رواية بين عشقه وانتقامه الفصل العشرون والحادى والعشرون بقلم علا محمد فائق


 ____ (جحيــــم حُبــــــك 2) ____

     ____ (بين عشقـــه وإنتقامــــــه) ____

       ____ (الفصـــل العشـــــــرون)____

               والحادى والعشرون

     _____(" بعد مرور بعد الوقت")_____

                    ______________


  "بَعـــــــد مُـــــــرور خمـــــــس سَنـــــــوُات"


"في فرنســــــا"


"سيــــــــــدرا"


في مطعم بإحدى المُدن الفرنسية كانت واقفة بالمطبخ الخاص بالمطعم تصنع بعض الوصفات المطلوبة منها مُرتدية حجابها الزهري يُخفي جميع شعرها وزي العمل الرسمي المكون من بنطال قماش واسع وبلوزه تصل إلى خصرها ،،شعرت بشئ يجذب بنطالها للأسفل نظرت لها بإبتسامة مشاكسه وانحنت لتُصبح بمستواها وقالت بنبرة امومية حانية :

_ ايه يا حبيبتي عايزة حاجه ..


أشارت الصغيرة صاحبة الأربع سنوات لفمها وقالت :

_جعانة خالص يا مامي ..


_بس كدا عيوني يا قلب مامي ،،أنا عندي كام زينة في الدنيا يعني ..

حملت طفلتها ووضعتها على الطاولة وفتحت حقيبتها وأخرجت منها سندوتش وفتحته لها والتفتت لعملها مرة أخرى ...


 تذكرت ما حدث منذ خمس سنوات عندما قررت السير في حياتها التي اختارتها خاصة بعد علمها بما فعله هيثم بسمية وشعورها بالخطر على حياة طفلتها وقلبها الذي حطمه زين حتى لو لم يكن عن عمد لكن رغم حزنها منه لم تنساه للحظة واحدة حتى أنها أسميت إبنتها على اسمه لتكن "زينة" وأيضًا ابنتها دائمًا ما تذكرها بوالداها خاصة ببشرتها البرونزيه وعيونها الخضراء التي لطالما غرقت فيهما أما باقي ملامحها فكانت لسيدرا وخاصة شعرها الغجري الطويل باللون البني حقًا كانت ابنتها جميلة جدًا تسرق عقل كل من يتحدث إليها بلغتها العربية الاصيلة وكأنها لم تنشأ في فرنسا أبدًا ..

                _________________


في مصر "القاهـــــــرة"


"هيثــــــــم"


في احدى المناطق العشوائيه بمدينة القاهرة حيث يكمن تُجار المخدرات وتُجار السلاح والمجرمين على شاكلته ..


كان يجلس في شقة دور ارضي لا تصلح أبدًا للاستخدام الآدمي يعمل بجهد كبير وتركيز على انهاء جواز السفر المزور الذي طُلب منه ليفر أحد المجرمين لخارج البلاد 

عمل كـ مزور في الخمس سنوات الأخيرة خصوصًا بعدما خرج من السجن لـ مرته الثانيه بتهمة الاحتيال والنصب فقرر أن يتجه لأكثر شئ ماهر فيه "التزوير" ..

فأصبح يجني الكثير من وراء مهنته الجديدة ويتنقل في جميع المحافظات والمُدن حسب رغبته او ما تفرضه عليه الظروف 

                ________________


"في مكان أخر بالقاهـــــــرة"


"هانـــــــــــي"


كان واقفًا بنظارته الشمسيه مُصففًا شعره للأعلى بعناية شديدة مع ملابسه الشبابية المكونة من بنطال جينز وتيشرت اخضر شجري ينتظر بناته أمام الحضانه 


خرجت الفتاتين من البوابة ممسكتان بيد بعضهما البعض فسار نحوهما بخطوات مُسرعة وحملهما في أحضانه بحنو أبوي كل واحدة على ذراع وبدورهما شددوا على عناقه بحُب شديد واستقلوا السيارة وانطلقوا الى البيت ...


وأما عن "رامــــــــي"


لم تكن حياته خالية تمامًا من المشاكل ولكن باتت أكثر استقرارًا بعدما تم رفد نادين من عملها بأمر من خطيبة "أدهم" مالك الشركة فأضحت بلا عمل بين ليلة وضحاها ..

