#أكون_أولا_أكون
#فوزية_عزام
#الفصل_الثالث
تجلس وتين في غرفتها تتأمل الماضي الذي مر بكل ما فيه من صعوبة ومرار تدمع مرة وتبكي مرات ...شيء ما يغلي بداخلها ....في كل مرة تراجع فيها ذلك الماضي اللئيم تشعر بذات الأعراض ...ضيق في النفس .. احمرار يغطي صدرها....عصبية تضرب
أوردتها بعنف فتنتفض أعصابها بشدة فاقدة السيطرة عليها... تضرب بقبضة يدها الطاولة التي تسمرت أمامها دون حول ولا قوة ...لا تستطيع الابتعاد ولا الاعتراض على بطش قبضتها القاسية ...همست لنفسها باستهزاء
يجب أن أمسح بعض الذكريات القديمة فأنا مقبلة على حربا تحتاج مساحة واسعة من الذاكرة.....يجب علي النسيان ولكن ليس كل شيء.....يجب أن يبقى لدي شيء من الماضي لأقارنه بحاضري ليعلم مستقبلي من كنت ومن سوف أكون...
استجمعت قواها لتدقق ذكرياتها وتقرر أي منها يبقى وأي منها ترسله إلى سلة النسيان الأبدي......يا الله لقد قطعت شوطا طويلا جدا .... هذا ما همست به لنفسها وبعد سويعات همست داعمة نفسها
فعلا أنا فخورة فيكي يا وتين قطعتي شوط كبير ....وأنا متأكدة راح تكوني قد الحمل لجديد وراح تفوزي وراح تنجحي مثل ما كل مرة ومثل كل المواقف الي تعديتيها قبل حتكون ماضي مثل غيرها ..بس تذكري دائماً وأبداً أنه ربنا معك ولو الكل تخلى عنك ولو الكل كان ضدك ما راح يقدروا عليكي ابداً
دخلت خالتها غالية مقاطعة خلوتها ...همهمت قائلة.....
وتين حبيبتي ما بدك تتعشي؟؟
نظرت إليها وتين باشمئزاز ثم أدارت وجهها عنها دون أن تجيب وقالت في نفسها
كيف راح تقابلي ربك.....نفسي أفهم بس شو محضرة لهديك اللحظة ...شو راح تحكي لربنا لما يسألك عني وعن إمي.....ما راح اسامحك لو شو ما عملتي ما راح أسامحك ....
همهمت غالية بخزي ....
وتين ردي علي ....مشان الله ردي علي .....أبوس ايدك انسي ....الي فات مات.. ..يعني ربنا بسامح وبغفر سامحيني ....انتي ما مريتي بلي مريت فيه
متسعة العينين و بعصبية مفرطة قاطعتها وتين قائلة ....
ما مريت بلي مريت فيه ؟؟؟؟؟!!!!!!عنجد انك وحدة وقحة
اخذت نفسا عميقا واستجمعت قواها وتأتأت قائلة
وتين حبيبتي انتي ما راح تخسري اشي ......جربيني وأنا راح أثبتلك حسن نيتي والله والله كنت مضطرة......اساسا كنت راح احكيلك الحقيقة كاملة أنا....أنا والله كنت خايفة عليكي منهم.....انتي ما بتعرفيهم.....ستك وحدة خبيثة ولئيمة.....ومرت أبوكي أم حسام هاي عقربة والله كلهم
بكرهوكي....راح يعملوا العجايب فيكي أنا...أنا عملت كل إلي عملت علشان احميكي منهم ومن غدرهم... بكفي حرموني أختي أنا خفت يحرموني منك
وقفت على سريرها بشكل مفاجئ مما أربك غالية نظرت لها باشمئزاز وهتفت بثبات
بكفي كذب....ب ..ك...ف...ي.....بكفي بكفي بكفي قالتها صارخة لتردف بقهر
والله والله إذا ما بتسكري ثمك إلا أزتك(كناية عن الرمي) برى هاد البيت ولعلمك أنا عارفة ومتأكدة إنهم بكرهوني و البركة بحضرتك ...أما بالنسبة لخوفك علي تأكدي إني آخر وحدة بالعالم ممكن أصدقك....أو بالأحرى مستحيل أصدقك
همهمت غالية محاولةً استغلال موقف وتين مستغلة من أهل والدها ....
ليش هيك وتين انتي لازم تصدقيني انا بدي مصلحتك
هتفت وتين بعصبية....
مصلحتي!!!!!!!!!!آاااااااخ ياربي ما أوقحك.....وين مصلحتي وينها فهميني ....... وين مصلحتي كانت لما ترتكيني بدار الأيتام وأنا شقفة لحمة طرية ما بقدر أميز الصح من الغلط وما بقدر أدافع عن حالي ......وين مصلحتي لما كذبتي علي وحرمتيني من حضن ابوي ١٦ سنة وانتي تقنعيني انو هو الي رماني ولك حتى الأموات ما خلصوا منك شوهتي سمعة أمي وفهمتيني إني بنت حرااام ولك وين مصلحتي لما عقدتيني وصرت أكره حالي وأكره جنس حوى كله من تحت راسك
سكتت قليلا ...أخذت تلهث من زخم الذكريات وكأنها تخوض حربا.....حبست دموعها وقلبها يعتصر من هول ما مرت به قررت التوقف عن الكلام فهي كانت قد قررت النسيان ....التفتت تشيح بوجهها عن خالتها قائلة
الله لا يسامحك وحسبي الله فيكي انقلعي برى ما بدي أشوف وجهك ......ولعلمك أنا راح أبيع هاد البيت
بمجرد ما نخلص إجراءات نقل الملكية .....بنصحك تشوفي مزبلة تلمك وتلم قرفك.....
تنفست الصعداء......واحست بشعور الانتصار...... بمجرد أنها دبت الرعب في أوصال تلك الخبيثة
خرجت غالية مغلقة الباب خلفها.....تبحث بين اوراقها لعلها تجد ورقة رابحة.....لم تستخدمها ....جلست في غرفتها تراجع أفعالها وأقوالها ....هل هي فعلاً نادمةً على ما فعلت ...هل هي راغبة في التوبة كما زعمت ....أم هو ذلك الشعور بالقرب من النهاية الحتمية التي لا مفر منها
تذكر جيدا ذلك اليوم الذي جمعها وعالية اختها والتي هي أم وتين مع الدكتور هاشم هو ذاته ابو حسام ابن الحجة رحمة وعم كل من رعد وصخر
*كانت عالية بحالة يرثى لها بعد أن اعتدى عليها اثنين من العاملين بدار الرعاية التي كانت تعيش فيها .....لا تعرف عن هويتها واختها سوى أنهما وجدتا سوياً على باب أحد المساجد ...كلمة لقيطة كانت عنوان هوية كلٍ منهم...الشبه الشديد بينهما أكد أنهما أختان من ذات الأم والأب وليست مجرد صدفة جمعت رضيعتين على باب مسجد .....
في ذلك اليوم أجرى الدكتور هاشم لعالية عملية مستعجلة بسبب نزيف رحمي شديد سببه الاعتداء الجنسي المتكرر عليها .... ولولا عناية الله في ذلك اليوم لكانت ماتت ودفنت دون أن يعلم بها أحد حتى ....
ذلك اليوم كان يصادف العاشر من رمضان وكما اعتادت بعض الجمعيات الخيرية في بلدنا الحبيب بعمل يوم طبي مجاني يخصون به دور الرعاية..... وكان هاشم من زمرة الأطباء الذين تبرعوا بمجهودهم وخبراتهم لأجل هؤلاء الذين تخلى عنهم أقرب الناس إليهم
لربما الشيء الوحيد الذي لن تندم عليه غالية في حياتها أن سمحت لأختها أن تحل محلها في ذلك الوقت ......فقد منعوا عالية من أن تصل إلى مكان الكشف الطبي لكي لا يفضح أمرهم و بحكم الشبه الشديد بينهما لم يستطع أحد أن يكتشف أمرهما...
ليكشف الدكتور هاشم وساختهم ويطلب نقلها حالا إلى المستشفى التابع له أجرى لها عملية جراحية كشف بها مدى الحقارة والدناءة التي تعامل بها البنات في بعض دور الرعاية وبالأخص اللقيطات منهم وحال لسانهم يقول.....
ليس ذنبنا أن ولدنا من رحم الخطيئة .....لماذا توجب علينا أن نحمل إثم لم نرتكبه ......ذلك الذئب الذي ترصد بتلك الغبية التي جعلت من نفسها لقمة سائغة ووجبة كاملة الدسم وسلمت نفسها له ل يعثى فيها مفسداً تحت مسمى الحب والعشق والغرام يطفئ بها نزواته وشهواته وتثبت به أنوثتها وجاذبيتها ...هم
من وجب عليهم أن يتحملوا اللوم كاملا ولسنا نحن عزيزي المجتمع .... نحن الضحية فلا تكن انت الجلاد....هم من باعوا رضا الله تحت مسمى العشق والغرام...هي باعت شرفها واهلها وعشيرتها هي من جعلت رأس أخيها بطين هي من لوثت سمعة والدها بدنس تحررها الذي كانت تسعى إليه ورأتها في فعلته
السوداء ...هي من لم يثمر بها تعب وسهر أمها التي سهرت أيام وليالي لتراها تفوقها طولاً وعرضاً وجمالاً وكمال ...هي من خانة العهد ولم ترد الجميل وهو من استغل الفرصة و نسى الله ونسي قول نبيه الكريم الزاني يزنى به ولو بجدار بيته...وتناسى بذات الوقت أنه ومهما فعل سأبقى( بنت حرام )ولن انسى كما
الجميع أنني ولدت من رحم الخطيئة ولن ينصفني المجتمع ولن يتقبلني أحد مهما فعلت ومهما حاولت ...حكموا علي أن أكون في هذه الحياة وأبقى ميتا على قيدها ما حييت.... لقيط أنا بدون حول مني ولا إرادة.....
أخذت غالية نفساً عميقاً محاولةً منع دموعها من الانهمار تزاحمت الذكريات وهاجمتها المواقف واللحظات وطاردتها الأرواح الراحلة .....تذكرت ذلك الحوار الذي دار بينها وبين اختها التي جاءتها مطالبة إياها العودة للعيش معها والعدول عن طريقها الغير قويم الذي اتخذته مساراً لها
هتفت عالية بغضب واشمئزاز ....
خافي ربك......الطريق الي انتي ماشية فيه حرام والمصاري هاي حرام ..... الدنيا رايحة يختي واحنا مجرد سنين وايام وبنرحل عنها وما بتعرفي متى ربنا بياخذ أمانته
هتفت غالية رافضة ....
