رواية المنتقبة الحسناء
اللهم اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار
التاسع والعاشر والحادي عشر
الفصل التاسع
أخذت مها برهة من الوقت ثم تنهدت بعمق وابتسمت قائلة: "موافقة".
زياد بابتسامة: "أنا كده اطمن قلبي؛ وأوعدك إني هكون الزوج اللي بتتمنيه وأشيلك في عيوني كمان"..
قاطعتهم حسناء وهي تلوح بيدها: "تيرارارار بوم بوم؛ ها وإيه كمان.؟!!"
زياد بسخرية: "يا خفة إيه اللي جايبك هنا.؟! امشي يا شاطرة بعيد هش على برة"..
قالت بغيظ: "على أساس إني فرخة يا شاطر؛ تصدق أنا غلطانة قلت أجيبلكم العصير "..
قالت مها بابتسامة: "أنتِ ورايا ورايا يا سمسمة.؟!"
غمزت لها وقالت: "آه تخيلي وكمان بقينا نسايب؛ ده أنا هاوريكي النجوم في عز الظهر"..
زياد بجدية: "كنت قتلتك؛ تعملي إيه يا شاطرة؟!!
رفعت حسناء حاجبها: "لا أنا كده خفت؛ وبعدين أنا حرة أنا وميهو حبيبتي ملكش فيه أنت؛ صح يا مها؟!!"
نظرت مها لحسناء وزياد يميناً ويساراً ثم قالت مداعبة: "مممم صح يا سمسمتي؛ متنساش يا زياد إن حسناء بذلت مجهود جامد عشان نرتبط ببعض ولا إيه؟!!"
زياد بابتسامة: "هي دي الحسنة الوحيدة اللي عملتها؛ بس عشان خاطرك أنتِ سماح المرة دي".
طبعت حسناء قبلة على خد مها: "تسلميلي يا ميهو يا حبيبتي؛ أسيبكم أنا بأه أروح أجيب شجرة واتنين لمون"..
رد زياد بسخرية: "يا ريت؛ هوينا بأه يلا".
غمزت لمها وقالت: "أنا هطلع بس عشان خاطر مها"..
مها: "تسلمي يا حبيبتي يا سمسمتي".
******************
(ثم اتفق الجميع على أنّ يكون يوم الجمعة القادم موعد الخِطبة وعقد الزواج بمشيئة الله.)
******************
(في مساء اليوم التالي)
علي متسائلا: "ماما أنا هتصل أعزم أسعد؛ إيه رأيك؟!!"
والدته بجدية: "طبعاً يا ابني دي الأصول؛ وكمان اعزم والده ووالدته!"
هز رأسه إيجابا: حاضر يا أمي.
قالت في تساؤل: صحيح هو مش بيجي ليه يا علي.؟! لما يغيب كده اسأل عليه أحسن يكون في حاجة ويزعل إننا مش بنسأل..
علي: أيوة يا أمي أنا على اتصال بيه علطول؛ هو كان مشغول وبيخلص شوية أوراق..
قالت بامتنان: "ربنا يوفقه ويسعده؛ أسعد ده مثال الأخلاق وشاب ملتزم وجدع يستاهل كل خير والله"..
أكد على كلامها: "عندك حق والله أنا بحبه جداً".
والدته: أسعد من الناس اللي وشها مألوف وبيضحك على طول؛ ربنا يحبب فيه خلقه كمان وكمان..
نهض علي وقال: "آمين؛ أنا هقوم أجيب الموبايل أتصل بيه وأعزمه"..
فى حين دخول حسناء وزياد الغرفة عقدت حاجبيها ونظرت لعلي بغضب: "يوووه ونعزمه ليه بأه.؟! احنا قولنا كتب كتاب في المسجد وعلى الضيق!!"
زياد بدهشة: "أنتِ بتقولي إيه يا حسناء.؟! مينفعش طبعا لازم نعزمه هو وعمي وزوجة عمي كمان؛ دي الأصول ولا إيه يا ماما.؟!!"
والدته بغضب: "كلامك مضبوط يا ابني؛ وعيب اللي بتقوليه ده يا ست حسناء مهما كان دول أهلك ومن دمك!
علي معاتبا: "ونسيتِ إن أسعد جرى معانا يوم الحادثة ووقف معانا لحد ما الدفن انتهى واحد غيره كان هيقول وأنا مالي.!!"
زياد: مينفعش كده يا حسناء لازم تفصلي؛ زعلك من بابا ملوش علاقة بعمك وأولاده.!!
أنهت الحوار: "آه طيب؛ اعملوا اللي انتم شايفينه صح؛ يلا يا زياد عشان نلحق المحلات قبل ما تقفل".
زياد: حاضر؛ يلا السلام عليكم.
