رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل التاسع والخمسون59 والستون60 بقلم مريم غريب


 رواية عزلاء امام سطوة ماله 

الفصل ( 59و 60 )


_ مفقودة ! _


يقود "عثمان" سيارته بسرعة جنونية بإتجاه بيت "سمر" ...


ما زالت أخته معه علي الخط ، و مازال يبوخها بعنف شديد :


-إزآااااي تختفي ؟ إزآاااي و إنتي معاها ؟ ده أنا موصيكي عليها بدل المرة عشرة يا صفية !


صفية بنبرة باكية :


-و الله يا عثمان ما قصرت

كانت معايا و بعدين مارضيتش تدخل معانا الكوافير

فسيبتها مع تانيا لحد ما نخلص بس طلعت مالاقتهاش.


عثمان صائحا بغضب :


-أنا قولتلك عينك ماتغفلش عنها

نبهت عليكي ماتتواربش عنك لحظة.


صفية بنشيج مخنوق :


-بليز يا عثمان كفاية . و الله ما كان قصدي ماكنتش متخيلة إنها ممكن تسيبني و تمشي كانت بتتصرف طبيعي خالص !


عثمان بسخرية لاذعة :


-خدعتك يا ماما عشان تهرب منك و إنتي زي الهبلة صدقتيها .. ثم أكمل بحنق شديد :


-عارفة يا صفية لو مالاقتهاش ؟ أقسم بالله ماهسامحك طول عمري.


و لم ينتظر ليسمع ردها ، أغلق الخط بوجهها فورا


ثم أكمل طريقه مزودا من سرعة السيارة حتي بلغت مئة و ستون كيلومترا في الساعة ..


يصل "عثمان" أخيرا و بمعجزة بعد أن كاد يفعل أكثر من حادث في الطريق


يصعد أولا إلي شقة الجارة "زينب" ... يدق علي الباب بقوة و عصبية ، لتفتح السيدة بعد لحظات و هي تطلق زعقات منزعجة إنقطعت كلها عندما رأته يقف أمامها ..


-إنت ! .. قالتها "زينب" بدهشة سرعان ما تحولت إلي الذعر :


-إيه إللي جابك ؟ سمر حصلها حاجة ؟؟؟


عثمان بحدة :


-إنتي بتسأليني ياست إنتي ؟ ماتفكريش تعمليهم عليا أنا عارف إنها عندك.


زينب بإستنكار :


-مين دي إللي عندي ؟ أنا بقالي يومين ماعرفش حاجة عن سمر .. ثم أمسكت بياقتي قميصه و زمجرت :


-وديتها فين ؟ عملت فيها إيـــــه إنطق !


خلص "عثمان" نفسه منها بسهولة و هو يصيح بإنفعال :


-بقولك إيه الحركات دي مش هتخيل عليا . إنطقي إنتي و قوليلي سمر فين ؟ أنا مش همشي من هنا إلا و هي معايا.


صرخت "زينب" بوجهه :


-قولتلك ماعرفش عنها حاجة بقالي يومين

إزاي جاي تدور عليها هنا ؟ مش كانت في بيتك ؟ خرجت إزآااااي

إنت أكيييد عملت فيها حاجة.


إزاحها "عثمان" من طريقه و ولج لداخل الشقة ، أخذ يبحث عنها في كل مكان و هو ينادي بإلحاح ممزوج بالحدة :


-سمـــر . سمـــر. سمـــر !


لكنه لم يعثر عليها ... إتجه للخارج و كاد أن يصعد لشقتها هي ، فأستوقفته "زينب" :


-تعالي هنا محدش فوق . فادي لسا ماشي من شوية سافر لشغله.


أطبق "عثمان" أجفانه بغضب شديد ، ثم غمغم بوحشية :


-و رحمة أبويا لو عرفت إنك عارفة هي فين و بتنيميني ما هرحمك يا ست إنتي . سمر مراتي و حامل في إبني

هالاقيها يعني هالاقيها بس لو إكتشفت إن ليكي علاقة بهروبها مني أو مخبياها أو عارفة طريقها مش هتلحقي حتي تندمي علي إللي عملتيه.


