رواية عزلاء امام سطوة ماله
الفصل السادس والاربعون والسابع والاربعون
بقلم مريم غريب
( 46 )
_ أمل ! _
لم يكن الطارق سوي السيدة "نعيمة" ... والدة "خميس"
وقفت مواجهة لـ"زينب" و قد كانت تشتعل غضبا و يديها ترتجفان من شدة الإنفعال ..
-أم خميس ! .. تمتمت "زينب" بإستغراب ، لكنها إستطردت بإبتسامة مرحبة :
-أهلا يا أم خميس . إتفضلي يا حبيبتي إدخلي .. و أفسحت لها مجالا للدخول
نعيمة بغلظة :
-أنا مش جاية أضايف ياست زينب .. و أكملت و هي تصوب نظرها نحو "سمر" :
-أنا جاية أقول كلمتين للمحروسة إللي قاعدة هناك دي و ماشية علطول.
أحست "سمر" بإرتجاف الهواء فوق شفتيها و هي تحدق في السيدة بريبة ، بينما ولجت الأخيرة و مضت ناحيتها ..
-إسمعي يا شاطرة ! .. قالتها "نعيمة" بخشونة و هي تقف علي مقربة منها ، و تابعت :
-أنا سبق و قولتلك تبعدي عن إبني خميس و إنتي سلمتي و قولتي أمين . بس إللي أنا شايفاه دلوقتي غير كده . ماتحاوليش تجريه لسكتك يا سمر عشان أنا مش هسمحلك مش بعد ما ربيته و تعبت فيه لحد ما بقي راجل تيجي بسلامتك و تاخديه علي الجاهز . لأاا . ده مش ممكن يحصل و لا يكون أبدا.
تقلصت ملامح "سمر" بألم ، لكنها حاولت إستعادة تعابيرها الطبيعية متجاهلة الدموع المنهمرة من عيناها ..
-إنتي لتاني مرة فاهمة غلط يا طنط نعيمة ! .. قالتها "سمر" بصوت مخنوق ، و أكملت :
-أنا عمري ما فكرت في خميس و مش هفكر فيه إطمني خميس زيه زي فادي أخويا بالظبط و نظرتي له كأخ مش هتتغير أبدا.
نعيمة بتهكم :
-كلامك موزون و منقياه كويس عشان تنيميني بيه و تلفي علي الواد من ورايا . بس أنا بقي صاحيالك ياختي و مش هسيبلك الفرصة دي . بعينك تتجوزي إبني أنا إستحالة أقبل أجوزه واحدة إتجوزت من قبله جوازة شفوي !
جحظت عينا "سمر" في لحظة من الصدمة ... كيف علمت السيدة "نعيمة" بهذا الأمر السري ؟؟؟ .. إنها لكارثة حتمية ..
تتدخل "زينب" عند هذا الحد صائحة و قد طبع الحنق كل ملامح وجهها :
-إيه إللي إنتي بتقوليه ده ياست إنتي ؟ ما تحسبي كلامك و أعرفي إنتي بتقولي إيه ؟ هي حصلت تيجي لحد بيتها و ترمي عليها تهمة زي دي ؟ ما تفوقي يا حبيبتي و بوصيلها كويس . دي سمر يا حبة عيني إللي كل الحتة بتحلف و تتحالف بأخلاقها و تربيتها.
ضحكت "نعيمة" بسخرية و قالت :
-لأ و هي متربية أووي يا زينب . لما تروح تتجوز البيه صاحب الشركة عرفي تبقي متربية و بنت أصول محدش يقدر يقول عليها نص كلمة.
زينب بصدمة :
-إنتي مين إللي قالك الكلام ده ؟؟؟
إبتسمت "نعيمة" بإلتواء و قالت :
-يعني صح يا زينب !
زينب بإنفعال :
-لأ طبعا مش صح ده كله كلام فارغ . سمر ماتعملش حاجة بطالة أبدا قوليلي مين إللي قالك كده و أنا أكدبه قدامك و أحط صوابعي العشرة في عنيه.
