رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل السادس والثلاثون36 والسابع والثلاثون37 بقلم مريم غريب

رواية عزلا امام سطوة ماله

الفصل السادس والثلاثون والسابع والثلاثون

بقلم مريم غريب


( 36 )


_ وعد ! _


صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" باكرا ، و أثناء ما كانت ترتدي ثيابها راحت تعيد ترتيب أحداث خطتها الخرقاء


بالطبع خرقاء و يجب أن تتوقع أي رد فعل عنيف قد يصدر عنه ، و لكن ما أقلقها بحق و جعل أصابع يدها ترتجف و هي تغلق أزرار كنزتها .. تلك الطفلة المسكينة


ألقت "سمر" نظرة علي أختها النائمة بالمهد الصغير ، أزعجتها فكرة أنها ستتخذها كدرع حماية ، و لم تكن واثقة من نجاح الخطة


و لكن ما كانت واثقة منه تماما أنه حتي إذا بلغ قمة غضبه فإن هذا الغضب كله سيقع عليها وحدها لا علي هذه الصغيرة ، بالتأكيد لن يفعل لها شيئا


و تأمل كثيرا لو تنجح هذه الخطة ، رغم أنها تعلم أن لا يمكن الهروب منه كثيرا ، و لكن لتفلت منه هذه المرة و ستفكر في عذر أقوي للمرة القادمة ..


إنتهت "سمر" من تحضير نفسها ، ثم إيقظت "ملك" من نومها بلطف و أخذت تبدل لها ملابسها و تعطرها و تمشط لها شعرها البندقي الجميل


عند ذلك كان النعاس قد طار تماما من أعين الصغيرة ، لتأخذها "سمر" و تذهب لشقة الجارة "زينب" ..


دقت بابها ... لحظات و فتحت لها "زينب" و علي وجهها إبتسامتها المشرقة ..


زينب بود :


-صباح الخير يا قمرات . إيه نازلين بدري ليه ؟ .. ثم قالت بإستغراب :


-و بعدين إنهاردة الجمعة . مافيش شغل إنهاردة !


سمر بإبتسامة متوترة :


-ملك مش هتقعد معاكي يا ماما زينب . أنا هاخدها معايا إنهاردة.


زينب بشك :


-هتاخديها معاكي فين ؟


حمحمت "سمر" بتوتر أشد ، و لكنها أخبرتها بالأخير ..


-إنتي بتقولي إيه ؟ .. صاحت "زينب" بغضب ، و تابعت :


-إنت أتجننتي ؟ هتروحيله برجليكي تاني ؟ و وعدك ليا ؟ هتسلميله تاني ؟؟؟


سمر بهمس و هي تتلفت حولها بقلق :


-بالله عليكي يا ماما زينب وطي صوتك . وعدي ليكي زي ما هو . و الله ما هسيبه يلمسني تاني صدقيني مش هيحصل لو علي رقبتي.


زينب بإستنكار :


-أومال رايحاله برجلك دلوقتي ليه ؟ و هتقابليه لوحدك ليه ؟؟؟


سمر بنبرة مقنعة :


-أنا هروح أقابله فعلا بس و ملك معايا . أنا نايمتها طول الليل إمبارح عشان تفضل صايحة طول النهار و هي معانا . هتحجج بيها و مش هيعرف يعمل معايا حاجة . ماتقلقيش يا ماما زينب و الله العظيم ما هخليه يقربلي.


زينب و قد تهدلت تقاسيم وجهها بإستسلام :


-خدي بالك من نفسك يا سمر . إوعي تضعفي يابنتي أو يغلبك الشيطان ده.


سمر بثقة :


-ماتقلقيش .. أنا وعدتك !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في قصر آل"بحيري" ... يضبط "يحيى البحيري" ربطة عنقه أمام المرآة ، لتأتي زوجته من خلفه و تسند خدها علي كتفه و هي تطلق تنهيدة حارة


فريال بلهجة قانطة :


-هتسافر تاني يا يحيى ؟


يحيى بصوت خافت لونته المرارة :


-أيوه يا فريال . لازم أسافر . هحاول أنقذ ما يمكن إنقاذه من الصفقة إللي حطيت فيها حصيلة سنة كاملة من الشغل !


