قلوب مقيدة بالعشق
الفصل التاسع عشر..
والعشرون
بعد مرور أسبوع، وبشقة مالك تحركت خديجة بعصبية وتوتر تفرك يديها بقلق، مشاعر متناقضة تتصارع بداخلها وهي تتخبط من هنا لـ هناك بلا رحمة، اما ندى فكانت تتابعها بعيونها الشاردة، الشاردة في حبيب غائب، حبيب لم يفكر يوماً ان يطمئن عليها، أسبوع والقلق والخوف ينهش بقلبها، وذهنها مشغول بالبحث عن أجوبة تطمئنها من بداية ذهابه المفاجئ لها، معاملته لها، جواله المغلق، وأخيراً فارس صديقه الذي أخبرها الامس انه قد يطول غيابه لاكثر من ذلك فلا تقلق، وان احتاجت لشئ تخبره دون تردد، تنهدت بحزن لحاجتها لسماع صوته الرجولي الذي يأسرها كلما همس بأسمها، او رؤيته المحببة لقلبها، هيئته وملامحه وشموخه وابتسامته، حقاً تشتاق اليه، تشتاق لسماع كلمة بحبك تخرج من شفتيه كسمفونية كلاسيكية قديمة تجعلها تتطير في السماء كريشة في فصل الربيع .. مشاعر كثيرة تشتاق اليها، وجوده وكيانه تشتاق اليه.. وضعت يديها على قلبها وأغمضت عيونها وهي تناجي ربها أن يحفظه لها..
انتفضت بذعر على يد خديجة : نــــــدى!!، انتي روحتي فين؟!.
زفرت بخفة لتقول بعتاب : اخص عليكي يا خديجة خضتيني..
جلست خديجه أمامها قائلة بأسف : معلش والله، بس بالي مشغول أوي، وحقيقي مبقتش عارفة افكر ازاي.
هتفت ندى بتساؤل : قصدك على عمار وغيابه الاسبوع ده..
هزت خديجة رأسها قائلة بتوجس : اه طبعاً، من وقت ما بعتلي المسج مكلمنيش تاني، ولا حتى فكر يجي البيت، وكأنه فص ملح وداب، معرفش انا متوترة أوي وحاسة انه بيخطط لحاجة .
قالت ندى بتفكير : حاجة زي ايه ، هو مش قالك ان الليلة باظت، وبعدين بعد اللي انتي عملتيه ده لازم تبوظ.
هتفت خديجة بتوتر : ممكن يكون خطبها تاني مثلاً وكذبني، خصوصاً بقى ان انا هربت من الخوف موقفتش في وشه قدامهم..
هزت ندى رأسها بنفي قائلة : مظنش، أكيد أهلها بهدلوها..
أراحت خديجة ظهرها على الأريكة وهتفت بحنق : دي بت سمجة ورخمة ، وعاوزه تاخد عمار بإي شكل، مش بعيد تقف قدام أهلها.
قالت ندى : خلاص انتي كمان خدي عمار منها بإي شكل، وخصوصاً انتي أحق منها حبيبك وجوزك وابن خالتك، بدأتي حرب كمليها للاخر ..
اؤمات برأسها عدت مرات تستوعب حديث ندى، فـ نهضت فجأة قائلة : ندى لو سمحتي خلي ايلين زي ماهي بتلعب على تليفوني وانا هـ أوصل مشوار مهم وأجاي بسرعة ..
تحركت صوب باب الشقة فذهبت خلفها ندى : استني رايحة فين بس؟!.
التفت خديجة وهتفت بتحدِ : زي ما قولتي بدأت حرب ولازم اكملها ويا أكسب فيها يا أخسر، ويا أنا يا هي ..
أنا هاروح لـ علياء ، سلام.
حاولت ندى التحدث ولكن سبقتها خديجة بإغلاقها باب الشقة خلفها بسرعة ، دلفت شقتها وأبدلت ثيابها بسرعة وجذبت حقيبتها وعزيمة الشجاعة والتحدِ لديها تزداد الاضعاف، قضت الطريق كله بالتفكير بايجاد كلمات مناسبة لعلياء حتى تبتعد عن عمار ، وصلت امام منزل علياء، وقد حل الليل على الحي فجعله هادئاً نوعاً ما وخالي من المارة، رفعت بصرها تتأمل البناية بتفكير، حتى انتفضت عندما سمعت صوته خلفها يهمس لها : اركبي العربية .
هو أخر شئ كانت تريده ، عمار ، ما هذه الكارثة التي حلت فوقها الان، كيف ستهرب منه، التفت ببط نحوه ترمقه بتوتر وخرج صوتها ضعيف ومهزوز : عمار..
هز رأسه ببطء وهو يتفقد ملامحها ليقول بنبرة غامضة : اركبي العربيه يالا..
حسناً تلك النبرة أرعبتها منه، شجعت نفسها بأن تستمع له وتذهب لمنزلها وتحتمي بـ ايلين، بسيطة جداً، تستغل ايلين لو لمرة واحدة حتى تهرب من تلك المواجهة .
اؤمات برأسها وانطلقت صوب سيارته تستقلها بهدوء عكس ما بداخلها، جلست تتابع الطريق بخوف وقلق من هيئته الغامضة ، كل ما تستمع اليه هو أنفاسه فقط، لم تعرف تفسيرها وتفسير سبب ارتفاعها لهذا الحد...
لاحظت انه ليس طريق منزلها، دعب الرعب بقلبها بعدما بدأ الهدوء يسوده من جديد ،التفت برأسها تسأله بتوجس : هو انت واخدني على فين يا عمار..
أرسل اليها ابتسامة غامضة ليقول بعدها : لـ مكان بعيييد..
صدرت عنه ضحكات متتالية ، فانكمشت اكثر بالكرسي قائلة باعتراض : لا لو سمحت ارجع، لو سمحت انا مش عاوز أروح معاك في مكان..
أوقف السيارة جانباً قائلاً بابتسامة سمجة : وصلنا، يالا..
التفت حولها بذعر تتأمل المكان، حي خالي من المارة وعدد أبنية قليل جدًا، وأبنية تحت الإنشاء، همست لنفسها بإنها النهاية، عمار سيقتلها لا محالة ..انتفضت على يده تجذبها نحوه تخرجها من السيارة فقالت بألم : اي حاسب، انت بتعاملني كده ليه!!.