نعيمة بإبتسامة مستفزة :
-أنا مش جاية أحقق في إللي جرا يا زينب . كل حي يعمل إللي يعجبه . أنا بس جاية أحذر قطتك الحلوة . لو ماسمعتش الكلام و بعدت عن إبني أنا هخلي إللي ما يشتري يتفرج عليها.
زينب بزمجرة :
-تهديد ده يا نعيمة ؟!
نعيمة ببرود :
-لو إنتي شايفة كده يبقي أه . إنتي طبعا عارفة يا زينب إن بكلمة مني ممكن أقيد النار في بيتك كله و هيجي الخراب علي دماغك بسببها . فلميها أحسن و عقليها . قوليلها تبعد عن إبني بدل ما فضيحتها تبقي بجلاجل في الحتة كلها ثم شملت "سمر" بنظرة إزدراء أخيرة و قالت :
-فوتكوا بعافية !
و ذهبت صافقة باب الشقة من خلفها ... كانت "سمر" و "زينب" متجمدتين في هذه اللحظة ، و كأنهما تمثالين من الشمع ..
توقف الباب عن الإرتجاج ، عنذ لك فقط إنتفضت "زينب" و إنطلقت إلي خارج الشقة ..
-شـهـيــــــــــــــــــــــــــرة ! .. صاحت "زينب" بصوت يزخر بالغضب الشديد
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل"بحيري" ... يشعر "عثمان" بالحيرة و التردد حيال الفكرة التي جاءته
لم يكن متأكدا إذا كانت فكرة صائبة أم خاطئة ؟ .. لكنه لأول مرة شعر بالحاجة لإفشاء ما بداخله ، و هي أنسب من خطرت علي باله !!!
يتوجه "عثمان" نحو غرفة شقيقته و هو يقدم ساق و يؤخر الأخري .. يدق بابها ، ثم يدخل حابسا أنفاسه بتوتر ..
كانت تجلس في شرفتها عندما ظهر أخيها من خلف باب الغرفة ... صاحت بإبتسامة شاحبة :
-عثمان ! تعالي يا حبيبي.
مضي "عثمان" إليها بتباطؤ ، و جلس في كرسي قبالتها ..
-إزيك يا صافي ؟ .. قالها "عثمان" بلهجة مقتضبة
صفية و هي تهز كتفاها بخفة :
-كويسة . الحمدلله .. إنت إيه أخبارك ؟؟
-تمام . لأ .. في الحقيقة مش تمام خآالص ! .. كان صوته يائسا بشكل ملحوظ
صفية بإهتمام :
-مالك يا عثمان ؟ .. عندك مشكلة و لا إيه ؟؟؟
تنفس "عثمان" بعمق و أجابها :
-عندي مشكلة كبيرة يا صافي.
صفية و هي تتململ بقلق :
-خير يا حبيبي . مالك يا عثمان ؟ إحكيلي بلاش تقلقني أكتر من كده بليز !
عثمان بلطف :
-ماتقلقيش يا حبيبتي . It's okay . المشكلة مش خطيرة لدرجة القلق يعني.
صفية بحيرة :
-طيب فهمني . ماتسبنيش حيرانة كده هفضل قلقانة عليك.
نظر لها "عثمان" بتفكير ، ثم قال بجدية :
-قبل ما أقولك أي حاجة إوعديني إن كل كلمة هتبقي سر بينا . ماينفعش مخلوق يعرف أي حاجة و لا حتي صالح.
إبتسمت "صفية" بسخرية حين آتي علي ذكر "صالح" و قالت :
-إطمن يا عثمان . لو علي صالح مش هيعرف أي حاجة.
عثمان بلهجة حادة :
-صالح أو غيره.
صفية بنفاذ صبر :
-يا أخي حد قالك عليا فتانة ؟ ما تتكلم بقي يا عثمان إخلص !
يأخذ "عثمان" نفسا عميقا .. ثم يبدأ بسرد القصة عليها ، و من البداية ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في شقة الجارة "شهيرة" ...
