(جحيــــم حُبــــــك 2)
(بين عشقـــه وإنتقامــــــه)
(الفصـــل الثامــن والعشـــــــرون الآخيـــــــــر)
(وكَـان للقَــــدرْ رَأيٌ أَخَـــــرْ) __________________
"في مساء ذلك اليوم"
كانت سيدرا بجانب هُدى بالمستشفى بعدما سقطت بمنتصف منزل والدها غائبة عن الوعي فقاموا بنقلها لأقرب مستشفى ..
أما زين فكان بالأسفل يُنهي حساب الأشعة والفحوصات وغيرها وجلس ينتظر سيدرا بالأسفل ..
بعد مرور عدة دقائق ..
أقدمت عليه سيدرا بوجه حزين بائس وقالت بنبرة حزينة :
_الدكتور حجزها وبيقول حالتها صعبة وللأسف لازم متبرع من الدرجة الأولى ،،انا عايزاها تبقى كويسة يا زين ،،هي خاطرت بحياتها عشان بنتي ،،
نفسي اساعدها تخف وتبقى كويسة ..
أنهت حديثها وهي تسند رأسها على صدره وتبكي ،،فقام بضمها إليه بحنو وقبّل رأسها وقال :
_هتبجى كويسة ان شاء الله ،،ربنا هياخد بإيديها وهتبجى زينة متجلجيش ..
_يارب ..
__________
في مكان أخـر بالقاهرة ..
حيث منزل هيثم القديم المكون من طابق واحد والطابق الثاني لم يُبنىٰ بعد ،،كان من المفترض أن هيثم سيُكمل بنائه ليتزوج به ويسكن فوق والده ووالدته ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن عندما ذهب والده وتزوج من أخرى وخان حُبهما وطعن قلب والدته التي ماتت قهرًا ..
كان واقفًا في بلكونة غُرفة والدته وينظر للشارع الذي نشأ فيه ولعب مع أطفال جيرانه ،،
نعم كان يعلم جيدًا كيف يكون صداقات وكيف يكون محبوب وسط أقرانه لكن كان أحيانًا غضبه وحقده يعمي عينيه فيخسر كثيرًا في ساعة غضبه ..
منذ طفولته دائمًا ما كان يكن حقدًا لجميع من حوله لكن كان يخفيه بمهارة خلف إبتسامته ولسانه الحلو ،،كان يستمتع برد الصاع صاعين للأطفال الذين يضايقونه وأكثر ما كان يُغضبه هو غضب والدته منه ..
كم كانت تحبه وتدلله بعدما انتظرت قدومه سنوات وزادت دلاله بعدما استأصلت رحمها ولم يعد لها فرصًا في الإنجاب فكان هو نور عيونها ونبض قلبها ،،لم يرفع والده يده عليه قط بسببها ولم تُعاقبه أبدًا ،،كانت تتحمل عنه أخطاءه وتُصلحها مهما كلفها الثمن
زفر أنفاسه بضيق شديد ودلف للداخل وجلس على سرير والدته وأخرج هاتفه ليرن مرة ثانية على "هُدى" لكن بلا رد ..
خطر في باله ذلك الذي وضعه ليراقبهم فقام بالإتصال به ..
جاءه صوت الأخر بإعتيادية فقال بتساؤل :
_بقولك سيدرا وزين مراحوش اي حته النهارده ،،ملاحظتش عليهم حاجه غريبة ..
_لا نزلوا مرة واحدة بس النهاردة راحوا المستشفى ورجعوا من شوية كدا ..
شق ثغره نصف إبتسامة وهتف بنبرة مُترقبة :
_راحوا المستشفى ليه ؟
_كان معاهم واحدة كدا ،،اعتقد دي اللي كانت تعبانه لانهم نزلوا بيها ورجعوا من غيرها وهي مخرجتش من المستشفى ..
عقد حاجبيه بإستغراب وقال :
_واحدة مين ،،تعرف توصفها شكلها ايه كانت لابسه ايه ..
_مش متأكد اوي لأنها كان مغمي عليها وزين كان شايلها ودخلوها العربية على طول بس هي بيضا ورفيعة ..
_ماشي ابعتلي اسم المستشفى وخليك مراقبهم ..
_تمام
أنهى الإتصال وكثيرًا من الاسئلة ترواده ،،
ماذا حدث ؟
وهل هي من ذهبت للمستشفى ؟
ولماذا ساعدها سيدرا وزين وكانوا جانبها ؟
هل وشت به وفضحت سره ؟
نظر لإسم المستشفى وإبتسم نصف إبتسامة لسخرية القدر منه ،،من الواضح انه سيحتاج لنورهان لأول مرة في حياته !!
____________
"في صباح اليوم التالي" ..
استيقطت سيدرا مُبكرًا وأعدت الفطور وقامت بإيقاظ زين ودلفت إلى الغرفة التي تنام بها إبنتها وأشعلت الضوء فوجدتها ترتجف بشدة ووجهها أحمر كثمرة الطماطم الناضجة ،،
إنتفض قلبها واقتربت منها بخوف ووضعت يدها على جبين إبنتها فوجدت حرارتها مرتفعة جدًا ..
_____________
على الجانب الأخر ..
وصل هيثم إلى المستشفى وقام بالإتصال على نورهان عدة مرات ولم تجب فدلف للمستشفى باحثًا عنها حتى وجدها ..
وسعت حدقتيها بصدمة من وجوده هنا وأدارت ظهرها إليه مُغادرة المكان ولكن أمسك ذراعها وقال :
_استني يا نورهان ،،عايزاك في حاجه
حاولت التملص منه قائلة :
_عايز مني ايه ابعد عني ..
شدد على ذراعها كي لا تُفلت وقال مُصطنعًا الحُزن ليكسب شفقتها :
_يا نورهان انا عارف اني غلطت فيكي كتير اوي ،،بس انا فعلا محتاجك ،،
نورهان المرة دي كل حاجه مختلفة ،،المرة دي الموضوع اختي ..
نظرت إليه ورددت بإستغراب :
_اختك !
