CMP: AIE: رواية ولعشقها ضريبة الفصل الخامس والسادس بقلم اسراء علي
أخر الاخبار

رواية ولعشقها ضريبة الفصل الخامس والسادس بقلم اسراء علي


رواية ولعشقها_ضريبة

الفصل الخامس والسادس

بقلم اسراء علي



إرتشف من كوب الشاي بـ تلذذ ثم قال وهو ينظر إلى شريف الذي لا يزال يُعاني من أثار الصدمة


-بشحمه ولحمه...


لم يُخفض شريف سلاحه بل ظل موجهًا إلى جاسر الذي نظر إليه بـ إستخفاف..ثم       رفع كوب الشاي وإرتشف منه مرة أخرى فـأثار حنق الأول ليقول بـ حدة


-أكيد مش جاي عشان تشرب شاي!

-ضحك جاسر ثم قال بـ تهكم:شوف أنا عارف إن الظُباط أذكية..بس متوقعتش أنكم بـ العبقرية الفذة دي!!...


لم تتغير ملامح شريف الجامدة وظل ينظر إليه بـ خواء..بينما جاسر ينظر إليه بـ إستمتاع مُغلف بـ غضب وقتامة


عض شريف على شفاه السُفلى ثم أخفض سلاحه وتشدق بـ تهديد مستتر


-أنت عارف أنك بترتكب جريمة!!..إنك تتهجم ع بيتي..دي اسمها جريمة

-إرتفع حاجبي جاسر بـ تعجب مُصطنع:جريمة!!..إيه يا راجل..طب أنا داخل البيت من بابه حتى أسأل البواب...


تقدم جاسر منه بينما بقى شريف ينظر إليه بـ تعبير جامد يخفي خلفه غضب وحنق..ربت على منكبه ثم همس بـ فحيح مُحذر


-اللي يقرب من مراتي..أمحيه من على وش الأرض..بلاش خيالك المريض يصورلك أحلام مش هتحصل...


إبتعد ينظر إلى ملامحه التي إسودت ولكنه لم يُبالي وأكمل بـ نبرة قاتمة


-أنا راجل حقاني..بحذر مرة واحدة بس..والمرة التانية بسيب شيطاني يسوقني

-مش هبعد عنها...


قالها شريف بـ جمود وهو ينظر إلى جاسر..ثم رفع يده وأبعد يد الأخر عن منكبه..لتزداد قتامة ملامحه وهدر بـ نبرة مُخيفة


-أنت عارف مين جاسر الصياد..وعارف قادر أعمل إيه مش كدا ولا إيه؟!...


ثم تحرك دون أن يلتفت إليه وهو يحاول جاهدًا التحكم في أعصابه حتى لا يقتله الآن..بينما إلتفت إليه شريف وهتف بـ ما أقفد جاسر باقي ذرات عقله


-تراهني إني أقدر أكسب قلبها!!...


تحولت عيناه العسليتان إلى أخرى مُخيفة وفي ثوان كان جاسر يقذف الكوب بـ وجه شريف لينسكب المحتوى الساخن على وجهه..فـ صرخ      مُتألمًا من سخونة التي أصابته..وقبل أن يستوعب كان جاسر يقبض على عنقه بـ قوة ثم هدر بـ صوتٍ إهتزت له حوائط المنزل


-مراتي مش حتة أنتيكة عشان نتراهن عليها فـ مزاد علني..فـ ألزم حدودك ومتتخطاش الحدود الحمرا...


ودفعه ثم باغته بـ لكمة أردته أرضًا..سحب سلاحه من خصره و وجهه إلى المسجي أمامه..ليهدر مرة أخرى بـ نبرة سوداوية


-أنا ممكن أقتلك دلوقتي ومحدش يقدر يقولي تلت التلاتة كام..بس أنا مش هوسخ إيدي بـ دم واحد *** زيك

-هتف شريف وهو يمسح الدماء عن فمه:صدقني هيجي اليوم اللي هتحضر فيه فرحنا...


إنطلقت رصاصة بـ جانب عنقه أصابته بـ جرح سطحي فـ تأوه شريف..أخرج سلاحه وكاد أن يصوب على جاسر إلا أنه كان الأسرع وأطلق رصاصة أخرى على سلاحه فـ سقط أرضًا...


تقدم جاسر منه ثم جثى على رُكبتيه وهدر بـ فحيح أفعى مُرعب


-وقبل اليوم دا هيكونوا بيشيعوا جنازتك...


نهض عن الأرض ليرمُقه بـ نظرة أخيرة قاتلة ثم تحرك عدة خطوات قبل أن يلتفت      مرة أخرى وأخذ يُطلق الرصاص بـ عشوائية تُصيب ما تُصيب حتى أحدث فوضى عارمة...


ساد السكون عدى صوت أخر رصاصة فارغة تسقط أرضًا..رمقه مرة أخرى بـ نارية مُشتعلة ثم هدر بـ تهكم


-إبقى إتصل بـ الإسعاف الأول...


ثم تحرك إلى الخارج ليأتيه صوت شريف الصارخ


-مش هسيبك يا صياد..هفضل وراك لحد أما أحطلك الكلبشات فـ إيديك

-وضع جاسر يديه في جيبي بنطاله وقال بـ برود ساخر:وأنا هكون فـ إنتظارك...


ثم رحل تاركًا خلفه شريف الذي أخذ يسبه ويلعنه فـ قد أخذه على حين غُرة وتركه مُصاب..ذلك اللعين يُريد اللعب..إذًا فليكن..كانت عيناه تُقسمان أن تجعلان روجيدا ملكه...


**************************************


إنطلق بـ سيارته بـ عنف وغضب..ذلك الحقير أخرجه عن هدوءه الذي ظل مُتسلح      به لساعات دامت ينتظره ويبحث عن من يكون..وكيف يغفل عن ذلك الضابط الذي إعتقله مُنذ سنوات بـ قضية قتل جابر الهواري بـ مُساعدة سناء


 الهواري..تلك الشمطاء التي أقسم على أخذ روحها بـ يده ولكن قدر الله سبقه..إذ قُتلت على يد إحدى المسجونات قد تطاولت عليها بـ السباب لينتهي بها الأمر مقتولة بـ المرحاض...


صفّ سيارته أمام بنايتها..ثم ترجل من السيارة بـ عنف وتوجه إلى الأعلى..طرق الباب بـقوة أفزعتها لتفتح الباب وما أن وجدته حتى أغلقت     الباب بـ وجه بـ عنف..إستشاط جاسر غضبًا وأخذ يطرق على الباب بـ عنف يوازي غضبه ثم هدر بـ صوتٍ جهوري


-إفتحي الباب يا روجيدا أحسنلك...


تحدثت من خلف الباب من بين أسنانها هاتفة بـ تحذير


-وطي صوتك بلاش فضايح...


أخذت طرقاته تشتد عنفًا حتى ظنت أنه على وشك إقتلاع الباب وهو يهدر بـ صوتٍ حاد


-إفتحي الباب وتتجنبي الفضايح...


ولكن روجيدا ظلت على عنادها فـ عقدت ذراعيها أمام صدرها بـ غضب وهى تسمع     طرقات جاسر تزداد عنفًا حتى أن الباب بدأ يتحرك..سمعته يصرخ بـ صوتٍ شق سكون الليل


-إفتحي يا روجيدا..يا إما هكسر الباب...


ولكنها لم ترد عليه..شعرت بـ سكون الطرقات وهدوء ساد الجو المُحيط..فـ توجست خفية من هدوءه المُفاجئ..تحركت بـ خطى بطيئة تستكشف ما يحدث بـ الخارج..ولكنها ما أن تقدما



 بضع خطوات حتى تراجعت أضعافهم تبعها بـ صرخة مذعورة وهى بـ الفعل ترى الباب يُكسر ثم رأته يقف أمامها بـ هيئته المشعثة وعيناه التي تُطالعانها كـ جمراوتين من النار...


لهثت بـ خوف إثر صعود وهبوط صدرها بـ ذعر..صفع جاسر الباب بـ قوة إنتفض      لها قلبها من بين أضلعها..نزع عنه سترته وبقى بـ كنزته القطنية الصيفية لتظهر عروق ذراعيه النابضة بـ غضب فـ أصابتها بـ هلع أكبر


ظل جاسر ينظر إليها بـ نظرات حادة كـ الصقر..قذف السترة بـ عنف على الأرضية السيراميكية وتقدم منها وهى تتراجع بـ خوف يتقافز من مُقلتيها..تشدق بـ همسٍ حاد


-ممكن أعرف العرض الرخيص اللي حصل دا ليه!

-جزت على أسنانها بـ غضب وهتفت:عرض رخيص!..ولما هو عرض رخيص جاي تسأل عليه ليه؟!...


أخذ جاسر يتقدم منها بـ مهارة ذئب قد ظفر بـ فريسته ثم تشدق وهو يقف على بُعد خطوتين منها بـ نبرة هادئة ولكنها تُسري الرعب بـ القلوب


-سؤالي مش هكرره..فـ متخليش صبري ينفذ

-أشارت بـ يدها إتجاه الباب وصرخت بـ حنق:جاسر إطلع بره..إحنا فـ نص الليـ...


ولكنه قطع حديثها وهو يجذبها من خصرها إليه بـ قوة عنيفة أدت إلى تناثر خُصلاتها      على وجهه..إرتفع وجيب قلبها بـ خوف وقد إتسعت عيناها بـ صدمة ثم صرخت بـ حدة وهى تتلوى بين يديه


-إيه اللي أنت بتعمله دا!

-تشدق بـ برود:مردتيش عليا!...


حاولت الفكاك من بين يديه ولكنها كانت كـ من تُزيح جبل فـ هو لم يتحرك إنش واحد..أُنهكت قواها وعلا صوت لُهاثها ثم قالت بـ يأس


-عاوز إيه يا جاسر!

-إرتفع أحد حاجبيه وتساءل بـ حدة:كنتي بتعملي إيه مع الـ *** اللي كنتي معاه؟!...


وضعت يدها على صدره كي تستند عليه وقالت بـ خفوت


-عزمني ع الغدا فـ وافقت...


