(جحيــــم حُبــــــك 2)
(بين عشقـــه وإنتقامــــــه)
(الفصـــل السادس والعشـــــــرون)
والسابع والعشرون
بقلم علا فائق
(لقــــد عــــاد مـــن جـــــديـــــــــد) ___________________
جُن جنونها عندما رأته وركضت للداخل وهي تُنادي زوجها وإبنتها بخوف شديد ..
رأها زين وهي تركض نحوهم فعقد حاجبيه بإستغراب وهو يتجه نحوها ويسألها بقلق :
_مالك يا سيدرا في ايه
_هيثم ،،هيثم يا زين ،،هيثم كان هنا الوقتي وبصلي
_ايه هنا فين ،،عرف مكانك ازاي
قالت بإنهيار وهي تتحرك بعشوائية شديدة وقلبها يكاد ينفجر من شدة الخوف :
_معرفش مكاني هو كان معاكوا في الماركت وكان خارج منه ،،انا متأكده انه شافك ،،
عشان كدا كان خارج بيبصلي ،،انا عارفة بصته دي كويس اوي .
كان يدور حول نفسه بغضب شديد ممزوج بالتوتر وهو يسمع حديثها ونظر لها بصدمة عندما أخبرته انه كان معه ..
نظر لها مطولًا وكل شئ يتضح أمامه ،،هو ..
هو كان الرجل الغامض المألوف ،،هو من كان يقف مع ابنته ،،كان يهدده وهو واقف أمامه اللعنة على ذاكرته التي لم تنقذه في ذلك الموقف ..
قطع صمتهم جملة الفتاة العفوية وهي تقول بتساؤل :
_هو دا عمو اللي كُنت بديله الفلوس ..
نظرت سيدرا للفتاة بصدمة ونظرت لزين الذي ركض في ثانية واحدة للخارج وهو ينظر حوله يمينًا ويسارًا باحثًا عنه بجنون ..
أما سيدرا فإنحنت إلى مستوى إبنتها وسألتها عن ماهية هذا الرجل فطابقت حديثها بما رأته وقامت بضم إبنتها إليها بخوف شديد وعقلها يوسوس لها أن الخطر يحيط بهما من كُل جانب ..
نهضت من مكانها وأخذت إبنتها وتوجهوا للخارج فرأته عائدًا يزفر أنفاسه بإنهاك واستقلوا سيارتهم وظلوا صامتين ..
________________
"في المستشفى"
كانت جالسة تنظر في اللاشئ بشرود ووجه مهموم ..
جاءت سيدة مُسنة تعمل ممرضة مثلها وجلست بجانبها بتعب ويبدو عليها الاعياء الشديد ،،
نظرت لها "نورهان" وقالت بتساؤل وهي تضع يدها على كتفها :
_انتي كويسة يا ماما صابرين
_الحمدلله ع كل حال يابنتي ،،انتي هاتفضلي شايلة الهم كدا كتير ..
رددت بقلة حيلة :
_اعمل ايه يعني ،،في ايدي ايه اعمله ..
_فوضي امرك لله يبنتي ..
_فوضت امري ليك يارب ،،اخويا مُصر يجوزني الراجل الكبير دا وانا مش عارفة اعمل ايه
_يابنتي اكيد هيسمعك هو الجواز بالعافية ..
_مش هيسمعني يا ماما ،،هو الموضوع دخل في دماغه خلاص كدا وانا لو هموت نفسي مش متجوازه ..
_بعد الشر عليكي يابنتي انتي لسه في بداية حياتك قدامك حاجات كتير لسه هتعيشيها ومحدش يقدر يغصبك على حاجه انتي مش عايزاها ..
_الموت عمره ما كان شر بالعكس دا راحة من حاجات كتير اوي بس انا خايفة ..
خايفة اوي اموت وانا كدا ،،خايفة اقابل ربنا بذنبي دا ..
_ذنب ايه يابنتي ..
نظرت إليها بعيون دامعة وقالت بشرود :
_الذنوب كتير ياماما ..
_ربك بيغفر يابنتي ،،توبي لله واطلبي منه العفو ،،ادعيله يهونها عليكي
_يارب ،،
انتي شكلك تعبان اوي يا ماما روحي انتي النهارده وانا هشيل عنك
_ربنا يكرمك يابنتي ويجبر بخاطرك يارب ،،ربنا هايعوض صبرك خير ان شاء الله ادعي انتي بس ..
