رواية بين عشقه وانتقامه الفصل الثانى والعشرون والثالث والعشرون بقلم علا محمد فائق


 (جحيــــم حُبــــــك 2)

(بين عشقـــه وإنتقامــــــه)                                           (الفصـــل الثاني والعشــــــرون)

والفصل الثالث والعشرون 

بقلم علا فائق

___"بـــــــــابــــــــــا"___

                                         ____________


نظرت إليه الفتاة بعينين جرو صغير واقتربت منه وعانقته بقوة فبادلها العناق ودقات قلبه كانت مثل طبول تُقرع في حدث عظيم وهو يشعر بأن تلك الفتاة بعناقها أحيت داخله شئ مات منذُ سنوات ،، روت ظمأه لعناق إبنته او ابنه ،،انتفاضة قلبه وكأنه يحاول إخباره أنه يضم حبة قلبه إبنته التي يتوق شوقًا لشم رائحتها وتأمل ملامحها وعناقها وأن ينهي يومه بقصة يرويها لها لتغفو داخل أحضانه كل ليلة !!..


ابتعدت عنه الفتاة وهي تُرتب خصلاتها بخجل طفولي ممزوج بسعادة طاغية فابتسم لها زين بسعادة مماثلة لسعادتها وأربت على ظهرها بحنو وجاء النادل بالوجبة التي طلبها ..


وضع النادل الوجبة أمامهم فاعتدل زين وزحفت هي لتنزل عن قدمه فحملها وأعادها على قدمه مرة أخرى وقال متصنعًا الجدية :

_بتنزلي ليه 


_عشان تاكل 


_ما انتِ هتاكلي معايا مش هاكل لوحدي انا 


_بس انا مش جعانه 

زمت شفتيها بحنق وقالت بكذب ..


_وبطنك اللي بتصوصو من الصبح دي مش جعانة بردو 

أشار لبطنها ورفع حاجبيه وهو يقول لها ببراءة 


صاحت بغضب طفولي وهي تمسك وجنتيها بكفيها الصغيرين :

_يوووه ،،انا مش عايزة اكل


_فيه حد يقول لصاحبه يووه مش عايزة اكل ،،عايزة تسيبني اكل لوحدي يا صاحبتي 


نظرت له ببراءة طفلة وأربتت على كتفه الضخم بكفها الضئيل وقالت بنبرة حانيه جدا :

_خلاص متزعلش هاكل معاك ،،انت مش ليك اصحاب خالص 


اومأ لها بالأيجاب وقطع جزء من الخبز ومزجه بأحد الاطباق أمامه ودسها في فمها وحضر أخرى له ..

قالت بعدما بلعت اللقمة التي بفمها بشئ من الحزن :

_انا كمان مش ليا اصحاب


_مصاحبتيش حد هنا ..

غمغم بتركيز وهو ينظر لها بعدما أطعمها لقمة أخرى  


_لا ،،العيال اللي هنا وحشين وبيضحكوا على شعري ولوني 

(زينة بشرتها برونزيه زي زين وشعرها كيرلي زي سيدرا)


_مالهم شعرك ولونك انتِ زي القمر ما شاء الله 


_عشان مش شبه البيضه زيهم ،،انا بكرههم 


_لا يا حبيبتي مش المفروض تكرهيهم حتى لو هما وحشين معاكي دا مش سبب يخليكي تكرهيهم 


_انا مش عايزة احبهم ولا اكرهم ،،انا عايزة اروح عند خالو واشوف تيتا وجدو


_وجدو وتيتا فين 


_في مصر ،،ممكن تاخدني ليهم يا زين 


_وماما 


_ماما مش راضية نروح مصر


_وانتي بتطلبي مني تروحي لوحدك !! 


طأطأت رأسها وصمتت في حزن ممزوج بخجل فرفع ذقنها ليرى وجهها الملائكي الجميل وقال وقد ارتجف قلبه لحزنها :

_عرفيني ماما فين وانا هقنعها اننا ننزل نشوف جدو وتيتا 


_مش هترضى ،،خالوا قالها كتير ومرضتش وهتزقعلي عشان انا كلمت حد غريب 


_متزعليش يا زينة اكيد ماما هتوافق بس انا عايز اشوفها واتكلم معاها 


_ليه 


_عشان اخد رقمكوا واكلمك على طول وممكن اقدر اقنعها انكوا تنزلوا مصر 


_انا مخاصماها لما اكلمها بقى 


_راسك ناشفه اوي يا زينة

حركت كتفها بلا مبالاة وزمت شفتيها بضيق وزحفت لتنزل من بين قدميه وركضت سريعًا مبتعدة عنه فأشار لها بيديه وعلي وجهه إبتسامه مُحبة وعينيه متعلقتين بطفلته الجميلة وقال بصوت مرتفع قليلا :

_هاجي بكرة تاني يا زينة ،،هستناكي 


اكتفت بالرد على كلامه بإبتسامة ولوحت بيدها وسارت بعيدا عنه ومعها كورتها الصغيرة ..

                  __________________


في مصر ..


كان جالسًا في احدى الشقق السكنية التي انتقل اليها حديثا يشاهد التلفاز فسمع رنين الجرس ..،،

استقام من جلسته وتوجه لفتح الباب ووجدها فشق ثغره ابتسامة منتصرة لتوقعه الصحيح بمجيئها ..


قال بإبتسامة مُنتصرة بنبرة تنطوي على خُبث :

_كنت عارف ان حبك ليا اكبر من اي حاجه تانيه في الدنيا دي ..


_مش قادرة اشوف غيرك في حياتي ،،مش على بعضي من ساعة ما بعدت عني ،،خليك جمبي على طول ي هيثم ..


_تعالي اقعدي يا حبيبتي ربنا ما يجيب فرقة تاني ،،

انا مجهز الورق جوا اجيبه ونمضي ولا ..


