رواية عزلاء امام سطوة ماله
( 28 و 29 )
_ الضيف ! _
في هدأة الليل ... تجلس "فريال" بغرفتها نصف غافية علي الكرسي الهزاز
عندما إقتحمت وصيفتها جناحها فجأة و هي تهدل بصخب :
-فريآاال هآاانم . يحيى بيه وصل . يحيى بيه وصل !
إنتفضت "فريال" من غفوتها النصفية و وثبت قائمة في لمح البصر ..
-بتقولي إيه يا سعاد ؟ يحيى . يحيى جه بجد ؟؟؟
كانت "فريال" شديدة الإضطراب و الإنفعال ، كان صوتها مهزوزا فيه قدر كبير من الذهول و الفرح و الشك ... فمازال باكرا علي موعد عودة زوجها من السفر ..
أكدت الوصيفة بإبتسامة عريضة :
-يحيى بيه لسا واصل حالا يا هانم أنا أول ما شوفته تحت جريت علي حضرتك علطول عشان أبشرك.
فريال بسعادة مفرطة و هي تغطي فمها بكفيها :
-ميرسي يا سعاد . إنتي بجد تستاهلي مكافأة علي الخبر ده . ليكي عندي هدية.
و أسرعت نحو المشجب الخشبي حيث بعض ثيابها المعلقة هناك ، بينما قالت "سعاد" بإبتسامة خجلة :
-العفو يا هانم . أنا ماعملتش حاجة.
إلتقطت "فريال" روب محتشم منسوجا من الحرير الخالص و إرتدته فوق قميص نومها الغير محتشم و لم تنتظر ثانية أخري
طارت عبر الغرفة و هبطت إلي الأسفل بسرعة فائقة ..
-يحيــــــــــــــــــــــــــــى ! .. هتفت "فريال" عاليا و هي تركض صوب زوجها ، ليلتفت لها "يحيى" مبتسما و يفتح ذراعاه بحركة تلقائية
إرتمت "فريال" بقوة في حضنه
تكورت في صدره و دست رأسها تحت إبطه ، ثم همست بعاطفة ملتهبة :
-حبيبــــي .. حبيبي وحشتني أووي أووووي . يآاااااااااااااااااااااه . ده حضنك واحشني بشكل !
-إنتي كمان واحشاني جدا جدا يا حبيبتي .. تمتم "يحيى" بخفوت و هو يحتضنها بشدة ، لتستعر اللهفة في صدرها و تزيد إلتصاقا به و هي تتنهد بحرارة
بينما مال "يحيى" مبتعدا عن عناقها و هو يحمحم ثم يقول بنبرة رزينة مرتفعة إلي حد مناسب :
-مش هتسلمي علي ضيوفنا و لا إيه يا فريال هانم ؟
في هذه اللحظة إنقشعت الغمامة الوردية التي غلفت حواس "فريال" ..
لقد نست أنهما ليس وحدهما ، ثم أدركت أن طريقة إلتحامها بزوجها الآن ليست سلوكا مهذبا في وجود الآخرين
شعرت بالإحراج ، فإبتعدت نصف خطوة و هي تجوس بنظرها علي وجهي "محمود أبو المجد" و زوجته الأنيقة السيدة "رباب التميمي" ..
-آاا أهلا و سهلا ! .. قالتها "فريال" بقدر من التوتر ، ليرد الزوجين في نفس واحد و البسمة تعلو شفاههما :
-أهلا بيكي يا فريال هانم.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
بعد وقت قصير ... يصعد "يحيى" مع زوجته إلي الغرفة
ينصرف الخادم الذي نقل حقيبة السفر من الأسفل إلي هنا ، لتنفرد "فريال" أخيرا بزوجها ..
-إنت إزاي ماتقوليش إنك راجع إنهاردة .. قالتها "فريال" بغنج و هي تسند يديها علي صدر "يحيى"
ليرد الأخر بإبتسامة و هو يداعب خصلات شعرها اللولبية :
-حبيت أعملهالك مفاجأة . إيه ! كانت مفاجأة وحشة يعني ؟!
فريال برقة شديدة :
-دي أحلي مفاجأة يا قلبي.