خليت الحلال الك ...اتركيني بحالي ولا تدخلي فيه....قال حرام ...حبيبتي بحب أذكرك انه جيتنا على هالدنيا حرام لتكوني نسيتي ...انا وانتي بنات حراااااااااام شو سمعتي بنات حراااااام....لتكوني بتفكري حالك إذا صليتي وصمتي راح تصيري بنت حلال ......خلي ربك يحاسب الي جابونا بالأول بعدين يحاسبنا
هتفت عالية مستغفره.....
استغفر الله ولك اتقي ربنا. ...اكيد ربنا راح يحاسبهم بس انتي ليش تعملي زيهم... ليش تمشي بهاد الطريق الوسخ ليش .....ولك هاد زنا بتعرفي شو يعني زنا
همهمت غالية بغرور ....
مقهورة مني صح.....راح تموووتي من الغيرة بعد ما تركك هاشم ياحرام .....سمعتي كم واحد برن علي باليوم اطلعي منيح كم معي وشو عندي هذا من حسين باشا وهاي الاسوارة من مصطفى بيك أما هذا الخلخال من الشيخ أبو سليمان الي نزل من دبي مخصوص علشاني ...يلا بضل أحسن منك اذا بدك بشوفلك واحد يزبطك ....
هتفت عالية بقرف ...
فشرتي.....خليت الوساخة الك
ردت غالية ببرود
لا تشدي على حالك كثير .....هاي الوساخة اشبعتي منها اذا نسيتي بذكرك حبيبتي
هتفت عالية بوجع ....
غصب عني مش بكفي......انا ما رحت للحرام برجلي مثلك.....أنا انكتب علي يصير معي الي صار ...انا بقولك هالحكي لأني زعلانة عليكي ......انا والحمد لله رضيت وربنا عوضني والحمد لله
ردت غالية بنزق....
وبشو عوضك ......اذا قصدك عن هاشم بحب أذكرك كمان أنه رماكي مثل ما برمي كيس زبالة طلعت ريحته ...هاشم طلقك....طلقك اصحي بكفي هبل
همهمت عالية بوجع يأن من حروفها
انتبهي على كلامك ....هاشم ما رماني...هاشم طلقني لأنه انجبر يعمل هيك ....الله يسامح الي كان السبب وبلغ أهله عن زواجنا ....بس ربنا كبير وأكبر من خبث الناس ومكرهم ولئمهم أكرمني بقطعة من هاشم
هتفت غالية بصدمة....
نعم ...مستحيل ...انتي كذابة....كيف هيك الدكاترة حكوا انك مستحيل تحملي ...مستحيل
همهمت عالية بحنان متحسسة بطنها....
ربك لما بعطي بدهش يا غالية استغفري ربك وبيتي مفتوح الك .....ارجعي نعيش سوى وانسي هالوساخة.......بكرة بس تكبري ما حد بطلع بوجهك اليوم معك وقت وباب التوبة مفتوح بكرة الله اعلم تلحقي ولا ما تلحقي.....
ما زال شريط ذكرياتها يعرض ما قد كان ..بعد ذلك الحوار بينهما وبعد رحيل عالية من منزلها ذهبت إلى زوجة هاشم ام حسام واتفقت معها أن تمنع هذا الذي ببطنها ذكرا كان أو أنثى من رؤية النور بعد أن ضمنت الأخيرة طلاق عالية من زوجها .... ووجود طفل في تلك اللحظات لم يكن لصالحها بتاتاً لذلك
قررت غالية التخلص من جنين اختها طمعاً بذلك الدعم الذي كانت تتلقاه من أم حسام أولاً وإشباعاً لذلك الحقد الذي تأصل في قلبها ثانياً ولكن محاولاتها باءت بالفشل...تأثرت صحة عالية جداً بسبب محاولاتها المتكررة لإجهاضها ...أما جنينها بقي يتحرك في أحشائها رافضاً كل تلك المحاولات التي
ترفض أن يكون رافقت غالية اختها بكل فحص شهري مدعية خوفها عليها وحبها لها وتوبة زائفة ابتدعتها جعلتها تعود للعيش مع اختها....
كانت غالية أول من حملت وتين بين يديها وبذات اليدين وضعتها على باب ذات الميتم الذي تربت واختها فيه ...
استغلت موت اختها التي ذهبت لأداء مناسك العمرة برفقة عصبة من النساء كانت قد نذرتها لتشكر الله على كرمه وعطائه
لم تستطع عالية أن تستخرج لبنتها أوراقاً ثبوتية بسبب سفر هاشم الذي طال رغم أنها أخبرته بحملها إلا أنه لم يأتي لزيارتها بتاتاً....عندما تأخر حضوره قررت وبعد عودتها من أداء مناسك العمرة أن تحمل
ابنتها بين يديها وتذهب إليه ولكنها لم ولن تفعل ذلك فقد اختارها الله لجواره وهي ساجدة في الروضة الشريفة .....خاتمة يتمناها جمع المسلمين ....
وبينما وتين تصرخ على باب الميتم كانت غالية تقبض الثمن من أم حسام ...
وبعد سبعة سنوات وعندما علمت بذلك المرض الذي اجتاح جسدها وأقعدها في بيتها عنوة بعد أن لفظتها تلك الحاوية التي كانت تعمل بها ....استنفذت جميع أملاكها لشراء العلاجات التي لم ترفع عنها شدة....ورغم كل ذلك لم تتعظ كانت تعاود لممارسة عملها بين الحين والآخر وحسب حالتها الصحية ولم تكتفي بذلك بل عادت لتتاجر ببنت اختها قررت ابلاغ هاشم بوجودها ولكن وكما اعتادت غلفت الحقيقة
بالأكاذيب .....لقد أخبرته أنها تعاني من مرض نادر وأقنعته أنها تقوم على خدمتها ومراعاتها منذ سبع سنين وأنها أنفقت مالها وما تملك عليها وبذات الوقت زرعت في قلب وتين الكره الكبير لأبيها بعد أن أبلغتها أن أبوها يرفضها وينكرها ولا يريدها وأنه من رمى بها في الميتم وانها الحنونة ذات القلب الرقيق التي عادت لأخذها حتى عادت وتين لا تطيق سماع اسمه ولا رؤيته حتى ......
كان يزورها كل أسبوع وما إن تسمع طرقاته على الباب تحبس نفسها بغرفتها رافضة رؤيته وسط صراخ ورفض كبير للخروج منها وهذا ما جعل أكاذيب غالية تطول كان هاشم سخياً جداً على ابنته
التي لم تكن تلمس قرشاً واحداً مما يترك جميع النقود كانت تذهب ليد غالية التي تؤمن بها علاجها واحتياجاتها التي لا تنتهي ولن تنتهي ....لقد استغلتها أبشع استغلال*
#فلاش_باك
فتح الباب باندفاع طلب إليهما الدخول وهتف موجهاً الحديث لأمه....
يما هي غالية وعالية الي حكتلك عنهم
ردت رحمة التي بدأت تتفحص معالم كل منهما بارتباك بات واضح على حروفها ....
أهلا وسهلا ... قومي يما يا سعاد طلعيهن فوق خليهن يرتاحن من المشوار....
اخفضت صوتها قليلا واردفت قائلة بعد أن تأكدت من خلو الصالة ...
ولك الله لا يبارك لعدوينك كيف جايبهن على الدار إخوانك شباب وجايب بنات بقولن للقمر قوم تقعد محلك و بدك تنيمهن عنا .. أنهبلت أنت ولا انضربت براسك...
همس هاشم مستغرباً.....
يما مش حكتلك وانتي وافقتي ليش غيرتي رأيك ....
همهمت بصوت خفيض موضحة ....
انت قلت لي بنتين يتيمات ملهنش(ليس لهن) حد قلنا نكسب أجر وأنا والله فكرتهن صغار......بس طلعن بسم الله ما شاء الله كل بتحل عن حبل
المشنقة.....والله اخوك قصي الهبيلة ما بخلصن منو ...... شو انا بدي احط الكاز جنب النار وأقول من وين الحريقة ..... يا فضيحتك يا رحمة لو تشوفهن أمينة مرت احمد لتعمل هليلة
قالتها مخاطبة نفسها لتردف قائلة
امشي روح دورلهن مكان وقعدهن فيه أستر إلهن والنا يما
أجابها هاشم بتردد مخفيا عنها ما مرت به عالية
يما مهو أنا مش مأمن عليهن.....وين بدي أحطهن أنتي شايفة الوضع والكل طمعان فيهن
همهمت رحمة بجدية موضحة ....
يما افهمني أنا عندي شباب ما بقدر أحطهن بينهم
أختك سعاد الشهر الجاي عرسها وصباح بعدها بشهرين بنزل خطيبها من السعودية وبوخذها شو بدك يحكوا الناس علينا.....بعدين تعال جاي مالك محموق هيك وله تقول تالي أهلك (من عائلتك ).....في اشي مخبي علي.....ولك ليكون......استغفر الله العظيم ....كش برى وبعيد لا بتعملهاش ولو انه عينك زايغة زي خالك عبد بس بتعملهاش ....
رفعت نظرها إليه لاحظت علامات الارتباك على محياه وبقلب الأم شعرت أن هناك ما يخفيه ابنها عنها.....قلبها الذي انقبض منذ أن رأتهما لا يكذب ....أكملت بروية......
يما الباب الي بجيك منو الريح سدو واستريح اعطيهن من خير الله وزيد بس اكثر من هيك ما الك دخل يما الله يسبل سترو عليهن (كناية عن الستر التام )ويبعتلهن(يرسل) ولاد الحلال إلي من توبهن كل فولة وإلها كيال يما
طأطأ رأسه قليلاً وحدث نفسه قائلاً .......
(هي اجتك الفرصة لحد عندك قول لها وريح حالك)
هتف قائلاً بتسرع دون أن يدرك ما رمت له أمه في كلامها....
يما من الاخر ....أنا....هو ... بدي أحكيلك اشي بس أوعك (إياك) تفهميني غلط البنت ما إلها ذنب
اتسعت عينها بصدمة وضربت بكفها على صدرها ودوي دقات قلبها أصبح يسمع الأصم هتفت مقاطعةً كلامه.....
ياخيبتي(كناية عن الخيبة ) عليك أصحك تقولها والله بتبرى منك احكي وله ولك احكي قلبي صار برجلي ... شو عملت يامسخم....
زاد نحيبها من ارتباكه وتردده حتى أن الحروف غادرته فلم يجد ما يسكتها به مما جعلها تزداد نحيباً وندبا...همست قائلة له ....
ليكون أغضبت ربك ولك قول ليش ساكت....عملتها يا هاشم ...عملتها يا متعلم يا دكتور .....يا خسارة تربايتي فيك ......يا كبر بلوتك يا رحمة ياريت(ليت) متت ولا شفت هاليوم ليش ما أخذتني معك يا صخر......تركتلي ولادك عشان يحطوا راسي بطين يا خسارة تعبي وشقاي بس
همهم هاشم مقاطعا عويل أمه .....
يما شو صارلك فش اشي من إلي في بالك صار طولي بالك علي خليني(اتركيني) أشرحلك ......
