رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل الرابع والعشرون24 والخامس والعشرون25 بقلم مريم غريب


 رواية عزلاء امام سطوة ماله

الفصل الرابع والعشرو والخامس والعشرون 

بقلم مريم غريب


( 24 )


_ آثمة ! _


كانت الشمس حارة علي جلد ظهرها المكشوف فإيقظتها عند الصباح ... بل لعله قبل الظهر بقليل ، ليست متأكدة !


لكنها كانت متأكدة تماما من أشياء أخري ، مثلا كانت تعرف تماما أين هي ..


تلك الغرفة المتألقة بسريرها العريض الوثير مع شلال من ضوء الشمس اللامع يدخل من النافذة المفتوحة


لم تستطع أن تفتح عينها ..


فقد كانت تعيسة و مكسورة فلم ترغب في زيادة الأمر .. ما كانت تسمع أي صوت غير صوت الأمواج في الخارج ، و صوت تنفسه الثقيل ، و صوت قلبها


بعد قليل وجدت أن التظاهر بالنوم ليس حلا جيدا للهروب من الواقع


يجب أن تستيقظ لترحل من هنا بسرعة ، لتعود إلي بيتها مجددا و تبتعد عنه ..


فتحت عيناها بتثاقل فكان أول ما شاهدته وجهه المشعر بلحيته الكستنائية


أطلقت شهقة مكتومة و هي تنظر له ، فرغم أنه كان نائم و قد بدا شكله مسالما تماما كالأطفال ، لكن مجرد رؤيته علي أي وضع أمر يبث الذعر فيها بقوة و خاصة بعد الليلة الماضية ..


إنزلقت بحذر من السرير ، لتجد قميصها القطني ملقي تحت رجليها تماما


أخذته و قامت بإرتدائه بسرعة ، ثم هربت إلي المرحاض الملحق بالغرفة ..


 وقفت تحت رذاذ المياه الساخنة لتستحم و تزيل آثاره الكريهة من عليها


و لكنها كانت تعلم جيدا أنها لن تستطيع محو أي شئ فعله هو أو فعلته هي من داخلها مهما حاولت ..


إنتهت من حمامها ، و راحت تنظر إلي جسدها في المرآة الكبيرة


بالطبع كانت الهالات السوداء تحيط بعيناها ، و بخلاف هذا كانت شفتاها متورمتين قليلا ، و كانت المنطقة بين رقبتها و صدرها مزينة ببقع من اللون الأحمر و البنفسجي ..


-يانهارد إسود ! .. تمتمت "سمر" بخوف ممزوج بالتوتر الشديد و هي تتلمس تلك البقع بأناملها


ماذا لو شاهدها "فادي" ! .. ماذا ستقول له ؟ .. كيف ستبرر ظهور علامات كهذه ؟؟؟


هو ليس غبي بالتأكيد ، و إذا لمح شيئا كهذا لن تنطلي عليه أي كذبة تختلقها و سيعرف فورا السبب و ينكشف كل شئ


تنهدت "سمر" بضيق و هي تشد علي قبضتيها بقوة و تدعو في سرها ألا تزداد مصائبها أكثر من ذلك ، فإذا حدث شيئا أخر و لو صغيرا لن تتحمل أبدا .. ستنهار ..


إرتدت قميصها القطني مجددا و عادت إلي الغرفة


لتجده قد إستيقظ و يجلس مسترخيا في السرير يدخن سيكارته بفتور شديد


إرتعشت و هي ترمقه بنظرة جانبية و بحركة غريزية أحاطت كتفيها العاريين بذراعيها ، ثم إنطلقت لتنقب عن بقية ملابسها وسط كومة الثياب المتناثرة فوق الأرض ..


-صباح الخير يا سمر ! .. قالها "عثمان" بصوت ناعم ، لترد "سمر" بإقتضاب :


-صباح الخير.


كان صوتها متحشرجا بعض الشئ ، فسألها بقلق مصطنع :


-مالك يا حبيبتي ؟ إنتي تعبانة و لا إيه ؟ إوعي تكوني أخدتي برد !


حمحمت "سمر" لتنظف حنجرتها ، ثم قالت :


-أنا كويسة.


و باشرت بإرتداء ملابسها علي عجالة ، بينما أطفأ "عثمان" السيكارة ، ثم قام بتكاسل و توجه صوبها ببطء


لتدير له ظهرها بسرعة و هي تغمض عيناها بشدة متمنية ألا يضع يده عليها الآن


لا تريده أن يلمسها مجددا ..


لكن أملها قد خاب ، لأنه لمسها فعلا


أمسك بكتفيها ، و أقحم وجهه في شعرها المبتل الذي تفوح منه رائحة الصابون الفاخر ممتزجة برائحتها الطبيعية الطيبة ..