ثم إستدار مغادرا ، لتتبعه "زينب" و تطل عليه عبر سور الدرج و هي تهتف بعدائية :


-أنا إللي هاوديك في ستين داهية لو سمر مارجعتش . أقسم بالله هدخل فيك السجن لو البت جرالها حاجة . إوعي تكون فاكرني مصدقة الفيلم إللي جيت تعمله عليا . ده أنا أكلك بسناني لو مسيت سمر بحاجة وحشة . سامعني يابن الأكابر ؟؟؟


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


أمام محل الجزارة ... يقف المعلم "رجب" بجانب زوجته "نعيمة" يشاهدان "عثمان" و هو يخرج من منزل السيدة "زينب" و قد بدا للبعيد قبل القريب منه إنه في أقصي مراحل غضبه


ظلت نظراتهم تترصده حتي ركب سيارته و إنصرف من المنطقة كلها ..


تميل "نعيمة" صوب زوجها و تتمتم بتساؤل :


-تفتكر الباشا ده جاي ليه الساعة دي يابو خميس ؟


رجب بصوته الخشن :


-علمي علمك يا نعيمة . و عموما إحنا مالنا ؟ ما يجي و لا مايجيش حاجة ماتخصناش.


نعيمة بتأييد شديد :


-أيوه طبعا ماتخصناش إلهي لا يرجعه لا هو و لا إللي تتشك في قلبها مراته . إحنا ما صدقنا الواد خميس قدر يطلعها من دماغه شوية و إقتنع ببنت خالته.


رجب بسخرية :


-و أنا إللي  كنت دايما أسأل نفسي يا نعيمة ليه البت سمر ماكانتش عجباكي و كنتي بترفضيها علطول

أتاريكي كنتي راسمة علي جواز بنت أختك من إبني !


نعيمة بضحكة ماكرة :


-بصراحة أه يا حبيبي و أنا كنت هلاقي لإبني أحسن من بنت أختي فين ؟ هي أولى يا بابا و كمان متربية و أشرف من الشرف مش زي الصايعة العايبة التانية دي.


رجب بضيق :


-طيب خلاص إسكتي . ربنا يسهلها ماتشمتيش فيها و كفاية بقي أهيه راحت لحالها.


إبتسمت "نعيمة" بظفر و قالت :


-إلهي لا يعودها !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


مرت الأيام ثقيلة ، كئيبة علي "عثمان" ... ستة أشهر منصرمة لا يعرف عنها شئ


إختفت كما تختفي قطعة السكر في الماء


كان يبحث عنها كل يوم ، كل ساعة دون كلل أو ملل ، يكاد أن يصاب بالجنون .. أين ذهبت ؟ لقد قلب الدنيا رأسا علي عقب دون أن يأتي بنتيجة !


لدرجة أنه صعد الأمر للجهات العلية بالبلد ، فكان من دواعي سرورهم أن يقدموا لرجل أعمال بحجمه أي خدمة يطلبها


و لكن للآسف كان الفشل حليفهم جميعا في كل مرة ... و لما شعر "عثمان" باليأس ، راح يحاول الإتصال بهاتفها المغلق علي الدوام


ترك لها عشرات الرسائل الكتابية و الصوتية


كان يرجوها دائما بصوت معذب : " أرجوكي يا سمر . إرجعي . أنا بجد هموت من القلق عليكي "


"سمر .. فاتوا أربع شهور . أنا مش عارف عنك أي حاجة . هتجنن ! "


"سمر . طيب بلاش ترجعي . ردي عليا بس . طمنيني عليكي أرجوووكي "


كان يعلم أنها لا تستطيع السفر إلي خارج البلاد ، لأنها لا تملك جواز سفر بجانب المال و تكاليف أي رحلة


و لكنه إتخذ كل الإحتياطات و تم وضع صورة لـ"سمر" بجميع نوافذ المطارات سواء بالإسكندرية أو أي محافظة أخري بها ميناء جوي