صرخت روجيدا بـ ألم وهى تستشعر يده تشتد على خصرها بـ قوة كادت أن تشطره إلى نصفين..رفعت عيناها إلى عيناه التي تحولت إلى القتامة فـ هتف بـ خفوت خطير


-وتقبلي دعوته بـ مناسبة إيه!!

-هتفت بـ تألم:جاسر إيدك...


زاد من ضغط يده عليها فـ إزداد صوت تألمها..مال جاسر إلى أُذنها وهمس بـ تحذير


-بلاش غيرتي يا روجيدا..كل اللي أنتي شوفتيه مني قبل كدا مش هيجي نقطة فـ بحر من اللي هعمله...


ثم إبتعد عنها ونظر إلى عينيها مُباشرةً وظلت هى تنظر إليه بـ عينين مُتسعتين وقلب      يخفق بـ رعب..شدد جاسر على خصرها وجذبها أكثر إليه حتى أصبحت لصيقة لأضلعه..إستشعر دقات قلبها التي تضرب صدره بـ سرعة جنونية فـ إبتسم..همس وهو يقترب من وجهها


-حتى لو مبقتيش مراتي..فـ أنتي ملكي..وهثبتلك دلوقتي...


إزداد إتساع عينيها بـ رهبة وهى تراه يميل إليها..حاولت التملص منه ولكنها كانت      كمن يُزيح حائط..مال جاسر إلى عنقها البض وقبله بـ شراسة وقوة ليُدمغه بـ علامات ملكية تدُل على إنها إن كانت ملكًا لأحد فـ لن يكون سواه...


تأوهت روجيدا من شراسته وتساقطت عبراتها بـ غزارة..ظلت تضرب صدره حتى إبتعد      عنها بـ إبتسامة ظافرة وهو ينظر إلى عُنقها المُدمغ بـ علاماته..رفع يده إليها يتحسس تلك العلامات فـ تأوهت..مط شفتيه وقال بـ أسف


-أسف لو كنت وجعتك..بس دا عشان تحسي بـ وجعي وناري لما بشوف راجل بيقرب منك...


وختم حديثه بـ قُبلة رقيقة على نحرها تُنافي عنف الأخريات وكأنه يعتذر لها عن عنفه وشراسته...


ترك خصرها فـ كادت أن تقع إلا أنه أمسكها بـ حرص ثم وضع يد خلف ظهرها والأُخرى أسفل رُكبتيها وحملها إلى الأريكة..وضعها عليها وتوجه إلى المطبخ ثم عاد حاملًا معه كأسًا من الماء..جثى على إحدى رُكبتيه وقدم إليها الماء


لاحظ إرتعاشة يدها وعدم قدرتها على حمل الكأس فـ أخذه من يدها وساعدها على      إرتشافه..كانت قطرات الماء تتساقط على عنقها وصدرها اللاهث..بقى جاسر يُراقبها بـ إستمتاع وحب..وضع الكأس من يده وتساءل بـ حنو


-أحسن؟...


أومأت بـ رأسها بـ صمت لترتفع يده إلى نحرها وأزال قطرات الماء عنه بـ إبهامه..كانت        حركاته رقيقة ومُثيرة في آنٍ واحد..كتمت روجيدا أنفاسها وإشتدت قبضتها على الأريكة فـ أغمضت عيناها تتهرب من نظراته التي تقتلها لتجده يهمس بـ حرارة


-إفتحي عينيكي...


هزت رأسها بـ نفي..فـ إبتسم وعاد يطلب بـ صرامة لطيفة


-بقولك إفتحي عينيكي...


وكانت مسلوبة الإرادة وهى تفتح عيناها بـ بطء لتواجه عيناه العسليتان التي لا تقل توهج عن فيروزها..إقترب جاسر بـ رأسه وهو يُعمق نظراته إليها ثم قال بـ نبرة دافئة


-عنيكي بحر هايج وأنا سبّاح غشيم فـ سبيني أغرق فيهم..سبيني أغرق فيكي...


زفرت نفسًا حار أوشى بما يموج في نفسها من مشاعر مُتخبطة..ضربات قلبها التي إزدادت أكثر وبعض رفرفات جناحي فراشات أسفل      معدتها تُنبها أن ذلك الخبيث أمامها يتلاعب بها وبمشاعرها..يعلم كيف يؤثر عليها ويجعلها هشة أمامه


نعم تكره تلك الإبتسامة المُرتسمة على شفتيه والتي تُخبرها أنه يعلم بما في نفسها..عضت على شفاها السُفلى لتستعيد رباطة جأشها ثم إنتفضت فجأة تهتف بـ تذبذب


-مع السلامة يا جاسر..زيارتك طولت...


نظر إليها من أسفل ليتكأ على الأريكة وينهض أمامها..تراجعت إلى الخلف إثر نهوضه فـ إلتفت يداه حول خصرها تضمها بـ حب ثم همس بـ مرح


-اسم الله عليكي

-أوعى إيدك...


قالتها بـ حدة وخجل وهى تُبعد يده عنها فـ إستجاب لها بـ إستمتاع..تراجع خطوتين إلى الخلف ثم توجه إلى باب المنزل وقبل أن يخرج تشدق بـ تحذير قاتم


-أنا حذرتك يا روجيدا..لو عاندتيني..صدقيني هتشوفي مني وش مش هيعجبك..أنا     عيني عليكي أربعة وعشرين ساعة..فـ توقعي تشوفيني فـ أي وقت..سلام يا فراولتي...


وأغلق الباب خلفه بـ هدوء عكس عاصفة دلوفه..أمسكت روجيدا مزهرية و قذفتها إلى الباب لتتحطم أشلاء..ثم هتفت بـ غل وعناد


-طيب يا جاسر..يا نا يا أنت..عشان مش بتهدد...


ولم تكن تعي أنه يستمع إلى كل ما تتفوه به وإبتسامة تسلية مُرتسمة على وجهه..ليتشدق هو الأخر بـ تصميم


-كدا اللعب بدأ...


**************************************


كان جالس على الفراش يفرك يده بـ توتر وقدماه لم تتوقف عن التحرك بـ عصبية..مسح على وجهه بـ عنف وتشدق بـ نبرة مُرتجفة


-يلا يا نادين بتعملي إيه كل دا!!...


لم يأته الرد لعدة لحظات ليضرب الأرض بـ قدمه وهبّ واقفًا ثم تحرك إلى باب المرحاض        وقبل أن يطرق وجدها تفتح الباب وتُنكس رأسها إلى أسفل..أصابه الإحباط والحزن ولكنه كتمه وقال بـ نبرة رخيمة رغم ألمها


-كل دا بتاع ربنا يا حبيبتي..أهم حاجة أنك فـ حيـ...


قاطعته نادين وهى ترفع وجهها ثم تشدقت وعيناها تترقرقان بـ العبرات


-أنا حامل...


رف بـ عينيه عدة مرات و وقف يُحدق بها بـ بلاهة..ثم ما لبث أن صدحت ضحكاته التي إمتزجت بـ عبارات غير مفهومة


-يعني..دلوقتي..في..حامل..و و و...


صرخت نادين بـ سعادة وهى تراه يحملها ويدور بها بـ قوة ثم سمعته يصرخ بـ تحشرج


-مراتي حاااااامل...


ضحكت نادين بـ قوة ليُنزلها ثم سجد هو أرضًا شُكرًا لله وقد إمتزج حمده بـ صوت       شهقات..نهض لتجده يبكي ويضحك في آنٍ واحد..إقتربت منه وأخذت تُزيل عبراته وهى تبكي أيضًا...


جذبها إلى أحضانه وبقى صوت بكاءهم يشق السكون..ليقول سامح بـ حب


-شوفتي ربنا عوّض صبرنا خير إزاي!..دا يعلمنا إزاي منيأسش من كرم ورضا ربنا علينا..ألف حمد وشكر 



الفصل الخامس

أبعد رأسها عنه وقبّل جبينها ثم قال بـ مرح


-هتبقي حامل يا بت...


ثم خرج سامح من غُرفته بـ قصر الصياد وبدأ في الصُراخ بـ صوته كله ونادين تُراقبه بـ إبتسامة


-مراتي حامل يا ناس..مراتي شايلة ليا روح جواها..مراتي حامل ياماااا...


خرج الجميع على صوت صُراخه حتى الخدم وبقوا ينظروا إليه وكأنه مجنون ليعود ويصرخ وهو يتجه إلى والدته ومن ثم إحتضنها


-ربنا عوض صبرنا يا ست الكل..ونادين هتجبلك حفيد تاني...


لم تُصدق فاطمة ما تسمعه فـ كم عانا الإثنان من عدم إنجابهما لمدة طويلة من بعد زواجهما..فـ أطلقت العنان إلى صوتها وقالت بـ سعادة مُخطلتَة بـ عبراتها


-ألف مبروك يا بن بطني..يا منت كريم يا رب..والنبي لزغرط...


وإبتعدت عنه وبدأت بـ إطلاق صوتها وتبعتها الخادمات...


إتجهت فاطمة إلى نادين ثم إحتضنتها بـ قوة وقالت بـ حنان


-ألف مبروك يا حبيبتي..ربنا عوضك

-بادلتها نادين العناق وقالت بـ سعادة:الحمد لله..


نهض جاسر على صوت تلك الجلبة وكل ما إلتقطته أُذناه..هو ما تفوه به سامح "      مراتي حامل ياماااا"..لم يُصدق جاسر ما سمعه ليخرج مُسرعًا من غرفته وإتجه إلى شقيقه الذي بقى يُهلل ثم إحتضنه بـ سعادة وقال بـ نبرة مُهللة


-ألف مبروك يا سامح..ربنا عوضكوا خير

-شدد سامح من إحتضانه وقال بـ همس:الحمد لله..الحمد لله..كنت واثق إن ربنا مش هيخذلنا...


ربت جاسر على ظهر شقيقه ثم إبتعد عنه..إلتفت إلى والدته التي ما زالت تبكي وهى تطلق صوتها لتصمت وقالت بعدها بـ جدية


-أنا هدبح عجلين وأوزع ع الغلابة..شكر لربنا

-رد عليها بـ تأكيد:خير ما عملتي يا أمي...