أكد على عبارتها وقال مُثيرًا شفقتها بنبرة راجية :
_ايوه محجوزة هنا ،،عايزك بس تطلعي تشوفيهالي وتعرفي حالتها ايه وانا هستناكي برا ..
نظرت له مطولًا وقلبها اللعين يُجبرها على مساعدتها والرفق بحاله ..
____________
"في منزل سليم العياد"
خرج الطبيب من غُرفة الفتاة وأخبرهما أن الفتاة أصابتها إنفلونزا وشدد عليهما ان ترتاح طيلة الأيام القادمة والإلتزام بالدواء ..
جلست سيدرا بجانب الفتاة تصنع لها الكمادات محاولًا خفض حرارتها وزين ذهب ليجلب لها الدواء ..
_____________
صعدت نورهان إلى الطابق الثالث في المستشفى تحديدًا "قسم الأورام"
دلفت الغُرفة المنشودة وسارت بخطوات ثابته وقلبه يدق بعنف متلهفة لرؤية شقيقته الذي تفاجأت بوجودها في حياته ..
علها تكون سبب في اجتماعهم ،، او حتى تصبح رفيقة لها تستطيع ان تأتمنها على سرها ..
وصلت إلى سريرها كانت هي الوحيدة في الغُرفة ..
وقفت تتأمل جمالها الهادئ ،،وجهها كان يوحي بالبراءة الشديدة ..
كانت شقراء بعيون رمادية كحيلة ،،كانت أيضًا نحيلة جدًا ..
كانت خصلاتها الصفراء الناعمه مسدوله على كتفيها حتى كوعيها ..
كانت هُدى شاردة تنظر لسقف غُرفتها وإنتبهت للتي دلفت الأن ..
تقدمت نورهان منه قائلة بإبتسامة ودودة :
_صباح الخير
_صباح النور
اقتربت تعدل الوسادة خلف ظهرها وتساعدها على الجلوس وقالت وهي تتفحصها بتركيز ثم تركتها وذهبت كي ترى الملف الخاص بحالتها ..
انقبض قلبها وازدردت لعوبها بصعوبة وقالت بتلعثم وهي تنظر إليها :
_ربنا يشفيكي ويعافيكي يا حبيبتي ..
_يارب
اقتربت منها وربتت على كتفها قائله بحنو :
_أنا خارجة ولو احتاجتي اي حاجه قوليلي ماشي ..
اومأت هُدى برأسها بالإيجاب وهي تنظر من نافذة الغرفة للسماء الزرقاء الصافية وخطرت على بالها والدتها ..
"في الخارج"
خرجت نورهان وأغلقت الباب خلفها وملامح وجهها حزينة ..
نظرت لهيثم وقالت له بنبرة حزينة :
_عندها لوكيميا نخاع شوكي وواضح ان حالتها متأخره ،،انت هتساعدها صح يا هيثم ..
تلك العبارة أخذته لبضع سنين مضت عندما سمع نفس العبارة من والده ..
انتبه اليها عندما وخزته في ذراعه فقال لها بعدم تركيز :
_انا عايز ادخلها ،،خليكي واقفه هنا متخليش حد يدخل علينا نهائي يا نورهان نهائي فاهماني ..
_ليه في ايه؟
_هتعرفي بعدين ،،خليكي هنا ..
"في الداخل"
إنتبهت "هدى" إلى صوت فتح الباب تبعته خطوات ثابته هادئه جدًا ،،توقعت انها سيدرا واعتدلت قليلًا من جلستها واتسع بؤبؤ عينينها عندما ظهر بطلته الكريهه ..
أيضًا انقبض قلبها وشعرت انها لا تستطيع أخذ أنفاسها وكأنه سحب روح الغرفة بدلوفه إليها ..
استجمعت نفسها وقالت بنبرة مضطربه :
_إنتَ جاي هنا ليه !!
قال بنبرة جامدة :
_عملتي ايه في اللي قولتلك عليه ..
_عملت ايه في ايه ،،انت جايلي المستشفى تقولي عملتي ايه ؟
للدرجادي انت بجح ومعندكش دم ،،معندكش قلب يشفق على اللي حواليك ..
اقولك انا عملت ايه ،،انا فضحتك يا هيثم ..
انا خدتك على قد عقلك وقولتلك هقتلها وانا مفيش في نيتي اني امس شعره منها ،،انا روحت لسيدرا وقولتلها على كل حاجه وطلبت منها تسامحني ،،انا فوقت من زمان ويستحيل كُنت اطاوع شيطان زيك وارجع اغضب ربنا ..
كان مُصدوم لدرجة أن جميع أطرافه أصبحت كلوح الثلج ،،اقترب منها وهو كاظم غيظه وقال بفحيح :
_ياااه ،،للدرجادي مش خايفة على حياتك ..
فرت دمعة من عينيها وقالت بنبرة مرتجفة من البكاء :
_حياتي دي انتِ دمرتها من زمان يا هيثم ،،انا معتش عندي حاجه اخسرها ،،انا خسرت كل حاجه من زمان ..
إبتسم بشماته على حالها وقرر إيلامها أكثر وفتح جراح الماضي قائلًا :
_مش انا السبب يا هدى لا ،،أمك السبب ..
أمك هي المسؤلة عن كل اللي انتِ بتعيشيه ..
_ماما !
وانتَ مالك بيها ،،انتَ تعرفها منين عشان تتكلم عنها كدا ،،ماما دي أحسن انسانة في الدنيا
إقترب منها وصاح بعصبية وهو يضرب الكومود بغضب عارم :
_أمك دي أوس* إنسانة في الدنيا ،،الواحدة اللي تخطف راجل من مراته وابنه وتدمر حياتهم تبقى أوس* إنسانه في الدنيا وتستحق القتل ..
سمعت نورهان صياحه بالداخل فإنقبض قلبها وأمسكت بمقبض الباب ودلفت بهدوء ووقفت بجانب الباب لتسمعه جيدًا ..