مسحت دموع الخيبة التي انهمرت دون استأذن و بعد الإعصار الذي افتعلته هدأت وكأن شيئا لم يكن وهمهمت قائلة بافتخار .....
تعال يما ياحبيبي تعال أضمك .....ابن بطني ما بخيب ظني......كلو ولا الحرام يما.....زي ما عند الناس ولايا
عنا ولايا.....صح يما
بحلق بها مستغربا ...حوقل ضاربا كف بكف ثم همهم قائلا...
يما عنجد لازمك جائزة نوبل بتمثيل...... بثواني قلبتي الدنيا وبثواني قعدتيها
هتفت بحزم ....
اسكت وله تفكرش حالك كبرت ترى بشبشب على راسك.....بلا بوبل بلا موبل مهو كلامك بسم البدن وبخلي العقل يودي ويجيب ...
همهم هاشم موضحاً
يما أنت إنسانة بتخافي الله .... بدي أسالك سؤال بس أمانة الله تجاوبي بصراحة
أجابت رحمة باتزان....
لا إله إلا الله هات أشوف اسأل
همهم هاشم ....
يما الواحد منا بقرر أن يكون يتيم ....يعني بقصد اليتم هذا بأمر مين
ردت قائلة...
لا يما ....هذا أمر الله النافذ
همهم هاشم محاولاً استعطاف والدته....
يما غالية وعالية ما إلهن لا إم ولا أب ومثل ما حكينا هذا أمر الله ....وما إلهن حد لا عم ولا خال مقطوعات من شجرة يعني اذا ما قعدتهن عنا راح يتشردوا بشوارع....
همهمت أمه موضحة....
يما يا حبيبي قولتلك بقدرش اقعدهن بدار مع خوانك .... يما افهمني....مش علشانكم بس علشانهن كمان...شو الناس تقول عنا وعنهن ....ذمة الناس وسيعة
رد هاشم ...
يما إحنا شو بدنا بالناس المهم رب الناس أعلم بالنوايا
أجابت رحمة....
رب الناس أعلم طبعا بس هو أمرنا نبعد عن الشبهات
بعدين في حرام وفي حلال بحكمنا....... الشغلة مش بكيفنا ومزاجنا...
أيقن هاشم أن لا أمل له بإقناع أمه في إبقائهما في بيته....بقي أمامه خيارٌ وحيد وهو ما أراد منذ بادئ الأمر
هتف قائلاً بجدية....
طيب .....من الاخر وعلى بلاطة......أنا بدي أتجوز عالية هيك قعدتها عنا هي واختها حلال ولا قالوا ولا عادوا شو رأيك .....
هتفت رحمة برفض....
والله قلبي كان حاسس(شعر) .......شفت ليش بقولك بديش اقعدهن معنا امبارح اعرفتها اليوم بدك تتجوزها...
كان قد أخفى عن أمه أين تعرف على عالية ....ولم يستطع أن يصارحها أن عشقه لها لم يأتي بيوم وليلة كما تظن .منذ ان تعرف عليها في ذلك اليوم ...وجهها البريء والظلم الذي تحملها جسدها النحيل وملامحها
التي حفرت في قلبه وخطفت أنفاسه صوتها الرقيق والحاني وذلك الرضى الذي طبع على محياها كل ذلك كان السبب وراء عشقٍ كبير استحضر وجهها الحبيب مما زاد من إصراره وثباته همهم قائلاً ....
يما بحبها وبدي أتجوزها
ردت رحمة بحنكة ...محاولةً ثنيه عما يريد....
حبك برص قال بحبها قال...اسمع انت حر طبعا تتجوزها هي ولا غيرها هذا اختيارك وقرارك بالأول وبالأخير
بس يما المرة مش للفراش بس ...المرة كمان حسب ونسب ...شو بدك تقول لأولادك بكرة بس يسألوا عن أخوالهم وأهل أمهم وشو بدك تقول لناس والنسايب والقرايب
هتف هاشم بعصبية
هذا أمر الله وما حد حاطت (واضع)على راسه خيمة
أمها و أبوها توفوا بحادث ومثل ما قلتلك أبوها وحيد وباقي أهلهم بضفة وما بعرفوا عنهم اشي ....
ردت بغضب ....
وشو جابرك تتجوز وحدة مقطوعة من شجرة خلصوا بنات الدنيا يعني وما ظل غيرها ....حكتلك كل فولة وإلها كيال بكرة بيجي الي من ثوبها وبوخذها إنت ما إلك فيها نصيب ما بتلزمنا ....
هتف هاشم بقهر
يماااااا.... بقلك بحبها وبدي اياها لا تخليني اعمل اشي من غير رضاكي يما أبوس ايدك انتي بتعرفي غلاتك عندي
أجابت على مضض...
بس يروح اخوك احمد بفرجها الله ....
همهم متسائلاً
شو دخل أخوي بموضوعنا .....انا الي بدي اتجوز مش هو
هتفت رحمة بعصبية .....
وأنت مقرر وجاي لعندي ليش ......روح اعمل الي بدك اياه وتذكر منيح الي مالو كبير ما الو تدبير فاهم
أخذ نفساً عميقاً محاولا استعادة هدوئه ثم همهم قائلاً....
يما مش هيك قصدي.....أنا قصدي إذا ست الكل موافقة كل اشي بمشي .....والله يما ما بحب ازعلك......بس بدي اياها ...يما مش عارف شو أقلك بس يما القلب رايدها
كلماته المليئة بالحب والغرام وصلت رحمة ....همهمت بحنان .....
الله يجيب الي في الخير الك والها ويستر على ولادنا وبناتنا يارب ...خلص قول يارب واتوكل على الكريم ....
قفز فرحاً وأمسك برأس أمه مقبلاً أغلاه ثم أمسك كفيها وأخذ يطبع قبلة وراء قبلة على كلا كفيها ....
تتذكر غالية هذا الموقف جيدا.... كانت تتنصت على كلام هاشم وأمه بعد أن طلبت من أخوات هاشم الذهاب إلى الحمام....تناهى إلى سمعها صوت هاشم الذي يحادث أمه ولفتها الضجيج الذي يعلو فجأة وينخفض فجأة...اقتربت من حافة الدرج المطل على الطابق السفلي الذي يضم هاشم وأمه ....وركزت
سمعها جيداً ليتضح لها الأمر المجهول بالنسبة لها ....صدمتها كلمات هاشم وجز وريدها اعترافه بالحب لشقيقتها ....والغيرة اجتثت ضميرها والقهر ضرب قلبها .... عاهدت نفسها ان تمنع هذا الزواج بأي
وسيلة كانت ...في نظرها كان هاشم من حقها هي ....إن كان أحب عالية لشكلها وقوامها فهي تملك ذات الشكل والقوام ....وقد تعرضت عالية لاغتصاب بينما هي ما زالت بكراً
كان ذلك السؤال يتردد في ذهنها ....حتى في الميتم ...لماذا يريدها الجميع لماذا لم ينظر لي أحد بينما هي استولت على كل شيء...كم لامت نفسها أن سمحت لها بالخروج بدلاً منها ذلك اليوم ...قررت غالية في تلك اللحظة أن تمنع ذلك الزوج بأي طريقة كانت وقد فعلت ....
استغلت معرفتها بأن عالية وبحكم تعرضها للإغتصاب أكثر من مرة بات حلم الأمومة بنسبة لها المستحيلات
نسجت غالية شباكها جيدا معتقدةً بذلك أن هاشم سوف يتزوجها هي بعد أن يصبح زواجه من عالية مرفوضاً تماماً استغلت جلوس الحجة رحمة وحيدة في الصالة وبلغتها ما أخفاه هاشم عنها من سلسلة الاغتصابات التي تعرضت لها عالية إلى كونها لقيطة وليست يتيمة .......ولم تنسى أن توضح للحجة
رحمة أن اختها لن تستطيع الإنجاب إلا بمعجزة إلهية وطلبت منعا التكتم عن المصدر الذي أبلغها عن هذه المعلومات الأكيدة
صعقت الحجة رحمة مما سمعت وبحضور أولادها أحمد وإبراهيم اللذان كانا الأكبر سناً بين أبنائها أعلنت أنها سوف تتبرأ من ابنها هاشم إذا تزوج من عالية ولن تصفح عنه مهما يكن وسوف يكون غضبها عليه شديدا ولن ترضى عنه إلى يوم الدين ....
وبحكم عرفنا العربي المتوارث كل شيء يهون أمام غضب الأم .....تنازل هاشم عن حبه وعشقه ولكن إلى أجل مسمى...
بعد تلك الحادثة أصرت الحجة رحمة على تزويجه ظناً منها أن ذلك سوف يصرف نظره عن عالية.....وبعد عدة محاولات لإقناع هاشم ومع إصرار الحجة تزوج هاشم من ابنة خاله والتي هي بذات الوقت خالة رعد واخوته
كان هاشم قد استأجر لعالية وغالية بيتاً يواريهما عن أعين الناس وبقي على اتصال بهما مخفياً ذلك عن أمه .....وبعد عدة أعوام تزوج من عالية وحيث أن زوجته أصبحت تشك بغيابه المتكرر قرر الزواج مرة ثالثة ورابعة لكي يخفي زواجه من عالية عن أعين أمه التي توعدته بغضب قلبها عليه إن حصل وتزوج منها ....
كانت غالية تراقب ولع هاشم بأختها بحسد وحقد وغل لم تفلح خطتها بإفساد ما بينهما ....تتذكر غالية ذلك الشعور الذي سيطر عليها كلما رأتهما معاً..... كانت في نظرها الأحق بتلك الحياة التي تنعم بها
اختها وذلك العشق الذي أغرقها به هاشم ...وبسبب تلك الغيرة سلكت طريق اللا عودة .....دخلت عالم الفساد والرجال...تهافت عليها الكثير من المقرفين الذي استباحوا الأعراض والأجساد دون وجه حق ...كل أولئك لم يطفئوا نيران رغبتها بهاشم .....
ومن شدة غيرتها قررت أن تحرم أختها من تلك الحياة الكريمة وقررت بما أن هاشم لن يكون لها فهو لن يكون لأختها كذلك ....
فعلتها مرة أخرى وذهبت لزوجته وأخبرتها بزواجه من أختها لتهب العاصفة في البيت الكبير ....لتعاني الحجة رحمة مما عانته بسبب ذلك الزواج *
لا زالت وتين تجلس فوق سريرها التفت فرأت انعكاس صورتها بالمرأة التي تتوسط الحائط أمامها ترجلت عن سريرها واقتربت رويدا رويدا تناظر نفسها همست بوجع محادثة نفسها.....
انا وتين هاشم العزام ....من اليوم وطالع أنا وتين هاشم العزام ...وعمر لااااا إياكي تنسي عمر ... عمر يا وتين ....لا لا تخاف....ما راح أنساك أبداً ...في حد بينسى نفسه...
