رواية المنتقبة الحسناء الفصل التاسع عشر والعشرون بقلم شيماء عفيفي


 الله اكبر
رواية المنتقبة الحسناء 
بقلم شيماء عفيفي

التاسع عشر والعشرون

الفصل التاسع عشر

     (مرتدية إسدالها تمشي في شارع قريب لبيتها كان يسكنه الهدوء؛ مظلم؛ مخيف؛ لا يوجد به أحد قط؛ ينبعث ضوء خافت من السماء يُنير الطريق بعض الشيء؛ خطت خطوة تلو الأخرى جاءها إحساس بالوحدة والخوف معا؛ التفتت ونظرت  بعينيها الحائرة يميناً ويسارا؛ ضربات قلبها تتسارع دقة تلو الأخرى؛ استكملت السير في طريقها ناحية المسجد؛ ظلت تقترب وتقترب كادت أخيراً أن تصل؛ اطمئن قلبها قليلا؛ أوقفها شيء بالشارع المقابل للمسجد؛ اتسعت عيناها من هول ما رأت؛ تسمرت مكانها؛ التقطت أنفاسها بصعوبة؛ ارتعش جسدها؛ هذا الشيء أصبح قريبًا منها؛ تقدم نحوها بسرعة فائقة كأنه يطير إليها؛ وقف أمامها فجأةً؛ أخذ يسحبها شيئًا فشيئًا وهي مسلوبة الإرادة؛ أصابها الشلل؛ لن تستطيع المقاومة؛ تلجم لسانها؛ تريد أن تصرخ تستغيث بأحد لكن دون جدوى؛ استمر يسحبها ويسحبها إلى أن وصل نصف جسدها داخل هذا (النعش).!! نعم نعش يسحبها بداخله؛ أصبح نصفها داخله والنصف الآخر بالخارج؛ عاجزة عن الحركة تماما؛ فزعت من هول المنظر؛ هل حانت لحظة انتهاء حياتها؛ أم ماذا؟! هل ستموت الآن؟!

كل هذه التساؤلات تدور بعقلها وهي بداخله؟!) وقتئذ أفاقت من نومها على شهقات كأن روحها تخرج منها؛ بكت وصرخت وتساقطت دموعها على خديها بغزارة؛ تتضارب دقات قلبها وتصرخ ثم تصمت قليلاً حتى تلتقط أنفاسها بصعوبة؛ هرولت إليها والدتها بقلق؛ ودخل علي ووالدها إليها سريعاً؛ والجميع قد أفزعهم صوتها..

احتضنتها والدتها؛ ثم قالت بقلق: "ما تخافيش يا حبيبتي؛ ده أكيد كابوس!"

تتنهد بصعوبة وتتساقط دموعها وتردد: "الحمد لله كنت مستورة بالإسدال؛ يا رب استرني؛ يا رب استرني"..

والدتها بتعجب: "مش فاهمة يا بنتي!!"

حسناء بخوف: "كنت بموت يا ماما؛ خلاص كنت بموت!

ربتت على كتفها: "ربنا يحفظك يا بنتي؛ طيب اهدي وبعدين نتكلم"..

بدأت تتلو عليها بعض آيات من القرآن الكريم؛ وعلي ووالده عند باب الغرفة؛ اقترب علي من والده وقال بصوت خافت حتى لا يزعج حسناء: "مش عارف بقت بتشوف أحلام مفزعة كتيرة الأيام دي؛ وتصحى خايفة وتعيط!! أنا قلقان عليها أوي!!"

والده بقلق: "ربنا يستر يا ابني؛ يمكن قبل ما تنام كانت بتبكي ولا حاجة؛ قامت شافت كابوس.!!"

نظر علي بحيرة: "مش عارف؛ بس كل اللي أعرفه إن حسناء لازم تروح عند دكتور تتعالج؛ يمكن عندها حالة نفسية مأثرة عليها واحنا مش واخدين بالنا؛ وبعدين من بعد ما شافت البنت اللي توفيت في المسجد قدامها وهي مش طبيعية خالص!!"