إلتفت إلى سامح ثم قال وهو يربت على منكبه


-يلا روح فرح حماك وحماتك

-رد سامح بـ مرح:حمامة...


ثم إتجه إلى زوجته وحملها ودار بها ثم دلفا مرة أخرى إلى الغُرفة


إبتسم جاسر بـ سعادة حقيقية ودعا لهما بـ صلاح الحال ثم عاد إلى غُرفته مرة أخرى...


مهما طال الوقت..مهما بقت العقبات تُعيق وصولك إلى ما تصبو إليه نفسك..هناك الثقة بالله..هناك الإيمان بالله..هناك صانع المُعجزات يُخبرك "إن مع العسر يُسرا"..فـ لاتنقط وإصبر وإحتسب...


***************************************


سمعت طرق على باب المنزل فـ نهضت نور بـ تثاقل..ومن خلف الباب تساءلت بـ فتور


-مين!!...


لم يأتها رد فـ أصابها خوفًا طفيف..عادت تتساءل


-مين بره!!

-أتاها صوت سيدة:ممكن تفتحي يا نور...


لم تستطع تمييز نبرة تلك السيدة..فـ رجحت أنها إحدى جاراتهما وقد تأكدت من ذلك لمعرفتها بـ اسمها..فتحت نور الباب بـ إبتسامة.       .لتجد سيدة تبدو في الخمسين من عمرها وبـ جانبها رجُلًا يكبرها بـ السن قليلًا يُحدقون بها بـ طريقة غريبة..فـ تساءلت بـ إبتسامة مُهذبة


-مين حضراتكوا؟!...


تقدمت منها السيدة وعيناها الخضراوتين اللتان تتشابهان مع خاصتها تُغيمان بـ العبرات..رفعت يدها وربتت على وجنتها لتتراجع نور بـ خوف..إبتسمت السيدة وهتفت بـ حنان


-كبرتي يا ضنايا وبقيتي عروسة...


تقدم منها الرجل وملامحه تشي بـ الحنين ليُملس على خُصلاتها بـ حنو وتشدق


-شبه صابر..أنتو فولة وإتقسمت نصين...


تراجعت نور مرة أخرى وقد إستبد بها الخوف أكثر لتصرخ بـ حدة


-أنتوا مين!..وعاوزين إيه؟

-نطقت السيدة بـ حزن وتألم:أنا أمك يا ضنايا...


**************************************


-إبعتي إيميل لمدام داليدا وإتفقي معاها على معاد الـ meeting (الإجتماع)...


قالها صابر وهو يمد يده إلى السكرتيرة بـ بعضة أوراق تسلمتها ثم تشدقت


-تؤمرني بـ أي حاجة تانية يا فندم!...


أشار إليها سلبًا وهو يُمسك هاتفه الذي صدح مُعلنًا عن وصول مُكالمة من شقيقته..ضغط على زر الإيجاب ليسمع صوتها الجامد


-صابر!!..ماما وبابا هنا...


بُهت صابر وإستحال لون بشرته إلى الأبيض..تجمدت يداه على الهاتف وبقى صامتًا وكأنه تحول إلى تمثال صخري لا روح فيه..عادت نور تهتف بـ نبرة مُختنقة


-تعالَ يا صابر

-رد عليها بـ صوتٍ صلب كـ صلابة الحجر:أنا جاي...


ثم نهض بـ عنف عن مقعده وإتجه إلى الخارج..دلف خارج المبنى وإستقل سيارته وقادها بـ سرعة تُسابق الرياح...


في غضون ثلاثين دقيقة..كان قد وصل إلى منزله..صعد الدرج بـ غضب يتآكل أحشاءه حتى وصل إلى طابقه..وقف يستعيد أنفاسه ثم فتح الباب بـ بطء...


ما أن أبصراه حتى هرعا إليه يُقبلانه ويحتضناه..يُغدقاه عبارات الشوق والحنين..ولكنه بقى جامد كـ الصخر..عيناه مُثبتتان على شقيقته التي لا تقل عن جموده مثقال ذرة...


أغمض صابر عيناه بـ نفاذ صبر..بدأ يشعر بـ إختناق يلحف صدره..أبعد يدا والدته عن وجهه بـ تعابير صلبة..ثم نظر إليهما وبـ نبرة حادة صرخ


-بره..مش عاوز أشوف حد فيكوا هنا...


ساد الصمت مع لفحة باردة من الدهشة والإنكسار..تابعت والدته بـ ألم وحزن


-يابني..أنا جاية أشوفكم..جاية أشوف بنتي اللي متعرفنيش...


ضيق صابر عيناه ثم هدر بـ صوتٍ دوى كـ الرعد


-دلوقتي جاية تشوفينا وتتعرفي على بنتك!..راجعين حياتنا ليه بعد السنين دي كلها..بنتك حتى متعرفش شكلك..جايين تهدموا كل اللي بنيته!

-حاول والده الحديث:يابني...

-قاطعه صابر بـ وحشية:متقولش الكلمة دي..أنت تعرف عنها إيه!..قولي تعرف عنا إيه!..إطلعوا بره...


صرخ بـ الأخيرة بـ نبرة مُتألمة جريحة..فـ نظرت إليه والدته بـ نظرات تستعطفه ولكنه أشاح بـ وجهه عنها..نكست رأسها ثم رحلت هى و والده...


نظر صابر إلى نور ليجدها تنهض ثم قالت بـ هدوء أثار تعجبه


-أنا هدخل أنام شوية...


حاول الحديث أو اللحاق بها ولكنه كان في حالة يُرثى لها..فـ إرتمى على الأريكة واضعًا يده على عيناه يضغط عليهما بـ تعب..بقت لحظات حياته تمر أمام عيناه كـ مر السحاب..بدءًا من ترك والدهما لهما إلى الآن..إلا أن قطع شروده صوتها الناعم


-مين اللي خرجوا من هنا دول!!...


نزع يده عن عيناه وحدق بها بـ صدمة ثم تساءل


-أنتي جيتي أمتى!

-تجاهلت سؤاله وتساءلت وهى تضع يدها على وجنته:مالك يا صابر!...


أغمض عيناه عدة ثوان ثم فتحهما..نظر إليها لتجد بهما ضياع يكاد يفتك به..تشدق صابر بـ نبرةٍ باهتة


-أنا تعبان..تعبان أوي...


وبلا أي مُقدمات تمدد على الأريكة يضع رأسها على فخذيها..يُحيط بـ يداه خصرها ويدفن وجهه بـ بطنها..أدهشها فعلته ولكن سُرعان      ما إرتخت ملامحها وحركت يدها إلى خُصلاته القصيرة وأخذت تُداعبها ثم همست بـ حنو


-إرتاح وأنا جنبك

-شدد من إحتضانه وقال:طول ما أنتي جنبي هرتاح...


***************************************


صفّ جاسر سيارته أمام بنايتها ليجد حرسه يقفون كما أمرهم..إبتسم بـ رضا ثم إتجه إلى مقعد صغيرته وساعدها على الترجل من السيارة...


-كان لازم يعني يا نادين تجي تعرفي روجيدا..طب مش لما نتأكد الأول

-زمت شفتيها وقالت بـ حنق:أولًا أنا مُتأكدة إني حامل..ثانيًا روجيدا وحشتني وكنت عاوزة أشوفها..ثالثًا ودا الأهم إني ست حامل ولازم تعمل اللي انا عوزاه...


ثم تركته وصعدت تحت أنظاره المشدوه..كان جاسر يُتابع المشهد بـ إستمتاه ليضحك قائلًا


-تعيش وتاخد غيرها يا برنس...


حمل جُلنار ثم أتجه إلى شقيقه وربت على منكبه وصعد..بينما حك سامح مُؤخرة رأسه وقال بـ عدم تصديق


-هو في كدا!..شكلها هتبقى فترة حمل إنما إيه..عنب...


صعد وهو يضرب كف على أخر


أتت روجيدا على صوت الطرقات على باب منزلها..تأكدت من عقد الوشاح جيدًا على عُنقها حتى تُخفي تلك الأثار التي صنعها الهمجي أمس...


فتحت الباب لتجد نادين تقفز وتتعلق بـ عنقها..ثم هتفت بـ مرح


-روجيدا حبيبة قلبي وحشاني يا بيبي

-ضحكت روجيدا وضمتها ثم قالت:وأنتي كمان يا نادو...


نظرت إلى الباب وتساءلت


-أنتي جاية لوحدك!

-مامي...


هتفت بها الصغيرة وهى تقفز من أحضان والدها لتركض إلى روجيدا..التي إستقبلتها بـ أحضانها ثم رفعتها وأخذت تُقبلها بـ شوقٍ عارم..لتقول جُلنار


-وحشتيني كتير يا مامي

-قبلت وجنتها بـ عمق وقالت بـ إبتسامة:وأنتي كمان يا قلب مامي

-يا أهل الدار...


قالها سامح بـ مرح بعد أن صعد..لتتسع إبتسامة روجيدا وهى تستقبله


-أهلًا يا سامح..تعالَ إتفضل...


رفع جاسر حاجبه بـ عبث وهو يراها تتجاهله..بينما إبتسامته تتسع خُبثًا وهو يراها تُخفي علاماته عن عنقها..مال على أُذنها ما إن إقتربت منه وهمس


-حلو الإيشارب..هياكل من رقبتك حتة...


نظرت له شزرًا من طرف عيناها ولم ترد بينما تشدق سامح وهو يدلف


-أكيد زوجة أخي السابقة المصون..بتسأل ايه سر الزيارة السعيدة دي!

-إبتسمت روجيدا وقالت:يمكن...


توجه سامح إلى نادين و طوق منكبيها إليه جاذبًا إياه ثم تشدق بـ نبرة حنونة


-هكون أب قريب إن شاء الله

-بجد!!!...


صرخت بها روجيدا بـ عدم تصديق وركضت إلى نادين تحضتنها وأخذت تُقبلها ثم هتفت بـ سعادة خالصة


-ألف مبروك يا حبيبتي..يارب يجيلنا بـ السلامة

-يارب يا روجي يارب

-إبتسمت وقالت:حيث كدا..النهاردة هتتغدوا عندي

-هتف سامح بـ مرح:اشطه..أنا معنديش مانع..أنت إيه رأيك يا جاسر؟!