(وصف للغرفة :
باب وبعدها طرقه رفيعه فيها حمام وعلى الشمال باقي الأوضة)
نظرت له بضياع تتأمل وجهه عن قرب وقالت بتلعثم وقد أوجعها بكلماته :
_إنتَ مين وازاي تتكلم عن امي كدا ..
قال وفلتت دمعة من عينه رُغمًا عنه وجرح الماضي بدأ ينزف بغزارة :
_أنا اللي أمك خربت حياته وخدت منه أبوه وأمه !
كُنا عيلة حلوة اوي ،، أنا وأمي وأبويا ..
كانت حياتنا حلوة وكُنا كلنا بنحب بعض اوي ،،لحد ما أمك ظهرت وخدت أبويا مني وموتت أمي بالبطئ ..
تعرفي ايه عن الوجع اللي شفته واللي عيشته بسببك إنتِ وأمك ..
أنا أمي إتشلت بسببكوا ،،إتشلت من قهرتها وحزنها على حبيب عمرها اللي خدته واحدة تانيه منها في غمضة عين ..
لوحت برأسها عدت مرات رافضة ما تسمعه وما أدركه عقلها من باطن الحديث سالت دموعها وتشنج جسدها ووضعت يديها على أذنها رافضة أن تكمل باقي القصة المؤلمة وذكرياتها الموجعة المقززة تمر أمام عينيها واحدة تلو الأخرى ،،كل ما أقنعها بفعله وما أجبرها على فعله ،،كل ذلك الألم :
_انا مش فاهمه حاجه ،،لا لا إنتَ أكيد بتكذب ..
أكيد إنتَ مش أخويا مفيش أخ بيعمل في أخته كدا مهما كانت الأسباب أكيد انتَ كذاب ،، إنتَ عايز تحرق قلبي بس
_لا أخوكي ،،
عارفة بسببك إنتِ وأمك ،،لما ابوكي نام على سرير زي دا كدا بنفس المرض واترجاني أساعده واتبرعله عشان يعمل العملية ويخف ،،
عارفة أنا عملت ايه اديتله ضهري ،،عشان هو يستاهل كدا ،،مكنش يستاهل إني أساعده بعدما حرق قلب أمي وخانها ..
ومات أبويا ولحد أخر نفس فيه كان بيوصيني عليكي ،،كان بيقولي اكرهني وأكره مرات أبوك بس اختك ملهاش ذنب في حاجه ،،أختك ملهاش غيرك وانتَ ملكش غيرها ،،حبها يابني وخليك حنين عليها ،،عايزاك تكون مكاني بعدما اموت ،،
عارفة يا هدى كان ممكن أسامح ،،كان ممكن أسيبك في حالك بس بعدما أمي ماتت من حسرتها على ابويا ..
مكنش في ايدي حاجه أعملها غير إني انتقم لنفسي من اللي كانت السبب وخدت أبويا وأمي من حضني في غمضة عين ..
فاكرة أمك يا هدى ،،فاكرة أمك ماتت ازاي ،،طيب فاكرة مين اللي قتلها وبعدما قتلها خدك من المكان اللي كنتي مستخبية فيه وصحيتي لقيتي نفسك في الملجأ !..
هطلت عبراتها وهي تنظر لوجهه وعادت بذاكرتها لذكرى مقتل والدتها على يد ذلك اللص الملثم الذي كسر عليهم باب الشقة فدلفت هي وامها احدى الغرف ودفعتها أمها تحت السرير ووقفت والدتها خلف الباب بخوف وقدميها ترتجف وكانت تدعي الله أن ينقذها ..
وقتها كسر ذلك اللص الباب وضرب والدتها لتسقط على الأرض أمام عينيها ،،رأت دموع والدتها ،،رأت توسلتها إليها كي لا يقتلها وفجأه صُمت أذانها بصوت تلك الرصاصة التي أخترقت رأس والدتها لتفارق الحياة أمام عينيها ويلوث دمها الأرض حولها ،،تتذكر صرختها المذعورة ونظرة ذلك الملثم لها ..
كانت نفس النظرة الشيطانية ..
كان هو ..
استفاقت من تلك الذكرى التي احرقت روحها وصرخت في وجهه وقالت بهيسترية :
_إنتَ ،،إنتَ اللي موت أمي ،،ليه ..
ليــــــة !..
صاح في وجهها بغضب العالم أجمع وشره أيضًا كان شيطان على هيئة بشري عينيه كانت كجمرتين مشتعلتين ترى فيهما بوضوح نيران الانتقام والكره :
_عرفتي ليه بسببكوا بقيت قاتل ،،عرفتي ليه بكرهك ،،
وقتها كانت عندي 18 سنة ،،أمك كانت أول روح أخدها ،، ضميري وقتها وجعني بس عمري ما حسيت اني مرتاح ،،في كل مرة بتحصلي مصيية في كل مرة الدنيا تيجي عليا وأمي توحشني ببقى حاسس إني عايزاها ترجع للحياة وارجع اقتلها مرة واتنين وعشرة ،،حاسس إن لسه ناري منطفتش ،،بس انا عارف هاتطفي ازاي ..
أنهى كلماته وهي ينظر لعينيها الباكتين بغل وشر واضح والتقط الوسادة من خلفها واقترب منها ينظر لها بعينين مظلمتين وكتم أنفاسها بواسطة الوسادة وظل يضغط عليها بعنف شديد وهي تتلوى أسفل الوسادة وتصدر همهمات مخنوقة ويديها وقدميها تتحركان بهيسترية ..
أما نورهان فكانت تقف وقلبها ينفطر على ما تسمعه وغرقت بنوبة بكاء قطعها أخر جملها قالها وصدور همهمات مخنوقة بعدها ،،
تحركت للداخل وتشعر أن عقلها شُل من الصدمة أيعقل أن يقتل أخته الوحيدة !!
وما ظنته وجدته !
كان يخنق أخته بالوسادة ،،اقتربت منه وتعلقت في ذراعه تجذبه للخلف وهي تتوسل إليه بجنون ألا يقتلها والأخرى تُصارع الموت أسفل الوسادة ..
كانت ثوانٍ وربما دقائق بسيطة تمر كالسنوات حتى لفظت هُدى أنفاسها الأخيرة تحت الوسادة على يد شقيقها الوحيد ..
