رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل الثانى عشر12 بقلم مريم غريب


 رواية عزلاء امام سطوة ماله

الفصل الثانى عشر

بقلم مريم غريب 

_ مليونير مغرور ! _


إنتفضت "سمر" تلقائيا إثر سماع صوت أخيها .. فتخلصت بسرعة من أيدي "عثمان" اللتان تسندانها و إعتدلت في وقفتها ، ثم إلتفتت لتواجه "فادي" ..


كان وجهه قاتم الحمرة و قد أظلمت عيناه السودوان أكثر من شدة الغضب ، رأته يقترب منهما بخمسة خطوات واسعة ، ثم يقف في مقابلتها هي مباشرةً ..


-إيه إللي بيحصل هنا ؟ .. قالها "فادي" بتساؤل حاد ، و أكمل بعصبية :


-إيه إللي أنا شفته بعنيا ده ؟؟؟


سمر بإرتباك شديد :


-فـ فادي ! مافيش حاجة يا حبيبي . إحنا كنا بنكلم الدكتور بس .. و أشارت إلي الطبيب الذي يقف ورائها ، و لكنها إكتشفت أنه ذهب !


ربما لم تفطن لذلك أثناء صدمتها بالمبلغ الذي يتحتم عليها دفعه من أجل رسوم علاج أختها ..


إنتبهت مرة أخري علي صوت أخيها و هو يسألها بحدة :


-ميــــــن ده ؟!


نطق و هو يغرز نظراته المشتعلة بـ"عثمان" ..


فأجابت "سمر" بشيء من الإضطراب و هي توزع نظراتها بينهما :


-ده عثمان بيه يا فادي . مديري في الشغل ! .. ثم توجهت إلي "عثمان" مكملة التعارف :


-عثمان بيه . ده فادي أخويا !


عثمان في نفسه : " ده طلع أخووها ! " .. لكنه لم يظهر أمامهما هذه الدهشة التي أحدثها تصريح "سمر"


بل قال بإبتسامة رزينة :


-أهلا و سهلا . إتشرفت بيك !


و مد يده للمصافحة ، إلا أن "فادي" رفضها و قال بتهكم واضح :


-أهلا . بس هو حضرتك بتعمل إيه هنا يعني مش فاهم ؟!!


-فاادي ! .. تمتمت "سمر" و هي تزجره بغضب ، ثم قالت بإبتسامة لتغطي علي وقاحة أخيها :


-عثمان بيه كتر خيره ماسبنيش و لا ساب ملك . أصر يجي معايا و هو إللي جابنا لحد هنا . تصور كمان إنه إتكفل بمصاريف علاج ملك طول ما هي هنا ؟ الدكتور قال إحتمال يقعدها إسبوع أو إسبوعين في الحضـّانة و اليوم الواحد بس بعشرتلاف جنيه !


فادي و هو يرفع حاجبيه بسخرية :


-و الله ! لا فعلا كتر خيره . بتقولي بقي اليوم بعشرتلاف ؟ و إحتمال تقعد إسبوع أو إسبوعين صح ؟ يعني فرضا لو قعدت إسبوع الباشا هيدفع سبعين ألف و لو قعدت إسبوعين هيدفع مية و أربعين ألف ! .. يااااه . بجد ده لطف و كرم كبير أوووي من حضرتك .. ثم سأله بحدة :


-لكن بمناسبة إيه هتعمل معانا كل ده ؟ أنا كان نفسي أشوفك من أول مرة سمعت عنك فيها عشان أسألك السؤال ده بس . بمناسبة إيه بتعمل معانا كل ده ؟ إيه إللي هيعود عليك من ورا ده كله ؟؟؟


كادت "سمر" تتحدث ثانيةً لتوقفه عن معاداة الرجل الذي بيده مصير أختها ، لكن "عثمان" سبقها و أجاب بهدوء مع إبتسامة واثقة :


-أولا أنا دلوقتي بساعد ملك لوحدها . و أكيد أي حد مكاني مش هيشوف طفلة صغيرة بين الحيا و الموت و مايساعدهاش . ثانيا أنا مش مستني حاجة من ورا إللي بعمله . أنا طبيعي بحب أساعد الناس بدون مقابل.


فادي متسائلا برعونة :


-بتحب تساعد الناس بالآلافات ؟!


عثمان بغرور ممزوج بالتعالِ :


-الفلوس ماتهمنيش . عندي منها كتير أوي.