-لتتحدث روجيدا بـ إمتعاض:بس أنا معزمتش جاسر...


إرتفع حاجبيه بـ شدة من وقاحتها إلا أنه إبتسم بـ مكر وقال


-أنا هنا عشان جوجو حبيبة بابا عاوزاني..مش صح يا جوجو؟!...


ركضت الصغيرة إلى أحضان والدتها وقالت بـ رجاء طفولي


-بليييييز يا مامي..خلي بابي ياكل معانا..بليييييييز...


أخذت الصغيرة تتوسلها بـ عينان مُتسعتان بـ براءة أجبرت روجيدا على الإنصياع..صفقت جُلنار بـ سعادة ثم قالت


-يلا ندخل نعمل الأكل أنا وأنتي

-حاضر يا ست جوجو

-تشدقت نادين:أنا جاية أساعدكوا

-تحدثت روجيدا بـ صرامة:تساعدي مين..يلا يا ماما أقعدي إستريحي..أنتي محتاجة راحة...


كادت أن تتحدث ولكن روجيدا أشارت بـ صرامة..إبتسم جاسر بـ حب ثم تحولت الإبتسامة إلى أُخرى خبيثة وهو يقول


-خلاص أنا أساعد...


كادت أن تتذمر ولكن حماس طفلتها جعلها تبتلع تذمرها..إشتعلت غيظًا وهى ترى جاسر يرمقها بـ نظرات ذات مغذى..لتتضيق عيناها بـ غضب ثم دلفت إلى المطبخ...


وضعت روجيدا جُلنار على الطاولة وأخذت تتحرك حولها وجاسر يُساعد بـ عبث..وقفت بـ جانب طفلتها وأخذت تُقوم بـ تحضير السلطة


نظرت جُلنار إلى الوشاح بـ ضيق وقالت


-مامي إقلعي البتاع دا مش حلو...


إنتهت ثم قامت بـ حلّه عن عنقها لتظهر العلامات الحمراء..شهقت روجيدا وكادت أن تتحدث إلا نظرات جُلنار إلى عُنقها أوقفتها عن الحديث فـ أشارت الصغيرة إلى البُقع المنتشرة عليه وتساءلت بـ عقدة

حاجب


-هي الناموسة عضتك كتير يا مامي!...


توترت روجيدا ونظرت إلى جاسر الذي ينظر إليها بـ خبث فـ أصابها الغضب من خبثه وإنتظاره لردها..لتعقد حاجبيها بـ تحدي ثم قالت بـ حنق


-لا يا جوجو دي جاموسة مش ناموسة

-وضعت الصغيرة يدها على فاها وقالت بـ ضحك:قصدك الجاموسة اللي بتجيب لبن!!...


ضحكت روجيدا ملئ فاها وهى ترى تعابير وجهه تقلصت إلى الغضب والحنق..لتردف وهى تغمز له بـ عينها بـ إستفزاز


-أيوة هي دي يا حبيبة مامي...


إلتوى شدق جاسر بـ إمتعاض ثم حدث نفسه قائلًا بـ تهكم


-مبروك يا جاسر بقيت جاموسة بتجيب لبن...


بعد مدة نظر جاسر إلى الصغيرة وتشدق


-روحي يا جوجو أقعدي مع عمو سامح إتفرجي معاه على كارتون

-طيب...


قالتها الصغيرة بـ حماس ليُنزلها جاسر عن الطاولة..إتجه إلى روجيدا التي إنهمكت في طهو الطعام..ليُحيط خصرها بـ يده والأخرى على فاها تكتم شهقتها..تجاهل إرتجافة جسدها وهمس بـ عبث


-اممم..بقى أنا بقيت جاموسة..مش كدا!!


هزت رأسها بـ نفي ليُزيح يده عن فاها فـ تشدقت بـ براءة


-وبتجيب لبن...


كتمت تأوه كاد أن ينفلت بسبب ضغط يده على خصرها ثم همس مرةً أخرى


-امممم..دا رأيك...


لم تتحدث روجيدا بل ظلت صامتة ترتجف من لمسات يده على خصرها..لتجده بعدها يُزيح خُصلاتها عن عنقها وبقت أنفاسه الساخنة        تلفحه..لتزداد ضربات قلبها..مال إليه وبدأ يضع قُبلاته الخفيفة كـ أجنحة فراشة عليه..لتشتد قبضتها على الموقد أمامها وصدى أنفاسها الهادرة بقى يصدح في ذلك السكون


وبلا أي مُقدمات إبتعد عنها وأكمل طهو الطعام..ليتشدق جاسر بـ جدية عابثة


-الغلطة معايا بجون..فـ متغلطيش كتير عشان بصراحة هموت وأرجع بـ الكاس...


لم ترد روجيدا عليه بل ظلت ساكنة لا تتحرك..وهو يتحرك بـ خفة حولها حتى إنتهى من طهي الطعام


بعد مدة طويلة..إنتهى الجميع من تناول الغذاء ومضى اليوم بين أحاديث و لهو ومشاكسات جاسر التي لا تنتهي..وعند الذهاب وقف عند الباب وإنتظر هبوط سامح ونادين ليقترب من روجيدا ويهمس


-إستني مفاجأتي...


لوح لها بـ إستفزاز ثم رحل..صفعت الباب خلفه بـ حدة ثم زفرت بـ قنوط..دلفت إلى غُرفتها وبقى عقلها يُفكر ما هي مُفاجأة ذلك الجاسر!...


****************************************


بعد ثلاثة أيام..بعد غروب الشمس بـ مدة قليلة..سمعت روجيدا طرقًا على باب منزلها..زفرت بـ نفاذ صبر ثم نهضت وفتحت الباب..لتجد فتاةً ما تقف أمامها..وقبل أن تتشدق روجيدا..هتفت الفتاه


-جاسر بيه بعتلك الحاجة دي وهو مستنيكي...


ورفعت لها حقيبة أخذتها منها روجيدا بـ تعجب..إبتسمت الفتاه وقالت


-كمان بعتني أقعد مع جُلنار

-طب هو فين؟

-رفعت الفتاه منكبها وقالت:معرفش..أنا ليا دور وبقوم بيه...


زفرت روجيدا بـ حنق ثم إبتعدت لتدلف الفتاه..أخرجت هاتفها لتجد رسالة بعثها إليها جاسر محتواها


"متتأخريش عليا"


لم تعلم أتبتسم أم تغضب!..ولكن شيطان القلب سيطر عليها وإتبعت هواه...


دلفت إلى غُرفتها وأبدلت ثيابها إلى الثوب الذي أحضره جاسر..كان من الأعلى ضيق حتى الخصر من اللون الأحمر..مُزين بـ فصوص الألماس المُزيفة..ذراعاه ضيقان حتى المعصم..ثم ينسدل       بـ إتساع في طبقات عديدة من قُماش التل..قصير من الأمام حتى الركبة..وطويل من الخلف ليكون ذيل طفيف على الأرض..أسدلت خُصلاتها الكستنائية في تموجات هادئة..وتركت وجهها خالي من مساحيق التجميل..عدا عنقها لتُخفي العلامات التي بدأت تزول...


هبطت الدرج بعد أن إطمأنت على طفلتها وتوصية الفتاه عدة توصيات..توجهت إلى الخارج لتجد سيارة سوداء تنتظرها..فتح لها السائق الباب وإنحنى بـ إحترام..إبتسمت إليه روجيدا وصعدت السيارة..توجه إلى مقعد القيادة وتحرك بها...


طوال الطريق وقلبها كـ مراجل مُشتعلة حماس وخوف..أخذت تُهدأ نفسها بـ بضع كلمات حتى أفاقت على صوت السائق الذي أعلمها بـ وصولهم..هبطت من السيارة..لتجد نفسها أمام إحدى المطاعم الراقية...


دلفت إلى الداخل وقد إزدادت ضربات قلبها..كان المطعم خالي من رواده..خالي من ا       لطاولات عدا واحدة بـ المُنتصف..كانت الأرضية مُرصعة بـ إضاءة بيضاء خافتة..ويتدلى من السقف إنارة زرقاء على شكل نجوم..الورود الحمراء مُتناثرة على الأرضية لتُشكل لوحة فنية خالصة مع الأضاءة...


تلألأت العبرات بـ عينيها ثم إتجهت إلى الطاولة..وجدت بطاقة حمراء موضوعة بـ صحن أبيض كبير..أخذتها ثم فتحتها لتجد تلك العبارة


"لذكرى زواج سابعة..لم تزدادي بها إلا جمالًا ولم أزداد أنا بها إلا عشقًا"


ضحكت بـ حب وعيناها لا تتوقفان عن ذرف العبرات...


إختفت الإضاءة فجأة..لتظهر بعض المقاطع الخاصة بهم على أحد حوائط المطعم..مقطع كان يحوي على صورٍ خاصة بهم..وأخر يحتوي على مشاهد مع صغيرته حيث صغيرته بـ عمر الثلاث أعوام تجلس على الأرض وتأكل من عبوة الشيكولاتة بـ يدها فـ       شاركها جاسر وبدآ يُطعمان بعضهما..وأخير يحوي الذكرى الثالثة لقولها "بحبك"..حيث سافرا إلى تُركيا وأعادا ذكرى ذلك اليوم..وتلاها صورًا لها وهى نائمة وجاسر يُقبلها..وأخرى وهو يحتضنها..كان يحتوي ذلك العرض على أثمن ذكريات


كانت روجيدا تضع يدها على فاها لا تستطيع أن تُصدق كل هذا..أُطفأ العرض وصدحت موسيقى ناعمة وصوته الرخيم يهمس


-كل سنة وأنت أجمل حاجة فـ حياتي..تقبلي ترقصي معايا؟!...