تقلص وجهها بألم ، فهمست :


-عشان خاطري ما تتأخرش . أنا ببقي وحيدة منغيرك . مابحسش بطعم الحياة إلا بوجودك جمبي.


إستدار "يحيى" ليواجهها


أمسك بكتفيها و حدق في عيناها مباشرةً ..


يحيى بصوته الدافئ :


-و أنا كمان يا حبيبتي مابقدرش أعيش ثانية منغيرك . لكن مضطر . إدعيلي إنتي بس سفري ده يجي بفايدة و لو كل حاجة تمت زي ما أنا عايز هرجع بعد يومين إن شاء الله.


فريال و هي تنظر إليه بلوعة :


-ربنا يحفظك ليا و ترجعلي بالسلامة . دول الأهم بالنسبة لي.


إبتسم "يحيى" بحب ، ثم ضمها إلي صدره بلطف ، و تمتم بأذنها :


-بحبك . خليكي فاكرة إني جمبك دايما .. و بحبك دايما !


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


في غرفة "صالح" ... الصمت و الوجوم يخيمان عليه و هو يجلس مهموما علي فراشه الواسع


تلج "صفية" إليه حاملة كأس اللبن الدافئ بين يديها ..


جلست علي طرف السرير بجانبه ، و قربت الكأس من فمه و هي تقول بإبتسامة رقيقة :


-صلَّوحي ! يلا يا حبيبي إشرب اللبن و هو سخن.


يشيح "صالح" بوجهه قائلا بإنزعاج :


-من فضلك إبعديه عني يا صفية مش عايز.


صفية بضيق :


-بعد ما عملتهولك بإيدي تقولي مش عايز ؟ .. لكنها لاحظت تعابيره البائسة فجأة ، فسألته بجدية :


-مالك يا صالح ؟؟


صالح بكدر :


-ماليش يا صافي.


صفية و هي ترمقه بنظرة ثاقبة :


-إنت كداب يا صالح . قولي في إيه ؟ إيه إللي مضايقك ؟!


و ظلت لعدة دقائق تقنعه بالكلام ... ليقول أخيرا :


-دايما كل الظروف بتبقي ضدي يا صفية !


صفية بعدم فهم :


-مش فاهمة ! تقصد إيه يا صالح ؟!


صالح بكآبة :


-كل ما أحل عقدة . كل ما أفتكر إن مشاكلي إتحلت بطلع غلطان في الأخر .. مشاكلي بتزيد و بتتعقد أكتر.


أجفلت "صفية" و قالت بدهشة :


-ليه بتقول كده يا حبيبي ؟ إنت ماعندكش أي مشكلة . وضعك بيتحسن و الدكتور قال قريب أوي هترجع تقف علي رجليك من تاني . صحتك ممتازة و قطعت شوط هايل النتيجة إللي وصلنالها ماكنتش متوقعة . إنت إنسان قوي يا صالح و عندك إرادة . مافيش حاجة واقفة في طريقك دلوقتي !


نظر لها و قال بسخرية :


-لأ في . أبويا .. أبويا إتخانق إمبارح مع أبوكي . و شكل الخناقة كانت بجد و غير أي خناقة عادية عدت بينهم . أبويا يا صفية عقدلي الدنيا أكتر ما هي متعقدة.


صفية بصوت كالأنين و هي تلتقط خصلة أمامية من شعره :


-يا حبيبي إنت بتقول كده ليه بس ؟ مافيش عقد يا صالح . و بابا و أنكل رفعت دايما بيتخانقوا و بيرجعوا زي ما كانوا.


-بس المرة دي غير . صوتهم كان عالي و أنا سمعت كلامهم .. أنا حاسس إن المشكلة دي هتقف في طريقنا يا صفية . حاسس إن عمي هيبعدك عني بسبب خلافه مع أبويا.


وضعت "صفية" إصبعها علي فمه و قالت :


-هشششش . ماتقولش كده تاني . إنت مش واثق فيا يعني ؟ أنا مستحيل أبعد عنك أنا بحبك يا صالح و عمري ما هسيبك أو أسمح لحد يبعدني عنك . فاهم ؟ مش عايزاك تقلق نفسك بحاجات زي دي . ركز في علاجك و بس . و إحنا لبعض في الأخر . محدش هيقدر يفرقنا أبدا .. أوعدك.