و طوقت رقبته بذراعيها و هي تبتسم بحب ، ثم صاحت فجأة :
-و صحيح إيه إللي جاب محمود و رباب معاك ؟ و جبتهم هنا ليه ؟!
يحيى بصوته المخملي الجذاب :
-قابلتهم في المطار يا حبيبتي و كانوا علي نفس طيارتي فإقترحت عليهم يقعدوا عندنا هنا طول مدة سفرهم زي مراد إبنهم كده.
عبست "فريال" قائلة :
-هو بيتنا بقي آوتيل يا يحيى كل من هب و دب هيجي يقعد عندنا.
يحيى بضحك :
-إيه ده يا فريال هانم ! إيه التحولات الغريبة دي . ده إنتي طول عمرك كريمة إيه إللي حصل.
فريال و هي تمط شفتاها و تعكف حاجباها في شئ من الضيق :
-ماقولتش حاجة يا حبيبي . أنا قصدي بس إن بيتنا في أسرار و لازم يبقاله خصوصية . وجود ناس أغراب معانا حاجة مش لطيفة أوي و لا إنت إيه رأيك ؟
يحيى بتفكير :
-بس هما مش أغراب عننا يا فريال . إحنا نعرفهم . ماتنسيش إن محمود صاحبي من زمان أوي ! .. ثم قال بجدية :
-و بعدين إبنهم قاعد معانا بقاله أكتر من شهر ماشوفناش منه حاجة و مافيش سر من أسرار بيتنا طلع برا .. علي ما أعتقد.
تنهدت "فريال" و قالت بإستسلام :
-خلاص يا يحيى . إللي تشوفه !
يحيى بنعومة و هو يسير بأنامله ببطء علي خدها :
-لأ مش إللي أشوفه . إللي نشوفه يا حبيبتي . لو حاسة بقلق ناحيتهم خلاص . أنا مستعد أعتذرلهم و أخليهم يمشوا بكره الصبح.
فريال بإستنكار ممزوج بالحرج :
-يا خبر ! لأ . لأ يا يحيى ماينفعش طبعا . كده يبقي بنطردهم مايصحش لأ .. ثم أردفت بإبتسامة متكلفة :
-خلاص . أنا موافقة يقعدوا معانا . أمر لله بقي !
إبتسم "يحيى" بحب ، ثم قال :
-قلبك أبيض طول عمرك يا حياتي.
فريال و هي ترد له الإبتسامة :
-و إنت طول عمرك قلبي يا يحيى .. ثم قالت بتحذير :
-بس بعد كده ماتبقاش تتصرف من دماغك و تعزم أي حد زي ما عملت إنهاردة . لازم تاخد رأيي في حاجة زي دي الأول.
يحيى بأداء مسرحي :
-سمعا و طاعة يا سيدتي.
ضحكت "فريال" بدلال ، و من جديد إزدادت إقترابا منه ليلتحما ببعض مرة أخري
و لكن هذه المرة دون قلق أو خجل من أن يراهم أحد ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في نفس الوقت بالجهة الأخري ... يسمع "مراد" بخبر مجيئ والديه
يتفاجأ بهذا هو أيضا ، فينزل من غرفته بسرعة ليتأكد بنفسه ..
-بابا . ماما !! .. هتف "مراد" مبتسما بدهشة ، ثم أسرع إلي أحضان أبويه و ضمهما معا و هو يكمل بعدم تصديق :
-إنتوا جيتوا إزاي ؟ ليه ماقلتوش ؟ .. وحشتوني أووي.
ربتت "رباب" علي شعر إبنها قائلة :
-حبيبي يابني . إنت وحشتنا أكتر.
محمود بإبتسامة :
-إحنا قولنا نعملهالك مفاجأة و نطب عليك علي غفلة.
نظر "مراد" إلي والده و قال بحبور شديد :
-و أنا فعلا إتفاجئت . ماتتصوروش إنتوا كنتوا واحشني إزاي .. ثم تساءل بإهتمام عندما لمح الحقائب بجانبهم :
-بس إيه الشنط دي ؟ إنتوا لسا ماحجزتوش في آوتيل و لا إيه ؟!