ولم يدع لها مجالًا للرد بل جذب يدها وبدأ يتمايل معها..وبدأت طقوسهم بـ الرقص..إذ يضع باطن يدها على صدره فوق فؤاده مُباشرةً ثم تتشابك      أصابعه مع أصابعها..يضع وجهه عند عنقها يشتم عبيرها المُسكر..وهى تستند بـ وجنتها على وجنته..كان يضمها إلى صدره بـ شدة يخشى فٌقدانها ويخشى أن تنسل من بين يديه كـ الزئبق..وهى بدورها تزداد في ضمه لها...


إنتهت الموسيقى وإنتهت رقصتهما..إبتعد جاسر عنها وبقى وجهها بين يديه..همس جاسر أمام فاها


-كنت غبي لما قولتلك نطلق..كنت فاكر أنك هتكوني أحسن من غيري..كنت فاكر أني هيعيش مرتاح وأنتي بعيدة بس أهم حاجة كويسة..كنت فاكر إني هقدر ع البعد..بس البعد غلبني وسبني عطشان ليكي..إرجعيلي...


بـ الرغم من تأثرها بـ حديثه..وبـ الرغم مما قاله إلا أنها هتفت بـ عتاب


-عيبك يا جاسر أنك بتعمل وتقول عشان مصلحتي..مصلحتي معاك..قولتلك إني      مقدرش أبعد عنك ولا أقدر أعيش من غيرك..بس برضو بعدت..قولتلك إني هقدر أسامحك على أي حاجة بس مع أول هفوة ليك إخترت أنك تهرب

-هدر بـ عنف:كنت خايف أأذيكي فـ وقت مكنتش متزن فيه..المفروض أكون أمان وحماية ليكي..بس أنا رجعتك لنقطة الصفر تاني

-هتفت بـ جمود:اللي إكتشفته إن اللي بيريط بينا حبل دايب..كل ما نربطه من حتة يتقطع..الحبل أنا عافرت عشان أحافظ عليه..بس أنت اللي كنت مصمم تقطعه


عمق جاسر نظراته وتجاهل هذا الحديث..عاد يُقربها منه ثم همس بـ نبرة رخيمة تشي بـ مدى عشقه لها


-اللي بيربط بيني وبينك مش حبل..لأ اللي بيربط ما بينا شُريان لو إتقطع نموت...


بقت تنظر إليه بـ مشاعر مُتذبذبة..ليستغل تذبذبها ليقترب أكثر من شفتيها عله يُهدأ ذلك الظمأ..وقبل أن يحصل على مُراده إبتعد عنها وهو يرى      أشخاص بـ زي رسمي يقتحمون المكان..جذب روجيدا من خصرها وأوقفها خلفه..ليقف أمامهم كـ سدًا منيع ويتساءل بـ صلابة


-في حاجة يا حضرة الظابط!

-تقدم منه الشرطي وقال:معانا أمر بـ القبض عليك...


عندما يعشق الرجل يغار وحينما يغار يحترق العالم لغيرته...


رفع حاجبيه بـ إستهجان وبـ نبرة ساخرة أردف


-مسمعتش!

-مطلوب القبض عليك يا جاسر بيه..ايه اللي مسمعتوش!...


جاءه هذا الصوت الساخر من مدخل القاعة..نظر جاسر إليه بـ نظرات ساخرة مُلغفة بـ القتامة..بينما تقدم شريف منه بـ خطوات واثقة       وعيناه لا تتزحزح عن فريسته..نظرت روجيدا إلى القادم إليهم وقالت بـ صدمة


-شريف؟!

-إلتفت إليها جاسر بـ غضب ثم قال بـ زمجرة مُخيفة:قولي اسمه تاني عشان أخليها حمام دم...


إتسعت عيناها بـ قوة ثم ما لبثت أن قالت بـ ضيق


-أنت فـ إيه ولا فـ إيه؟!

-إتلهي أنتي التانية...


قالها بـ نفاذ صبر وهو يستدير إلى الذي يقف أمامه بـ كل عنجهية و برود..إبتسم جاسر بـ خبث وهو يُحدق بـ عنقه المُضمد ثم قال بـ نبرة مُبهمة


-والله أنا سايب علاماتي على رقاب الناس...


لم يفهم شريف معنى ما قاله ولكن جاسر شعر بـ روجيدا تقرص ظهره بـ غل..ضحك ليُثير إستفزاز من أمامه..ليقول الأول بـ قليل من الحدة


-ممكن أفهم بتضحك ع إيه!

-نظر له شزرًا وقال:على سذاجتك...


إحتقنت عينا شريف وكاد أن يرد ولكن جاسر مدّ يده وقال بـ نبرة مُتصلبة


-يلا يا سيادة الملازم حط الكلبشات فـ إيدي..مش كنت هتستريح لما تشوفني كدا!..وأنا بقدملك دا على طبق من دهب...


بقى شريف يُحدق به بـ صدمة قبل أن يستوعب نفسه..ليُخرج من جذعه أصفاد و وضعها بـ يد جاسر..إبتسم الأول بـ غرور وقال


-متعرفش أد إيه المنظر دا ريحني

-خرجت من فم جاسر ضحكة ساخرة وقال:عاوزك ترتاح دلوقتي..عشان أنا هريحك خالص بعدين...


ثم دفعه جاسر من منكبه وتحرك أمامه..بقى الجميع ينظر بـ صدمة ألجمت فاههم..وكان على رأسهم روجيدا..إلتفت إلى شريف الذي يُحدق به بـ بلاهة ليضحك بـ صخب ثم قال بـ برود ثلجي مُميت


-هتفضل عندك كتير!..يلا يا راجل ورانا محضر عاوزين نقفله...


وأكمل سيره وسط الجموع الفاغرة فاها بـ صدمة قاتلة...


نظر شريف إلى روجيدا التي بقت على حالها من الصدمة..تقدم منها بـ حذر فـ إنتبهت عليه ونظرت إليه بـ تساؤل ليرد بـ هدوء عصبي


-جاسر إقتحم شقتي وضربني بالرصاص وآآ...

-قاطعته روجيدا بـ سخرية:وهو دا اللي خلاك تقبض عليه

-أكيد لأ...


عقدت حاجبيها ليقترب أكثر وكاد أن يُمسك يدها إلا أنها إبتعدت وهى تنظر إليه بـ غضب..تنهد بـ إستسلام وقال بـ جدية


-البيه عقد صفقة مع رجل أعمال خليجي على إنهم يدخلوا مصر أغذية فاسدة...


فغرت فاها من الصدمة وقد شعرت بـ الشلل المؤقت يُصيب حواسها..لتصرخ بـ عدم تصديق


-أنت أكيد إتجننت...


ثم تركته وركضت إلى الخارج..فـ ناداها بـ قوة


-روجيدا إستني...


ولكنها كانت شقت الصفوف وإنطلقت إلى الخارج..مسح على وجهه بـ عنف ثم تبعها..فـ وجد جاسر يجلس بـ سيارة الشرطة و روجيدا تُحاول الحديث معه..بقت نظراته مُعلقها بها...


لاحظ جاسر تلك العينان الثعلبية التي تُحدق بها فـ إشتعلت عيناه بـ نظرات مُميتة وبـ نبرة ساحقة كـ الرعد هتف


-روجيدا إركبي العربية وروحي

-ردت عليه بـ عناد:مش همشي إلا أما أفهم...


ترجل جاسر من السيارة فـ تراجعت بـ خوف..تحرك خطوتان يلتهم بهم الأرض جاذبًا إياها إليه ثم هتف بـ نبرة كـ الفحيح


-أحسنلك تروحي عشان شياطين الإنس والجن واقفة على راسي...


شعر يدًا ما توضع على معصمه وتُبعده عن يدها..نظر إليه جاسر بـ نظرات مُظلمة حالكة السواد كـ الليل البهيم..لينطق الأخر


-شيل إيدك عنها...


نفض جاسر يده عنه بـ قوة إنخلع لها كتفه وبغتةً كان جاسر ينطح بـ رأسه أنف الأخر..فـ سقط شريف الأرض..صرخت روجيدا بـ فزع من      هذا المنظر وما لبث أن إجتمع الضُباط الأخرون حوله يمنعونه من بدء الإشتباك..بقى جاسر ينظر إلى ذلك المسجي أرضًا بـ نظرات قاتلة تكاد تسحق عظامه من فرط عنفها...


كادت أن تجثو على رُكبتيها لتفحص نزيف أنفه إلا أن صراخه القاتم بـ اسمها جمدها مكانها


-روجيدا!!!...


نظرت إليه مُبتلعة ريقها بـ صعوبة ليُزمجر من وسط الضُباط بـ نبرة صخرية تحذيرية


-شوفي إياكي..ويلا خدي العربية و روحي الوقت إتأخر...


وبلا إرادة كان جسدها ينصاع ويبتعد..تتبعها الإثنان ليُبعد جاسر الضباط من حوله ثم صعد السيارة وتحاشى النظر إلى الأخر...


نهض شريف عن الأرض وهو يمسح الدماء عن أنفه..وأخذ ينظر إلى جاسر بـ حقد وإشتعال..أمر ضباطه بـ التحرك وبـ الفعل ثوان وكان الجميع يتحرك...


**************************************


توجهت روجيدا إلى السيارة بـ خطوات غاضبة وصوت كعب حذائها يطرق الأرض بـ قوة..إنحنى السائق كي يفتح لها الباب ولكنها إبتسمت له وقالت


-روح أنت..أنا اللي هسوق

-رد عليها السائق بـ توتر:بس آآآ...

-قاطعته روجيدا قائلة:مبسش..يلا روح مش تخاف...


إنحنى مرة أخرى وإنصرف بـ هدوء..صعدت السيارة وأدارت مُحركها لتقول في نفسها وهى تقود السيارة


-أما نشوف أخرتها يا سي جاسر...


صفت سيارتها وهى ترى جاسر يترجل من السيارة وكأنها سيارته..تأففت من عنجهيته ولكنها إبتسمت قائلة


-حبيبي شخصية يا ناس...


بعدما دلف الجميع إلى داخل القسم..ترجلت هى ودلفت هى أيضًا..بحثت عن مكتب اللواء يُسري فـ وجدته بعد عناء..نظرت إلى العسكري الذي يقف أمام باب مكتبه وقالت بـ خفوت


-لو سمحت ممكن تقول لـ اللوا يُسري إن روجيدا الصياد برا...