رمقها "صالح" بنظرات آملة ، بينما إبتسمت و هي تعيد الكأس إلي فمه :


-يلا بقي إشرب اللبن !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


كان "عثمان" جالسا في سيارته المركونة علي جانب الطريق ... يراقب المارة أمامه بنظرات فاترة من خلال نظارته الشمسية القاتمة


زفر بقوة و قد أزعجه طول إنتظاره ، لكنه تلقي مكالمة في هذه اللحظة ..


أخرج هاتفهه من جيب داخلي في سترته البيضاء .. ألقي نظرة سريعة علي الرقم ، ثم أجاب :


-بابا ! .. كانت نبرته لطيفة ودية


يحيى بصوت أجش :


-إنت فين يا عثمان ؟


-أنا في مشوار كده . ليه في حاجة ؟!


يحيى بنبرة متماسكة غامضة :


-لأ مافيش .. بس بقالي مدة ماشوفتكش !


-آسف بس إنت عارف الشغل و شركتي لسا في بدايتها . هاشوفك بالليل إن شاء الله.


-أنا مسافر دلوقتي.


عثمان بدهشة :


-مسافر ! مسافر فين ؟؟


-طالع علي لندن.


-الله ! إنت مش كنت لسا هناك ؟!


-هاروح تاني . لسا في شغل متعلق .. ثم قال بنبرة جدية :


-المهم أنا عايز أطلب منك طلب.


عثمان بإهتمام :


-طلب إيه يا بابا ؟!


-طول فترة غيابي . عايزك تمسك الشركة و تديرها بنفسك . خلي بالك يا عثمان عينك تبقي في وسط راسك . مش عايزك تغفل عن أي حاجة.


أجفل "عثمان" بشئ من القلق ، و تساءل :


-طيب في حاجة يعني ؟ في مشكلة حصلت ؟؟


-مافيش حاجة . أعمل بس إللي بقولك عليه.


-حاضر !


-حاجة كمان ... أمك . خلي بالك من أمك . إوعي تسمح لأي حاجة في الدنيا تضايقها.


عثمان و قد ساوره القلق بشدة الآن :


-بابا في إيه ؟ بجد في إيه ؟؟؟


-يابني قولتلك مافيش حاجة . بوصيك زي كل مرة . مش كل مرة بسافر بسمعك الكلمتين دول ؟


-أيوه بس المرة دي حاسس إنك مخبي عليا حاجة !


يحيى بنفس النبرة الغامضة :


-مافيش حاجة . بأكد عليك بس.


عثمان بعدم إقتناع :


-أوك . عموما ماتقلقش . أنا هتولي كل حاجة لحد ما ترجع.


-تمام . سلام بقي دلوقتي عشان طالع عالمطار.


-سلام يا بابا . خد بالك من نفسك !


و أغلق الخط و ما زالت الحيرة و الشك تلعبان بملامح وجهه و تشغلان عقله ..


يلمح "سمر" أخيرا و هي تتقدم صوب سيارته ، طار كل ما كان يشغله في هذه اللحظة و خاصة عندما شاهد تلك المخلوقة الصغيرة التي يعرفها جيدا متكورة في صدر أختها مطوقة عنقها بذراعيها القصيرين ..


نظر لها بذهول شديد و ظلت عيناه عليها حتي وصلت عنده


إتخذت "سمر" مكانها بجانبه ... إبتسمت و هي تقول متظاهرة بعدم ملاحظة ردة فعله غير المصدقة :


-صباح الخير !


-إيه إللي إنتي جايباها معاكي دي ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و هو ينقل نظراته بينها و بين "ملك"


سمر ببساطة :


-دي ملك . لوكا أختي إنت مش فاكرها و لا إيه ؟!


عثمان بحدة :


-جبتيها معاكي ليه ؟ إنتي بتهرجي !


سمر ببراءة :


-إيه إللي حصل بس ؟ أنا لسا راجعة بيها من عند الدكتور و مافيش حد في البيت ياخد باله منها . كنت هسيبها فين ؟!