_يارب ..
_________________
"مساء ذلك اليوم"
"في الصعيــد"
عادوا مساء ذلك اليوم إلى السرايا وصعدوا للأعلى ..
بعد مرور ساعة تقريبًا دلفت سيدرا إلى غُرفتها بعدما غرقت الفتاة في ثبات عميق ..
كان مُستلقيًا على ظهره ينظر لسقف الغُرفة بشرود فجلست هي بجانبه على طرف السرير وقالت بنبرة جامدة :
_هتعمل ايه ..
_في ايه
_في هيثم
قال بنبرة ثابتة وجلس نصف جلسة :
_هيثم امره مفضوض يا سيدرا ،،عايزاك تفهمي دا زين
اجابته بشئ من الحدة ممزوجة بالخوف :
_ازاي يعني وبنتي وانتَ!
ردد بنبرة واثقة محاولًا طمئنتها :
_متشغليش بالك ،،هيثم امره مُنتهي ..هيثم اللي فيه دا حلاوة روح مش اكتر ولا اجل
_ماشي يا زين ،،بس لو حصل اي حاجه
_مش هيحصل ان شاء الله متجلجيش ،،متشليش هم ياحبيبتي ..
_ربنا يبعده عننا ويخلصنا منه بقى
_ان شاء الله ياحبيبتي ..
________________
في "القاهرة"
في إحدى المناطق البسيطة حيث تكمن شقة "هدى"..
تلك الفتاة الغامضة التي أوقعها حظها في يد هيثم وكان يستغلها ماليًا او لقضاء بعض المهام بلا مقابل كنوع من الإستبداد والتي حملت من قبل إبرة السم لتحقن بها سيدرا قبل مغادرتها البلاد قبل خمس سنوات مضوا ..
عندما كانت تعمل كـ فتاة ليل ..
أما الأن ..
بعد توبتها إلى الله ورجوعها إليه وسيرها على الطريق الصحيح وهروبها من المكان التي كانت تسكن به لتبدأ بمكان جديد حياة جديدة بعيدًا عن كل ما يلوثها ويسئ إليها وأولهم "هيثم" ..
كانت الساعة الحادية عشرة مساءًا عندما سارت عائدة إلى منزلها بإنهاك بعد عمل لمدة 12 ساعة متواصلة ،،كان حجابها غير محكم حيث تمردت شعيرات قليلة خارجة بفوضوية ..
وقفت أمام شقتها وأخرجت المفتاح واولجته بالباب ليُفتح ..
دلفت للداخل وأغلفت الباب وأنارت الأضواء المُطفئه واستدرات لتصرخ بخضه شديدة عائدة للخلف فـ سقطت على الاريكة المُتهالكة عندما وجدته جالس أمامها على الكُرسي بأريحية شديدة ..
قهقه بقوة على منظرها حتى أدمعت عينيه وقال بسخرية :
_كنت متوقع إنك هتتخضي بس مش كدا ،،ايه يا دودو إنتِ شوفتي عفريت
قالت بفظاظه وهي تحاول اخذ أنفاسها :
_انا اشوف العفريت ولا اشوفك ،،عرفت مكاني منين وعايز مني ايه بعد السنين دي
أجابها وهو ينهض من مكانه مُتجها نحوها وانحنى قليلًا ليواجه حدقتيها الرمادتين وقال بفحيح وهو ينظر لوجهها بكره:
_أنا عارف مكانك من ساعة ما عزلتي وسيبتي كل حاجه وراكي من خمس سنين ،،إنتِ تحت عيني على طول بس مش حاسة ..
بالمنسابة اللوك القديم احلى عليكي ،،شعرك الأصفر كان احلى بكتير من القماشة المقرفة اللي انتي حاطها على رأسك دي ..
أنهى كلماته وهو ينزع حجابها عنها بقوة في لمح البصر ..
صرخت في وجهه وهي تدفعه بعيدًا عنها بعدما انسدلت خصلاتها الصفراء بفوضوية حول وجهها وقالت بصراخ :
_عايز ايه مني يا هيثم ،،انا بعدت عن طريقك ومش عايزة قرف تاني ،،انا الحمدلله عرفت الطريق الصح ..حتى لو عرفته متأخر فأنا وصلت ومش عايزة ارجع تاني ،،شوفلك حد غيري واعتبرني موت ،،حل عن نافوخي بقى الله لا يسئيك
_انتِ اتطورتي اوي وبقيتي تقولي كلام كبير ،،مش عايزة تعرفي انا جايلك في ايه ..