محمود بجدية :
-لأ يا سيدي . يحيى أصر إننا ننزل عنده هنا لحد ما تنتهي رحلتنا و نرجع تاني.
مراد بإستغراب :
-أنكل يحيى ! هو وصل ؟
-أيوه . قابلناه صدفة في المطار و جينا سوا.
أومأ "مراد" بتفهم ، ثم قال بتردد :
-بس إنتوا هتستريحوا هنا ؟ مش هتبقوا مضايقين يعني ؟
محمود بدهشة :
-و إيه إللي هايضايقنا يابني ؟!
مراد و هو يهز كتفاه بخفة :
-يعني . البيت مش بيتنا و ممكن آا .. و صمت فجأة ، لا يعرف كيف يصوغ عبارته
لتندفع أمه و تقول بنزق ممزوج بالحدة :
-إنت بتقول كده ليه ؟ هو حد هنا ضايقك يعني ؟ حد عملك حاجة ؟ ما ترد آا ..
-إستني شوية يا رباب . قاطع "محمود" زوجته بصرامة دون أن يحيد بنظره عن إبنه ، و تابع :
-إسمع يا مراد . زي ما قولتلك يحيى هو إللي أصـــــر و ألــــــح كمان إننا نيجي هنا .. إحنا تمام هنقعد بس لو حسينا نفسنا مش مرتاحين أو حسينا حد من أهل البيت مش مرتاح لوجودنا هناخد بعضنا و هنمشي فورا . خطتنا ماكانتش الإقامة في قصر البحيري . إحنا كنا عاملين حسابنا ننزل في آوتيل و بعدين كنا هنأجر بيت أو شقة نقعد فيها الفترة إللي هنكون فيها هنا . يعني بالنسبة لنا مافيش مشكلة .. فهمت ؟
مراد بإبتسامة :
-فهمت يا بابا . و عموما حمدلله علي السلامة.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" علي صوت زقزقة العصافير
تنظر إلي ساعة التنبيه ، فتجدها السابعة و النصف صباحا
تزفر بضيق و تتمتم لنفسها : " هيعمل فيا إيه ده لو ماروحتش ؟ يادي المصيبة ! "
و قامت من فراشها و الكدر يغيم عليها كليا ..
تقابل "فادي" بالصالة ، كان يحمل "ملك" التي إستيقظت في وقت باكر كعادتها
بينما كانت تميل الصغيرة برأسها علي كتفه بلا حراك ، تراوغ غفوة راحت تثقل أهدابها الكثة بين الحين و الأخر ..
-صباح الخير يا فادي ! .. قالتها "سمر" بصوت متحشرج من تأثير النوم
إبتسم "فادي" و هو يرد :
-صباح النور يا سمسمة . إيه ! جاهزة ؟
سمر بوجه خالٍ من أي تعبير :
-أيوه يا فادي . هغسل وشي و هحضرلكوا الفطار و بعدين هبدأ في الغدا.
فادي بإمتنان :
-ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي . معلش لو هتعبك إنهاردة و أسف إني عطلتك عن شغلك.
سمر بإبتسامة باهتة :
-و لا يهمك يا حبيبي .. و أكملت بتساؤل :
-بس هو الدكتور بتاعك ده جاي الساعة كام ؟
-جاي علي الساعة 4 كده.
أومأت "سمر" قائلة :
-طيب . يدوب بقي .. شوية و الفطار يبقي جاهز !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
تمر ساعات النهار بسرعة بالنسبة لـ"سمر" ... فقد قامت بإنجاز كبير ، حيث أعدت طعام الغداء الفاخر كله
طبخت أصناف عديدة و شهية في زمن قياسي ، ثم تنفست الصعداء أخيرا و ولجت إلي المرحاض ..
أخذت حماما سريعا ، ثم ذهبت إلي غرفتها
إرتدت ملابس نظيفة و أنيقة تلائم إستقبال الضيف ، و من جديد نظرت إلي ساعة هاتفهها .. أصبحت الرابعة إلا الثلث عصرا
و لكن غريب .. إنه لم يتصل و لا مرة حتي الآن !!
-سمر ! يلا تعالي دكتور أدهم قدامه عشر دقايق و يوصل.
