

 - نستنى أن أنت اللي جايبنا هنا في نص الليل.. مش معقول هتكون جايبني عشان نتفرج على النجوم 

والإجابة كانت مُباغتة 

- حاسس أني بدأت أميل  للخدامة 

تجمدت ملامح رسلان ينظر إليه لا يستوعب ما يسمعه 

- مش فاهم نفسي هل هي رغبة فيها ولا حاجة تانية

- تقصد أيه أنك حبتها 

توقفت عيناه نحو تلك النقطة البعيدة التي يغلفها الظلام كحال قلبه.. والحكاية بدء يقصها عليه لعله يفهم حاله. 

......... 

النوم يُجافيها وكأنه يُعاندها كحال كل شيء معها.. خرجت من غرفتها قاصدة المطبخ لعلها تجد في الطعام راحة كعادتها ولكن ها هو الطعام أمامها تنظر إليه دون شهية 

- ملك أنتِ لسا صاحية.. ماما قالتلي أنك نمتي من ساعة ما رجعتي من برة 

والتقطت كأس الماء الموضوع على الطاولة ترتشف منه القليل ومازال الحلم السعيد الذي خطفته في غفوتها القصيرة يسير أمام عينيها وضعت كأس الماء جانبًا تمسح على شفتيها 

- حلمت حلم جميل أوي يا ملك

انتبهت مها على شرود شقيقتها بعدما طالعت عيناها الشاردة 

- ملك أنتِ سمعاني 

أجفلتها يد مها وقد وضعت على كتفها حتى تهزها قليلًا 

- أيوة يا مها.. كنتِ بتقولي حاجة 

عادت الأبتسامة تنير ملامحها تُمرر أناملها بين خصلات شعرها 

- كنت بقولك أني حلمت حلم جميل.. حلمت ب رسلان 

توقف قلبها عن دقاته وعلقت عيناها بملامح شقيقتها السعيدة 

- حلمت أني لابسه فستان فرح وهو جانبي 

ولو كان الكلام يقتل فهى قُتلت بالفعل.. مها تسرد تفاصيل الحلم وعيناها تلمع بالسعادة والتوق لتلك اللحظة 

- وأول مادار بيا وهو شايلني والناس بتسقف حوالينا الحلم خلص 

وحكت رأسها تنظر إليه تستعجب عدم رؤيتها لها بالحلم 

- بس أنتِ مكنتيش في الحلم يا ملك.. مش معقول هتسبيني في يوم زي ده 

والهروب كان أسلم حل رأته.. فهل ستننظر حتى ترى شقيقتها دموعها تأبى حبسها 

- تصبحي على خير يا مها 

أختفت من أمام مها التي وقفت ترمقها ولكن سرعان ما عادت لشرودها في حلمها الجميل.. لقد سارت وفق خطت والدتها ويبدو من حلمها أن القادم سيكون مثل ما أرادت وطمحت 

........ 

- لا لا مش معقول يا سليم مش معقول تفكر في مرات السواق بتاعك.. سيبك من إنها خدامة عندك دية مرات راجل تاني عارف يعني أيه 

- ما أنا عشان كده هتجنن يا رسلان.. أنا عمري ما بصيت لست متجوزه فيوم ما أبص أبص للخدامة ومرات السواق 

زفر أنفاسه يمسح على وجهه وينظر نحو السماء 

- مدام ألفت كان عندها حق من البداية يا سليم. لازم تمشيها 

- معرفتش.. معرفتش.. كل ما قررت برجع في قراري.. أنت مشوفتش نظرتها ليا.. بحس سيلا هي اللي بتبصلي

تعلقت عيناه نحو كفيه ينظر إليهما وكأنه مازال يرى دماءها بهما 

- أنت لسا منستش سيلا يا سليم.. أنت عارف فات كام سنه على الحكاية ديه... سبعة عشر سنه 

- أنسى أزاي يا رسلان... ديه كانت غرقانه في دمها قدامي 

والصوت الذي جاهد على نسيانه يعود إليه.. صوت صرير السيارة التي فر صاحبها هربًا 

- سليم.. سليم 

اغمض عيناه يطرد ما عاشه تلك الليلة عن عقله إلى أن عاد لواقعه 

- أطرد الخدامة ديه.. اطردها عشان نفسك وعشانها.. قبل ما تضيعها معاك 

......... 

