رواية المنتقبة الحسناء الفصل الحادى والعشرون والثانى والعشرون بقلم شيماء عفيفي


 لا اله الا الله
رواية المنتقبة الحسناء

الحادي والعشرون والثانى والعشرون

الفصل الحادي والعشرون

     حسناء بابتسامة: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"..

مريم بابتسامة: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"..

رفعت عينيها فجأة فرأت علي يقف خلف حسناء؛ دق قلبها واحمر وجهها خجلا، وبدأت التساؤلات محدثة نفسها: "يا ترى علي جاي هنا ليه؟! وعرف عنواني إزاي؟!!"

قطع حبل أفكارها صوت حسناء: "لو سمحتِ؛ هو ده منزل  صفية؟!"

نظرت لها محدقة؛ ثم قالت بدهشة: "أنتِ حسناء صح؟ أنا عرفتك من وصف أمي ليكِ!!"

حسناء بابتسامة: "أيوة أنا؛ أنتِ فيكِ شبه من صفية؛ حضرتك أختها صح؟!"

مريم بحزن: "أيوة أنا أختها الكبيرة؛ الله يرحمها ما كانتش أختي بس؛ دي كانت صديقتي وأعز أصحابي كمان"..

حسناء بحزن: "معلش حبيبتي؛ ربنا يصبرك ويعوضك خير"..

تنهدت بأسى ثم قالت: "اللهم آمين؛ شايفة معاكي خطيبك؛ ثواني أنادي على بابا!"

أومأت برأسها بالنفي: "لا مش خطيبي؛ ده أخويا الكبير علي"..

مريم بابتسامة وقد ذهب قلقها: "أهلا وسهلا؛ بعد إذنك هادخل أنادي بابا"..

حسناء: "طبعا؛ اتفضلي"..

قال علي بصوت خافت: "حسناء؛ تعالي أقولك"..

التفتت له حسناء: "نعم؟ في حاجة ولا إيه؟!"

علي باستغراب: "البنت اللي فتحت الباب دي؛ بشتغل معانا في حسابات الشركة!!"

حسناء بتعجب: "بجد؟!! إيه الصدفة الغريبة دي؟! دي مريم أخت صفية الله يرحمها"..

علي باستغراب: "سبحان الله.! صدفة غريبة جدا!! والأغرب إني ما أعرفش إنها بتشتغل معانا في الشركة إلا امبارح بس!!"

حسناء بحيرة: "يا ترى دي كمان رسالة؟!!"

******************

(رن هاتف المنزل؛ وكانت زينب بغرفتها؛ ولأن عبد الرحمن كان يجلس بالقرب من الهاتف؛ أمسك بسماعة الهاتف كي يرد.)

زياد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

والده: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

فوجئ زياد برد والده عليه؛ فقال في حدة: "لو سمحت؛ عايز أكلم ماما!!"

والده بعطف: "إزيك يا ابني؟! عامل إيه؟!"

صرخ بصوت عالٍ في وجه والده: "جاي دلوقتي تسألني عامل إيه؟! كنت فين واحنا لسة صغيرين مش لاقيين ناكل وسيبتنا ومشيت.؟! راجع دلوقتي تسأل علينا؟ احنا كويسين من غيرك؛ وهنفضل كويسين طول ما أنت بعيد عننا!!"

تساقطت الدموع من عينيه؛ ثم قال في حزن: "أنا آسف يا ابني.!!"

(أغلق بعصبية سماعة الهاتف في وجه أبيه؛ وظل يبكي على رد فعله محدثا نفسه: "إزاي أتكلم معاه كده.؟! ده مهما كان والدي؛ مها عندها حق في كل كلمة قالتها؛ أنا ما أنفعش أكون زوج صالح ليها وأنا عاق لوالدي وباغضب ربنا؛ يا رب قويني أسامحه وأكون ابن بار بيه.)

خرجت زينب من غرفتها؛ فوجدت عبد الرحمن ممسكًا بسماعة الهاتف ينظر لها ودموعه تتساقط؛ فقالت بقلق: "مالك يا أبو علي.؟! خير.؟! إيه اللي مزعلك؟!!"

عبد الرحمن بحزن: "زياد قفل السكة في وشي.!"