حتي أكشاك المرور الصحراوية ، لديهم إسمها فإذا مرت بأي من هذا سيصل لها بسهولة .. و لكنه حتي الآن لم يصل و لا يدري ماذا حل بها ، التفكير أرق نومه ليلة بعد ليلة ، لم يعد يحيا حياة طبيعية مثل البشر


و لكن ما أراح قلبه قليلا أن الأخبار السيئة أيضا لم تصله ، هذا يعني أنها بخير ، لكنها لا تريد أن تعود إليه ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في مركز العناية بالحيوان ... تقف "صفية" أمام السرير الذي يحمل الأسد المخدر


كانت تفحصه بإهتمام و هي ترتدي المعطف الطبي و القفازات البلاستيكية في يديها ، بينما وقف "صالح" ورائها و قلبه يرف في صدره بقلق ..


-أنا نفسي أفهم إمتي ربنا هيتوب عليكي من الشغلانة الزفت إللي كلها خطر دي ؟! .. قالها "صالح" بتبرم


صفية بنصف تركيز :


-قولتلك 100 مرة ده شغلي و أنا بحبه . و بعدين ماتنكرش إن مشكلتك مع عنتر بالذات.


صالح معترفا بغيظ :


-و إنتي شايفة غير كده يعني ؟ مش سيادته كان سبب الحادثة إللي عملتها و كنت هموت فيها ؟؟


-بعد الشر عليك يا حبيبي.


-ما لو ماكنتيش طلبتي مني يومها أنزل أجبهولك من المستشفي ماكنتش عملت الحادثة و كنا إتجوزنا من زمان بدل التأجيل إللي كل شوية يحصل ده.


و هنا صاحت "صفية" بإنفعال و هي تلتفت له :


-خلاص بقي يا صالح . أنا زهقت كل شوية تفتح الموضوع و كل مرة بقولك مش هتجوز و أخويا عنده مشاكل المرة دي بقي أنا إللي بقولك عايز نسيب بعض أنا ماعنديش مانع أنا أصلا تعبت خلاص . تعـــــــــــبت !


نظر لها "صالح" بصدمة و قال :


-صافي ! إيه إللي بتقوليه ده ؟؟؟


صفية بعصبية :


-إللي سمعته . لو مضايق من تأجيل الجواز أنا مستعدة أريحك و دلوقتي حالا و كل واحد يروح لحاله.


و شرعت في إخراج خاتم الخطبة من إصبعها ، ليقبض علي يدها و يقول بحدة :


-إيه إللي بتعمليه ده ؟ إنتي إتجننتي ؟ أنا كنت قلت إيه لكل ده ؟!


صفية بدموع :


-إنت أناني يا صالح . مش بتفكر غير في نفسك مش مهم عندك أنا . حاسة بإيه . مالي . كل إللي همك إيه إللي يرضيك و بس.


شدها "صالح" إلي حضنه و قال بلطف :


-طيب مالك يا صافي ؟ حاسة بإيه ؟ و إيه إللي يرضيكي ؟ قوليلي إنتي عايزه إيه و أنا أنفذهولك فورا.


دفنت "صفية" رأسها في صدره و غمغمت ببكاء :


-أنا عايزاك تفهمني . نفسي تفهمني و تقدر مشاعري أكتر من كده . أنا مش من حجر يا صالح.


صالح بحيرة :


-و إيه بس إللي مضايقك أوي كده ؟؟!!


-عثمان يا صالح . عثمان زعلان مني و مقاطعني من يوم ما إختفت سمر .. ده خلف إنه عمره ما هيسامحني لو ماقدرش يوصلها.


و إزدادت وتيرة بكائها ، ليمسح "صالح" علي شعرها بحنان و يقول :


-هيلاقيها يا حبيبتي . إن شاء الله هيلاقيها و هيرجع يكلمك تاني و هنتجوز بقي . و الله العظيم أنا إللي تعبت حاسس إني قربت إتجوز علي روحي.