القرار قد أتخذه بعد ليلة قضاها ساهِدًا.. أن تُخلص نفسك مما يقودك للهلاك فهو أكثر القرارت صوبًا.. دماء صفوان النجار تسير في أوردته ويعلم أن الخطيئة التي أثبت لنفسه في مرات عديدة إنه لن يسقط فيها سيأتي يومًا وسيقط والصوت يتردد داخله 

" هيجي يوم وهتكون شبهي يا سليم.. دمى بيجري في عروقك" 

بملامح جامدة كان يتلقى أبتسامتها البشوشة وهي تضع له طعام الإفطار وقهوته الصباحية.. ورغم الخوف الذي عاشته ليلة أمس بعدما أوصلها لمنطقة سكنها إلا إنها تنسى كل شيء في يوم جديد لها معه.. رب عملها لا ترى فيه إلا فرد من عائلتها لا تعلم كيف ولكنها تضعه في تلك المكانة كما كانت تضع السيدة إحسان في مكانة خاصة 

رمقها بنظرة طويلة قبل أن يبصق الكلام من فمه وينهي ذلك الصراع الذي يؤرقه 

- كل سنة وأنت طيب يا بيه 

طالت نظرته إليها وقد تبدلت نظرته الجامدة إلا نظرة حائرة يُحاول أن يتذكر عن أي شيء تُهنئه

أطرقت عيناها تُخبره كيف عرفت يوم مولده 

- أنا شوفته بالصدفة يا بيه لما أخدت كتاب من المكتبة بعد يعني ما أذنتلي أني لو عايزة كتاب أقرء فيه اخده وأرجعه مكانه

تعلقت عيناه بها يُدقق النظر في تفاصيلها.. يُحاول أن يفهم ما تقصده.. إلى أن تذكر يوم ميلاده الذي قد نضج عن تذكره وبالأصح لا أحد يتذكر إلا القلائل في حياته ويتلخصون

( في خديجة ، وجده عظيم، ورسلان صديقه) ولكن خادمته الصغيرة تتذكره

- أنا مكنتش اقصد يا بيه أشوف حاجة خاصة بيك.. بس الكتاب أخدته بالصدفة

تذكر ذلك الكتاب تمامًا الذي لا يعلم كيف لم يتخلص منه يومًا فقد كان هدية من تلك الحبيبة المخادعة التي ركضت لاهثة خلف والده 

- هو أنت زعلت يا بيه 

نظر نحو قهوته التي بردت كحاله 

- القهوة بردت يا فتون.. لو سامحتي أعمليلي غيرها 

انصرفت من أمامه حتى تتخلص من ربكتها.. فعلى ما يبدو وقد فهمته إنه قد تضايق منها 

أعدت له فنجانًا أخر تُخاطب نفسها وهي تعده 

- ده البيه أزاي كنتِ فاكره أنه هيرد عليكي يا فتون.. اه من عقلك اللي بدء ينسى نفسه

لطمت رأسها حتى تفيق من سطحتيها التي نبهتها عليها السيدة ألفت قبل رحيلها من هنا 

حملت فنجان القهوة بإرتباك إليه.. لتقف مكانها تهتف به قبل أن يُغادر بعجالة 

- القهوة يا بيه 

لا رد تلقته فها هي تعود بفنجان القهوة كما هي.. ولكن مهلًا فلتتذوق طعم صنيعها.. تذوقت بضعة رشفات منه تتسأل كيف يعجبه مذاقها.. ورغم مرارة القهوة إلا أن لها عشاق والمرء لا يهوي أحيانًا إلا مذاق المرارة. 

........

والطفل الصغير الذي يرقد أمامه على سرير المشفى بوداعة ويقبض على كف والدته التي تُجاوره حتى لا ترحل وتتركه كما تركته منذ ساعات يخلق داخله شعور جميل يجعله يبتسم 

- كله تمام يا بطل

الطفل يرمقه في صمت.. والأم تمسح دموعها تشكره وتتمنى أن يصبح يومًا مثله 

- يارب أشوفه زيك يا دكتور 

انصرف من الحجرة بعدما أتم فحص مريضه الصغير..

دلف حجرة مكتبه بالمشفى يجلس على مقعده يريح ظهره للخلف ودون أن يشعر كان يجد يده على شاشة هاتفه يتفحص صورهم في تلك الرحلة القصيرة التي سرقوها من الزمن .. اللحظات الجميلة كانت تعود لتقتحم فؤاده وعقله وهو كان أكثر من مرحب 

يده أخذت تتحرك على ملامحها يتمنى لو كانت صاحبة الصورة أمامه يلمس تفاصيلها ويغرق عشقًا بها 

- لو كنت بدأت أشك ف حبي ليكي يا ملك أبقى بكدب على نفسي.. حكايتنا أبتدت من زمان أوي 

ودون أن يُشعر كانت الأبتسامة تشق شفتيه يتذكر ذلك اللقب الذي كان يطلقه عليها في الصغر فتتذمر حانقة وتركض من أمامه باكية 

" الأرنبه الصغيرة " 

والذكريات تأخذه لأيام مضت آوانها ولكن القلب كان يُخزنها وكأنه يعلم أن يومًا سيأتي والارنبة الصغيرة سيهيم بها عشقًا

.....