_يا هيثم بالله عليك سيبها كفاية ..
صمتت نورهان عندما سكنت هدى تحت أيديه وسقطت يدها التي كانت تقاوم منذ ثوان ..
غطت نورهان فاهها بصدمة ودموعها تسيل فقط ،،
أخذ هيثم نفس عميق ونظر للوسادة مطولًا ونقل بصره للواقفه بجانبه تنظر له برعب ..
ترك الوسادة وحاول ضبط نفسه وقال لها بنبرة راجيه :
_نورهان ،،
اياك حد يعرف اي حاجه ،،هي كانت مريضة وأكيد كانت هتموت ،،ساعديني يا نورهان ومتفضحنيش ،،متفضحيش ابو إبنك ..
نظرت له بضياع ونقلت نظرها لجُثة هدى الهامدة ..
لطم وجنتها بخفه وقال :
_نورهان فوقي اخرجي برا على ما اظبط الدنيا هنا ،،
متبيعنيش يا نورهان عشان خاطر ابننا ..
خرجت دون أن تنطق بكلمة واحدة وهي تشعر بالضياع وهناك وخزة بروحها وضميرها يؤلمها على التي ماتت أمام عينيها دون وجه حق ،،ذنبها الوحيد هو أنه شقيقها ..
"في الداخل"
رفع الوسادة عن وجهها ..
كانت ترقد بسلام وجهها مُضئ ،،ملامحها بريئة جدًا لكن حزينة مقهورة ..
وضع يده على ظهرها ورفعها إليه قليلًا ليضع الوسادة أسفل رأسها ..
كان جسدها باردًا جدًا لدرجة تحرقه فتركها فورًا ،، ضبط السرير سريعًا وقام برفع الغطاء عليها لتبدو وكأنها نائمه ..
غادر الغرفة ووجدها تنتظره خارجًا كما قال لها ،،نظرت له كمن غاب عقله ومازالت صامته تنظر داخل الغرفة وكأنها تنتظرها ان تنهض وتلوح لها ،،كيف غادرت روحها جسدها ،،كانت تتحدث إليها منذ قليل وتبتسم لها بإشراقه ..
كيف كان سهلًا لتلك الدرجة ،،كيف أخذ روحها في ثانية وهي جزءًا منه ،،ألم يؤلمه قلبه لمحاولتها البائسه الفرار من بين براثنه ..
أمسك بكتفيها ونظر بداخل عينيها بندم مزيف وقال بنبرة كاذبة :
_نورهان أنا عايزاك ضروري ،،عدي عليا النهارده هبعتلك العنوان اللي قاعد فيه حاليا في رسالة ،،نورهان صدقيني انا ندمان ومش عارف عملت كدا ازاي ..
صدقيني ،،كانت لحظة شيطان !
اومأت بالإيجاب وهي تنظر له بضياع وابتعدت عنه تسير بقدمين مرتجفتين لتنزل للأسفل ..
________________
غادر هيثم المستشفى بخطوات مسرعة وهو يلتفت خلفه بإستمرار وقلبه ينتفض من شدة الخوف لأول مرة يتصرف دون وعي لأول مرة يقدم على جريمة لم يحسبها جيدًا واحتمالية وقوعه كبيرة ..
وصل زين إلى المستشفى حيث أرسلته "سيدرا" بدلا منها ليطمئن على "هدى" ..
صف "زين" سيارته خلف المستشفى وخرج من السيارة وأغلقها جيدًا واستدار ليسير بإتجاه المستشفى فأرتطم بقوة به !!!!..
نظر زين بإشتعال لذلك الذي اصتدم به بقوة للتو وسرعان ما اتسعت حدقتيه عندما رفع الأخر رأسه وتبينت له هويته ..
نظر له هيثم برعب وقد سقط قلبه بقدميه وأصبح من العسير عليه أخذ حتى أنفاسه استدار للجانب الأخر وركض بقوة ولحق به زين وهجم عليه بكامل جسده ليقع هيثم وفوقه زين ولكمه زين بكامل قوته في وجهه تحديدًا أسفل عينه فنزف وجهه هيثم وصاح متألمًا لينجده أحدهم من تحت يده ،،رفع زين قبضته مرة أخرى وهوى على أنف هيثم بكامل قوته فأنفجرت الدماء من أنفه ووشعر أن روحه تُسحب والدنيا تدور من حوله ومازال يحرك رأسه يمينًا ويسارًا ويتحرك بجسده أسفله ليُفلت من تحت يده فهاجمه زين بلكمه أخرى في فمه قبل أن يقوموا الناس بجذبه رغمًا عنه ،،
نظر زين حوله وجد الكثير ملتفون حوله منهم ممرضات من المستشفى وعاملين ومرضى ذاهبوان للمستشفى ..
حاول زين الافلات من بين يدي الرجال لكن لم ينفع وخاصة بعدما قام الرجال بمساعدة هيثم ووجهه أصبح عبارة لوحة داميه وألقى زين بنظرة حاقدة وغادر المكان وحده رافضًا مساعدة الناس وسرعان ما اختفى عن الأنظار ..
إفلت زين من بين يديهم بعد عناء شديد ومازال يتفحص الأرجاء ليلتقط أثره ولكن ..
فاق لوهله مُدركًا أنه أمام المستشفى والأخر أيضًا يبدو أنه كان بالمستشفى ..
ضرب جبهته بكفه وقال في سره بخوف :
_هدى ..
دلف للمستشفى مُسرعًا وصعد للأعلى كل تلك الأدوار على قدمه وقلبه ينبض بخوف شديد حتى وصل إلى غُرفتها فوجدها مفتوحة ..
انقبض قلبه ووقف لوهلة أمام الغرفة قبل أن يتجرأ ويدخلها فوجد حوالي اربعة ممرضات مُلتفون حول الطبيب الذي يفحصها وأعلن وفاتها فور وصول زين للغرفة ..
القى زين نظرة أخيرة على الراقدة بسلام ورفع الطبيب الملاءه على وجهها ..