همس باذنها ليقول بشر : ده انا فوق هاعاملك معاملة ملوكي.
هتفت بتوعد : لو مبعدتش عني هاصرخ والم الناس عليك.
رمقها بسخرية قائلاً : وفري صريخك ده فوق..
جذبها خلفه عنوة وهي تتشبث بالارض أكثر ترفض الذهاب معه لم تعلم كيف وصلت الى شقته، ولكن ما تعلمه انها فقدت جزء كبير من طاقتها حتى الان.. أدخلها شقته ودلف خلفها يغلق الباب بالمفتاح فاتسعت عيناها بخوف حقيقي : كدة كتير، كتير أوي .
لمحته ينظر لشئ ما خلفها فالتفت وياليتها لم تلتفت ،وجدت كلباً كبير وحجمه ضخم، يركض نحوهما، صرخت خديجة بخوف وهي تقف خلف عمار متشبثه بثيابه..
احتضنه عمار بصدر رحب هامساً له : جود بوي ، وحشتيني يا شيكو، تعال سلم على خديجة.
التصقت بـ الباب أكثر بخوف وهي تقول بنبرة مرتجفة : بس يسلم ايه، خليه يبعد، ابعد..
التفت اليها عمار وهو يمسك بكلبه ينظر لها بتسلية : يبعد ليه، سلم يا شيكو على خديجة..
اقترب الكلب نحوها فصرخت بقوة، فـ أراد ان يهاجمها بشراسة حتى منعه عمار ليقول بهدوء وصرامة : اهدا دي خديجة...
حدثه هكذا عدة مرات تحت نظراتها المتعجبة وخاصة عندما هدأ الكلب نوعا ما، وكأنه يعرفها ويعرف اسمها، هل يحدث كلبه عنها، ماذا يقول عنها، يقول انها الخائنة ام الحبيبة ..استفاقت على حديث عمار لها : هاتفضلي كتير لازقة في الباب!!.
أشارت نحو الكلب لتقول بخوف : خليه يمشي بس الاول، بخاف منهم مبقدرش اقعد معاهم في مكان.
زفر عمار بخفة وأشار لكلبه حتى يدلف للغرفة ، فامتثل بأمر ، تابعت بعيونها ما يحدث حتى التفت اليها عمار يقول : وفي شيكو، عنده وفاء مش موجود عند كتير من البشر.
ابتلعت تلك الإهانة المبطنة ورمقته بحزن ، أشار اليها بالدخول، فـ دلفت بخطى مرتبكة وتفحصت أثاث الشقة ، بسيط يكاد يكون معدوم فـ هتفت بتساؤل : انت عايش هنا..
هز رأسه والتزم الصمت اكتفى فقط بنظراته القاتلة لها، توترت هي امام نظراته تلك فقالت بتلعثم : في ايه!!.
اقترب منها فتراجعت هي خطوة للخلف وكلما اقترب منها تتراجع هي حتى التصقت بعمود رخامي لا يوجد مفر عندما وجدت يديه تحيطها من الجهتين، اختطلت انفاسهم عندما اقترب برأسه أكثر منها، حاولت الابتعاد برأسها ولكن دون جدوى، همست بأسمه بضعف : عمار...
همس بنبرة قوية : أنا بضربك ؟!
حسنا جف حلقها تماما وتأكدت من ذلك كلما حاولت ابتلاع تلك الغصة فلا تنجح : ابدا ابدا ، قطع لسان اللي يقول كدا.
رفع حاجباً باستنكار : ايلين بنتي أنا ؟
اغتصبت ضحكة فخرجت صفرا بلا روح : ابدا ، ولا بنتي ، دي بنت جوزي .
حسنا لقد اخرجت شياطينه من معقلها وهو الذي طوال الوقت يحاول السيطرة على لجامها بداخله الثائر وبكل الغضب صاح : جوزك مين يا متخلفة ؟
بحلقت بعينيها من ردة فعله على ما ظنته دعابة من طرفها ، فلتعترف لقد فشلت فشلاً ذريعاً وعليها تدارك الامر فردت قائلة بنرة لينة طيعة : الله يرحمه .
نجحت محاولتها بتذكريه ان الرجل ما عاد يتقاسم معانا حتى ذرة الهواء وعليه ان يتعقل ، فأردف مستنكراً : أنا بهددك. ؟
وضعت يديها امامه تمنعه ان يُكمل حديثه فقالت هي معللة : انا كنت بدافع عن حقي فيك.
هتف بإستنكار : حق!!، أنهي حق يا خديجة.
لم تعرف من أين لها تلك القوة التي تحدثت بها وهي تقترب من وجهه وتنظر في عيونه مباشرةً دون ادنى خوف منه فقالت : حق ان انا مراتك، حق ان انا من حقي أخليك ترجع تحبني تاني، مع اني متأكدة انك عمرك ما بطلت للحظة انك تحبني، انت زمان زعلت مني اني موقفتش في وشه وحاربت علشانك، يمكن كانت غلطة، بس ظروف كانت أقوى مني، بس دلوقتي خلاص اكتفيت من كل الدنيا، ونفسي اكتفي منك لو للحظة واحدة.
تجاهل حديثها عن قصد ليقول : امم وياترى انانيتك دي مشفعتش للبنت الغلبانة اللي فضحتيها عند أهلها..
صرخت بوجهه غير عائبة بأي شئ ومدت يديها تضربه بقوة في صدره : وأنانية ليه ؟ أنا الوحيدة اللي في الدنيا مبتصرفش بـ أنانية ، معرفهاش ، معرفش معنى احساسها ايه ، على طول بتصرف بتضحية، اسالني عن التضحية هاقولك يا عمار ...
اخذت شهيقاً و زفتره على عجالة لتستكمل : وبعدين مين الي غلبانة ؟ دي غلبانة دي ؟ كل حركاتها ومياصتها عشان تقهرني وتقولي غلبانة ، طب بلاش يوم الخطوبة هي مشفعتش ليه وهي بتتهمني بالسرقة، على الاقل انا ممستش شرفها ، بس هي مست امانتي وشرفي .. ودا كله تحت أشرافك وطلبك ، ماهو طبعا لازم اكسر الزفتة الخاينة خديجة.