نظرت نحو الكعكة التي أتمت صنيعها سعيدة بشكلها البسيط..لا تعرف لما صنعتها بعدما لم يعيرها إهتمامًا بتهنئتها البسيطة

مر الوقت وقد مر موعد غداءه وقد جاء موعد إنصرافها

القت بنظرة أخيرة على الكعكة وقد وضعتها داخل البراد ورتبت المطبخ.. علقت حقيبتها على كتفها ورحلتها في العودة قد بدأت تُفكر هل عاد السيد سليم ورأي كعكتها، هل تذوقها أم لم يأتي بعد

خطوات كانت تتعبها وهي شاردة لا تفكر في شيء إلا كعكتها الجميلة.. أخرجت مفتاح الشقة من حافظتها تديره في فتحته

فانتفض جسدها بأكمله ومن أثر الصدمة لم تستطيع الصراخ وقد فات الآوان فصاحب اليد قد كمم فمها وأغلق الباب خلفه يهمس جوار أذنها

- وأنا اللي كنت فاكرك غلبانه وشريفة طلعتي زيهم

والصوت تعرف صاحبه تمامًا.. إنه هو.. صديق زوجها ذلك الذي أستباح لمسها وجعلها لليالي تنتفض مفزوعة خوفًا من كابوسها

- طب كنتِ قوليلي إن حسن مش مكفيكي وعايزه..

والكلمة البذيئة شوهت براءتها... يده تحركت ببطء على مفاتنها

- ولا البيه حاجة تانية..

قضمت كفه بعدما تمكنت أسنانها منه.. ليدفعها صارخًا

- يا بنت

- يا ناس.. إلحقوو...

ولكنه كان أسرع منها يجثو فوقها

- يا بنت.. أنتِ فاكره لو الناس جات هيفتكروا أن أنا اللي بتهجم عليكي.. لا فوقي لنفسك

- حرام عليك أنت بتعمل كده ليه.. أنا مرات صاحبي

ضحك مسعد مستمتعاً وقد عاد يُكمم فمها بعدما تمكن من محاصرتها

- صاحبي غرقان في العسل مع الرقاصة.. وأنا شايفك محتاجه الحنان بدل ما أنت مقضياها مع البيه

تسارعت أنفاسها تدفعه بكل قوتها ولكنه كان أقوى منها يعرف تمامًا كيف يُكبل ضحيته

- لو كنتِ شريفة مكنتش فكرت فيكي كده.. لكن كلكم صنف واحد

تلك الطرقات كانت طوق النجاة لها... حاولت الصراخ ولكنه كتم أنفاسها 

- مافيش حد هنا.. 

صوت جارتها الجديدة تلك العروس التي لا تعرف عنها شيء إلا إنها عروس جديدة  سكنت في شقة السيدة إحسان 

- خلاص يا هناء أنا هطلع أسأل الجيران اللي فوقينا إذا كان الميه مقطوعه عندهم هما كمان ولا إحنا بس 

الأصوات قد أبتعدت كما أبتعد هو يرتب ملابسه بعدما دبَّ الذعر في أوصاله يرمقها 

- لينا لقاء تاني.. 

غادر بعدما إطمئن أن الجيران دلفوا لشقتهم والوضع أصبح آمن 

حدقت بالباب الذي أغلقه خلفه لا تقوى على الحركة ولا تستطيع أن تتنفس.. ولم تشعر بحالها إلا وهي تلطم خدها وسائر جسدها.

........

يغرز الشوكة بالكعكة ينظر نحو القطعة الصغيرة التي علقت بها.. لقد عاد حتى يصرفها دون عودة مهما بكت وتوسلت.. ولكنه وقف مذهولًا أمام الكعكة بعدما فتح البرَّاد يجلب لنفسه زجاجة ماء

عيناه ظلت عالقة بالكعكة.. فما السبيل أمامه وكل شيء يجعله يعود للنقطة التي هرب منها.. عاد يغرز الشوكة بقوة داخل قالب الكعكة.. الخادمة تتلاعب به أم شيطانه الذي بات يتلاعب به .. هو يعرف النساء من أعينهم وفتون أبعد عن أن  تكون بتلك الصورة.. فتون مازال داخلها قلب طفلة بريئة لم تكتشف قسوة الحياة بعد ولا نوايا البشر وخاصة الرجال ولو ظهر سليم الذي يحميها منه لكانت اليوم ساقطة معه في بئر الخطيئة وستكون خير مرحبة بهذا 

حدق بالكعكة مجددًا وكأنه يحدق بها ولم يشعر بنفسه إلا وهو يتذوق طعمها الذي وضعت فيه سعادتها وهي تصنعها له.. نظر نحوها بعدما إلتهم نصفها وكأنه ليس ذلك الشخص الذي كان عليه منذ ساعات 

........ 

