نوفيلا القائمة السوداء الفصل الاخير بقلم منال محمد سالم


 القائمة_السوداء

الاخيره

بقلم منال محمد سالم


علم جيدًا أن ما حُقنت به "ميجان" ليس إلا مجموعة من الفيتامينات المفيدة للجسم،


 لكن وهم المرض وتأثيره كان عقابها الملائم لتدرك فداحة ما اقترفته في حق الآخرين،


 تركها الاثنان فاقدة للوعي في حديقة المنزل الذي لا يخصهما في شيء، مجرد منزل خالٍ 



من سكانه استغلا فقط حديقته الخارجية، مسح كلاهما أي أثار تشير لتورطهما معها في


 شيء، وانسحابا سريعًا قبل أن تستفيق .. في نفس التوقيت أرسل "ديف" رسـالة نصية


 إلى كلاً من "آشلي" و"كيت" يطلب منهما تفقد البريد الإلكتروني لأمر هام.

تحمست "آشلي" بمجرد أن تلقت رسالته، وأسرعت نحو حاسوبها النقال لتفتحته، وصلت إلى أيقونة بريدها الإلكتروني وتطلعت بعينين متشوقتين 


إلى ما دونه من كلمات تمهيدية متغزلة بها، ولكن تحولت تعبيراتها الفرحة لتكشيرة عابسة حين رأت الصور المرفقة مع رسالته، لم تكن هي الشابة 


التي يحتضنها "ديف"، وإنما صديقتها القديمة "كيت"، تعرفت إليها من ملامحها التي تحفظها 


جيدًا، انخفضت عيناها نحو الأسطر الأخيرة وقرأتها بصوتٍ مسموعٍ، وكأنها تُحادث نفسها:

-إن كنتِ قد وصلت لتلك الجزئية من الرسالة فهذا يعني أن خطتي قد نجحت معك، أنا لم أحبك يومًا "آشلي"...

انفطر قلبها مع كلماته القاسية، ورغم هذا تابعت القراءة بعينين تفيضان من الدمع:

-استغللت مشاعرك الطامعة النهمة لأصل إليكِ حتى أنتقم للغالية "روزا"، أتذكريها؟ أردتكِ أن تتذوقِ معنى الغدر والخيانة بعد أن بلغت أعلى مراتب


 العشق البدني، سعيت أن تعاني مثلما عانت في آخر أيامها معي، ولدي مفاجأة لكِ أيضًا .. أنا مُصاب بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وكما حذرني


 الأطباء فهذا يعني ألا انخرط في علاقة حميمية حتى لا يصاب الشخص الآخر بنفس مرضي اللعين، بالطبع أنتِ كنت شريكتي في الفراش لليالٍ


 كثيرة، وها هي مكافأتي لك، استمتعي مع المرض عزيزتي.

ذُعرت عند قراءة الأسطر الأخيرة وألقت بحاسوبها في عصبية ليتحطم إلى جزئين، نظرت 


"آشلي" إلى يديها المرتعشتين، أحست ببرودة قارصة تسري في كامل جسدها، دارت حول نفسها متسائلة بصراخٍ هيستري:

-حقير! كيف تفعل بي هذا؟

*****

تكرر الأمر مع "كيت"، استلقت في استرخاء على مقعدها الوثير وحاسوبها يجلس في حجرها، تفقدت بريدها الإلكتروني ببسمة ضحوكة مع الكلمات المتغزلة بفنها الرائع، خبت ابتسامتها تدريجيًا مع الصورة التي احتلت الشاشة أمامها، كانت "آشلي" ترقد في أحضان "ديف"، وتاريخ الصورة يشير إلى حداثتها، رددت لنفسها في صدمةٍ:

-ما هذا؟

تابعت القراءة ليقتحم عقلها بالمزيد من الكوارث التي جعلت أنفاسها تضطرب، ذرفت العبرات تأثرًا وهي تتساءل:

-لماذا؟

وجدت الجواب واضحًا حين علمت أن الدافع وراء خداعها الانتقام لـ"روزا".. انتفضت "كيت" كالملسوعة وقد وصلت للسطر الأخير المروع، هوى قلبها بين قدميها وصرخت بشكلٍ جنوني:

-أيها الوغد المُضل! لقد أهلكت حياتي!

*****

أفاقت من إغماءتها لتجد نفسها بمفردها في ذلك السكون المعتم الملبك للأبدان، استعاد وعيها نشاطه بالكامل، وتزاحمت اللحظات الأخيرة في عقلها، شعرت بالرعب يتفشى في أطرافها وقد تذكرت حقن "جون" لها بتلك المادة الخطيرة، دمدمت في فزعٍ:

-اللعين، سأقتله!