و بعد عدة دقائق كانت "سمر" تقف بجانب أخيها عندما دق جرس الباب
يفتح "فادي" ليظهر الضيف المنتظر ..
كان رجلا في أوائل الثلاثينيات ، ذا وجه وسيم و إطلالة جذابة ، بدت عليه إمارات سعة العيش و الترف بصورة كبيرة ..
ألقي نظرة خاطفة نحو "سمر" ثم توجه إلي "فادي" بالقول ..
أدهم بإبتسامة خفيفة :
-مساء الخير يا فادي.
فادي و هو يصافحه بحرارة :
-أهلا مساء النور يا دكتور . نورتنا .. ثم إلتفت إلي أخته و قدمها له :
-سمر ده دكتور أدهم إللي حكيتلك عنه . دكتور أدهم دي سمر أختي.
صوب "أدهم" ناظريه إليها .. شملها بنظرة فاحصة و البسمة البسيطة تعلو ثغره ..
-إتشرفت بيكي يا أنسة يا سمر .. قالها "أدهم" بنبرة هادئة ، لتومئ "سمر" و هي ترد بإبتسامة :
-الشرف ليا يا دكتور.
و هنا ... دق هاتفهها ، لتري حروف إسمه تضئ الشاشة مع الرنين الصاخب المـُلح !!!!!
😷😷💔
( 29 )
_ رعب ! _
إعتذرت "سمر" من أخيها و ذهبت لترد علي المكالمة ... ليأخذ "فادي" الضيف و يجلسه بالصالون المتواضع و هو يمطره بوابل من الإبتسامات و الكلمات المرحبة
ولجت "سمر" إلي غرفتها و أوصدت الباب خلفها
و قبل أن ينقطع الرنين المتواصل ضغطت زر الإجابة و ردت بصوت متوتر :
-ألو !
-أيوه يا سمر . إيه ما ردتيش بسرعة ليه ؟
كان صوت "عثمان" متوازنا .. فيه قدر من الثبات و الهدوء الذي بث فيها التوجس بصورة أكبر ..
-مـ معلش الموبايل كان بعيد عني .. هكذا أجابته "سمر" و هي تحاول ضبط الهزة في صوتها قدر أستطاعتها
عثمان بنبرته الخفيضة الهادئة :
-أووك . عموما أنا كنت بتصل أقولك Sorry هضطر أكنسل ميعادنا إنهارده بس أكيد هنتقابل بكره.
سمر بعدم تصديق و سرور في آن :
-ده بجد ! قصدي ليه كده ؟؟؟
عثمان بأسف :
-صحيت الصبح ياستي لاقيت أبويا رجع من السفر و إبن عمي كمان خرج من المستشفي و رجع علي البيت كل العيلة متجمعين بقي و محدش راضي يفرج عني إنهارده .. معلش يا حبيبتي . بكره هعوضك.
سمر بغبطة شديدة :
-و لا يهمك خد راحتك خآالص . قصدي ماتستعجلش . يعني هنروح من بعض فين !
صمت قصير .. ثم قال "عثمان" بشك :
-أومال إنتي فين كده يا بيبي ؟
إزدردت ريقها بتوتر و أجابت بإرتباك :
-آا أنـ أنا . أنا في البيت !
عثمان بدهشة :
-في البيت إزاي يعني ؟ لسا شوية علي ميعاد الإنصراف ! .. ثم قال بغضب :
-إنتي ماروحتيش الشركة إنهاردة ؟؟؟
سمر بإرتباك أشد :
-مـ ما . ما ما آا ..
-ما إيـــــه إتكلمي ! .. قاطعها بإنفعال و تابع :
-يعني لو ماكنتش إتصلت بيكي ماكنتش عرفت إنك طنشتيني و كسرتي كلامي ؟ إنت بتتحديني يا سمر ؟؟؟
تخيلت "سمر" أن نبرة صوته العنيفة تجاوزت سماعة الهاتف و صار بإمكان أخيها سماعه و هو في الخارج ..
-أرجوك وطي صوتك .. قالتها بخوف شديد و هي تنظر نحو الباب ، ليرد "عثمان" بإستنكار ممزوج بعصبيته :
-أوطي صوتي ! هو إنتي لسا شوفتي حاجة ؟ بس لما أشوفك يا سمر . هخليكي تفكري مليون مرة قبل ما تحاولي تكسريلي كلمة واحدة تاني.