مررت أصابعها بين خصلات شعرها القصير جدا وضحكت بخفوت ثم علا صوتها أكثر وأكثر إلا أن وصلت لدرجة الغليان سالت دموعها عنوة مطفأة ذاك البركان المشتعل داخلها
كيف تنسى عمر......هذا الاسم المستعار الذي عاشت به وتين جزء من عمرها....عمر هو ذاك الصبي الذي هربت إليه وتين بنفسها من واقع مخجل رسمته لها خالتها غالية بإتقان....نعم هو مخجل لكلا الجنسين ولكنه أخف وطأة على الذكور من الإناث وللأمانة
أخف بكثير.... كانت قد قصت شعرها بإتقان وساعدها جسمها النحيل وعدم امتلاكها لمقومات أنثوية على تقمص الشخصية بإتقان... رغم ملامح وجهها الناعمة جدا ولون عينيها الأخضر الداكن الي يبعث في القلب الراحة والسكون إلا أنها استطاعت بإهمالها لنفسها إخفاء تلك الملامح......ورغم كل ما فعلت لم تسلم من محاولات التحرش التي كانت تتصدى لها بقوة اكتسبتها من خلال عملها كصبي ميكانيك..... كما ساعدتها عناية
الله وحفظه بأن أرسل لها من الأصدقاء خيرتهم ....كان سليم أبرز أصدقائها أو بالأحرى أبرز أصدقاء عمر.....ابتسمت عندما مرت ذكرى سليم في رأسها...
سبحان الخالق المبدع المتقن الذي أراد لذكريات أن تختزل أيام وسنين من عمرنا في لحظات تمر مرور الكرام.....
همهم سليم (صديق وتين)....
عمر.....شو حفظت الي أعطيتك إياهم امبارح
أجاب عمر(وتين) بحيرة
اسمع ...ضليت طول الليل أحفظ فيهم بس هون ما عرفت شو يعني قصدهم..... فكرت بدهم المسافة بس هيهم حاطين ف =٤ م.....طيب شو بدهم ....
رد سليم موضحاً
يا زلمة(رجل) قلتلك ركز ركز بدهم الارتفاااااااااااااع كم مرة بدي أشرحلك إنه الارتفاع مش نفسه المسافة ولك جلطني
هتف عمر بنزق ....
هاي لا تشوف حالك علي لأنك بتروح على الجامعة ترى أنا دافعلك مصاري ما بتعلمني ببلاش
رد سليم بلوم.....
عيب عليك انتبه على كلامك .....أنا حكتلك ما بدي منك اشي إلا توقف على رجليك....ما بدي اضلك هيك الكل بستغلك
رد عمر رافضا لكلامه…..
مين هاد الي بيسترجي (يتجرأ) يدعسلي على طرف ترى باكله أكل ......وزن كلامك
هتف سليم موضحاً لعمر ...
يازلمة مالك عصبت.....أنا ما بدي حدى يوكل تعبك وشقاك.....انت بتشتغل وأبو غريب بحط بكرشه...... بس اذا تعلمت بتقدر تقدم توجيهي وأنا متأكد إنك راح تنجح وبعدين بتدخل على الجامعة.....وبتصير(تصبح) أحلى باش مهندس ولك انت عبببببقري.....بتعرف المشروع الي ساعدتني فيي ولك الدكتور انهبل وانجن عليه.....اااااااخ يا عمر بس لو تحط عقلك براسك وتشد حيلك أخ بس.....
رد عمر بتعب....
هيني شاده .....أكثر من هيك بنقطع ..... والله النوم شرد من عيوني بحط راسي بدي أنام بلاقي السقف عندي س وص...... ف و ع ...بس قلي كيف بدي أقدم التوجيهي ..... يعني قصدي شو لازمني أوراق ... انت بتعرف أنا ما معي أوراق ثبوتيه..... قلتلك قصتي ...
همهم سليم …..
يعني ما عندك شهادة ميلاد أو جواز سفر
همهم عمر موضحاً
يا ابن الناس قلتلك أبوي راح على العراق وما رجع وأمي ماتت وهي بتخلفني ريتني لحقتها.....وما ضل الي حدى
همهم سليم مستذكراً
ااااااه صح قلتلي.....اسمع خلص بسألك حمدي صاحبنا بداوم بالأحوال المدنية إلا ما يكون في حل
هتف عمر برجاء....
إياك يعرف انه أنا المقصود وربي بيكون آخر يوم بينا....
همهم سليم مؤكداً…..
له ياعمر سرك في بير.....يالله سلام بكرة عندي دوام
رد عمر مودعاً…..
الله معك يا خوي
هنا كانت بداية النهاية....نهاية عمر الذي طالما اختبأت بداخله وتين .....
أكاذيب البشر مهما طالت لابد لها أن تنكشف ...كثيراً من قالوا أن حبال الكذب قصيرة ولكن الحياة بينت لنا أنها متباينة الطول ولكنها ذات نهاية حتمية ...منا من يكذب مرغماً ليخفي آلامه وأوجاعه ويرضي ذاته ويشبع إنسانيته ويطفئ لهيب النقص التي تحرق داخله ومنا من يكذب عامداً ليخفي تشوهاته
وأمراضه ويرضي رغباته ويشبع أحقاده ويطفئ لهيب غروره... كانت البداية في حياة وتين هي النهاية لأكاذيب خالتها غالية .....تذكر وتين تلك اللحظات جيداً.....
هتفت وتين بعصبية.....
معقولة!!!! معقولة!!!!تعملي فيي هيك....ليش توخدي منه مصاااااري(نقود) فهميني....أنا حكتلك بديش منه اشي ....
همهمت غالية محاولة استعطاف وتين …..
أنا قلتله بديش منه اشي بس هو أصر....والله هاي أول مرة آخذ منه
ضيقت عينيها باستهزاء وهمهمت .....
عنجد!!!!مني وعلي صدقتك بس مابعرف إذا إنتي صدقتي نفسك .....اسمعيني أنا كل الي طلبته منك يطلعلي هوية مش توخدي منو شيك بأسمي ويجيره الك واصحك تكذبي سليم وضحلي كل اشي.....احنا
اتفقنا انت بحالك وأنا بحالي بس إنك تشحدي علي عشان تشتري دخانك والقرف والسم الهاري الي بتشربي هذا إلي مستحيل أرضى فيه ...أنا عمري ما مديت ايدي لحد ولو بدي اموت من الجوع ما طلبت منه ...وإنك تستغليني اخر اشي راح أسمحلك في لا انتي ولا غيرك سامعة بدك تعطيني العنوان ولا اجيبه بمعرفتي؟؟؟؟!!!!
تأتأت غالية برعب .....
والله والله مسافر.... إجى وأعطاني الشيك وقلي انا راح أسافر وما أرجع وأنا قلتله ....اه قلتله ما بدي منك اشي وانك رافضة اي مساعدة منه و قلي خلص خذي الشيك الك حتى بالأمارة جيرلي الشيك .... اه ولا ليش يجيرلي اياه فكري فيها .....هاد سليم ما بفهم وبس بده يوقع بينا ....
أخذت نفسا عميقا وارتسمت على ملامحها علامات القرف الذي اجتاحها ....دهشت من كمية الحقارة والدناءة التي وصلت لها خالتها هتفت قائلة باشمئزاز.....
لمتى بدك اضلي هيك لمتى بدي استحمل كذبك ووساختك وحقارتك مش بكفي والله بكفي ولك خافي ربك ولك ريحتك طلعت ولك أنا كاشفة كل أوراقك وبعرف إنك وحدة كذابة وواطية وما بهمك بدنيا إلا مصلحتك وبس
همهمت غالية مصطنعة البكاء..
أنا يا وتين هاد الي طلع معك إذا أنا حقيرة الي رماكي وما اعترف فيكي ولا راح يعترف شو بكون.....الحق مش عليكي الحق علي لميتك من الملاجئ كان لازم أتركك تعفني هناك....
ردت وتين بقهر.....
والله والله العيشة بالملجأ أهون علي من العيش معك ومع وساختك.....ترى انتي مش أحسن منه ولا تفكري إنك تحمليني جميلة ترى شفت منك عمايل(أفعال) بعمري ما راح أسامحك عليها .....الله يوخذك لحتى ارتاح منك
اصطنعت غالية عدم الفهم واجابت بمكر.....
انا ......الله يسامحك بس....أصلاً مش من مصلحتك ربنا يوخذني فكري منيح..... اذا الله أخدني وين بدك اتروحي؟؟؟؟؟ .....لمتى بدك اضلي عاملة حالك ولد ؟؟؟؟؟؟.....هيّك بلغتي وبلشتي تحلوّي وتتغيري... وهدول اكبر دليل شو راح تخبيهم كمان......ترى ما بيتخبوا ههههههه .....
صرخت وتين بقرف....
لا تلمسيني ياحقيرة ...والله والله اذا بتفكري تعيديها مرة ثانية إلا اشرب من دمك وإنتي عارفة أنا ما بحكي اشي إلا وبنفذه......وبعدين اشكالك بتعرف الله.....معقولة!!!!
كان اتذكرتي ربنا لما بتجيبي الرجال على الدار وبتنامي بأحضانهم .....كان اتذكرتي ربنا وانتي بتتسممي السم الهاري تبعك.....كان اتذكرتي ربنا لما خليت الكلب الي جبتي معك يتهجم علي ولولا ربي وبس كان أنا هلا نسخة عنك ..... كان اتذكرتي ربنا وانتي بتحزميني وأنا بنت ٩ سنين أرقص للحيوانات زباينك ..... كان اتذكرتي ربنا لما رميتني على
الإشارات أشحد لنصاص(نصف) الليالي عشان تشتري الكيف تبعك كان اتذكرتي ربنا وانتي بتاخديني أخدم فلانة وعلنتانة علشان يخلالك الجو تزبطي جيزانهم ولك ما تركتي اشي وسخ إلا وعملتي فيه لحتى عملتي مني وحش وأول ما نهش إلا وجهك .....اظني الدليل واضح وللعيان ولا بتحبي أعملك رسمة جديدة بوجهك
نظرت لها غالية بغل قائلة.....
والله هذا الي عندي أنا ما بعرف عنه اشي إلا انه سافر ومش راجع بدك تصدقي صدقي واذا ما بدك إنتي حرة ....
ظنا منها انها بهذا الرد أشبعت فضول وتين ولكنها غفلت عن تلك التي تتلمذت على يد الزمن...وقتات على مراره...تلك التي ولدت من رحم المعاناة ...تلك التي جاهدت وحاربت لتكون على قيد الحياة تلك التي طمست جنسها لتأكل من عرق الجباه...تلك التي رفضت العيش بلا كرامة وشرف ورأت أن لا العيش عيش ولا الحياة حياة
نظرت لها غالية وبركان يفور ويفور بداخلها هاجمتها تلك اللحظات بشراسة كيف لا تتذكر ذلك اليوم الذي ربطت به خصر وتين لتقوم بعملها اليومي بعد أن أحسنت ضيافة الضيوف وصبت لهم الكوؤس......لكن ذلك الزبون لم يتحمل جاذبيتها الخارقة فقد كانت جميلة بحق كما خالتها أو أكثر بقليل ....