حزنت من رد فعل زياد؛ ثم قالت: سامحه يا أبو علي؛ زياد طيب والله؛ بس تلاقيه اتفاجئ من ردك عليه؛ أنا هاتكلم معاه؛ متقلقش.!!"

عبد الرحمن بابتسامة حزينة: "يا ريت زياد هو اللي يسامحني..! "

زينب: "بإذن الله؛ ربنا يهدي الأمور.."

جفف دموعه بمنديل وهو يقول: "اقعدي يا أم علي؛ عايز أتكلم معاكي شوية"..

جلست زينب على كرسي بعيد قليلا؛ ثم قالت: "خير؟! عايز تقول إيه؟!!"

عبد الرحمن: أولاً عايز أشكرك على مسامحتك ليا؛ وعلى تعبك مع أولادنا طول السنين دي؛ وبشكرك إنك وافقتِ إني أرجع تاني وأبقى وسط عيالي؛ أنتِ ست أصيلة؛ ربنا يجازيكِ خير.!!"

تنهدت؛ ثم قالت: "أنا ما عملتش حاجة؛ دي شقتك وباسمك؛ وطبيعي ترجع وسط أولادك؛ ربنا يهديهم ويديك الصحة؛ ويخليكم لبعض"..

عبد الرحمن بقلق: "مسامحة في حقك يا زينب؟!! أرجوكِ تجاوبي عليا!!"

زينب بحزن: "أنا سامحتك لأسباب، السبب الأول عشان رضا ربنا, أما السبب التاني سامحتك عشان أولادك محتاجينك، محتاجين الأب اللي بعد عنهم وما حسوش بحنانه؛ سامحتك عشان حسناء لما يتقدم لها عريس ما يفضلش يسألها والدك فين؟!"

تستكمل زينب كلماتها وقد اغرورقت عيناها بالدموع: "إنما لو عليا؛ عمري ما كنت سامحتك أبدا؛ بس أعمل إيه.؟! ما ينفعش أعصي ربنا ولا أغضبه, الجنة مش سهل نحصل عليها كده، لازم نتعب ونتجرح ويبقى في ابتلاءات ونصبر ونسامح ونعفو"..

تنهد تنهيدة متعبة؛ ثم قال بحزن: "أنا يا زينب لما مشيت واتجوزت غيرك؛ ما كانش العيب فيكِ أبدا؛ أنا ندمت وما زلت ندمان إني خسرتك؛ بس الشيطان ضحك عليا؛ وهي عرفت تمثل عليا كويس أوي؛ إنما حبك في قلبي ما زال؛ وعمري ما نسيتك؛ عارف إن الكلام ده مش هيقدم ولا يأخر دلوقتي؛ بس كان لازم تعرفي إنك فعلا نعمَ الزوجة؛ بس أنا اللي كنت زوج خاين وما قدرتش النعمة اللي في إيدي؛ بس الحمد لله؛ أهم شيء إني تبت توبة نصوحة؛ وكل همي دلوقتي إزاي أعوضك أنتِ وأولادنا عن كل السنين اللي فاتت دي!!"

قالت بجدية: "تعوض ولادك؛ إنما تعوضني أنا لاء؛ أنا مش محتاجة أي حاجة غير إني أشوف ولادي كويسين وفي حضن أبوهم"..

كان ممسكًا ببعض الأوراق فمد يده لها؛ ثم قال بابتسامة: "خدي الأوراق دي؛ فيها ودائع باسم زياد وحسناء؛ كل وديعة بمية ألف جنيه؛ أما وديعة علي؛ أنا عايز أشوف الفرحة في عينيه؛ أنا هديهاله بنفسي؛ وفي كمان في وسط الورق؛ عقد بيع وشرا باسمك بالشقة دي؛ ودي أقل حاجة أقدر أقدمهالك؛ بس أنا مش عايز زياد وحسناء يعرفوا حاجة بالوادئع اللي بأسمائهم؛ بصراحة عايزهم يرجعوا يحبوني زي الأول؛ خايف حد فيهم يحبني عشان بس الفلوس!!"

قالت بحدة: "أنا علمت ولادي على القناعة؛ وعمرهم ما يبيعوا مبادئهم عشان أي فلوس مهما حصل؛ وعلى العموم ما تقلقش مش هقول لحد حاجة؛ بس أنا مش محتاجة إن الشقة تبقى باسمي؛ أهم شيء عندي أكون وسط ولادي!!"