العبارة أخترقت أذني كاميليا التي كانت جالسة في البَهو تتصفح إحدى المجلات النسائية 

- ياريت يا ماما تبلغي خالتي أننا هنزورهم بكره 

القى عبارته وأكمل سيره نحو الخارج.. فانتبهت كاميليا على حالها ونهضت مسرعة تلحقه 

- رسلان أستنى.. فهمني طيب إيه الزيارة المفاجأة ديه لخالتك 

وقف جوار سيارته ينظر نحو ملامح والدته المستكينة 

- تفتكري يا ماما هنحدد ميعاد مع خالتي ناهد ليه

ابتلعت كاميليا ريقها تتمنى أن تسمع ما يتمناه قلبها 

- ليه يا رسلان 

- هطلب أيد بنت خالتي 

والسعادة تراقصت على ملامح كاميليا غير مصدقة أنه فاق أخيرًا من غفوته وأدرك أن ملك لا تُناسبه.. ولم تغفل عيناه عن تلك السعادة التي رأها فوق ملامحها

- تمام يا حبيبي.. هكلم خالتك 

- ياريت يا ماما متقوليش تفاصيل الزيارة لخالتي.. خليها مفاجأة 

اتسعت أبتسامة كاميليا وعقلها يأخذها للطريق الذي انتظرته.. أحتضنته بقوة فضمها إليه يسمع مباركتها 

- مها عروسة هايلة يا رسلان وبنت خالتك ومتربية قدام عنينا وعارفين أصلها اللي يشرف أي حد 

" مها " وهل مها وحدها هي أبنة خالته؟ 


الفصل التاسع عشر

*************


طالع عقارب ساعته ينظر إلى فنجان قهوته التي بردت وكلما مر الوقت كلما زادت تساؤلاته لما تأخرت اليوم

فدائمًا تأتي قبل موعدها .. زفر أنفاسه حانقًا من نفسه فكيف أصبح ملهوفًا نحو الخادمة " إنه إعتياد لا أكثر" خاطب عقله الذي أقتنع فصمت 

عاد النظر إلى ساعة معصمه فلم يعد أمامه مجال للإنتظار أكثر

حمل حقيبة أوراقه وهاتفه فقضيته تستحق كامل تركيزه وليست تلك الخادمة التي قرر أمس إعفاءها من خدمتها

......................

وقف حسن أمامها بحبة الدواء وكأس الماء ينظر إليها ولأول مرة تكون نظرته مختلفة.. لو كانت بكامل قواها لكانت أنتبهت أن حسن من جنس البشر لديه عاطفة

- خدي الحباية ديه عشان درجة الحرارة تنزل

طالعته بضياع كما طالعها هو بترقب.. فليلة أمس قد عاد بمزاج عالي بعدما أمتعته عشيقته ليجدها مكتومة على الأريكة يرتعش جسدها من شدة الحمى لا تشعر بشىء حولها 

- فتون خدي حباية الدوا 

ضجر من منادته لها وتلك النظرة التي تُطالعها بها فمال عليها يدس الحبة بين شفتيها يُقرب كأس الماء منها 

أرتشفت القليل من الماء وعادت تتسطح على الفراش تدثر جسدها بالغطاء لعله يتوقف عن الانتفاض 

- أنتي هتفضلي كده على الحالة ديه.. ما تنطقي أيه اللي وصلك لكده.. 

واتسعت عيناه فجأة يتذكر تلك المرة التي أتهمها السيد سليم بالسرقة.. فأقترب منها يهز جسدها

- أوعي يكون سليم بيه طردك وعملتي عاملة مهببة وخايفة تاخدي واجبك مني 

أبتعد عنها حانقًا بعدما وجدها تنكمش أكثر على حالها ولا إجابة حصل عليها ولا يُظن أنه سيحصل 

- ماشي يا فتون أنا هسيبك دلوقتي عشان شكلك فعلًا تعبان، لكن لو حصل اللي في بالي أعرفي أن ليلتك سودة..