نظر إليها العسكري بـ تفحص قبل أن يقول بـ جفاء


-لحظة واحدة...


أومأت بـ رأسها ليدلف العسكري وبعد ثوان عاد وأشار لها بـ الدلوف..إبتسمت بـ لطف ثم دلفت..وما أن وقفت أمام المكتب الخشبي حتى نهض      رجل يكاد يبلغ الخامسة والخمسون من عمره..طويل القامة وشعره الفضي يضفو عليه الهيبة..إبتسم اللواء وقال


-إتفضلي يا روجيدا يا بنتي واقفة ليه!

-مرسيه يا سيادة اللوا...


ثم جلست وعلى وجهها إبتسامة..بادرها بـ سؤاله الروتيني


-تحبي تشربي إيه!

-هزت رأسها بـ نفي وهى تقول بـ إحترام:مرسيه لحضرتك مش عاوزة..بس كنت عاوزة أسال حضرتك عن حاجة

-عقد حاجبه ولكنه قال بـ تفهم:إسألي براحتك...


حمحمت روجيدا وأخذت تفرك كفيها بـ توتر ثم تساءلت بـ خفوت


-هو جاسر ليه مقبوض عليه!

-سألها بعدم فهم:مأبوض عليه إزاي؟

-أوضحت:الملازم شريف جه وأخده بـ تهمة إدخال مصر أغذية فاسدة...


لاحظت تقلص عضلات وجهه إلى الغضب وأخذ يلعن بـ خفوت لم تلتقط من تذمره سوا


-برضو يا شريف عملت اللي فـ دماغك!

-أفندم!...


تنهد يُسري بـ نفاذ صبر ثم قال بـ شئٍ من الغضب


-شريف كان مكلمني فـ الموضوع بس أنا قولتله يقفل عليه ومسمعش الكلام

-عقدت روجيدا حاجبيها وهى تتساءل:مش المفروض الأمر دا يطلع بـ إذن رسمي!

-أكيد طلع بس الأكيد أنه مش مني...


صمتت روجيدا قليلًا تشعر بـ أن هُناك حلقة مفقودة من كل ذلك الحديث..هى تعي نزاهة جاسر وإن كان يستخدم الطرق المُلتوية ولكن مع ذي النفوس الفاسدة..هو لم يقع بـ الخطأ أبدًا..شرس وربما قاسي القلب وربما الأكثر شراسة و قسوة..ولكنه لم يكن من هؤلاء..تحمحمت روجيدا وتشدقت بـ هدوء ظاهري


-حضرة اللوا أنا بعتبرك فـ مقام بابا الله يرحمه فـ ممكن تقولي كل حاجة تعرفها عن جاسر!...


نظر إليها يُسري مُطولًا..كان أحد عناصر الشرطة الصالحين الذي تعامل معه جاسر مُنذ زمن..مُنذ أن علم أن عائلة الهواري لها يد بـ تجارة المخِدرات والصفقات المشبوهه وتجارة الأعضاء..كان اللواء       هو من يعاونه في التخلص من تلك الجهات وقد علمت روجيدا بـ تلك العلاقة مُنذ أن أُلقي القبض عليه بـ تهمة قتل جابر الهواري..تفاجئ يُسري من أن جاسر زوجها وقد كان رفيق والدها مُذ أيام الدراسة...


أخرج يُسري لُفافة تبغ و قام بـ إشعالها ثم نفث هواءها بـ هدوء..تشدق بعد مدة


-اللي هقوله يكون وبيني وبينك لأني وعدت جاسر

-بـ الرغم من عدم فهمها إلا أنها قالت:أكيد

-أخذ نفسًا عميق ثم بدأ يسرد عليها:طبعًا عارفة جاسر كان بيتعامل معايا من إمتى..تقريبًا من قبل أما يعرفك...


أومأت بـ رأسها فـ عاد يُتابع


-ما علينا أنتي كل دا عرفاه..المهم جاسر من فترة طويلة وهو بتجيله تهديدات..ولما التهديدات مجبتش نتيجة بدء يتورط فـ صفقات مشبوهه..        صفقة ورا التانية..كل مرة كان بيخرج نفسه ولما عرف مين اللي ورا التهديدات وموضوع الصفقات دي قرر يخلي كل حاجة تمشي بـ سرية...


إبتلعت غصة بـ حلقها وهى تراخ يسرد تلك الحلقات المفقودة..تجمعت العبرات بـ عيناها وتشدقت بـ تحشرج


-أكيد المافيا اللي لسه ورايا

-أومأ بـ رأسه وقال:أيوة بس هما عارفين أنتي فين..مهما كان قوة جاسر ونفوذه مش هيقدر يحميكي منهم..أنتي أصلًا مش الهدف حاليًا...


نظرت إليه بـ صدمة ورددت بـ شرود


-جاسر؟!

-أومأ مرة أخرى وقال:أيوة..نفوذ جاسر كل مادا بيزيد فـ مصر والوطن العربي..حتى الغرب وبكدا يُعتبر هو ضربة حظ ليهم..يدير الصفقات ويعمل شغلهم فـ الدول اللي ميعرفوش يوصلولها..حاولوا يدخلوه بـ عالهم بس جاسر رفض وبـ شدة..وبعدين بدأوا يددوه بيكي من أول الحادثة اللي حصلتلك لحد أما إتطلقتوا

-هتفت بـ نشيج:مش فاهمة..إيه علاقة طلاقنا!

-وصلو لجاسر شركته وحد منهم كان بيحطلوا مخدرات فـ العصير والقهوة اللي كان بيشربها من غير أما يحس..الجرعات كانت مُضاعفة عشان       يعملو منه مدمن فـ وقت قصير..ودا أثر عليه كتير وعلى تصرفاته..هما عارفين يضربوه فين..جاسر شخص عصبي و غير متحكم فـ نفسه ودي كانت حاجة سهلة...


حمحم بـ إحراج وأخفض نظره ثم قال


-كانوا عارفين هيأذيكي إزاي لما يأثروا عليه بـ المخدرات..متستغربيش هما يعرفوا عنه كتير وبالتالي قرروا يعيشوه ليلة تانية ميقدرش ينساها..ليلة حصلتلك قبل أما يقابلك...


ثم أطفأ لُفافة التبغ وهو يتحاشى النظر إليها..كانت جامدة تتطلع إلى الفراغ بـ جمود حاد عكس موجه الألم التي إعتصرت قلبها..عليه وعلى       نفسها..كانت تود الصراخ ولكنها حقت فقدت صوتها..تشعر بـ ذوبان أحبالها الصوتية حتى بدت بكماء..شددت قبضتها على ثوبها ونهضت بـ إرتجافة ثم هتفت بـ نبرة مُنكسرة


-شكرًا يا سيادة اللوا..أنا كدا فهمت كل حاجة..بعد إذنك...


حاول الحديث معها ولكنها كانت دلفت إلى الخارج..تنهد هو تنهدة حارة ثم رفع سماعة الهاتف وبـ قوة قال


-أبعتلي يا بني الملازم شريف...


**************************************


كان جاسر يجلس خلف القضبان بـ هيبته الرجولية العميقة..يضع قدمًا على أخرى وذراعه معقودان أمام صدره..وشريف يجلس أمامه يستمتع بـ مشهده هذا...


تحولت نظرات جاسر إليه فـ تزداد قتامة فوق قتامتها..يُريد جاسر الفتك به بـ شتى الطُرق..نظراته إلى روجيدا حبيبته تجعله يشتعل نيرانًا..     تجعله يُريد إراقة دماؤه وإقتلاه مُقلتيه من محجريهما..تبعث في نفسه هواجس رجال البادئة..كانت نظراته سهام قاتلة أصابت الأخر بـ بعض التوتر ولكنه أخفاه بـ براعة


دلف عسكري وهمس إلى إليه بـ بضع كلمات فـ أومأ إليه شريف ليرحل العسكري..وقبل أن يخرج هتف جاسر بـ نبرة مُميتة


-خليك فاكر أنت اللي بديت والبادي أظلم...


تحرك شريف إلى مكتب اللواء يُسري..طرق الباب ثم دلف وقبل أن يتفوه بـ أي حرف كان الأول يسبقه بـ حدة وتحذير


-حالًا جاسر الصياد يطلع من هنا

-إتسعت عيناه بـصدمة ثم قال بـ عدم فهم:مش فاهم سعاتك!

-ضرب على طاولة المكتب وقال:اللي سمعته..مدخلش مشاكلك الخاصة فـ حاجة زي دي..تفرج عنه حالًا يا شريف يا إما صدقني هعمل حاجة مش هتعجبك

-أردف بـ عصبية:أنا عاوز أفهم ليه حضرتك بدافع عنه!..ماسك عليك ذلة مثلًا؟!

-عاد يضرب بـ قوة أكبر ثم هدر بـ عنف حارق:متنساش نفسك يا حضرة الملازم       ومتتجاوزش حدودك معايا..كلامي مش هعيده وإلا قسمًا عظمًا لاكون متصرف معاك بـ أسلوبي...


كور شريف قبضته وبقى يُحدق بـ اللواء بـ غضب..ليردف يُسري بـ لهجة قاسية


-إتفضل إفرج عنه وياريت تبطل شغل العيال دا وتنبش ورا حاجات هتخليك فـ خبر كان..إتفضل...


أشار له بـ الخروج ليؤدي التحية العسكرية وبـ داخله يحترق..يشعر بـ بركان يفور داخل أحشاءه..أغمض عيناه يتحكم في مشاعره ثم وبعد دقائق كان كلٌ شيئًا قد تم عكس ما أراد


*************************************


دلف جاسر خارج القسم وعلى وجهه نظرات مُزدرية ليأتيه صوت يتآكل حقدًا


-متفكرش إن كدا الموضوع خلص...


وضع جاسر يديه في جيبي بنطاله ثم إلتفت إليه وبقى ينظر إليه من قمة رأسه حتى أمخص قدميه بـ نظرات تهكمية..ليردف بعد مدة ما أن رأى الأخر يستعر بـ نيران الغضب


-هو إيه اللي إبتدى عشان يخلص!