عبد الرحمن بإمتنان: "أنتِ تستاهلي أكتر من كده بكتير!"

وقفت وقالت: "شكراً؛ كتر خيرك؛ هاروح أتصل بزياد وأتكلم معاه؛ وربنا يقدم اللي فيه الخير ويرجعوا لحضنك عن قريب"..

عبد الرحمن بابتسامة: "اتفضلي".

******************

(خرج والد مريم (الحاج محمد) وألقى السلام على الجميع وأذن لهم بالدخول؛ مريم أخذت حسناء إلى غرفتها وهو اصطحب علي إلى غرفة الضيوف.)

والد مريم: "أهلاً وسهلا؛ اتفضل يا ابني"..

علي بإحراج: "ربنا يخليك يا حاج؛ البقاء لله"..

والد مريم: "ونعم بالله؛ أختك حسناء ربنا يكرمها كلنا بنحبها مع إننا ما شفنهاش غير مرة واحدة؛ بس اللي عملته مع بنتي صفية أثر فينا كلنا؛ ربنا يجازيها كل خير"..

علي بابتسامة: "وجزاك مثله وزيادة مضاعفة"..

والد مريم: "صحيح؛ شكرا يا ابني على مساعدتك لبنتي مريم في الشركة؛ لسة قيلالي حالاً إنها اتفاجئت بيك مع حسناء؛ كلامك مع أستاذ منصور حل المشكلة؛ كتر خيرك"..

علي بإحراج شديد: "الشكر لله يا حاج محمد؛ أنا ما عملتش إلا الواجب"..

ابتسم والد مريم وقال: "الظاهر إنك وأختك نفس خصال بعض؛ ومتربيين كويس؛ ومن أسرة طيبة"..

أحنى رأسه؛ ثم قال بحياء: "الله يحفظك"..

******************

(طرقت والدة صفية باب غرفة مريم؛ تقدمت واحتضنت حسناء قائلة بشوق: "إزيك يا بنتي عاملة إيه؟!"

-الحمد لله بخير يا خالة؛ حضرتك عاملة إيه؟!

-الحمد الله في السراء والضراء..

- الحمد الله..

مريم باستغراب: "كويس أوي؛ أنتِ بتقولي يا خالة اهو مش يا طنط!!"

هزت حسناء رأسها وقالت: "أيوة ماما علمتنا كلنا من صغرنا نقول يا خالة؛ لأن كلمة طنط دي كلمة أجنبية ومش من إسلامنا إننا نقولها؛ احنا بنتبع سنه سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.."

قالت مريم بفرح: "ما شاء الله؛ ربنا يزيدك علم ويحفظلك والدتك يا رب"..

حسناء بابتسامة: "ربنا يخليكِ"..

أشارت والدة صفية إلى مريم؛ وقالت: "روحي يا مريم اعملي شاي لوالدك وأخو حسناء؛ وهاتي لحسناء عصير"..

همت بالنهوض بكل نشاط؛ وهي بابتسامة: "حاضر يا أمي"..

حسناء بابتسامة: "مريم فيها شبه من صفية؛ أنا حبتها أوي ربنا يخليهالك"..

والدة صفية وقد ظهر على ملامحها الحزن: "يا رب يا بنتي ويخليكِ؛ ابقي خدي رقمها واتكلموا سوا؛ مريم ملهاش أصدقاء خالص وده مأثر فيها أوي بعد وفاة صفية؛ لأنها كانت مش أختها بس؛ لاء دي كانت أقرب أصدقائها"..

حسناء بابتسامة: "ده شيء يشرفني ويفرحني كمان"..

- الشرف لينا يا بنتي؛ وجزاكِ الله خيرا على موافقتك لتنفيذ وصية صفية اللي شوفتها في المنام!!

حسناء بابتسامة: "وجزاكِ مثله"..

نهضت والدة صفية وهي تقول: "عن إذنك؛ هاجيب الفستان عشان أوريهولك؛ يا رب يعجبك!"

هزت رأسها وقالت: "إن شاء الله؛ اتفضلي يا خالة"..