أبتلع لعابه وقد تعلقت عيناه نحو شاشة هاتفه الذي يُضىء

- سليم بيه.. فتون هي عملت حاجة يا بيه.. لا يا بيه هي بس تعبانة شويه.. بكرة تبقى زي الحصان وتكون عندك 

والكلمة أخترقت أذنيه " مريضة ".. يسترجع هيئتها أمس لم يكن عليها أى من بوادر المرض 

انهى اتصاله بسائقه ينظر نحو هاتفه الذي وضعه للتو على ملف القضية التي يجب أن يدرسها بكل تركيزه.. أستجمع نفسه نافضًا تفكيره عنها فهل الخادمة ستحتل كامل عقله 

والعبارة الدائمة تتردد في أذنيه

" أفيق إنها الخادمة وأنت السيد " 

رمقها حسن قبل أن يُغادر الشقة يفحص وجهها الشاحب وإرتجافها 

- سمعتي البيه قال بكره تكوني عنده وتشوفي شغلك 

لم تكن تسمعه ولا ترى شيء أمام عينيها إلا عينين مسعد.. تشعر كأن أنفاسه مازالت عالقة فوق جلدها.. اغمضت عيناها بقوة تضم جسدها بذراعيها حتى تشعر بالأمان ولكن المشهد ترسخ في عقلها.. ستعاني منه كل ليلة في كوابيسها وما عليها إلا الصمت والصوت يتردد داخلها

" حسن لا يرحم.. حسن لا يُصدقك " 

...................

لم تعطي كاميليا إجابة صريحة لشقيقتها ولكن ناهد قد فهمت.. فما السبب لذلك العشاء الذي سيجمعهم جميعهم.. نظرت نحو خادمتها التي تتلكع في مهامها تزفر أنفاسها حانقة 

- مالك يا سعاد هنقضي اليوم كله في التنضيف 

- حاضر يا هانم قربت أخلص أه 

رمقتها ناهد ممتقعة الوجه تدور حول نفسها تُفكر هل مها لديها ثوب يليق بتلك المناسبة.. هل بشرتها نضرة اليوم، هل ستكون جميلة وتسلب عقل رسلان وتخطف الأعين كعادتها

- ماما أنا رايحة الجمعية وممكن أتأخر

توقفت ناهد عن الدوران تنظر إليها بتحديق 

- تمام يا ملك

- هو في ضيوف جيالنا النهاردة 

توترت ناهد بعدما أشاحت عيناها عنها.. فعدم وجود ملك اليوم جاء في صالحها.. أنبها ضميرها للحظات.. أصبحت تنفيها عنهم.. لم تعد تُريد لها أن تأخذ المزيد مما أعطته لها.. وجودها بينهم أصبح ثقيل عليها.. إجابات لم تعد تعلمها ولكن كما أخبرها عبدالله إنها لم تعد ناهد القديمة 

- عازمة خالتك وجوزها على العشا النهاردة.. أنتِ محتاجة حاجة 

- أنا ممكن ألغى مشوار الجمعية عادي 

- لا لا روحي ياحببتي متعطليش نفسك 

دفعتها برفق نحو الباب تتمنى لها يومًا سعيدًا تُخبرها أن لا بأس إن تأخرت 

أغلقت ناهد باب الشقة تضع يدها فوق قلبها الذي زادت دقاته 

- بنتي هي اللي تستحق السعادة ديه.. مش حرام أكون أنانية حتى لو مرة واحدة في حياتي 

.................. 

تعلقت عيناه بتلك الجالسة أمام سكرتيرته.. حاول تذكرها ولكنها كانت أسرع منه وهي تنهض من على مقعدها مُقتربة منه تُعرفه بحالها 

- أنا دينا رياض أرملة صالح مراد رجل الأعمال.. أتقابلنا في النادي الرياضي مش معقول تكون نستنى بالسرعة ديه 

لفظت عبارتها الأخيرة بمزاح وهي تتأمله بعينيها تمدّ له يدها تُصافحه 

- أهلًا يا فندم 

وبنبرة عملية كان يُرحب بها يُخبرها أن تتقدم أمامه.. مهنته تتطلب منه اللباقة وهو خير من يكون بتلك اللباقة 

جلست على المقعد بعدما جلس هو خلف مكتبه يسترخي في جلسته يُخبرها أن تسرد له تفاصيل قضيتها 

- شريك جوزي الله يرحمه سرق نصيبه في أرض كانوا متفقين أنهم هيبقوا شركاء فيها.. ومش بس كده سرق منه فكرة المشروع.. أكيد سمعت عنه حامد الأسيوطي 

الاسم سقط على مسمعه فانتبه بكامل تركيز لما تقصه عليه.. ولو كان سيرفض القضية فبعد معرفته بهوية من سيرفع القضية عليه زاده الأمر متعة.. فهو وحامد مازال بينهم ثأر.. تلك الحادثة التي بعث له فيها رجاله ليبرحوا ضربًا

- مافيش ورق يثبت بكده

أخرجت بعض الأوراق من حقيبة يدها تمدَّها له 

- طلب يتجوزني عشان أسكت لكن أنا رفضت...ده حق جوزي الله يرحمه وحقي وحق أبني .. الأرض تساوي عشرة مليون ده غير سرقته لفكرة المشروع 