_جيبه يا هيثم وامري لله ،،متعرفش انا واثقه فيك ازاي 


_بكره تعرفي انتِ وثقتي في مين يا حبيبتي ،،بكره الايام تثبتلك انك عمرك ما كنتي غلط ..

                       ____________ 


"في فرنسا"

أسدلت شمس اليوم التالي خيوطها الذهبيه وحلت الساعة التاسعة صباحًا ..


في منزل سيدرا ..


_هتفضلي ساكته كتير كدا يا زينه ..


_انا مخاصماكي يا مامي لو سمحتي متكلمنيش 


_كدا يا زينه ينفع تخاصمي ماما صاحبتك حبيبتك عشان حاجات تافهه ..


_بابي مش حاجه تافهه ..


_طبعا يا حبيبتي بابا اهم حاجه في الدنيا بس مينفعش بردو تخاصميني عشانه انا ماما يا زينه ..


_مليش دعوة انا عايزة اشوف بابا ،،او انزل مصر 


_خلاص انتي حرة يا زينه متتكلميش وانا معتش مكلماكي اتفضلي قدامي 


_ماشي 

                      _______________


على الجانب الاخر ..

استيقظ زين من نومه وهو في حالة نشاط غريبة وكأنه يُريد أن يُحلق في السماء ويرجع ذلك الى رؤيته ابنته ليلة امس في منامه كانت تعانقه بقوة لم يتبين له ملامحها ولكن شعر بها وبقلبها الحنون يربت على قلبه المنهك بحنو طفولي جعل كل الامه تتماثل للشفاء ،،بداخله طاقة غريبة وشئ يسحبه لرؤية الفتاة الصغيرة صاحبة العناق السحري امس وكأنه يرى بها طفلته الصغيرة التي لم يرى وجهها او وجهه حتى الان ..

ارتدى ملابسه على عجلة منه ونزل للاسفل وسار بضع خطوات ليدلف الى المطعم 

وكانت الاخرى تشتري بعض المتطلبات الخاصة بها من محل مقابل للمطعم فرأته الفتاة فأردفت بصوت عالي بعض الشئ 

_زين


لم يسمعها زين ولكن الأخرى سمعتها جيدا واخترق نداء صغيرتها قلبها قبل أذنها وقالت بخضه :

_بتنادي على مين يا زينه 


_مبكلمكيش 


_ماشي يا زينه اتفلقي 


عقدت الفتاة حاجيبها وذراعيها وقالت بحنق:

_هتفلق يا مامي هتفلق 


ساروا الى الجانب الاخر ودلفوا للمطعم وذهبت الفتاة للداخل وسط الزبائن تبحث عنه دلفت سيدرا قبلها للمطبخ لتبدا عملها 


رأته يجلس بشرود فسارت بهدوء تجاهه و:

_بخ


تفاجأ بها وسريعا ما اصدر قهقه خفيفه عليها وجذبها من ذراعها واوقفها امامه متأملا وجهها البرئ بإشتياق :

_وحشتيني يا قردة ،،عامله ايه 


_عامله سندوتش تاكله 


_وحشني لماضتك يا اوزعه تعالي على رچلي 


_لا مش هاجي على رجلك عايزة اقعد على كرسي انا كبيرة 


_حاضر يا كبيرة عدي الناحية التانيه عشان اطلعك


_شكرا شكرا 

قالتها بغرور مصطنع وهي تقلد النساء البالغات في المشية والحديث ووقفت عند الكرسي فرفعها هو بإبتسامة مُحبه ..


_عامله ايه النهارده ..


_يوووه ،،تاني عامله ايه 


_مالك بس متعصبه ليه 


_ماما قالتلي اتفلقي


_ليه كدا 


_اتخناقنا الصبح في البيت وقالتلي متكلمنيش ولما ناديت عليك وانت داخل سالتني عليك فقولتلها متكلمنيش


_ناديتي عليا امتا ،،وبعدين عيب اكده يا زينه ايه العند دا ..


_عند عند انا عايزة يبقى ليا اهل واصحاب وهي مش راضيه 


_خلاص خلاص متزعليش ،،افطري وانا هجابل ماما واحلهالك 


_لا 


_لا ايه


_لا متشوفش مامي 


_ليه


_كدا 


_خلاص ماشي ،،اطلبلك ايه بقى 


_مش عايزة اكل 


_خلاص يبقى هطلبلك اللي هطلبه ليا 


_مش هاكل 


_هأكلك انا 


ابتسمت الطفلة بخجل وقد اذاب عِندها الشديد بحنوه ولين معاملته معها وقالت :

_ماشي

                        ____________


بعد مرور حوالي نصف ساعة من الحديث والضحك والمشاكسه وقد اعتادت الطفلة عليه اكثر فتناست والدتها التي خرجت للتو لتبحث عنها !!!!


خرجت سيدرا من المطبخ وقد اثار غياب طفلتها كل هذه المدة حتى لو كانت قصيرة قلقها ..

نظرت للطرقات بين طاولات الزبائن ولكن الفتاة غير موجوده فبدأ القلق يترعرع داخلها اكثر ..

كان المكان واسع يشمل ثلاث صفوف متوازية من الطاولات ،،سارت في الطرقة الاولى ونظرت نظرات متفحصة للطاولات على الجوانب الاخرى ولكن تلك النظرة الشاملة لم تهدأ القلق داخلها حيث لم تلتقط عينيها اثرًا لطفلتها ..

عادت مرة اخرى وهي ترمي النظرات هنا وهناك حتى لمحت طفلتها جالسة على طاولة وامامها طعام ،، عقدت حاجبيها بغضب منها وداخلها غير مرتاح لطفلتها وقلب الام يخبرها ان تفعل مصيبة ما ..