إتفلتت منها ضحكة رغما عنها ، لتضربه بخفة في كتفه فيبتسم بدوره و يشد علي عناقها بسعادة ..


سمعا في اللحظة التالية صوت زئير الأسد ... إنتفض "صالح" و هو يقول بذعر :


-يانهار إسوود . ده صحي

إجرري يا صافي !


صفية بضحك هستيري :


-إستني . يابني إثبت ما هو مربوط قدامك أهو.


صالح بتوجس :


-يعني هو مش هيعرف يفك نفسه ؟ لأ لو إنتي مستبيعة يا حبيبتي أنا هطلع و هستناكي برا . عيشي اللحظة معاه براحتك بقي.


و مشي صوب باب الخروج ، لتقهقه "صفية" قائلة بمرح :


-يا جبان !


أتاها صوت "صالح" من الخارج :


-أيوه أنا جبان عايزة حاجة ؟


ضحكت صفية و راحت تباشر عملها في نفس الوقت ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في قصر آل"بحيري" ...


يجلس "عثمان" عند أمه بغرفتها ، تتألم "فريال" لرؤيته حزينا هكذا .. فتكتب ورقة و تعطيها إليه :


" يا حبيبي مش كده . عشان خاطري أخرج من إللي إنت فيه ده"


يبتسم "عثمان" بمرارة و يرد :


-أخرج إزاي يا ماما . أنا مش عارف عنها أي حاجة .. فص ملح و داب . مش عارف إذا كانت لسا حامل و لا لأ . و فاضل كام يوم علي شهر ولادتها . يعني ممكن تولد و أنا مش معاها . ممكن ما أشوفش إبني أو بنتي زي كل أب بعد الولادة علطول !


تنهدت "فريال" بآسي و كتبت ورقة أخري :


-طيب إنت ماتعرفش لو كان ليها قرايب معارف أي حاجة

ممكن تكون عند حد منهم ؟!


هز "عثمان" رأسه سلبا و قال بكآبة :


-للآسف مالهاش قرايب خالص . و كل المعارف إللي ممكن تكون راحت لهم دورت عليها عندهم . مالهاش أثر .. ثم أكمل بندم :


-أنا السبب يا ماما . أنا ظلمتها أووي و آذيتها كتير .. ليها حق تكرهني و تهرب مني . ليها حق ماتحسش بالأمان معايا.


كتبت "فريال" من جديد :


-أنت فعلا غلطان و أنا إتصدمت فيك بعد إللي سمعته منك . ماكنتش إتخيل إن جواك شر للدرجة دي . بس إللي هون عليا شوية لما إعترفتلي إنك بتحبها و ندمان .. كان نفسي ماتعملش كده يا عثمان . يا كنت تساعدها أو كنت تسيبها تروح لحالها . وجعتني أوي حتة إنك إستغليت حاجتها و ضعفها . حسيت للحظة إنك مش إبني و لا إبن يحيى البحيري . حسيت إنك واحد تاتي غير إبني عثمان إللي ربيته علي الحب و الطيبة !


أطلق "عثمان" زفرة نائحة ، ثم قال :


-حظها رماها في طريقي . أو الصدفة ماعرفش .. كنت لسا مطلق چيچي . شوفتها تاني يوم الصبح علطول . كانت محجبة و لبسها حاجة كده شبه الخيمة . جسمها ماكنش باين خالص . إستفزتني . كنت عايز أوي أعرف إيه إللي تحت الهدوم الواسعة دي مخبياه ؟ وشها كمان إستفزني أكتر . في براءة مش طبيعية . مش متكلفة و لا بلاستيك . و إللي خلاني أحطها في دماغي أكتر تجهالها ليا و تقليلها مني . سمر منغير ما تحس حولت الشيطان إللي جوايا ليها هي بعد ما كنت مسلطه علي چيچي عشان إنتقم .. بس إنتقمت منها هي.


دق باب الغرفة في هذه اللحظة ، و دخلت الخادمة و قالت بإبتسامة :


-عثمان بيه . في واحد تحت عند البوابة إسمه فادي طالب يقابل حضرتك ... !!!!!