أومأ والده برأسه بالإيجاب ثم قال: "أيوة فعلا؛ أسعد حكالي الموضوع؛ فعلا أكيد الموضوع مأثر عليها؛ يا ريت فعلا تروح للدكتور وأهو نطمن عليها بردو!!!"

أشارت زينب لابنها علي ووالده أن يخرجا ويغلقا باب الغرفة حتى لا تنزعج حسناء من صوتهما بعد أن اطمأنت قليلا وهدأت.. 

نظر علي إلى ساعته: "باقي حوالي ربع ساعة على أذان الفجر؛ هروح أتوضا وأنزل أصلي في المسجد؛ وأرجع ألبس وأروح شغلي بأه؛ بقالي كام يوم واخد أجازة.!!"

والده بابتسامة: "ربنا يوفقك يا ابني ويصلح حالك؛ وأنا كمان عايز أتوضا؛ ممكن تساعدني؟!"

أشار بإصبع السبابة إلى عينيه: "طبعا يا والدي؛ من عنيا الاتنين.!!"

-ربنا يسعدك يا ابني ويجازيك عني كل خير..

يستكمل كلامه بحزن: "كان نفسي أنزل أصلي معاك في المسجد؛ يلا الحمد لله على كل حال"..

علي بدهشة: "وليه لاء يا والدي؟! يلا تعالى نتوضا وتنزل معايا تصلي في المسجد"..

عقد والده حاجبيه باستغراب: "إزاي يا ابني؟!"

ابتسم واستعرض عضلاته: "شايف العضلات دي.؟! هشيلك عليها متقلقش خالص"..

ضحك وهو يقول في دهشة: "بتتكلم جد يا ابني؟!!"

علي بجدية: "طبعا؛ جد الجد كمان!!"

(انتهوا من الوضوء؛ وحمل علي والده وأنزله وأجلسه على كرسيه المتحرك؛ وأخذه وذهب للمسجد؛ كان الأمر صعبًا جداً بالنسبة لعلي بأن يحمل والده ولكنه استعان بالله ثم قال هذا الدعاء: "اللهم إني أبرأ من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك فإنه لا حول ولاقوه لي إلا بك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

كاد والده يطير من الفرح؛ حلمه تحقق؛ كان يتمنى كثيراً بعد أن أصابه المرض أن يصلي جماعة في المسجد.)

بعد انتهائهم من الصلاة قال والده بفرح: "ربنا يجازيك خير يا ابني؛ المسجد كان واحشني أوي"..

- خلاص كل يوم هاخدك تصلي الفجر؛ وسامحني بقية الصلوات لأني هاكون في شغلي؛ على عيني والله!

والده بابتسامة: "كفاية أوي الحمد لله؛ بس كده هاتعبك أوي!"

ربت على كتف والده: "ما فيش تعب خالص؛ الله المستعان؛ حتى عضلاتي تجمد شوية بدل ما أسعد ماسكني تريقة على طول"..

والده بابتسامة: "طب يلا نرجع بأه عشان متتأخرش على شغلك"..

نهض علي وقال: "حاضر؛ توكلنا على الله"..

******************

(ذهب علي إلى شغله؛ فهو محبوب من كل العاملين حتى مديره (أستاذ منصور) يعتبره ابنًا من أبنائه لحبه الشديد له.)

عامل البوفيه (عم بدوي): "أستاذ علي.؟! والله وحشتنا أوي؛ الشركة نورت بوجودك"..

علي بابتسامة: "الله يسلمك يا عم بدوي؛ عامل إيه يا راجل يا طيب؟"

عم بدوي: "الحمد الله يا ابني؛ على فكرة؛ منصور بيه سأل عليك من شوية.!!"