همت بالتحرك تجاهها ولكن شُلت قدميها وتصنمت وهناك برودة قاسيه اعترت اطرافها وقلبها وهي تراه امامها مرة اخرى بعد خمس سنوات تجرعت فيها مرارة الشوق والالم وقسوة الفراق وعاد حديثه القاسي يتردد بأذنها مرة اخرى وكأن ساحة المطعم اضحت فجاه بهو سرايا "الصياد "وهي واقفه بالمنتصف تنتفض بقوة من شدة البكاء وهو أمامها بوجهه العابس الغاضب


"عودة بالزمن"


قال بقلبً اعتصره الألم ونحى بصره عنها:

_شش مش عايز اسمع منك كلمة ولا حتى عايز اشوف وشك بعد الوقتي وابني مش هايبقى اغلى من اللي قبله اللي نزلتيه عشانه بردو دا لو كان ابني ..


جذبها من ذراعها بعنف صوب الخزانه وهي تتوسله بين شهقاتها أن يتركها تفسر له ان يُصدقها فقط ..


_يا زين ..بالله عليك اسمعني ..متظلمنيش يا زين ...


جذب عبائة مفتوحة وحجاب لها من الخزانه وقام بوضوع العباية على اكتافها بلا مبالاة لها وأمسك ذراعها بعنف وخرج بها من الغرفة يجرها جرًا بعد المغص الذي أصابها وكأن هناك من يلكمها بأسفل بطنها وكان كل من في البيت بدأ يسمع شجارهم وخرجوا من غرفتهم ،،صرخت هانم فيه عند رؤيته يجرها بهذا الشكل وشياطنه امتلكه ..


نزل بها حتى البهو ودفعها بعنف فالتقفتها أمه كـ ورقة هزيلة ترميها الرياح من هنا لـ هُناك ..

رمى الحجاب خلفها وأدار ظهره ليصعد للأعلى ولكن أوقفه صوتها الذي حمل كل معاني القهر والظلم في هذا العالم :

_مش مسامحك يا زين ،، البيت كله يشهد عليا ..

برائتي هتظهر ومش هسامحك يا زين سامعني ،،اوعدك مش هاتشوف وشي بعد النهارده مقدرتش اثبتلك برائتي بس انا قد وعدي يا زين ،،بكره الايام تندمك على كل مرة كسرتني فيها وكل مرة شكيت فيا ،،بكرة تعرف ان محدش حبك قدي وصانك قدي بس مش هتلاقيني يا زين ،،سيدرا ماتت النهارده يا زين وانت اللي موتها ...

كانت تصرخ بتلك الكلمات وجسدها ينتفض بعصبيه شديدة وهي تحارب وهنها ورغبة جسدها بالاستسلام للسواد الذي يُحيط بها من كُل جانب ولكن حقًا كانت في أكتر لحظات ضعفها ..

استسلمت وسقطت في ذلك الظلام مع كسرتها وقهرها ..

عادت من ذكرياتها الاليمه وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا بإستنكار ،،هذه لم تكن السرايا ولا هي تبكي الآن ولم يكن عابسًا بل الضحكه كانت تملئ وجهه المشرق وكأنه لم يتأثر من فراقها مثلها ولكن استفاقت من صدمة رؤيته ووجوده في نفس المكان التي تتواجد به لتتلقى صدمة اشد وهي ابنتها ..!!!!!


ابنتها تنتظره وهو يضحك لها ويُشاكسها !!!!

هل علم بها ؟ 

هل علمت به ؟

هل جاء ليأخذها ويعود إلى مصر ؟

هل هو سبب في عِناد الفتاة واصرارها على العودة إلى مصر والتعرف إلى ابيها ؟

لا ..

ولت ظهرها إليهم سريعا كي لا تراها الفتاة وتناديها ويُكشف أمرها أمامه ..

حتما هو مازال لا يعلم بأمرها وإلا لن يكن هادئا هكذا ابدا ..

يبدو ان القدر أراد ان يجمع بينهما فقط ولكن هي ستتصرف وستنتشلها مرة اخرى قبل ان يُفضح امرها ولكن الان عليها ان تتصرف بحكمة وتعود للداخل مرة اخرى فـ فالنهاية هي في عناية ابيها الان حتى لو لم يكن يعلم ..!


_هشوفك بكره !


_ممكن 


_لازم اشوفك ،،انا بكره راجع مصر وعايز اشوفك قبل ما ارجع 


_يعني خلاص مش هشوفك بعد كدا


_لا هتشوفيني ان شاء الله هجيلك مخصوص عشان اشوفك 


_انت احلى صاحب في الدنيا دي كلها 

تمتمت الفتاة بتلك الكلمات البسيطة وهي ترتمي داخل احضانه فشدد هو على عناقها وربت على ظهرها قائلا :

_وانتِ احسن بنوته في الدنيا دي كلها يا زينه ،،ان شاء الله تشوفي باباكي وترجعي مصر قريب ساعتها ممكن مقدرش اوصلك تاني بس هبقى مبسوط جدا انك مع باباكي ومامتك في مصر زي ما كنتي عايزة ..


_انا مش عايزة ارجع مصر ومش عايزة اشوف بابا بس تعالى على طول هستناك ..


_في حد يبقى مش عايز يشوف باباه ويرجع بلده يا زينه 


_كنت الاول عايزة كدا بس الوقتي مش عايزه ،،حاسه اني عايزة اشوفك بس على طول يا زين ،،انا كان نفسي تبقى انت بابا اوي 


اغرورقت مُقلتاه بالدموع وهو ينظر إليها ويشعر ان قلبه ينشطر نصفين لكلامها ،،ادار وجهه للجانب الاخر وقد أحيت جرح طفله وزوجته الذي لا يعلم عنهما شئ .. أخذ نفس عميق وأسر عبراته المتمردة وقال لها :

_وانا كان نفسي تبجي بنتي جوي يا زينه ،،نفسي مبعدش عنك ،،عارف مش هتفهميني بس انا حسيت ناحيتك احساس محستوش تجاه اي طفل قبل كدا ،،احساس محستوش اصلا جبل اكده،،من اول ما شوفتك واتكلمت معاكي حسدت والدك انه عنده نعمه زيك ومفرط فيها وانا هنا بتمنى ضفرك ومش لقيه ..