أغمض زين عينيه بألم وتأنيب ضمير وضرب زين الحائط بقبضته واحتقن وجهه بالدماء من شدة الغضب ..
خرج من الغرفة بوجه عابس مُحتقن وهو يُفكر ماذا سيفعل وهل يُخبر الشُرطة أم يصمت ،،أثناء خروجه لفت نظره الممرضة الباكية التي تقف عند باب غُرفة "هُدى" ..
عقد حاجببه بإستغراب وخطر بباله شئ ..
تقدم منها على غفلة وجذبها من ذراعها ببعض الحدة لإحدى الزوايا بعيدًا عن الأعين ..
شهقت هي بخوف شديد وحاولت التملص منه فشدد على ذراعها قائلًا بثبات :
_انتِ اللي موتيها !!
وسعت حدقتيها بذعر وعلىّ صوت نفسها وقالت بتلعثم وبدأ جسدها يرتجف :
_لا لا ولله ما انا ،،هو اللي قتلها ولله ..
حاول زين استدراجها في الحديث ليجمع اي معلومه عنه بعدما شعر انها تعرفه :
_هو مين ،،تعرفيه !
دلفت نورهان في نوبة بكاء وقالت بنبرة مرتجفة بغير وعي :
_هو موتها ،،موتها قدام عيني وانا معرفتش الحقها ،،كانت بتستنجد بيا ،،انا السبب،،
انا اللي سيبته يدخلها ،،مكنتش اعرف انه هيقتل اخته ،،مكنتش اعرف انه وحش كدا ..
ردد بإستغراب وهو ينظر إليها بعدم تصديق :
_هدى اخت هيثم !!!!
نظرت له مطولا عندما نطق اسميهما ويبدو أنها عادت الى الواقع وحاولت جمع شتات نفسها قائله بتحفظ :
_أنا ،،أنا سمعتهم وهما بيتكلموا ..
_طيب مسمعتيش اي حاچه تانيه ،،عرفيني
هيثم جاتل وهيلف على الكل وبنتي ومراتي في خطر وانتِ كمان في خطر مدام كنتي شاهدة عليه ،،اللي يقتل اخته من غير ما يرفله چفن يجتلك ويجتل اي حد ..
هيثم خراب ..
نار وبتحرق اي حاجه بتجابله وبتجربله ساعديني يمكن اجدر اساعدك ..
نظرت له مطولًا وصدى كلماته يرن في أُذنها ..
_نورهان ،،
اياك حد يعرف اي حاجه ،،هي كانت مريضة وأكيد كانت هتموت ،،ساعديني يا نورهان ومتفضحنيش ،،متفضحيش ابو إبنك ..
_متبيعنيش يا نورهان عشان ابننا ..
_نورهان صدقيني انا ندمان ومش عارف عملت كدا ازاي ..
صدقيني ،،كانت لحظة شيطان !
نظرت للأرض وقالت بكذب وضميرها يجلدها :
_أنا معرفوش ،،معرفش اي حاجه عنه
أغمض عينيه بضيق وقال محاولًا كظم غيظه :
_ليه ،،ليه ..
جالك ايه عشان تدراي عليه ،،للدرچادي روح البني أدمه اللي چوا دي رخيصة عندك ،،بلاش هي
إنتِ مش خايفة على نفسك منه ،،يا بنت الناس دا جاتل معندوش ذرة رحمه ولا شفجه على حد ..
هدى مش أول واحدة يجتلها ومش هتبجى الأخيرة ..
أنا راچل وأجدر أحمي بيتي بس إنتِ مين هيحميكي ،،ساعديني عشان أجدر أساعدك ..
هربت بعينيها بعيدًا عنه تحاول إخماد ضميرها الثائر داخلها وقالت :
_معنديش حاجه اقولهالك أكتر من اللي قولتها !
_ماشي ،،بس على الاجل خدي رقمي ،،يمكن يبجى في عندك حاچه تجوليها بعد كدا .
نظرت له مطولًا وأعطته هاتفها ليُسجل الرقم وقررت في داخلها أن مقابلة الليلة ستحسم كُل شئ ،،إما إن يعترف بها وبطفله ويتوب عن ذنوبه تلك أو تشي به ليلقى مصيره الأسود إن تمادى في أخطائه بحقها وبحق الأخرين ..
تلك المقابلة ستحدد كل شئ !
لكن ماذا لو قتلك بلا رحمه مثلما فعل بشقيقته!!
بالتأكيد لن يفعل هو كان لديه مُبرر ،،أخذها بذنب والدتها ..
لكن هي لم تذنب بحقه ،،لم تُقدم له سوى الحُب وأيضًا طفل سيأتي الى الدنيا ليكون عائلته ..
ربما يُغير نظرته للحياة بعد ذلك الخطأ ،،كان يبدو عليه الندم حقًا ..
شعور بالتيه والضياع يمتلكها تشعر أنها بالنتصف المُحيط تغرق وهو سفينتها الوحيدة ..
إم أن يُمسك بيدها لأول مرة في حياته ..
أو يخذلها كعادته !..
___________
في المساء ..
كانت جالسة في منزلها مساء ذلك اليوم بعدما اعتذرت وغادرت المستشفى باكرًا ..
مازالت تتذكرها ..
ذلك المشهد الأليم لم يغيب عن ذهنها ثانية واحدة ..
لفت إنتباهها رنين هاتفها برسالة ..
فتحت الهاتف لتجد رسالة من هيثم بها عنوان منزل ..
تنهدت بعمق ونهضت لترتدي ملابسها لتذهب إليه .
"على الجانب الأخر"
كانت سيدرا تسند رأسها على صدر زين وهو يضمها وينظر للاشي بشرود ..
أما سيدرا فكانت عينيها متورمتين وأنفها أحمر من شدة البكاء ..
قالت بنبرة مبحوحة من البكاء :
_انا حاسة بالذنب يا زين ،،
هي أنقذت بنتي ،،بس انا مقدرتش أنقذها مقدرتش حتى أردلها جميلها ،،هفضل شايلة ذنبها طول عمري يا زين ،،أنا السبب
قبّل جبهتها بحنو وربت على كتفها قائلًا :
_إهدي يا سيدرا ،،دا نصيبها وبعدين شكل كان بينهم حاچه ..