جذبها لاحضانه في لحظات وضغط بيده القوية على خصرها وجسدها فـ اختطلت أنفاسهما أكتر وخاصة عندما همس بضعف لاول مرة تسمعه بصوته : وياريتني عرفت اكسرك، بكسر نفسي قبلك، ياريتني عارف اكرهك..
تجرأت ووضعت يديها على وجهه تحاوطه برقة بالغة: وليه تكسرني يا عمار، على غلطة مكنش لي ذنب فيها، انا حافظت على نفسي علشانك انت..
لم يدرك حديثها او يدرك حتى مغزاه بل كان عقله منصباً على ثغرها ويحثه على تقبيلها، مرة واحدة، مرة واحدة ويعود عمار كما كان، تنهد بصعوبة وأغلق عيناه وسمح لمشاعره بأن تقوده لثغرها ، وما ان لمس شفتاها لم يستطيع التحكم بنفسه وزدات قبلاته عن مرة واحدة ووصلت لمرحلة النهم ، فـ كان يقبلها وكأنها ترياق سـ يحيى به، ترياق يبحث عنه لاعوام وسافر له أميال وها هو الان بين يديه يتذوق منه كيفما يشاء، اما هي فتمسكت بثيابه تشدد عليها بقوة بعدما خارت قواها امام شئ لاول مرة تتعرض له ... شعر بعدم مبادلتها له وكأنها صنم تتلقى فقط ولا رده فعل، ابتعد عنها بعصبية شديدة ينهر نفسه عما فعله، انتابه حالة من الغضب الشديد ، قطبت حاجبيها بعدم فهم ماذا فعلت حتى يبتعد بذلك الشكل الغاضب...
وقفت تتابعه بصمت ولم تتجرأ بالتفوه بإي حديث..
مرت خمس دقائق اخرى وهو يتنفس بغضب حتى التفت لها يرمقها بشر : اعملي حسابك هاتروحي معايا لعلياء واهلها وتوضحيلهم كدبك ده، ومتسألنيش ازاي، والمرة دي هايكون معاكي ايلين، انا مش هابوظ جوازتي علشان خاطرك..
أنهى حديثه ودلف للغرفة التي دخل اليها الكلب من قبل، فدبدت هي بقدمها بحنق قائلة : تاني علياء، تاني، طب والله مانا ساكتة
..............
تجول بالنادي باحثاً عنها وخاصة عندما أبلغته ليله بوجودها ، ذهب للكافيه يبحث عنها بلهفة لقد مر اسبوعاً كاملًا لم تغادر منزلها قط ، وهو لم يجد فرصة مناسبة حتى يزورهم وخاصة عندما تعافى عمرو، وجدها تجلس أمام سراج وتتابع شئ ما على جواله، قطب ما بين حاجبيه ليقول بهمس : سراج، ايه اللي جابه ده.
كاد أن يقترب منهم ولكن تلك الجميلة الناعمة التى ناداته برقة : فارس..
التفت بظهره فابتسم بلطف قائلاً : أهلا مدام نادين..
اقتربت منه بدلال قائلة بعتاب : كدة يا فارس اكلمك كذا مرة ومتردش..
هتف بأسف : سوري حقك عليا كنت مشغول الفترة دي...خير؟!
أجابته نادين : كنت عاوزه تصمملي حاجات خاصه بالشركة اللي انا فتحتها..
رفع حاجبيه ليقول : شركة !؟.
ضحكت نادين قائلة : اطلقت وأخدت المؤخر وعملتها به .. يالا نقعد نتكلم اهو فرصة.
حول بصره لـ يارا وهو يقول بهمس : هي فعلًا فرصة عظيمة ..
جذب يديها وتحرك بها نحو طاولة قريبة من طاولة يارا، فوقعت عيون يارا عليه وهو يجلس والاخرى تلتصق بكرسيها نحوه، كورت يديها قائلة : السافل..
التفت سراج برأسه ينظر هو أيضاً فوقعت عيناه عليهما ابتسم وبإستنكار قال : هي دى أشكاله... مسك يد يارا والاخرى غير عائبة بل كانت تنظر لفارس والشر يتطاير من عيونها... رمق سراج نادين بنظرة وقحة وخاصة لثيابها الفاضحة تلك، فـ نهض فارس تحت نظرات نادين المتعجبة ، وتقدم صوب سراج اما الاخر فالتصق بكرسيه أكثر عندما رأى جسد فارس ينتفض، انحنى بجذعه نحوه ليقول : بتبص على ايه !!!.
هتف سراج بسماجة : وانت مالك..
جذبه فارس من مقدمة ثيابه وهو يقول : لا مالي، علشان انت واحد...
وخرج من فمه سباب لاذع له انتفضت نادين من خلفه تمسك بثيابه لتقول : فارس في ايه..
فهنضت يارا هي الاخرى وقلدتها، فاحتدت ملامح فارس بغضب ليقول بصوت جهوري : شيلي ايدك.
ابتعدت نادين خطوة لخلف هامسة : بسوري!!.
اما يارا فـ لحظة أدركت ان نادين هي المقصودة، فعادت تنتفض على صوته أمرًا : شيلي ايدك يا يارا.
ابتعدت بخطوة للخلف قائلة : طيب لو سمحت سيبه هو عمل ايه، علشان تتهجم عليه بالشكل ده..
لكمه فارس بوجهه بقوة قائلاً : هو عارف عمل ايه! .
صرخت قائلة : همجي..
نفض فارس يديه ليقول بإستفزاز : نكتفي بهذا القدر..
والتفت ليعود لنادين، فانقض عليه سراج يسدد له الضربات التي استطاع فارس تفادي معظهما تحت صراخ يارا : سراج اوعى..
دارت حرب بين الاثنين بشراسة المنتصر بها كان فارس لقوة جسمانه، هلكت قوة سراج فسقط ارضاً، اقتربت منه يارا واستمعت لحديث فارس : لتاني مره بعلم عليك، والسبب واحد يا كلب، هي خط احمر، علشان المرة الجاية هاقتلك بجد.
نهض يعدل ثيابه وجذبها خلفه تحت نظرات الجميع منهم المصدومة والمستنكرة والشفقة على سراج، تلوت بين يديه حتى تبتعد عنه قائلة : سيبني ارجع لخطيبي.