_خلاص يا زين متعيطيش ،،انا هبقى بنتك .


_ياريت كان ينفع ،،ياريتك كنتي انتِ ،،كان جلبي ارتاح يا زينه ..


_يعني انت مش عايزني اكون بنتك يا زين 


_لا طبعا مش جصدي ،،انا اطول يا زينه ،،شرف ليا انك تكوني بنتي واسمع منك كلمة بابا ..


_يبقى خلاص ،،انتَ بابا من النهارده 


_بجد يا زينه هتجولي بابا على طول 


_ايوه يا بابا 


أحتوى رأسها بين كفيه ولثم جبينها بقبلة ابوية حانيه وقال :

_احلى كلمة سمعتها في حياتي يا زينه 


اكتفت الفتاة بلف ذراعيها الصغيرين حول عنقه في عناق حاني وكفها الملائكي يربت على ظهره وكأنها شرعت في مدواة جروحه العميقة بتلك اليد الحنونه ..


أما هي فكانت تتابع كل ما يحدث عن بُعد لا تستطيع سماع حديثهم لكنها ترى جيدًا انفعالتهم ومشاعرهم وحالة الدفء التي تُهيمن عليهم وفي قرارة نفسها اتخذت قرارا قاسيا لانقاذ الموقف !! ..


(جحيــــم حُبــــــك 2)

(بين عشقـــه وإنتقامــــــه)

(الفصـــل الثالث والعشـــــــرون)

 ("لِقـــــــــــاء")

                                                ************


"في فرنسا"


انتهى ذلك اليوم وعادت الام وابنتها الى بيتهم ..

كانت "سيدرا" غارقة في حالة من الوجوم والشرود وعينيها تلمعان بدموع الذكريات ..

أما الفتاة فكانت تنظر لها وكلام زين يتردد بأذنها عن أهمية طاعة والدتها وعليها أن تُصالحها ولا تجعلها تسخط عليها ثانيةً ..


كانوا جالسين يتناولون طعام العشاء في المطبخ فنظرت الفتاة لوالدتها وقالت بخجل وهي تترك اللقمة التي بيديها :

_أنا أسفة 


إنتشلها من شرودها عبارة صغيرتها فنظرت لها بعينين حزنتين وقالت بصوت هادئ يكاد يُسمع :

_بتقولي ايه يا زينه 


_بقول اسفه اني خاصمتك كل دا يا مامي ،،متزعليش مني 


_انا مش زعلانه يا حبيبتي ،،بس لازم تعرفي ان اي حاجه بعملها عشان مصلحتك ،،انتي اغلى عندي من حياتي كلها يا زينه 


_عارفة يا ماما ،،زين قالي كدا ..

قالي محدش بيحبك ويخاف عليكي قد ماما وان حرام ازعلك عشان كدا ربنا هيزعل مني


نظرت لها بحُزن وقالت مُتصنعه عدم الفهم :

_زين مين يا حبيبتي


_زين صاحبي يا مامي ،،هو كمان مراته وبنته مشيوا وسابوه ،،تعرفي يا ماما 


كانت تستمع لحديثها الطفولي عن زين وحاله وقالت بفضول مزيف :

_ايه يا حبيبتي


رددت الفتاة بنبرة طفولية ساذجة :

_زين دا طيب اوي وبيحبني وبيصالحني لما اكون زعلانه ونفسه اكون بنته ،،هو ينفع يبقى هو بابا 


كانت تنصت لفتاتها وهي جالسة على قدمها وكل عبارة كانت كدلو من الثلج يسكب عليها ولكن أخر عبارة قالتها جعلها تتصنم من صدمتها ،،نظرت للفتاة وكأنها ابتلعت لسانها ..

ماذا ستقول لها ،،بالتأكيد يوم ما ستعلم من هو والدها اذا قالت لا ستكون كاذبه وان قالت نعم فستفتح جرحا قديم قد تناسته لتسير في حياتها من اجلها فقط .!!

غرقت في شرودها وافكارها فنادتها الفتاة بصوت عالي فـ عادت سيدرا لواقعها ونظرت لها قائله وهي تُغير مجرى الحديث


_يلا نقوم ننام ،،عشان احنا تعبنا النهارده ..

                     ______________


"في الفندق"


كان زين جالسًا ينظر لصورتهما معًا والتي التقطها اليوم وللحظة..

شرد بملامح الصغيرة بجانب ملامحه ..

كان لون بشرتها برونزي قريبا جدا من لون بشرته السمراء لون عينيها ولون عينيه كانا نفس اللون وكأنهما حبة فول وانشطرت نصفين اتى عند انفها الصغير ليتذكر سيدرا فجأءة نفس شكل الانف ،،حتى نفس الفم بالشفاه الرفيعه وأيضاً نفس الشعر الغجري الطويل ،،

نهض من مكانه وأخرج محفظته التي تحتوي على صورتهما ووضع الصورة بجانب الهاتف 

وكأن تلك الفتاة هي شطر منه وشطر منها وكأنها ابنته ..

افاق من شروده واضعًا الصورة جانبًا وهو يضرب رأسه بكفه وهو يقول :

_اتچننت ولا ايه ،، مستحيل اللي بتفكر فيه دا يكون صح،،انا لازم ارچع مصر بكره ..

                         __________


في صباح اليوم التالي ..