صاحت في وجهها بلا مبالاة :
_مش عايزة اعرف ،،انتَ مبيجيش من وراك غير المصايب مفيش شيطان هيجي من وراه خير .
_انا هعتبر نفسي مسمعتش حاجه من الكلام دا ،،لأن اللي جايلك فيه إجباري للأسف مش من حقك حتى تختاري تقبلي او ترفضي ..
انا جايلك في حاجه بسيطة خالص ،، مش هتحسي بيها وفي نفس الوقت اوعدك هحل عنك ومعتش هتشوفي وشي تاني .
_ايه هي
قال بأريحية شديدة وهو ينظر داخل عينيها :
_قتل
شهقت بخضه وقالت بنبرة مصدومة :
_يالهوي ،،قتل لا انتَ اتجننت انا يستحيل اقتل ..
ردد بإستنكار وهو يُلقيها بنظرات مُشتعلة :
_ايه يابت انتي محسساني انك مكنتيش هتعمليها قبل كدا ،،فوقي لنفسك يا هدى احنا دافنينه سوا ،،فاكرة سيدرا ..
لولا هربت يومها كان زمانها ميتة على ايدك ..
_الحمدلله وقتها انها هربت ومعملتش الذنب دا ولا وسخت ايدي بدمها ،،انا توبت يا هيثم ابعد عني بقى الله يهديك ويسهلك ..
أردف بجدية مُتجاهلًا رفضها :
_المهم انتِ مش هتروحي بعيد ،،سيدرا رجعت ومعاها بنتها المطلوب منك تموتي بنتها متقلقيش هحطلك خطة سهلة وهتنفذي المهمه وهتخرجي منها زي الشعرة من العجين ..
شهقت بصدمة للمرة الثانية وقالت بنبرة غير مُدركة لمدىٰ بشاعته :
_يا نهارك اسود ،،انتَ عايز تموت عيلة صغيرة ،،انتَ ايه يا اخي معندكش قلب ،،عملتلتك ايه هي ولا امها عشان يبقى جواك الغل دا ناحيتهم ..
أجابها ببرود شديد :
_اللي عملوه دا يخصني ميخصكيش ،،انتِ كُل اللي هتعمليه انك تموتيها وبس
نهضت من أمامه وقالت بنبرة مُستنكرة :
_مش هموتها ،،يستحيل اوسخ ايدي بدم عيلة ملهاش ذنب في اي حاجه غير انك حطيت امها في دماغك
اصتكت اسنانها ببعضها البعض وحرك رقبته يمينًا ويسارًا بعصبية شديدة ورفع كفه وأنزله على وجهها فسقطت على الأرض من قوة الكف وسال الدم من فمها ..
علّت صوت أنفاسها بخوف شديد وهي تنظر إليه وقد بدأت دموعها بالسيلان فلوثت وجهها بجانب الدماء ..
جلس على ركبتيه ليكون بمستواها وقبض على خصلاتها ونهض بقوة لتستقيم معه رغمًا عنها وذلك يرجع لضعف جسدها الهزيل ..
انهارت بين يديه وذاكرتها تستعرض أمام عينيها كُل ما فعله بها وتسبب به وما لحق بها من وراء أفعاله ومصائبه قائلة :
_ارحمني بقى يا شيخ حرام عليك ،،من ساعة ما دخلت حياتي وانتَ دمرتها ..
ياريتك ما كنت خدتني من الملجأ ولا شغلتني ،،يارتني كُنت فضلت معاهم،،خدتني عيلة عندها 16 سنة ورمتني في النار ووقفت تتفرج عليا ،،ياريتك سبتني هناك عايشه في حالي ،،كان زماني الوقتي متجوزة و عندي عيلة بتحامي فيها من وجع الدنيا دي ،،عيلة تدفيني بدل مانا بموت من وحدتي كل يوم ،،بسببك اتحكم عليا بالوحدة طول عمري عايزاني بعدما توبت وبحاول اكسب اخرتي اخد روح ،،غور في داهيه يا هيثم وانساني ..