- أنا شايف إن أوراقك مظبوطة أي محامي يقدر يكسب القضية يا مدام 

طالعته بتدقيق تنظر نحو وسامته وتلك الرجولة التي تشع منه فتجعلها تزداد رغبة 

- حامد بيهددهم فبيرفضوا القضية.. أنا عارفه ومتأكدة انا قدام مين دلوقتي.. سليم النجار أكبر محامي في البلد ولا أنا سمعت غلط عنك 

أعجبته تلك الثقة التي تتحدث بها فابتسم وهو يتراجع للخلف قليلًا يدور بمقعده ثم أخذ يدق برأس القلم على سطح مكتبه

- تشربي إيه يا مدام... 

- دينا من غير ألقاب.. قهوه مظبوطة 

وابتسامة واسعة كانت ترتسم على شفتيها يفهمها تمامًا، هتف بسكرتيرته عبر الجهاز الموضوع أمامه 

- فنجان قهوة مظبوط لمدام دينا وياريت تبعتيلي أستاذ حازم 

والصدمة أحتلت ملامح الجالسة وهي تجد رجل أخر يصطحبها نحو مكتبه.. أشار لصديقه بأن القضية له

 كادت أن تعترض ولكن أبتلعت عبارتها فمن هو حتى يصرفها هكذا... جميع الرجال يتمنون إشارة منها وهذا المغرور يرفض تولي قضيتها بنفسه 

عاد حازم إليه بعدما أنصرفت وقد علم منها كل التفاصيل ولاحظ حنقها وتأففها وكأنها لا تطيق الجلوس أمامه 

- أنت عملت فيها إيه... هموت وأعرف ليه كل قضايا الستات مبيحبوش غير يكونوا معاك.. أنت عامل للستات إيه 

ضحك رغم إنه لم يكن بمزاج يسمح له ولا يعرف السبب.. فما الشىء الذي يستحق أن يشغل باله...فهو سليم النجار وسليم النجار لا  يعيش إلا لنفسه وهذا يُعجبه وقد وجد راحته فيه منذ سنوات فما الشىء الذي تغير فيه والإجابة كانت مفقودة 

- أنا كل تفكيري في القضية الحالية.. المهم القضية ديه لازم نكسبها مهما حصل.. أنت عارف هتترفع ضد مين 

- عارف طبعًا حامد الأسيوطي.. الراجل ده ريحته فاحت أوي أنا مش عارف ليه الحكومه سيباه لحد دلوقتي .. بقولك أيه صحيح رانيا عزماك على العشا النهاردة 

ضحك ملء شدقيه لا يُصدق أن رانيا زوجة صديقه تدعوه لوجبة العشاء  

- مش مراتك برضوه مش بطقني إيه اللي حصل.. أوعى تكون رانيا تعبانه ولا حاجة يا حازم 

ضحك حازم هو الأخر فهو مثله لم يصدق دعوة زوجته له ولو عرف صديقه سبب الدعوة لأنفجر ضاحكًا 

- بلاش أصدمك وأقولك أنها عايزه تقرب بينك وبين زينب بنت عمها 

وقد تبدل مزاجه بعد تلك المزحة.. رانيا تجلب له عروس ياله من رجل محظوظ 

................

وضعت كل طاقتها في ذلك العمل ولكن التعب كان يتلاشى وهي ترى نظرات البسطاء إليها وهي تمدّ لهم يداها بتلك المساهمات التي من حينًا لأخر تمنحها لهم الجمعية.. الناس حولها كانوا سعداء وسعادتها هي أيضًا كانت لا توصف 

جاء وقت راحتهم فتعلقت عيناها بزملائها في الجمعية

 الكل يضحك ويتثامر.. فلما هي منزوية دائمًا عنهم..

أقتربت منهم وقد تشجعت ولم يكونوا إلا كما توقعت أشخاص سهل المعشر وجوههم تنطق بما تحمله قلوبهم

 

ولم يكن الحال مع مها هكذا بل كان كما ترسم له ناهد.. مها تنظر للفساتين التي تُقدمها لها البائعة وناهد تقف جوارها تنتقي معها فستانها.. وأخيرًا أنتهت مهمة الثوب وجاءت مهمة تصفيف الشعر والعناية بالبشرة.. والوقت لم يعد به متسع أمامهم

فها هي تقف أمام مرآتها تنظر لما ترتديه بسعادة وناهد تمدحها 

- قمر يا حببتي ما شاء الله 

عانقت مها والدتها تسمعها بعض الكلمات الجميلة فضمتها ناهد إليها.. أبتعدت ناهد عنها حتى تذهب لغرفتها لتتأنق هي الأخرى ولكن أوقفها صوت مها 