فادي بعدائية شديدة :


-أومال إيه إللي يهم سيادتك ؟؟؟


و هنا تدخلت "سمر" بصرامة حادة :


-خلاااص يا فآاادي ! إنت بتحقق معاه بدل ما تشكره . هو مش مجبر يساعدنا و لا يهدر فلوسه علينا علي فكرة .. ثم خاطبت "عثمان" بتهذيب :


-أنا آسفة حضرتك بالنيابة عن أخويا . هو مايقصدش و الله . كل الحكاية إنه مستغرب بس من كرمك الزايد . و بصراحة هي حاجة غريبة فعلا إنك تدفع كل المبلغ ده عشان أختي !


إبتسم "عثمان" و هو يرد بإسلوبه الفاتر علي الدوام :


-قولتلك قبل كده يا سمر إني إعتبرت ملك زي بنتي . أنا حاببها و حابب أساعدها . أما بالنسبة لمسألة الفلوس فالمبلغ ده بسيط جدااا بالنسبة لي . مش هيأثر معايا أبدا إطمني.


سمر بإبتسامة خفيفة :


-ربنا يزيد حضرتك . و بجد أنا مش عارفة أشكرك إزاي و لا أوفي جمايلك إزاي !!


-عيب يا سمر . هتزعليني لو قولتي كده تاني !


-لأ خلاص . أنا مقدرش أزعل حضرتك طبعا.


-أنا ماعملتش حاجة . ده شيء طبيعي جدا أي حد مكاني كان لازم يتصرف كده.


سمر بإمتنان صادق :


-بردو شكرا يا عثمان .. شكرا علي وقفتك جمبي أنا و أختي . شكرا علي معاملتك الطيبة و أخلاقك العليا معايا.


أومأ "عثمان" بإبتسامة رقيقة و هو يضحك و يسخر منها في قرارة نفسه " أخلاقي العليا ! فريال هانم كانت هتفرح أوي بالكلمة دي " ..


-العفو يا سمر . ده واجبي .. قالها "عثمان" و هو يشمل "فادي" بنظرة خاطفة


كان الأخير يرمقه بنظرات عنيفة ، و لكنه آثر الصمت لإدراكه أن شقيقته محقة ، إنهم بحاجة إليه بالفعل ، أو بالأحري بحاجة إلي أمواله


لذا أطبق "فادي" فمه و لم يعد يفه بكلمة أخري من شأنها أن تسيئ إليه ، فقط ظل يحدجه بتجهم ممزوج بالحدة


بينما يتظاهر "عثمان" بعدم ملاحظته و هو يتصرف بغرور متعمد ناجم عن نشآته الثرية المتغطرسة ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في قصر آل "بحيري" ... تلج "صفية" إلي غرفتها و هي في حالة صعبة للغاية


منذ أن تركته و غادرت المشفي كلها لم تستطع منع دموعها من الهطول ، حاولت ضبط نفسها لكنها فشلت لدرجة أنها أخذت سيارة آجرة لتصل إلي هنا و تركت سيارتها مصفوفة هناك بالكراچ


خشت أن تقود و هي بهذه الحالة فيقع لها حادث كما صار معه ..


ألقت بثقلها فوق سريرها الكبير و قد أخذ منها التعب خلال الساعة الماضية كل مأخذ


جلست صامتة و المرارة ترشح من تقاسيم وجهها المتقلصة ، واصلت البكاء دون توقف


لينفتح باب الغرفة فجأة و تدخل "فريال" دون إستئذان ..


لم تحاول "صفية" إخفاء محنتها عن أمها ، بل أنها مدت إحدي يديها بإتجاهها ، تمط أصابعها و كأنها تتمني لو أنها طويلة بما يكفي لتجتاز المسافة بينهما ، فكم هي بأمس الحاجة لحضنها الآن و بصورة شديدة اليأس ..


رمقتها "فريال" بصدمة و هرولت نحوها بسرعة ، أمسكت بكتفيها و ضمتها إلي صدرها هاتفة :


-صافي ! مالك يا حبيبتي ؟ في إيه ؟ أنا شفتك و إنتي راجعة بتاكسي و كنتي بتعيطي و إنتي داخلة البيت . إيه إللي حصل يا صافي ؟؟؟


-صالح يا مامي ! .. نطقت "صفية" بصعوبة و هي تشعر بالغصة تكاد تخنقها


لتستوضحها "فريال" بتوجس :


-ماله صالح ؟؟؟


صفية بنشيج متقطع :


-قـ قـ  ـلـ ع د دبلـ ـته . فسـ خ خـ خـ ـطو بتـ ـنا !