عينان خضروان وبشرة بيضاء لماعة وفمها الصغير والمرسوم بدقة إلاهية وأنفها الشامخ وجسمها الصغير المنحوت بعناية.... نعم لقد زادها هذا الثوب الانثوي اثاااارة في أعين أصحاب النفوس المريضة وبينما خالتها تلهوا مع الزبون الآخر في الغرفة المجاورة انقض ذلك الحقير مفترساً إياها ورغم أن صرخاتها وصلت جلية لمسمع خالتها إلا أنها لم تحرك ساكناً ...كان أعظم همها كيف ترضي الزبون السخي جداً أما ما يفعله مرافقه خارجاً كان آخر همها .......ورغم هشاشة جسدها أمام جبروت غدره إلا
أنها استطاعت أن تغرس أصابعها في عينيه وفلت هاربة لتختبئ في أحد الأزقة إلى حين مغادرتهم .....ولم تكتفي غالية بهذا بل حاولت أن تجعلها تشرب من المسكرات التي تحضرها طمعاً في السيطرة عليها وضمان طاعتها التامة إلا أن وتين غدرتها بسكينٍ في وجهها تاركة لها علامة لا تنسى ولا تندمل .....كانت غالية ترى أن وتين غريمتها أو بالأحرى كانت ترى فيها وجه أمها الذي يذكرها ببشاعة روحها ودناءة أخلاقها .....ورغم إصابتها بمرض نقص المناعة (الإيدز)والنكسات الصحية التي تتعرض لها من حين إلى آخر إلا أنها أستمرت في عملها الدنيء والمقرف
إن التوبة المزعومة التي تمارسها من حين إلى آخر ماهي
كلمات تقال فهل يتوب الجسد بينما القلب مولعٌ بالمنكرات ؟؟!!!
قررت وتين أن تبدأ رحلة بحثها عن والدها بنفسها .....دون علم خالتها التي أمطرتها بالأكاذيب حتى باتت لا تعرف الصدق من الكذب ... لكنها لا تعرف عنها سوى اسمه الذي لاصق اسمها .....غلب إصرارها في أن تكون كبريائها بأن لا تراه....لذلك قررت
المواجهة ...هي لا تريد منه شيئا إلا تلك الهوية اللعينة التي تستطيع بها الانتساب إلى الثانوية العامة ...خمس سنوات وهي تجاهد وتجاهد مع سليم لكي تتعلم وقد حان الوقت لتحقق حلمها التي تعبت من أجل تحقيقه ...شيءٌ ما كان يحيرها لماذا كتب اسمها منسوباً إليه على الوصل البنكي (الشيك) الذي أعطاه لخالتها التي قالت مراراً وتكراراً أنها لا تملك أوراقاً؟؟!!
من خلال اسمه استطاعت وتين معرفة مكان عمله بعد رحلة بحث استمرت شهراً كاملاً .....علمت أنه يعمل مديراً لإحدى المستشفيات الخاصة والمعروفة على مستوى البلد والدول المجاورة ....ذهبت وتين إلى المستشفى وقد استعدت جيدا لهذا اللقاء وأعدت
العدة لتلك المواجهة....لم تكن بداية اللقاء مبشرة بالخير... فبعد ان منعتها احدى الموظفات من الدخول لغرفة المدير دخلت معها وتين بعراك غير متكافئ البتة ... لقد كانت الموظفة تحاول جاهدة لتهدئتها والتوضيح لوتين أنها لا تملك الإذن بإدخالها بدون صفة رسمية إلا أن لم تعرها أي اهتمام أخذت
تصرخ عليها محدثةً الفوضى حولها وختمتها بضربة قاضية أوقعتها أرضاً..... هرع على إثرها مع الموظفون كما خرج هاشم فزعا يتساءل عن مصدر الصوت .....
ما إن وقع نظره عليها حتى ارتجفت أوصاله وتيبست أوردته وأسر لنفسه.....
عالية...هي عالية...والله العظيم عالية....شو مالك يا هاشم ...عالية شعرها أطول بكثير....وأحلى منها ...ااااخ منك يا هاشم متى بدك تستوعب أنه عالية ماتت ماتت وما راح ترجع اااااااخ يا عالية متي وأخذتي قلبي معك
نعم هي..... ورب البيت هي ....عالية بأول لقاء لنا ....
استفاق من شروده على صوت وتين التي أخذت تصرخ بشدة عندما رأت رجال الأمن يتجمهرون حولها....أخذت وضيعة القتال التي اعتادت عليها خلال مسيرة مكافحتها للبقاء وهتفت.....
الزلمة فيكم يقرب علي والله والله لأخليكم تترحموا عليه
صرخ هاشم بالجميع....
اتركوها......اقترب منها متمعنا بها ليأكد تلك الشكوك التي احتلت عقله.... لقد جاءه التأكيد سريعا .....
مستحيل أن أخطئ فصورة الحبيب بداخلي لم ولن انساها يوما طافت عيناه في ملامحها بشوق ...كان ينوي أخذها بالأحضان هناك شيئا قويا يدفعه لذلك ولكن شيئا ما يمنعه.....استفاق من ذلك الشرود الذي سيطر عليه بمجرد رؤيته لوتين ......نظر حوله ليتأكد أنه لا يحلم ثم أشار بيده للجميع لينفضوا من حوله وهتف بها .....
انتي هون بمستشفى مش بالشارع في ناس مرضى وناس تحت العمليات وناس في العناية المركزة ولا أهلك ما علموكي الإحترام والأخلاق والذوق ....
قالها مجبرا لعلها تجيب إجابة تبدد شكوكه ....
كانت تعلم انه هو ....كانت قد لمحته أكثر من مرة من خلال النافذة عندما كان يركب سيارته الباهظة.... ليست وتين من تخطأ غريمها حدثت نفسها ثم رفعت رأسها بشموخ وبكل الكره والحقد الذي تكنه له أجابت بثقتها المعتادة وبإصرار
والله يا........ولا بلااااش....والله ما لقيت حد يعلمني ولا حد يلمني إلا هالشارع لهيك بتلاقيه موجود بكلامي وتصرفاتي يعني زي ما تحكي هذا الموجود وإن عجبك وإذا ما عجبك طق راسك بالحيطان ما في أكثر منهم
أسمع أنا جاي هون أحكي كلمتين وأروح لهيك ياريت تختصر وبلاش تعملي فيها ابن فرير(ابن أكابر ).....
قاطعها غاضبا من أسلوبها الذي استفزه وأحرجه أمام من تبقى حولهما...لاااا هيك ما بقدر أتفاهم معك
التفت إلى الطبيب الواقف بجانبه وقال له مديراً ظهره لها متجها إلى غرفته ....
شوف شو مشكلتها ما بدي شوشرة(بلبلة) انهي الموضوع بسرعة
وكأنه وجه الحديث لها لتستوقفه هاتفة بعصبية .....
بدي هاشم العزام .....ما في داعي تعملوا عزومة على مشكلتي
كانت تعلم أنه هو ولكنه لم يكن يعلم من تكون هي .....
صدم عندما ذكرت اسمه مجرداً كما من حوله فقد اعتاد أن يلاصق لقب( دكتور )لأسمه ....تراجع عن تقدمه وتلك العاصفة التي اجتاحته عندما رأها قبل قليل أعلنت عن تجددها بكل عنف تسارعت ضربات قلبه والتفت اليها قائلا بلين ....أنا هاشم
أجابت بكل غرور.......بعرف
وأردفت
بدي احكي معك كلمتين راس
مصدوما مدهوشا مصعوقا من هول المشاعر الذي اجتاحته لمجرد النظر اليها وسماع صوتها كانت تقترب منه وكلما اقتربت كلما علا صوت دقات قلبه معلنتاً انتفاضة لم يعلم سببها....لم يكن حالها احسن بكثيرٍ منه و كم تمنت أن ترتمي بحضنه وأن تبكي فوق صدره ولكن ذات الشيء الذي منعه منعها.....لم يعلما بمدى حقارة تلك التي حاكت لهما حياة مزيفة ارتدياها مجبران ....
أماهي لم تجد بديل واضطرت لترضى بما كان متاح .......أما هو فبات يلبسه دون ارادة منه ودون دليل فقد كانت غالية ماهرة جداً وخاطت كذباتها بعناية ....
اقتربت منه أكثر حتى باتت تسمع ضربات قلبه بوضوح وترى توتره جليا بينما استطاعت بشراسة إخفاء توترها اكتسحت علامات البرود وجهها وهمست قائلة...
شوفلك غرفة نحكي فيها استر إلك
مصعوقا من جرأتها خائفا من شبح الماضي الذي رجع لكي يطارده أجاب مشيرا الى الغرفة التي خرج منها .....
اتفضلي
دخلت وتين وهمّ هو ليغلق الباب بينما هتفت به
خلي الباب مفتوح ما تسكروا
نعم لقد اعتادت أخذ احتياطاتها .....لقد علمها (الشارع)أن لا أحد و لا أحد على الإطلاق موثقٌ به ومهما بلغت قوتك وتين
استجاب لها مجبراً فقد بات كمن في دوامة يحاول بأي طريقة أن يستغل هدوئها النسبي ....ترك الباب موارباً وقال مستعجلاً اياها بعد أن نفذ صبره . ......
شو الي بدك اياه احكي بسرعة مين حضرتك وكيف بقدر أساعدك
ضحكت ببرود وهمهمت قائلة...
حضرتي.....بتعرف انه هاي أول مرة بسمع هالكلمة.....حضرتي....والله حلوة ما علينا ..أنا ما راح أخذ من وقتك الثمين اشي بعرف إنك مش فاضيلي.....ولا أنا فاضيتلك أصلاً أنا بدي منك تعملي هوية .....ولا يروح فكرك لبعيد ما بدي منك اشي بدي أقدم لتوجيهي وبعدها ما راح تشوف وجهي وهاد
وعد ......وعد الحر دين ترى هيك الشارع علمني ولعلمك فكرت ترفض بلم عليك المستشفى وأنت شفت بعيونك الي بقدر أعمله وترى هاد نقطة ببحر قدراتي ....ااااه صحيح أنا ما الي علاقة بلي بتاخده غالية منك لعلمك أنا ما بدي من مالك اشي وما بلزمني لأني الحمد بشتغل وبصرف على حالي أنا ما بدخل جوفي مال حرام .....
انتبهت لصدمته التي ألجمت لسانه ......هتفت قائلة....