واستقرت أكثر بعد ولادة "سليم" الذي لم تعلم شوق به إلا عندما شعرت بإنتفاخ بطنها لتعلم انها حامل منذ اربعة أشهر ويرجع تأخرها في معرفة حملها إلى ما حدث من مشاكل وتوتر علاقتها بزوجها وسفر سيدرا ..

تذكر عندما ترك زوجته بعد ولادتها بثلاثة أشهر ليحضر ولادة شقيقته ويكون بجانبها في غُربتها ..

هو الآن جالس في صالون منزله بعدما عاد من عمله يشاهد التلفاز مع ابنه وهي تصنع التسالي في المطبخ ...                

                 ________________

     

في الصعيـد بمحافظــة قنــــا


"زيـــــــــن"


أما هو فعاد إلى حياته الروتنيه مرة أخرى بعدما فقد الأمل في ايجادها عاد إلى الصعيد ليباشر عمله مرة أخرى ولكن لم يعد إلى المنزل منذ غيابها عنه ..

قرر الاقامة في مكان عمله في مكتبه الخاص وطلب من ابيه أن يحضر له ملابسه من غرفته وأن تُغلق الغرفة لا يدخلها أحد

أيضًا حزنه ومرارة الفقد لم تكتفي بتنغيص حياته وإيلام قلبه فقط بل انعكست على وجهه وجسده فأصبح نحيفًا أكثر من ذي قلب ونمت لحيته وشعره قليلًا عن قبل أيضًا تغيرت بعض من طباعه فأصبح أكثر هدوءًا وحكمه عن قبل ...

                 ______________


في مكان أخر بالقاهرة خاصة إحدى المستشفيات الحكومية ...


"الف سلامة عليكي يا حجه ربنا يتم شفاكي على خير"


قالتها الممرضة "نورهان"وهي تغرز الابرة في المحلول وعلى وجهها إبتسامة صافية ..


انهت ما تفعله وخرجت من الغرفة فـ شعرت بإهتزاز هاتفها في جيبها يعلن عن مكالمة تنتظرها كل ثانيه لتسمع صوته التي عشقته عن ظهر قلب ..

نظرت لأسمه الذي يُنير شاشة الهاتف بعيون تزينهما لمعة العشق ورفعت الهاتف لأذنها مُجيبة بنبرة شغوفه :

_هيثم ..


_وحشتيني يا نونا ..


_انتَ كمان وحشتني اوي ،،عامل ايه 


_كويس ،،هشوفك النهارده 


_ماشي هستناك تعدي عليا ،،سلام يا حبيبي 


_سلام يا نونا


اغلقت الخط وعلى وجهها إبتسامة عاشقة وهي تتذكر كيف تعرفا إلى بعضهم البعض وكيف انه في كل شر يكمن الخير ...


عودة بالزمن سنة واحدة ...


دلف بخطوات هادئه وهو ينظر لكل من في الشارع بتركيز شديد وهو يتذكر حديث من دله على عنوانه وتذكر ايضا عرضه عليه أن يخلصه هو منه مقابل نقود أكثر لكنه رفض رفضًا قاطعًا وأخذ منه العنوان ..

كانت منطقة شعبيه جدًا ويبدو أن أهلها أناس خطرين للغاية ..

وقف وسأل أحد المارة عنه فـ عرفه للتو وأشار له ،،كان واقفًا يبتاع عُلبة سجائر والاخرى كانت في فمه ..


تحسس السكين حيث خبائه في ملابسه واقترب منه ببطء شديد وعينيه تشتعلان بنار الانتقام والثأر أكل قلبه حتى صار وحشًا متعطشًا لسفك دمائه وهدرها مثلما هدر دماء اخته واذهق روحها وهي في ريعان شبابها كان واقفًا خلفه مباشرة ولكزه في كتفه بحدة حاول تخفيفها حتى لا يُفضح أمره قبل اغتياله ،،انتفض الآخر على أثر لكزته وقرب ذلك الغريب منه إلى هذا الحد لكنه اعتاد على هذا من الأناس الذي يتعامل معاهم في مثل هذا المناطق ،،تنحنح بخشونه وقال :

_آمر يا باشا أقدر اساعدك في حاجه ..


_الأمر لله يا هيثم بيه ،،أنا جايلك مخصوص من طرف حد كان عزيز عليك جوي ..


كانوا واقفين في منتصف الشارع وكان الأخر خافضًا رأسه قليلًا كي يسمعه وذلك لفرق الطول بين الاثنين ..

أثارت كلماته رعب هيثم وخاصة بلهجته الصعيديه فنظر بخوف حاول تداركه وقال بنبرة منتبهه وجميع حواسه تيقظت وكل ما يجول في خاطره هو زين :

_من طرف مين مش واخد بالي ..