نهرها بحدة : أخرسي، خطيبك في عينك..
قابلتهم ليله وهي تركض قائلة : في ايه يا أبيه، مالكم..
تحدث فارس بعصبية : انتوا ايه أخركوا في النادي كده.
ارتعدت ليله قائلة بتوتر وهي تشير على يارا : كنا هاروح بدري بس سراج جه وقعد مع يارا..
حاولت ابعاد يديه وهي تقول بعصبية مماثلة : وانت مالك.
أدخلها السيارة عنوة ودلفت خلفها ليلة قائلة لـ يارا برجاء : اسكتي بقى انتي مش شايفة هو متعصب ازاي.
رمقتها يارا بغضب والتفت للجهة الاخرى تحاول كتم ذلك الانفجار الذي بدات بوادره الان..
..........
دلف لبنايته بعدما أوصلها واضعاً الهاتف على أذنه يتحدث مع صديقه..
_ خلاص يا فارس انا هاحل الموضوع ده..
خرج من المصعد وهو يقول : المرة الجاية مش عارف هاعمل في أمه ايه..... ندى...
هتف مالك بقلق : ندى مالها ندى، فيها ايه انطق..
أبعد فارس الهاتف عن أذنه ووجه حديثه لها : ماالك واقفة ليه كده.
هتفت ندى بتوتر وخجل لتقول : كنت بخبط عليك، كنت عاوزه اطمن عن مالك، تليفونه مقفول .
همس مالك برجاء وخاصة عندما استمع لنبرتها : لا اوعى تخليها تكلمني..
لم يسمعه فارس، فقال لـ ندى وهو يعطيها هاتفهه : اتفضلي كلميه هو كان معايا على التليفون..
ابتسمت بسعادة وهي تمسك الهاتف تضعه على اذنها هاتفة باسمه : مالك...
هتف فارس وهو يفتح شقته..انا هادخل جوه كلميه براحتك.
هزت رأسها وهمست بـالشكر، ابتعدت عدة خطوات عن باب شقة فارس لتقول : وحشتني..
لم تنتظر قط الصمت، لم تنتظر ذلك، كانت تريد أكثر من ذلك، اما هو فكان يضغط على اعصابه بقوة حتى لا تنفلت منه كلمات تعبر عند مدى اشتياقه وحنينه اليها، فـ عادت تهمس باسمه مرة ثانيه : مالك.
_ نعم.
ابتسمت لتقول مجددًا : بقولك وحشتني!.
هتف بنبرة جامدة : ندى انا مش فاضي لكده، وبعدين انتي ايه نزلك من بيتك لفارس أصلا، هو انا عيل صغير علشان تتطمني عليا، انا في شغلي ومش فاضي للكلام الفارغ ده سلام..
أغلق الهاتف دون ان تتحدث، أغلق الهاتف تحت صدمتها، تجمعت الدموع بعيناها لاحساسها بالإهانة منه ومن حديثه، حاولت منع دموعها بقدر الامكان حتى ان تعطي فارس جواله، أخذه فارس منها ولم يستطيع ان يمنع نظراته المشفقة عليها، صعدت الدرج بصعوبة ودلفت لشقتها وانفجرت بالبكاء، لن تسامحه عندما يعود على حديثه ذلك...
.........
دلفت لغرفة يارا وهي ترمقها بضيق قائلة : هو ايه حصل بالظبط غير اللي انت حكتيه انتي وليله في النادي.
وضعت يارا سجادة الصلاة جانباً بعدما أدت فريضتها لتقول بهدوء : اللي حكينا ولا ازيد ولا أقل في ايه .
جلست ماجي بجانبها : مالك اتصل وزعق وبهدل الدنيا في التليفون عمري ما شوفته بيكلمني بالطريقة دي ولا عمري شوفته بيزعق كده، حاولت اهديه وافهمه ان سراج كان هناك بالصدفة مش راضي يقتنع..
ابتسمت بتهكم : طبعاً فارس قاله حاجات غير اللي حصلت علشان ميخليش سراج يشوفني تاني...
هزت ماجي رأسها لتقول : ماهو ده فعلا اللي قاله، قال ميشوفكيش تاني لغاية ما هو ينزل اجازة من شغله ويشوف الموضوع ده ..
رقدت يارا على فراشها لتقول بلامبالاة : وكإني انا الي بتلهف أشوفه، أنا احسن حاجة انام، انا تعبت من اللي حصل انهارده.
نهضت ماجي قائلة : متضايقيش نفسك، نامي وارتاحي..
خرجت من غرفة ابنتها وقلبها يألمها لنبرة صوت مالك، نبرة لم تعهدها من قبل وكأنه موجوع من شئ ما وتأكدت من ذلك عندما تذكرت حديثه لها : اللي بقوله يتسمع، هي كلمة واحدة الواد ده ميشوفهاش تاني، انا اللي فيا مكفيني وعلى أخري،ارحموني...
همست بشرود : ياترى انت فيك ايه يابني.
اما يارا فبحلقت بسقف الغرفة بشرود وبدأت بتذكر ما حدث في النادي، ابتسمت بهدوء عندما أيقنت سبب غضبه، الا وهو عندما مسك سراج يديها، قهقهت بسعادة وهي تقول : جرب نار الغيرة، جرب وحس باللي حصلي زمان يا فارس.
الفصل العشرون.
وجع يضرب صدرها بقوة عندما رأت نفسها تتزين هكذا، ليس من أجله ولكن من أجل خطيبته الموقرة، تذكرت حديثه لها وتنبيهاته اللاذعة ، مسحت دموعها برفق ثم عدلت من وضعية شعرها وجعلته يتمرد للخلف كحال تمرد قلبها، قلبها الذي يرفض الخضوع لعقلها، خرجت من الغرفة ثم بحثت بعيونها وجدته يجلس بضيق ومن الواضح انه تذمر من تأخيرها المقصود، تقدمت منه بخطوات بطيئة ووقفت أمامه لتقول : سوري اتأخرت في اللبس.
حدثها دون ان يرفع عيونه بها، واستمر النظر بالهاتف : يالا شوفي ايلين علشان اتأخرنا على علياء.