والدته: وعليكم السلام؛ خدوا بالكم من نفسكم.
علي: هروح أنا أتصل بأسعد بأه.!
والدته: اتفضل يا ابني.
******************
أسعد بفرح: "السلام عليكم".
علي بابتسامة: "وعليكم السلام، إزيك يا عم التقيل ياللي ما بتسألش.؟!"
أسعد: عليوة واحشني؛ عامل إيه؟
علي: الحمد لله؛ بس لو واحشك فعلا كنت سألت.!
أسعد متسائلا: "قولي أنت فين دلوقتي؟!!
أجابه علي قائلا: "في البيت؛ بتسأل ليه؟!!
قهقه ضاحكا ثم قال: "مش معقول تسبني على الباب كل ده؛ افتح الباب يا عم.!
علي بدهشة: "باب إيه؟!"
أسعد بابتسامة: "باب شقتكم يا ابني".
همَّ علي مسرعا لفتح الباب ثم قال بسعادة: "وهل القمر علينا؛ نورت والله".
أسعد بابتسامة: "السلام عليكم".
علي: وعليكم السلام, اتفضل ادخل ده أمي مستحلفالك!
أسعد بتكشيرة: "ليه بس كده.؟! مقدرش على زعل ست الكل".
زينب: ما بتسألش خالص؛ ينفع كده.؟!
أسعد: آسف مش هتتكرر تاني، حقك عليا إلا زعلك يا ست الكل.!
زينب بابتسامة: "أما نشوف؛ هروح أنا أعملكم الشاي.
أسعد: اتفضلي.
نظر له علي وقال بفرح: "مش الواد زياد خطب.؟!
أسعد بدهشة: "بتتكلم جد.؟!!
قال بجدية: "أيوة بجد يا ابني، المهم بأه جهز نفسك أنت وعمي ووالدتك؛ يوم الجمعة زياد هايعقد على مها".
قال بفرح: "بسم الله ما شاء الله، إيه الخبر الجميل ده.؟! ألف مبروك؛ عقبالك يا عليوة؛ مش ناوي ولا إيه أنت كمان؟!!"
تنهد بقوة ثم قال: "بفكر بس مش لاقي لسة بنت الحلال؛ ادعيلي ربنا يوفقني وألاقيها".
أسعد: ربنا يوفقك وأسمع عنك كل خير عن قريب, صحيح مين العروسة؟!
علي: مها صديقة حسناء.
أسعد: بسم الله ما شاء الله؛ عرف يختار والله ربنا يتممله على خير وعقبال حسناء.
علي: آمين يا رب.
أسعد: فين زياد أسلم عليه وأبارك له؟!!
علي: زياد نزل يشتري البدلة وأخد حسناء معاه هتشتري هي كمان شوية طلبات لها, أنا كنت هروح معاهم بس راجع من الشغل مرهق جدا.
أسعد: ربنا يقويك؛ و يوصلوا بالسلامة بإذن الله..
(ظلوا يتسامرون ويضحكون، وبعد مرور ساعة دق جرس الباب معلنا قدومهم نهض علي وفتح لهم الباب فظهرت حسناء من وراءه بضحكة عالية.)
علي بسخرية: "خير.؟! بتضحكي على إيه يا سوسة؟"
قالت بابتسامة: "أخوك زياد مش عارف يختار البدلة؛ وكل شوية يقولي اتصلي بمها اسأليها أجيبها لونها إيه والكرافته والقميص لونهم إيه؟ بس أنا ذوقي طلع أحلى بكتير اتفرج وشوف"..
نظر علي لأخيه زياد وقال: "تعال يا زياد سلم على أسعد ونشوف البدلة سوا ونشوف ذوق أختك مع إني عارف ذوقها من قبل ما أشوف".
ظهر على وجهها الغضب وعقدت حاجبيها ثم قالت بعصبية: "أنا داخلة أوضتي؛ هدخل أصلي وأنام".
علي: "ماشي على راحتك"..
أسعد: مبروك يا عريس.
زياد: ربنا يبارك فيك وعقبالك, شوف البدلة وقولي رأيك.!!
أسعد: ذوقها رقيق أوي وجميلة.
علي: ده حسناء طلع ذوقها حلو أهو.
زياد: بجد حلوة.؟! يعني هتعجب العروسة.؟!!
أسعد وعلي في نفس واحد: "طبعا.!!"
( ذهب أسعد ولم يرَ حسناء وظهر على ملامحه الحزن لعدم رؤيتها واكتفى بالاطمئنان عليها من علي وزياد حتى اطمئن قلبه.)