زفر "عثمان" غاضبا و قال :


-و إحنا هناخد راحتنا مع بعض إزاي و هي معانا سيادتك ؟؟ 


سمر بإبتسامة و هي تمسد علي شعر "ملك" الحريري :


-أنا هانيمها . أكلها معايا أول ما تشبع هتنام.


عثمان و هو يلوي ثغره بنفاذ صبر :


-أما نشوف !


و شغل محرك السيارة ، ثم إنطلق ..


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في ڤيلا "رشاد الحداد" ... تتمدد "چيچي" في حوض الإستحمام البيضوي و المتتلئ بالماء الممزوج بالصابون ذا الرغاوي و الفقاقيع البيضاء


تتنفس بعمق لعدة مرات .. تزيد درجة إسترخائها ... ترهف السمع إلي تلك الموسيقي الهادىة المنبعثة من سقف قاعة حمامها المستقل


يدق هاتفهها في هذه اللحظة ، فتمد يدها المبتلة لتأخذه من خلفها ..


-ألوو ! .. ردت "چيچي" بنبرة متكاسلة


المتصل :


-چيچي هانم . في مفاجأة مش هتصدقيها !


چيچي بفتور :


-بليز منغير مقدمات إنجز و هات إللي عندك بسرعة.


المتصل :


-البنت إللي حضرتك وصفتيها دلوقتي حالا ركبت عربية عثمان البحيري.


چيچي و قد خفق قلبها من الإثارة :


-البنت المحجبة !


المتصل :


-هي يا هانم.


چيچي بإبتسامة شريرة :


-Very Good . خليك وراهم . و عايزة شغل نضيف و واضح.


المتصل :


-أنا تحت أمر حضرتك . هحاول علي أد ما أقدر بس مش واثق أوي إني هعرف أعمل المطلوب بالظبط.


چيچي بصرامة :


-تجيبلي شغل نضيف هاديك حقك أضعاف إللي إتفقنا عليه  . أنا عايزة حاجة واضحة عايزاها تبقي فضيحة الناس ماتنسهاش أبدا !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في إحدي الشقق الفخمة ... المطلة علي ساحل الأسكندرية


تقف "سمر" بالمطبخ المصمم علي الطراز الإيطالي و الذي إتخذ شكل حرف الـ U .. مطلي بلون سماوي رائع تألق مع لمسات الإستيل الأنيقة ..


تناولت "سمر" أحد الصحون المربعة ، و شرعت في تحضير وجبة الطعام لأختها


لقد تركتها بالخارج مع "عثمان" ... ظلت تدعو و هي ترتجف بتوتر ألا تخذلها "ملك" و تغفو بحق ، لابد أنه يحاول ذلك الآن ..


-إن شاء الله مافيش حاجة هتحصل ! .. تمتمت "سمر" لنفسها بنبرة مهزوزة ، ثم أخذت الطعام و توجهت به إلي قاعة الصالون الخارجية


في طريقها إلي الخارج إستطاعت أن تسمع صوت ضحكات "ملك" الرنانة ، و إستطاعت أيضا سماع صوت "عثمان" المتذمر ..


ظهرت "سمر" عند طرف القاعة ، لتراه جالسا علي الأريكة الصغيرة ، واضعا "ملك" فوق قدميه و وجهها مقابلا لوجهه


كانت تبتسم بشدة و قد ظهرت غمازتاها الجميلتين ، فيما بدا "عثمان" نافذ الصبر أمام مرحها بصورة كبيرة ..


-يابنتي خلاص بقي أبوس إيدك سيبي دقني ! .. قالها "عثمان" بضيق شديد


بينما كركرت "ملك" ضاحكة و هي لا تزال مستمرة في شد لحيته بقبضتاها الصغيرتين


تأفف بنفاذ صبر و هو يحاول إبعاد وجهه عن متناول يدها ، لكنها لم تتركه و أظهرت سلوكا شرسا حين قفزت عليه و قضمت خده بأسنانها اللبنية المربعة و هي تزمجر بعفوية ..


لمح "عثمان" شقيقتها و هي تقف و تراقب هذا ، فصاح بإنزعاج :


-إنتي ياستي . تعالي خدي القطة المتوحشة دي . دي إستحالة تكون طفلة ماكملتش سنة !