اقترب منه وأمسك بذراعه وهتف بفحيح يشبه فحيح الافعى بجانب أذنه وقال بنبرة متألمه محترقة وهو يتذكر وجهه شقيقته قبل دفنها : 

_سمية الله يرحمها ،،انا اخوها وچاي اوصلك سلامها دم اختي مش هيروح هدر 


كان يستمع لكلماته ويشعر بأن اطرافه تجمدت وفجأه شعر بشئ يخترق جسده بعمق وبعدها بدأ العالم يدور من حوله وشعر بسائل دافئ يتدفق من بطنه وسقط في وسط الشارع وفرّ الاخر سريعًا حتى لا يُقبض عليه ..


كانت جالسة مع موظفة الاستقبال بالمستشفى عندما ولج المسعفين بـ "ترولي" يحمل جسد شاب في مقتبل عمره قميصه غارق بالدماء فنهضت مسرعة تساعدهم ودلفت معه لتجهزه للعمليه بصحبة احدى زملائها ودلفوا إلى العملية التي استغرقت ساعتين تقريبًا وخرج وتم نقله إلى غرفة عادية لإستقرار حالته ..


بعد مرور عدة ساعات ...


استفاق هيثم وهو يأن بألم شديد واضعًا يده على مكان الجرح ،،نظر بإستغراب لجميع انحاء الغرفة ومن ثم انتفض فجأه بخضه فصاح من شدة الألم ..

تذكر ما حدث قبل ان يغمض عيناه وندى جبينه بحبات العرق خوفًا من مجئ الشرطة الان للتحقيق معه وكشف قضية سمية التي أغلقت وتصوب إليه أصابع الاتهام ..

دلفت هي في تلك اللحظه وصُدمت عندما وجدته يحاول النهوض من مكانه فأسرعت إليه تدفعه من كتفه برفق ليستلقى ثانية ولكن هو لم يستسلم لها وأردف بضيق :

_انا لازم اخرج من هنا الوقتي حالا 


_لا طبعا ،،مينفعش انت لسه خارج من العمليات ..


قال بإستنكار وهو يحاول النهوض مرة اخرى :

_مينفعش افضل هنا ،،لو الشرطة جت قبل ما انا امشي من هنا هروح في داهيه 


تمتمت نورهان بنبرة متسائله :

_ليه تروح في داهيه انت عليك قواضي وهربان منها 


هتف مُسرعًا بنبرة مُضطربة متصنعًا البراءة والمسكنة :

_لا انتِ فهمتيني غلط ،،اللي ضربني اخته اتقتلت وعايز يلبسني الليلة لو الشرطة جت وفتحت محضر وتحقيق انا هروح فيها ،،

ساعديني عشان خاطري هترتاحي لما حبل المشنقة يتلف على رقبة برئ


أردفت بقلب ساذج تأثر بكلماته الماكرة قائلة بإستنكار :

_لا طبعًا ميرضنيش ،،بص انا هخرج اشوف الوضع ايه برا واجيبلك اي حاجه تخرج فيها 


تنهد براحة شديد وقال بنبرة تنتوي على نية خبيثه مُصطنع الود:

_ربنا يخليكي ليا ،،جميلك دا عمري ما انساه

اكتفت بإبتسامة خجوله وسارت للخارج ..


"عودة بالزمن مرة أخرى"..


تنهدت وهي تتذكره وقلبها الأحمق يتوق شوقًا إليه وكيف لم ينساها لعدها وتردد عليها بكثرة ومعه الهدايا والكلمات المعسولة حتى ذابت في عشقه 

                 ________________


"في الصعيـــــد "..


أسدل الليل ستائره ومع حلوله تأججت نيران الأشتياق والندم في صدر أحدهم ..


أنهى عمله ذلك اليوم وكعادته أخذته أقدامه إلى إحدى الاراضي الزراعية التابعة إليهم ،،

إتكأ على شجرة عريقة تكبره عمرًا فهي منذ عقود كثيرة ،،كانت الظلمة تُحيط به في كل مكان ينير ظلمته فقط القمر الساطع فوق رأسه ولطالما شبهها بذلك القمر وحقًا فهو يجزم أنه من وقت فراقها لم تشرق على قلبه شمسًا واحدة تُذيب ذلك الجليد بقلبه الذي يتفاقم كل يوم أكثر من ذي قبل ..