******************
وجاء يوم الجمعة
(كانت مها ترتدي فستانًا أسود ظهرت عليه البساطة؛ ولكنه كان جميلا وارتدت عليه حجابا طويلا، كانت تمسك باقة الورد التي أهداها بهِ زياد، أما حسناء التي ارتدت فستانًا زهريًا ولكنه ضيق بعض الشيء ظلت واقفة بجوار مها وعين أسعد تراقب حسناء دائما والكل مشغول بإجراءات عقد الزواج.)
انتهى المأذون ودعا للعروسين قائلا: "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير".
زياد بفرح: مبروك يا عروسة ربنا يحفظك ليا ويقدرني إني أسعدك.
قالت بعد أن تحقق حلمها: "ربنا يبارك فيك؛ بس أنا عندي سؤال.!!
رفع حاجبه الأيمن ثم قال بتعجب: "ده وقت أسئلة بردو؟!!
مها بجدية: "فاكر لما قلتلك ليه اخترتني أنا بالذات.؟!! قلت ابقي فكريني أقول لك أول سبب بعد كتب الكتاب ؛ ممكن أعرف السبب بأه.؟!"
ادَّعى النسيان: "ياااه أنتِ لسة فاكرة.؟! ده أنا نسيت.
مها بغيظ: "أيوه لسة فاكرة؛ جاوب بأه يلا.!!!
نظر لها بحب ثم قال: "مممم؛ اخترتك عشان بحبك".
مها بكسوف: "إيه؟! قول كده تاني مسمعتش.!!!"
اقترب من أذُنها وقال بصوت خافت: "باحببببببببببك.
سرعان ما تضاربت دقات قلبها بشدة ثم قالت بسعادة: "وأنا وافقت عليك عشان كده بردو.!
ازدادت ضربات قلبه هو الآخر ثم قال: "كده بردو إيه بالضبط.؟!
مها بكسوف: "عشان باحبك.
زياد بفرح: "يااااااه كان نفسي أسمعها أوي شفتي في الحلال الحب أحلى إزاي.؟!
لمعت عيناها وازدادت بريقًا تعلن نزول أول دمعة على خديها ولكن هذه المرة دمعة فرح وهي تقول: "الحمد لله والشكر لك يا رب إنك رزقتني الحب الحلال وجمعتنا على خير..
زياد: الحمد لله يا رب.
(انشغل علي بتقديم الجاتوه والعصير؛ ووالدته انشغلت بالأهل والأصدقاء والترحاب بهم؛ أما سعيد والد مها فظل جالسا يراقب ابنته وينظر لها والذكريات تمر أمام عينيه، كان يتمنى أن تكون بجانبه وجانب ابنتها في هذا اليوم ولكنه القدر، منع سقوط دموعه حتى لا تلاحظه مها فتحزن، كانت عيناها حائرة تلتفت يمينا ويسارا تراقب والد مها وهو سعيد بزواج ابنته؛ وقتئذ شعرت بنعمة الأب وفقدانه، هربت من عيناها دمعة فنهضت مسرعة وهرولت خارجاً لكي لا يراها أحد، لاحظ أسعد بكائها فنهض, وخرج ورائها ليطمئن عليها.)
قال بقلق: "مالك يا حسناء ليه بتبكي؟!
التفتت حسناء له ثم قالت بعصبية: "مفيش؛ ده حاجة دخلت في عيني.
لم يصدقها، ثم مد يده لها بمنديل: "اتفضلي منديل وامسحي دموعك دي, دموعك غالية علينا.
صاحت بعصبية: "قولتلك مش ببكي.
قال بأسف: "أنا آسف؛ بس يلا ادخلي القاعة مينفعش تقفي برة كده.
تنهدت بقوة وقالت: "شوية وهدخل اتفضل أنت ادخل.
أشار بالنفي: "مش هينفع أنا هنتظرك على باب القاعة عشان محدش يضايقك.
(وقف يراقب حبيبته وفجأة لاحظ شابًا يقترب منها..)
الشاب بمكر: "واقف لوحدك ليه يا جميل.؟! مين مزعلك بس.؟!
(هم مسرعاً متجهاً ناحية الشاب وضربه بقوة على ظهره؛ وضعت يدها على خديها ووقفت محدقة في استغراب وقلق.)نظر لها بغضب ثم قال بعصبية: "مش قلتلك مينفعش
تقفي لوحدك.؟! يلا اتفضلي على جوة.!! "
(همت مسرعة بالدخول إلى قاعة المسجد بعد أن جففت عينيها لكي لا يراها أحد، دخل أسعد وراءها إلى القاعة وهو ينظر لها بغضب ثم اتجه نحو زينب.)
قالت محدثة نفسها: "يا ترى هو رايح يقول لماما إيه؟! تلاقيه بيجري عليها عشان يحكي لها اللي حصل.!!!