ضحكت "سمر" رغما عنها و مضت إليهما ..


-معلش أصلها بتسنن بقالها فترة و بتحب تعض علي أي حاجة .. قالتها "سمر" و هي تمد ذراعيها لتأخذها منه


ناولها "عثمان" إياها فورا رغم أن الصغيرة إستاءت ، فقد كانت مستمتعة برفقته ..


عثمان عابسا بضيق :


-قدامها أد إيه دي لحد ما تنام ؟


سمر و هي تهز كتفاها بخفة :


-أنا هأكلها و هحاول أنيمها !


عثمان بإستنكار :


-نـــعــــم ! هتحاولي ؟؟؟


سمر بهدوء :


-أه هحاول . ما أنا أكيد مش هعرف أنيمها غصب عنها.


عثمان بإنفعال :


-إنتي بتهزري ؟ إنتي قاصدة تعملي كده علي فكره بتعاندي معايا. يعني ماتكونيش فاكراني عبيط و مش فاهمك بس لازم تعرفي إن مش أختك إللي هتحوشني عنك.


إرتجفت "ملك" علي صوت صياحه ، و تغلغلت عميقا في أحضان أختها و خبأت وجهها في شعرها و هي تنشج و تئن بحرارة ..


أجفل "عثمان" بتوتر مفاجئ عندما سمعها تبكي ، بينما توهجت نظرات "سمر" المصوبة إلي عينيه و هي تقول بغضب :


-إنت ماتعليش صوتك ده تاني و البنت موجودة . هي عملتلك إيه ؟ دي طفلة صغيرة . و بعدين إنت إللي لازم تعرف إن لولا أختي دي ماكنتش هتشم ريحتي أصلا . أنا لو كنت قبلت أي حاجة عرضتها عليا فأنا قبلت عشانها هي فمش هسمحلك أبدا بأي تجاوز معاها . فاهم ؟


و ظلت نظراتها المستعرة تلتهمه للحظات قبل أن تتركه و تمضي نحو إحدي الغرف ..


وقف "عثمان" يحدق في إثرها الفارغ مشدوها ، فهذه أول مرة تتجرأ عليه هكذا ، أول مرة ... يري الكره .. الغضب الحقيقي في عيناها !!!!!




( 37 )


_ صراع ! _


تذرع "سمر" الغرفة جيئة و ذهابا بـ"ملك" ... فما زالت الصغيرة تبكي بحرارة ، و ما زالت هي تبذل محاولاتها لتجعلها تكف عن البكاء


راحت تغني لها بصوت عذب و تهدهدها بين ذراعيها ، و بالفعل نجح الأمر و هدأت "ملك" تدريجيا إلا من بعض الشهقات و الإرتجفات البسيطة


-بقت كويسة ؟ .. سمعت "سمر" صوته أتيا من خلفها ، لتغمض عيناها في حنق ثم تلتفت إليه ..


سمر بحدة :


-نعم ! عاوز إيه ؟؟؟


عثمان عابسا بشئ من التوتر :


-أنا ماكنش قصدي أزعق في أختك . هي في الأول و في الأخر طفلة و أنا مش حيوان أوي كده عشان ماتفرقش معايا مشاعرها .. ثم مد ذراعيه صوبها مكملا :


-ممكن !


كانت دعوة لا ترفض ، خاصة بعد ما أظهره من سلوك إنساني مهذب و لأول مرة


لوت "سمر" شفتاها ممتعضة ، لكنها ناولته شقيقتها في الأخير ..


توتر جسد "ملك" في بادئ الأمر و إتسعت عيناها الخضرواتان و هي تنظر إلي "عثمان" بخوف و ترقب ، لكنه طمئنها بإبتسامة خفيفة حلوة و ضمها إلي صدره بلطف


تكورت "ملك" بحضنه و دست رأسها في صدره دلالة علي خجلها و حبها في آن ..


عقدت "سمر" حاجبيها بإنزعاج من هذا ، فمدت يديها و إستعادت الصغيرة منه و هي تقول بجفاء :


-ملك حساسة أوي و لسا مانسيتش إللي حصل برا . عشان كده لازم أخدها و أمشي دلوقتي.