قبض بعنف اكبر على خصلاتها وصدم رأسها بالحائط المُقابل لهم وانخفض إلى مستوى أذنها وهي مازالت مستندة برأسها على الحائط بألم وقال بفحيح افعى متوعدًا :
_مفيش الكلام دا ،،انتي طول ما فيكي نفسي فانتِ عبدة ليا تنفذي أوامري وبس ،،والمرة دي بالذات ،،
روحها قُصاد روحك ،،يا تموتيها ياهموتك ..
فاهمــه !!
ترك خصلاتها وابتعد عنها متوجهًا إلى الباب وقال وهو ينظر إليها بكره :
_بكره هكون جهزت الخطة والحاجه اللي هتحتاجيها ،،اتمنى تفكري كويس ولو انتِ منفذتيش في الف تنفذ بس قبلها هاخد روحك بأيدي ..
غادر المكان برمته كزوبعة تسحق كل ما يُقابلها ..
أما هي فكانت تبكي وهي تشعر بالضعف والعجز أمامه ،،تشعر أنها عبدة اشتراها ولن تستطيع التخلص منه طالما هي على قيد الحياة ..
نظرت مطولًا للباب ودموعها تغرق وجهها وتحدث نفسها
هل تطاوعه وتأخذ تلك الروح البريئه وتحرق قلب أمًا وأبًا على ابنتهم ؟
أما تهلك هي فداءًا للفتاة ؟
هل سيتوقف بعدما يقتلها ويرجع عن فكرة الإنتقام تلك أم سيجد أخرى لتنفيذ مخططه الشيطاني ؟
ولماذا اختارها هي لتنفيذ تلك المهمة ولم يذهب للاخريات ؟
لِمَ اوقعها القدر في يده من البداية ؟
نظرت للسماء ورأسها يؤلمها بشدة من الضربة ومما حدث وتسأل الله أن يُلهمها الصواب ..
(جحيــــم حُبــــــك 2)
(بين عشقـــه وإنتقامــــــه)
(الفصـــل السابــع والعشـــــــرون )
(شَيطَــــــــــــــــانْ)
____________
"في صباح يوم جديد"..
فتحت "نورهان"عينيها المتورمتين بصعوبة شديدة ،،اعتدلت قليلًا لتجلس نصف جلسة على السرير ووقع نظرها على القيد اللامع الذي يحيط بإصبعها تذكرت ليلة أمس عندما وضعه ذلك العجوز البغيض ببنصرها كُرهًا وهي تلقيه بنظرات عاجزة ضعيفة ،،ولكن أُجبرت على ذلك فلا مهرب لها من تلك الخطوبة بعدما طردها "هيثم"أخر مرة عندما ذهبت إليه ترجوه أن يتزوجها ويعترف بها وبإبنها في حياته حتى لو أراد الزواج عليها بعد ذلك أو تطليقها لكنه طردها خارج منزله وشعرت بغصه في حلقها عندما وجدت فتاة معه في المنزل ..
مسحت دموعها بعنف وهي تلعن نفسها وقلبها مئة مرة وتتمنى لو دهستها سيارة او سقطت من ارتفاع عالٍ لتفقد حياتها قبل أن توافق على طلبه القذر ..
خلعت الدبلة من إصبعها والقتها في الدرج بجانبها ونهضت لترتدي ملابسها وتذهب لعملها ..
____________
"هُــدى"
نامت مكانها على الأرض الباردة بعد استيقاظها طوال الليل تُفكر فيما ستفعل ..
سمعت طرقات عنيفة على الباب فإنتفضت من مكانها وفتحت الباب والخوف امتلكها عندما أشرف عليها بطلته المُنفرة ..
نظر لها من أسفلها لأعلاها ودلف للداخل وجلس بإريحية على الأريكه وأخرج من جيبه "مُسدس" ووضعه بجانبه وقال بنبرة باردة تحمل في طياتها تهديد :
_قولتي ايه هتنفذي ولا ؟
نظرت بذعر للمُسدس بجانبه وبدأت اوصالها ترتجف وقالت بتلعثم :
_هنفذ هنفذ بس شيله في جيبك تاني ..
أنهت كلماته ومقلتاها امتلأت بالدموع وجسدها يرتجف بشدة وقد داهمتها ذكرى أليمة مازالت روحها تنزف على أثرها حتى الأن ..