تقف "زينب" في منتصف الصالة ، تهدر بأعلي صوتها و عيناها تقدحان شرارات غاضبة :
-هي دي الأمانة إللي آمنتك عليها يا شهيرة ؟ هو ده السر إللي قولتيلي في بير ؟ عملتي كده ليه ؟ قوليلي لـيـــــه ؟ ليه فضحتي البت ؟ ده ربنا كان سترها تيجي إنتي تفضحيها ؟ بس العيب فعلا مش عليكي . العيب عليا أنا إني وثقت فيكي و حكتلك . أنا إللي أستاهل.
شهيرة بدموع :
-أبلة زينب . سامحيني . أنا غلطانة و الله !
زينب بإستنكار :
-أسامحك ؟ هو إنتي كسرتيلي كوباية و لا طبق ؟ إنتي خونتي الثقة يا شهيرة . خونتي الأمانة . خونتي عشرة العمر و العيش و الملح.
شهيرة بصوت كالأنين :
-ونبي كفاية يا أبلة . ونبي تسامحيني . أنا ماكنش في نيتي حاجة وحشة و الله.
زينب بعدم تصديق :
-أنا مش عارفة إزاي لساني فلت مني و حكتلك ؟ و مش مصدقة إنك سمعتي مني و جريتي تنشري الأخبار في كل حتة . إزاي أنا كنت غبية كده ؟ إزاي حكتلك سر خطير زي ده إزآااااي ؟؟؟
شهيرة بنبرة معذبة :
-يا أبلة زينب كفآاية الله يخليكي . يا ريتك ماكنتي حكيتيلي فعلا . يا ريتك.
زينب بحدة :
-قولتي لمين تاني يا شهيرة ؟ إنطقي قوليلي مين تاني في الحتة لسا ماعرفش بفضيحة سمر ؟؟
شهيرة بإنفعال صادق :
-و الله ما قلت لحد تاني . أقسم بالله و حياة ولادي ما قلت لحد تاني !
زينب بإبتسامة ساخرة :
-حتي لو ما قولتيش . نعيمة مش هتسكت . هتخلي سيرة البت علي كل لسان . السر مابقاش سر خلآاص و البت إتفضحت و إللي كان كان.
أطرقت "شهيرة" رأسها باكية بحرقة ، بينما نظرت لها "زينب" بإحتقار و لم تتأثر البتة بحرارة نشيجها ..
-من بكره تلمي عزالك و تشوفيلك مطرح تاني تقعدي فيه .. قالتها "زينب" بصرامة ، و أكملت :
-ماعادش ليكي مكان في بيتي يا شهيرة.
رفعت "شهيرة" وجهها بسرعة ، و شعرت بإن جدران البيت تهتز .. لكنها لم تكن هزة أرضية كما ظنت لبرهة ، إنما إرتجافها هي ..
-بتقولي إيه يا أبلة ؟! .. تمتمت "شهيرة" بصدمة
زينب بقسوة :
-إللي سمعتيه . قدامك من هنا لأخر الإسبوع . تكون الشقة فاضية و المفتاح في إيدي.
ثم تركتها و عادت إلي شقتها
وجدت "سمر" جالسة كالصنم لا تتحرك إطلاقا ، بالكاد كتفاها يصعدان و يهبطان نتيجة معدل أنفاسها ... مضت "زينب" إليها ركضا و جلست بجوارها علي حافة الآريكة :
-مالك يا سمر ؟ مالك يا حبيبتي ؟ إنتي كويسة ؟؟؟
و فجأة لمحت هاتفهها ملقي في حجر "سمر" و لا زالت الشاشة مضاءة تشير لإنهاء إحدي المكالمات ..
-هو في حد إتصل بيا و لا إيه ؟ .. قالتها "زينب" بصوت تساوره الشكوك ، لترد "سمر" بصوت هامس بالكاد كان مسموعا :
-فادي . فادي لسا قافل معايا . راجع بكره يا ماما زينب !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عند "عثمان" و "صفية" ...
بعد أن فرغ "عثمان" من سرد قصته :
-يا نهــــــــــار إسوود ! .. صاحت "صفية" بذهول
-متجوز عرفي يا عثمان ؟؟؟
عثمان بحدة :
-ششسشش وطي صوتك . ماشفهومش و هما بيسرقوا شافوهم و هما بيتحاسبوا !!