و هنا إنقلب مزاج "عثمان" فجأة ، إلا أنه تماسك و رد بأقصي ما إستطاع من هدوء :


-إحنا لسا جايين . و بتقوليلي تمشي ! ده كلام يعني ؟ خليكي شوية إحنا لسا ماقعدناش مع بعض لوحدنا.


سمر بعناد :


-أختي أهم من أي حاجة.


عثمان بنفس الهدوء :


-طيب أنا ماقولتش حاجة و بعدين هي هديت دلوقتي و ممكن تنام بسهولة.


في هذه اللحظة دق هاتف "سمر" ... أخرجته من جيب معطفها ... ألقت نظرة علي إسم المتصل ... و ردت :


-فادي ! .. إيه يا حبيبي صحيت ؟ .. أنا ماحبتش أقلقك .. أيوه عارفة إن إنهاردة أجازة بس ملك كانت محتاجة تروح للدكتور .. إحنا خلصنا كشف خلاص .. لأ هي زي الفل ... ماشي . إحنا جايين بسرعة أهو .. سلام يا حبيبي.


أنهت مكالمتها ، ثم نظرت إليه قائلة بأسف مصطنع :


-فادي بيستعجلنا . للآسف لازم أمشي دلوقتي !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في ڤيلا "رشاد الحداد" ... يدخل هذا الشاب ليقابل "چيچي" بالحديقة الخلفية


كانت تجلس علي الأرجوحة تتصفح إحدي مجلات الموضة عندما آتي ، إنتبهت لحضوره و تركت المجلة من يدها ..


چيچي بصوتها الفاتر :


-هآا ! .. طمني عملت إيه ؟


الشاب و هو يمد لها يده بمظروف كاكي اللون :


-أنا عملت كل إللي قدرت عليه . بس للآسف مقدرتش أوصل لجوا الشقة و مش هقدر يا چيچي هانم . إللي إسمه عثمان البحيري ده حاويط أوي و دايما جاهز لأي حاجة !


تنهدت "چيچي" بغيظ و هي تشد المظروف منه بعنف ...


فتحته و أخذت تطالع الصور التي كانت فيه ، لم يسترعي "عثمان" علي إهتمامها بقدر ما فعلت "سمر" ..


راحت تمرر أمام عينيها الصورة تلو الأخر فإستغرقت بلا وعي في تأمل تلك الفتاة ، منافستها ... أغضبها أن تضع نفسها محل مقارنة بجانبها


فهذه أجمل منها لو قورنت بها فعلا ، لابد أن زوجها السابق يستمتع كثيرا هذه الأيام ، و لكنها في الواقع ستجعله يستمتع أكثر ..


-يعني مش هتقدر تجبلي أكتر من كده ؟ .. قالتها "چيچي" بتساؤل و هي تلقي بالصور فوق طاولة صغيرة أمامها


الشاب بأسف :


-خارج النطاق ده ! مش هقدر يا هانم أعذريني.


زفرت "چيچي" بضيق ، ثم قالت :


-طيب فين الـNegative بتاعت الصور دي ؟


أخرج الشاب فيلم التصوير من جيبه و ناولها إياه متمتما :


-إتفضلي يا هانم !


چيچي و هي تقلب الفيلم بين أصابعها :


-أوك . دلوقتي تقدر تروح و المبلغ إللي إتفاقنا عليه هيتحول في حسابك بعد ساعتين بالظبط.


الشاب بإبتسامة :


-شكرا يا هانم . و حضرتك لو إحتاجتيني مرة تانية أنا تحت أمرك في أي وقت.


جلست "چيچي" بعد رحيل جاسوسها تفكر ، كيف تستغل هذه الصور ؟؟؟


توصلت لحل وحيد و قد بدا لها الأكثر فعالية أيضا ، و لكن متي تنفذه ؟ ..