(ظلت عيناها تحوم في جميع أنحاء الغرفة يمينا ويسارا؛ إلى أن وقعت عيناها على ذلك المكتب الذي كان في الجهة المقابلة مرصوص عليه بعض الكتب؛ لفت انتباهها كشكول سلك كان يوضع أعلى الكتب؛ لا تعلم لماذا نهضت وذهبت إليه ومدت يدها وأمسكته وراحت تقلب صفحاته؛ هل هذا هو القدر؟!)

بدأت تقرأ بعض الكلمات التي دُونت في أول صفحة من الكشكول بصوت خافت:

<ساعات بيبقى نفسك تقول لحد وحشتني بس ما بتبقاش قادر تنطق؛ ساعات تانية بتقولها في سرك ونفسك يحسها!

وساعات مَا يبقاش هاين عليك تزعله بس جرحه اللي علم فيك مزعلك!

وساعات بيبقى نفسك تطمن عليه عشان قلبك يطمن ويرتاح؛ أصله مهما عمل فيك ما تقدرش تنسى حبه!!

وساعات بيبقى نفسك تسأله ليه عملت فيا كده؟! ده أنا مش محتاج لحد غيرك

وساعات بتبكي من وجعك في عز صمتك وتظهرله إنك كويس عشان تحسسه إنك مش محتاجه في عز ما أنت محتاج لـحضنه!!>

دخلت مريم الغرفة بهدوء وبصوت خافت؛ قالت في حزن: "ده كشكول صفية الله يرحمها؛ كانت بتكتب فيه بعض الخواطر والقصائد"..

التفتت إليها حسناء وقد اغرورقت عيناها بالدموع؛ كلمات صفية ذكرتها بـاحتياجها لوالدها: "كلام صفية جميل أوي!"

نظرت للكشكول ثم قالت: "وريني كده كنتِ بتقرأي إيه؟!"

أعطتها الكشكول وقالت: "هو ده اللي قرأته؛ وجميل أوي؛ بيمس القلب"..

مريم بابتسامة حزينة: "آآه الكلام ده كانت كتباه ليا! كنا من سنة كده اختلفنا على حاجة تافهة؛ وأنا دماغي كانت ناشفة؛ خاصمتها أسبوع"..

استكملت كلماتها بحزن وقد نزلت عبرة منها: "وفي يوم كنت نايمة؛ صحيت من النوم لقيت الكشكول جمبي على المخدة؛ ومفتوح على الصفحة دي؛ فضلت أبكي وجريت عليها حضنتها؛ واتصالحنا يومها"..

ربتت على كتفها: "عشان خاطري ما تبكيش؛ على فكرة أنا كمان باكتب خواطر وعندي صفحة على الفيس باسم حسناء المنياوي!!"

مسحت دموعها؛ ثم قالت باهتمام: "بجد.؟!! خلاص هابحث عنك وأَضيفك؛ سبحان الله!! فيكِ حاجات كتيرة مشتركة بينك وبين صفية!"

حسناء بابتسامة: "الله يرحمها، خلاص مُنتظرة طلب الصداقة, عشان كمان نتعرف على بعض أكتر، ويا ريت تعتبريني أختك وصديقتك"..

مريم بفرح: "ده نورك حبيبتي, ده يشرفني طبعا يا أجمل أخت في الدنيا"..

دخلت والدة صفية وهي ممسكة بشنطة كبيرة؛ وهي تقول لـمريم: "ساعديني يا بنتي نطلع الفستان لـحسناء عشان تشوفه..

(انحنت مريم وحاولت إخراج الفستان مع والدتها؛ أما حسناء كانت واقفة تتأملهم وابتسامة غامضة تعلو وجهها؛ بعد أن أخرجته مريم وأمسكته مع والدتها؛ ظلت حسناء تنظر إلى الفستان؛ فقد أصابها الذهول؛ فستان أبيض بهِ تطريز بسيط بعض الشيء له أكمام؛ أمسكت مريم بطرحة الفستان والنقاب ومدت يدها إلى حسناء لكي تعطيها إياه.)

أخيرا أفاقت حسناء من ذهولها وقالت: "يا الله.!! فستان أنيق ورقيق أوي ما شاء الله؛ بصراحة ما كُنتش مُتخيلة إنه هيبقى حلو كده!!!"