-اللي بينا يا صياد..اللي قذارة عملتها هتتحاسب عليها...


قالها شريف وهو يتقدم منه بـ خطوات تحفر الأرض من شدة غضبها..لم يهتز جاسر ولو مقدار إنش بل إرتفع جانب فاه بـ إبتسامة سُخرية ولم يرد..جز على أسنانه وأردف


-صدقني كل اللي بتبنيه ههده

-ربت جاسر على منكبه وقال بَ سخرية لاذعة:إبعد عن طريقي يا شاطر عشان مخلكش حتى تنفع أمين شرطة...


ثم تركه وما كاد أن يتحرك خطوتين حتى توقف وقد إشتعلت عيناه بـ جحيم مُهلك ما أن سمع كلمات الأخر


-هخليها تشوفك على حقيقتك..هخليك تشوفها وهى بتمسك إيدي وبتسيبك

-زمجر جاسر وهو يستدير إليه بـ عنف:أه يا بن الـ***الـ****...


وإنهال عليه بـ الضربات الموجعة ظل يركل ويلكُم بـ وحشية وكأن شياطين الأرض قد تلبسته..ولكن الأخر لم يقف تتوجه إليه اللكمات بل ظل      يضرب هو الأخر بـ حجم كرهه لجاسر الصياد..يكرهه وبـ شدة نعم..يكرهه لأنها تعشقه إلى درجة عجز عقله عن وصفها أو تحليلها قصتهما قد تعدت مراجل عشق روميو وچوليت وملمحة كيلوباترا ويوليوس قيصر وبادئة عشق عنتر وعبلة


ظلا يتشاجرا كـ أولاد الشوراع حتى سمعا صوتها وهى تصرخ بـ حدة مُفرقة إياهم


-بس أنت وهو..أنتوا إتجننتوا!...


لم يرد عليها أحدهما بل ظلا ينظران إلى بعضهما والشرر يتطاير من عيناهما وكِلاهما يتوعد إلى الأخر بـ أغلظ العقاب..وقفت بـ المنتصف تنظر إلى هذا تارة وإلى ذاك تارة..وجهيهما عبارة عن لوحة فنية مُلطخة بـ دماءهما الملوثة بـ الأتربة..وضعت يدها على عيناها ثم هتفت بـ غضب


-إيه شغل العيال دا!..إتفضلوا كل واحد يروح...


همت أن تعود إلا أن يد جاسر إعتصرت معصمها وجذبها إلى جسده يُحيطها بـ قوة       هشمت عظامها..نظرت إليه بـ صدمة ولكنها إبتلعت حروفها وهى ترى بؤبؤي عيناه يشتعلان نيران وحولهما ظلام دامس..كان هذا المزيج يُذيب العظام خوفًا ورهبة بـ قلب أعتى الرجال..لتُخفض نظراتها وصمتت


لم يتحمل شريف أن تكون بـ أحضانه ليندفع إليها كي ينتزعها منه شر إنتزاع..ولكن قبل أن يصل إليها كان جاسر يُبعدها خلفه يده على خصرها تُقربها من ظهره حتى إلتصقت تمامًا فـ بات يستشعر دقات قلبها المذعورة كـ فأرة هاربة من براثن هرة


أبعد جاسر يده قبل أن تصل إليها وقد تصلبت عضلات جسده ويده تسيبت على معصم الأخر حتى عجز عن نزع يده عنه..بقى يُحدق بـ نظرات أكثر ظُلمة والنيران تشتعل أكثر..عضلات فكه قد إشتدت وعروق نحره و عنقه ظهرت بـ شكل مُخيف..هتف بـ صوتٍ زلزل كيان الأخر بـ طريقة عجز عقله عن تفسيرها


-اللي يفكر يلمس حاجة ملكي..صدقني يبقى عذاب الأخرة هيكون هين قصاد اللي هعمله فيه...


ثم رحل جاذبًا إياها من خصرها يُقربها إليه أكثر خوفًا من أن يختطفها هذا القذر      ..فتح سيارته التي أتى بها سائقه وأشار له بـ الإنصراف..ثم تحرك إلى مقعد القيادة وإنطلق بـ السيارة بـ قوة حتى أصدرت صريرًا عنيف إقشعرت له الأبدان..وبقى ذو القلب المُحطم يُحدق بـ الغُبار الذي خلفته السيارة...


*************************************


كان جاسر يقود السيارة بـ سرعة دبت بـ قلبها الرعب وما زاد وهى تراه يسلك     طريق غير طريق منزلها وغير طريق القرية..حاولت بـ شتى الطُرق ولكن لا فائدة..صرخت بـ فزع وهى ترى شاحنة كبيرة تُطلق بوقها حتى يبتعد عن مسارها


-جااااسر!!!...


وإنحرف بـ اللحظات الأخيرة ثم أطفأ المُحرك بـ ذلك الطريق الصحرواي المُظلم


كانت أنفاسها لاهثة يكاد يقف قلبها من فرط الذُعر..عيناها مُتسعة بـ درجة كبيرة حتى شارفت على الإستدارة..وضعت يدها على قلبها المسكين الذي كان يطرق كـ المطرقة بين جنبات صدرها..سمعت      صوت الباب يُغلق بـ عنف لتراه يقف أمام السيارة ينحني ثم يرفع رأسه ويُطلق زئير مُفزع أرسل قُشعريرة بـ جسدها..وبلا تفكير كانت ترجلت من السيارة وإتجهت إليه بـ خطوات شرسة


إستدار ليجدها تتقدم إليه وظلت تدفع بـ صدره وهى تصرخ بـ جنون


-أنت أكيد جرى لمخك حاجة!..أنت مالك فيه إيه!

-نظر إليها بـ نظرات دبت الرُعب بـ أوصالها ثم هدر بـ عنف:في إن واحد *** حاطط عينيه على مراتي..عاوز ياخدها من حضني

-دفعته بـ قوة أكبر وهتفت بـ صراخ:أفهم بقى أنا مبقتش ليك..خلاص كل اللي بينا نهيته وبتنيه بـ غرورك وأنانيتك


ضربت صدره بـ كل قوتها ثم هدرت بـ إنفعال وعيناها تلمع بـ عبرات


-كل طوبة بنهدها ما بينا بيتبني قصداها ألف جدار..كنت مفكرة إني جزء لا       يتجزأ منك زي ما بتقول..كان نفسي تحكيلي وتقولي ع اللي بتعانيه يمكن كنا نوصل لحل بدل الفراق اللي وصلتنا ليه..ليه كنت بتدبحني بسكينة باردة تحت مسمى بحميكي...


شهقت تأخذ أنفاسها المسلوبة وبقى هو يُحدق بها بـ جمود يُثلج القلوب لتعود وتهتف بـ تألم


-أنا عرفت أحمي نفسي فترة طويلة..مش أنت اللي هتقدر تحميني من قدر ربنا كاتبه لينا..كنت مفكرة اللي بينا عشق محدش يقدر يهدمه

-هدر بـ صوتٍ قد صدى صداه بـ الخلاء:أومال اللي بينا إيه!

-صرخت:وهم إتبنى على كدبة..الحب ثقة يا جاسر بيه..تيجي تشكيلي وتقولي محتاجك..تيجي تترمي فـ حضني وتفضفض..تيجي وتقولي خليكي أماني والحيطة اللي أتسند عليها وقت ضعفي..لكن...


صمتت تبتلع غصتها ثم عادت تُكمل وقد أجهشت بـ البُكاء


-كل اللي بنيته فـ ثانية بتهده أنت..أناني بدرجة تخلي اللي بينا يتهدم مع أي نسمة      هوا معدية..أذتي بـ أكتر حاجة عملالي هاجس لحد دلوقتي مرتين وسامحتك..بنسى قسوتك وبنسى جبروتك لما بلمح نظرة العشق بـ عينيك ليا..حاولت كتير


 صدقني أنسى اللي عرفته من شوية وإن مفكرة اللي عايشة معاه مبيخبيش عني حاجة..طلعت أعرف عنه قشور..كان نفسي تحط إيدك فـ إيدي ونتحدى كل صعب فـ حياتنا..بس أنت بتختار الأسهل والأكتر أنانية...


أمسك ذراعيها وأخذ يهزها بـ شراسة وعنف ثم هدر بـ نبرة قاسية


-أنانية عشان بحميكي!..لو دي الأنانية من وجهه نظرك فـ أنا أكتر بني أدم أناني ممكن تعرفيه..لو دي الأنانية فـ أه مش هنكر..أنا بخسر أي ذرة عقل وحكمة لو حاجة تخصك..بيبقى قلبي سايقني لو معناه هخسرك

-هتفت بـ سخرية:وأديك خسرتني..خسرتني بجد المرة دي..كان ممكن تنفادى الفراق والقهر اللي عشنا فيه لو كنت قولتلي

-هدر من بين أسنانه:وأنتي كنتي هتعملي إيه!..هيكون فـ إيدك إيه أكتر من اللي بعمله

-صرخت بـ إهتياج وهى تضرب صدره:كنت همسك إيدك وهقويك..كنت       هخليك تقف لما تقع مش تكون لوحدك..كنا هنخلق المُعجزات فـ سبيل نحمي بعض وبنتنا..كنا هنكون أقوى وأكبر طول ما توكلنا على ربنا..كنا هنعمل كل حاجة عقلك الصغير ميقدرش يستوعبها...


وبدأت بـ البُكاء وهى تُخفض رأسها..جذبها أكثر إليه حتى أجبرها على رفع رأسها ثم همس بـ فحيح


-لو كل اللي قولتيه دا مفكترش فيه مكناش حاليًا كدا..الحادثة اللي حصلتلك وكانت     بسببي وأنا بشوف جسمك مفهوش عضمة سليمة..لما أشوفك مش عارفة تمشي ودا برضو بسببي..لما أفكرك بـ ليلة من عذاب ليا مش بس ليكي ودا

 برضو بسببي..لما أحس أني بقيت خطر عليكي قبل أما أكون خطر على نفسي..يبقى لأ يا روجيدا..طظ فـ قلبي اللي بيتكوي بالبعد وفـ فيا عشان بس أشوفك كويسة..وعارفة كل حاجة خلصت لما بعدت عنك

-إبتسمت بـ سخرية وقالت بـ حزن:يبقى خليك بعيد..لأني خلاص مليت من       عذاب حب مش هنقدر نكمله طول ما تفكيرك كدا..أنت خسرتني من اللحظة دي وأنا هحققلك أمنيتك وهبعد..وصدقني هكون حياه جديدة وجايز مع حد جديد...