تنشق خليط العبير هذا بقوة ، ليشعر بالإنتشاء و يهمس في أذنها بعذوبة :


-ماعندكيش فكرة أنا إتبسطت أد إيه إمبارح ! .. إنتي تجنني يا سمر . بجد عمري ما حسيت كده مع أي واحدة قبلك .. إطلبي مني إللي إنتي عايزاه . أي حاجة نفسك فيها هعملهالك . إحلمي.


سمر بإزدراء :


-ليه ده كله ؟!


عثمان و هو يسير بكفاه صعودا و هبوطا علي كتفيها بهدوء و رقة :


-إنتي إدتيني متعة ماكنتش أحلم بيها و نستيني الدنيا بحالها . نسيت معاكي حاجات كتيييير أوي . إنتي بقيتي حاجة Especially بالنسبة لي خلاص و أنا عايز أكافئك.


سمر و هي تذكره بجمود :


-علي فكرة أنا ماعملتش أي حاجة . إنت إللي عملت كل حاجة.


ضحك "عثمان" بخفة ، ثم قال بخبث:


-أيوه عارف . بس ده مايمنعش إنك جامدة أووي بردو و تتاكلي من أي حتــــــــــة !


تنشجت "سمر" بعصبية و إلتفتت له و هي تقول بغضب شديد :


-بقولك إيه ! ماتكلمنيش بالإسلوب ده تاني سامع ؟ أنا مابحبش كده و مابحبش أسمع كلام زي ده . إوعي تقولي كده تاني.


عثمان بإبتسامة مرحة :


-إيه يا بيبي حصل إيه بس ؟ هو أنا قلت حاجة وحشة ؟ ده أنا بمدحك !


سمر بإنفعال :


-مش عايزاك تمدحني.


عثمان بضحك :


-طيب طيب . خلاص ماتضيقيش هبقي أخد بالي من كلامي بعد كده .. ثم قال بجدية :


-يلا بقي معايا علي المطبخ عشان نعمل الفطار سوا أحسن أنا ميـــــــت من الجوووع.


و أمسك بيدها ليخرجا معا ، لكنها شدتها منه بقوة و هي تقول :


-لأ مش هينفع . أنا لازم أرجع دلوقتي حالا . قلت لفادي إني هرجع بدري و هفطر معاه.


عثمان بإستنكار :


-ترجعي إيه ! إنتي فاكرة إننا هنرجع إنهاردة أصلا ؟ أنا عامل حسابي علي يومين !!


سمر بحدة :


-بس أنا مش عاملة حسابي و لازم أرجع بسرعة و إلا كل حاجة ممكن تتكشف.


عثمان بضيق :


-اففف بقي . كده ماينفعش خــــالص علي فكرة شوفي حل في قيودك دي أنا مابعرفش أصبر كتير.


لم ترد عليه ... فإستطرد بحنق :


-أوك هنرجع . بس إعملي حسابك المرة الجاية هتقضي معايا كام يوم مش بس يومين فاهمة ؟


حدجته بمقت شديد ، ثم إبتعدت عنه و أخذت تكمل إرتداء ملابسها


بينما زفر هو بنفاذ صبر و ذهب ليرتدي ملابسه هو الأخر علي مضض ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في قصر آل"بحيري" ... أخذ "مراد" يختبر شاحن هاتفهه المرة تلو المرة دون فائدة ، فقد إنتهي عمره الإفتراضي و أصبح تالفا


يتآفف بضيق ، ثم لا يجد بديل سوي "عثمان" ..


حتما لديه شاحن مثل هذا و لا مشكلة إذا إستعاره حتي يشتري واحد جديد


خرج "مراد" من الغرفة المخصصة له ، ثم ذهب إلي غرفة "عثمان"


فتح الباب ليجد "هالة" بالداخل ..


كانت متكئة علي سرير إبن عمها و ممسكة بقميصه تحتضنه بحب و تتشمه بهيام


إنتفضت حين إقتحم "مراد" الغرفة فجأة و بسرعة رمت القميص من يدها و قامت و هي لا تعرف كيف تبرر وضعها !!!


-هالة ! .. هتف "مراد" بدهشة ، و تابع :


-إنتي بتعملي إيه هنا ؟


هالة بإرتباك شديد :


-آاا آا أنـ أنا كـ كنت بـ بدور علي عثمان . كنت عـ عايزاه في حاجة مهمة !


مراد بنبرة تشكك :


-عثمان مش هنا من إمبارح.