******************
_________________________________
سبحان الله
الفصل العاشر
اقترب من والدتها وقال لها: "أنا هاستئذنك هاروح أوصل والدي ووالدتي للبيت وهرجع تاني بسرعة عشان أوصلكم للبيت"...
هزت رأسها بالنفي وقالت: "متتعبش نفسك يا ابني"..
رد بابتسامة: "تعبك راحة، مش هتأخر عليكم بإذن الله..
حسناء محدثة نفسها: "ده هيمشي!! أحسن بردو هنرتاح"..
(عبد الله والد أسعد): "على مهلك يا ابني؛ انت سايق بسرعة كده ليه؟! "
أسعد باستعجال: "آسف يا والدي؛ على العموم احنا وصلنا الحمد لله أنا هنزلكم قدام البيت وهرجع تاني المسجد عشان أوصلهم البيت بدل ما يركبوا مواصلات ويتبهدلوا في الطريق!"
أمينة والدة أسعد: "ربنا يبارك فيك يا حبيبي؛ طول عمرك أصيل وجدع خد بالك من الطريق وسوق على مهلك يا ابني"..
أسعد بابتسامة: "ربنا يخليكِ يا أمي ويحفظك لينا؛ متقلقيش يا دوبك هوصلهم وأرجع على طول بإذن الله".
أمينة: "في حفظ الله"..
******************
بعد وصول أسعد قاعة المسجد قال لهم زياد: "أنا هروح أوصل مها وعمو سعيد يا أمي؛ وأسعد هيوصلكم للبيت"..
والدته: "ماشي في رعاية الله يا حبيبي؛ مع السلامة يا عروستنا..!"
احتضنتها مها بشدة: "الله يسلمك يا خالتو".
زينب بتكشيرة: "لا؛ خالتو إيه بأه.؟! أنتِ بقيتي زوجة ابني يبقى تقوليلي يا ماما.!!"
ابتسمت: "حاضر يا ماما"..
زينب بسعادة: "أجمل كلمة سمعتها النهاردة ربنا يقدرني وأقدر أعوضك حنان والدتك يا بنتي.!
نظرت مها لزياد وابتسمت قائلة: "حنانك وصلني خلاص يا ماما"..
زينب: "ربنا يسعدكم يا بنتي".
اقتربت حسناء من مها احتضنتها بشدة: "مبروك يا عروسة"
ردت بحنان: "ربنا يبارك فيكِ يا سمسمتي".
مد علي يده حتى يسلم على والد مها: "نشوفكم على خير يا عمي؛ السلام عليكم.!"
سعيد بابتسامة: "وعليكم السلام".
(ذهب علي وزينب وحسناء إلى سيارة أسعد, وأسعد طيلة الطريق ينظر لحسناء في المرآة؛ أما حسناء فكانت تنظر إلى النافذة وترفع رأسها للسماء كأنها تشكو ما بها في صمت.)
وصل الجميع، فقال علي لأسعد: "تعال اطلع شوية يا أسعد".
هز رأسه نافياً: "معلش خليها مرة تانية".
تنهد وقال: "ماشي على راحتك؛ بس متغبش علينا واسأل.!"
أسعد بابتسامة: "بإذن الله؛ أستودعكم الله".
علي: "في أمان الله؛ السلام عليكم."
أسعد: "وعليكم السلام".
******************
خلعت زينب حجابها من على رأسها ثم نهضت متجهة إلى غرفتها كي تستبدل عباءتها بجلباب النوم، وقبل أن تدخل غرفتها نظرت لأبنائها بفرح وقالت: "النهاردة كان يوم جميل فعلاً بس مرهق أوي هدخل أنام؛ تصبحوا على خير".
علي وحسناء في نفس واحد: "وأنتِ من أهل الجنة يا أمي"..
علي باهتمام: "حسناء مالك.؟! شكلك زعلانة من حاجة!!"
حاولت أن تخفي ما بها بابتسامة: "لاء مفيش يا علي؛ أنا بس عندي صداع هروح آخد حباية للصداع وأنام".
قال بقلق: "ألف سلامة عليكِ يا حبيبتي, يلا تصبحي على خير".
حسناء بابتسامة تخبئ ما بداخلها: "تلاقي الخير".
******************
(ضغطت رأسها بيدها؛ ألم شديد يتخلل رأسها؛ نهضت من الفراش ليلا وأسندت رأسها على حافة السرير ناظرة للسقف.) ضغطت على أسنانها بغيظ وقالت محدثة نفسها: "أنا مش عارفة إيه اللي سكتني ومش رديت عليه؛ إزاي يزعق فيا كده؟! ومين اداله الحق بكده.؟!! أنا كان لازم أرد.!!"