بحكي معك .....هاي .....هاي أنت .....شو الي صارلك أكل القط لسانك قبل أشوي كنت عامل حالك سبع
لم يحرك ساكناً ....بقي ينظر إليها مصدوما غير مصدق لحديثها الذي انصب على رأسه كما الرصاص ....
تريد هوية !!!!هي من تكون ؟؟؟وما علاقتي انا بهويتها؟؟
هي تعرف غالية!!!!وهي تعلم بأمر النقود وهي لا تأخذها
على مدار تسع سنوات وأنا أرسل شيكا شهريا بإسمها وأزورها كل شهر ولم أراها بتاتا.....هل يعقل أن تلك تكون هي ....ايعقل هذا ....الشبه الكبير بينهما يستحيل ذلك....
ما بين صدمته ومفاجئته فهم هاشم أن غالية كذبت عليه وأن صاحبة اللسان السليط واليد المصنوعة من حديد ماهي إلا ابنته وتين وكما يرى هي ليست مريضة وهي تتكلم أيضاً وليست خرساء أيضاً .... وتتمتع بشخصية ذكورية بحتة من أخمص قدميها إلى أعلى رأسها
ابتدأً من حذائها الشبابي إلى بنطالها وقميصها الفضفاض مروراً بشعرها القصير الذي كانت تخفيه بقبعة شبابية اعتادت ارتدائها همس لنفسها بقهر...
لقد احتالت عليك غالية يا هاشم...احتالت عليك بحقارة غير مسبوقة وقساوة غير معهودة ....وهذه الطفلة ما ذنبها ...لماذا فعلتها يا غالية...ما ذنبها لتفرغي عليها غيرتك العمياء وتمارسي عليها أفعالك المريضة ...ما الذنب الذي اقترفته لتعيش يتيمة لطيمة وأبوها على قيد الحياة ما الذنب الذي اقترفته لتعيش بدون أهل وهوية وأفراد عشيرتها يملؤون البلاد
بينما هو يرى الحقائق تتجلى أمامه لم تكن هي بأحسن حالا منه ......صدمت عندما نفى أنه رماها أو أنه لم يكن يريدها ووضح لها أنه لم يكن يعلم بوجودها إلا بعد سبع سنوات من ولادتها وأنه وعلى الفور وبمجرد علمه بالأمر قام بجميع الإجراءات اللازمة لإثبات أنها ابنته الشرعية وقام بتسجيلها بالأوراق الرسمية باسمه وشرح لها السبب وراء عدم إصدار هوية لها إلى الآن موضحاً أن قانون البلاد يوجب إصدار الهوية لمن أتموا الثامنة عشر من عمرهم
تمضي اللحظات على لقائهم وكأنها دهر أخذت دموعه تنساب بغزارة علها تطفئ تلك النيران التي اشتعلت في جوفه وسياط اللوم تجلد روحه دون رحمة معاتبةً إياها على تقصيره الغير مبرر مهما كانت أعذاره ....لماذا يا هاشم لم تكلف نفسك ولو لمرة واحدة عناء التأكد من رواية تلك الخبيثة وصدق أقولها.....لماذا لم يسارع لاحتضان ابنته حتى وإن كانت مريضة ...لماذا ولماذا ولماذا ...دون إجابة
عم الصمت الغرفة وما أبشعه من صمت .....بترددٍ ملحوظ حاول الإقتراب منها ينوي ضمها إلى صدره .....بعد أن لاحظ جمودها ومعالم الصدمة التي احتلت معالمها وشحوبة وجهها ولكنها رفع يدها بوجهه بمعنى ......لا تقترب
حاولت السيطرة على أنفاسها المتسارعة وأجبرت نبضاتها على التزام النظام والانتظام وحبست دموعها كما اعتادت دائماً واستجمعت شجاعتها التي بعثرتها الحقائق والوقائع واستعادة جرأتها وهمهمت بقهر ووجع
هو صح غالية طلعت أحقر بكثير من ما كنت أتصور .......بس هاد أبداً ما بعني إنك أحسن منها ....بكل الاحوال والظروف وحتى ولو.....ولو يا دكتور قالتلك إني مريضة وإني خرسة وطرشة وعمية أو معي توحد أو مشلولة أو بعين وحدة حتر حتى لو عند رجل أو ماعندي بالمرة حتى لو إني متخلفة عقلياً حتى ولو ....هاد ما بيعطيك الحق إنك ترميني ....معلش أحكيلك يا دكتور إنه
المصاري مش كل اشي....وبتعرف كمان أنه الحق مش على غالية ....أنت وأمثالك سمحتوا لأشكال غالية إنها تتمادا.... يا دكتور في ناس ولادهم معاقين ومقعدين وفي ناس ولادهم متخلفين وما بفهموا شو يعني أب أو أم
بس الأم والأب الحقيقيين ولي عندهم ضمير بيعيشوا عمرهم كله يدعولهم بطولت العمر مهما كان وجودهم متعب ومرهق بالنسبة إلهم فلا تبرر عملتك رجاااااءً واتركني أشرحلك وجهة نظري والحقيقة إلي حضرتك مش حابب تشوفها....
أنت لما عرفت إني مريضة حبيت تتخلص مني وفكرت إنك بكم قرش بترميهم لغالية بتريح ضميرك وبتعمل الي عليك
أنت رميتني بحضن وحدة وسخة وما فكرت بيوم إنك تتأكد من كلامها....لا تقولي إني كنت أرفض اشوفك.... وأه أنا ما بدي اشوفك ويا ريت ما شفتك من أصله. ..أنت بتعرف أنا شو عانيت شو شفت وشو عشت لما رميتني بحضن وحدة........
أخذت نفسا تسحب بها دموعها التي أعلنت عن قرب هطولها....طأطأت رأسها قليلا وسحبت نفسا عميقا بينما هو يهمهم مدافعا عن نفسه معترفا بتقصيره.....
أخذت تتراجع باتجاه الباب رويدا رويدا ثم خرجت راكضةً ً بسرعة .....ركض خلفها محاولاً ايقافها ولكن من اعتادت الهروب كانت أسرع منه واختفت بينما جلس هو يلطم نفسه حاملا خيبته محاولا التفكير بشيء يعوض تلك اليتيمة عما فعله بها وعما سمح لغيره أن يفعله بها.......
رفع هاشم هاتفه وبصوت متقطع ومتعب ونفس متسارع
وألم يقبض صدره تمتم بخفوت .......
قصي......جيب خالد وتعال عندي على المستشفى.... بسرعة أنا بموت ياخوي....
هتف قصي بجزع وخوف.... خير يا أخوي عسى ما شر ....دقايق وبكون عندك
أعاد الاتصال مرة أخرى بعد عدة دقائق تمتم بتقطع ...
وينك...وينك يا قصي
رد قصي بقلق ....
طول بالك ياخوي هيني جاي والله من ساعة ما حكيت معي طلعت ......وهي أبو راشد جنبي كمان
تناول أبو راشد الهاتف وهمهم مخفيا جزعه محاولا تهدئة اخيه ...
هاشم يا خوي.....خذ نفس وطول بالك أهم اشي صحتك غمض عين وفتح عين إلا احنا عندك
همهم بخفوت ...
يلا يا اخوي يلا ....
أغلق الهاتف وفتح أزرار قميصه عله يخفف بعض من الضيق الذي يحتل صدره وأخذ يحدث نفسه بلوم ...
أنت السبب يا هاشم أنت الي أعطيت لغالية الفرصة عشان تستغلك ......
بس التقارير .....التقارير كانت كلها سليمة مية بالمية .....كيف قدرت تتضحك علي .....كيف هيك.......لا تضحك على حالك يا هاشم....أنت كنت بدك تخلص منها وبس ....
يجلد نفسه لائماً دون رحمة بينما الآخر يسابق الريح لكي يصل أخاه الذي اتصل مستنجدا به.....
هتف أبو راشد متسائلاً....
شو صار (حصل)فهمني ...
همهم قصي موضحاً...
والله ياخوي ما بعرف رن علي وقاللي جيب أخوك وتعال ولا تجيب سيرة لمخلوق ينخلق.....بس صوته مش طبيعي أنا خايف عليه أنت شفت المرة الماضية ربنا ستره
رد أبو راشد مؤكداً على كلام أخيه
صدقت والله لولا لطف ربنا ولا الجلطة كانت قوية.....ربك بستر .....الله لطف فيه وبأمي لو صارله اشي والله بتنجن هي لليوم مش قادرة تنسى ابو رعد الله يرحمه
همهم قصي باستعجال معلناً وصوله....
أنزل أنت ....اسبقني خليني أروح أصف السيارة وبلحقك....
همهم أبو راشد الذي دخل غرفة أخيه مسرعاً
يارب.....الله يجيب الي في الخير ...شو مالك ياخوي طمني ....هاشم شو فيي.....مالك ليش وجهك أزرق...
همهم هاشم منتحباً
أخوك ظالم يا خالد....أخوك ما بخاف الله.....أنا رميت عرضي وشرفي .....رميت قطعة مني لكلاب الشوارع تنهش فيها......بنتي بنتي يا خالد .....
دخل قصي الى الغرفة ....صدم بمنظر هاشم الذي لا ينبئ بخير ابتداءً من عرقه المتساقط على وجهه انتهاءً بإزرقاق وجهه المائل إلى السواد
حاول الاثنان تهدئته......اختل توازنه بشكل ملحوظ طلبا منه التزام الصمت واستدعى قصي الطبيب المختص بحالة هاشم والذي طلب نقله الى غرفة العناية الحثيثة سريعا
هتف الطبيب قائلاً....
حكتلك ياهاشم .....العصبية سيبك منها شو ما صار كل شيء الو حل.... بدك تقتل حالك بأيدك انت زلمة(رجل) عندك شرايين مسكرة باي وقت عرضة لسكتة قلبية.....انت طبيب وفش داعي أشرحلك أكثر من هيك ......التفت الى أخويه وقال.....أنا عملت اللازم ولكن ضغطه مرتفع كثير .... ياريت تبعدوا عن اي توتر
أجاب قصي بقلق .... شاء الله.....بس طمني كيف وضعه شو صار معه
أجاب الطبيب غير مطمئن.....
والله يا قصي ما بخبي عليك ....وضعه كل ماله بسوء....
بحاجة لقسطرة ضرورية بكرة بإذن الله راح نعملها
همهم قصي داعياً
يارب.....الله يهونها....
عاد إلى الغرفة حيث أخيه مشيراً إلى أبو راشد التزام الهدوء.....همّا للخروج من الغرفة بعد برهة لكن صوت أنينه الخافت منعهما من ذلك ....همهم هاشم مطالباً بعودتهما ....طلبا منه التزام الصمت ولكنه رفض وتابع كلامه بتعب ملحوظ...
لا.... تج...يبو ....س..يرة لحد... لا نس...واني ....ولا ام...ي....
همهم قصي محاولاً تهدئته....
