رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل السابع7 بقلم مريم غريب


 رواية عزلاء امام سطوة ماله

الفصل السابع


_ أول يوم عمل ! _


صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" كالعادة علي صوت زقزقة العصافير و أيضا علي صوت بكاء "ملك" الذي ينذر بإستيقاظها ..


تترك "سمر" فراشها بسرعة تسد أي ثغرة ينفذ منها شعور النعاس و العودة للنوم ، تذهب نحو سرير أختها ، تحملها و تؤرجحها بين ذراعيها قليلا ثم تعد لها وجبة سريعة _ اللبن المجفف خاصتها _


يستيقظ "فادي" في هذه الأثناء ، لتسلمه "سمر" الطفلة ، ثم تتجه هي نحو الحمام


أدت روتينها اليومي و أغتسلت ، ثم عادت إلي غرفتها


فتحت خزانتها تستعرض الثياب المعلقة بها ، كلها قديمة و رثة ، لكن لا يهم ، هي لم تهتم يوما بالمظاهر ، و بما أنها ذاهبة للعمل فهذا الهدف سيكون أهم من أي شيء تتطلع إليه


يجب أن تكد و تعمل بجهد حتي تثبت لـ"عثمان" أنه لم يخطئ حين أختارها لهذه الوظيفة ، يجب أن تثبت إليه أنها تستطيع القيام بهذا العمل الذي ستمارسه لأول مرة


و ليس هكذا فقط ، ينبغي أن تجعله ينبهر بقدراتها أيضا و بالنتائج التي ستحصدها ، لما لا ؟ .. فهي ذكية و تملك عقل نبيه و ستتعلم بسرعة ..


إختارت "سمر" ثوب طويل باللون الأزرق إرتدت عليه حجاب أبيض اللون أبرز سمرة وجهها الناعمة الجذابة و عزز لون عيناها الممزوجتان بالأخضر و العسلي


إنتعلت حذائها البالي في الأخير ، ثم أخذت حقيبتها الصغيرة و خرجت إلي الصالة ، حيث "فادي" هناك يمشي طولا و عرضا بـ"ملك" التي لا تكف عن الصراخ كعادتها ..


توقف "فادي" عن الحركة لحظة ظهور "سمر" ثم قال و هو يشملها من بعيد بنظرة فاحصة :


-إيه ! خلاص ماشية يا سمر ؟


سمر بإبتسامة هادئة :


-أيوه يا فادي .. قبل ماتروح إنت بقي علي كليتك ماتنساش تلم حاجات ملك و تديهم كلهم للحاجة زينب و إن شاء الله مش هتأخر.


-هتروحي نفس الشركة ؟!


-لأ .. ما أنا قلتلك ، هو أسس شركة جديدة لنفسه قرر يشتغل  لوحده يعني و لغي حفلة الإفتتاح عشان إللي حصل لإبن عمه ، فالشغل هيبدأ عادي من إنهاردة منغير أي حاجة.


فادي و هو يهز رأسه بتفهم :


-ماشي يا سمر .. ثم أوصاها مؤكدا :


-سمر .. خلي بالك من نفسك !


تنهدت بشئ من الضيق و قالت :


-حاضر .. حاضر يا فادي دي المرة المليون تقولي نفس الكلمة من إمبارح ، و الله هاخد باللي من نفسي ماتقلقش.


حدجها بنظرات مترددة ، لكنها إستأذنته بسرعة قبل أن يفه بكلمة أخري :


-يلا بقي أنا لازم أمشي دلوقتي عشان ماتأخرش مش معقول أتأخر من أول يوم كده .. يلا باي !


و هرولت إلي خارج المنزل تاركة إياه في حالة عدم رضا و عجز عن الرفض في آن ، فهم بحاجة إلي المال قبل كل شيء ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في قصر آل "بحيري" ... يصحو "عثمان" من نومه إثر رنين جرس التنبيه المنبعث من هاتفهه


مد يده و أخذ الهاتف و أسكت ذلك الدوي المزعج ، ثم فرك عينه و هو يزفر بكسل ..


قام من سريره الوثير علي مضض ، ثم دلف إلي حمامه الفخم


أخذ دوشا ساخنا ليرخي عضلات جسده و يتخلص من رواسب اليوم الفائت ..


فرغ من إستحمامه بعد ثلث ساعة تقريبا ، ثم خرج و هو يلف المنشفة حول وسطه


توجه مبتل الخطي نحو غرفة الثياب الفاخرة الملحقة بغرفته


إنتقي بذلة سوداء اللون عصرية و بدون ربطة عنق من العلامة التجارية (چي كرو ) و أرفق معها ساعة يد مصنوعة من البلاتين الخالص ، ثم إختار حذاء أسود لامع علي جوارب بنفس اللون


إرتدي ملابسه كلها، ثم وقف أمام المرآة الضخمة ، قام بتمشيط خصيلات شعره الكستنائية الطويلة ، و مشط لحيته الكثيفة بعناية أيضا ..