سمر و قد تملك منها الرعب :
-هتعملي إيه يعني ؟ تهديد ده ؟!
عثمان بنبرة وعيد :
-أفضل تشوفي بنفسك .. ثم قال بصرامة :
-بكره الساعة 9 نتقابل في نفس المكان . إوعي تتأخري زي المرة إللي فاتت و جربي ماتجيش يا سمر . يا ويلك مني لو عملتيها .. سلام يا بيبي.
و أقفل الخط بوجهها ..
-يا نهار إسود ! .. تمتمت "سمر" بإنيهار ، و أكملت :
-هيعمل فيا إيه الحيوان ده ؟ .. مش ممكن يعمل حاجة . هيعمل إيه يعني ! . يا ربي أعمل إيه بس . أنا أعصابي إدمرت خلآاص !!
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أنهي "عثمان" مكالمته و هو يغلي من الغضب ... ثم خرج من الشرفة و عاد إلي مجلس العائلة
حيث إحدي القاعات الفخمة التي يزيدها جمالا تلك النوافذ التي تمتد من الأرضية إلي السقف لتمنح للمشاهد إطلالة بانورامية آسرة ..
-يابني كنت فين ؟ مش تقعد معانا بقي ! .. قالها "يحيى" بإنزعاج ، و أردف بحدة :
-أنا قلت مافيش خروج إنهاردة.
عثمان بإبتسامة :
-أنا جيت أهو . كنت بعمل مكالمة بس.
و ذهب ليجلس بجوار أمه ..
-منوور البيت يابو الصلـــوووح . حمدلله علي السلامة .. قالها "عثمان" و هو يمد يده و يربت علي قدم "صالح"
إبتسم "صالح" و هو يثبت الكرسي المتنقل الذي يجلس فوقه ، ثم رد دعابة إبن عمه :
-الله يسلمك يابن عمي . هو البيت كان ناقصني عشان ينور يعني ؟ ما فيه ناس زي الفل أهو مش قاطعين عنه الكهربا ليل نهار.
ضحك الجميع إثر جملته ، و شارك "محمود أبو المجد" في الحديث المرح :
-طول عمرك دمك خفيف يا صالح . ربنا يشفيك يابني و يقومك بالسلامة.
صالح بإبتسامة :
-متشكر يا أنكل .. ثم تساءل بإهتمام :
-أومال هي فين هالة يا جماعة ؟!
أجابته "صفية" الجالسة بخفة علي يد مقعده المعدني :
-أنا طلعت أندهلها بس قالتلي تعبانة و مش هتقدر تنزل.
صالح بقلق :
-تعبانة إزاي يعني ؟ طيب أطلع شوفها يا بابا من فضلك !
تنهد "رفعت" بسأم ، و قال :
-ماتقلقش يابني . هي كويسة.
صالح بشئ من العصبية :
-و حضرتك عرفت منين كنت شوفتها يعني ؟!
رفعت بضيق :
-أختك حساسة أوي زي ما إنت عارف .. ثم أكمل و هو يحدج "عثمان" بنظرات ذات مغزي :
-أقل حاجة ممكن تضايقها أو تتعبها . بس هي بترجع و بتبقي كويسة . ماتقلقش عليها.
تظاهر "عثمان" بعدم ملاحظة عبارة عمه الإتهامية و واصل العبث بهاتفهه و هو لا يكف عن مغازلة أمه بنفس الوقت
بينما إستمر الحديث و الهرج من حوله ليمتلئ المكان بالدفء و الألفة الأسرية ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل "سمر" ... بعد الغداء ، تدخل إلي الصالون و هي تحمل طقم المشروبات
تقدم الشاي إلي "فادي" ثم القهوة المضبوطة إلي الضيف ..
-تسلم إيدك يا أنسة سمر ! .. قالها "أدهم" مبتسما و هو يتناول منها فنجان القهوة ، و تابع بثناء :
-الأكل كان حلو أوي . حقيقي من مدة مادوقتش أكل بيتي حلو كده.