صفية بغضب :
-و ليك نفس تهزر ؟ إيه إللي يخليك تتجوز عرفي يا عثمان ؟ ليـــه ؟ ده أنت راجل و إبن ناس و مش أي ناس و تقدر تتجوز في نور و قصاد الدنيا كلها.
عثمان بضيق :
-ماكنتش واخد الموضوع بجد . كنت حاطط في دماغي إنها فترة و هنسيب بعض . بس فجأة لاقيت نفسي إتنيلت علي عيني و حبتها . أول مرة أحب يا صافي !
صفية بإستنكار :
-يعني لو ماكنتش حبتها كنت هتخلا بيها ؟ كنت هتسيبها متورطة لوحدها في مصيبة زي دي ؟ .. أنا بجد مصدومة و خاب أملي فيك يا عثمان.
عثمان بعصبية :
-هو أنا جايلك عشان تلوميني بالكلام ؟ أنا غلطان إني جيت أحكيلك أصلا .. و كاد يقوم من مكانه ، لتوقفه بإسراع :
-أقعد يا عثمان ! .. كانت لهجتها صارمة و حانقة في آن
عثمان بإنزعاج :
-أقعد عشان تسمعيني كلام مالهوش لازمة ؟!
صفية بإمتعاض :
-لأ . تقعد عشان نشوف حل .. إنت ناوي علي إيه دلوقتي طيب ؟
عثمان بثقة عمياء :
-ناوي أتجوزها طبعا . بقولك بحبها . و ماتنسيش أنها حامل في إبني أو بنتي لازم الجواز يتم في أسرع وقت.
صفية بسخرية :
-أيوه بس إنت قولتلي إنها مش طايقاك و عايزة تنزل البيبي !
تنهد "عثمان" بسأم و قال :
-ما أنا عشان كده لجأتلك يا صافي.
صفية بإستغراب :
-مش فاهمة قصدك إيه ؟!
نظر "عثمان" لها ... و قال بعد صمت طويل :
-أنا محتاجلك . إنتي ممكن تساعديني و تأثري عليها .. كان أمل كبير يملأ صوته ... !!!!!!
( 47 )
_ خطة زواج ! _
في صباح اليوم التالي ... يصل "فادي" في ساعة مبكرة ، يتفاجأ بمكوث شقيقتاه في بيت الجارة "زينب"
كما أصابه الذعر عندما شاهد "سمر" و رأي حالتها السيئة ، فورا تحولت ملامحه و نظراته إلي علامات إستفهام لا نهاية لها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
-يابني قولتلك عملت حادثة بسيطة ! .. قالتها "زينب" بشئ من التوتر ، ليرد "فادي" الذي كان يحمل "ملك" علي ذراعه :
-حادثة بسيطة تعمل فيها كل ده ؟ .. كان الإستنكار واضح جدا في صوته
زينب بإرتباك :
-يا حبيبي الإصابات مش كبيرة و زي ما إنت شايف أختك مش متجبسة ده يا دوب الدكتور ربطلها إيديها و رجلها و قالها ماتتحركش . إسبوع و لا إتنين و هترجع أحسن من الأول !
فادي بعدم تصديق :
-و الحادثة دي حصلتلك فين ؟؟؟
إزدردت "سمر" ريقها الجاف بصعوبة و أجابته بتلعثم :
-و آا و أنا ر راجعة من الشـ.ـغل !
فادي بحدة :
-طيب و قاعدة هنا ليه ؟ إزاي تباتي في بيت فيه راجل غريب ؟؟؟
تتدخل "زينب" هنا :
-يابني ماتقلقش عمك صابر في مأمورية شغل من إمبارح سافر أسيوط و هيرجع علي أخر الإسبوع.
زفر "فادي" بقوة شاعرا بالحنق حيال هذا كله ، فلا زال غير مقتنع بهذه التصريحات الواهية ...
-طيب هتفضلي قاعدة هنا كتير و لا إيه ؟ .. قالها "فادي" بتساؤل
سمر بحيرة ممزوجة بالتوتر :
-مش فاهمة عـ عايز تقول إيه ؟!