قررت سيدرا عدم الذهاب الى عملها في ذلك اليوم لمنع الفتاة من رؤية والدها وانكشاف أمرها ،،

نهضت من الفراش وتركت الفتاة غارقة في نومها وخرجت تقف في البلكونه وهي تضع حجابها على رأسها تنظر للسماء وقلبها مقبوض وهي تشعر أنها ترتكب ذنبًا بحق ابنتها وبحق زوجها ..

اخذت شهيقًا قويًا سحب انفاس آخر كان واقفًا في الشارع ولمح طيفها واقفًا في إحدى بلكونات عمارة من خمس طوابق ،،

تنهدت وهي تنظر للشارع وبحركة لا ارادية عادت خطوتين للخلف لتختفي عن انظاره ،،وكأن قلبها سقط من صدمتها ،،وقعت عينها بعينيه ،، تقدمت خطوة مرة اخرى فلمحت طيفه يدلف للعمارة ،،فدلفت شقتها واغلقت الانوار وحرصت على أن تكون الشقه وكأنها فارغة خصوصا هي الشقه الواحدة المسكونه من اصل ثلاث والاخريات فارغات 


اما هو فاندفع إلى الداخل يأكل درجات السلم وهو يعد كل طابق يصعده وقلبه يكاد ينفجر من شدة ضخ الدم فيه ،،وصل الى دور يعتقد أنه هو المطلوب ..


طرق على الشقه الاولى طرقات عديدة فاستقامت هي تنظر من العين السحرية على طرقاته على الشقة التي بجانبها مباشرة ..


ومن ثم اتجه الى الشقه الاخرى وأعاد الكره وفي كل مرة كان سهم اليأس يصيب قلبه مباشرة حتى وصل بطرقاته إلى شقتها فرجعت هي للخلف بخضه وكأنها لم تكن تعلم بقدومه ،،اقتربت مرة اخرى ببطء تنظر إليه بإشتياق وعينيها الدامعتين تتلهف شوقًا لخطف بضع لحظات تنظر فيها إلى وجهه بحرية دون أن يشعر بها أو يراها ..

نظر للباب بيأس زرع خنجرًا بمنتصف قلبها كانت عينيه لامعه بالدموع وانطفئت بها شرارة الأمل ملامحه في تلك اللحظة كانت كفيلة بإنهيارها ..

جلست على ركبتيها وهي تكتم شهقتها بكفها وجسدها ينتفض بقوة كمن تفارقه روحه ..

سمعت خطواته تبتعد لينزل إلى الأسفل وضعت كفها بإشتياق على الباب وهتفت بنبرة مبحوحة من البكاء غلبها الاشتياق :

_خليك جمبي يا زين متسبنيش ......


أنهت تلك الكلمات بشهقات عالية متتابعة وهي تنوح وتبكي بصوت عالٍ كطفلة ضاعت من والدها في منتصف الطريق وسط الزحام ..!!!

                        ______________


بعد مرور ساعتين ..


استيقظت الطفلة من نومها فلم تجد والدتها بجانبها ،، نظرت "زينه" للساعه الرقميه على الكومود ثوانٍ حتى اتسعت حدقتيها وصرخت وهي تنزل من السرير تبحث عن والدتها بالخارج ..


قالت "زينه" بخضه :

_ماما ،، الساعة بقت 12 


خرجت "سيدرا"من المطبخ وقالت بجمود وعقلها جلد قلبها بما فيه الكفاية لتشعر بأنها كقطعة من الثلج :

_عارفة يا زينه 


هتفت الفتاة بتساؤل :

_احنا مش هننزل المطعم 


اجابتها "سيدرا" بلامبالاة :

_لا انا واخده اجازة النهارده 


احتل الحزن قسمات وجهها البرئ وقالت :

_ليه 


رددت "سيدرا" ببرود :

_من غير ليه ،،انا عايزة اخد اجازة النهارده 


قوست الفتاة فمها بحزن وقالت وعينيها مغرورقتان بالدموع :

_بس زين ماشي النهارده وانا عايزه اشوفه ،،يلا نروح يا ماما نشوفه


أردفت سيدرا بنبرة حادة وصوت عالٍ جعل الفتاة ترتجف مكانها :

_مين زين دا اللي نروح نشوفه ،،مفيش زين ومفيش نزول النهارده ،،ادخلي العبي بلعبك أو اتفرجي على التليفزيون وانا بعمل الاكل وجايه 


نظرت الفتاة لوالدتها وقالت بإصرار وهي تنظر لها بضعف وحُزن :

_بس انا عايزه اشوف زين قبل ما يمشي ..


صاحت "سيدرا" بغضب لأول مرة في وجه ابنتها وقالت بتهديد :

_قولت مفيش زين ادخلي اوضتك ومعتش عايزه اسمعك بتقولي اسمه تاني ،، انا مش عايزة اعاقبك واحبسك في البيت بعد كدا كفاية اني فوتلك انك اتكلمتي مع راجل غريب وصاحبتيه ودا غلط وانتي عارفة دا كويس ..


هطلت عبَرات فتاتها أمامها ولأول مرة لا تستطيع أن تنحني وتكفكفها ،،ركضت الفتاة الى غرفتها أما هي فامسكت رأسها بكفيها وسالت دموعها وبداخلها حرب ضارية اوشكت ان تفتك بها ...


اما "زينه" ..


دلفت إلى غرفتها ودخلت في نوبة بكاء حادة ..

سمعت "سيدرا" صوت بكائها وشعورها بالذنب يفتك بها وقررت ان تدلف للمطبخ وتطهو لها ما تحب كي تصالحها ...


بعد مرور عدة دقائق هدأت الفتاة قليلا وشردت في شئ ما ...

                       ____________ 


أما "زين" ..


سار هائمًا في الشوراع غارقًا في ذكرياته والأمه وشوقه إليها ..

حتى أخذته قدماه إلى "المطعم" ..


نظر للباب مطولًا وقرر أخيرًا الدلوف وتودعيها قبل مغادرته علّ رؤيتها تُسكن ألمه قليلًا ..