أخرج صورة تذكارية من محفظته ونظر إليها بإشتياق ومن ثم تبعها إبتسامة ساخره على الحال التي وصل إليها ..

كانا واقفين أمام برج إيڤل بدولة فرنسا حيث قضيا أسعد أيامهما هناك ..

كانت ملتصقه به رأسها على صدره وتلف يديها حول خصره وكان هو ينظر للمصور بإبتسامة جذابة ويلف يده حول كتفها يضمها إليه بعشقٍ وحنان ويده الأخرى بجانبه ..

تذكر جملتها وقتها وكانت تتحرك بعفوية كثيرًا كـ شعلة نار من فرط الحماس : 

_بص احنا هانقف كدا وانتَ حط إيدك على كتفي وايدك التانيه خليها جنبك وهانتصور كل عيد جواز زيها لحد ما يبقى عندنا نونا صغننه إنتَ هاتمسكه أو هاتمسكها في إيدك التانيه ونصور زيها كل سنة مع ولادنا عشان لما نكبر نقعد جمب بعض ونتفرج على الصور دي ونفتكر أيامنا الجميلة دي عارف يا زين هانبقى عيلة جميلة اوي ..


ترقرقت العبرات بمقلتيه وقال بنبرة نادمة مقهورة :

_مكنتش اعرف وجتها أن هيحصل كل دا ،،مكنتش عارف إني هضيعك من أيدي وافضل اتحسر عليكي طول العمر يا حبة جلبي ،،كنت فاكر هتفضلي دايمًا چنبي ومعايا  ،،يارتني كنت مت ولا اعيش وچع خسارتك وفراجك يا سيدرا ،،يا ترى إنتِ فين ومين بياخد باله منك ،،يا ترى بجيتي أم ولا مات مع كل حاچه ماتت جبل ما ينولد ..


____ (جحيــــم حُبــــــك 2) ____

     ____ (بين عشقـــه وإنتقامــــــه) ____

       ____ (الفصـــل الواحد والعشـــــــرون)____

    _____(" بعيدة جدًا رُغم قُربك")_____

                         ______________


"ايه اللي بتقوله دا يا هيثم ،، مستحيل طبعا اوافق على حاجه زي دي"

قالتها"نورهان"بنبرة استنكارية حادة ردًا على ما القاه على مسامعها منذ ثواني .. 


رد عليها هيثم بتبرير يحاول اقناعها بما يُمليه عليه شيطانه في جذب تلك الفتاة البريئه لمستنقعهم المُظلم :

_يا نورهان الجواز العرفي زمان غير الوقتي وبقى ناس كتير زيي وزيك بيتجوزا كدا الوقتي ولما ربنا بيسهلها بيكتبوا رسمي ،،انتِ ليه مكبرة الامور كدا 


اردفت في إصرار على رفض طلبه بنبرة متوترة :

_مينفعش يا هاني سمعت انهم بيقولوا حرام وبعد كدا الواحد بيفسخ والبنت بتفلق دماغها في الحيطه ،،لا يا هاني انا عليا من دا كله بايه انا هستناك تجهز نفسك براحتك وتتقدم ..


_إنتِ بتتكلمي في نقطة ثقة فيا مش حرام وحلال يا نورهان ودي تفرق ،،احساسي انك مش واثقه فيا دا ممكن يخليني معتش اقدر ابص في وشك تاني بعدما قولت خالص لقيت اللي تحبك وتحتويك بعدما الكل غدرك وبعد عنك عايزة تطلعي زيهم يا نورهان ،،عايزة تظلميني وتظلمي قلبي معاكي زي ما عملوا ،،دا انا قولت انتِ مش زيهم بس للأسف ..انا ماشي يا نورهان مش قادر اتحمل صدمات اكتر من كدا وهقفل الفون فترة ،،انا اديتلك العنوان قبل كدا لو وافقتي تنوريني في اي وقت ..سلام


القى على مسامعها تلك الكلمات بإتهام وصمتت هي كـ مذنبة أمامه وغادر المكان بأكمله وتركها مع قلبها الساذج ووساوس شيطانها ...

                 _______________


"في منزل سليم العياد" ...


كانت شوق وشمس مجتمعتين في منزل سلوي يتبادلون اطراف الحديث والصغار يلعبون في الصالون 

وسليم في مكتبه مع هاني يناقش قضية ما ورامي يُشاهد التلفاز ويقزقز اللب بإنسجام شديد ..