-  هي ملك هتتأخر يا ماما.. مش المفروض نتصل بيها عشان تلحق تلبس وتستعد

لم تتفوه ناهد بشيء فهى تقف صامتة تبحث عن إجابة مقنعة لأبنتها.. التقطت مها هاتفها حتى تُهاتفها ولكن ناهد كانت أسرع منها فالتقطت الهاتف منها تُخبرها 

- أنا كلمتها من شوية وقالتلي لسا في الجمعية عندهم حاجات مهمة النهارده وهي هتحاول تستأذن وتيجي 

أقتنعت مها بكلامها فتعلقت عينين ناهد بها وهي تعود لمرآتها تتأمل حالها بابتسامة واسعة

................

استيقظت تلتقط أنفاسها تنظر حولها.. الغرفة كانت غارقة في الظلام إلا من ذلك الضوء الذي يأتي عبر الشرفة 

إنسابت دموعها وهي تتذكر عيناه وقربه منها.. إنه كاد أن ينهش جسدها بل في كابوسها كان بالفعل ينهشه وهي تصرخ ليُنقذها أحدًا 

حاولت النهوض من على الفراش ولكنها عادت بكامل جسدها تسقط عليه مُجددًا... تعالت شهقاتها تسأل حالها أين سيكون خلاصها فهى لم تعد تحتمل.. حتى السيد سليم أصبحت صورته تهتز أمام عينيها.. إنها أصبحت تخشي الرجال وتكرههم. 

.......................

جثا على ركبتيه يحتضن الصغيرة أبنة صديقه يُداعب وجنتيها والطفلة التي هي صعبت المعشر مع الناس كانت معه طفلة وديعة هادئة

- أنت بتعمل أيه اللي لبنتي.. مش معقول أنت الوحيد اللي بتسكت معاه

ضحك سليم وهو يحمل الصغيرة وقد أحضر لها الكثير من الألعاب

- والله يا أستاذ حازم إحنا نسأل أنسه تولين وهي تجاوب

وداعب الصغيرة برقة على وجنتيها المنتفخة

- تولين بتحبي بابي أكتر ولا عمو سليم

هللت الصغيرة بيديها تنظر إليهم لا تستوعب شىء

- تولين جاوبي على بابي يلا ومتخليش الأخ ده يشمت فيا

والصغيرة أعطته الإجابة التي لم يكن ينتظرها

- سليم.. سليم!

سليم الذي وقف يضحك يضم الصغيرة إليه بحنان.. أنقلبت ملامح حازم للعبوس قليلًا ولكن سرعان ما تلاشي عبوسه ينظر نحو صديقه بحب

- اللي يشوف حبك ليها ميشوفكش كل اما أقولك اتجوز وهاتلك حته عيل.. تقولي مبحبش زن العيال ولا الستات 

- حازم هي رانيا موصياك النهارده ولا أيه

التف حازم حوله حتى يطمئن قبل أن تدلف إليهم بعدما سمع صوتها المرحب بأبنة عمها 

- بصراحة اه

- بتضحكوا على إيه.. سليم نورتنا بجد بقالك كتير مش بتزورنا 

وتعلقت عيناها بأبنة عمها التي تقف خلفها مرتبكة

- قربي يا زينب.. أعرفك  سليم صديق حازم..الدكتورة زينب بنت عمي صيدلانية 

- أتشرفت بيكِ يادكتورة 

اكتفت زينب بتحيته بإيماءة خفيفة.. تخفض عيناها نحو الأرض 

ساد المكان الصمت.. فغمزت هي لزوجها حتى يتحرك من مكانه ويترك لهم مساحة للحديث 

- حازم ممكن تيجي تساعدني في تحضير السفرة 

ونظرت نحو أبنتها حتى تحملها عنه ولكن الصغيرة تشبثت بعنقه

- سبيها يارانيا معايا.. 

طالع صديقه وهو يتبع زوجته.. ثم عاد ينظر لتلك التي ظلت واقفة بمكانها

- أتفضلي يا دكتورة أقعدي..ولا هتفضلي واقفة كده باصة على الأرض 

والطبيبة الخجولة أخيرًا رفعت عيناها نحوه ترمقه بنظرات حانقة ودت لو قتلته 

جلست على الأريكة تهز ساقيها وهو كان غارق في دغدغة الصغيرة واللعب معها 

- تعرف إني مبحبش مهنة المحاماة

رفع عيناه نحوها فأبنة عم رانيا فماذا سينتظر.. هو يحترم زوجة صديقة كامرأة مخلصة ووفيّة لبيتها وزوجها 

- ليه يا دكتورة.. ما يمكن وجهة نظرك غلط عنهم 

- لا لا.. لا يمكن 

رفع شفتيه مستنكرًا لثوانِ 

- أنت متجوزتش ليه لحد دلوقتي.. أنا سمعت من رانيا إنك معدي التلاتين وراجل غني يعني مش محتاج حاجة 

- قلة عقل بقى يادكتورة.. 