نثر عطره الثقيل الجذاب علي وجهه و حول عنقه ، و أخيرا إنتهي ..


ألقي علي نفسه نظرة مغترة واثقة ، و عدل من هندامه للمرة الأخيرة ، ثم أخذ مفاتيحه و هاتفهه و غادر غرفته ..


إصطدم بـ"هالة" أثناء هبوطه الدرج ، فوقف و قال بإبتسامة إعتذار :


-هالة ! معلش خبطك ، ماخدتش بالي.


هالة بإبتسامة متيمة :


-و لا يهمك يا عثمان .. محصلش حاجة.


عثمان و قد لاحظ طريقتها الناعمة التي يعرفها جيدا :


-هو مافيش حد في البيت و لا إيه ؟؟


-لأ كلهم راحوا من شوية لصالح ، أصل إمبارح صافي أصرت تبات معاه في المستشفي و قالت مش هتروح إلا أما يجي حد يقعد معاه بدالها.


-أه .. طب و إنتي ماروحتيش معاهم ليه ؟


-بابي قالي خليكي دلوقتي عشان أستريح من السفر يعني ، و بعدين هيبقي يبعتلي السواق يوديني علي بليل كده .. ثم قالت بإبتسامة خجل :


-إنت رايح الشغل صح ؟ تحب أحضرلك الفطار طيب ؟؟


عثمان بعذوبة :


-شكرا يا هالة ، إنتي عارفة أنا فطاري فنجان قهوة مافيش غيره و ده هاخده في الشركة.


عبست بضيق قائلة :


-فنجان قهوة بس ؟ إنت لسا بردو متمسك بالعادة دي ؟ و الله هتقع من طولك يا عثمان و أبقي قول هالة قالت.


عثمان ضاحكا بخفة :


-ماتقلقيش يا لولا يا حبيبتي ، إبن عمك جاامد أوي .. و غمز لها بعينه ، فأغرمت أكثر بتفاصيله الساحرة ..


بينما إنحني "عثمان" قليلا و طبع قبلة سطحية بريئة علي شعرها من جهة أذنها ، و قال :


-يلا بقي أنا ماشي ، عايزة حاجة ؟


هالة بأنفاس متلاحقة :


-لا شكرا !


تجاوزها و يلوي ثغره بإبتسامة جانبية ، فيما هي لا زالت علي حالها ، ساكنة بمكانها ، مأخوذة ، مسرورة ، تتنفس بقية ذرات الهواء المعبقة بعطره ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في المستشفي الخصوصي التي نقل إليها "صالح" مساء أمس ..


داخل هذا الجناح الواسع النظيف و المزود بأحدث الأجهزة الطبية ، يرقد "صالح" فوق ذلك السرير الأبيض


بينما "صفية" غافية علي كرسي بجواره ، ملقية برأسها علي كتفه السليمة ..


فتح "صالح" عيناه بتثاقل ، و أطلق تآوها متألما إنتفضت "صفية" علي إثره مستيقظة ..


-صالح ! .. قالتها "صفية" بتلهف و هي تعتدل في جلستها بسرعة ، و تابعت :


-إنت كويس يا حبيبي ؟ حاسس بإيه ؟ أندهلك الدكتور ؟؟؟


حرك "صالح" رأسه للجهتين و هو يعصر جفناه من الألم ، ثم قال بصعوبة :


-تعبآاان .. مش قآاادر .. جسمي كله قايد نار .. آاااه.


صفية بعينان دامعتان :


-معلش يا صالح .. هتبقي كويس إن شاء الله ، هتقوم بالسلامة يا حبيبي .. ثم أرتمت علي صدره المضمد و هي تجهش بالبكاء و تقول من بين دموعها :


-أنا أسفة .. سامحني أنا السبب ، أنا إللي طلبت منك تنزل يومها ، لو ماكنتش نزلت ماكنش كل ده حصل .. سامحني يا صالح .. سامحني !


-صآا في ! .. قالها بخفوت شديد لعدم مقدرته علي الكلام ، و أكمل بوهن :


-صفـ ية . من فضلك .. خلاص . كفاية . إنتي كده بتتعبيني زيادة.


إبتعدت عنه و هي تمسح دموعها بسرعة ، ثم قالت :


-خلاص .. مش هتعبك ، أنا سكت أهو.


إبتسم بجهد ، و كم أراد أن يرفع يده ليربت علي شعرها ، لكن جسده خانه ، رافض كل أمر منه بالحركة ، فقط الآلم هو المسيطر الآن


حريق مستعر لا نهائي ، يمضي زاحفا بأصابع من لهب علي كافة أنحاء جسده و خاصة عظامه ..


-هو إيه إللي حصل بالظبط ؟ .. سألها بصوت متحشرج


-إنت مش فاكر أي حاجة ؟!