(في نفس الوقت ذاته شعر أسعد بألم شديد في رأسه ونهض هو الآخر أسند رأسه على حافة السرير وهو يعاتب نفسه قائلا: "زمانها بتقول إيه عليا دلوقتي.؟! إزاي أشخط فيها جامد كده.؟! المفروض أعتذر لها؛ طيب هعتذر لها إزاي وفين؟! فكرة؛ أنا أروح لها الكلية وأعتذر لها وأمشي على طول.!!"
ثم استكمل نومه وصورة حسناء وهي تبكي لا تزال أمام عينيه.)
أما حسناء نهضت وذهبت لتشغيل جهاز الكمبيوتر وقالت محدثة نفسها: "يااااه؛ أنا بقالي كتير مش فتحت الأكونت؛ إيه ده كل دي رسايل.؟!".. وما إن بدأت بفتح الرسائل، لفتت انتباهها رسالة من الذي يُدعى: توبة رجل.!!!
توبة رجل: ألف مبروك لكتب كتاب أخوكِ؛ وعقبالك عن قريب بإذن الله.
عقدت حاجبيها بدهشة: "إيه ده؟ ومين ده؟ وعرف إزاي إن زياد كتب كتابه.؟!! أكيد ده حد يعرفني كويس جدا.!" أنا هرد عليه وأسأله هو مين.!
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ ممكن أعرف حضرتك مين؟!"
دق قلبه وارتعشت يده، فكم كان مشتاقاً لها ويتمنى الرد عليها..
توبة رجل: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ مش مهم أنا مين المهم تكوني بخير وسعيدة"..
رفعت حاجبها الأيمن بتعجب وقالت: "إزاي مش مهم.؟! لو مش قلت حضرتك مين أنا هعمل بلوك لحضرتك!!"
توبة رجل بخوف: "أرجوكِ بلاش؛ سيبيني أعرف أخبارك وأطمن عليكِ من كلماتك الجميلة دي؛ أنتِ ليكي مستقبل جميل أوي في الكتابة"..
تنهدت بعصبية وهي تكتب: "مصمم بردو.؟! على العموم أنا غلطانة إني رديت على حضرتك ومش عملت لك بلوك من الأول"..
توبة رجل: "سامحيني مش هقدر".
ضغطت على زر حظر هذا المستخدم وانتهى الأمر؛ لكنها ما زالت تفكر؛ يا ترى مين؟!!
بدأت تتثاءب، وبدأ النوم يداعب جفونها فأطفأت جهاز الكمبيوتر وارتمت على سريرها إلى أن غفت عيناها ثم غطت في النوم...
ويُطوى اليوم بكل ما فيه من أحداث..
******************
(بعد مرور أسبوع أتى يوم جديد ينبعث منه نافذة تطل على العالم بوجه متفائل وأحداث تغير مجرى حياة حسناء بالكامل فيما بعد.. ذهبت حسناء إلى الكلية لكي تجمع كل ما فاتها من محاضرات ولم تدرِ أنه اليوم الذي يتغير مسار حياتها فيه بعد ذلك للأجمل؛ ويبعث لها الله سبحانه وتعالى رسالة جميلة تتفهمها بكل تفاصيلها..)
"كده يا مها تسيبيني أروح لوحدي الكلية.؟! ولا كل اللي بيتخطبوا بيكسلوا كده؟!!"
قالت مها وهي ممسكة بالهاتف: "سامحيني يا سمسمتي بأه؛ وبعدين النهاردة يوم طويل أوي والمحاضرات بتبدأ الساعة ٢ الظهر!"
قالت بغيظ: "عندك حق إيه المشكلة لما يعملوا المحاضرات بدري.؟! حاجة رخمة أوي".
زفرت بشدة: "معلشي هانت؛ ابقي طمنيني عليكِ أما ترجعي بالسلامة.!"
تنهدت قائلة: "بإذن الله مع السلامة".
******************
___________________________________
اذكروا الله
الفصل الحادي عشر
يا ترى مين اللي بيتصل قالتها زينب وهي ممسكة سماعة الهاتف... "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"..
أسعد بابتسامة: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حضرتك عاملة إيه؟ وأخباركم إيه؟!"
زينب بامتنان: "الحمد لله يا ابني؛ أخبارك أنت إيه؟ ووالدك ووالدتك؟ يا رب يكونوا بخير!"
أسعد: "الحمد لله كلهم بخير؛ وبيسلموا عليكِ، وعلي وزياد وحسناء أخبارهم إيه؟"
قالت بعفوية: "بخير الحمد لله، زياد بيحضر نفسه بأه عشان هيسافر بعد بكرة وعلي في الشغل وحسناء في الكلية"..
أسعد: "خلاص هبقى آجي أسلم على زياد وأوصله للمطار بإذن الله؛ حضرتك مش عايزة حاجة.؟!"