علي: "ماشي؛ هاروح أشوفه دلوقتي؛ وربنا يستر بأه"..

عم بدوي: "ما تقلقش يا ابني؛ ده منصور بيه بيعزك وبيحبك أوي"..

علي: "عارف؛ وأنا كمان بحبه أوي"..

******************

(فرحت مريم كثيرا عندما علمت برجوع علي إلى عمله؛ حمدت الله كثيرا في نفسها؛ لكن عاودها القلق كثيرا كلما تذكرت غيابه هذه الأيام؛ يراودها هاجس أن سبب غيابه خطبته على بنت غيرها.)

******************

(اتجه علي إلى مكتب أستاذ منصور وطرق الباب)

أستاذ منصور: "اتفضل"..

علي بابتسامة: "السلام عليكم؛ إزيك يا أستاذ منصور.؟!"

وقف ومد يده إلى علي ليسلم عليه: "إيه يا علي.؟! خير.؟! قلقت عليك جداً؛ في حاجة ولا إيه؟!"

علي بابتسامة: "يعني حصلت شوية ظروف كده؛ والوالد كان مريض شوية"..

منصور وقد ظهر على ملامحه الزعل: "ألف لا بأس عليه؛ وهو عامل إيه دلوقتي؟!"

- الحمد الله؛ اتحسن كتير عن الأول..

- الحمد الله؛ ربنا يتم شفاه على خير؛ لو احتجت أي حاجة بلغني على طول..

علي بامتنان: "شكرا؛ وجزاك الله خيرا!"

-يلا على شغلك بأه؛ ده أنت مُنتظرك شوية شغل.؟!!

عقد حاجبيه وقال: "الله المستعان؛ عن إذنك.؟!"

- اتفضل..

ظل علي طيلة اليوم يعمل ويشرف على العمال ويراجع الأوراق ويستلم  طلبيات؛ حتى انتهى موعد العمل واستعد كل العمال للرحيل؛ أما علي فانتظر حتى ينتهي من مراجعة الطلبيات التي تراكمت عليه؛ استمر لمدة نصف ساعة ثم انتهى وقرر الذهاب؛ كان الجو رطبًا جدا والسماء تمطر بغزارة كالسيول؛ وقف عند بوابة الشركة.. قال وهو يرتعش: "الحمد الله إني لبست الجاكت النهاردة؛ هو الجو تلج كده ليه؟! أنا هوقف تاكسي بأه وأمري لله؛ الميزانية أينعم خربانة؛ بس هاعمل إيه؟! الجو تلج؛ وكمان بتمطر؛ شكلي هاخد المطرة كلها على دماغي!"

وفجأة نظر بعينه لليسار؛ لفتت انتباهه فتاة واقفة ترتدي عباءة سوداء وعلى رأسها خمار والشتاء يتساقط عليها بغزارة؛ فكانت ممسكة ببعض الأوراق بيدها وبُعثرت بأكملها على الأرض من شدة الهواء والشتاء؛ اتجه إليها مسرعاً وهو غاضٌّ لبصره؛ أما الفتاة فقد تراجعت قليلا؛ وانحنى ليلتقط الأوراق من على الأرض التي لوثتها مياه الشتاء الممزوجة بالطين..

ثم قام وذهب إليها وعيناه تنظران بالأرض؛ ثم قال: "اتفضلي الورق؛ أنا آسف جدا؛ هو اتبهدل من الطين؛ هو ورق مهم؟!"

ظهر على ملامح مريم القلق الشديد؛ وتمتمت بصوت منخفض تحدث نفسها: "شكل أستاذ منصور هيرفدني"..

لفت انتباه علي اسم أستاذ منصور؛ ثم قال باستغراب: "هو حضرتك معانا في شركة السلام اللي مديرها أستاذ منصور؟!"

قالت وهي تأخذ الورق منه: "أيوة؛ على العموم شكرا لحضرتك؛ عن إذنك"..