جاءت "ملك" إبنة هاني تبكي ودفنت رأسها بأحضان شمس التي بدورها ضمتها إليها ومسحت على شعرها بنحو أمومي وقالت :

_مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه .


_سليم زقني على الأرض ورجلي اتعورت 

قالت الطفلة صاحبة الست سنوات تقريبا من بين بكائها وهي تشير إلى قدمها بحُزن 


_مزقتهاش يا ماما احنا كنا بنلعب ووقعت لوحدها 

غمغم الطفل الصغير ذو الاربع سنوات بتلك الكلمات بطريقة طفولية 


_جول انا اسف وبوس راسها يا سليم 

قالتها شوق بحدة بسيطة فتابعت شمس قائله بنبرة هادئه وهي تجفف دموع إبنتها المتبناه وقالت :

_خلاص حُصل خير يا شوج ،،خد بالك يا سليم بعد كدا وانتوا بتلعبوا ،،خلاص يا ملك متزعليش يا حبيبتي سليم بيحبك وميجصدش يوجعك 

اومأت ملك بالأيجاب وتقدم سليم منها وأمسك بيدها ليذهبوا ويكملوا لهوهم وعادت النساء إلى حديثهن ....

              _________________


"بعد مرور عدة أسابيع" ..


مع اقتراب هذا الميعاد من كُل سنه تسوء حالته كثيرًا وأحيانًا يصل به الأمر إلى الأعياء 

مع اقتراب "ذكرى زواجهم"

اعتاد أن يسافر إلى فرنسا كل عام ليُحيي ذكرى زواجهم بمفرده والتزم بذلك طوال الخمس السنوات التي مضت وهو الأن يُعد حقيبته ليُسافر لإحياء الذكرى السادسه من دونها فقط يجلس وحيدًا في جميع الاماكن التي ذهبوا إليها سويًا من قبل ويتحسر على فعلته بحقها ..

اعتاد أن يقضي أسبوع قبل عيد زواجهم ويغادر في نفس اليوم ..

يذهب إلى أخر مكان ذهبوا إليه والتقطوا صورتهم المميزة ويغادر بعدها إلى المطار .. 

ارتدى ملابسه عبارة عن قميص أسود وبنطلون من القماش باللون الأسود أيضًا وقام بتصفيف شعره وتهذيب لحيته ليصبح جذابًا أكثر من قبل بطوله الفارهه وأناقته في اللون الأسود رغم أنه يرتديه حزنًا عليها وعلى فراقها له وأنه أصبح لا يرى الحياة دونها سوى سوداء بغيضة فهجر الألوان حتى في ملابسه ..

طوى صورتهما وأدخلها في محفظته ووضعها في جيبه وحمل حقيبته بها بعض متعلقاته وملابس قليله تكفيه لمدة اسبوع وغادر مكتبه متوجها إلى المطار ...

                  ______________

     

وصل مساء ذلك اليوم إلى فرنسا وتوجه إلى الفندق الذي قضوا فيه "شهر العسل" واخذ مفتاح الغرفة وصعد ..

                  ______________


في مكان أخر بفرنسا ..

في شقة سيدرا ..


كانت نائمه على ظهرها شاردة وشعرها مفرود حول رأسها ومازال محتفظ بطوله الجميل بل طال أكثر وداخل احضانها كانت تنام إبنتها شاردة أيضًا ووالدتها تغلغل أصابعها داخل خصلات شعرها الطويل ..

لاحت في ذاكرتها ذلك الحلم التي رأته يوم موت جنينها الاول ..


"عودة بالزمن"..


كانت واقفه تنظر بسعادة لتلك المشاهد الطبيعيه الخلابه الخاصة بتلك المدينة الفرنسية التي يذهبون إليها في كُل ذكرى ثانوية خاصة بزواجهم ،،شعرت به يحتضنها من الخلف واضعًا رأسه على كتفها وينظر إليها بولّه شديد ومال على عنقها يُقبله بعشـق جارف فأغمضت هي عينيها بسعادة بالغه مُستمتعه بتلك اللحظات العاشقة ،،لكن شعرت وكأن موجة ساخنة تلفح وجهها ،،صوت النيران تلتهم ما حولها وشعرت بفراغ شديد خلفها وكأنها وحدها في تلك النيران ،،فتحت عينيها لترى ذلك المنظر البشع ،،نيران تحيط بها في كُل مكان ،،إلتفتت حولها ونادته بصوت مذعور مُرتجف وخائف ،،تُنادي ملاذها الوحيد ،،ذلك الحائط التي كانت تستند عليه منذُ لحظات ،،صرخت بصوت نابع من أعماق قلبها المُرتجف ،،صوت يخشى أن يبقى وحيدًا ،،صوت طفلة تبحث عن أبيها وسط تلك النيران :-

-زيــــــن ،،زيـــــــــن ،،زيــ......