يمكن فعلا أخته ،،يمكن بينهم ماضي وحش خلاه يچني عليها ..
_ربنا يرحمها ويغفرلها وينتقم منه ..
_____________
وصلت نورهان إلى العنوان ونظرت للبيوت فوجدته في بلكونة إحدى المنازل يُشير إليها لتصعد ..
تنهدت بثقل ودلفت للمنزل صاعدة إليه وداخلها لا يشعر بالراحة أبدًا ولكن تُكذب نفسها ..
كان مُنتظرها أمام الشقة بإبتسامة جذابة وأفسح لها الطريق لتدلف ..
دلفت هي بقدمان مرتجفتان وأثار الرعب في داخلها عندما أغلق الباب بالمفتاح ووضع المفتاح في جيبه ..
تحركت نحوه وقد شعرت بالإرتياب وقالت بخوف :
_قفلت الباب علينا ليه ..
أمسك كتفيها برفق وقال بنبرة لينة :
_عادي عشان اكون مرتاح اكتر انك مش ممكن تهربي ..
أنا عايز اتكلم معاكي في كلام كتير اوي يا نورهان وعايزك تسمعيني للأخر ..
نظرت له مطولًا وبلعت ريقها تحاول تصديقه ومنحه فرصة أخيرة ..
جلست على الأريكة وجلس بجانبها فنظرت إلى وجهه بتأثر وهي ترى العديد من الكدمات الحمراء وأنفه عليه ضمادة طبية كبيرة فقالت وهي تلمس أنفه فتألم مُبتعدًا عنها ..
_انتَ وشك اتبهدل خالص ..
_منه لله ،،ورحمة أمي لأول حاجه هعملها فيه لما يقع تحت أيدي لأكسرله مناخيره زي ما كسريلي مناخيري كدا ،،أنا من صباحية ربنا مش شامم أي حاجه بسبب مناخيري غير الوجع اللي فيها والصداع اللي في دماغي ..
ربتت على كتفه وقالت بهدوء وإبتسامة لطيفة :
_معلشي،،هتكون كويس
_أنا خدت عُلق كتيرة وقليلة بس عمري ما شوفت غشومية وغل كدا ،،كنت هموت تحت أيده ..
بس صبرك بكره يقع تحت ايدي وديني ما هرحمه هخليه يتمنى الموت وميطولوش ..
نظرت له بحنق وقالت بنبرة لائمة :
_ليه يا هيثم ما تسيب كل واحد في حاله ،،
جربت تنسى وتفوت ،،ليه تشيل غل جواك ناحية حد ،،ليه خدت أختك بذنب مامتها ،،ليه خدت باباك بذنب قلبه ليه بتحاسب الناس على حاجات معملوهاش وملهمش ذنب فيها ،،ليه معيش نفسك في الجحيم دا ،،هيثم انتَ كنت هتموت قبل كدا مرة بسبب بردو مشاكلك دي
أجابها بغل وحقد واضح في عينيه :
_مفيش حاجه إسمها ملهمش ذنب ،،كلهم مذنبين في حقي ،،أنا ضحيتهم كلهم
إبتسمت بتهكم وقالت بنبرة يائسة :
_ياترى هتفضل في الدايرة دي كتير يا هيثم ،،لسه ناوي تاخد أرواح ناس تانيه بريئه ملهاش ذنب ..
أردف بتوعد غير مُدرك لِمَ يقوله وقد استطاعت استدراجه في الحديث :
_لسه واحدة بس هي عامل رئيسي في كل اللي وصلتله ،،مش هرتاح قبل ما احرق قلبها زي ما حرقتني ووصلتني للي انا فيه ..
رددت مُتسائلة :
_سيدرا
هتف بتأكيد على سؤالها وقال بوعيد :
_سيدرا وزين وبنتهم بس لسه مش عارف هبدء بمين فيهم
_بنتهم ذنبها ايه
_ذنبها انها بنتهم ..
_يعني زي هدى
قرر تغير مجرى الحديث وقال لها بنبرة لطيفة محاولا خداعها :
_بالظبط ،،وسيبنا بقى من الحوار دا وادخلي اعمليلنا حاجه سخنه نشربها بقى خلينا نعرف نتكلم في مستقبلنا ولا ايه ..
قالت بعدم تصديق وقد وصلتها إجابته على السؤال التي جاءت من أجله الليلة :
_اها طبعًا ،،هدخل بس الحمام الأول أغسل وشي كدا وبعدين أعملك السخن ..
أمسك يدها وقبلها وقال بنبرة مُصطنعه :
_تسلم إيدك من قبل ما أشربه يا حبيبتي ..
إبتسمت بزيف ونهضت دالفة إلى الحمام وأخرجت هاتفها ونظرت للتسجيل الصوتي التي قامت بفتحه في دردشة زين على تطبيق "واتساب" وقررت إرساله برفقة العنوان ،،وفي قرارة نفسها قررت أن تهرب من هنا وتذهب إلى اي محافظة أخرى بمساعدة زين لتلد في اي بلد وتربي طفلها بعيدًا عنهم وتكون عائلتها بذلك الطفل ..
تنهدت بثقل وهي تشعر أن هناك جبل على صدرها وخرجت من الحمام ودلفت المطبخ لتجهز كوب قهوة له ..
وضعت القهوة والسكر والماء مع بعضهم البعض وقلبتهم جيدًا ووضعت "الكنكه" على عين الموقد وفتحتها وجربت القداحة الخاصة بالموقد ولكن لم تشتعل فبحثت في الادراج عن قداحه أخرى لكن لم تجد فخرجت لتأخذ منه قداحه وبالها مشغول فيما فعلت والمقطع الصوتي التي بعثته مع العنوان ..
_____________
على الجانب الأخر ..
كان سيدرا وزين ورامي يستمعان للتسجيل الصوتي الذي أُرسل الأن من رقم مجهول ومعه عنوان ..