والدة صفية: "ربنا يرزقك يا بنتي الزوج الصالح عن قريب وتلبسيه؛ إيه رأيك في الطرحة والنقاب؟!!"

حسناء بابتسامة غامضة: "حلوين!!"

مريم بتكشيرة: "عارفة لو ما كانتش ماما شافت رؤيا من صفية إنها تديكي الفستان والنقاب؛ كنت أخدت النقاب؛ هيطلع من عيني!"

حسناء بإستغراب: "صحيح ليه صفية كانت منتقبة؟ وأنتِ مش منتقبة يا مريم؟!!"

ضغطت مريم على أسنانها بغيظ؛ ثم قالت: "الشركة اللي أنا فيها مانعة لبس النقاب نهائي؛ نفسي ومنى عيني ألبسه؛ بس حكم القوي بأه!"

تذكرت حسناء كلام علي؛ سألت: "أنتِ فعلاً في الشركة اللي بيشتغل فيها علي أخويا؟!"

مريم بابتسامة: "أيوة؛ وفوجئت بوجوده معاكي؛ سبحان الله صدفة غريبة"..

حسناء بدهشة: "سبحان الله.!!"

قطعت كلامهم والدة صفية قالت: "الفستان في الشنطة أهو يا بنتي؛ وحطتلك الطرحة والنقاب"..

تنهدت حسناء بقوة: "شكراً يا خالة؛ بس بما إن مريم ناوية تلبس النقاب؛ خلي النقاب لها"..

وضعت والدة صفية يدها على صدرها وتنهدت في هدوء؛ ثم قالت: "لا يا بنتي؛ الله يكرمك؛ خليني أرتاح؛ عايزة أنفذ وصية صفية بالحرف!"

نهضت حسناء وأمسكت بشنطة الفستان؛ ثم قالت: "حاضر ؛ أستأذن بأه عشان منتأخرش.!!"

مريم بعشم: "خليكي قاعدة شوية؛ أنتِ قعدتك جميلة أوي"..

حسناء بابتسامة: "مرة تانية بإذن الله"..

احتضنت والدة صفية حسناء؛ وهي تقول: "ابقي تعالي يا بنتي؛ وخدي بالك من نفسك"..

تذكرت حسناء شيئًا مهمًا جداً؛ التفتت لوالدة صفية؛ وقالت برجاء: "لو سمحتِ يا خالة؛ ممكن أطلب من حضرتك طلب؟!!"

قالت باهتمام: "اتفضلي اطلبي يا بنتي؛ خير؟!"

******************

____________________________________________

سبحان الله العظيم

الفصل الثاني والعشرون

قالت بإحراج: "ممكن أستعير كشكول صفية؟!! وأوعدك إني هرجعه تاني بعد أما أخلص قراءة فيه؟!"

صمتت قليلا؛ وأمسكت الكشكول ونظرت له بحنين؛ ثم قالت: "موافقة؛ بس بالله عليكِ يا بنتي تحافظي عليه؛ أنا لما باقرأ كلماتها بحس إنها بتكلمني وحاسة بيا"..

أومأت حسناء برأسها بالإيجاب؛ ثم قالت: "ما تقلقيش يا خالة؛ هاحافظ عليه وهارجعه لحضرتك في أقرب وقت"..

مريم بابتسامة: "يا ريت عشان نشوفك تاني؛ ما تتأخريش علينا يا حسناء"..

احتضنت مريم وقبلتها؛ ثم قالت بسعادة: "حاسة إني أعرفك من زمان أوي؛ أنتِ طيبة أوي يا مريم"..

ردت بخجل وتواضع: "جزاكِ الله خيرا, وأنتِ أطيب مني"..

******************

(أمسكت بهاتفها وظلت تبحث عن اسمه في دليل الهاتف؛ ثم ضغطت على زر الاتصال.)..حاولت أن تكون هادئة: "السلام عليكم؛ إزيك يا زياد.؟! عامل إيه؟!!"

ضغط زياد على أسنانه بغيظ: "الحمد لله كويس؛ إيه اللي بيحصل عندكم ده يا أمي؟!"