نعم كانت بعمر الخامسة آنذاك لكن مازالت تتذكر جيدًا صوت تلك الطلقة التي اخترقت جسد والدتها لتُفارق بعدها الحياة ..
أعاده إلى جيبه مرة أخرى ونظر بإستغراب لتصنمها وكأنها غير موجوده في عالمهم فقال :
_ششش ،،ايه انتِ لسه نايمة .. ادخلي اغسلي وشك وفوقي كدا عشان افهمك هتعملي ايه ..
فاقت من شرودها على صوته الجهوري وقالت :
_حاضر حاضر ..
___________
"في سرايا الصياد"
رنّ هاتف سيدرا وهي تتناول وجبة الإفطار مع العائلة وسرعان ما انتفضت من مكانها وقد علقت اللقمة بحلقها بسبب معرفتها أن والدتها سقطت في المطبخ وأصابت قدمها ..
ارتعبت سيدرا على والدتها كثيرا وخصوصًا مؤخرًا بسبب إصابة والدتها بمرض السكري بعد سفرها للخارج ..
_انا لازم اروح لماما الوقتي ..
ربّت زين على كتفها وقال محاولًا بعث الطمأنينه في قلبها وقال :
_خلاص يا حبيبتي هنروح كلنا نطمن عليها اهدي بس ،،
جهزي زينة وانا هجهز ونروح نزورها ..
_ماشي يا حبيبي ،،ابعتيلي زينة معلشي عشان البسها ..
_ماشي
_________________
نظرت هُدى لهيثم بضعف وقلة حيلة وهو يرسم خطته لقتل طفلة ..
تأملته كثيرًا وشعرت داخلها حُبًا ضئيلًا تجاهه رغم جحوده الدائم معها ونعتها دائمًا بأبشع الألفاظ إلا أنها تشعر أنها تحن إليه،، ودت كثيرًا أن ترتمي بأحضانه وتبكي لتشكوه من آلام الدنيا فهي لا تعرف سواه وليس لها غيره بعدما تركها الجميع ورغم كل تلك المشاعر المدفونة لم تنظر إليه أبدًا نظرة الحبيب ..
تفاجأت به يضرب الطاولة أمامه بيده بقوة وقال بنبرة مُحتدمة :
_ششش ،،إنتِ معايا ،،سرحتي فين ..
_فيك يا هيثم ،، ليه عايز تبقى كدا ؟
_عايز ابقى ازاي مش فاهم ..
_تبقى قاتل ،،ليه عايز تبقى انسان وحش ..
_ابقى قاتل !
انتِ عبيطة ولا بتستعبطي ،،انا قاتل فعلا .
_ليه ،،ليه تبقى وحش ،،ليه بقيت قاتل يا هيثم!
استقام من مكانه بغضب وقد انفلتت أعصابه وصاح في وجهها بغضب وكُره شديد :
_مين اللي بتسأل ،،أنا بسببكوا بقيت قاتل .
_بسببنا !
احنا مين ،،تقصد ايه .
رددت بإستغراب وهي تنظر إليه ..
نظر لها مطولًا وحاول تهدئة اعصابه وقال بنبرة باردة عكس النار المشتعلة داخله :
_متتدخليش في اللي ملكيش فيه انتِ تنفذي وبس
قالت بنبرة صادقة وهي تنظر له بشفقة على عاقبته :
_يا هيثم انا خايفة عليك من اخرة كُل دا ،،حرق القلوب مش سهل ،،نتيجة عمايلك دي وحشه اوي
رد عليها بجمود متجنبًا النظر إليها :
_ملكيش دعوة بيا انا عارف انا بعمل ايه ،،متفكريش فيا كتير عشان انتِ مجرد أداة بتنفذ وبس ،،ركزي بقى في اللي بقوله خلينا نخلص ..
إبتسمت بتهكم على جبروته وقالت بنبرة ذات معنى :
_اللي انتَ شايفة اعمله ،،انا عملت اللي عليا خلاص .
_________________
مساء ذلك اليوم ..
وصلت سيدرا إلى منزل والدتها وصعدت للأعلى بلهفة وخلفها زوجها وإبنتها ..
على الجانب الأخر ..
في منزل "هُدى"
كان جالسًا يتناول طعام ابتاعه من الخارج بعد رفضه الشديد تناول شئ من يدها حتى بعدما أكلت أمامه من نفس الطعام وحجته هي نفوره الشديد منها ..