فارت فائرة زين وصاح في المنزل قائلًا بتهديد وهو يرتدي حذائه :
_ولله لموته ،،أنا هطلع بروحه الليلة ..
قال رامي وهو يأخذ هاتفه وينزل خلفه ويغلق الباب :
_استنى يا زين أنا جاي معاك ..
صرخت سيدرا فيهم بخوف وهي مُنفطرة من البكاء وشوق ووالدتها تُمسك بها :
_استنوني متمشوش ،،زين متسبنيش يا زين
زيـــــن !!
فُتح الباب بعد خمس دقائق ليطل هاني وهو يسأل بذعر ماذا حدث ولِمَ انطلق زين ورامي بالسيارة وهي تصرخ باكية ..
قالت هي بخوف وبنبرة راجية :
_بالله عليك يا هاني ،،خلينا نروح معاهم ،،هم راحين لهيثم بيته ..
بالله عليك أنا خايفة عليهم ..
قالت بتوتر وهو يشعر بالخوف على أخيه وزوج أخته :
_طيب تعالي معايا انتِ عارفة العنوان؟
هتفت بتاكيد وهي تكفكف دموعها متوجهه لغرفتها :
_عارفاه ،،عارفاه ..
هحط اي حاجه عليا واجي استناني في العربية ..
______________
خرجت هي تبحث عنه فوجدته يتحدث في البلكونة في هاتفه فأقتربت منه بهدوء و ..
_جهز إنتَ بس العربية نصايه كدا هخلص واتصل عليك تيجي بس اهم حاجه جيب شوال معاك ..
_يا عم مش مشكلة هنرميها في اي حته مقطوعة ولا هنحفرلها متر في متر في اي صحرا مش معضله يعني ..
_لا متقلقش مقطوعة من شجرة،، محدش هيسأل عليها ولا يعبرها ،،يتيمة اب وأم وهو أخ واحد ما هيصدق يخلص منها ..
وضعت يدها على فاهها تكتم شهقاتها وقد شُل عقلها تماما وانهمرت دموعها وهي تتذكر مشهد وفاة هُدى ..
نظرت للباب المُغلق بالمفتاح وفكرت كيف ستفر من هنا قبل أن يقتلها ..
صرخت عندما ظهر امامها في الظلام فجاءة بعينين قاتمتين وقال بصوت هادئ جدا :
_إنتِ هنا من إمتا ..
حاولت إزدراد لعوبها لكن لم تقدر هناك غصة بمنتصف حلقها وجسدها بدأ يرتجف بقوة وهي تشعر بالرعب الشديد من منظره وكأنها ترى شبحًا في إحدى أفلام الرعب ..
لكنه ليس فيلمًا وليس شبحًا بل واقع مرير هو أمامها الأن وتعلم نيته جيدًا ..
تفحصها من أسفلها لأعلاها بنصف إبتسامة وقال بإستنتاج :
_يبقى سمعتيني !
خرج صوتها الخافت جدا وقالت بلوم :
_ليه؟
_عشان انا مش هسيب واحدة زيك تبقى شاهدة عليا ،،انتِ عرفتي حاجات كتير مكنش ينفع تعرفيها ،،انتِ وجودك في حياتي غلطة كبيرة اوي وكان المفروض اخلص منك من زمان ،،من اول ما عرفت انك ناوية تجيبلي ابن يضعف شوكتي ،،حد يتدمر زي ما انا اتدمرت ،،أكيد كان هيجي بس بعد ما اخلص حساباتي واهاجر ..
_أنا حبيتك يا هيثم ،،انا مفكرتش لحظة آذيك ،،كان كل همي على طول اطبطب عليك واهون وجعك وانتَ كنت مابتعملش حاجه غير إنك توجعني وبعزم ما فيك تكسر إيدي اللي بتطبطب عليك ،، ليه يا هيثم ..
_قولتلك إنتِ غلطة يا نورهان ،،كان لازم أكسرك عشان لو كنت سيبت نفسي أحبك كنتي كسرتيني وبقيتي نقطة ضعفي ..
_ادينا فرصة ،،سيب كل حاجة هنا وتعالى نسافر ..
_مش هقدر ،،مش هقدر أعيش معاكي وانا حاسس إني رقبتي في أيدك ،،نورهان أنا فعلا هسافر وهبدء حياتي على نضافة بس بعد ما اخلص كل حساباتي هنا ..
أمسكت رقبتها بخوف شديد ولم تستطع قدميها الوقوف أكثر فجلست على السرير الموجود بالغرفة ودموعها تتساقط على وجهها حتى أغرقتها ..
أخرج هو مسدس من جيبه ولأول مرة يشعر بقلبه يرتجف ،،نعم ربما أحبها ولكن حقده وإنتقامه وسواده ،،شيطانه كان أقوى من كل حُبه الزائف فأمثاله لا يحبون سوى أنفسهم!..
رفع المسدس بيد مُرتجفة ورأته هي فتعالت شهقاتها بذعر وهي تقول بصوت مقهور نابع من أعماق قلبها الذي ينزف :
_مش مسامحاك يا هيثم ،،بكره هنقف قدام ربنا وهقولك مش مسامحة يا هيثم ،،انا سيبت حقي لربنا قادر ياخدهولي ،،يارب بحق كل القلوب اللي حرقتها ووجعتها تتوجع أضعاف يا هيثم ،،مش مسامح...
أسكتها برصاصة إخترقت قلبها أزهقت روحها في الحال لتسقط غارقة في دمائها ..
تنهد وهو يُلقى المسدس جانبًا وأخرج هاتفه ليرن على رفيقه وهي مسجاة في بركة من الدماء على السرير ،،ألقاها بنظرة أخيرة وقال بنبرة شبه نادمة :
_يمكن لو كنتي جيتي في وقت غير دا ،،يمكن لو كنت عرفتك قبل سيدرا وقبل ما ادخل السجن ..
ممكن كانت حاجات كتير اتغيرت بس للأسف إنتِ جيتي في أكتر وقت غلط ..