-فسخ خطوبتكوا ؟! .. تمتمت "فريال" بذهول ، ثم سألتها بحدة :


-و عمل كده ليه ؟؟؟


صفية و هي تعتصر عيناها من الدموع بشدة :


-الدكتور صارحه بكل حاجة إنهاردة . شرحله حالته . أول ما عرف إتحول .. مابقاش صالح إللي أنا أعرفه . قال كلام كتير . و شكك في عثمان إنه كان علي علم بإللي هيحصله . و لما إتضايقت و شديت معاه شوية لاقيته بيقلع الدبلة و .. و بيقولي مش عايزك !


و راحت تجهش بالبكاء أكثر علي صدر أمها ، بينما إنزعجت "فريال" لاسيما من الجزئية التي تخص إبنها ..


لكنها تمالكت غضبها سريعا ، و أخذت تمسد علي ظهر "صفية" و هي تقول بصوتها الرقيق اللطيف :


-طيب خلاص . خلاص إهدي يا حبيبتي . هو أكيد مصدوم و في حالة عصبية من ساعة ما عرف .. سيبيه شوية بس و هو لما يهدا أكيد هيندم علي كل إللي قاله و هيطلبك عشان يعتذرلك كمان.


-أنا بحبه يا مامي ! .. قالتها "صفية" بلوعة و عذاب ، و أكملت :


-عمري ما قلتله بحبك . بس أنا بحبه و الله .. مش عايزاه يسيبني حتي لو ماقامش علي رجليه . هفضل معاه.


تنهدت "فريال" و ربتت علي كتفها بحنان قائلة :


-إن شاء الله هيقوم علي رجليه . و مش هتسيبوا بعض !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


عودة للمركز الطبي الخاص ... غادر "عثمان" منذ قليل ، لينفرد "فادي" بأخته أخيرا


لكنه لم يتكلم معها في الحال ، بل إنتظر حتي إطمئنا علي "ملك" و شاهداها داخل سرير الحضـّانة الصغير تأخذ أول جلسة علاج ضد الإلتهاب الرئوي الحاد الذي أصابها مؤخرا


كانت نائمة كالملاك ، فيما سحب "فادي" أخته من ذراعها إلي الخارج ليحدثها ..


-فهميني بقي من فضلك . إيه إللي حصل بالظبط ؟ .. تساءل "فادي" بعصبية خفيفة


لتجيبه "سمر" بهدوء و تعقل :


-ماحصلش حاجة يا فادي . زي ما قولتلك بس عثمان بيه لما عرف إن ملك تعبت أوي أصر يجي معايا و يودينا بنفسه للدكتور.


فادي بغضب :


-و هو ماله ؟ و إنتي بتحشريه فينا ليه ؟ كنتي إتصلي بيا أنا أولي . ماكنتش هعرف أتصرف يعني ؟!


سمر بغضب مماثل :


-كنت هتصل بيك و إنت في الإمتحان ؟ كنت هتسيب إمتحانك و هتجيلنا ؟


-أه . قولتلك قبل كده خدي بالك من الراجل و ماتخليهوش يتعود عليكي . بس إنتي بتفوتي كلامي و بتمشي إللي في دماغك !


-كفاية بقي يا فادي . دماغك بتقفل علي حاجات مش منطقية و كل شوية بتعيب في الراجل و كلمته بإسلوب وحش لما كان هنا . ده جزاؤه إنه حب يساعدنا ؟ هي دي شكرا إللي المفروض نقولهاله ؟؟؟


فادي بإنفعال شديد :


-معقولة واحد غني زيه يساعد ناس زينا بالطريقة دي ؟ بالمبلغ ده ؟ حتي لو عادي . هنرد عليه بإيه في المقابل ؟ إيه قيمة الحاجة إللي هنقدمهاله بالظبط عشان نوفي الدين إللي علقه في رقبتنا ؟ تقدري تقوليلي إيه أغلي حاجة عندنا ممكن نقدمهاله ؟؟؟!!


شخصت إليه ببصرها محاولة فهم ما قصده !


حدق بها هو الأخر بتحد منتظر إجابتها ، بينما شعرت بالغثيان حين أدركت فجأة ما رمي إليه


تطلب الوقت بضع دقائق قبل أن تتمكن من الكلام ..


-إنت . إنت قصدك إيه ؟! ..تساءلت بتقطيبة عميقة


ليرد "فادي" لاويا شفتاه بإبتسامة تهكمية :


-قصدي إللي فهمتيه بالظبط يا سمر.