على الجانب الأخر ..


دلفت "سيدرا" إلى غُرفة طفلتها وبيدها طبق "الفشار" وآخر حلوى ابتاعتها خصيصًا لها البارحه ولكن لم تجد الفتاة !!

وضعت الطبق على كرسي في الغرفة وخرجت بسرعة تنظر في انحاء الشقة وهي تناديها وسقط قلبها بقدميها عندما وصلت للصالة ووجدت باب الشقة مفتوح وحذائها غير موجود ..


_زينـــه !!

صرخت ناطقة بإسمها ووضعت يدها على فمها وفرت دمعة هاربة وهي تنظر للباب بصدمة !!


دلفت ركضًا إلى غرفتها واحضرت حجابًا عشوائيًا ووضعته على رأسها دون احكام وشعرها يظهر بفوضوية من أسفل الحجاب وأخذت شالاً وضعته على اكتافها حيثُ كانت ترتدي بنطلون من القماش واسع باللون الرمادي وتيشرت اسود بأكمام طويلة والتقطت هاتفها وخرجت مُسرعة راكضة على السلالم ولم تغير حتى "الشِبشِب" التي ترتديه في البيت ..!

                   _____________ 


في المطعم ..

كان جالسًا منذ ساعة تقريبا ولم يراها هُنا او هُناك ملّ الانتظار وضع النقود على الطاولة وسار للخارج وصعد حتى الفندق ليأخذ حقيبة ملابسه مُستعدًا لمغادرة البلاد ..


وفي مكانًا أخر ..


كانت تسير وسط المارة في الزحام بقدمين مرتجفتين من الخوف تبكي بشدة وهي تنظر في وجوههم وقد اضاعت طريق المطعم واضاعت طريق بيتها ايضًا !!!


انهى زين حساباته مع الفندق وغادر المكان صوب وجهة أخيرة قبل أن يُغادر ..

اتجه إلى المكان الذي التقطوا فيه صورتهما سويًا وقطعا وعدًا ان يلتقطوا تلك الصورة كل عام لتظل ذكرى بينهما ...


مرت ساعة أخرى وقد حل المساء وسطع القمر في منتصف السماء يُنيرها 

والثلاثة يتجولون في مناطق مختلفة يبحث بعضهم عن بعض ..!


وصل زين إلى وجهته ووقف ناظرًا للسماء وأخذ شهيقًا قويًا ولمعت عينيه بالدموع وهتف بنداء راجي وفرت دمعته بقهر :

_يارب ..

تعبت يارب راضيني وفرح قلبي بشوفتهم يارب ،، ليك حكمة من بعدهم وأنا اتعلمت الدرس خلاص ،،يارب .


أعاد نظره للأرض وهو يمسح دموعه وأدخل يده في جيبه واخرج محفظته وأخذ منها صورتهما وأمعن النظر فيها بشوقٍ شديد ..


وضع يده على قلبه فالغصة التي اصابته منذ الصباح تزداد حدة وقوة تدريجيًا وفسرها بأنها من شوقه الشديد إليهم ..


سمع صوتًا ضعيف مؤلوفًا لأذنه بل ومحببًا إلى قلبه يُناديه ..

_زين ..


في البداية اعتقد انه من وحي خياله ولكن تكرر النداء عدة مرات فالتفت حوله يبحث عن مصدر الصوت ..


_زين .. زين ..بابا !!


جُن جنونه وتحرك وسط الزحام يبحث عنها حتى شعر بيد تجذب ببنطاله من الاسفل .!!


نظر إلى صاحبة اليد ليجدها "زينة" ولكن كانت تبكي وهيئتها مُزرية انخفض قليلا وحملها وهو يتفحصها بقلق وأردف بخوف :

_مالك يا زينة ،،حصل ايه ..بتعيطي ليه كدا ؟


_انا نزلت من البيت عشان اجي اشوفك ومش عارفة ارجع تاني ،،انا خايفه اوي 

قالت تلك الكلمات من وسط بكائها ودفنت وجهها في عنقه واستمرت في البكاء فـ ضمها إليه أكثر ومسد شعرها بحنو وهو يقبل خصلاتها بحنان ويحاول تهدئتها ببعض الكلمات حتى هدأت قليلًا ..


قال بنبرة مُتسائله وقلبه يؤلمه لحالها :

_قوليلي ماما فين وليه نزلتي لوحدك ..


أجابته الفتاة وسط بكائها :

_عشان عايزة اشوفك قبل ما تسافر يا زين ،،

عشان خاطري متسافرش يا زين ..


إرتجف قلبه لصوتها الباكي ولحبها الشديد له وقال محاولًا تهدئتها :

_حاضر انا موجود اهو مش رايح في حته الا لما نلاقي ماما اتفقنا !!


رددت الفتاة بعِناد :

_انا مش عايزة ارجع لماما ،، انا عايزة افضل معاك ..

 

اتجه إلى مقعد وجلس وأجلسها على قدمه وقال وهو يُدخل خصلاتها خلف أذنيها مُردفًا بنبرة لينة :

_مينفعش دي مامتك يا زينة وقولتلك قبل كدا اي حاجه بتعملها حتى لو زعلتك فـ هي الاحسن ليكي يا حبيبتي


هتفت الفتاة بإعتراض :

_لا يا زين ،، هي مش عايزاني اشوفك ،،مش عارفة ليه مش بتحبك 


_ماما تعرفني ..

قالها بإستغراب ولكن بُترت كلماته عندما جاءه اتصال هاتفي من مصر ،،نظر مطولًا للأسم المدون على الشاشة وقطع الاتصال ..


في"مصر" في منزل رامي وشوق بالتحديد ..


_مبيردش 


_رني تاني يا شوق لازم يرد !!

قالها "رامي" بتوتر بعد مكالمة سيدرا له منذ قليل ..