( 60 )


_ حنين ! _


تستوي "فريال" جالسة علي سريرها و هي تنظر لإبنها بقلق ..


بينما يقف "عثمان" و يسأل الخادمة بعدم تصديق :


-إسمه فادي متأكدة ؟!


الخادمة بتأكيد :


-أيوه حضرتك إسمه فادي حفظي بيقول إنه أخو سمر هانم !


رفع "عثمان" حاجباه بدهشة ، ثم نظر إلي أمه ليجد التوتر و الخوف يسطران قسمات وجهها ، و قرأ في عيناها ما لم تكن تستطيع أن تقوله بلسانها ..


إبتسم لها "عثمان" و أمسك بيدها و شد عليها مطمئـِا و هو يقول :


-أنا هنزل أقابله . ماتقلقيش يا ماما .. أنا في بيتي.


و فك أصابعها المطبقة علي كفه بلطف ، ثم نزل ليقابل "فادي" ..


وقف ينتظره عند مدخل البهو ... دقيقة و أتاه "فادي" بمظهره الغاضب ، حيث عمد أن يبين له أنه جاء إلي هنا مرة أخري و لكن علي مضض شديد


-أهلا يا فادي ! .. قالها "عثمان" بصوت ثابت النبرات ، و تابع :


-خطوة عزيزة.


إبتسم "فادي" بإستخفاف و قال بتهكم :


-الله يعز مقدارك يا باشا . متشكر . بس أنا مش جاي أضايف أنا جاي أخد أختي.


عثمان بنفس الثبات :


-أختك مين بالظبط ؟ سمر و لا ملك ؟؟


فادي بصرامة :


-أنا ماعنديش غير أخت واحدة دلوقتي يا عثمان بيه . ملك . أنا جاي أخد ملك.


عثمان بإبتسامة ساخرة :


-أهو دلوقتي يا فادي مابقاش عندك أخوات خالص . لا سمر و لا ملك.


فادي بحدة :


-يعني إيه ؟ إنت فاكر إنك تقدر تمنعني عن أختي الصغيرة ؟ أنا هاخدها غصب عنك إنت ماتقدرش تمنعني.


عثمان بهدوء مستفز :


-يا فادي إفهم . بقولك ماعادش في سمر و لا ملك . البيت قدامك أهو . لو لاقيت إللي بدور عليه خده.


صمت "فادي" قليلا يستوعب كلماته ... إستتتج في بادئ الأمر الإستهزاء و التحد الواضح بنبرة صوته ، فعاد و قال بحدة أكبر :


-أنا غيبت طول الفترة إللي فاتت و إشتغلت بإيدي و سناني منغير يوم واحد أجازة عشان أوفر بيت و مصاريف تكفي أختي مش همشي من هنا إلا بيها . أنا مش جاي أهزر المرة دي.


عثمان بجدية ممزوجة بالبرود :


-و لا أنا و الله بهزر . و زي ما بقولك سمر و ملك بقالهم فوق الـ6 شهور برا بيتي . ماعرفش عنهم حاجة.


ضم "فادي" حاجباه و قال بصدمة :


-بقالهم 6 شهور ! إخوآااتي !!! .. ثم إنقض علي "عثمان" و أمسك بتلابيبه صارخا بوحشية :


-وديتهم فيــــــــــــن ؟ يابن الـ××× . هقتلك . عملت فيهم إيـــــــــــــه ؟؟؟


ضحك "عثمان" بسخرية و هدئه قائلا :


-إهدا بس . إخواتك ؟ مش لسا قايل إن مابقاش عندك غير أخت واحدة ؟!


زمجر "فادي" بشراسة و هو يجتذبه من ثيابه بعنف :


-أقسم بالله لو ما نطقت و قولتلي هما فين هطلع روحك في إيدي.