أنت اهدى وبس لا تحكي الكلام بتعبك
حرك هاشم رأسه رافضاً ذلك وتمتم بتعب.....
... انا... لا..زم....احك...ي.....خا....لد....بن....تي .... اما...نة .....برق...بتك.....و....تي....ن....وتي....ن ....اما....نتكم.....اذا .....صار... لي .....اشي......انصف .....وها
خطي....تها.....بر قبت....كم
قال جملته الاخيرة مبعثرة وغط في نوم عميق على إثر الإبرة المهدئة التي أخذها..... بقي الاثنان على باب غرفته ينتظران صحوته......محاولين عدم لفت الانتباه باقي العائلة لما حصل ....
اتصل أبو صخر ليطمئن عليهم......وخاصة انهم اعتادوا على الاختفاء معا في بيت التلة......طمئنه قصي وشرح له أنهما ذهبا مع هاشم لمناقشة بعض الأمور المتعلقة بالعمل وأنهم سوف يتأخرون بالعودة
بعد مدة من الزمن استيقظ بحال أحسن قليلا.....وأبى إلا أن يسترجل من سريره متجها الى مكتبه طالباً من كليهما مرافقته تبعاه على مضض
همهم قصي محاولاً ثنيه عن الكلام
هاشم يا خوي....يا حبيبي أجل هالحكي لبعدين ما في اشي أهم من صحتك
همهم رفضاً.....
لاء....لازم أقلكم .....يمكن ربي يغفرلي .....
اسمعوني منيح .....قصتي أنا وعالية....
هتف أبو راشد مقاطعا إياه
هلا شو جاب سيرة عالية مش طلقتها وكل واحد راح بحال سبيله ..... خلص ياخوي لا اضل تدور وراها بكفي من يوم ما عرفتها وأنت ما شفت الخير
هتف هاشم غاضباً....
لا تجيب سيرتها بالعاطل......انتو ما بتعرفوا اشي .....
أجلسه قصي مهدئا إياه......طالبا منه التكلم بهدوء وروية بينما طلب من الاخر التزام الصمت ......لطالما كانت عالية لغزا غامضا ولطالما تمنى قصي أن يفهمه
همهم هاشم موضحاً ....
يوم ما رحت على دار الرعاية.....هالحكي قبل ٢٥ سنة أو أكثر... تعرفت على عالية هناك ولما كشفت عليها كان عندها نزيف رحمي شديد......طلبت نقلها لعندي على المستشفى
عالية كانت ما بتحكي أو هيك أنا فكرت ....كان الها أخت نسخة طبق الاصل منها اسمها غالية ..... الفرق بينهم لون الشعر بس كان عمرهم ايامها ١٧ سنة .....بالمستشفى اعترفت لي غالية انه اختها اتعرضت للإغتصاب عدة مرات وهاد أدى الى تهتك بالأعضاء التناسلية مما سبب الها نزيف دائم وطبعا المسؤولين
الي هناك غطوا على بعض وطمسوا الحقيقة واتضحلي انهم مشتركين مع بعض.... ناس اغتصبت وناس قبضت وبما انه عالية ما بتحكي وما في حد يسأل عنهم راحت القضية طي الكتمان وما حد عرف سر عالية ......
بعد مدة وخلال وجودها بالمستشفى لمتابعة العلاج عرضتها على طبيبة نفسية أكدتلي أنه عالية مش خرسة وهاد الاشي أكدته التحاليل الي اعملتها وما كان فيها أي سبب طبي بمنعها من الكلام ومع الايام البنت رجعت تحكي
وأكدت رواية أختها وبلغت الدكتورة النفسية المسؤولة عنها أسماء الاشخاص الي اعتدوا عليها
طلبت مني الصحافة إني أنشر قصتها وأخليها رأي عام....رفضت لأني حبيتها وخفت عليها من حكي وكلام الناس وخفت من أمي لو عرفت إنها لقيطة ما تقبل بزواجي منها .....
كانت هاي أول مساومة أبيع فيها حق عالية ....
المسؤولين بدار الرعاية عرضوا علي إخلاء سبيلهم على أساس أنهم طبقوا ١٨ سنة حسب قانون دور الرعاية والي بسقط حق الدار بالوصاية على كل لقيط أو يتيم طبق ١٨ سنة وبمنع بقائهم بدار تحت طائلة المسؤولية
خبيت على أمي وضعها كامل وما كان عندي علم مين الي قاللها وخلاها تتراجع عن موافقتها على زواجي من عالية... ومثل ما بتعرفوا اتزوجت أم حسام عشان ارضي أمي أكيد بتذكروا قديش حاربتني وقاطعتني وأنا ما هان علي كله بهون قدام زعل أمي وحرفياً أيامها دعست ٧لى قلبي وحطيت على الجرح ملح بس ماااا تحملت أبداً
بعد فترة اتزوجت عالية بالسر .... كمان ما كنت بعرف مين الي بلغ إمي عن زواجي منها
ولما إمي خيرتني بين عالية ورضاها رفضت أطلقها وعندت ومثل ما بتعرفوا توفى سيدي وخوالي منعوا أمي تشوف أبوها .... كنت بعرف أنه أمي مستحيل تسامحني لأني مهما عملت ما راح تتكرر ومستحيل أقدر أعوضها عنها بس طلقت عالية لما ستي توفت ما قدرت أكرر الموقف نفسه ما هانت علي أمي ... وتحت رغبة أمي قطعت علاقة فيها نهائياً والتهيت بشغلي وولادي .... الاختيار كان صعب جدا وكانت هاي ثاني مرة اخذل فيها عالية .....
همهم أبو راشد بعد أن لاحظ إصفرار وجهه...
خلص يا اخوي بكفي بكرة بتكمل وبتحكيلنا شو ما بدك ....شوف كيف ارجعت تلهث
أشاح هاشم بيده رافضاً وأكمل قائلاً
الله بس بعلم إذا معي وقت أو لاء....الخطية برقبتكم اذا بصيرلي إشي تنصفوا هالبنت الي أخوكم ظلمها وظلم أمها......
أنا بعد ما طلقتها بعتلها (أرسلت لها) مع صديق الي مصاري تأمن حالها فيهم ..... وشريت البيت الي هي ساكنة في وكتبته بإسمها.....بعتتلي خبر إنها حامل أنا ما صدقت لإنه التقارير كلها بتثبت انو مستحيل انها تحمل بعد الي صار فيها....وكنت حالف يمين لأمي إني ما أشوفها وكنت متأكد إني إذا رجعت أشوفها راح أضعف وأرجعها لذمتي وترجع المشاكل من جديد وفكرت (اعتقدت)أنها بتحكي هيك لحتى أرجعها لعصمتي ..... طبعاً ما اهتميت ولا حتى فكرت أتأكد من صحة كلامها
سافرت لمؤتمر طبي بنفس الشهر الي ولدت في عالية وتين.......هاد الي عرفته بعدين....(فيما بعد)
ومثل ما سمعتوا أنا سمعت إنها ماتت وهي بالعمرة
صابني اكتئاب وزعلت كثير عليها وكلكم بتعرفوا الحالة الي مريت فيها ....بموتها انقطع كل شيء بينا
وبعد ٧ سنين بزبط ما شفت إلا غالية بوجهي وجايبة(أحضرت) معها تقارير بتثبت انه وتين بنت عالية وبنتي وانه البنت بتعاني من ضمور بالدماغ أثر على حركة أطرافها وخلل جيني بسببه كانت تميل للعزلة والعنف بشكل كبير.....والله العظيم التقارير كانت سليمة وأنا أخوكم الي ما بخاف الله ما حاولت أتأكد من صحة كلامها ... أنا كنت أناني .....أنا ما كنت بدي اياها ....كانت اموري كلها ماشية بخير وسلامة كنت خايف إذا أخذتها وجبتها ترجع المشاكل ووجع الراس ....
سكت قليلا ......ثم طال سكوته ......ثم اجهش بالبكاء وأردف قائلا.....للمرة الثالثة .......خذلتك يا عالية ...
تركت البنت عند خالتها بس سجلتها باسمي وكتبت الها نصيب زيها زي اخوتها بس ما جبت سيرة لحد عنها......كنت اروح ازورها والله كنت أروح .....بس كانت ترفض تشوفني ......هيك كانت خالتها تفهمني.....وأنا ما صدقت حد يزيح عني هالهم ما راح أنكر .....
هو كان قرار صعب صعب جدا كنت راح افتح على حالي أبواب أنا بغنى عنها
اكمل وعيون ثلاثتهم تسكب الدمع
أخوكم مش زلمة......ما تحملت نتيجة أعمالي ونزواتي...
كان المفروض أخذها بحضني غصب عن الكل.......كان المفروض أحميها وأسندها بس أنا رميتها أخوكم راح يتحاسب حساب عسير .....أخوكم ظالم ظالم .....
*هنا كانت بداية الحياة بنسبة لوتين .......
فبعد اسبوعين من الحادثة ذهب قصي وخالد برفقة هاشم الى تلك الشقة التي تسكن فيها غالية ومع التحقيق معها بحضور وتين اعترفت بكل ما اقترفت يداها ولكنها أوزعت أفعالها القذرة إلى ما مرت به خلال حياتها وعن رفض المجتمع بالاعتراف بها كجزء منه وأنه لا ذنب لها بما أجرم هؤلاء باسم الحب ولكن يا غالية ما ذنب وتين بتلك الأمراض النفسية التي احتلت صدرك وذلك الحقد الذي أعمى بصرك وذلك اللئم الذي اجتاح قلبك وذلك الموت الذي استولى على ضميرك ..... لماذا يختار أمثال هؤلاء الانتقام ممن ليس لهم حولاً ولا قوة ...لماذا يجرمون بحقهم ويجبرونهم على العيش في جلبابهم ؟؟؟!!!لماذا؟؟؟!!!!
بعد ذلك قرر هاشم أخذ وتين لتسكن معه بعد محاولات عدة محاولاً كسب ودها وتعويضها عما بدر منه ...
هذا الأمر كان قد سبب خلاف بين الحجة وأبنائها الذين انقسموا نصفين بين مؤيد ومعارض...... ولكنها وتحت ضغط الأمر الواقع تقبلتها ولكنها طلبت أن تبقى بعيدةً عنها فأسكنها بيت التلة الذي كان الجميع يتخذه مصيفا لجمال الطبيعة من حوله وهدوئها واعتزل جميع نسائه وخصص معظم وقت لبنته المحرومة منه لسنوات ......
أغرقها والدها حب وحنان.... أشعرها بالحنان والسند والحماية وعبر لها عن أهمية وجودها بحياته... وذلك ما أثر بها بشكل كبير ...كيف لا وهي المتعطشة إلى ذلك الحضن الدافئ الذي ترمي به همومها وذاك السند والأمان التي تمنته في لياليها وذاك الحب الذي عاشته بأحلامها
أدخلها إلى المدرسة وأحضر لها من المعلمين والمعلمات ما يعوض به حرمانها من الدراسة لسنوات رغم أنها كانت تحفظ معظم الأساسيات من سليم سابقا واعترف الجميع بسرعة بديهتها وذكائها الملحوظ وقوة الإرادة لديها لتكون وتين ما أرادت أن تكون ....