ظهر على وجهها علامات الامتعاض عندما ذكر اسم تلك الغبية، تخطته بخطواتها البطيئة وهي تقسم بداخلها انه سيرفع عيونه الأن يتفحصها من خلفها، وتأكدت من ذلك عندما شعرت بتلك السهام الحارقة بظهرها وذلك بسبب ثيابها الضيقة الى حد ما، تلك الثياب التي رفضت دوماً ان ترتديهم خارج المنزل لانها تستطيع رسم تفاصيل جسدها ببراعة ، اتسعت عيناها بصدمة عندما وجدت نفسها أمام غرفة ايلين دون ان يقاطعها عمار، ماذا يعني هذا؟!، هل تغاضى عن ثيابها وعن ضيقها، هل سيجعلها ترتدي هكذا؟!، التفت برأسها لتجده مازال ينظر بالهاتف، جزت على أسنانها بغضب، فـ خرج صوتها حاد : هما أهلها عارفين ان انا جاية ؟!..
رفع عمار عيونه يرمقها ببرود قائلاً : انا واخد معاد من علياء وهي هاتقنعهم يحضروا وانتي هاتعتذري عن الي حصل وان كل اللي قولتيه كان كذب..
رمقته بغضب ثم دلفت الغرفة تصفع الباب خلفها، انتفضت الصغيرة برعب وهي تحاول ارتداء حذائها : خضتيني يا مامي.
اقتربت منها خديجة وجثت على ركبتيها تساعدها في ارتداء حذائها قائلة بهدوء : أسفة يا روحي..
ربتت الصغيرة على شعرها قائلة : عادي يا مامي .
رفعت عينيها فاطلقت الصغيرة صفير نشاز دليل على اعجابها : وااااو مامي تجنني ، ايه الحلاوة دي .
ابتسمت بتلقائية وفرحة اذ بما ان الصغيرة اقرت بجمالها اليوم وتميزها فهي جميلة ومميزة حقا طبعت قبلة على وجنتها قائلة : شكرا حبيبتي انتي اجمل طبعا .
اكملت الصغيرة تأمل والدتها التي لم تلدها ولكنها دوما مصدر الحنان والامان لها فتابعت متسائلة : عمار قاعد بره ؟
رفعت خديجة رأسها ثم لمعت عيناها مقررة تنفيذ خطتها الثانية ، ولا مانع من مساعدة بسيطة وصغيرة من ايلين، جذبت ايلين نحوها لتقول بهدوء : ايلين مش انتي بتحتبي عمار أوي.
هزت الصغيرة رأسها بقوة : اه أوي.
ابتسمت خديجة بمكر لتُكمل حديثها : طيب ولو قولتلك ان في واحدة وحشة وبتكرهنا عاوزه تاخد عمار مننا ومنك ومش عاوزه يجي عندنا ولا يلعب معاكي..
قطبت الصغيرة حاجبيها بضيق طفولي لتقول : مين الوحشة دي!!.
أشارت لها خديجة قائلة : تعالي أقولك مين دي واسمها ايه ونعمل ايه علشان نمشيها ونخليها تكره عمار ، وعمار يكون لينا وبس..
اقتربت الصغيرة بحماس وضيقت عيونها بتركيز تحاول استيعاب حديث خديجة ، فعادت خديجة تكرر حديثها مرة واثنين وثلاث حتى قالت ايلين : خلاص يا مامي حفظت...
نهضت خديجة وعدلت من ثيابها ثم جذبت ايلين بيديها وخرجت من الغرفة ، ضيقت عيونها عندما لم تجد عمار، تقدمت عدة خطوات تبحث عنه، فوجدت باب غرفتها مفتوح على مصرعيه دخلت وهي تقطب حاجبيها ولم يستمر انفاعلاتها هكذا بل زدات وشهقت بصدمة عندما وجدت عمار يعبث بثيابها، هتفت بصدمة : بتعمل ايه..
القى بوجهها فستان طويل وواسع ليقول بحدة : البسي ده أحسن من المسخرة اللي انتي لبساها دي..
وضعت يديها بخصرها بحنق تجادله وبداخلها كان يتراقص فرحاً لردة فعله هذه : وليه بقى اللبس دا عليا قمر، هاروح فيه..
جذبها من مرفقها فـ التصقت بصدره رفعت وجهها ترمقه وجدته حاد الملامح وعيونه تنطلق منها شرارت الغضب : البسي الفستان ده والا هاطلع ايلين برة والبسوهلك انا...
هتفت بتوتر وهي تبتعد عنه : طيب هالبسه، اخرج برة، وسيب ايلين معايا..
وقبل ان يغادر الغرفة كان ينحنى بجذعه العلوي يقبل الصغيرة من وجنيتها بحنان بالغ وتحولت ملامحه لللين في لمح البصر حتى نبرته أصبحت أرق : وحشتيني يا قلبي، ايه القمر ده..
درات حول نفسها بسعادة لتقول : بجد يا عمار حلو .
أكد برأسه ليقول : طبعا حلو وجميل، تعالي نلعب بره لغاية ما خديجة .. .
قاطعته خديجة سريعًا تهتف بتلعثم : لا سيبها معايا تساعدني، اخرج انت.
رمقها بشك لتوترها وتلعثهما في الحديث، ولكنه تجاهل ذلك والتفت يغادر الغرفة ..، وفور خروجه تنهدت هي براحة واتجهت صوب المرحاض تبدل ثيابها...
.............
نهضت من فراشها بإرهاق وتعب يكاد يفتك بجسدها، نظرت في المرآة وجدت وجهها شاحب اللون وضعت يديها على صفحات وجهها تتفحصها فـ شعرت بإرتفاع درجة حرارة جسدها، اتجهت للمرحاض وبللت وجهها بالماء البارد، فـ سرت رجفة قوية بجسدها..أغلقت المياه واتجهت للخارج تحضر شيئاً ساخناً يساعدها على التدفئة ، خطواتها ليست متزنة ، بحثت بين الأدوية بـ لهفة على دواء يهدأ من ألم جسدها ولكن لم تجد همست بضعف : مكنش يبقى معايا مالك دلوقتي..