صالح بإستذكار :


-أنا كل إللي فاكره . إني كنت سايق بسرعة .. و فجأة نسيت عنوان المستشفي إللي خدته منك . قلت أتصل بيكي أخده منك تاني و قللت السرعة .. بس .. بس السرعة ماقلتش . زادت .. زادت أوي ، و كنت هخبط في عربية ، فدخلت في الطريق المعاكس .. و فجأة طلعت عربية تانية في وشي .. و مش فاكر أيه إللي حصل بعد كده !


أمسكت بيده و ضغطت برفق و هي تقول :


-حبيبي إنت كويس إطمن .. إن شاء الله مش هطول هنا.


-الدكتور قال إيه ؟


صفية و قد إنتابها التوتر :


-الدكتور ! .. الدكتور قال إنك كويس ، بس لازم تتعالج هنا فترة الأول.


عبس بغرابة ، بينما خشت أن يستفسر أكثر ، فقالت بشئ من الإرتباك :


-بقولك إيه إنت مش جعان ؟ أخليهم يجبولك إيه ؟؟!


صالح برفض :


-لأ مش عايز.


صفية بحزن :


-ليه بس يا صالح ؟ إنت بقالك يومين فاقد الوعي و عايش علي المحاليل .. إيه ماجعتش ؟!!


-لأ .. قالها بكدر و هو يشيح بوجهه عنها ، فعضت علي شفتها بإستياء


لكنها عادت تقول بدلال و هي تمد يدها و تدير وجهه إليها ثانيةً :


-عشان خاطري يا صلَّوحي .. Please .. وحياتي !


صالح و هو يبتسم رغما عنه :


-إنتي عارفة إني بضعف قدام السهوكة بتاعتك دي .. ماهي مش بالساهل ، طول عمرك مطلعة عيني و منشفة ريقي.


ضحكت بغنج ، ثم قالت بمزاح :


-و إنت طول عمرك بارد و رخم و مابتنزليش من زور .. مش عارفة هتجوزك إزاي !!!


-بقي كده ؟ مااشي ، خليكي بقي فاكرة كلامك ده و لما أخرجلك من هنا.


-هتعملي إيه يعني ؟ .. إستوضحت بحدة مصطنعة ، ليرد متقهقرا :


-مش هعمل حاجة يا حبيبتي .. هو أنا مجنون ، ده إنتي تسيبي عليا عنتر فيها.


-أيوه كده إتعدل.


في هذه اللحظة فـُتح باب الغرفة ، ليدخل "رفعت البحيري" و معه كلا من "يحيى" و "فريال" ..


وجدوا أن "صالح" قد أفاق من غيبويته ، فهرع إليه والده و جثي علي ركبتيه بجوار سريره و أخذ يبكي و يعانقه و يقول :


-يا حبيبي .. حمدلله علي سلامتك يا حبيبي ، الحمدلله .. إنت كويس يابني ؟؟؟


أجابه "صالح" بإبتسامة بسيطة تطمئنه :


-أنا كويس يا بابا الحمدلله .. ماتقلقش.


جال "رفعت" بنظره علي إبنه يتأكد بنفسه ، ثم إقترب منه أكثر و راح يقبل كتفيه و يتشممه متمتما بعاطفة أبوية :


-ألف حمدلله علي سلامتك يا صالح .. ألف حمدلله علي سلامتك.


-حمدلله علي السلامة يا صالح .. قالها "يحيى" بإبتسامة ، ليرد "صالح" إبتسامته قائلا :


-الله يسلمك يا عمو.


فريال بإبتسامة رقيقة هي الأخري :


-حمدلله علي سلامتك يا صالح.


-الله يسلمك يا طنط فريال.


-شد حيلك بقي عشان تقوم بالسلامة و ترجع البيت معانا.


إبتسم "صالح" و هو يهز رأسه قائلا :


-إن شاء الله .. ثم تساءل بإهتمام :


-أومال فين عثمان صحيح ؟؟


أجاب يحيى :


-عثمان يا سيدي في شركته الجديدة .. راح يفتتحها ، بس قال إنه هيخلص و هيجي علي هنا علطول.


صالح بتفهم :


-ربنا يعينه !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


أمام مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة ) .. تترجل "سمر" من سيارة الآجرة


و أخيرا وصلت بعد معاناة في الطريق ، حيث الإزدحام سائد و العثور علي أي وسيلة مواصلات صعب ..


توجهت إلي الداخل و هي تري المناظر البديعة ممتدة علي طول بصرها و تشم الروائح


 الطيبة منتشرة في كل المكان


تلك إمارات الثراء .. قالت في نفسها ، ثم إتجهت نحو الإستقبال ، حيث هناك


 تجمهر بسيط و فتاة في مقتبل العمر تقف و تتكلم عبر ( المايك) المكبر للصوت :


-من فضلكوا يا أساتذة . الكل يلزم مكانه ، دقايق بالظبط و مستر عثمان البحيري 



هيكون معانا ، هيقول كلمته و يسمعكم تعليماته و بعدين الكل 


هايروح علي شغله .. من فضلكوا نلتزم الصمت و ناخد أماكنا بهدوء ! 

                    الفصل الثامن من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>