أصبحت وتين بنسبة للجميع حقيقة رغم مرارتها بحلق البعض..... لم يمضي وقتا طويل حتى كان للقدر رأي آخر
كم هو صعب وصعب جدا أن تجد نفسك مجرداً من ذلك العوض الذي انتظرته طويلا....
كان هذا إحساسها عندما تعرض أباها لجلطة قلبية مفاجئة سببت انغلاق بعض الشرايين والأوردة القلبية فاضطر الأطباء عن الإفصاح عن حاجته لعملية قلب مفتوح مستعجلة وخطيرة .........*
هناك في بيت الحجة رحمة اجتمع الجميع على مائدة العشاء....السعادة كانت تغمر الحجة رحمة بوجود صخر الذي حضر بعد إصرار رعد وخوفاً على غضب عمه قصي الحبيب
مكانة صخر في قلب الحجة رحمة لا تقل عن مكانة رعد وربما أكثر فهو حفيدها المنتظر الذي حمل اسم جده بجدارة وأثبت للجميع مقولة (ليس الفتى من قال كان أبي بل من قال ها أنا)
أصرت الحجة رحمة على بقاءه في بيتها وطلبت من أبيه وجميع أعمامه تناول طعام العشاء معها هم وجميع أحفادها
بعد الانتهاء من تناول الطعام خرج الشباب للجلوس بالحديقة الخلفية التي تتوسط المنزل الحجة رحمة ومنازل أبنائها بينما اجتمعت الصبايا كالعادة في المطبخ الكبير يحضرون الضيافة على مختلف أشكالها وألوانها
تجلس الحجة رحمة وسط أحفادها تنظر بوجوههم واحد تلو الأخر وسعادة غامرة تملئ قلبها بما استطاعت أنجازه يتبادلون أطراف الحديث يتسامرون ويتمازحون و يضحكون
كل ذلك وهي تراقبهم بغبطة تذكر الله في كل دقيقة وتستودعهم في ودائعه من عين حاسد إذا حسد
تلهث بالدعاء إلى الله أن يبعد عنهم شر خلقه وتدعو لهم بالعمر المديد وصحة حديد.....
تلك هي الجدة الأم التي لا يحلو العيش إلا بها.. لمن لم يذق تلك اللحظات في عمره اقول لك لقد فاتك وفاتك و الكثير ....معهم كانت أجمل لحظات العمر وأجمل الذكريات وأغلى اللحظات وأحلى المناسبات وأدفئ الكلمات ...
بيت الجدي والجدة واللمة في بيتهم والحب في بيتهم والحنان في بيتهم والدروس والحكم والمواعظ لها طابع خاص.....رحمك الله يا جدي وجعل قبرك جدتي روضة من رياض الجنة
وقف قصي منهيا هزلهم ومعلانا عن المصيبة القادمة على حد قول الحجة رحمة.....
صدح قصي قائلاً .....
يما بكرة راح أجيب وتين تعيش معك
هتفت رحمة باستنكار.....
هو أنت يا ولد بتقدرش تشوفني قاعدة ومبسوطة إلا تغم على قلبي وتذكرني بهالمصيبة
ردد قصي ممازحاً
اعتبريها صخر ورعد هيهم رايحين جاين ما ضل طبخة ولا نوع حلو ولا أكل ولا شرب إلا وحطتوه ....لسى وتين بتكسبي فيها أجر أكثر من هالبغلين
أشاحت بوجهها جانبا وعقدت الحاجبين لم تكن كلمات قصي تعجبها همهمت قائلة ....
هذول لثنين بذات ما حد زيهم حتى ولادي الي من بطني مابحبهم قدهم منيح هيك يلا انفشيت حضرتك
رد راشد معترضا.....
وانا يا ستي مش معهم الله يسامحك
أيده سيف قائلاً....
وأنا حبيبك آخر العنقود الي تربيت على ايدك أنا هون هون اطلعي علي هيك بتخوني حبنا .....الله يسامحك....
همهم يوسف مستغرباً.....
أخر العنقود؟؟؟؟
رد سيف بنزق...
إخرس عاد ومشيها
هتف يوسف قائلاً
ياله ما علينا......وأنا أنا على أساس روحك وعينك كمان وايدك اليمين ولاااااا بس روح جيب روح اشتري روح بدل روح موت.....وبالأخير بصفي صفر على الشمال....
قاطعهم أبو راشد مؤيدا قول قصي وبشدة منهيا هزل الشباب من حوله قائلا
يما أظن حكينا بالموضوع وانتهى صح.....ولا لازم انضل نعيد ونزيد
مال صخر على رعد مستغلاً انشغال أبيه وأعمامه بالحديث مع جدته وهمس قائلاً....
متى قرروا يجيبوها هون.....مش أعطوها البيت الي على التلة؟؟؟
همس له رعد موضحاً
أعطوها اياه بس عمامي مصرين أنها تسكن هون قال بنت ومش لازم اضل لحالها
همهم صخر....
معهم حق.....أصلاً أنا مستغرب ليش المرحوم عمي ما جابها من زمان......في حدى بترك بنته تعيش
لحالها ؟؟؟؟؟شو كان بتهيئله مش فاهم
همهم رعد ....
والله ياخوي هالوتين هاي وراها بير أسرار وقصي وعمي أبو راشد عندهم السولافة كاملة بس الأستاذ قصي عامل فيها الشيخ أبو همام ومش قابل يحكي اشي......ومحسوبك راح أفقع وأعرف القصة من طق طق لسلام عليكم ...هو على كل الأحوال راح أعرفها إذا مش برضاهم بعرفها خاوة (غصب)
همس صخر ببرود ....
طيب.......ماشي
همهم رعد مستغربا
طيب ؟؟؟؟هاد الي طلع معك!!!!ولك انا راح أموت وأعرف وأنت ولا على بالك
همهم صخر موضحاً ....
لا بموت ولا على بالي الخبر اليوم بفلوس بكرة بتشرف وتين وبصير ببلاش .....هي مش السنة الماضية قدمت توجيهي
أجاب رعد موضحاً....
اه...قدمت لما كان عمي عايش... وعلى الأغلب رسبت لأنه ما جابوا سيرة الموضوع نهائي
همهم صخر ....
أنا متأكد إنها قدمت ...لأنه عمي يومها رن علي بدو واسطة عشان يرفعوا اسمها للوزارة .....كأنها كانت تاركة المدرسة من زمان أو مش عارف بزبط شو الي حصل معها وعلى أساس إنها تكمل تعليمها علشان يسلمها إدارة المستشفى.....
همهم رعد باستنكار....
عنجد بالله عليك مهو اشي بقهر ....ليش يسلمها إدارة المستشفى؟!!!.....مين هي علشان تستلم هيك مركز....بتعرف معو حق حسام ينجن ....اطلع كيف قاعد
لا من تمه ولا من كمه زي البسة الي ماكلة ولادها
ابتسم بخفوت كعادته ورد قائلا بمكر.....
لا حبيبي هو قاعد يسجل لماما شو بصير هون .....حرف حرف.....حتى النفس بسجله.....بكرة بتشوف خالتك المصون شو راح تعمل بعد ما تسمع الأخبار .....
رد رعد بغضب مصطنع
ولك احترم نفسك ترى هاي خالتي أخت أمي مزع يمزعك.....بتحب حدى يحكي على خالتك
رفع صخر حاجبه بمكر وما زالت ابتسامته مرسومة تزيده وسامة مما هو عليه وهمهم قائلاً.....
الحمد لله ما الي خالات لهيك خذ راحتك احكي لما تشبع
قاطع قصي استرسالهم بالحديث قائلاً
والله ياريت اضحكونا معكم.....أموت وأعرف شو الي بضحك حضراتكم
همهم صخر بخبث....
شو بشوف مش قادر اتسيطر على حالك... الغيرة ذبحتك أبو غيث....ولا ليث ....شو سمته المدام
قهقهة رعد بعفوية قائلاً
بصراحة ندفك صاروخ أرض جو أنا بحكي التزم الصمت اشرفلك....
هتف قصي الذي أمسك بكوب الماء الذي أمامه ورشقه بوجه صخر ....
عنجد ......طيب .....هيك شو رايك
صرخ صخر شاهقاً
انت مجنون ...ثم ما لبث أن حمل الكأس الأخر وسكبه فوق رأس عمه
هتفت الحجة رحمة بخوف.....
لا ترشقوا بعض بالمية......فال مش منيح .....رشق المي عداوة اقعدوا عاقلين.....أقلكم كل واحد على داره يلا أشوف من غير مطرود
هتف قصي غامزاً رعد .....
بطرديني يما طيب هيني حردت خليت الدار الك ولحبايبك بس بحب اذكرك هاي دار أبوي وبتحرميني أنام فيها
هتفت الحجة بنزق
على أساس بتحكم على كل....... مهو الست يارا بتضربك إذا نمت برى الدار....
أطلق صخر ضحكة مجلجلة وهتف قائلاً ....
أنا بحكي روح قبل ما تشلحك أواعيك.......خليك مستور أفضل
تساءل رعد بخبث موجهاً الحديث لصخر.....
شو مش ناوي تروح مع أبوك
قاطعته الحجة رحمة مجيبة ....
اه ولااااا بدو يروح (يرجع)ينام ليلة عند أبوه .....ومن بكرة بيجي هان يقعد مع سته.....بدي أشبع منو حبيب قلبي
زوره صخر بنظرة ثلاثية الأبعاد متوعداً إياه بالكثير وردد قائلاً
إن شاء الله بكرة بشوفك وبنتفاهم .....
أردف موجها الحديث لوالده متناسيا غضبه منه .....
يابا .....خلي سيارتك هون واطلع معي...بكرة الجمعة وعلى كل الأحوال راح نجتمع هون....بكرة بتروح فيها انت وأمي وسوزي لأني بعد بكرة مسافر
قاطعته الحجة رحمة رافضة.....
وين مسافر ومش مسافر.......ما الك طلعة من هان بدي إياك جنبي الله أعلم شو يصير ....الله يستر من الي الجاي
همهم أبو صخر محوقلاً....
لا حول ولا قوة إلا بالله ....حسستيني(أشعر) إنك داخلة على حرب .....ترى هاي بنت مش غولة
زورته الحجة رحمة بعينيها وأجابت
بنات اليوم بدهن طخ ......الله اعلم شو بدها تعمل فينا قلبي ناقزني
انفض الاجتماع بين مؤيد ورافض وأخذ الجميع يقضي حوائجه بينما جلست الحجة رحمة تفكر بيوم غد وما يحمله بين طياته من خبايا ….