آه على قلبها الضعيف فـ حتى بعد مكالمته الجافة لها والتي كسرت قلبها ولكن بررت تصرفه ذلك بسبب ضغط عمله، التقطت هاتفهها تجري اتصالاً به ولكن كالعادة جواله مغلق، وضعته جانباً وبدأت بإحضار شيئًا يساعد على تهدئة وجع حلقها، فـ صدح رنين هاتفها اتجهت له بسرعة نظرت به وجدت عمها رأفت، لا شك ان أمالها خابت فـ كانت تتمنى مالك وليس عمها.. أجابت بهدوء ..
_ ازيك ياعمو ، وحشتني.
ظهر صوت رأفت معاتباً : يا سلام مش باين الوحشة دي، متتصليش ولا تتطمني عليا..
حاولت كبح دموعها فقالت بنبرة مهزوزة : أسفة بس محبتش أشغلك في شغلك..
شعر رأفت بإن هناك خطب ما فـ فقال بقلق : انتي زعلانة من حاجة يا ندى ؟
هزت رأسها بنفي وكأنه يراها لتقول بخفوت : لا.
صمت رأفت لبرهة ثم عاد وقال : مالك فين؟!.
حاولت ان تجعل نبرة صوتها عادية : في شغله.
الأن أدرك سبب نبرتها الحزينة ، مالك بدء بتنفيذ خطته واتفاقه معه، شعر بمشاعر مختلفة متناقضة ، ما بين السعادة لتنفيذ مالك وعده والحزن لصوتها الحزين ....
ندى بتوتر : هو حضرتك يعني، تليفون مالك مقفول على طول بحاول اتصل لو يعني ...
قاطعها رأفت : ندى معلش مضطر أقفل سلام..
اغلق الهاتف وهي انفجرت بالبكاء من كل شئ، الوحدة بدت وكأنها حبل قوي يشنقها وهي لم تعد لديها الإرادة حتى تقاومه، بدأت تغرق بها وتستلم لها هي وآلام جسدها، رقدت بالفراش تحتمي به فـ هو أصبح ونيسها في هذه الفترة وخاصة وسادته التي مازال عبقه عالق بها، جذبتها تحتضنها برقة لعلها تشعر بوجوده وبذلك الامان الذي أشتاقت له كثيراً
.............
دلفت الى غرفة يارا وجدتها ترتدي حذائها، رمقتها ماجي من رأسها الى أخمص قدمها فـ ارتفعت أحد حاجبيها قائلة : ايه اللي انتي عاملة ده يا يارا ؟
تقدمت يارا بخطوات بطيئة نحو المرآة وهي تقول بـ لهجة باردة : وايه اللي انا عامله، لبست فستان واتمكيجت علشان نحتفل بعيد ميلاد فارس..
اقتربت منها ماجي بغيظ قائلة : ولما يا هانم احنا هانحتفل بـ عيد ميلاد فارس والمفروض ان احنا نعمله مفاجأة تعزمي سراج ليه..
ابتسمت يارا والتفت برأسها نحو والدتها قائلة باستفهام : هو سراج جه!.
هزت ماجي رأسها قائلة بـ نبرة غاضبة : اه تحت ياهانم، هو اخوكي مش منبه علينا متشوفيش سراج.
قالت يارا ببرود : طيب هو انا قابلته بره، احنا عندنا مناسبة بنحتفل بيها كل سنة عيد ميلاد فارس يبقى لازم نعزمه..
هتفت ماجي بـ لهجة تحذيرية : يارا، الحرب الباردة اللي انتي متباعها مع فارس دي مش عجباني، واظاهر انك فهمتي كلامي غلط من الاول، كلامي كان واضح..
صمتت لبرهة ثم عادت تشير نحو قلبها : انا قولت ان ده من حقه يعيش تاني، ولقيت سراج مناسب فـ تاخدي فرصتك معاه، لكن تستخدمي سراج علشان تستفزي فارس علشان يقولك سبب جوازه من ياسمينا فـ ده غلط ومينفعش لو مش عاوز يقول براحته، لو انتي هاتتقبلي فارس كده وتقدري تكملي معاه اوك ده قرارك، لو مش هاتقدري يبقى تكملي مع سراج وافتحيله قلبك وشيلي فارس من دماغك، الخيار في ايدك، انا نازلة ...
التفت بجسدها واتجهت صوب الباب وقبل ان تخرج استدرات ترمق يارا بـ تفحص فرأت ملامح وجهها خالية من اي مشاعر فـ قالت : ياريت منزعلش فارس انهارده هو مالوش أهل واحنا أهله وجايبنه نحتفل معاه ونبسطه.
غادرت ماجي، فـ احتدت ملامح يارا لتقول : لا أبدًا انا هـ احرق دمه بس مش هازعله....
............
اوقف السيارة جانبًا مشيرًا لهم بأن يخرجوا منها، امتثلوا لامره، وقف امامهم بطوله الفارع قائلاً بً لهجه تحذيرية قوية : احنا هاندخل يا خديجة ، تعتذري عن اللي حصل ببساطة وتقولي انك بنت خالتي وبس ودي بنت جوزك...
هتفت ايلين ببراءة : وبنت مامي خديجة كمان.
هبط ببصره نحوها يرسل لها ابتسامة هادئة : طبعاً يا قلبي، يالا..
مسك يديها الصغيرة وتقدمت معه صوب شقة علياء التي كانت في الطابق السفلي، اما خديجة فنظرت له بضيق وعزمت بداخلها على ما اتفقت عليه مع ايلين، قرع الجرس فـ ظهرت علياء وكأنها كانت تقف خلف الباب، ودت خديجة ان تبصق بوجهها لتشعر براحة وخاصة عندما رأت ابتسامتها اللزجة ، رحبت علياء بـ فارس ترحيب شديد وتجاهلت خديجة مجددًا، وفور دخولهم اتجهت ايلين نحو خديجة ورمقت علياء بـ غضب طفولي..
رحب والد علياء بهم باقتضاب قائلاً : اتفضلواا.
جلسو جميعهم، وتجاهلتهم والدة علياء وتصرفت بكبرياء ، رمقها عمار من اعلاها لاسفلها بنظرة مستنكرة، عم الصمت المكان ، حتى قاطعته علياء لتقول : ماما، بابا عمار طلب مني ياخد معاد علشان يجي ويكشف كذب خديجة ..