علي بإحراج شديد: "أنا آسف جدا؛ اسمحيلي بس أوقف لحضرتك تاكسي؛ هاطلع على أول الشارع أوقف تاكسي"..

بعد أن أحضر لها التاكسي وركبت وذهب التاكسي بها؛ عاد إلى أول الشارع وأوقف تاكسي له وركب؛ وظل طيلة الطريق يفكر في هذه الفتاة وكيف ستحل مشكلة هذه الأوراق..

قال محدثا نفسه: "بسم الله ما شاء الله؛ بنت محترمة أوي حتى طريقة لبسها وكلامها توحي بكده؛ بس صعبت عليا أوي؛ يا ترى هتعمل إيه في الورق اللي اتبهدل ده؟!! ربنا معاها ويهدي أستاذ منصور".. 

وأخيرا وصل علي البيت؛ ووجد أسعد وسعيد والد مها جالسين مع والده وألقى التحية عليهم..

علي بابتسامة: "عم سعيد.؟! إزيك عامل إيه؟!"

سعيد: "الحمد الله؛ بخير يا ابني"..

ضحك أسعد وقال: "أنت أخدت الشتواية على دماغك؛ ولا إيه يا عليوة؟"

نظر لأسعد باشمئزاز وقال: "طول عمرك بتفهمها وهي طايرة؛ جبت الذكاء ده كله منين يا خفة.؟!!"

ضحك الجميع ونظر والده إلى والد مها وقال: "هما كده؛ ناقر ونقير بس دمهم زي العسل"..

أسعد بابتسامة: "ربنا يخليك يا عمي؛ ده بس من ذوقك"..

وظل الجميع يتسامرون ويضحكون..

******************

مها بقلق: "مالك يا سمسمتي بس.؟! حاسة بإيه يا حبيبتي؟"

حسناء بحزن: "مش عارفة يا مها؛ بس مخنوقة أوي وحاسة إني مش راضية عن نفسي خالص!"

- يا حبيبتي أنتِ اللي عاملة في نفسك كده؛ عارفة لو أخدتي كل شيء ببساطة؛ هترتاحي صدقيني!

تنهدت بقوة وقالت: "مش بمزاجي؛ أنا حاسة إن كل حاجة بقت ملخبطة؛ حتى مش عارفة أذاكر والامتحانات خلاص على الأبواب"..

ربتت مها على كتفها: "لا؛ أنا عايزاكي تهدي كده وتركزي وتسبيها على الله وتذاكري؛ عايزين نطلع بتقدير كويس السنة دي!"

زفرت بقلق: "بإذن الله"..

قالت متسائلة:"قوليلي؛ هو أسعد بيجي عندكم على طول؟

نظرت حسناء لها بدهشة: "أيوة؛ ليه بتسألي؟!"

تبسمت مها ثم قالت: "خلاص؛ ما فيش؛ مجرد سؤال!"

رفعت حاجبها وقالت باستغراب: "لا بجد؛ بتسألي ليه؟!"

غمزت لحسناء ثم قالت: "بصراحة بصراحة يعني.؟! حاسة إنه بيحبك!!"

ضحكت حسناء بسخرية: "أنتِ دماغك راحت لبعيد أوي".

مها بجدية: "أنا بتكلم جد؛ طب يا ريت؛ ده شاب ملتزم وجدع وكل مواقفه اللي بتحكيهالي أنتِ وزياد بتأكد كده!"

حسناء بدهشة: "أسعد مين ده اللي يبقى جوزي؟! وكمان ابن عمي ومن دم الراجل اللي بره ده.؟! لالالالالالالالاء؛ انسي؛ ده لو آخر واحد في الدنيا...."

عقدت مها حاجبيها وقالت: "إيه الهبل اللي بتقوليه ده يا بنتي.؟! طب أنا أهو وأنتِ أهو لو أسعد ده ما طلعش بيحبك!"