زينب بابتسامة: "ربنا يسعدك يا ابني ويرزقك بزوجة صالحة، مع السلامة في رعاية الله"..
أسعد: "يا رب؛ الله يسلمك"..
(أغلق الهاتف ونزل من بيته مسرعاً إلى الحرم الجامعي لكي يرى حسناء ويعتذر لها.)
محدثا نفسه: "يا رب ألحقها قبل ما تروح أنا هنتظرها قدام بوابة الكلية عشان أعرف أشوفها وهي خارجة"..
******************
(بعد انتهاء المحاضرة)
محدثة نفسها: "أما ألحق أروح أصلي الظهر قبل ما العصر يأذن!!"
كانت تضع إسدالًا دائما بحقيبتها ترتديه عندما تريد أن تصلي في مسجد الكلية، فقد كانت تتبقى أيام قليلة على امتحانات الترم ولذلك كان يذهب عدد قليل من الطلاب والطالبات، دخلت المسجد فوجدته خاليًا من المصليات، إلا من فتاة واحدة كانت تصلي وفي وضع السجود، كانت ترتدي عباءة سوداء ويزينها خمار طويل أسود ولأنها كانت ساجدة لم ترَ حسناء النقاب..
محدثة نفسها: "بسم الله ما شاء الله الظاهر إنها بنت ملتزمة ربنا يبارك لها ويهديني؛ أما أروح أتوضا قبل ما المحاضرة التانية تبدأ والدكتور يرفض يدخلني السيكشن!!"
دخلت حسناء لتتوضأ استغرقت من الوقت حوالي ربع ساعة؛ بعد أن انتهت من الوضوء أخرجت الإسدال من حقيبتها لترتديه ثم خرجت للمصلى فوجدت الفتاة ما زالت في وضع السجود.. "يااااه أنتِ لسة ساجدة.؟! يا ترى بتدعي ربنا كل الوقت ده بتقوليله إيه.؟! يا رب ارزقني الخشوع في صلاتي زي البنت دي"..
كبرت (الله أكبر) ثم دعت دعاء الاستفتاح: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب؛ اللهم نقني من خطاياي كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد"..
ثم بدأت بفاتحة الكتاب وقرأت سورة صغيرة وانتهت من ركعتها الأولى ولكن للأسف الفتاة أخذت تفكيرها؛ حتى وهي تصلي ظلت تحدث نفسها: "هي لسة ساجدة كل ده؟! هي راحت في النوم ولا إيه؟!!"
تفلت على يدها اليسرى ثلاثا ثم قالت: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وانتبهت لصلاتها؛ بعد انتهائها من الصلاة فكرت أن تنادي عليها ربما أخذها النوم وهي ساجدة.. "أنا هروح أنادي عليها يمكن نامت فعلاً؛ يا آنسة يا آنسة؛ هي مش بترد ليه؟!"
وضعت حسناء يدها وربتت على ظهرها بهدوء لكي لا تربكها في صلاتها ولكن بلا جدوى؛ هزتها حسناء بشدة لتوقظها ولكن حصل ما لم تتوقعه حسناء قط، وقعت الفتاة على جانبها. "هي مغمى عليها ولا إيه؟!!"
هرولت مسرعة لخارج المسجد كي تستغيث، صرخت بصوت عالٍ: "الحقوووووني في بنت في المسجد مغمى عليها؛ حد ينادي على الدكتورة بسرعة"..
جرت عليها الطالبات ودخلوا معها المسجد ليروا ما حل بالفتاة وذهبت منهم طالبة تستغيث بطبيبة الكلية..
طبيبة الكلية بعد أن رأت الفتاة بوجهها المبتسم قالت في دهشة وعيناها غارقة بالدموع: "بسم الله ما شاء الله، موتة جميلة، يا ترى كانت بتعمل إيه في حياتها وربنا رزقها تموت وهي ساجدة ومبتسمة.؟! يا الله.!!"
أجهشت حسناء بالبكاء وجسدها بأكمله يرتعش، كلما نظرت لوجه الفتاة وجدتها وكأنها تبتسم لها.. "سبحانك ربي ما أعظمك.!! بسم الله ما شاء الله يا رب ارزقني حسن الخاتمة"..
(تساقطت دموع الطالبات جميعا منهم من تبكي لموت الفتاة؛ ومنهم من تبكي على حالها وتدعو ربها أن يرزقها حسن الخاتمة؛ ومنهم من تبكي خوفاً وفزعاً؛ أما حسناء كانت تبكي خوفاً من ربها وتتساءل: "يا ترى دي رسالة من ربنا ليا عشان أتوب وأتغير والبس واسع.؟!"