لمح خديجة بطرف عينيه ترمقهم بحزن، فـ كور قبضته بضيق، انتبه على حديث والد علياء : وانتي كذبتي ليه يا مدام..
بلعت تلك الغصة بحلقها قائلة بثبات : ومين قالك ان انا كذبت...
تشجنوا جميعاً لحديثها، فتجاهلت نظرات عمار لها لتقول بلهجة باردة مستنكرة: هو في واحدة في مكاني هاتضطر تكذب واكذب ليه، اكذب مثلا زي ما بنت حضرتك كذبت واتهمتني بشرفي قبل كده في الجريدة واتهتمتني بالسرقة لمجرد ان عمار طلب منها كده..
وقفت بكبرياء وقالت بـ نبرة قوية وهي تشير على عمار : عمار ده يبقى جوزي وابن خالتي، وايلين دي تبقى بنته.
نظرت لـ ايلين وقالت : مين يبقى بابكي يا ايلين؟! .
تقدمت ايلين نحو عمار وجلست على ساقه قائلة : عمار يبقى بابا..
تقدمت خديجة منه وجذبت ايلين لتقول بحزن: انا بدافع عن حقي فيك، وده ابسط حقوقي، لكن دلوقتي ميهمنيش اتجوزها لو حابب، يالا يا أيلين..
تسمرت وجوههم مما تقوله وتفعله، فـ وقفت والده علياء تقول بغضب : ايه المهزلة دي..، انت جاي تضحك علينا، طمعان فينا...
نهض عمار ليقول بغضب مماثل : ده انا اشتريكي واشتريكوا كلكوا، بنتك اللي بتجري ورايا، تصدقي بالله انا لو كان الجوازة دي مشيت، كنت هاطلقها من تاني يوم علشان خاطرك..
هتف والد علياء بعصبية : وقح.
كظم عمار غيظه وحاولت علياء تهدئة الوضع ، فـ فشلت عندما نهرتها والدتها وهي تشير لهم : بره بيتي..
خرج منه سبة نابية لهم وجذب خديجة خلفه، فور خورجهم التفت ينفجر بوجهها فـ سابقته هي ولاول مرة تتحدث بصراخ حاد : متكلمنيش ومتزعقليش وملكش دعوة بيا، انا زهقت منك ومن كل حاجة ، واوعى تفكر انك تخوفني بحاجة مبقاش يهمني حد، حتى انت.
انتفضت الصغيرة برعب لصراخها واتجهت صوب عمار تحتمي به.. فرأت خديجة تصرفها ذلك لعنت نفسها انها تصرفت بهذا الشكل الهمجي أمامها ، هبطت دموعها كالشلالات واتجهت صوب الطريق تركض ودموعها تسبقها، تعالت شهقاتها وانفاسها الهائجة ، فـ جذبها عمار ليقول : انتي رايحة فين...
أشارت على عنقها لتقول بنبرة مختنقة : هتنخنق مفيش هوا، سبني اتنفس، ولا حتى دي هاتعاقبني فيها..
نفضت يده واتجهت صوب الطريق تُكمل سيرها بخطوات واسعة وكأنها تحارب كل شئ لتحصل على ذرة هواء..
رغم ان هناك نسمة باردة تلطم وجهها ولكن لم تشعرها بالراحة...
اما هو فاستقل سيارته هو والصغيرة وسار خلفها يتبعها ولاول مرة يأنب نفسه على فعلته الحمقاء بها .. زفر بهدوء عندما لاحظ بكاء الصغيرة وهي تتابع خديجة من الزجاج فـ قال لها عمار بـ لهجة حانية : خلاص يا ايلين متعيطيش مامي خديجة بس مخنوقة .
التفت ايلين نحوه لتقول بحزن طفولي : هي زعلانة علشان انت هاتتجوز علياء دي...
ربت على شعرها بحنان قائلاً : خلاص مش هاتجوزها..
ابتسمت بسعادة والتفت برأسها تفتح الزجاج وهتفت بنبرة مرتفعة : خلاص يا مامي عمار مش هايتجوزها...
وقفت فجأة لتقول بحنق : ميهمنيش..
هتف أحد الشباب مستنداً على عمود إنارة : طبعا ماهو لازم ميهمكش يا قمر...
اوقف عمار السيارة جانباً بسرعة وخرج منها بسرعة البرق متجهًا للشاب بعدما رأه يتحدث لخديجة وعلى وجهه ابتسامة وقحة : قولتلها ايه ياله، قولتلها ايه .
عادت خديجة بـ لهفة وحاولت جذبه : خلاص ياعمار مقاليش حاجة ..
ابعدها عنه بعنف قائلاً بشر : قولتلها ايه...
تلعثم الشاي قائلاً بخوف : مقولتش، مكلمتهاش..
وجه له عمار لكمة قوية بوجهه وبطنه قائلاً : انا مش اهبل ياله، بقولك قولتلها ايه...
نجحت خديجة في جذبه بعيداً : خلاص وحياتي، خلاص يالا نروح يالا...
تنفس عمار بغضب وابتعد عن الشاب قائلاً بحدة : من حظك ان انا مسمعتكش...
ركض الشاب بعيدًا عنه، تنفست خديجة باطمئنان ، قائلة بنبرة هادئة : يالا، ايلين بتعيط..
التفت برأسه نحو الصغيرة وجدها ترتجف بخوف، زفر بقوة قائلاً : حضرتك خلصتي انهيارك ولا لسه، البت خايفة مننا...
رمقته بتعالي لتقول : اه خلصت.
هتف مستنكرًا : الحمد لله لما نشوف أخرتها معاكي..
..........
نظر لهداياهم قائلاً بنبرة هادئة : متشكر يا جماعة ..
نظرت ماجي لـ يارا بغضب شديد، فـ تجاهلتها يارا وجلست بجانب سراج، اقتربت ليله منه قائلة : انت زعلان من حاجة يا أبيه.
التفت فارس اليها ليقول : لا عادي..
قالت مريم بضيق : معلش يا فارس انا حاسة بيك، متزعلش بكره يارا تعرف قيمتك..
شجعتها ليله بالحديث : فعلًا يا أبيه هي بس السكينة سارقها بس انت اوع تزعل..