فادي بإنفعال :
-مش ليكي بيت ؟ يلا بينا علي شقتنا.
تتدخل "زينب" للمرة الثانية :
-يا حبيبي هي مش هتقدر تتحرك من مكانها . سيبها هي و ملك عندي ماتخافش عليهم دول هيونسوني و إنت عارف أنا قاعدة لوحدي خالص اليومين دول !
عقد "فادي" حاجبيه و زم شفتاه ممتعضا ... ناول "ملك" إلي السيدة "زينب" ثم قال بصوت آجش :
-ماشي خليكي هنا . أنا هطلع فوق لو عوزتي أي حاجة لو حصل أي حاجة كلميني علي الموبايل.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل"بحيري" ...
تفرغ "فريال" من تناول وجبة الإفطار التي تناولتها بصعوبة و بمساعدة وصفيتها الخاصة
تعطيها الفتاة جرعة دوائها و تهم بالمغادرة ... لتجد "عثمان" يفتح الباب قبل أن تمد هي يدها و تفتحه ..
-صباح الخير يا ماجي ! .. قالها "عثمان" بلهجة ودية خفيفة
ماجي بإبتسامة :
-صباح النور يا عثمان بيه.
-إيه فريال هانم أخبارها إيه إنهاردة ؟
-كويسة سيادتك في تحسن الحمدلله و بقت بتاكل أكتر من الأول.
عثمان براحة غامرة :
-الحمدلله .. طيب . تقدري تروحي تشوفي شغلك دلوقتي.
ماجي بتهذيب :
-أوك بعد إذن حضرتك ! .. و ذهبت
بينما مضي "عثمان" صوب أمه و هو يقول مبتسما :
-صباح الفل يا ست الكل .. و دني منها ليقبلها من وجنتها
ترد "فريال" الإبتسامة له و هي ترمقه بإشتياق شديد ..
-وحشتيني أووي يا ماما .. قالها "عثمان" و هو يجلس في الكرسي المحاذي لسريرها ، لتتلاشي إبتسامتها فورا و تقلب عيناها مظهرة حزنها
عثمان بقلق :
-مالك يا ماما ؟ حصل إيه ؟ إنتي كويسة ؟؟؟
أمسكت "فريال" بدفترها و كتبت شيئا ، ثم دفعت بالورقة له ..
"بقالي تلتيام ماشوفتكش ! "
ينظر "عثمان" لها و يقول بأسف :
-حقك عليا . أنا آسف بجد . أنا فعلا غلطان بس كان في شوية مشاكل كده كنت بحلها . ده مش عذر أنا عارف بس إنتي هتسامحيني طبعا ده أنا عثمان حبيبك.
نظرت له بعتاب ، فبادلها بإبتسامة مشاكسة ، كأنها إبتسامة طفل يقابل تأنيب شخص قريب منه بالإبتسام لأنه واثق من أن هذا الشخص لن يغضب منه ..
-ماتزعليش مني بقي . ده أنا جاي أكلمك في موضوع يهمك إنتي أكتر واحدة أنا متأكد إنك هتفرحي لما تسمعي كلامي !
تقافزت نظرات الفضول من عينا "فريال" ليضحك "عثمان" بمرح ، ثم يقول بإسترخاء :
-guess what يا ماما ؟ .. أنا . هـتـجــــــــوز !
إتسعت عيناها و هي تحملق فيه بذهول و عدم تصديق ، ليزداد ضحكه أكثر و هو يتأمل ردة فعلها فقد كانت كما توقعها بالضبط ..
أمسكت "فريال" بدفترها ثانيةً و كتبت عبارة سريعة :
" بجد هتتجوز يا عثمان ؟؟؟ " .. قرأ "عثمان" و أجاب بمرح :
-أيوه يا ماما هتجوز . شوفتي ؟ هحققلك أمنيتك أهو و هخليكي جدة زي ما كنتي عايزة.