_إلحقني يا رامي 

جاءه صوتها الباكي عبر الهاتف وهي تطلب المساعدة ..


_ايه يا سيدرا ،،مالك ،،حصل ايه 


_زينة نزلت من البيت من غير ما أعرف وبدور عليها مش لاقيها ،،انا هموت لو حصلها حاجه ،،الحق بنتي يا رامي ..


_اهدي بس يا سيدرا ،،الحقها ازاي الوقتي ،،هي نزلت ليه اول مرة تعمل كدا ..


_منعتها انها تشوف زين ،، معرفش انها اتعلقت بيه كدا وهتكسر كلمتي وتنزل ..


_زين !!

زين جوزك 


_ايوه يا رامي اومال مين يعني 


_هو زين لقاكوا ،،زينة عرفت انه ابوها !!


_معرفتش ومنعتها تشوفه عشان متعرفش ،،هربت مني والوقتي مش لقياها ،،انا خايفة على زينة يا رامي ..


_طيب مش يمكن زين لقاها وعرف انها بنته وخدها معاه 


_لا ميعرفش انها بنته ،،انا متأكدة .


_زين لازم يعرف يا سيدرا ،،لازم تكلميه يمكن لقى زينة ولو ملقهاش هتدورا سوا وهتلاقوها ان شاء الله 


_مش عايزة .. انا بهرب من المواجهة دي من زمان 


_لازم يا سيدرا عشان بنتك ،،انتي مش هتفضلي طول عمرك هربانه وزينه مش هتفضل طول عمرها يتيمة وابوها عايش ،،انا هخلي شوق تكلمه الوقتي متقلقيش ..


في فرنسا ..


رنّ هاتفه مرة أخرى فزفر أنفاسه بضيق وفتح الخط وأجاب :

_ايوه يا شوق ،،في حاجه 


على الجانب الأخر وصلت سيدرا إلى أكثر مكان مُفضل لديها وأيضًا أكثر مكان يؤلمها بسبب كثرة ذكريتهما في نفس المكان وجلست في زواية بعيدة هادئه وهي تبكي وتنتفض من شدة البكاء ناظرة للمكان حولها ..


أما عنه ..


فـ يشعر وكأن جسده تجمد وتجمد الزمن أيضًا 


_زين ..

رددت إسمه بتوتر من الخبر التي ستلقيه على مسامعه ..


_ايوه يا شوق 


_أنا عرفت مكان سيدرا ..

سيدرا موجوده معاك في فرنسا ،وعندها بنت ........


انقطع الاتصال بسبب انخفاض شحن هاتفه ،،ابتلع ريقه بصعوبه شديدة وهو ينظر إلى الهاتف بنظرات ضائعه وصدى كلماتها يتردد في اذنه مرارًا وتكرارًا وقلبه يرتجف وينبض بسرعة شديدة مُتناسيًا الفتاة التي تجلس على قدمه ...


_يا زين ..

نادته الفتاة بصوت عالي وامسكت بوجهه تجبره على النظر اليها ..


نظر اليها اخيرًا وقد استفاق من غيبوبته القصيرة وهو يشعر بالضياع ..


_بنادي عليك يا زين ،،انتَ خاصمتني  


لوح يمينيا ويسارا بهدوء وهو شارد بملامحها وبعقله حربا من الاسئلة وأهمهم .. 

أين هي الان واين ابنته؟

حتمًا تلك التي لمح طيفها صباحًا ..

عينياه لم تخطئ ،،قلبه لم يخطئ ،،هي هناك مع ابنته هل استجاب ربه إلى دعاءه أخيرًا وأنعم عليه بهما مرة اخرى !..


استقام وهو يحملها فقالت له بتساؤل :

_رايح فين يا زين ؟


أجابها بلهفه وهو ينظر حوله ليحدد وجهته :

_رايحلهم ،،رايح ارجعهم لحضني تاني ..


_مين


_مراتي وبنتي 


_هما فين ..


وقف للحظه وقال وهو يضع يده على قلبه يستشعر قربهم الشديد منه وقال بأمل : 

_هِنا ،،قلبي حاسس انهم قريبين مني اوي ..


أردفت الفتاة بعينين دامعتين وهي تشعر بالخوف :

_طيب وانا يا زين ،،مش هترجعني لماما قبل ما تروحلهم ..


_هرجعك يا حبيبتي ،،متقلقيش ..


على الجانب الاخر ..


_كانت تسير سيدرا في الطرقات وهي تشعر بالبرودة تلفح جسدها الضئيل وعينيها تفيض بالدموع وشهقاتها النابعه من اعماق قلبها المُحتضر تفتك بها ،،تخطو خطوات بطيئه كالموتى وهي تجر أذيال الخيبه خلفها بعد مكالماتها مع اخيها منذ دقائق ..


_كلمته يا رامي ،،قالك معاه ..

حدثته بلهفه مُتعلقة بالأمل الضئيل التي تتعلق به ..


_مقالش حاجه يا سيدرا ،،يدوبك شوق بتقوله بنتك ومراتك والتليفون اتقفل ومعرفناش نوصله تاني ..

قالها بخيبة امل وألم على حال شقيقته في بلاد غريبه 


_يبقى لقاها يا رامي ،،يبقى عرف ان زينه بنته وخدها عشان يحرق قلبي عليها ،،حرق قلبي زمان وراجع يحرقه تاني الوقتي ،،انا عايزة بنتي يا رامي ،،انا هموت لو بنتي مرجعتليش تاني ..

قالت تلك الكلمات من بين شهقاتها وانتفاضة جسدها ودموعها التي اغرقت وجهها وهي تنظر حولها بضياع ..

                  _______________


كان يسير في طريقة وهو يحاول تذكر المكان الذى رأى به طيفها صباحًا والاخرى على كتفه تنظر اليه بضيق وقالت :

_هو احنا رايحين فين ؟


اجابها بإبتسامة متأملة وهو ينظر في طريقه للمباني والشوراع :

_رايحين ندور على مراتي وبنتي ..