صمتت حسناء قليلا؛ ثم قالت في حيرة: "حتى لو كلامك صح؛ أنا بأه مش بحبه..!"

مها بتعجب: "أنتِ تطولي شاب زيه أصلا.؟! فكري كده في الموضوع ده يمكن تكوني بتحبيه وأنتِ مش واخدة بالك أصلاً"..

صمتت قليلا؛ ثم قالت ببطء وبحنين لأيام الطفولة: "أنا ما أنكرش زمان وأنا صغيرة كنت معجبة بيه؛ وأوقات كنت باغير عليه؛ بس أنا كنت في أولى إعدادي يا بنتي؛ كان هبل يعني"..

ضحكت مها بصوت عالٍ وهي تقول: "شوفتي.؟! عشان تعرفي إن كلامي صح؛ طب وهو أيامها كان بيكلمك إزاي.؟؟ أكيد كنتِ بتحسي بردو إذا كان بيحبك ولا لأ.!!"

قالت بابتسامة حنين: "أنتِ فكرتيني بأيام جميلة أوي؛ أنا أوقات كتيرة كنت بحس باهتمامه بيا"..

غمزت لحسناء: "حلو أوي؛ يا رب يرزقك بأسعد عن قريب يا حسناء؛ ويجي يطلب إيدك"..

حسناء بغضب: "قولتلك ده كان زمان؛ قبل مشكلة أبويا؛ لكن دلوقتي خلاص؛ لو آخر واحد في الدنيا؛ ده من دمه يا بنتي وبكرة يعمل زيه ويخون مراته بردو"..

مها: "لا طبعا و....."

(يقطع كلامهما رنين هاتف حسناء..)

نظرت حسناء وقالت باستغراب:"ده رقم غريب يا ترى مين؟

مها: "طيب ردي حبيبتي شوفي مين.!!"

ردت على الهاتف وقد سمعت صوت امرأة:

-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أيوة مين معايا؟!

المتصلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, حسناء معايا؟

حسناء باستغراب شديد: "أنا حسناء؛ مين حضرتك؟"

******************

____________________________________

سبحان الله وبحمده

الفصل العشرون

    المتصلة: "أنا يا بنتي والدة صفية الله يرحمها ويدخلها فسيح جناته"..

نهضت من سريرها وقالت بلهفة: "إزيك يا خالة.؟! حضرتك عاملة إيه؟"

-الحمد الله يا بنتي؛ أنا عارفة إنك مستغربة من اتصالي؛ وإزاي وصلت لرقمك؛ بس كان في رسالة كنت عايزة أوصلهالك؛ وسألت أصدقاء صفية في الكلية عليكِ؛ وبنت منهم ربنا يكرمها كان معاها رقمك أخدته منها!

حسناء وقد ظهر على ملامحها القلق: "لا عادي؛ حضرتك تتصلي في أي وقت"..

والدة صفية بابتسامة: "ربنا يكرمك يا بنتي ويسعدك؛ أنا عايزة أحكيلك يا بنتي على رؤيا شوفتها من كام يوم!"

حسناء بقلق واهتمام: "اتفضلي احكي؛ خير يا رب.؟!"

والدة صفية بابتسامة: "خير بإذن الله؛ بصي يا بنتي؛ صفية بقالها كام يوم بتجيلي في المنام وهي ماسكة فستان زفافها والنقاب الأبيض وطرحته وبتمد إيدها وتقولي ردي الجميل لحسناء يا أمي..!"

اغرورقت عينا حسناء بالدموع؛ ثم قالت بدهشة: "جميل إيه.؟!"

- سترك لبنتي؛ وخوفك إن حد من الرجال يكشف وجهها؛ ربنا يسترك دنيا وآخرة..

حسناء بحيرة: "مش عارفه أقول لحضرتك إيه؟! أنا مستغربة ومش فاهمة تفسير الحلم ده إيه؟!"