كتبت "فريال" ورقة جديدة و دفعتها إليه :
" هي مين و إسمها إيه ؟؟؟ "
رأته يأخذ نفسا عميقا ، و يصمت مفكرا للحظات ... ثم يقول :
-إسمها سمر حفظي يا ماما . هي بنت عادية جدا . مش غنية و مش من عيلة كبيرة . بسيطة أوي .. باباها و مامتها متوفين و عندها أخ أصغر منها بشوية و أخت طفلة صغيرة . طبعا بعد ما نتجوز هيجوا يعيشوا معانا هنا . هما ناس بسيطة زي ما قولتلك و هي عادية بس أنا بحبها . أنا عايزها دي إختياري أنا محدش فرضها عليا زي ما حصل قبل كده.
توترت ملامح "فريال" و تابعت معه :
" طيب يا حبيبي إنت متأكد من مشاعرك ؟ درست قرارك يعني ؟ و الأهم من ده كله .. إنت مرتاح ليها ؟ ماعندكش شك إنها مش ممكن تكون زي چيـ .. زي الجوازة الأولانية ؟! "
قرأ "عثمان" و رد بغضب دفين :
-لأ يا ماما . سمر مش زي القذرة الأولانية . سمر بنت كويسة جدا و مالهاش في أي حاجة . مش أي حاجة ممكن تغريها . لما تيجي هنا هتشوفي بنفسك مميزاتها كتيرة و بتسمع الكلام و بعدين هي هتعيش وسطنا مش هتطلع برا أبدا حياتها كلها هتبقي هنا و معايا مافيش حاجة هتكون ناقصاها . هي دي إللي هتريحني و زي ما قولتلك دي إختياري و أنا .. أنا بحبها !
أجفلت بحيرة و تنهدت بحرارة ... لكنها عادت تكتب من جديد :
" هتجيبها إمتي عشان أشوفها ؟ "
عثمان بإبتسامة :
-في أقرب وقت.
" هي حلوة ؟ "
-حلوة أووي يا ماما . شبهك.
إبتسمت "فريال" برقة ، ليقول "عثمان" بجدية :
-أنا هتجوزها خلال الأيام الجاية . طبعا مش هعمل فرح عشان الظروف إللي إحنا فيها . بس هعوضها بشهر عسل حلو . لازم تفرح زي كل البنات بردو !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
يأتي المساء ... لتمسك "زينب" بـ"ملك" و تبدل لها ملابسها لأن شقيقتها الكبري أصبحت عاجزة عن ذلك لفترة مؤقتة فقط
كان يجب أن يذهب أحدا بالصغيرة إلي الطبيب من أجل جلسة المتابعة خاصتها ، لم تشأ "سمر" إزعاج "فادي" و لم تود أن تتعبه في أولي أيام عطلته
لذا طلبت من "زينب" أن تذهب بها فلم ترفض الأخيرة ، بل رحبت ترحييا شديدا ..
-إستني يا ماما زينب خدي فلوس الڤيزتا ! .. قالتها "سمر" محاولة مد يدها لتجلب حقيبتها
زينب لائمة :
-مش عيب تفوليلي حاجة زي دي ؟ يعني أنا هرضي أخد منك فلوس . أنا معايا يا حبيبتي و هدفعهم.
سمر بحرج :
-ماينفعش يا ماما زينب . إنتي ذنبك إيه طيب ؟
زينب بضيق :
-سمر . و لا كلمة لو سمحتي . إنتي بتزعليني كده !
سمر بلطف :
-و الله مش قصدي.
-إنتي و هي مش بناتي ؟؟
-طبعا بناتك.
-يبقي خلاص إللي أقوله يتسمع.
سمر بإبتسامة :
-ماشي . إللي تشوفيه.
زينب و هي ترد لها الإبتسامة :
-أيوه كده .. يلا بقي أشوفك علي خير . مش عايزة حاجة قبل ما أمشي ؟
-تسلمي يا ماما زينب . مع السلامة .. و كادت السيدة تذهب ، لتستوقفها "سمر" :
-ماما زينب !
تلتفت "زينب" مرة أخري :
-نعم يا سمر ؟!