بعد مرور بضع دقائق لاحظت حسناء دخول رجال الأمن فذهبت مسرعة إلى الفتاة وغطت وجهها بالنقاب وخلعت الإسدال وغطت جسدها به حتى لا يراها الرجال..
ثم قالت محدثة نفسها: سترت نفسها في الدنيا لازم نسترها وهي ميتة.)
(وصل والدا الفتاة للمسجد وهم يبكون وفي حالة يُرثى لها ولكنهم فرحون بحسن خاتمة ابنتهم كانوا يتسمون بالصبر والتدين والتضرع إلى الله؛ رأت حسناء والد الفتاة الملتحي ووالدتها التي ترتدي خمارًا طويلًا، وهما في قمة صبرهم.)..ركزت والدة الفتاة على ركبتيها وعيناها تتساقط منهُما الدموع؛ ورفعت الإسدال قليلاً عن وجه ابنتها وظلت تتحسسه وتقول: "الليلة عُرسك يا بنتي في الجنة بإذن الله؛ كان باقي شهر وتتجوزي؛ جهزتِ فستان فرحك كنتِ بتقوليلي حاسة إني مش هلبسه يا أمي حاسة إنه مش فستاني؛ هيبقى فستان عروسة غيري"..
التقطت الأم أنفاسها واستكملت ببكاء: "كنت أقولك متقوليش كده ده أنتِ هتبقي أجمل عروسة؛ خلاص يا بنتي مش هشوفك تاني"..
انحنت وطبعت بعض القبلات على خدها واحتضنتها بشدة:
"سبيني أشبع منك شوية هيوحشني حضنك أوي يا بنتي..
كل من بالمسجد وقفوا يبكون من كلام والدتها، وبعد أن هدأت الأم قليلاً حاولت أن تتمالك نفسها؛ ثم وقفت وقالت:"جزاكم الله خيراً على ستركم لبنتي؛ الإسدال ده بتاع مين يا بنات؟!"
قالت حسناء وهي ترتجف: "إسدالي يا خالة".
نظرت والدة الفتاة إلى حسناء، عندما رأتها ترتدي بنطلون وعليه فيست طويل قليلاً ربتت على كتفها وابتسمت بحزن ثم قالت لها: "اسمك إيه يا بنتي؟!"
قالت بتلعثم: "اسمي حسناء"..
هزت رأسها وقالت: "اسمك حسناء وأنتِ حسناء؛ شكراً يا بنتي؛ ربنا يسترك زي ما سترتي بنتي بإسدالك.!"
قالت وعيناها تملؤها الدموع: "الشكر لله؛ والبقاء لله ياخالة؛ وربنا يصبرك"..
ردت ببكاء: "آمين يا رب؛ عايزة أقولك نصيحة يا بنتي!!"
مسحت دموعها وقالت باهتمام: "اتفضلي يا خالة.!!"
والدة الفتاة: "أرجوكِ استري نفسك وتزيني بالعفاف عشان ربنا يسخرلك اللي يسترك عند وفاتك زي ما ربنا سخرك كده تستري صفية.!!"
بكت حسناء بشدة: "حاضر، بس أرجوكِ ادعيلي بالهداية والستر يا خالة"..
والدة الفتاة: "رددي دايما الدعاء ده يا بنتي: اللهم استرني عند موتي واجعل كفني زائدًا"..
تنهدت ببطء وبكت ثم قالت: "اللهم آمين يا رب العالمين؛ دعاء جميل أوي هحفظه وأقوله على طول"..
مدت والدة الفتاة يدها وأعطتها الإسدال وقالت: "اتفضلي يا بنتي إسدالك"..
مدت يديها وأخذت الإسدال وهي ترتعش، هذا الإسدال كان بمثابة غطاء للمتوفاة؛ أخذته وهي تبكي خائفة وقلبها ينتفض فزعاً، بعد قليل جاءت سيارة الإسعاف لتأخذ صفية..
******************
يا لها من ميتة.!! ماذا فعلنا كي نستحق الموت ساجدين.؟! هل فعلنا ما يرضي ربنا.؟! هل جعلنا كل همنا الآخرة؛ أم ماذا؟!
******************
ذهبت حسناء إلى والدة صفية وقالت: "أنا هستأذن يا خالة لأني اتأخرت أوي؛ وزمان ماما قلقانة عليا؛ السلام عليكم"..
هزت رأسها بحزن وعيناها ما زالت تتساقط منهما الدموع: "اتفضلي يا بنتي؛ وعليكم السلام"..
خرجت حسناء ودموعها لم تجف بعد وجسدها بأكمله يرتعش وأحست وكأن الدنيا تدور من حولها..
******************
ينظر بساعة يده محدثا نفسه: "هي اتأخرت أوي كده ليه؟! أنا سألت على المحاضرة قالوا هتنتهي من نص ساعة؛ يمكن مشيت وأنا مأخدتش بالي؛ يووووه؛ خلاص همشي بأه وأمري لله.!!"