حاولت استجماع شتات أمرها، وتجولت بخطوات مهرولة في الحديقة باحثة عمن يساعدها، كان المكان هادئًا للدرجة التي ضاعفت من هلعها، تذكرت أنها صفت سيارتها عند المدخل حين رأت البوابة الرئيسية، ركضت نحوها بعد أن انتزعت حذائها العالي عن قدميها، واستقلت سيارتها متجهة إلى أقرب مشفى لتنقذ نفسها قبل أن تسوء الأمور.

*****

باقة جديدة من الورود وضعها على شاهد قبرها وهو ينظر إليه مبتسمًا، التفت "ديف" للجانب حين شعر بتلك اليد الحنون توضع على كتفه، كانت "روزا" من تبتسم إليه، استدار كليًا نحوها ليرمقها بنظراتها المحبة لها، تنشطت ذاكرته بمشهد إفاقتها من غيبوبتها، كان تعاني من الإدمان، توجب عليه مساعدتها طوال فترة انسحاب المخدر من جسدها .. مدة طويلة قضتها حبيبته محتجزة في المصحة لإعادة تأهيلها نفسيًا وبدنيًا، خاض معها وبمفرده صراعاتها المؤلمة حتى تتعافى، كان إلى جوارها في انتكاساتها، ومعها في صحوتها، ورغم ثقتها العميقة في رفيقاتها إلا أنه لم يجدهن حوله، فقط مذكراتها الأليمة أكدت له أنهن لَسن جديرات بها .. نفض "ديف" عن عقله كل ما يفسد المشهد الحالي، ومسح على بشرتها النضرة متسائلاً:

-حبيبتي؟ كيف جئت إلى هنا؟

أجابته مبتسمة في رقة:

-لا مكان سوى قبر جدتي "روزالين" لتداوم على زيارته.

شدد عليها بمحبة لا تفتر:

-كانت بمثابة جدتي أيضًا "روزا".

أيدته الرأي، وقالت:

-اعلم هذا، أحبتك كثيرًا.

عبست ملامحه متابعًا:

-ورحيلها كان مؤسفًا.

تنهدت معقبة عليه:

-اعتقد أنها ترقد في سلامٍ الآن.

-ستبقى ذكراها في قلوبنا كما هو اسمك على ألسنتنا.

-نعم

تأبط "ديف" ذراعها وسار معها بعيدًا عن القبر مواصلاً القول:

-ظنت صديقاتك أنكِ فارقت الحياة بعد محاولتك للانتحار، وخاصة أني كنت أواظب على المجيء إلى هنا.

ردت عليه بنبرة آسفة:

-حقيرات، لقد دعسن على سعادتي بقساوة مريبة.

عمق من نظراته لها قائلاً بنبرة ذات مغزى:

-اطمأني، لقد نلن جزائهن.

كان على يقين مسبق أن ثلاثتهن سيعلمن الحقيقة لاحقًا بأنهن لا يعانين من شيء، وأنهن ضحية لخدعة حقيرة، مجرد بضعة أيامٍ مهلكة للأعصاب ريثما تنتهي الفحوصات المعملية الدقيقة، لكن ستخلد في ذاكرتهن رهبة الخوف من الموت المحتوم والمخزي، بالإضافة للشعور بالخيانة والغدر من الأقرب إليهن .. لم تفهم "روزا" مقصده، ولم تكترث للأمر، لقد ألقت صداقتهن الواهية خلف ظهرها ليصبحن من الماضي وليبقين فيه. تساءل "ديف" في اهتمامٍ وقد انحرف بها نحو المخرج الخاص بالمقابر:

-ماذا أخبرك الطبيب؟

تلونت شفتاها بابتسامة متراقصة قبل أن تجيبه بارتياحٍ:

-لقد اكتمل علاجي من الإدمان، وبت مستعدة للمضي قدمًا في حياتي.

توقف عن السير ليتأملها وقد عمت الفرحة خلجات وجهه، هتف بغبطةٍ وابتهاج:

-أخبارٌ رائعة!

وجد "ديف" نفسه يحتضن "روزا" تلقائيًا، دار بها عدة دورات في مكانه وفرحة عارمة تغمره، توقف عن الدوران ليقول ضاحكًا:

-لنجهز لحفل عرسنا، لقد تأخر كثيرًا.

                              تمت- 



تعليقات



<>