- بصي يا بنتي؛ تفسير الرؤيا واضحة؛ هي إن صفية عايزاني أعطيكِ فستان زفافها ونقابها؛ عايزة تسترك زي ما سترتيها وغطيتها بإسدالك؛ أرجوكِ يا بنتي ساعديني أنفذ طلب صفية حتى لو مش هترتديهم احتفظي بيهم على الأقل؛ ويبقى عندك حاجة تفكرك بصفية على طول؛ ولا أنتِ عايزة ما تفتكرهاش.؟!!

حسناء بحزن: "أنا مش قادرة أنسى وشها وهي مبتسمة؛ ولا أقدر أنساها مع إني ما أعرفهاش ولا عمري شفتها غير لحظة وفاتها؛ بس حاسة إني أعرفها من زمان أوي؛ والله وفاة صفية مأثرة فيا جداً"..

- طيب يا بنتي؛ طالما كده وافقي بالله عليكِ؛ ها قولتي إيه؟

حسناء بابتسامة: موافقة؛ حضرتك قوليلي العنوان وأنا هاجيب أخويا علي معايا يوصلني للمكان؛ بس بكرة بإذن الله لأن الوقت دلوقتي اتأخر..

والدة صفية بابتسامة: جزاكِ الله خيرا يا بنتي؛ ماشي هاتي ورقة وقلم واكتبي العنوان..

- حاضر؛ ثواني..

انتهت حسناء من كتابة العنوان وأغلقت الهاتف وهي شاردة الذهن؛ ظلت تكلمها مها ولم تلتفت لها؛ وبعد برهة من الوقت شد انتباهها كلام مها..!

أحست بأنها تائهة؛ وشعرت بصداع خفيف؛ ثم أمسكت رأسها وهي تقول: "ها؟! بتقولي إيه يا مها؟!"

مها بقلق: "إيه يا بنتي مالك رحتِ فين؛ بقالي ساعة باكلمك.؟!!"

حسناء بتنهيدة متعبة:  "أنا دايخة أوي ودماغي بتلف"..

تستكمل كلماتها وتتساقط من عينيها الدموع: "أنا تعبانة يا مها أوي؛ وأعصابي ما بقتش مستحملة؛ حاسة إن ربنا بيبعتلي رسايل كتيرة ورا بعض؛ منهم وفاة صفية وأحلامي اللي باشوفها تقريبا كل يوم وحلم والدة صفية؛ أنا ما بقتش فاهمة حاجة.؟!"

عقدت مها حاجبيها وربتت على كتفها: "اهدي يا حبيبتي بس واحكيلي أحلام إيه اللي بتحلميها دي؟! وإيه الحلم اللي حلمته والدة صفية؟!!"

(بدأت حسناء تحكي ما رأت في منامها وتحكي رؤيا والدة صفية.)

أمسكت مها برأسها: "أنا دماغي لفت!!"

حسناء بحيرة: "أومال أنا أعمل إيه بأه؟!"

مها بجدية: "بصي يا حسناء؛ اللي أقدر أقوله إن كل اللي بيحصلك ده رسايل من ربنا؛ عايزك ترجعي له وتتوبي عن أي معصية بتعمليها؛ ممكن لأنك عاقة بوالدك؛ وممكن عشان طريقة لبسك؛ بس اللي مش قادرة أفهمه ليه الفستان الأبيض والنقاب.؟! تفتكري دي رسالة من ربنا عشان تلبسي النقاب؟!!"

حسناء بدهشة: "نقاب.؟! وألبسه كمان.؟! أنتِ بتقولي إيه؟!! لا يا بنتي ما أعتقدش؛ ألبس إيه أنتِ كمان.؟! وبعدين ذنوب ومعصية إيه.؟! مها؛ بلاش شغل المصلحة الاجتماعية دلوقتي؛ مش نقصاكي هي يعني!!"

ابتسمت مها وقالت: "خلاص ما تزعليش؛ ادعي بس ربنا كتير يخرجك من حلق الضيق إلى أوسع الطريق"..