-لأ يا چيچي .. تمتمت "چيچي" لنفسها ، و أكملت بخباثة :


-مش دلوقتي . لازم تستفيدي من دروس الـProfessor بتاعك . عثمان البحيري .. في أقرب مناسبة هفجرلك القنبلة الفظيعة دي يا حبيبي !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


عندما وصلت "سمر" إلي البيت ... توجهت فورا إلي شقة الجارة "زينب"


تتهلل أسارير "زينب" عند رؤيتها ، لتصيح بعدم تصديق :


-ســــــمـــــــر ! حمدلله علي السلامة يابنتي . جيتي بدري مش مصدقة !!


سمر بإبتسامة عريضة :


-الخطة مشيت أحسن ما رسمتها يا ماما زينب . مقدرش عليا المرة دي.


زينب بسرور :


-الحمدلله . جدعة عقبال مانخلص منه علي خير . طيب خشي واقفة كده ليه ؟!


-هطلع بقي عشان فادي صحي و بيزن كل خمس دقايق في التليفون .. و أكملت و هي تربت علي ظهر "ملك" النائمة علي ذراعها :


-و كمان عشان أنيم الأبلة دي في سريرها أحسن تبرد . بتنام كتير أوي البت دي بس الحمدلله إنها نامت لما نزلنا و مانامتش و إحنا معاه.


-الحمدلله يابنتي . ماشي إطلعي و لما تصحي حبيبة قلبي دي إبقي نزليهالي عشان وحشاني.


سمر بإبتسامة :


-حاضر يا ماما زينب.


و صعدت إلي شقتها ... لتجد "فادي" كعادته جالسا أمام التلفاز يتابع إحدي المبارايات المـُعادة ..


-مساء الخير يا فادي ! .. قالتها "سمر" بنيرة خفيفة و هي تمشي بحرص حتي لا توقظ "ملك"


فادي بشئ من الإنزعاج :


-إتأخرتي كده ليه يا سمر ؟ ده أنا في إجازة يعني و المفروض إرتاح اليومين دول قبل ما أنزل الشغل تاني.


سمر و قد تلاشت إبتسامتها :


-إيه إللي حصل بس يا فادي ؟


فادي بضيق :


-جعان ياستي.


-يا حبيبي . طيب ما دبرتش حالك ليه لحد ما أوصل ؟


-التلاجة فاضية.


سمر بخجل :


-أه معلش نسيت . طيب خلاص أنا هحط ملك في سريرها و هانزل أجيب فطار و شوية حاجات كده.


فادي و هو يقوم من مكانه بتكاسل :


-لأ خليكي إنتي . أنا معايا فلوس أخدت دفعة أولي من المرتب . قوليلي إنتي بس إحنا محتاجين إيه و أنا هجيب كل حاجة.


-ماشي يا حبيبي.


و توجهت نحو غرفتها ، إلا أنها تعثرت و هي تمشي و قد أصابها دوار مفاجئ .. كادت تسقط ، لكنها أمسكت بظهر الكرسي بسرعة كي لا تسقط "ملك" بسببها ..


-ســـمــــــر  ! .. صاح "فادي" بذعر و إنطلق صوب أخته كالسهم


قام بإسنادها و هو يقول بقلق ممزوج بالخوف :


-سمر . مالك ؟ إنتي كويسة ؟؟؟


شعرت "سمر" بوخزة حادة أسفل معدتها و بغثيان يهدد تماسكها ..


لكنها ردت رغم ذلك :


-أنا كويسة يا فادي ! .. كان صوتها ثقيلا ، بطيئا و إنتابها الإستغراب و القلق من هذا .. تساءلت ماذا يحدث معها ؟؟؟


فادي بنفس نبرة الخوف :


-إيه إللي حصلك فجأة ؟ ده إنتي كنتي هتقعي من طولك !


في هذه المرة خرج صوتها أوضح قليلا :


-ماتقلقش يا فادي أنا كويسة.


-أجيب دكتور ؟


سمر بإسراع :


-لأ . مالوش لزوم . أنا هبقي كويسة لما تجيب الفطار و ناكل سوا هبقي كويسة.


فادي بحنق :


-و هو إنتي نزلتي منغير ما تاكلي ؟ ينفع كده يا سمر ؟!


سمر بلطف :


-معلش . ربنا سترها أهو و أنا مافياش حاجة .. ثم قالت و هي تضع "ملك" بين يديه :


-أمسك ملك عشان ماتقعش مني . حطها في سريرها و أنا هفضل قاعدة هنا لحد ما تنزل و تيجي.