تنهد "عثمان" و أزال يداه عنه بحزم و هو يقول بجدية تامة :


-فادي . سمر أخدت ملك و هربت مني . بقالها 6 شهور مختفية . صدقني أنا ماعرفش عنها حاجة و كل يوم بدور عليها . بس مالهاش آثر.


بـُهت "فادي" لسماع هذا ، و إبتلع ريقه بصعوبة ..


-يعني إيه ؟ .. تمتم بجزع ، و أكمل :


-الإتنين راحوا مني ؟ .. إخواتي ضاعوا . بقيت لوخدي خالص ؟؟؟!!!


وضع "عثمان" يده علي كتفه و طمئنه بثقة :


-إطمن يا فادي . سمر ماخرجتش من إسكندرية . لسا هنا

إوعدك هوصلها في أقرب وقت . و هترجعلك تاني هي و ملك.


رمقه "فادي" بنظرة منفرة ، و نفض يده التي كانت علي كتفه و قال بحقد شديد :


-إنت السبب . إنت إللي عملت فينا كل ده . كنا عايشين كويس و ببساطة . دمرت حياتنا .. ثم غدت نبرته خشنة مستعرة الآن :


-أنا دلوقتي ماعنديش حاجة أخسرها . لو إخواتي مارجعوش مش هاسيبك تتهني بحياتك ثانية واحدة . و لو كنت وسط ألف راجل بيحميك . هقتــلك !


ثم إستدار مغادرا ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في مكان أخر ... تحديدا داخل بيت متواضع بحي "العجمي" الشهير


تنهتي "نجلاء" من إعداد وجبة طعام هذه الطفلة الواقفة عند قدميها ، تتمسك ببنطالها المنزلي بكلتا قبضتيها الصغيرتان


تهدل الصغيرة بصوت لذيذ للغاية :


-نلأ ( نجلاء ) مـم ( أكل ) !


تضحك "نجلاء" بمرح شديد و ترد عليها :


-عيون نجلاء يا قلبي . خلاص المم خلص يا روحي

تعالي نروح ناكله عند أختك بقي.


و إنحنت و حملتها ، ثم توجهت للخارج حيث تجلس ضيفتها بالصالة أمام التلفاز و لكن كعادتها شاردة في عالم أخر ..


-سـمـر ! .. هتفت "نجلاء" بوساطة و هي تجلس في كرسي محاذي لـ"سمر" ثم تأخذ "ملك" في حجرها


بينما أفاقت "سمر" من شرودها ..


-في حاجة يا نجلاء ؟ .. قالتها بتساؤل


تنهدت "نجلاء" و قالت بحزن :


-يابنتي إنتي كل شوية تسرحي كده ؟ الهموم إللي إنتي شايلاها دي مش كويسة عليكي و لا علي ده ! .. و أومأت بذقنها نحو بطنها الممتلئ


سمر بإبتسامة مريرة و هي تضع يده علي بطنها ذات التسعة أشهر :


-طيب قولي الهموم مش كويسة عليا أنا . لكن ده من الأول خالص و هو قافش في الدنيا . أكتر من مرة إتعرض للموت و فضل سليم . زي ما يكون بيعاند . عايز يعيش .. عايز يعيش عشان يكمل عذابي بعد أبوه.


رمقتها "نجلاء" بتأثر و قالت :


-يا سمر هو في الأول و الأخر إبنك . حتي لو كان أبوه مين . مش مصدقة إنه ممكن يهون عليكي !


صمت قصير .. و إعترفت "سمر" بآسي :


-ما هو للآسف ماهانش عليا . رغم إن كانت قدامي فرصة أخلص منه بعد ما هربت من أبوه علطول . بس في حاجة قوية جوايا . زي صوت عالي منعني و قالي لأ .. ثم أكملت بتردد :


-مقدرتش . كنت خايفة عليه زي خوفي علي ملك .. فضلت أفكر أعمل إيه و أروح فين ؟ قلت مستحيل أرجعله . و بعد ما أخويا رماني مابقاش ليا مكان أروحله . مش عارفة إزاي خطرتي علي بالي يا نجلاء ! و فعلا محدش ممكن يفكر إني هنا عندك.