صمتت فجاءه عندما رأته خلف تلك النيران ينظر لها بعينين سوادء تشتعلان غضبًا كـ تلك النيران ،،وكأنها رأت ذاك الذي عرفته من قبل ليس زوجها العاشق ،،رأت "زين" قبل ذلك الحادث الذي تعرضت له ،،مدت يدها إليه تُناديه ،،تستغيث به من تلك النيران التي أوشكت على إلتهامها هي الأخرى وبدأت عبراتها بالسيلان وهي تشعر بمرارة القهر والخذلان ،،إبتعد هو بخطوات بطيئه للخلف فإزداد صراخها عليه بالتوقف وإثارة شفقته على حالها ،،إتسعت حدقتيها بصدمة عندما رأت الأخر يظهر متقدمًا صوبها من خلف "زين" ،،قالت بصوت مبحوح خائف وهي تومئ يمينًا ويسارًا رافضة ما تراه عينيها :-

-هيثم ،،لا زين ،،زين متسبنيش ،،زين انتَ وعدتني مش هتكسرني ،،زيـــــــن ...


سقطت على رُكبتيها صارخة بإسمها وهي تراه يبتعد عنها والأخر يقترب وأضحت هي بينهما وسقطت في نيرانهما رأت "زين" ينظر لـ "هيثم" وينظر لها وكأنها تساوت في عينيه مع ذاك ،،هي زوجته حبيبته معشوقته وليست عدوته كيف يتركها له ،،كيف يتخلى عنها ،،شهقت بإنهيار وتقطعت أنفاسها وهي تهتف بإسمه من كثرة البكاء ومن دخان النيران وكأن هناك المزيد من البكاء الذي لم تبكيه بعد ،،تزداد الشهقات والعبرات وتزداد قوة تلك القبضه التي تعتصر قلبها فتمزقه تمزيقا ،،إختفى زين وظل هيثم واقفًا هناك يستمتع برؤية عذابها وإختناقها وسط تلك النيران ،،سعلت بقوة وبدأت قوتها بالتلاشي والإنهيار ،،إستندت بكفيها على تلك الارضية ورأسها منخفض وخصلاتها تُغطي وجهها من الجانبين ،،منتظرة تلك النيران لتأكلها لن تكون أكثر ألمًا من تلك النيران المُشتعلة داخلها ولكن إخترق أذنها صوت حاني رقيق ،،نظرت تجاهه لتجد طفلة صغيرة بهيئة ملاك واقفه معها بتلك النيران ولكن تبدو بعيدة جدًا وتمد إليها كفها الصغير وهي تقول:-

-ماما ،،ماما تعالي هنا ،،تعالي معايا ...


فتحت عينيها بثقل شديد وكانت تحاول أخذ أنفاسها بصعوبة شديدة لكن بالفعل قد إختنقت بدخان تلك النيران وسقطت على تلك الارضية ،،نظرت حولها بضعف قبل ان تفقد وعيها ،،كانت هناك النيران وكان هيثم أيضًا ينظر لها بتشفى وصوت تلك الفتاة يتردد بإذنها ومن ثم اغمضت عينيها عنوة وقد أكلت النيران داخلها وطالت جسدها......


عادت مرة أخرى للواقع ونظرت لإبنتها فجأة بتركيز شديد وبدأ الحُلم يتضح لها أكثر بعد جهلها لمعناه كثيرًا 

قالت الطفلة وهي تبادلها النظرات :

_في حاجه يا مامي . 


استفاقت من شرودها في وجه إبنتها وقالت بنبرة مُضطربة :

_مفيش يا حبيبتي يلا نامي 


قالت الفتاة تلك الكلمات بحُزن شديد وهي تنظر لأمها بعينين دامعتين :

_مامي هو بابي مش بيحبني زيك ليه ..


نظرت لها سيدرا بصدمة وقالت :

_ايه الكلام دا يا زينه ،، بتقولي كدا ليه ..