كانت جالسة قبالته تتناول طعام بسيط أعدته بيديها ناظرة إلى الجانب الأخر وتشعر أن اللقمة لا تعبر من حلقها بسبب البكاء التي تكتمه في قلبها
شعور بالعجز والذُل والضعف والقهر ..
رنّ هاتفه برقم شخص دفع له كي يُراقب سيدرا فترك طعامه وأجاب .
_سيدرا وزين موجدين حاليًا في القاهرة في بيت سليم العياد ..
قالها الشخص بنبرة اعتيادية وهو ينظر لمنزل سليم العياد بعدما دلفوا للداخل ..
ردد بنبرة ثابته :
_ماشي لو اتحركوا تاني عرفني .
_في ايه ؟
نهض من مكانه وهو يلمم أشيائه مُستعدًا للمغادرة وقال :
_هنتحرك بكره الصبح
_ليه؟
_عشان سيدرا في القاهرة مش هتروحي الصعيد ..
سارت بخطوات بطيئه خلفه لتغلق الباب بعدما يُغادر ..
___________
كانت الساعة الواحدة صباحًا عندما كان مُستلقيًا على سريره شاردًا بالماضي ..
تذكر والدته الجالسة على كُرسيها المُتحرك وهي في أخر أيامها تبكي بقهر بعدما هجرهم والده ..
كم بغضه كثيرًا وتمنى موته وقتها ،،كم لعن حُب أمه لأبيه الذي كان السبب بإصابتها بالشلل أولًا وأودى بحياتها بعدها لعدم تحملها ألم وفاته ..
تذكر والده وهو يبكي راقدًا في فراش المرض ليسامحه ويساعده ليُشفى من ذلك المرض الخبيث ولكن هو أدار ظهره لوالده ورفض مساعدته وفي قلبه تكمن قسوة العالم ..
ربما لو علم أن موت أبيه سيحُزن والدته لدرجة أن تفارقها روحها من أجله لكان ساعده وأجرى تلك العملية من أجل والدته فقط .
استقام في جلسته وأخذ بنطاله من الكُرسي أمامه وأخرج محفظته وفتحها ليأخذ منه صورة لسيدة شقراء وبجانبها طفلة صغيره تشبهها تمامًا ،،نظر بحقد شديد للصورة وقال بنبرة تحمل الحسرة والكُره :
_بسببكوا انتوا حصل كُل حاجه ،،بسببكوا خسرت عيلتي الصغيرة ،، كُنت سبب في موت ابويا بسببكوا ،،امي اتشلت بسببكوا وماتت بسببكوا ،،بسببكوا بقيت قاتل في أول حياتي ومستقبلي ضاع ..
زي ما ضيعتيني هضيعها ،،زي ماخسرت حياتي بسببكوا ،هتخسر حياتها بسببها بس مش قبل ماتبقى قاتلة زيي ،،لازم ايديها تتوسخ بالدم زي ما وسخت ايدي بسببك ..
ثنى الصورة مجددًا وأدخلها للمحفظة واستلقى مجددًا ووضع المخدة فوق رأسه يُجبر نفسه على النوم ..
__________
صباح اليوم التالي ..
كان منتظرها في صالة شقتها البسيطة وهي ترتدي الملابس التي جلبها لها بالداخل ..
خرجت من غُرفتها وهي ترتدي زي مشابه للزي السابق "زي مُمرضة"
إبتسم نصف إبتسامة عندما خرجت لها وأعطاها حقيبة يحملها الممرضات اللاتي يتجولون في الشوراع ليعطوا الأطفال اللُقاحات المُناسبة لأعمارهم ..
أخرج لها إبرة بها مادة شفافه وقال لها :
_دي الحقنة اللي هتديلها ،،كل الحكاية 2 سم وهتخرجي من هناك لا من شاف ولا من دري والبنت في خلال ساعة هتموت ..
ومحدش هيعرف انك موتيها ،،انا وانتِ بس .
نظرت له بإشمئزاز ونفور ونحّت نظرها جانبًا .
أمسك هاتفه بعدما أدخل الإبرة إلى الصندوق وعبث به قليلًا لتظهر صورة سيدرا قبل سنوات على الشاشة وقال :
_دي سيدرا اللي انتِ هاتتعاملي معاها ،،في أطفال تانيه في البيت ميلزمونيش زينة بس هي اللي تهمني ..