ظهرت حسناء أخيراً وهي تخرج من بوابة الكلية وما زالت تشعر بأن الدنيا تدور من حولها..
قال في ارتباك: "إيه ده هي مالها؟!!"
لم يكمل أسعد كلماته رآها تقع على الأرض وبعض الطالبات يجرون نحوها..
أسعد بفزع: "حسناااااااء".
سمعت حسناء صوت أسعد فالتفتت إليه بنظرها وبمجرد أن رأت أسعد كأنها رأت من ينقذها ثم غابت عن الوعي؛ جرى نحوها أسعد بقلق شديد وبعض الطالبات حاولوا إفاقتها، ثم أعطوها قليلًا من الماء حتى تشرب وبعد أن فاقت قليلاً طلبت من إحدى الطالبات أن تساعدها للنهوض، فأشار أسعد إلى سيارته حتى تأخذها إليها..
(أسعد لم يلمس امرأة لا تحل له قط!)
بعد أن استقلت حسناء السيارة في المقعد الخلفي بدأ أسعد في التحرك بالسيارة وهو يقول: "حاسة بإيه دلوقتي.؟! طمنيني؛ طيب أنا هخدك لأقرب مستشفى أطمن عليكِ!!"
هزت رأسها بالنفي وقالت: "أرجوك عايزة أروح"..
قال وقلبه يعتصر ألماً: "حاضر"..
وما إن وصلا للبيت.. صرخت والدتها بفزع: "مالك يا بنتي في إيه؟"
أجهشت بالبكاء وظلت ممسكة بإسدالها: "متقلقيش يا ماما أنا كويسة"..
ربتت على كتفها: "طيب بتعيطي ليه؟! اهدي يا بنتي واتكلمي قوليلي مالك قلقتيني!!"
بدأت حسناء تقص ما حدث، ووالدتها وأسعد يستمعان في ذهول تام..! اغرورقت عين زينب بالدموع وقالت: "يا الله حسن خاتمة جميل أوي؛ يا بختها.!! اللهم أحسن خاتمتنا"..
قال أسعد وعيناه تملؤها الدموع هو الآخر: "يا رب آمين أحسن خاتمتنا جميعا؛ برافو عليكِ يا حسناء إنك في وسط اللي شوفتيه ده كله سترتِ البنت عشان محدش يشوفها ربنا يسترك دنيا وآخرة"..
تنهدت بحزن ثم قالت: "مش عارفة أنا عملت كده إزاي بس ربنا ألهمني أعمل كده؛ الحمد الله"..
ربتت زينب على كتفها: "الحمد الله يا بنتي؛ قومي غيري هدومك وصلي على ما أحضرلك لقمة تاكليها عشان تنامي وترتاحي شوية"..
قالت وهي تحاول النهوض: "حاضر يا ماما؛ ساعديني بس أقوم عشان مش قادرة أقف".
والدتها: "حاضر يا بنتي".
نهض أسعد وقال: "أنا هستأذن وهبقى اتصل أطمن على حسناء"..
التفتت له حسناء وقالت: "شكراً يا أستاذ أسعد على كل اللي عملته عشاني"..
أسعد: "لا شكر على واجب أنا معملتش حاجة؛ أهم شيء بس تكوني بخير ونطمن عليكِ!"
تنهدت ببطء: "الحمد الله أنا بخير"..
والدتها: "ربنا يحفظك يا ابني"..
أسعد: "يا رب يا خالة، مع السلامة"..
والدتها: "الله يسلمك؛ في رعاية الله"..
(استقل أسعد سيارته وذهب محدثا نفسه: إيه حكاية أستاذ أسعد دي يا حسناء.؟!)
******************
بدلت حسناء ملابسها وتوضأت ودخلت في صلاتها وهي خاشعة باكية وفي ختام صلاتها قبل التسليم تذكرت الدعاء الذي علمته لها والدة صفية فدعت به: "اللهم استرني عند موتي واجعل كفني زائدًا"..
-عاملة إيه دلوقتي يا سمسمة؟
قالت بارتياح: "الحمد لله".
والدتها بابتسامة: "طب يلا كلي تلاقيكي مكلتيش حاجة من الصبح!!"
لوحت بيدها بالنفي وقالت: "مليش نفس يا ماما أنا محتاجة أنام بس!"
والدتها: "ماشي يا بنتي على راحتك؛ نوم الهنا"..
حسناء: "الله يهنيكِ يا ماما"..
(استلقت حسناء في فراشها وهي ما زالت ترى وجه الفتاة أمامها؛ إلى أن غفت عيناها ثم غطت في النوم فرأتها في منامها.)