سمر بحذر :
-بصي أنا عارفة إنها غلطت . بس مش هينفع تطرديها يا ماما زينب خلاص إللي حصل حصل.
زينب بغضب :
-إنتي إتهلبتي يا بت ؟ عايزاني أسيبها بعد إللي عملته ؟؟؟
سمر بحزن :
-قولتلك خلاص إللي حصل يا ماما زينب . و بعدين شهيرة طول عمرها ساكنة في البيت ده . هيبقي صعب عليها تخرج منه . هتروح فين بس بعيالها حرام يا ماما زينب.
زينب بإنفعال :
-حرمة عليكي عيشتك . بت إنتي ماتخلنيش أتجنن عليكي.
سمر بهدوء :
-طيب إسمعيني بس . قعدتها هنا في مصلحتنا.
قطبت "زينب" حاجبيها و قالت بإستنكار :
-نعم ياختي ؟ في مصلحتنا ؟؟!!
سمر بجدية :
-أيوه طبعا في مصلحتنا . إفرضي طنط نعيمة نشرت الخبر بعد ما شهيرة تمشي الناس هتصدقها لكن لو شهيرة قعدت و طنط نعيمة إتكلمت في حاجة ساعتها هنوقف شهيرة قدام الناس تكدب كل إللي طنط نعيمة ممكن تقوله.
نظرت لها "زينب" بتفكير .. ثم قالت مؤيدة :
-و الله وجهة نظر بردو !
سمر بإبتسامة :
-شوفتي.
-بس بردو المعاملة بينا عمرها ما هترجع زي الأول .. غمغمت "زينب" بحنق
تنهدت "سمر" و وافقتها :
-أكيد يا ماما زينب !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
تخرج "زينب" من شقتها ... و علي مضض تتجه نحو شقة "شهيرة"
تدق بابها ، لتفتح الأخيرة بعد لحظات
تفاجأت "شهيرة" حين رأت "زينب" تقف أمامها في هذه اللحظة ، لم تصدق نفسها ..
-لولا الشديد القوي أقسم بالله ما كنت عبرتك ! .. قالتها "زينب" بغضب شديد ، بينما أخفضت "شهيرة" رأسها شاعرة بالخزي
زينب بخشونة :
-البت إللي فضحتيها يا شهيرة هي إللي إتوسطتلك عندي . هي إللي إترجتني أخليكي في البيت و ما أطلعكيش عشان ماتتبهدليش إنتي و عيالك.
شهيرة بخجل :
-أنا مهما أقول مش هقدر أوصفلك ندمي يا أبلة . و الله طول الوقت بدعي تسامحيني !
زينب بسخرية :
-الله يسامحك يابنتي .. ثم قالت بصوت جاف و هي تعطيها مفتاح شقتها :
-خدي مفتاح شقتي . أنا رايحة أودي البت ملك للدكتور لو إتأخرت عنده إبقي خشي شقري علي سمر . شوفيها إذا كانت محتاجة حاجة.
شهيرة برحابة :
-حاضر . عنيا ليها يا أبلة زينب.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل المعلم "رجب" الجزار ...
جلست "نعيمة" تنتظر زوجها بصبر نافذ ، تتأهب وصوله في أي لحظة .. إلي أن دق الباب
قامت و إنطلقت بسرعة لتفتح ..
-حمدلله علي السلامة ياخويا ها طمني عملت إيه ؟ .. قالتها "نعيمة" حتي قبل أن يخطي زوجها داخل المنزل
رجب بإنزعاج :
-طيب إستني لما أخد نفسي الأول . إيه يا وليه الغشامة بتاعتك دي ؟!
نعيمة بنفاذ صبر :
-إخلص يا رجب أنا العفاريت بتتنطط قدامي من صباحية ربنا إخلص و قولي عملت إيه مع إبنك ؟؟؟
مضي "رجب" إلي الداخل و جلس علي أقرب مقعد ، ثم تنهد و قال بإسلوب بطيئ مستفز :
-إبنك طالع دماغه جزمة زي أبوه . أنا و إنتي من أول الموضوع عمالين نضغط عليه و نهدده إننا مش هنحط إيدنا في الجوازة دي . بس هو و لا همه و المرة دي هو إللي هددني . لو وقفت في طريقه و منعته عن إللي البت دي هيطفش و مش هيرجع تاني.