كانت تعلم هذا ، لكنها لا تجهل سبب غيابه ، فتساءلت :


-أومال هو فين طيب ؟


مراد و هو يهز كتفاه بخفة :


-ماعرفش . مارضيش يقولي بس قالي راجع بعد يومين.


أومأت "هالة" بتفهم ، ثم قالت بإبتسامة متوترة :


-أوك . أنا . أنا هروح علي أوضتي دلوقتي بقي و لما يرجع هبقي أشوفه !


و خرجت مسرعة ..


ليقطب "مراد" بإستغراب و يفكر بصوتٍ عالٍ :


-هو إيه إللي بيحصل ؟ .. هالة تيجي ليه لحد أوضة عثمان ؟ .. ماتكلموش في التليفون ليه مثلا ؟ و إتخضت ليه لما شافتني !!


ثم مط شفتاه بعدم إهتمام و مضي يبحث عما جاء من أجله ...


••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


علي رصيف المرسى ... يقف "عثمان" و يسلم مفاتيح اليخت للسائس "ناجي" ثم يأخذ "سمر" و يذهبا إلي حيث ترك سيارته


إستقلا بجانب بعضهما ، ليقلع "عثمان" بروية في بادئ الأمر ، ثم يزيد السرعة لتبلغ الحد الغير مسموح به قانونيا ..


-ممكن تهدي السرعة شوية من فضلك ! .. غمغمت "سمر" و هي تنظر بهلع إلي الطريق و السيارات التي تجري من جانبهم في إتجاه معاكس


بينما رد "عثمان" بإبتسامة عريضة :


-بتخافي من السرعة يا سمر ؟ دي أمتع حاجة في الدنيا و بتدي ثقة في النفس أوي.


سمر بنبرة مرتعشة :


-لو سمحت هدي السرعة !


كان الهواء يصفق وجهها بمدي سرعة السيارة و كانت عيناها تحترقان ، لكن رغم ذلك أبقتهما متسعتين


بينما ضحك "عثمان" منها ، ثم إمتثل لرغبتها في الأخير و قلل من سرعة السيارة إلي حد مناسب جدا ..


-هاه ! . كده معقول ؟ .. سألها بنبرة ودية ، لتومئ دون كلام و هي تتنفس الصعداء


بعد ذلك راقبت الطريق جيدا و لما إقترب "عثمان" من المنطقة التي تسكن بها ، صاحت :


-بـــس .. نزلني هنا.


عثمان بإستغراب :


-بس لسا شوية علي بيتك !


-ماينفعش حد يشوفنا مع بعض .. ثم قالت بتهكم مرير :


-الناس منغير حاجة بتتكلم.


تنهد "عثمان" و قال بإستسلام :


-أووك . إللي تشوفيه.


و ركن علي جانب الطريق ..


مدت "سمر" يدها لتفتح باب السيارة ، ليستوقفها "عثمان" فجأة :


-إستني يا سمر !


إلتفتت له متسائلة :


-إيه ؟


أخرج بعض النقود من چزدانه و مد لها يده قائلا :


-خدي دول.


نظرت للنقود بيده ثم له و قالت :


-إيه دول ؟!


عثمان بسخرية :


-إنتي شايفة إيه ؟ فلوس يا حبيبتي هيكونوا إيه يعني !!


-بمناسبة إيه الفلوس دي ؟؟


-منغير مناسبة . و بعدين أكيد هتحتاجيهم.


سمر بإبتسامة إستخفاف :


-وفر فلوسك . أنا مش محتاجاهم . بس لو إخواتي إحتاجوا حاجة أكيد هطلب منك.


زم "عثمان" شفتاه ، ثم قال بنفاذ صبر :


-إزاي مش محتاجة فلوس ؟ إنتي مابتبصيش في المراية و لا إيه ؟ بقي ده منظر بنت ؟ خدي الفلوس و إنزلي إشتري هدوم لنفسك علي الأقل.


إبتلعت الإهانة بمرارة كبيرة ، لكنها نظرت له بغضب و قالت :


-أنا راضية عن منظري جدا و مش مضايقة و لازم تعرف كويس إني ماوطتش راسي ليك و وافقت أبيعلك نفسي غير عشان مصلحة إخواتي .. و أكملت بتحد :


-و عموما لو مش عاجبك إبعد عني أنا كده و هفضل طول عمري كده مش هتغير.


ثم نزلت من السيارة بسرعة تاركة إياه في حالة من الذهول و الغيظ الشديد ..


-مااااشي يا سمر .. غمغم من بين أسنانه المطبقة ، و أردف :


-و حياة أمي لأربيكي عشان تبقي تتحديني كويس بعد كده !