تأملها لبضع دقائق وشعر بالإختناق الشديد فمسح وجهه بعنف وأخرج سيجارة وغادر الغرفة إلى الصالة ليجلب قداحته من على الطاولة ليشعل سيجارة ينفث فيها غضبه ..
ولكن ما إن أشعل القداحة حتى انفجرت الشقة واندلعت النيران في كل مكان ليأتي قصاص الله في الحال وتُستجاب دعوة المظلومة ..
نظر حوله بذعر والشقة تنهدم فوق رأسه بالإضافة إلى النيران التي تُحيط به من كل جانب
أتى ترتيب الله من حيث لا يدري هو ليكتب له تلك النهاية البشعة ..
سقطت أجزاء من السقف المشتعل بالنيران على باب الشقة فصرخ بهيسترية شديدة وهي يحمي رأسه بيديه ويجول في الشقه محاولا الفرار من ألسنة اللهب المشتعلة ..
دلف إلى الغرفة الذي كان فيها منذ قليل وكانت النيران تُحيط بجثتها ولكن لم ينتبه لها ،،نظر من البلكونه إلى المسافة فوجدها مرتفعه وهناك أسياخ حديدية بالأسفل ،،تراجع وهو يحاول تحاشي النيران والشقة التي تنهار ولكن أمسكت النار بقدميه وأشتلعت في بنطاله ليبدء في الصراخ بألم شديد متجهًا للداخل ربما يستطيع القفز من من بلكونة غرفة والدته ..
ما إن دلف الغرفة المشتعلة حتى رأى الثلاثة يقفون في زوايا الغرفة الثلاث وهو يقف في الرابعة
هدى ووالدتها ونورهان ..
الثلاثة ظلمهم وأنهى حياتهم دون وجه حق ..
صرخ بجنون وهو يلتفت خلفه وقد جُن بالفعل وامسكت النار بذراعه وبطنه وسقط على ظهره ورأسه جزء من السقف الأسمنتي المشتعل فسقط في وسط النيران وهو يصرخ بألم شديد لا وصف له حتى ذهب صوته وفتكت النيران بجسده فرأى والدته قادمة نحوه من وسط النيران وتقول له بعتاب وصوتها الحنون يتخلل مسامعه :
_ليه كدا يابني ،،ليه كدا يا هيثم ..
تحرك جسده بقوة لأخر مرة وهو تحت تلك القطعة الأسمنتية وصاح مرة واحدة وبعدها صمت للأبد وتوقف جسده عن الحراك وغادرت روحه الخبيثة الدُنيا الفانية التي ازهق من أجلها ارواح بريئه لاذنب لها .....
بالأسفل ..
وصلت سيدرا وهاني ولم يجدوا زين أو رامي ولكن أصابهم الذعر عندما شاهدوا الشقة المُرادة والنيران تأكلها وظنوا أنهم بالداخل ..
إقتربت سيدرا من المنزل وهي تصرخ بخوف :
_زيــــــن،،
زيــــــــــــــــــن !!
إحتضنها زين من الخلف وجذبها إليها قبل أن تسقط بلكونة المنزل المشتعلة ،،
بعد وصوله للتو بعدما دلفوا من طريق خطأ فتأخروا قليلًا وكان التأخير من مصلحته ..
ربما لو وصل فورا دون عرقله لكان يحترق الان في تلك النيران المُحتدمة ..
نظرت إليه وارتمت في أحضانه شدد هو على عناقها وهي تعانقه أكثر بخوف وكأنها تود الدلوف بداخله لتحتمي به ..
قال هاني لرامي بتساؤل :
_هي دي شقته ..
اومأ رامي وهو ينظر للنيران المستعرة :
_اها
_تفتكر هو جوا
نظر رامي لهاني وقال بنبرة ثابتة :
_ممكن ،،
قلبي حاسس إنها النهاية .
إبتعدت سيدرا عن زين ونظرت للشقة التي تحترق وقالت بشرود :
_تفتكر خلصنا ..
تنهد زين بعمق وقال بنبرة متآملة :
_إن شاء الله ،،
إن شاء الله يكون دا ترتيب ربنا وبيتحاسب على أعماله السودا في الدنيا ..
___________
"بعد مرور سنة" .....
في الصعيـــــــد تحديدًا مُحافظة "قنــــا"
كانت "سيدرا" تُجهز زينة لأول يوم دراسي لها ..
صففت سيدرا لزينة خصلاتها على شكل "قطتين"
نظرت الفتاة لشكل شعرها في المرآة وقالت بسعادة :
_شكلهم حلو اوي يا مامي ..
_يلا يا زينة هنتأخر في أول يوم ..
جاءها صوت والدها من بهو السرايا يحث فتاته على الإسراع للذهاب إلى المدرسة في أول يوم دراسي لها ..
نهضت سيدرا من مكانها بصعوبة شديدة بسبب وهنها فهي تنتظر بعد شهر من الأن مولودها الذكر ..
استقامت من مكانها ووضعت "السندوتشات" في حقيبة إبنتها وقالت لها وهي تساعدها في ارتدائها :
_خدي بالك من نفسك يا حبيبتي ،،وبلاش مشاكل وبطلي لماضه ..
_حاضر يا مامي ،، مع السلامة يا كريم
أردفت الفتاة بطاعة وقبلت بطن أمها وودعت أخيها الصغير في رحم أمها وركضت للخارج فحملها والدها مُداعبًا وجنتيها وأدخلها السيارة وخرجت سيدرا للخارج تلوح لهم بسعادة وهي تتأملهم بحُب شديد ..
فألقى زين لها قبلة في الهواء وقلدته إبنته فإبتسمت سيدرا لهم بحب والقت لهم القُبلات في الهواء وتتحسس باليد الأخرى بطنها الممتلئ تنتظر قدوم إبنها "كريم" نسبة إلى إسم جده "عبدالكريم" رحمه الله الذي توفي قبل سبعة أشهر تنهدت بسعادة شديدة ودلفت إلى الداخل وقد وصلت أخيرًا للحياة الهادئة السعيدة التي لطالما حلمت بها ..
تمت بحمد الله