والدته بهدوء: "كل خير يا ابني؛ والدك طلع قاعد عند عمك ومريض؛ وما ينفعش حد غير أولاده يخدمه؛ ولا إيه؟"

قال بعصبية: "يعني بعد أما يسيبنا بصحته واحنا محتاجينه يرجع وهو مريض عشان نخدمه؟! ما ينفعش يا أمي؛ أنا رافض الوضع ده؛ يروح يقعد عند عمي تاني!!"

قالت بحدة: "ده موضوع ما فيهوش نقاش يا زياد؛ والدك هيفضل هنا؛ وانتم اللي هتخدموه؛ أنا ربيتكم على التسامح والعفو؛ إذا كنت أنت بأه عايز تغضب ربنا ساعتها مش هاقدر غير إني أدعيلك بالهداية والرجوع لطريق الله!!"

قال وعيناه تملؤها الدموع: "يا أمي أنتِ أكتر واحدة تعبتِ بعد ما سابنا؛ وكل واحد فينا طلع معقد بسبب النقطة دي؛ إزاي عايزة نتعامل معاه بكل بساطة كده.؟! صعب جدا!"

تنهدت بهدوء؛ ثم قالت: "عارفة إنه صعب؛ بس ليه ما تحاولش ترضي ربنا وتبقى بار بينا؟!"

استكملت  كلامها بتنهيدة حزينة: "يا زياد سامح واصفح عشان ربنا يوفقك في حياتك"..

زياد بحزن: "خلاص يا أمي؛ اللي يرضيكِ اعمليه؛ أنا ما أقدرش أزعلك؛ بس ما تطلبيش مني أكلمه لأني مش هاقدر"..

ظهر على ملامحها الحزن؛ ثم قالت: "كنت فاكرة إني عرفت أربيكم وأطلعك أنت وأختك بقلب نضيف؛ بس يا خسارة تعبي طول السنين دي".

قال بندم: "ما تقوليش كده يا أمي؛ أرجوكِ"..

قالت وقلبها يعتصر ألما: "عايزني أفرح لما أشوفك أنت وأختك بتعقوا والدكم؛ يا ابني عقوق الوالدين من الكبائر"..

زياد بضيق: "أعوذ بالله يا أمي؛ اللهم اغفر تقصيري"..

قالت بدهشة: "بتدعي ربنا وأنت بتعصيه؟! طيب ما أنت بإيدك ترضي ربنا عشان يغفرلك تقصيرك؛ اتعلم من أخوك علي؛ يااااه على طيبة قلبه وصفاء قلبه؛ نفسي تكون زيه أنت وأختك"..

تنهد بقوة: "أوعدك يا أمي إني أتغير؛ وصدقيني قريب أوي هرضيكي وأفرحك؛ بس أرجوكِ يا أمي ما تبطليش تدعيلي"..

قالت بهدوء: "ربنا يهديك يا ابني أنت وحسناء؛ ويحنن قلوبكم"..

زياد بصوت حزين: "اللهم آمين يا رب العالمين؛ هاستأذنك يا أمي؛ هاقفل عشان الحق أنام؛ عندي شغل الصبح"..

-تصبح على خير..

زياد بابتسامة: "وحضرتك من أهل الجنة يا غالية"..

والدته: "في حفظ الله يا ابني، السلام عليكم"..

- يا رب, وعليكم السلام..

******************

"علي شكله إنسان محترم أوي يا أم صفية وملتزم كده ما شاء الله؛ وأكيد حسناء أخته كده بردو بغض النظر عن لبسها".

نظرت له والدة صفية بابتسامة: "فعلا حسناء طيبة أوي؛ بس ربنا يهديها وهي واحدة واحدة هتتغير؛ وفاة صفية أثر فينا كلنا وأكيد أثر فيها هي كمان!!"

دق قلب مريم فرحا؛ ونظرت لوالدها ثم قالت بابتسامة: "أنا حبيت حسناء جدا؛ وأسلوبها جميل؛ دي طلعت بتكتب خواطر وقصايد زي صفية بالضبط؛ وعندها صفحة على الفيس كمان!"

والدها بدهشة: "ما شاء الله"..

نظرت مريم لوالدتها بتعجب وقالت: "بس غريبة يا ماما إنك وافقتِ إنها تستعير الكشكول؟!"