نعيمة بغضب :
-و إنت قولتله إيه ؟ إوعي تكون طاوعته و وافقت !!
رجب بحدة :
-أنا مش هخسر إبني الوحيد يا نعيمة عشان خاطر موضوع تافه زي ده . هو بيحب البت و عايزها خلآااص هجوزهاله و إنتي مش عايزك ترغي تاني و توجعي دماغي.
نعيمة بعصبية مفرطة :
-إنت عايز تجنني يا راجل إنت و إبنك ؟ بعد كل إللي سمعتوه مني بردو ماطنشين ؟ إيـــــــــــه ؟ مافيش ذرة نخوة و لا رجولة ؟؟؟
رجب بغضب :
-إحترمي نفسك يا نعيمة فوفي و إنتي بتكلميني بدل ما أقوم أفوقك أنا.
نعيمة بإنفعال :
-عايزني أكلمك إزاي ياخويا و إنت عامل من بنها إنت و إبنك ؟ بقولك البت متجوزة عرفي . إنت مش فاهم الكلمة و لا إيه حكايتك بالظبط ؟؟؟؟
-لأ ياختي فاهم الكلمة .. قالها "رجب" بتهكم :
-بس إنتي إللي مش فاهمة.
نعيمة بإستنكار :
-مش فاهمة إيه بقي إن شاء الله ؟!
رجب بجدية :
-إبنك قالي كلام معقول أوي . الإشاعة إللي سمعتيها دي ممكن ماتكونش مظبوطة و إن إللي قالهالك بيغير من البت و عايز يأذي سمعتها و يوقف حالها.
نعيمة و قد إحتدمت نظراتها من شدة الحنق :
-إنت كمان هتقولي زي إبنك ؟ .. طـيـــــــب . الله في سماه لأكون مسمعاكوا الخبر الأكيد الليلة دي !
و إلتفتت بحدة و كادت تخطو بإتجاه الباب ، ليقبض زوجها علي معصمها متسائلا بدهشة :
-رايحة فين يا وليه إنتي ؟!
نعيمة و هي تشد يدها بعنف من قبضته :
-إوووعـــي سيبني .. كانت تصرخ :
-سيبني بدل ما أطفش أنا و محدش هيعرفلي طريق أقسم بالله !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تدق الساعة معلنة تمام الثامنة ... لينزل "عثمان" من غرفته في الحلة السوداء الأنيقة ، ينتظر أخته إلي أن وجدها بعد دقيقة علي مقدمة الدرج
كانت متأنقة بدورها و لكن ردائها لم يخرج عن الألوان القاتمة ، فما زالت فترة الحداد علي أبيها قائمة ..
تهبط "صفية" الدرج بخفة و تصل عند أخيها :
-إيه يا عثمان إتأخرت عليك ؟ .. تساءلت بصوتها الرقيق ، ليجيب "عثمان" بتوتر :
-لأ أبدا ماتأخرتيش يا صافي.
صفية بإستغراب :
-مالك شكلك متخلبط و قلقان كده ليه ؟؟؟
عثمان بإقتضاب :
-مافيش حاجة . متوتر بس شوية !
تضحك "صفية" بشدة و ترد :
-و الله و جت إللي وقعتك بجد يا عثمان . الحمدلله عشت و شوفتك واقع في الحب.
عثمان بإبتسامة صفراء :
-ظريفة أوي إنتي.
-طبعا يا حبيبي إنت تقدر تقول غير كده ؟ .. ثم قالت بجدية :
-المهم إنت أخدت منها معاد و لا هنروح نفاجئها ؟
-لأ ماقولتلهاش أي حاجة . كده أحسن عشان إنفعالها يبقي أقل و تعرفي تكلميها.
-أه يا واد يا خبرة إنت .. و غمزت له بعينها
عثمان بإبتسامة :
-طب يلا يا ظريفة . يلا عشان مانتأخرش أكتر من كده ...