هتف فارس مستنكرًا : والله يا جماعة انا مقدر مجهوداتكو دي، بس هاحبكوا اكتر لو مشيتو العيل السئيل ده..
اقترب منهم عمرو قائلاً : انتو بتقولو ايه...عاملين اجتماع القمة .
التوى فم فارس ليقول باستهجان :. شوفت أخرتي ليله ومريم .. الله يسامحها المعتوهة اختك..
تقدمت منهم يارا وسراج قائلين: ايه بتتكلمو في ايه..
رفع فارس بصره اليهم ليقول بنبرة مشمئزة : امممم سوري هاقوم انا الجو بقى خنقة ..
نهض متجهًا صوب الشرفة يقف بها، لم يكذب فـ بالفعل شعر باختناقه وخاصة كلما وقعت عيناه عليها وبجانبها ذلك السمج ، قبض بيديه على حافة الشرفة عندما تذكر ثيابها وأحمر شفاها التفت برأسه وجدها تتشاجر في الحديث مع ليله ومريم والاخر انشغل بالحديث مع شريف .. عاد برأسه للفراغ يحدق به مفكرًا بنهاية قصته معها، صدح رنين جواله فأجاب على الفور عندما وجده مالك..
_ ألوو..اخبارك يا مالك.
_ كويس، ندى شوفتها!!.
_ لأ من أخر مرة مشوفتهاش، تحب لما أروح أطمن عليها..
_ ماشي ياريت، وابقى طمني، انت فين؟!.
_ عندكو، عاملين عيد ميلاد ليا..
_ فارس متزعلش، انا اسف يا صاحبي نسيت، بس انت عارف اللي فيا..
_ مش زعلان الله يكون في عونك..
استمع لصوت حذائها خلفه، فتحدث باقتضاب : سلام انت دلوقتي..
اغلق الاتصال والتفت اليها ملتزم الصمت، حدقت به تستشف معنى هدوءه الليلة، ماذا به، رمقها باستفهام قائلاً: خير جاية ليه وسايبة العبيط.
هتفت بدلال مستنكرة حديثه : متقولش عبيط، ده خطيبي..
ارتفع جانب وجهه بغلظة قائلاً : خطيب الا ما يلهفك، اتعدلي واتظبطي في الكلام معايا.
ضحكت بخفة لتقول : انت ليه مش مقتنع يا فارس بالحقيقة .
حدجها فارس بقوة هاتفًا : لا هو انتي اللي مش مقتنعة بالحقيقة .
رفعت حاجبيها قائلة : اللي هي؟!.
أشار اليها قائلاً بتملك : انت ليا انا مهما عملتي، ومهما بسلامته هو عمل، انت ليا انا، جيتي يمين جيتي شمال في الاخر ليا..
تقدمت منه ثم جذبت يده ووضعت بها هديتها لتقول بسخرية : كلها طموحات وأماني، وانا بقى مبمنعش حد انه يحلم، كل سنة وانت طيب..
قبض على يديها والهدية معاً ليقول بتحدِ : وحياتك عندي ما حلم ، ولما يتحقق وتبقى حقيقة ووقتها لما تكوني مراتي هاطلع عينيك يا يارا.
نظرت له بتحدِ أقوى : لما نشوف يا.. يا أبيه..
تركته وغادرت الشرفة التفت هو يقبض على هديتها بيده وحاول التنفس بهدوء بعدما نجحت في اشعاال فتيل غضبه..
.........
وضعت الصغيرة بفراشها وغادرت الغرفة وجدته يجلس مغلقا عيناه مستمتعا ببعض من الهدوء بعد تلك العاصفة والغضب الذين احتلو صدره ومشاعره وعقله، اقتربت منه قائلة بنبرة هادئة : ايلين نامت خلاص..
فتح عيونه يرمقها بتفحص : اممم زعلانة ، مين المفروض يزعل..
أشارت اليه بعدم التحدث قائلة بـ لهجة حاسمة : عمار لو سمحت بلاش نتكلم، كفاية أوي اللي حصل انهارده..
هز رأسه موافقاً ثم اخرج تنهيدة قوية من صدره تحت نظراتها المتعجبة من تبدل حاله، رمقته بتعجب أكبر عندما وجدته يمد يديه لها هتفت بعدم فهم : ايه في ايه..
اعتدل في جلسته وقربها اليه واحتضن خصرها بهدوء نظرت له وهو أسفلها يحتضن خصرها بتملك وقوة، هتفت بخفوت : انت فيك حاجة ؟
هز رأسه وهتف بهمس ضعيف : محتاج حضنك..
اتسعت عيناها بصدمة لما يقوله، فقالت بتلعثم : انا..، يعني..
ابتعد عنها ثم جذبها لتجلس على الأريكة وجعلها ترقد عليها..وهي مصدومة مما يفعله، رمقها بهدوء وهو يعتدل بجلسته ورقد بجانبها محتضنها بقوة يدفن وجهه بعنقها
تاركاً كل الافكار السيئة هو الان في أمس الحاجة لها، في أمس الحاجة لحنانها ودفئها، في أمس الحاجة بأن يشعر انها اصبحت ملكه وله وحده...اغلق عيونه مستسلماً لنومه هنيئاً لاول مره منذ سنين...
اما هي فلم تحتاج وقت كثير في ان تتعود على الصدمة ، بل انفاسه الساخنة عند عنقها جعلتها تبتسم بحنان له وهي تجذبه نحوها أكثر، مدت أصابعها الصغيرة تعبث في خصلات شعره الصغيرة مقررة عدم النوم، للاستمتاع بكل لحظة بجانبه قد لا تتكرر مره ثانية .
لم تعرف كم مر من الوقت وهي على هذا الحال .. غرقت بافكارها وهي تتخيل حياتها معه هادئة خالية من صراعتهم ..انتبهت لقرع الجرس .. قطبت جبينها وهي تنظر في ساعة يديها من سيأتي في هذا الوقت .. نهضت بصعوبة من جانبه حتى لا توقظه واتجهت صوب الباب تفتحه .. وجدت ندى تستند على الحائط ووجها شاحب وتكاد تلتقط انفاسها : ندى ...
خرج صوتها ضعيف للغاية : انا تعبانة أوي..
وبعدها استسلمت لظلام حالك أحاطها من كل اتجاه وفقدت وعيها.