التفتت إليها والدتها؛ وقالت: "حسيت إن خواطر صفية هتفيدها كتير؛ وبكده صفية تكسب ثواب بعد وفاتها كمان؛ وتكون كلماتها صدقة جارية لكل اللي يقرأها"

مريم بدهشة: "أنا كده فهمت؛ ده أنا كنت مستغربة جداً لأنك مش بتبطلي قراءة في الكشكول كل شوية!!"

والد صفية نظر لزوجته بابتسامة: "جزاكِ الله خيرا؛ ربنا يبارك فيكِ"..

والدة صفية بابتسامة حزينة: "وجزاكَ مثله؛ كان نفسي مريم هي اللي تلبس فستان زفاف صفية؛ بس أعمل إيه؟ صفية قالتلي أعطيه لحسناء..

اغرورقت عين مريم بالدموع: "ما تزعليش يا ماما؛ بكرة أجيب فستان؛ بس لما ربنا يرزقني الزوج الصالح الأول"..

تنهدت بهدوء وقالت: "نفسي أفرح بيكي والله يا بنتي؛ ربنا يرزقك الزوج الصالح يا رب"..

والد صفية: "آمين يا رب"..

والدة صفية: "يلا يا مريم قومي نامي عشان تصحي بدري ومتتأخريش على شغلك"..

نهضت ثم قبلت يد والدها ووالدتها وهي تقول بابتسامة: "حاضر؛ يلا تصبحوا على خير"..

والديها في نفس واحد: "وأنتِ من أهله يا بنتي"..

(دخلت مريم غرفتها وهي في قمة سعادتها؛ هذه أول مرة تشعر بالسعادة بعد وفاة أختها صفية؛ ذهبت إلى سريرها واستعدت للنوم؛ وظلت تدعو كثيرا أن يرزقها الله بعلي زوجا لها..)

(بعد أن خرجا من بيت صفية؛ استقلا المترو.)

علي بابتسامة: "سمسمة؛ ممكن أتكلم معاكي شوية.؟!"

حسناء بمكر: "عارفة؛ البنت زي القمر ومؤدبة"..

علي بدهشة: "بنت مين؟!"

غمزت له وهي تقول: "مريم أخت صفية؛ وزميلتك في الشغل! لحقت تنسى؟!"

علي باستغراب: "مالها؟ وإيه جاب سيرتها أصلا؟!"

رفعت حاجبها وقالت بدهشة: "ده أنت في الطراوة؛ أومال موضوع إيه اللي عايز تكلمني فيه؟!"

ضحك وقال: "آآآه؛ هو أنتِ افتكرتيني هاكلمك عن مريم؟!"

أومأت برأسها بالإيجاب: "أيوه!"

علي بابتسامة: "مع إني ما كنتش هاجيب سيرتها؛ بس بصراحة البنت وأهلها ملتزمين جدا ومحترمين"..

حسناء بفرح: "جدا ما شاء الله عليهم؛ ما هو أنا أقصد ليه ما تخطبش مريم.؟! أنت شايف أخلاقها واحترامها أهو؛ وكمان أنت عايز بنت يكون عندها النية في لبس النقاب؛ هي منى عينها تلبسه؛ بس بتقول إنه ممنوع في الشركة؛ ده اللي مانعها!"

علي بحزن: "بصراحة البنت كويسة جدا؛ بس للأسف ما ينفعش؛ هي حاصلة على كلية وأنا ثانوية عامة؛ ومكملتش الكلية؛ ما أنفعش؛ هابقى أقل منها وأكيد هترفضني"..

حسناء بحيرة: "لا ما أعتقدتش؛ هما بيبصوا للزوج الصالح ومش مهم عندهم الشهادة"..

- "لا ما ينفعش؛ هيبقى في فرق تعليم وما احبش أكون أقل من زوجتي"..

تنهدت بشدة؛ ثم قالت بحنين: "عارف يا علي.؟! أنا باحبك أوي, أنت تعبت كتييير أوي عشاني أنا وزياد؛ أنا بجد نفسي أردلك الجميل وأحس إني قدرت أفرحك وأسعدك ولو بحاجة بسيطة!"

علي بابتسامة: "يااااااه؛ أنتِ فعلا فرحتيني بكلامك الجميل ده؛ وأنا كمان باحبك جداً"..