_ماشي .
أردف وهو ممسك بمقبض الباب ويستعد للخروج قائلًا بنبرة تبدو باردة لكنها تنطوي على خبث دفين :
_يلا هوصلك وهمشي وانتِ نفذي مهمتك ومش هتشوفي وشي تاني .
_ياريت
_____________
"في منزل سليم العياد"
كما اعتادت دومًا في كل مرة تذهب فيها إلى والدتها تبيت هي وزوجها في غرفتها وإبنتها في غرفة رامي وهاني ..
كانت الساعة الحادية عشر ظهرًا تقريبًا عندما إستيقظت بعد ليلة حافلة بالكوابيس والنوم المتقطع ..
غصة أصابتها في منتصف قلبها منذ رؤيته ونوم لا تهنئ به بسبب خوفها ..
أخذت تنهيدة طويلة ودلفت للمطبخ لتعد الفطور وهمت لتصنع الشاي لنفسها ولكن ..
قطع تلك اللحظة رنين الجرس فخرجت من المطبخ لتفتح الباب ..
فتحت الباب لتطل عليها فتاة شقراء في مقتبل عمرها ..
_اتفضلي
قالتها سيدرا لتبدء الحديث وتعلم ما تريده ..
قالت "هدى" بنبرة مُرتبكة :
_ممكن أدخل .
أومأت لها سيدرا بإستغراب ووقفت جانبًا لتسمح لها بالمرور ..
دلفت هدى بخطوات ثقيلة مترددة وهي تنظر لسيدرا فأشارت لها سيدرا إلى مكان غُرفة الضيوف لتدلف ..
_ممكن افتح الشباك دا ..
رددت سيدرا بإستغراب :
_ليه
تجاهلت هدى سؤال سيدرا وتقدمت نحو النافذة وقالت وهي تفتحها :
_هقولك ليه ..
تنهدت سيدرا مطولا وهي تتفحص الفتاة بتركيز شديد وعلى وجهها علامات الاستغراب ..
نظرت هُدى من النافذة وتفحصت الشارع جيدًا ومن ثم أغلقت النافذة كما كانت وجلست على الأريكة وأشارت لسيدرا بالجلوس بالقرب منها ..
_بُصي
أنا عارفة طبعا إنك مستغرباني ومش عارفة انا مين ولابسة كدا ليه بس انا جاية عشان احذرك ،،بحاول أعمل اي حاجه كويسة تشفعلي عند ربنا ..
ازداد نبض قلبها ليكون كالطبول وقالت وهي تحاول جمع شتات نفسها :
_تحذريني من ايه ،،إنتِ مين ؟
فركت يديها بتوتر شديد وقالت بتلعثم :
_أنا هدى ،،
انتِ أكيد مش عرفاني بس أنا سمعت عنك قبل كدا ،،سيدرا انا قبل خمس سنين هيثم كلفني اني اقتلك وانتي في المستشفى وانتِ حامل في بنتك ..
لسعة برد أصابت جسدها وهي تشعر أن العالم يدور من حولها وقالت بخفوت :
_هيثم !
أكملت حديثها قائله :
_بس انتِ وقتها هربتي وأنا لحد الوقتي بحمد ربنا إنك هربتي وقتها ومشلتش الذنب دا ،،انا وقتها كنت واحدة تانيه غير اللي إنتِ شايفاها دي وهيثم كان مسيطر عليا بس ولله العظيم بعدما هربتي أنا توبت لربنا واتحجبت وحاولت كتير اصلح اللي عملته وحش وجه دورك ..
هيثم جالي وطلب مني أموت بنتك يأما هيموتني
سقطت دمعة من إحدى عينيها دون أن تشعر بها وهناك قبضة قوية تعتصر قلبها وقالت :
_وإنتِ جايه هنا تعملي ايه ..
_جاية أحذرك وأعرفك انه رجع حطك في دماغه وعايز يحرق قلبك على بنتك ،،أنا مش عايزالك غير كل خير يا سيدرا ،،هيثم خيرني بين حياتي وحياة بنتك وقالي إني حتى لو منفذتش فـ هو هيخلي حد تاني يقتلها بس قبلها هيموتني أنا ..
انا مش فارقة معايا ومستعدة افديكي إنتِ وبنتك بروحي ..