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


مشت "سمر" في الشوارع مطأطأة رأسها ... كانت لديها رغبة شديدة في البكاء ، لكنها قاومت و تماسكت بإعجوبة


لا يكفيه أنه ذلها و كسرها و إستغل فقرها لرغباته القذرة ، إهانها قبل قليل أيضا و لم يهتم بمشاعرها ..


ليس عليه حرج كل حال .. هي المذنبة الأولي و الوحيدة في حق نفسها !


فتحت "سمر" باب شقتها ، لتجد "فادي" يرص أخر صحن من صحون الإفطار ..


-حبيبتي جيتي ؟ .. قالها "فادي" بإبتسامة ، لترد "سمر" بنفس الإبتسامة :


-أه جيت يا حبيبي .. ثم نظرت للطاولة و قالت بدهشة ممزوجة بالإعجاب :


-إيه ده مش معقول ! إنت إللي عملت الفطار ده و لا إيه ؟؟


أومأ "فادي" و هو يقول بحركة مسرحية :


-الشيف فادي تحت أمرك يا هانم . إتفضلي لو سمحتي.


سمر بضحك :


-أه يا مجنون . أول مرة تعملها وريني إللي حضرته !


و ذهبت عنده لتري الأصناف التي قام بإعدادها ..


-بطاطس و جبنة بالطماطم و جبنة منغير طماطم .. و إيه ده ؟؟؟


فادي بحذاقة :


-ده يا ستي إختراع جبته من علي النت . بيتزا بتتعمل من البيض.


سمر بإستنكار :


-إيه ياخويا ؟!!


أجفل "فادي" و هو يرد :


-في إيه يا سمر أنا نقلتها بالنص . بيقولك نفس تحضيرات البيتزا بس بدل العجينة بيض.


-بيض !!


-أه بس ماتقلقيش أنا إتوصيت أوي في البيض و كسرت يجي عشر بيضات مع بعض.


سمر و هي تنظر له بجزع :


-طيب ربنا يستر يا فادي . أنا هاكل معاك بس إدخل هتلنا من علي النت رقم الإسعاف بقي.


تلاشت إبتسامته ، ليقول بضيق :


-ده إنتي بجد بقيتي فصيلة . مافيش أي تشجيع خآاالص . ماكنش العشم و ربنا يا ريتني ما كنت تعبت نفسي.


سمر و هي تضحك بمرح :


-خلاص يا حبيبي . خلاص ماتزعلش شكرا و تسلم إيدك من قبل ما أدوق . أنا هدخل أغير هدومي أهو و هاجي أمسح الأطباق دي كلها مسح.


فادي بإبتسامة باهتة :


-ماشي ياختي سجديني بكلمتين .. ثم قال بجدية :


-قوليلي صحيح ملوكة عاملة إيه ؟ مابقتش كويسة ؟


سمر بشئ من التوتر :


-لأ يا حبيبي طبعا بقت كويسة الحمدلله عن الأول !


فادي بسرور :


-الحمدلله .. طيب الدكتور ماقالكيش ممكن تخرج إمتي ؟؟؟


-لسا قال هيشوف علي أخر الإسبوع .. ثم تهربت من أسئلته بسرعة غير ملحوظة :


-أكلك ريحته طالعة و أنا جعانة أووي.


فادي بغرور مصطنع :


-أومال إيه يابنتي إحنا بنلعب و لا إيه ؟ و لسا كمان لما تدوقي هتشكري فيا للصبح.


سمر و هي تضربه علي كتفه بخفة :


-ماشي ياخويا هنشوف . هدخل أغير هدومي بسرعة و راجعة.


و فرت إلي غرفتها متحججة بتبديل ملابسها .. علي الأقل ستختلي بنفسها عدة دقائق لتهدئ أعصابها تماما


لا يجب أن يلاحظ "فادي" أي شيء !!!!!!






( 25 )


_ تودد ! _


في منزل "سمر" ... يجلس "فادي" علي طاولة الطعام في إنتظارها ، بينما تقف هي بالمطبخ تقوم بإعداد وجبة العشاء


-يلا بقي يا سيدي كُل و نضف معدتك من العك إللي عملتهولنا الصبح ! .. قالتها "سمر" و هي تضع علي الطاولة طبق المعجبنات اللذيذة


ليرد "فادي" بغيظ و هو يتنشق الرائحة الشهية المنبعثة من الأطباق :


-و لما العك إللي عملته ماعجبكيش ياختي كلتي معايا ليه ؟!


سمر بإبتسامة ساخرة :


-كلت عشان ماتزعلش يا حبيبي لكن ربنا يستر و أعرف أنام إنهاردة . حاسة إن هايجيلي تلبك معوي !