_عشان بابي مش عايز يشوفني ،،انا بحبه وعايزة اشوفه ليه هو مش بيحبني وبيجي عشان يشوفني 


ضمت إبنتها إلى احضانها ومسدت على شعرها بحنو قائله وشعورها بالذنب يفتك بها:

_لا يا زينه بابا بيحبك اوي وعلى طول بنتكلم وبيسأل عنك بس انتِ بتكوني نايمه ودايمًا بيبعتلك لعب وحاجات حلوة 


إبتعدت الفتاة عن أحضان والدتها وقالت بإنفعال طفولي ممتزج بشعورها القاسي بالحرمان :

_بس أنا مش عايزة لعب انا عايزة اشوفه يا مامي ،،عايزة بابي يشيلني ويحضني ويخرجني زي بابا اصحابي ،،ليه يعني هما باباهم معاهم وانا لا 


تعلم جيدًا ابنتها وانها لن تصمت عن الكلام في ذلك الموضوع طالما بدأت فيه فقالت وهي تحاول الهروب من الموقف :

_نامي يا زينه وبكره نتكلم ،،وقولتلك قبل كدا متبصيش لحد يا زينة 


هتفت البنت بعناد قائله :

_بس انا مبصتش انا قولت عايزة بابي زيهم 


ارتفع صوت سيدرا قليلاً وقالت بحدة :

_وانا قولت نامي يا زينه ،، نامي 


القتها الطفلة بنظرة غاضبة أخيرة قبل أن تدير لها ظهر وتتقوس كالجنين وتنام على طرف السرير 


قوست الاخرى فمها بحزن وولتها ظهرها وتقوست أيضًا على نفسها ونامت على طرف السرير الأخر وسالت دموعها وحديث ابنتها يُقطع قلبها إربًا ..

                 _____________


في الفندق بفرنسا ..


كان نائم على ظهرها ويديه تحت رأسها وكلماتها تُصم أذانه من قوتها :


_مش مسامحك يا زين ،، البيت كله يشهد عليا ..

برائتي هتظهر ومش هسامحك يا زين سامعني ،،اوعدك مش هاتشوف وشي بعد النهارده مقدرتش اثبتلك برائتي بس انا قد وعدي يا زين ،،بكره الايام تندمك على كل مرة كسرتني فيها وكل مرة شكيت فيا ،،بكرة تعرف ان محدش حبك قدي وصانك قدي بس مش هتلاقيني يا زين ،،سيدرا ماتت النهارده يا زين وانت اللي موتها ...


استقام في جلسته واحتوى رأسه بين يديه والندم يفتك بقلبه ...وردد في داخله بكسرة وقهر :

_يارب رجعها ليه ،،يارب معتش قادر على بعدها ،،يارب متحرمنيش منها اكتر من كدا انا اتعلمت الدرس خالص ..يارب 

                 _______________


مرت أربعة أيام أخرى وقرر في ذلك اليوم أن ينزل للمطعم المقابل للفندق ليتناول به فطوره 

ارتدى نظارته الشمسية السوداء وقمصيه الاسود وبنطاله وسار دالفًا إلى المطعم أثناء خروجها من جانبها لتضع كيس القمامة بالصندق بجانب المطعم ..

نعم هي .....!!

لوهلة إنقبض قلبها عندما شعرت بهالته حولها قريبة جدًا حد الهلاك خفق قلبها بقوة وهي تنظر لباب المطعم كانت تضع يدها على قلبها وكأن تستشعر نبضاته وتحاول فهم لغته يُخبرها انه هنا بجوارها ومحيطها ولكن اسكتت نفسها قائلة لابد انك تتوهمين ..

اما هو فشعر بنفس المشاعر ونظر حوله باحثًا عن طيفها في المكان ولكن عاد ليبتسم بسخرية وعقله يصفعه قائلًا "

أأوصلك عشقك لها حد الجنون يا هذا أجلس كالأناس ولا تحدث شغبًا فانتَ لن تستطيع الوصول إليها أبدًا"


أكمل سيره إلى احدى الطاولات ليكن ظهره لباب المطعم وطلب طعامه 

دلفت إلى المطعم بعدما حاولت استجماع نفسها وقابلت إبنتها عند باب المطبخ تلهو بكورتها فذهبت إليها لتعبس الفتاة تلقائيًا وتُدير ظهرها إلى والدتها فقالت سيدرا بحنق :

_خلاص انتِ حرة يا زينه ،، بس خليكي حاطة في دماغك بابا مش موجود ومقدرش اجبيهولك ..