رفعت يدها داعية: "يا رب؛ اللهم ألهمني رشدي؛ وأعوذ بك من شر نفسي"..

نهضت مها وهي تقول: "آمين يا رب"..

حسناء: "أنتِ قايمة ليه؟! يا بنتي اقعدي شوية؛ أنتِ وحشاني أوي ملحقتش أقعد معاكي"..

مها: "وأنتِ كمان حبيبتي؛ بس الوقت اتأخر والجو كمان وحش أوي؛ أخاف تمطر علينا واحنا ماشيين"..

احتضنتها حسناء:  "ماشي حبيبتي؛ توصلي بالسلامة"..

******************

نهض والد مها: "هاستأذن أنا بأه يا أستاذ عبد الرحمن؛ وفرصة سعيدة بجد إني اتعرفت على حضرتك؛ وألف سلامة عليك"..

والد علي بابتسامة:  "أنا أسعد؛ وشرفتني معرفتك"..

قطع كلامهم أسعد: "نعم يا عمي.؟! بتنادي عليا.؟!"

عمه بابتسامة: "ما اتحرمش منك"..

ضحك الجميع ثم استكمل عمه كلامه: "بس مستعجل ليه كده.؟! اقعد شوية"..

سعيد: "معلش عشان الجو بس؛ ويمكن تمطر تاني"..

- ماشي؛ في رعاية الله..

أسعد: "عايز حاجة يا عمي.؟!"

عمه: أنت هتمشي أنت كمان.؟! ما تقعد شوية..

أومأ أسعد برأسه إيجابا؛ ثم قال: "أيوه إن شاء الله؛ هوصل عم سعيد وأستاذة مها وهروح على طول بإذن الله"..

سعيد بامتنان: "ربنا يكرمك يا ابني؛ ما تتعبش نفسك؛ احنا هنركب المترو وخلاص"..

أسعد: "لا يا عمي؛ ما ينفعش؛ وبعدين أنا كده كده كنت نازل"..

علي: "يا جماعة ما تقعدوا شوية"..

أسعد بسخرية: "يا عم روح نام؛ أنت عينك عمالة تغمض أصلا!!"

تثاءب علي: "آآه فعلا؛ صاحي من الفجر يا ابني"..

أسعد: "ربنا يعينك ويقويك؛ يلا مش عايزين أي حاجة؟!!"

عبد الرحمن: تسلم يا ابني؛ وتوصلوا بالسلامة؛ لما توصل يا أسعد البيت طمني عليك..

أسعد: "بإذن الله يا عمي؛ حاضر هاطمنك أول لما أوصل"..

سعيد بابتسامة: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"..

******************

(في صبيحة اليوم التالي مع إشراقة أمل وميلاد شمس يوم جديد، نزل علي وهو حامل والده ليصلي معه الفجر كما وعده كل يوم أن يأخذه؛ وبعد رجوعه ارتدى ملابسه وذهب لعمله؛ وهو في طريقه لعمله كان يفكر في تلك الفتاة كيف يساعدها في حل مشكلتها مع مديرهم (أستاذ منصور)..)

علي بابتسامة ونشاط: "السلام عليكم؛ صباحك سكر يا عم بدوي"..

-وعليكم السلام يا ابني؛ صباحك هنا وسعادة..

علي بابتسامة: "قولي؛ أستاذ منصور وصل ولا لسة؟!"

بدوي بابتسامة: "أيوة يا ابني؛ لسة واصل من شوية"..

علي بحماس: "كويس أوي"..

(طرق علي باب مكتب أستاذ منصور)

منصور: "اتفضل"

علي بابتسامة: "السلام عليكم"..

منصور: "وعليكم السلام؛ صباح الخير يا علي"..

علي: "صباح الخيرات؛ كنت عايز أتكلم معاك في موضوع كده؛ وعارف إن حضرتك مش هتكسفني إن شاء الله"..