فادي بإبتسامة صفراء :


-بقيتي ظريفة أوووي يا حبيبتي .. ثم أعترف علي مضض :


-هو الأكل كان في شوية عك و فعلا تعبني شخصيا . بس أنا حاسس العشا ده في الشفاء العاجل بإذن الله.


سمر بضحك :


-قليت شيخ يا واد و لا إيه . كُل طيب . كُل قبل ما الأكل يبرد.


و جلسا الشقيقين قبالة بعضهما يتناولان الطعام بشهية كبيرة ..


-ماقولتليش عملت إيه في إمتحانك إنهاردة ؟ .. تساءلت "سمر" وسط الطعام ، ليجيب "فادي" من خلال مضغه المستمر :


-الحمدلله . كان كويس . صحيح في تكات بس ماشي حاله.


سمر بقلق :


-يعني هتعدي من المادة دي و لا إيه ؟!


فادي بثقة :


-ماتقلقيش يا سمر أنا كنت مذاكر كويس و طبيعي تيجي أسئلة غير مباشرة يعني.


-طيب حليت الأسئلة دي ؟؟؟


-طبعا يابنتي هو أنا مجنون هسيب حاجة ! .. ثم قطب بإستغراب و هو يسألها :


-سمر .. إنتي من الصبح لابسة الطرحة ليه ؟ من ساعة ما جيتي ماقلعتيهاش !!


سمر بشئ من الإرتباك :


-عادي . مش عشان حاجة يا فادي بس . حاسة إني ممكن أدخل علي دور برد فبلحق نفسي . ماتنساش إني نمت برا البيت إمبارح و أنا مش متعودة و كمان الدنيا برد أوي اليومين دول !


أومأ "فادي" بتفهم ، ثم قال بجدية :


-طيب يا حبيبتي خلي بالك من نفسك بقي و إبقي إقفلي شباك أوضتك كويس و إنتي نايمة . و لو عاوزة دوا أنزل أجبلك.


-لا لا يا حبيبي مافيش داعي أنا كويسة . أقعد إنت إستريح شوية بعد العشا عشان تعرف تذاكر بتركيز ساعتين كده و لا حاجة و بعدين تدخل تنام و إن شاء الله هبقي أصحيك الصبح بدري.


فادي مبتسما بسخرية :


-تصحيني الصبح بدري ؟ خلاص يا حبيبتي أنا بطلت أصحي بدري . إنهاردة كان أخر يوم في الإمتحانات !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في قصر آل "بحيري" ... يشعر "عثمان" ببعض الخمول و الرغبة في الراحة بعد قضاء يوم شاق و ممتع في نفس الوقت بالنسبة له


يطلب إحضار وجبة العشاء إلي جناحه ، ثم يلج إلي حمامه الفاخر


ينزع ثيابه ، ثم ينزل في المغطس الساخن ( الچاكوزي ) و يجلس في إسترخاء و هدوء لمدة نصف ساعة


بعد ذلك يأخذ دوشا سريعا ، ثم يخرج و هو يرتدي ثوب الإستحمام السميك ..


-إيه ده ! إنت إيه إللي جابك هنا الساعة دي ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و هو ينظر إلي "مراد" المدد علي السرير بأريحية شديدة


-أعملك إيه ياخويا ؟ .. تمتم "مراد" بصوت متمهل ، و أكمل :


-أحوالك مش متظبطة اليومين دول و بقيت غامض أوي . ده أنا مش عارف أتلم عليك خالص يا راجل !


عثمان بفتور وهو يجفف فورة رأسه بالمنشفة :


-غامض إيه و بتاع إيه بس ؟ بيتهئلك . بيتهئلك يا مراد.


-كنت فين إمبارح يا عثمان ؟ .. سأله "مراد" مباشرةً ، ليرد "عثمان" ببرود :


-حاجة ماتخصكش يا مراد و قولتلك قبل كده.


قام "مراد" من مكانه و مشي ناحيته و هو يقول بعدم إرتياح :


-أنا مش مطمنلك يا عثمان . حاسس إنك بدبر حاجة مش كويسة أبدا !


عثمان بنفس البرود :


-بردو حاجة ماتخصكش يا مراد . أنا حر يا أخي إنت من إمتي كنت واصي عليا ؟!


مراد بجدية :


-أنا صاحبك و طبيعي تهمني مصلحتك.


عثمان بضيق ممزوج بالحدة :


-أنا عارف مصلحتي كويس مش مستني حد يعرفني.


مراد ببطء و هو يضيق عينيه بتركيز :


-عثمان .. إنت . كنت مع سمر ؟!


تفاجأ من تخمينه الدقيق ، لكنه تظاهر بالبلاهة و هو يصيح بإستنكار :


-إيه ؟ بتقول إيه ؟ و أنا هشوف سمر فين برا الشركة ؟؟؟


-إنت حاططها في دماغك . ماتنكرش.