أخذت سيدرا الطلبية من النادل ودلفت لتحضرها والفتاة نظرت لأثر والدتها بضيق شديد وسارت في ارجاء المطعم مخالفة لأوامر والدتها بالتزام المطبخ او تقف عند بابه وأخذت تلهو بالكورة حتى فلتت من بين يديها وتصدم قدمه ..


شعر بشئ خفيف ضرب قدمه فنظر له ولها فلفتت نظره فقام بخلع نظارته ليراها بشكل أوضح ..

كانت فتاة قصيرة ترتدي هوت شورت جينز وقميص بناتي أبيض بنصف كم وشعرها الغجري بني اللون ينسدل على كتفيها وظهرها ليصل إلى خصرها ولكن أكثر ما جذبه فيه عبوسها 

لاحت في ذاكرته اول مرة اشتبك بـ سيدرا في السرايا وكانت بنفس هيئتها الغاضبه ..

افاقه من شرودها ذهابها إليها وانحنت تأخذ الكورة واعتذرت قائله باللغة العربية غير عابئه بتعليم والدتها لها للغة الفرنسية :

_أنا أسفة 


أمسك ذراعها بتلقائية وقال بإبتسامة وهو ينظر لملامحها الجميلة ويشعر بشئ غريب يجذبه إليها جذبًا :

_إنتِ بتتكلمي عربي يا جميلة ..


تمتمت الفتاة وهي تنظر إليه بإستغراب تبعه إنبهار :

_اها مبحبش اتكلم زيهم ،،انت كمان بتتكلم زيي..


_اممم ،،انا مصري وانتِ كمان شكلك مصرية 


_ايوه انا زينه انت اسمك ايه 


ظهرت علامات الاندهاش على محياه وقال لها بنبرة متعحبه :

_ايه دا بجد ،،انتِ اسمك زينة 


_اها مش بهزر في اسمي على فكرة 


تبسم على بلاغتها وروحها الخفيفه وقال ومازالت الابتسامة على وجهها واستطاعت الفتاة أن تُخرجه من اكتئابه دون أن يشعر :

_طيب متزقيش كدا ،،اصل انا اسمي زين عرفتي انا بسألك ليه 


إتسعت حدقتيها الخضرواتين وقالت بدهشة طفولية :

_يعني انت اسمك زي اسمي 


حملها من على الأرض لتجلس على قدمه ونظر لها بحب وهو يتأمل ملامح وجهها البرئ وقال :

_إنتَ بتعملي ايه هنا ،،فين بابا وماما 


_مامي جوا في المطبخ واما مخصماها عشان كدا قعدت برا 


_ينفع كدا في بنوته شطورة زيك تخاصم مامتها 


_مامي هي اللي مش راضيه تجيبلي بابي ،،وانا هفضل مخصامها كدا لحد ما بابا يجي من السفر


نظر لها بإعجاب شديد لفصاحتها وطلاقة لسانها وذكائها الواضح من حديثها وقال بتساؤل :

_ماشي يا حبيبتي وماما تعمل ايه هو بيسافر عشان يشتغل ويجبلك اكل ولعب وفساتين 


_انا مش عايزة كل دول ،،انا عايزة اشوف بابا بس واحضنه حضن كبير زي اصحابي وينام جمبي ويحكلي حدوته 


نظر لها زين بعينين ادمعتا من كلماتها المؤثرة واصاب قلبه رجفة قشعرت بدنه وتخيل إبنته او ابنه الأن في نفس مكانها يبحثون عنه ولا يجدونه يتوقون إلى حبه وحنانه ولا يحصلون عليه ..

قال لها وهو ينظر لعقدة حاجبيها وتقوس فمها الطفولي الحزين وهو يفتح ذراعيه قليلًا ليدعوها لترتمي بأحضان أب فقد لذة ذاك العناق :

_طيب ممكن تحضنيني انا ،،انا كمان كان نفسي احضن بنتي اوي 


نظرت إليه الفتاة بعينين جرو صغير واقتربت منه وعانقته بقوة فبادلها العناق ودقات قلبه كانت مثل طبول تُقرع في حدث عظيم وهو يشعر بأن تلك الفتاة بعناقها أحيت داخله شئ مات منذُ سنوات ،، روت ظمأه لعناق إبنته او ابنه ،،انتفاضة قلبه وكأنه يحاول إخباره أنه يضم حبة قلبه إبنته التي يتوق شوقًا لشم رائحتها وتأمل ملامحها وعناقها وأن ينهي يومه بقصة يرويها لها لتغفو داخل أحضانه كل ليلة !!..

            الفصل الثانى والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>