فادي و هو يشملها بنظرة فاحصة :


-ماشي . و خلي الموبايل جمبك لو حسيتي بأي حاجة كلميني.


سمر بإبتسامة متكلفة :


-حاضر يا فادي.


و بعد ذهاب "فادي" ... بقت "سمر" وحدها تراقب مدي تطور حالتها متمنية ألا يكون الشئ البديهي الأول الذي فكرت فيه ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في سيارة "عثمان البحيري" ... يقود بإتجاه القصر


زاد من السرعة متجاوزا عدة إشارات ، لم يتوقف أبدا و كانت عيناه المتقدتان تحدقان إلي الأمام ..


و لكنه في الواقع لم يكن ينظر إلي الطريق بكل هذا التركيز ، بل كان ينظر إلي وجهها الذي يلوح أمام ناظريه أبيا تركه لحاله


و فجأة يدخل "عثمان" في صراع نفسه ..


نفسه :


-إهدا شوية علي نفسك مالك عصبي كده ليه ؟


عثمان :


-لا عصبي و لا حاجة أنا تمام.


نفسه :


-لا يا راجل ! ده إنت من ساعة ما نزلت من الشقة و إنت قايد نار . معقولة واحدة تعمل فيك كده.


عثمان بغضب :


-لا عاشت و لا كانت . لسا ماتخلقتش و بعدين دي تحت جزمتي لو عوزتها في أي وقت هلاقيها.


نفسه :


-إنت لحد دلوقتي معاملتك ليها غير أي معاملة لواحدة قبلها . و في كل مرة معاها بتحس إنها أول مرة . مش قادر تستغني عنها يا عثمان .. إنت بتحبها !


عثمان بغضب أشد و قد خرج صوته صادحا بعد أن كان مجرد همهمة داخل عقله :


-لأ . مـابحبـهآاش . مش ممكن أنا أحب واحدة زي دي.


نفسه :


-و مالها دي ؟ إنت عارف كويس أوي إنها أحسن من كل إللي عرفتهم في حياتك . إنت إللي أذيتها إنت إللي إستغليت ضعفها إنت إللي خليتها كده . إنت السبب.


عثمان :


-أنا ماجبرتهاش . هي إللي بمزاجها جت لحد عندي.


نفسه :


-بعد ما ساومتها علي حياة أختها الطفلة الصغيرة !


عثمان مغمغما بعنف :


-إسكت . أنا مش غلطان في أي حاجة و بعد إللي حصل إنهاردة ده هخليها تشوف الوش تاني.


نفسه بعناد :


-بتحبها.


عثمان بإصرار :


-مش بحبها . و هثبتلك !


يصل "عثمان" أخيرا إلي بيته ... يترك سيارته للبستاتي يصفها بالكراچ ، بينما يمضي هو إلي الداخل


يدق هاتفهه و هو بمنتصف الدرج ، ليخرجه و يقطب مستغربا ..


والده يتصل !


من المفترض أن يكون علي متن الطائرة الآن ..


-إيه يا بابا إنت لسا ماسافرتش ؟ .. رد "عثمان" بنبرة هادئة متسائلة ، ليأتيه صوت غريب تماما و ليس صوت والده :


-السلام عليكم ! عثمان بيه معايا ؟


عثمان بصوت أجش و قد ساوره القلق في هذه اللحظة :


-أيوه . مين معايا ؟؟؟


المتصل :


-معاك الرائد معتز الشيدي . أنا آسف بس مضطر أبلغك بخبر مؤسف شوية و كمان مالاقتش غير رقم حضرتك كان أخر رقم كلمه يحيى بيه.


إزدرد "عثمان" ريقه الجاف بصعوبة و سأله بشئ من العصبية :


-ما تتكلم يافندم في إيه ؟ إيه إللي حصل ؟؟؟


المتصل :


-يحيى بيه عمل حادثة و هو رايح علي مطار القاهرة . هو دلوقتي في عربية الإسعاف يا ريت حضرتك تاخد أول طيارة و تيجي بسرعة .... !!!!!!!!!



           الفصل الثامن والثلاثون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>