عثمان بضيق شديد :


-طيب مش بنكر . بس أنا ماكنتش معاها . قولتلك ماكلمتهاش في حاجة أساسا.


-خالص ؟


عثمان بنفاذ صبر :


-خالص يا مراد زهقتني يابني في إيه ؟ و مهتم أووي بالموضوع ده كده ليه أفهم يعني ؟؟؟


مراد بإبتسامة نصر :


-مهتم عشان قولتلك البت دي كويسة و ماشية عدل و إنك مش هتعرف تميلها .. و أكمل بخبث :


-و كمان مهتم عشان الرهان يا حلو . و لا إنت نسيت وعدك ؟


عثمان بإبتسامته الشيطانية :


-لأ مش ناسي . حتة عربية مش هتآثر معايا يا مراد .. بكره الصبح لما تنزل الجراچ عم جابر السايس هيسلمك المفتاح .. ثم قال و هو يدير عيناه معبرا عن ضيقه :


-و يلا بقي هويني عايز أتعشا و أنام ورايا شغل الصبح !


مراد بحزن مصطنع :


-بتطردني ؟ بتطردني يا صاحبي ؟ بقي دي أخرتها ؟!


-أه دي أخرتها و يلا بقي حل عنـــــــــي . كان يوم إسود يوم ما عزمت عليك تيجي تقعد هنا.


و أخذ يدفعه إلي الخارج وسط قهقهات "مراد" المرحة ..


-يا ساتر ! .. غمغم "عثمان" بإنزعاج شديد و هو يغلق الباب  ، و لكن سرعان ما تبدل مزاجه ليقول بإبتسامة ماكرة :


-قال ماشية عدل قال ؟ هههههههه و قال مش هعرف أميلها ! هههههههههههههههههههه !!


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


كانت تقف في ركن مظلم بالرواق الطويل ... تنتظر بصبر نافذ لحظة خروج "مراد" من عنده


و بعد أكثر من نصف ساعة ، خرج أخيرا ..


إختبأت "هالة" جيدا حين مر إزاءها و حبست أنفاسها لزيادة الأمان


و لما تأكدت أنه ذهب إلي غرفته ، إنسلت بحذر من مكانها ثم مشت علي أطراف أصابعها متوجهة إلي غرفة "عثمان" ..


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


كاد يضع أول لقمة بفمه ، حين سمع طرق خافت علي باب غرفته ..


عثمان و قد تحول ضيقه إلي حنق شديد :


-و بعدين بقي في الليلة إللي مش فايتة دي ؟ مش مكتوبلي أتعشا يعني !!


و قام بغضب ، ثم ذهب ليفتح الباب ..


-هالة ! .. هتف بدهشة ، و تساءل :


-في حاجة يا هالة ؟


هالة بتوتر و نبرة خفيضة :


-ممكن أدخل ؟!


أجفل "عثمان" بإستغراب ، لكنه قال :


-إتفضلي !


و أفسح لها مجالا للدخول ، ثم أغلق الباب من خلفها ..


-خير يا هالة ؟ كنتي عايزة حاجة ؟؟


أخذت "هالة" نفسا عميق ، ثم إلتفتت له و رفعت عيناها ببطء حتي إلتقت بعينيه ..


-أنا بحبك ! .. رغما عنها ، خرجت منها هذه الكلمة بصدق و تلقائية شديدة


هو يعرف ذلك منذ فترة طويلة جدا ، و لكنه لا ينكر الصدمة و الإرتباك الذي إنتابه لحظة نطقها بهذا ..


حمحم "عثمان" ثم قال بثبات ممزوج باللطف :


-حبيبتي و أنا كمان بحبك . إنتي عارفة كده كويس.


هالة و قد إلتمعت عيناها بحب :


-بجد ؟ بجد يا عثمان بتحبني ؟؟؟


عثمان بإبتسامة خفيفة :


-أيوه طبعا . إنتي بنت عمي و بعدين زيك زي صافي بالظبط.


-صافي ! .. تمتمت "هالة" و قد تلاشت إبتسامتها تماما


عثمان بشئ من الإرتباك :


-أه يا حبيبتي . إنتي أصغر بنوتة في العيلة و أنا من زمان بعتبرك أختي الصغيرة . إنتي غالية عليا أووي يا هالة !


هالة بدموع :


-عثمان بقولك أنا بحبك . بحبك مش حب الاخوات لبعضهم . بحبك .. إنت حبيبي . عايزاك حبيبي مش أخويـ آا.. 