إتسعت عيناها و جحظتا من الغضب ، فصاحت و الكلمات تخرج كالقنابل من فمها :


-إنت مجنوون ! فعلا مجنون . إزاي بتفكر كده ؟ إزاي عقلك صورلك الحاجات دي ؟ إنت متخيل إني ممكن أبيع نفسي بالرخيص كده ؟؟؟


فادي بصلابة :


-ده شئ بديهي يا سمر . أي بني آدم عادي هيفكر ليه واحد زي ده مهتم أوي كده بعقد حياتك و بيستغلها.


-بيستغل إيه يا مجنون إنت ! و هيعوز يستغلني ليه أصلا ؟ ده راجل مش محتاج واحده زيي يستغلها . في آلاف غيري بيترموا تحت رجليه كل يوم في مستواه و أحلي مني كمان . هيبص لواحدة فقيرة و عادية زيي أنا ليه ؟ ما ترد ؟!!


-ما هو الممنوع أحيانا كتير بيبقي مرغوب يا سمر . و الصندوق المقفول دايما بيثير الفضول و واحد زي ده أكيد طول الوقت بيدور علي حاجة جديدة تسليه.


سمر و هي تهز رأسها بعدم تصديق :


-إنت أكيد جرى لعقلك حاجة . مش عايز تفهم . مقتنع بس بأفكارك الموسوسة . عارف لو تـ آا .. و قطعت عبارتها فجأة ، ثم أدارت عينها معبرة عن ضيقها و هي تقول :


-أنا بكلم مين ؟ الكلام معاك بقي ممنوش فايدة أصلا !


" مجنون ! " تمتمت لنفسها ، ثم ولت تاركة إياه واقفا بمفرده ، و ذهبت لتتفقد "ملك" و تطمئن عليها ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


مع هبوط الظلام .. يتسرب ضوء القمر عبر الغيوم و أغصان الشجيرات الكثيفة


بينما تشق سيارة "مراد" طريقها في الممر المرصوف بالأحجار الملونة و المؤدي إلي باحة أفخم قصر بمدينة الأسكندرية ..


أخذ "مراد" حقيبة ظهره الكبيرة  التي يحمل بداخلها ملابسه و أغراضه ثم ترك  سيارته للبستاني يصفها بالكراچ ، و إتجه إلي باب البيت ..


إستقبلته إحدي الخادمات بالداخل ، ليقول لها بإسلوبه الخفيف :


-معلش يا قمر . ممكن بس توصليني لأوضة عثمان بيه ! أصلي من زمان و أنا بتوه جوا البيت ده.


ضحكت الفتاة الحسناء برقة ، ثم قالت بإبتسامة :


-طبعا تحت أمر حضرتك . إتفضل معايا.


تبعها "مراد" متبخترا برشاقة في خطواته ، إتخذا المصعد المغلف بالخشب المصقول الأنيق ، ليصلا في غضون ثوان إلي الطابق الثالث ..


خرجت الخادمة أولا و راحت تؤشر له نحو غرفة "عثمان" و هي تقول :


-بص حضرتك . أوضة عثمان بيه إللي في الوش علطول دي . مافيش حد ساكن في الدور ده غيره أصلا.


مراد و يهز رأسه بتفهم :


-تمام فهمت .. ثم قال بإبتسامة مداعبة :


-شكرا يا قمر.


ضحكت الفتاة ثانيةً و لكن ضحكتها هذه المرة كانت أكثر خجلا ، فإستدارت و إنصرفت من أمامه مسرعة ..


تنهد "مراد" بحيوية ، ثم توجه صوب غرفة صديقه ..


بعد طرقة واحدة ، أدار المقبض و دفع الباب و دلف و هو يصيح بمرح :


-صاحبي يا صاااحبي . صديق السوء جالك يا حبيبي !


دوت ضحكة "عثمان" المجلجلة من داخل قاعة المرحاض ، ليتتبعها "مراد" و يذهب إليه و هو يبتسم بشدة


بينما يقول "عثمان" :


-أهلا يا صاحبي . و أنا أقول إشعاع الأفكار القذرة ده جالي منين . أتاريه من طلتك البهية.


في هذه اللحظة وصل "مراد" عند عتبة باب المرحاض ، ليقف هناك يقول بسخرية :


-إشعاع أفكار قذرة ؟ و مين ده إللي بتفكر فيه بقذارة يا صاحبي ؟!


كان "عثمان" يقف عاري الصدر أمام مرآة عريضة معلقة فوق الحوض الرخامي الصغير ، يلف منشفة  بيضاء حول وسطه ، و كان يباشر تسوية شعيرات لحيته البنية متوسطة الطول ..


فيما أدار وجهه قليلا نحو صديقه ليجيب بنبرة خبيثة تشتعل حماسة :


-ســــــــمـر !!!

                الفصل الثالث عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>