إشتعلت عيناه بـ نيران وأضحت جمرتين مُشتعلتين بـ أتون الحب المُهلك..شدد من قبضته على ذراعيها حتى سمع صوت فرقعة عظامها..ثم هدر بـ فحيح أفعى


-مش هتكوني لحد غيري..وعمرك ما هتكوني لحد غيري..كل حاجة فيكي ملكي..اللي هشوفه بيقرب منك هنسفه نسف..هحسب ربنا مخلقوهش أصلًا

-بدأت بـ دفعه بـ صدره وهتفت بـ خوف:أنت أكيد جرا لمخك حاجة...


تركها تتراجع خطوتان قبل أن تلتف يده حول عُنقها ليجذبها بـ قوة إلى صدره..ويده الأخرى إلتفت حول خصرها بـ بطء مُخيف ليهمس أمام شفتيها وهو يتفرسها بـ جوع نهش جدران قلبه


-حبكِ لعنة..وأنتي اللعنة...


ثم إنقض على شفتيها يفترسها بـ جوع ونهم وكأنه أسد يتضور جوعًا وها هى غزالته بين يديه..يعلم أن ما يفعله مُحرم ولكن لطُغيان القلب أحكام       وخاصةً إذا كانت الشياطين توسوس لك بـ خبث عن لا ضير بـ ذلك..قربها أكثر إليه وكأنه يُريد أن يُدخلها إلى أضلعة..وهى بـ الكاد تستوعب ما يحدث..عمق

 قُبلته أكثر وأصابع يده تصعد إلى فروة رأسها لتُزيدها قُربًا..كانت لشفتيها سحر يجذبه عكس الجاذبية..يشعر وكأنه كان بـ الجحيم وبين شفتيها أضحى النعيم..شعر وكأن جسده يضربه الثلج وبداخله مراجل مُشتعله ويضربه البرق وهو بين شفتيها بعد فراق طويل


لم يبتعد عنها وظلت شفتاه تعزف مقطوعة خاصة بهم..كانت يده التي على خصرها تتحرك بـ معزوفة خاصة بها هى الأخرى..كان مُغمض العينان وهو يتمتع بـ شهد شفتيها التي أدمنها وأضحت هوسه


فتح عيناه ليرى إتساع عينيها ويشعر بـ إرتخاء جسدها وأنفاسها التي لم     تعد موجودة من الأساس..أجبر نفسه على الإبتعاد وظل يُطلق اللعنات وهو يلهث..حدق بها وكأنها جثة سُلبت منها الحياه بـ لحظة واحدة..إستند بـ جبينه على جبينها


 ويداه تسنداها عن السقوط..ظلت أنفاسه الثائرة تضرب أنفاسها الثقيلة..نزل بـ نظراته إلى شفتيها ليرى جرمه الشنيع..شفتيها مُتورمة حد الإزرقاق وتنزف من الأسفل..أزال تلك الدماء وجذب رأسها يدفنه بـ عنقها ثم همس بـ صوتٍ عميق يتخلله عشق أنهك خلاياه


-وكأني كنت فـ الجنة...


*************************************


إستيقظ صابر على تلك الربتات الخفيفة على وجهه وصوتها الناعم يُداعب أُذنيه بـ رقة


-صابر!..قوم يلا كفاية نوم...


تململ بـ إنزعاج ثم فتح عيناه بـ تثاقل وحدق بها ليجدها تبتسم إليه بـ حنو      ولا تزال يدها تُملس على خُصلاته بـ رقة..نهض عن أحضانها ومسح على وجهه ثم تساءل بـ صوته المُتخدر


-هى الساعة كام!

-ردت بـ هدوء:تسعة ونص

-تشدق بـ صدمة ودهشة:يااااه نمت كل دا!...


أومأت بـ رأسها بـ صمت..حرك هو رأسه وبحث عن شقيقته ليسمع صوتها يقول بـ خفوت


-هى لسه مصحتش..أنا قومت أشوفها لاقيتها نامية...


أومأ بـ رأسه بـ صمت ثم وضها بين كفيه ولم يتحدث..إقتربت منه وربتت على ظهره ثم قالت بـ نبرة جادة


-مش ناوي تفهمني في إيه!...


زفر أنفاسًا مُثقلة وأعاد رأسه إلى الخلف وبدأ بـ سرد ما حدث معه سابقًا وما حدث الآن ليقول بعدها بـ إنفعال وهو يلكز صدره بـ قهر


-أنا اللي ربيتها..أنا اللي أبوها وأمها..هما سابونا ومشيوا عشان خاطر عذر تافه..فقر!..يعني إيه كنا فقرا يا بسنت!..وفيها إيه!..ربنا مبينساش حد...


أبتلعت بسنت غصة في حلقها حزنًا عليه فـ أكمل بـ نبرة مُثقلة


-أنا اللي مسكت إيديها وهى رايحة أول يوم مدرسة..عرفتها كل حاجة عن البنات والحب..أنا اللي نصحتها وبنيت شخصيتها..تعبت فـ تربيتها وإتمرمط عشان خاطرها..تحديت الفقر وقولت ربنا مبينساش عبده ومحدش بيموت من


 الجوع..أنا اللي علمتها وكبرتها وخليتها كدا..أنا اللي كنت باخد سنة فـ سنتين عشان       خاطرها..عشان مخلهاش تحتاج حاجة أو تحس إنها أقل من حد..أنا فضلت أعافر وأعافر لحد أما وصلت لـ اللي أحنا فيه..هى حقي أنا..أنا أبوها وأخوها وأمها وكل حاجة..ميجوش بعد كل دا ويقولوا عيالنا..كانوا فين لما كنت ببات جعان وسقعان...


قاطعته بسنت وهى تضع يدها على فاه ثم إرتمت بـ أحضانه وعلت شهقاتها..إحتضنها       صابر هو الأخر بـ قوة يستمد منها الدفء الذي فقده..سمع صوتها وهى تقول بـ نشيج وحب


-أنا جنبك وجنبها..هكون أمها وأمك فـ نفس الوقت يا صابر..متزعلش نفسك وأقف جنب أختك..إحترم قرارها وشوفها هتقول إيه..أكيد هى محتاجة حنان الأم والأب...


إبتعد عنها على حين غُرة وقبل أن يتشدق وضعت يدها على فاه وأكملت بـ جدية


-عشان بتحبها شوف هى محتاجة إيه حتى لو مش أنت..ولو إختارتك كون ليها كل اللي عملته فـ غيابهم..إسمحلها تحس بـ اللي إتحرمت منه متخلكش أناني..لو يهمك مصلحتها...


لم يبدُ عليه التأثر وملامحه كان خالية تمامًا إلا أنه نهض ثم قال بـ جمود


-يلا أوصلك..الوقت إتأخر

-تنهدت بـ ضيق ثم قالت بـ يأس:مفيش فايدة...


نهضت ثم قالت وهى تُقبل وجنته


-خليك مع نور وأنا هروح مع عمو فوزي..زمانه وصل..أنا كلمته وأنت نايم...


تحركت خطوتين ثم عادت تُقبل وجنته الأخرى ثم قالت بـ مرح وهى تبتعد


-عشان خدك دا ميزعلش..تصبح على خير...


إبتسم ثم إقترب منها ومال يُلثم جبينها بـ عمق وتشدق بعدها


-وأنتي من أهلي قريب يا مجنونتي..كلميني لما توصلي...


أومأت له بـ موافقة ثم رحلت..تنهد صابر بـ قهر وهو يشعر بـ أن قلبه مُثقل بـ الهموم      بل و زاد عمره أعوامًا..توجه إلى غُرفة شقيقته وتمدد بـ جانبها ثم جذب رأسها و وضعها على صدره فـ قبلها وقال


-مش هتخلى عنك يا نور..حتى لو هحبسك هنا...


***************************************


بعدما إستعادت روجيدا أنفاسها دفعته بـ حدة عنها وبقت تنظر إليه بـ غضب..وبلا مُقدمات هبطت على وجنته صفعة قاسية منها وردفت بـ عدم تصديق


-إزاي تفكر تلمسني كدا!...


مسح جاسر على وجنته التي صفعتها وهبط إلى ذقنه وبقى يحكها..حدق بها بـ نظرات غريبة ولكنها عميقة..قرأت بهما الغضب الذي يُكافح        في حبسه بـ داخله وكان هذا واضح من إنقباض عضلة فكه وتكور يده بـ شدة أبرزت عروقه..ليبتسم من زاوية فمه ثم قال بـ هدوء


-كنت عطشان وأبقى غبي لو شفتك ومشربتش..ومعنديش مانع أشرب تاني...


رفعت يدها تنوي صفعه مرة أخرى ولكنه أمسك معصمها وأداره خلف ظهرها ثم جذبها بـ شراسة و وحشية إليه حتى إصطدمت بـ صدره القوي وقال بـ تحذير


-أنا فوّتها المرة الأولانية عشان عندك حق..لكن متستحليهاش يا روجيدا عشان شكلك نسيتي زعلي...


إبتلعت ريقها بـ صعوبة وأخذت تُحدق بـ عيناه التي تحولت إلى الشراسة ولكنها تمتزج بـ نظرته الخالصة لها..مهما أظهر من القسوة أمام العالم تبقى         هى نقطة ضعفه الوحيدة..يبقى مُعرى من جميع الأكاذيب ويلتبس الحقيقة أمامها..فـ هو ليس إلا عاشق على شفا خُسارة حبيبته ولن يسعه حرق الكون في سبيل إستعادتها


ضيقت عيناها بـ حدة وأخذت تتلوى من بين يديه ثم قالت بـ غضب


-سيب إيدي عاوزة


                      الفصل السابع من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-