-هالة من فضلك .. قاطعها "عثمان" بحزم ، و أردف بجدية :


-أنا مقدر مشاعرك و صدقيني كنت أتمني لو ينفع . بس للآسف أنا مش مناسب ليكي خالص.


هالة بإندفاع :


-مين قالك كده ؟!


-إنتي عارفة أنا أكبر منك بأد إيه ؟ إنتي 19 سنة و أنا 30 .. الفرق بينا مش قليل . إنتي أختي الصغيرة زي ما قولتلك و بجد تستاهلي واحد أحسن مني.


هالة بآسي :


-بس أنا مش عايزة غيرك.


و سالت الدموع من عينيها بغزارة


ليعبس "عثمان" بضيق و يحاول إحتواء الموقف ..


إقترب منها و أمسك بكتفيها قائلا بهدوء :


-يا حبيبتي . Please ماتعيطيش . أنا ماحبش أزعلك طبعا بس الوضع فعلا صعب .. هالة صدقيني أنا مانفعكيـ ...


قاطعته بقبلة مفاجئة علي شفتاه ..


أبعدها "عثمان" و هو يقول بصدمة :


-إيه إللي عملتيه ده ؟ إنتي إتجننتي ؟!


هالة ببكاء حار :


-عثمان أنا بحبك .. بحبك أوووي . عشان خاطري إوعي تقولي ماينفعش إووعي ..


رمقها "عثمان" بتأثر ممزوج بالحيرة و قال :


-هالة لو سمحتي ماتصعبيش الوضع أكتر . مش هينفـ ..


قاطعته بقبلة أخري ..


بدأ يضعف أمامها و يتجاوب معها ، فهي "هالة" أولا و أخيرا ، الفتاة الجميلة الرقيقة و التي تملك سحرا خاص بها وحدها


لكنه بعد لحظات ، أبعدها عنه بعنف و قال بحدة :


-ماينفعـــــــــش . ماينفعش إللي بتعمليه ده . إنتي بنت عمي ماقدرش أعمل معاكي كده !


هالة و هي تزيد في البكاء :


-أنا عايزاك . مش هقدر أعيش منغيرك أنا سيبت هنا و سافرت مع بابي لما خطبت چيچي . ماكنتش قادرة أتقبل فكرة إنك تبقي لغيري . بس لو سيبتك المرة دي هموت . هموووت بجد يا عثمان .. إنت مش حاسس بيا ليه ؟ لو طلبت تتجوزني بابي مش هيقول حاجة صدقني هيوافق علطول . و أنا مش فارقة معايا حكاية السن دي . أنا هفضل طول عمري أحبك بنفس الدرجة و أكتر.


أعطاها "عثمان" ظهره و قال بصرامة شديدة :


-إطلعي برا يا هالة . من فضلك إطلعي برا و مش عايز أشوفك هنا تاني.


نظرت له بقهر و عيناها لا تكفان عن ذرف الدموع ، ثم توجهت نحو الباب و خرجت بسرعة من غرفته و هي لا ترى أمامها ..


بينما نظر "عثمان" إلي عشاؤه الذي بهت من الإنتظار ، ثم قال بحنق شديد :


-كأنهم حالفين إني ماتعشاش الليلة دي .. طب و ربنا ما أنا واكل !


و ذهب إلي فراشه لينام و يضع حدا لتلك الليلة العجيبة ...


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


في غرفة "فريال" ... تتحدث مع زوجها في الهاتف منذ وقت طويل ، لا تريد أن تغلق معه أبدا و كلما ينتهي حديث تفتح أخر


مما أثار إستغراب "يحيى" و قلقه في نفس الوقت ..


-فريال ! في حاجة يا حبيبتي ؟ في مشكلة عندك .. قالها "يحيى" بتساؤل مرتاب ، لترد "فريال" بنبرة شبه ثابتة :


-مافيش حاجة يا يحيى . إنت بس وحشتني أووي.


يحيى بحب :


-و إنتي كمان وحشتيني جدا جدا جدا .. ثم قال بقلق :


-بس مش عارف حاسك مضايقة ليه ؟ لو حصل حاجة قوليلي !


تنهدت "فريال" بحرارة و حارت ماذا تقول له ؟!!


هل تقول له عما فعله أخيه ؟ هل تقول له أن حاول إنتهاك حرمة منزله ؟ هل تقول له أنه حاول خيانته أثناء غيبته ؟


لا بالطبع لن تقول ذلك أبدا ..


-حبيبي صدقني مافيش حاجة و الله ! .. تمتمت "فريال" بشئ من الضيق ، و أكملت :


-إنت وحشتني بس . أول مرة تبعد عني المدة دي كلها.


يحيى بضحك :


-مدة إيه يا فريال هو أنا لحقت ؟ دول كلهم كام يوم إللي سيبت فيهم البيت.