- الاكل جاهز يا جماعة 

نهض على الفور عندما أستمع لصوت حازم فاقترب ينظر له بنظرة قد فهمها 

- لا عشا إية أنت عارفني مبتعشاش ياحازم.. أنا جيت بس أشوف تولين 

أعطاه الطفله التي أخذت  تتثاءب على كتفه.. وأخيرًا قد أستطاع الهروب تخلص من جده عظيم ليأتي إليه حازم هو الأخر عن أي عروس يبحثون وهو في قائمة زيجاته السابقة العديد من النساء 

........... 

العشاء قد أنتهي وناهد تنظر نحو كاميليا تسألها بعينيها أين هو رسلان.. أرتبكت كاميليا من نظرات شقيقتها تنظر من حينًا لأخر نحو هاتفها.. رسلان لا يُجيب عليها ولا يُجيب على شقيقته 

اقتربت ناهد منها بعدما نهض الجميع وظلت مكانها واقفة تنظر نحو الردهة 

- فين رسلان يا كاميليا 

طالعتها بتوتر تبحث عن إجابة أخرى تُخبرها بها.. رنين الجرس كان كالنجدة بالنسبة لها تدعو داخلها أن يكون هو 

استرخت ملامح كاميليا مُقتربة منه وقد ارتسمت على شفتيه إبتسامة واسعة يحمل علبة من الشيكولاتة الفاخرة وباقة من الأزهار 

- حبيبي نورت البيت.. كده تتأخر علينا.. أه أكلنا من غيرك 

- خلينا ندخل عند الرجاله والبنات يا ناهد ولا هنفضل واقفين هنا 

طالعت ناهد شقيقتها وقد فهمت الأمر.. فلما الأنتظار أكثر من هذا

اقترب هو من عبدالله يصافحه وتعلقت عيناه بوالده الذي طمئنه من نظراته 

بحث بعينيه عنها فأين هي فقد تعمد التأخير كما أخبرته شقيقته 

- قدمي العصير والجاتوة لرسلان يا مها 

- لا لا ابعدوني أنا عن السكريات.. ممكن قهوة 

رمقت ناهد أبنتها بنظرة قد فهمتها 

- قهوة سادة مش كده.. ثواني وأكون عملتها ليك 

أنصرفت مها بتأنقها الملفت للغاية ولكنه لم يكن يراه 

- ده أنت عزيز أوي على مها يا رسلان داخله تعملك القهوة بنفسها 

هتفت ناهد بها تنظر لشقيقتها التي أكملت عنها 

- حببتي طالعه زي القمر النهاردة

وأردفت تنظر نحو زوجها حتى يهم بالحديث 

- عزالدين اتكلم ياحبيبي ولا القعدة الحلوة هتنسينا إحنا هنا ليه 

اعتدل عزالدين في جلسته ينظر نحو أبنه.. فأين هي العروس حتى يتحدث 

تعلقت عينين ميادة بشقيقها بتوتر.. وقد جف حلقها 

- عزالدين أتكلم ولا اتكلم أنا طيب ولا رسلان يتكلم

استرخت ملامح عزالدين وقد تعلقت عيناه كما تعلقت عينين أبنه بتلك التي أقتربت نحوهم بخطوات بطيئة تنظر إليهم ثم إلى شقيقتها التي تقترب بفنجان القهوة

الصورة كانت واضحة بل بأتم وضوح لها.. هيئة مها وتلك الأزهار التي يحملها رسلان.. الهواء انسحب من رئتيها وقد ازدادت ملامحها شحوبًا..

- عبدالله أنا يشرفني أطلب أيد.. 

اتسعت ابتسامة مها كما اتسعت ابتسامة ناهد وكاميليا.. ومع اقتراب خطواتها منهم وقد


 علقت الدموع بعينيها إنها النهاية وهي تعلم.. وقف وعيناه عليها ولكنه لم تكن ترى إلا الصورة التي تتخيلها 

-  يشرفني نطلب أيد ملك يا عمي ! 

سقطت صنية القهوة  كما تجمدت عينين ناهد وكاميليا وهو يقترب من تلك التي وقفت

 خارج الصورة تنظر إليهم تسمع اسمها يتردد وناهد تنظر إليها تهتف بكلمة واحدة بعدما فاقت من صدمتها 


                     الفصل العشرون من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close