منصور بابتسامة: "من غير ما تكمل؛ عايز كام؟!!"

علي بتعجب: "لا؛ حضرتك فهمت غلط!"

منصور باستغراب: "أومال إيه؟!! خير.؟!"

علي بابتسامة: "خير بإذن الله؛ في بنت بتشتغل هنا كنت حضرتك طلبت منها امبارح تخلص شوية أوراق"..

منصور يرفع حاجبه: "اسمها إيه طيب؟!"

علي بحيرة: "مش عارف بصراحة؛ بس هي بتلبس عباية وخمار!"

منصور: "آآه دي آنسة مريم؛ مالها؟!"

بدأ علي يحكي ما حصل لأستاذ منصور؛ ثم قال منصور بغضب: "وهي إيه اللي يخليها تاخد معاها الورق في البيت.؟! ماخلصتوش هنا ليه؟!"

علي بهدوء: "الوقت كان اتأخر والجو كان وحش جداً وما ينفعش إنها تفضل في الشركة لوحدها؛ أنا بس طالب من حضرتك إنك تسامحها"..

قال باستسلام: "حاضر عشان خاطرك أنت بس يا علي؛ اتفضل يلا على شغلك"..

علي بفرح: "ماشي؛ عن إذنك"..

اتصل منصور بالإدارة: "آنسة مريم وصلت ولا لسة؟!!"

الإدارة: "وصلت يا فندم.".

منصور: "تجيلي حالا!"

الإدارة: "حاضر يا فندم"..

(ذهبت مريم وهي مرتبكة وقلبها يخفق بشدة من الخوف؛ طرقت باب المكتب.)

منصور: اتفضل.

مريم بارتباك: "السلام عليكم"..

منصور بمكر: "وعليكم السلام؛ خلصتي الورق اللي طلبته منك امبارح ولا لسة؟"

ارتبكت وتلجم لسانها عن الكلام: "بس؛ أصل؛ يعني؛ اللي حصل إن و.....

منصور بجدية: "ولا أصل ولا فصل؛ خلاص أنا عرفت اللي حصل امبارح؛ ومعلش حصل خير الحمد لله؛ المهم أنا هديكي أسبوع تكتبي الورق اللي اتبهدل على الوورد وتطبعيه؛ أظن أسبوع كافي تخلصي فيه الورق؛ ولا إيه؟!!"

مريم بفرح شديد: "أنا متشكرة لحضرتك جدا؛ وفي أقل من أسبوع بإذن الله هاكون خلصت الورق"..

منصور بابتسامة: "تمام؛ يلا اتفضلي على شغلك"..

(خرجت مريم وهي في قمة سعادتها؛ محدثة نفسها: أكيد علي هو اللي استسمحه؛ يااااه يا علي؛ أنت طلعت جدع أوي.)

بعد انتهاء العمل وعندما وصل علي إلى البيت؛ قالت له حسناء بملل: "اتأخرت كده ليه؟"

علي بدهشة:"ليه.؟! خير.؟! ولابسة ورايحة على فين كده؟!

حسناء: "رايحة مشوار مهم؛ ولازم تيجي معايا عشان ماعرفش العنوان"..

علي باستغراب: "مشوار إيه ده؟"

حسناء:  "يلا بس وهاحكيلك في الطريق..

قال والدهم باهتمام: "خدوا بالكم من نفسكم يا ولاد"..

علي بابتسامة: "حاضر يا والدي؛ ربنا يستر"..

نظرت له حسناء نظرة بغض وحقد؛ ثم التفتت لعلي وقالت بضيق: "يلا بأه"..

(في الطريق روت حسناء لعلي مكالمة والدة صفية؛ وأعطته العنوان؛ وبعد أن وصلوا طرقا الباب؛ وعندما فُتح الباب رأى علي ما لم يتوقعه أبدا!!)

******************


          الفصل الحادى والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>