-إرجع بسرعة و خلاص . أنا مابعرفش أعيش من غيرك.


يحيى بحب شديد :


-حاضر يا عمري . أوعدك هعمل المستحيل و هقصر المدة عشان خاطر عيونك !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


صباح يوم جديد ... تعود "سمر" إلي مؤسسة ( البحيري للتسوية و التجارة ) رغم شعورها ببعض التعب و أنها في حاجة لفترة راحة إضافية


لكنها لم ترغب أن يلاحظ "فادي" أي شئ خاطئ فيها ، ففضلت الإتيان إلي هنا علي أن تبقي معه في المنزل طوال النهار و الليل بعد إنتهت إمتحاناته ..


يرن جرس مكتبها ، فتأخذ الملفات التي طلبها "عثمان" و تقوم و تذهب إلي مكتبه


تطرق الباب مرتين ، ثم تدخل و تمشي ناحيته بخطوات ثابتة ..


-إتفضل ! .. قالتها "سمر" و هي تضع الملفات أمامه علي سطح المكتب ، ليرفع "عثمان" حاجبيه بدهشة و يقول :


-بجد مش فاهمك ! .. قولتلك طول ما إحنا لوحدنا ماتعملنيش برسمية . خدي راحتك.


سمر بإزدراء و هي تتحاشي النظر إليه :


-هو أنا قلت حاجة غلط يعني ؟ إتفضل بقت كلمة وحشة و أنا ماعرفش ؟!


ضحك "عثمان" بخفة و رد :


-لأ يا سمر . إتفضل مابقتش كلمة وحشة و لا حاجة.


ثم فتح الملفات و أخذ بعض العقود منها ، لتتحول ملامحه إلي جدية و هو يقول :


-العقود دي متأخرة ليه ؟ ماجتليش قبل كده ليه ؟؟


سمر بجدية مماثلة :


-حضرتك ماكنتش فاضي الفترة إللي فاتت . كنت مشغول في الصفقة الألمانية و بعدين .. بترت عبارتها فجأة ، ثم تنفست بعمق و أكملت :


-و بعدين أنا خدت أجازة كام يوم و نجلاء مسكت مكاني و حضرتك كمان خدت من أول إمبارح أجازة . عشان كده العقود وصلتلك متأخر.


أومأ "عثمان" بتفهم ، ثم قال بصرامة :


-طيب بعد كده يا سمر أي عقود تطبعيها ترجعيهالي فورا ماتخليهاش عندك . أنا مابحبش شغلي يتأخر.


-حاضر.


أمسك "عثمان" بقلمه و نقش إمضته الأنيقة علي العقود ، ثم أغلق الملف عليهم ثانيةً و قال و هو يرجعه إلي "سمر" :


-تبعتي منهم نسخة للطرف التاني و تقوليلهم إننا جاهزين و تتابعي معاهم بنفسك لحد ما يتحدد ميعاد وصول البضاعة.


-حاجة تاني .. تساءلت "سمر" بلهجة فاترة ، ليومئ "عثمان" قائلا :


-أيوه . لحظة بس !


و فتح أحد أدراج المكتب و أخرج زجاجة تحوي كبسولات علاجية ..


-خدي ! .. قالها "عثمان" و هو يمد لها يده بالزجاجة ، لتقطب متسائلة بإستغراب :


-إيه دي ؟


عثمان بجدية :


-دي حبوب منع الحمل نسيت أديهملك و إحنا في اليخت . هتبتدي تاخديهم من المرة الجاية . خلي بالك بقي و إوعي تنسي مالكيش حجة أهو . لو جيتي في يوم تقوليلي أنا حامل هقولك و لا أعرفك.


شعرت "سمر" بغصة مريرة بحلقها ، فإبتلعت ريقها بصعوبة لترد عليه بسرعة ..


سمر بإنفعال ممزوج بالغضب :


-و إنت فاكرني هموت و أخلف منك ؟ إنت مش حاسس إني ضاغطة علي نفسي عشان أقدر أستمر في القرف ده معاك !


صر "عثمان" علي أسنانه بغضب شديد ، و قال ضاغطا علي الأحرف :


-منغير قلة أدب يا سمر . إحنا كده متفقين يبقي تاخدي مني من سكات و حسك عينك صوتك ده يعلا عليا تاني .. فاهمة ؟


رمقته بنظرات عنيفة جدا ، ثم إلتفتت و غادرت مكتبه دون أن تأخذ منه تلك العقاقير التي تكمل خطته الدقيقة ..


بل خطته القذرة التي أقحمت فيها نفسها بنفسها !!!


             الفصل السادس والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا



تعليقات



<>