_هما فين 


_بُصي انا شاكك في مكان كدا هنروح نشوفه الاول ولو ملقتهمش نكمل تدوير على مامتك ومراتي ..

سألته بفضول وهي مازالت حانقة من بحثه عن زوجته وابنتها :

_هي مراتك حلوة 

قهقه بخفه على سؤالها ناظرًا اليها وقال :

_ههه ،،اها حلوة اوي ايه السؤال الغريب دا


هتفت بفضول أكبر وفي داخلها تشعر بغيرة لا تعرف مصدرها :

_وبنتك حلوة بردو 


أجابها بإبتسامة بسيطة :

_مشوفتهاش بس متأكدة انها زي القمر 


عقدت حاجبيها بحنق وقالت :

_يعني احلى مني 


إبتسم على غيرتها الطفولية وقال بصدق :

_اكيد لا انتي بردو زي القمر مفيش حد احلى منك 

                _______________


أما هي ..

كانت تسير هائمة على وجهها وتنهمر دموعها على وجنتيها تخطو خطوات منهكة ببطء شديد تاركة حالها إلى حيث تأخذها قدميها حتى وصلت إلى منزلها ..


نظرت للبناء كاملًا ونظرت حولها للمارة بضياع وعينيها المتورمتين من كثرة البكاء مازالت تبحث عنها ..

جلست بتعب وإنهاك على سُلم المنزل وحاوطت نفسها بذراعيها محتضنه نفسها وهي تمسد على ذراعيها الباردين ورأسها محني واجهشت في بكاء انتفض له جسدها كـ من تفارقه روحه ..!!


أما هو ..


وصل إلى الشارع الذي يعتقد أنه رأى طيفها في إحدى منازله ..

سار ببطء شديد ناظرًا للبيوت والمنازل بتفحص يحاول استرجاع شكل المنزل وكانت الفتاة ايضا تنظر بإستغراب حولها ..


تكونت الصورة في ذهن الفتاة وتأكدت أن هذا شارعها فنظرت إلى البيوت لتقع عينها على منزلها و..

والدتها !!

نعم استطاعت أن تميز والدتها من جانب وجهها وملابسها في هذا الظلام فصرخت بفرحة شديدة وهي تتلوي على ساعده تريد النزول قائلة :

_ماما يا زين ،،ماما هناك ..نزلني 


نظر لها بخضه من صراخها ونظر حوله باحثًا عن تلك التي تقول عنها والدتها وقال بفضول :

_فين يا زينه 


_نزلني بس 


أنزلها لفرط حركتها على ذراعها وتابعها بعينيه متفحصًا هدفها ..


كان على بُعد أمتار فقط منها رأى هدفها ..

سيدة قليلة الحجم تجلس على إحدى سلالم منزل ورأس الفتاة التي تركض أمامه حجب عنها جزء من هذه السيدة ..

اقترب قليلًا وهو يشعر بإنقباض في قلبه كلما اقترب سنتيمتر واحدًا وكأن قلبه يُسحب منه ويجذبه خلفه بإتجاه هذة المرأة وابنتها ،،اقترب أسرع و....


كانت الفتاة تركض وتُناديها والأخرى تبكي غارقة في ذكرياتها وألمها وكالعادة في كل ألم تنتشلها فتاتها بصوتها الحنون ..

رفعت رأسها إلى مصدر الصوت فوجدت فتاتها تقترب منها راكضه ،،تسارعت أنفسها وإنتفضت من مكانها لتنزل على الأرض والتقفت الفتاة داخل أحضانها وهي تغمض عينيها بقوة وكأن حُضن ابنتها ينتشلها من قساوة هذا العالم مضمدًا جراحها العميقة بحنو ..

أخذت تشم رائحتها الذكية بقوة وهي تشد على حضنها أكثر فأكثر وأمامها ..

يقف هو متصلبًا في صدمته ...

وكأن الزمان وقف في تلك اللحظة التي تبين فيها وجهها ..!


_سيــــــــــدرا !!


كانت هي طيلة ذلك الوقت ..

كانت بجانبه ،، كانت حوله ،،وفي حضنه كانت تكمن فتاتها التي حُرم منها طيلة تلك السنوات ولم يكن يعلم ..

كانت بجانبه وعقله يُعذبه بألم فتاته المفقودة ،،كانت "بعيدة جدًا رُغم قربها المميت"

تنهد تنهيدة قوية وفرت دموعه الأسيرة وكأنه لم يذرف دمعة واحدة كل تلك السنوات ،،نظر إلى السماء ولسانه عجز عن النطق يُغطي فمه بكفه بعدم تصديق ولكن ضربات قلبه المتسارعة كانت تشكر ربه على استجابة دعاءه ..

نزل على ركبتيه وضمهم إلى صدره باكيًا بقوة من لوعة الاشتياق وألم فراقهم كل تلك السنوات وفرحة لقائهم بخيرًا ساليمن ..

كان كـ وطن ضمهم إليه بحنو شديد وكأنهم كانوا يضمدوا جراح بعضهم البعض ويرون ظمأهم من ذلك الفراق الذي اجحفهم وانهك قلوبهم ..


شعرت به يقترب منهم ويحتضنهم بحنو ،، شعرت بدموعه الدافئه تسقط على عنقها البارد ،،رائحته التي طالما عشقتها ،،حنانه ،، حضنه التي تلوذ إليه من ألمها ،،لم تقوي على الابتعاد عن ذلك العناق العائلي الحميم بل فاضت مشاعرها أكثر وزاد بكائها وارتفع نحيبها المقهور وكأنها تشكوه مرارة الفراق وقسوة الوحدة وألم الغُربة !!..

                الفصل الرابع والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>