سمر بإبتسامة و هي تجلس في كرسي مجاور لأخيها :
-ميرسي يا دكتور و بالهنا و الشفا . دي حاجات بسيطة.
أدهم بدهشة :
-كل ده و حاجات بسيطة ! بلاش تواضع . أكلك يجنن و الأصناف إللي عملتيها عجبتني أووي.
سمر و قد توردت وجنتاها خجلا :
-ميرسي علي المجاملة الرقيقة.
أدهم بإبتسامته الجذابة :
-مش بجامل علي فكرة . دي حقيقة .. و لا إنت إيه رأيك يا فادي ؟
فادي بإعتداد و فخر :
-و الله أنا من زمان معجب بأكلها و مش أنا لوحدي . كل معارفنا و جيرانا بيشكروا في نفسها في الأكل.
و هنا لاحظ "أدهم" خجلها المتزايد ، فقال بلبقاته المعهودة :
-أعتقد إن الأنسة سمر بتتكسف من المدح . طيب نغير الموضوع عشان خاطرها .. ثم مضي يكمل بجدية :
-شوف يا فادي . أنا تقريبا خلصت إجراءات تعيينك . مش هيبقي عليك بعد كده غير إنك تستلم شغلك.
فادي بحماسة :
-أنا جاهز يا دكتور من بكره لو أمكن.
-طبعا ممكن . خلاص بكره الصبح تطلع علي البحر الأحمر و تستلم مكانك هناك.
سمر بصدمة :
-بحر أحمر إيه ؟ إنت هتسافر يا فادي ؟؟؟
نظر "فادي" إليها و رد بشئ من الإرتباك :
-أيوه يا سمر . ما أنا نسيت أقولك إن شغلي هيكون في البحر الأحمر و بالتالي لازم أسافر.
سمر بغصة مريرة :
-هتسيبنا و تسافر ؟ طب مين إللي هياخد باله مني و من ملك ؟؟!
فادي بتأثر شديد :
-أنا مش هسيبكوا بمزاجي يا حبيبتي . هو الشغل كده طب هعمل إيه يعني !
و بدا عليه القلق من ردة فعل "أدهم" لتلاحظ "سمر" هذا و تقول بإستسلام :
-خلاص يا فادي . سافر .. ربنا يوفقك.
يتدخل "أدهم" بلطف :
-أنسة سمر ماتقلقيش . فادي مش هيغيب عليكوا كتير هما خمستيام إللي هيكون فيهم في البحر الأحمر و هيجي يقضي معاكوا نهاية الأسبوع !
أومأت "سمر" و هي تحاول رسم إبتسامة علي ثغرها
ليأتيها صوت بكاء "ملك" في اللحظة التالية ..
سمر بوجوم :
-عن إذنكوا . هروح أشوف ملك !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في الصباح التالي ... يودع "فادي" شقيقتاه
تقلبت "ملك" بين ذراعي أختها و مضت إلي أخيها فإحتضنها بين ذراعيه ..
همس من فوق رأسها :
-أشوف وشك بخير يا سمر !
أومأت "سمر" قائلة و الدموع تلمع بعيناها :
-أشوف وشك بخير يا فادي.
أوصاها من جديد. :
-خلي بالك من نفسك و من ملك.
سمر بخفوت :
-ماتقلقش.
-هبقي أكلمكوا كل يوم.
ثم لثم جبهة "ملك" و قبلها من وجنتيها و أعادها إلي "سمر" ثانيةً ..
رحل ... فأخذت "سمر" شقيقتها الصغيرة إلي الجارة "زينب" و ذهبت علي أساس إلي عملها ، و لكن كانت الوجهة مختلفة تماما
نصف ساعة و كانت في نفس المكان الذي تواعدا عنده في المرة السابقة ..
إنتظرت نصف ساعة إضافية حتي آتي
رأته و هو يوقف سيارته بصورة تدريجية ، إرتجفت مرتعبة حين إلتقت عيناها بعيناه
نظراته مخيفة .. رغم أنه كان يبتسم ، الله أعلم ماذا يضمر لها ..