ابتسمت وقالت: "طيب إيه رأيك أنا أخدت رقم مريم أتكلم معاها لو وافقت يبقى على خيرة الله تروح تتقدم لها؛ لو مش وافقت يبقى خلاص كل شيء قسمة ونصيب.؟!"

صمت علي قليلا؛ ثم قال بتردد: "بصراحة البنت خسارة؛ خلاص على خيرة الله؛ بس لما نروح ناخد رأي الوالدين؛ واستني أصلي استخارة وأرد عليكِ؛ وبعدين توكلي على الله وكلميها!!"

حسناء بدهشة وغضب: "طيب ناخد رأي ماما وماشي؛ إنما ناخد رأيه هو ليه بأه؟!"

نظر لها؛ ثم قال بجدية: "تعالي هنا صحيح؛ أنتِ مش من شوية بتقولي نفسي أسعدك وأفرحك؟!"

أومأت حسناء برأسها إيجابا: "أيوة طبعا!!"

علي بعطف: "بالله عليكِ يا حسناء سامحي أبوكِ؛ لو بجد بتحبيني وعايزة تسعديني"..

حسناء بحزن: "أقولك سر يا علي؛ بس اوعدني ما تقولش لحد.؟!"

علي بجدية: "طبعا وعد.."

حسناء بحنين: "أنا أول لما شفته صعب عليا أوي؛ وحسيت إنه واحشني أوي؛ وافتكرت في لحظة قفص العصافير لما جابهولي لما فضلت أعيط وشبطت فيه..!"

علي بابتسامة: "ياااااه؛ أنتِ لسة فاكرة العصافير.؟!"

حسناء وقد اغرورقت عيناها بالدموع: "وعمري ما نسيت أي حاجة هو جبهالي؛ بس معرفش ليه قلت له الكلام ده واتعصبت ساعتها كده..؟"

قال بتفاؤل: "بس كلامك ده بيقول إنك ممكن تسامحيه؛ حاولي يا سمسمة وفرحيني زي ما قولتي!!"

تنهدت حسناء بحزن وتذكرت كلمات صفية التي قرأتها بالكشكول وهي تقول: "هاحاول؛ عشان بس أرضي ربنا"

تذكر علي شيئا؛ ثم نظر لحسناء وقال: "صحيح إيه حكاية الأحلام اللي بقيتي تشوفيها كتير دي؟!"

حسناء بخوف وقلق: "بصراحة مش عارفة؛ بس حاسة إنها رسايل من ربنا"..

قال بجدية: "مش عارف؛ بس بصراحة أنا فكرت آخدك ونروح لدكتور يشوفك!"

رفعت حاجبها ثم قالت بتعجب: "دكتور.؟!! مرة واحدة.؟!"

علي بقلق: "عشان بس نطمن عليكِ"..

حسناء بابتسامة: "مفيش داعي، ما تقلقش؛ أنا بدأت أفهم كل رؤيا باشوفها كويس"..

علي: "ربنا يهدي الأمور ويبعد عنك القلق ده"..

غمزت له قائلة: "متقلقش يا عريس"..

ابتسم بدهشة وقال: "خلاص خلتيني عريس.؟!"

حسناء بجدية: "وأجمل عريس في الدنيا؛ هو حد يطول يا ابني عريس زيك.؟!"

علي بقلق: "تفتكري ممكن توافق؟"

حسناء بابتسامة: "عندي إحساس إنها بتتمنى كده هي كمان.!!"

علي والحيرة تظهر على ملامحه: "بس فرق التعليم ده هيبقى عامل مشكلة بينا لو حصل نصيب واتجوزنا صح.؟! ولا إيه رأيك؟"

حسناء بطمأنينة: "لا طبعا مفيش مشكلة ولا حاجة؛ أهم شيء الحب والتفاهم؛ ومريم مع إني ما شفتهاش غير مرة واحدة بس حاسة إنها عاقلة جدا؛ أحب أطمنك ما تقلقش خالص"..

اطمئن قلبه قليلا ثم قال: "ربنا يقدم اللي فيه الخير؛ لما أروح هصلي استخارة بردو ونمشي في الموضوع؛ وربنا يسهل الأمور"..

وفجأة خطرت ببال حسناء فكرة؛ فنظرت إلى علي وقالت: "بقولك إيه يا علي؟"

******************

              الفصل الثالث والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>