نجلاء بإبتسامة :


-طيب إنتي عارفة إن دي أحسن حاجة عملتيها في كل ده يا سمر ؟ إنتي و لوكا جيتوا مليتوا عليا البيت بعد ما كان فاضي عليا.


سمر بحرج :


-ملينا عليكي البيت إيه بس ؟ أنا حاسة إننا تقلنا عليكي و الله 6 شهور كتير أووي.


تلاشت إبتسامة "نجلاء" و عاتبتها :


-أخس عليكي . و الله لو قولتي كده تاني هزعل منك

ده أنا نفسي تقعدي معايا إنتي لوكا علطول.


سمر بضحك :


-علطول ! لأ يا حبيبتي إطمني مش هنطول عليكي أوي

البيه الصغير يشرف بس و هاخده هو و الأبلة دي و نشوفلنا مكان نقعد فيه و بالمرة أدور علي شغل.


نجلاء بإستنكار :


-إيه يابنتي إللي بتقوليه ده ؟ إنتي فاكراني ممكن أسمحلك بكده ؟ مش هتمشي يا سمر طول ما أنا عارفة إن مالكيش مكان تروحيله.


سمر بإبتسامة :


-ماتقلقيش عليا يا نجلاء . أنا هعرف أتصرف.


نجلاء بإصرار :


-مش هتمشي يا سمر . إلا إذا كنتي عايزة ترجعي لبيت جوزك مش هعارضك !


و هنا تحولت "سمر" تماما و صاحت بحدة :


-أرجعله ؟ مستحيل أرجعله . أنا لو بموت مش هرجعله.


نجلاء بحيرة :


-ليه بس يابنتي ؟ إنتي مش بتحبيه ؟ طيب بلاش الحب . حتي عشان إبنك إللي مالوش ذنب في حاجة ده.


سمر بصرامة :


-مش هرجعله يا نجلاء . كفاية ذل كفاية مهانة بقي . أنا كده مرتاحة .. طول ما انا بعيدة عنه مرتاحة !


تآففت "نجلاء" بسأم و قالت :


-مرتاحة إيه بس يا شيخة إنتي هتعمليهم عليا ؟ ما أنا بسمعك كل يوم و إنتي بتحلمي بيه.


جحظت عينا "سمر" بصدمة ، و أحمـّرت وجنتاها بشدة و هي تسألها بعدم تصديق :


-أنا بتكلم و أنا و نايمة ؟؟؟


نجلاء بإبتسامة خبيثة :


-أيوه ياختي . طول الليل مابسمعش غير نغمة واحدة بس

عثمان عثمان عثمان.


عضت "سمر" علي شفتها السفلي بقوة ، و قالت بغضب :


-لأ . لأ أكيد دي بتبقي كوابيس !


نجلاء بمكر :


-كوابيس إيه دي إللي بتنادي عليه فيها بالحرارة دي يا سمر ؟ إعترفي إنه وحشك و إنك بتحبيه.


سمر بغيظ شديد :


-لأ لأ لأ . مش بحبه

أنا بكرهه سامعة !


ثم تحاملت علي نفسها و قامت بصعوبة لتذهب إلي الغرفة و تنال قسطا من الراحة


بينما نظرت "نجلاء" إلي "ملك" و سألتها و هي تطعهما أخر ملعقة بالصحن :


-هنعمل إيه دلوقتي بقي يا ست لوكا ؟ هه ؟ قوليلي !


غمغمت "ملك" بكلمات غير مفهومة ، لتوافقها "نجلاء" قائلة :


-تصدقي صح . هو مافيش غير كده . قشطة علي أفكارك يا لووووكآاا.