-إركبي يا بيبي ! مستنية إيه ؟ .. قالها "عثمان" بنعومة ، ثم مد يده و فتح لها الباب لتستقل بجانبه
لبت دعوته بآلية ، لتسأله بتردد عندما إنطلق بالسيارة :
-هـ هو إ إحنا رايحين فين ؟
عثمان ببرود شديد :
-أنا خدت بالي المرة إللي فاتت إن اليخت عجبك . فقلت هخدك تاني بقي و نقضي سوا يومين حلوين وسط البحر .. عشان ماتعرفيش تهربي مني !
سمر بإنفعال :
-يومين إيه ! قولتلك ماينفعش أغيب عن البيت أكتر من ساعات الشغل.
عثمان بحدة :
-وطي صوتك . مش هكملك تاني في الموضوع ده .. ثم قال بصوت جازم :
-و بعدين قلت هتقضي معايا يومين يعني هتقضي معايا يومين.
-بس آا ..
-مابسش .. قاطعها بصرامة ، و تابع :
-سيادتك مراتي و أنا ليا حقوق عليكي و لما أقول كلمة ما تتردش أبدا فاهمة ؟
شدت علي أسنانها و راحت تلهث بقوة ... لا مفر ، إتضح ذلك في نبرة صوته ، في طريقة كلامه .. و يا ليته يكتفي بهذا
بعد قليل أوقف سيارته أمام إحدي البنايات الضخمة الحديثة ، ثم أدار لها وجهه و قال بأمر :
-إنزلي.
رمقته بإستغراب ، لكنها إنصاعت له
ترجلت من السيارة و مشت ناحيته ... أمسك بيدها و جرها خلفه ، ليجتازا معا ممر حجري
تبعته و قلبها يرتجف بين أضلاعها ، تري أين يتوجه بها ؟ ما ذا سيفعل لها ؟؟؟
إزدادت حيرتها حين ولج بها إلي ذلك المكان ..
الإضاءة شديدة هنا و لاشك أنها مزعجة قليلا ، لكنها إستطاعت أن تري و تكتشف المكان بوضوح ..
الحركة المستمرة ، الموسيقي المنبعثة من السماعات المعلقة بالسقف ، الملصقات النسائية الخاصة بالموضة و الإطلالات العصرية تزين الجدران ، المكان نفسه يكاد يعج بالنساء !!!
-كوافير ! .. تمتمت "سمر" بإستغراب شديد ، ثم إلتفتت له بسرعة
وجدته يرمقها بنظراته الشيطانية و أصابعه الغليظة ما زالت تحاوط رسغها بإحكام ..
-إحنا إيه إللي جابنا هنا ؟! .. تساءلت بجدية ، ليرد "عثمان" ببراءة :
-جينا عشانك يا بيبي . زي ما إنتي شايفة ده كوافير أعتقد إنه مكان مش ملائم للرجالة . و لا إيه ؟
سمر بتوجس :
-و أنا هعمل إيه هنا ؟
عثمان بخبث :
-هتعملي كل حاجة . الناس إللي هنا هيظبطوكي علي الأخر . صدقيني هتخرجي من هنا واحدة تانية خآالص.
جلل وجهها رعب حقيقي ، لترد برفض :
-بس أنا مش عايزة !
عثمان بلهجة خفيضة مهدئة :
-سمر . Relax يا حبيبتي . هما مش هيعملولك حاجة . الحكاية بسيطة أووي . إنتي محسساني إنك عمرك ما دخلتي مكان زي ده . إيه يا بيبي هو أنا جايبك فين يعني ؟ ده أكبر Beauty center في إسكندرية .. ثم قال بنعومة :
-و بعدين إنتي مرات عثمان البحيري . حتي لو في السر لازم تبقي أجمل و أشيك ست في البلد كلها.
و هنا جاءت إحدي العاملات ، لتتساءل بنبرة رسمية رقيقة :
-صباح الخير يافندم ! تحت أمرك ؟ أي خدمة أقدر أقدمهالكوا ؟!
عثمان بجدية :
-أه لو سمحتي . في حجز بإسم سمر حفظي.
العاملة :
-فعلا يافندم و ميعادها بعد عشر دقايق بالظبط.
عثمان بإبتسامة و هو يشير إلي "سمر" :
-هي دي . مدام سمر حفظي !!!