رددت بتساؤل وهي تنظر إليها والقبضة التي تعصر قلبها ترتخي :
_وإنتِ اللي جابرك تعملي كدا .
فلتت دموعها التي تأسرها منذ بداية كلامها وقالت وبكائها يزداد حدة :
_عايزة ربنا يغفرلي كل حاجه وحشة عملتها ،،مش عايزة أقابل ربنا بذنب حد ،،مش عايزة اكون سبب في حرقة قلب حد حتى لو من غير قصد ..
سيدرا انا مريضة لوكيميا نخاع شوكي وحالتي خلاص ميؤس منها وأيامي في الدنيا دي معدودة عايزة أقابل ربنا وأنا عاملة حاجه واحدة صح في حياتي ..
لم تستطع الاخرى أن تمسك دموعها وقامت بعناقها تُربت على ظهرها بحنو وقالت بنبرة مواسية :
_متقوليش كدا أكيد هتخفي وتبقي كويسة ،،خلي أملك في ربنا كبير ..
حاولت هدى ضبط نفسها وكفكفت دموعها وقالت بنبرة يائسة تحمل كُل معاني الألم :
_للأسف أنا علاجي الوحيد عملية زرع نخاع شوكي ولازم يكون المتبرع من الدرجة الأولى وانا يتيمة ومليش إخوات حتى كان ليا أمي بس كانت كل دنيتي وراحت من زمان ..
_طيب إحنا جمبك وممكن نعرضك على اي دكتور تاني أكيد في حل
ربتت هدى على ذراع سيدرا قائلة بنبرة يائسة لا حياة فيها :
_صدقيني انا حاولت كتير ورحت لدكاترة كتير دا الحل الوحيد ،،سيبك مني يا سيدرا انا تقبلت الموضوع دا وبالعكس ببصله بشكل تاني ،،
اني خلاص هرتاح من الدنيا وابتلاءتها وهروح لأمي ولأبويا ،،هروح لربنا اللي أحن من كل البشر ..
خُدي بالك من هيثم ومن شره
ابتلعت سيدرا ريقها بصعوبة وقالت بتردد :
_هو انتِ عرفتي هيثم منين ..
إبتسمت بسخرية على حالها وقالت :
_صدقيني انا لسه مش فاهمه ليه انا اللي وقعت في ايده ،،ليه انا دونًا عن كُل البنات اللي كانوا معايا في الدار ،،ليه اختارني انا وكأنه كان جاي عشان ياخدني ويمشي ..
هيثم خدني من الدار وانا عندي 16 سنة ،،ضحك على عقلي وقتها واقنعني اشتغل ..
اشتغل فتاة ليل بحجة أن الحياة صعبة واني مليش ضهر والفلوس هي اللي هتسندني وقدر فعلا يقنعني ويضحك عليا بحكم سني وطيشي والحياة الضنك في الملجأ وفعلا اشتغلت زي ماهو عايز عمري ما ارتحت ولا حسيت اني في المكان اللي المفروض اكون فيه بس كنت في دوامة كل ما احاول أخرج تسحبني أكتر ،،وكان هو بردو لما يعوز يعمل اي حاجه ومش عارف يتصرف او يبقى الحوار خطر يرميني انا فيها بحجة اني لو منفذتش هيرجعني الشارع ومش هلاقي أكل لحد ما جه حوارك وبعدها بكام سنة عرفت بمرضي كل دا فوقني وساعدني ابعد عن القرف اللي كنت فيه ،،طلبت من ربنا يديني عمر بس أتوب وأعمل حاجه كويسة في حياتي ..
_هتبقي كويسة صدقيني ،،بس إنتِ لما تخرجي من هنا ويعرف هتعملي ايه معاه ..
_إحنا معاها يا سيدرا ،،مش هنسيبها لوحدها
ظهر زين من العدم بعدما استيقظ على جرس الباب وجذب إنتباهه ذكر إسم هيثم في الحديث فوقف بجانب الغرفة ينصت إليهما وشعر بالشفقة تجاهها وردد بنبرة هادئه تلك الكلمات المُطمئنه .
نظرت سيدرا لـ زين بحُب وإمتنان شديد وأمسكت بكفه وضغطت عليه بقوة فبادلها بنظرة تبعث الأمان في دواخلها وكأنه يقول لها بلُطف "سيمضي"..