و راحت تدغدغها و تشاركها المرح و الضحك ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


صباح اليوم التالي ... يقرر "عثمان" المرور اليوم علي مؤسسته الخاصة المنفصلة عن بقية مجموعات عائلته


يصل إلي مقر ( البحيري للتسويق و التجارة ) في تمام التاسعة ، يلقي تحية الصباح بفتور علي سكرتيرته ، ثم يلج إلي مكتبه


يتنهد بثقل و هو يفكر .. مر يوم أخر دون أن يسمع عنها خبر ، إلي متي ؟ لقد أوشك موعد الولادة


هل ممكن ألا يري طفله ؟؟؟


-روحتي فين بس يا سمر ؟! .. تمتم "عثمان" لنفسه بيأس ، ثم مضي بإستسلام لمباشرة عمله


يدق باب مكتبه بعد قليل ، لتقف السكرتيرة مكانها بتردد ..


يتطلع إليها "عثمان" و يقول بإستغراب :


-نجلاء ! في حاجة و لا إيه ؟


نجلاء بشئ من التوتر :


-حـ حضرتك فاضي دقيقتين ؟!


-دقيقتين ؟ فاضي يا نجلاء . تعالي.


دخلت "نجلاء" و هي تحمحم بتوتر أشد .. وقفت أمامه ، فرفع حاجبه في إنتظار ما ستقوله ..


نجلاء بإرتباك :


-مبدئيا كده حضرتك لازم تعرف إني عملت كل ده بقصد الخير مش الشر.


عثمان بعدم فهم :


-بتقولي إيه ؟ نجلاء وضحي كلامك من فضلك أنا مش فاهم حاجة !


قطبت "نجلاء" حاجباها و قالت برجاء :


-هقولك يافندم . بس بليز لازم توعدني إنك مش هترفدني.


عثمان بدهشة :


-أرفدك ليه يا نجلاء ؟ إنتي عملتي إيه بالظبط ؟ في مصيبة حصلت في الشغل ؟؟؟


نجلاء بإسراع :


-لأ حضرتك الشغل كله تمام.


عثمان بنفاذ صبر :


-أومال في إيه إنطقي بقي . أنا مش فاضيلك.


-حاضر . حاضر يافندم .. ثم صمتت للحظات لتستجمع شجاعتها ، و صاحت فجأة :


-سمر عندي يا Boss !


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


في منزل "نجلاء" ...


تستيقظ "سمر" من نومها العميق ، عندما شعرت بهذا الآلم الحاد يكاد يمزق أسفل معدتها .. تآوهت بصوت مخنوق و هي تمسك ببطنها


لحسن الحظ كانت "ملك" نائمة ، فالألم يزداد و هي لن تستطع أبدا الإهتمام بها الآن ..


نهضت "سمر" بعد عناء شديد من السرير ، توجهت نحو الهاتف و رفعت السماعة


ضربت رقم "زينب" بأصابع مرتعشة و هي تحارب دوار و صراخ قوي حبسته في صدرها ، ثوان و جاء صوت الطرف الآخر ..


-السلام عليكم !


سمر بصوت متقطع بالكاد مسموع :


-مـ . مـ ـا مـ ـا ز يـ ـ ـنـ ـب.


زينب بذعر :


-سمر ! إيه يا حبيبتي مالك ؟ الطلق جه و لا إيه ؟؟؟


سمر بتأوه خافت :


-آااه شـ ـكله كده !


زينب بحنان :


-طيب يا حبيبتي أنا جايالك أهو علطول.


سمر باكية من شدة الآلم :


-لأ . ممـ ـكن تكـ ـوني متـ ـرقبة.


زينب بعصبية :


-إحنا في إيه و لا في إيه دلوقتي ؟ قلت جايالك مسافة السكة أهو.


سمر بوهن :


-يا ما مـ ـا زيـ نـب . بـ ـلآاش .. و بترت عبارتها فجأة لتصرخ بأعلي صوتها و قد إنهار صمودها تماما :


-آااااااااااااااااااااااااااااااه !


إنتفضت "ملك" في هذه اللحظة و إستيقظت فزعة ، بينما تهاوت "سمر" علي أقرب مقعد مواصلة صراخها مع توالي الركلات التي راح طفلها يسددها أسفل معدتها بلا رحمة ..... !!!!!!!

           الفصل الحادى والستون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>